الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلم ((الميكادو)) - الحاكم اليابانيّ - بأمري فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهب اشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة، وأدوات وآلات، وعندما أردت شحنها إلى اليابان كانت النقود قد فرغت، فوضعت راتبي وكل ما ادخرته.
وعندما وصلت إلى ((نجازاكي)) قيل لي: إن ((الميكادو)) يريد أن يراني، قلت: لن أستحق مقابلته إلا بعد أن أنشىء مصنع محركات كاملاً، استغرق ذلك 9 سنوات، وفي يوم من الأيام حملت مع مساعدي عشرة محركات (صنع في اليابان) ، قطعة قطعة، حملناها إلى القصر، ودخل ((الميكادو)) وانحنينا نحييه وابتسم وقال: هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي، صوت محركات يابانية خالصة، هكذا ملكنا ((الموديل)) وهو سر قوة الغرب، نقلناه إلى اليابان، نقلنا قوة أوربا إلى اليابان ونقلنا اليابان إلى الغرب)) (1).
ثانياً: الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد:
وهذا مَعْلَم بارز في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن تبعهم بإحسان، يقول حذيفة رضي الله عنه:
((صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند
(1)"مجلة المجتمع": العدد 998.
المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مّربسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه)) (1).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
((صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه)) (2).
وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه على فراش الموت يذكر أموراً تدل على همّته في العبادة والزهد، فروي عنه أنه قال:
((اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا ولا طول المكث فيها لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل، وظمأ الهواجر في الحر الشديد، ولمزاحمة العلماء بالركب في حلَق الذكر)) (3).
(1) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه بالليل.
(2)
المصدر السابق.
(3)
((حلية الأولياء)): 1/ 239.
هذا وقد كان يعيش في دمشق ولكنه علا بهمته عما فيها من مغريات وجمال.
وهذا الإمام مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة قد روى عنه الإمام ابن القاسم (1)
هذه الحادثة:
((كنت آتي مالكاً غلساً (2) فأسأله عن مسألتين، ثلاثة، أربعة، وكنت أجد منه انشراح الصدر، فكنت آتي كلّ سحر، فتوسدت مرة في عتبته، فغلبتني عيني فنمت، وخرج مالك إلى المسجد فلم أشعر به، فركضتني سوداء له برجلها وقالت لي: إن مولاك لا يغفل كما تغفل أنت، اليوم له تسع وأربعون سنة ما صلى الصبح إلا بوضوء العَتَمَة (3) ، ظنت السوداء أنه مولاه من كثرة اختلافه إليه)) (4).
وإذا أردت التوسع في أمثلة عبادة السلف وزهدهم فسيطول بي الأمر، وحسبي ما أوردته دليلاً على علو هممهم.
(1) عالم الديار المصرية ومفتيها، أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العُتَقيّ بالولاء، المصريّ، صاحب الإمام مالك. كان ذا مال ودنيا
فأنفقها في العلم، وله قدم في الورع والتألّه ، ولد سنة 132 وتوفي سنة 191 رحمه الله تعالى. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 9/ 120 - 125.
(2)
انظر إلى هذه الهمة العالية إذ يأتيه قبل الفجر، وفي أيامنا قلّ من يجلس مستيقظاً بعد صلاة الفجر إلى أن يصلي ركعتين بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، وإذا طلب من أحد الدرس بعد الفجر يعتذر بأنه موعد غير مناسب، وهذا حتى في أيام الإجازات التي ليس فيها عمل صباحيّ مبكر يحتاج إلى راحة.
(3)
أي العشاء.
(4)
((ترتيب المدارك)): 3/ 250.