المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأولفي أسماء المسجد الأقصى وفضائله وفضل زيارته وما ورد في ذلك على العموم والتخصيص والإفراد والاشتراك - إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى - جـ ١

[المنهاجي الأسيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأولفي أسماء المسجد الأقصى وفضائله وفضل زيارته وما ورد في ذلك على العموم والتخصيص والإفراد والاشتراك

- ‌الباب الثانيفي مبدأ وضعه وبناء داود إياه وبناء سليمان عليه السلام على الصورة التى كانت من عجائب الدنيا، وذكر دعائه الذي دعا به بعد إتمامه "لمن دخله" ومكان "الدعاء

- ‌الباب الثالثفي فضل الصخرة الشريفة والأوصاف التي كانت بها في زمن سليمان عليه السلام وارتفاع القبة المبنية عليها يوم ذلك وذكر أنها من الجنة وأنها تحول يوم القيامة مرجانة بيضاء

- ‌الباب الرابعفي فضل الصلاة في بيت المقدس ومضاعفتها وهل المضاعفة فى فضل الصلاة تعم الفرض والنفل أم لا؟ وهل المضاعفة تشتمل الحسنات والسيئات؟ وفضل الصدقة والصوم والأذان فيه والإهلال بالحج والعمرة منه وفضل إسراجه وأنه يقوم مقام زيارته عند الفجر، عن قصده

- ‌الباب الخامسفي ذكر الماء الذي يخرج من أصل الصخرة وأنها على نهر من أنهار الجنة وأنها انقطعت في وسط المسجد من كل جهة لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وفي أدب دخولها وما يستحب أن يدعى به عندها، ومن أين يدخلها إذا أراد الداخل

- ‌الباب السادسفي الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ومعراجه إلى السماء وذكر فرض الصلوات الخمس وذكر قصة قبة المعراج والدعاء عندها وفي مقام النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل قبته وصلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء والملائكة ليلة

- ‌الباب السابعفي ذكر السور المحيط بالمسجد الأقصى وما كان في داخله من المعابد والمحاريب المقصودة بالزيارة والصلاة فيها كمحراب داود عليه السلام ومحراب زكريا ومحراب مريم عليهما السلام ومحراب سيدنا عمر بن الخطاب ومحراب معاوية رضي الله عنهما، وما يشرع

- ‌الباب الثامنفي ذكر عين سلوان والعين التي كانت عندها والبئر المنسوبة إلى سيدنا أيوب عليه السلام وذكر البرك والعجائب التي كانت في بيت المقدس وما كان به عند قتل الإمام عليّ رضي الله عنه وولده الحسين رضي الله عنه ومن قال إنه كالأجمة ورغب عن أهله

- ‌الباب التاسعفي ذكر فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس، وما فعله من كشف التراب "والزبل" عن الصخرة الشريفة

الفصل: ‌الباب الأولفي أسماء المسجد الأقصى وفضائله وفضل زيارته وما ورد في ذلك على العموم والتخصيص والإفراد والاشتراك

‌الباب الأول

في أسماء المسجد الأقصى وفضائله وفضل زيارته وما ورد في ذلك على العموم والتخصيص والإفراد والاشتراك

، اعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى قال صاحب إعلام الساجد بأحكام المساجد: جمعت في ذلك سبعة عشر اسمًا وهي من النفائس المهمة المسجد الأقصى وسمي الأقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار ويبتغى بها الأجر من المسجد الحرام وقيل لأنه ليس وراءه موضع عبادة، وقيل لبعده عن الأقذار والخبائث وروي أن عبد اللَّه بن سلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما تلا قوله تعالى:{إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1] ولم سماه الأقصى قال: لأنه وسط الدنيا لا يزيد شيئًا ولا ينقص قال: صدقت ومسجد إيليا بهمزة مكسورة ثم ياء ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء آخر الحروف ثم ألف ممدودة ككبرياء وحكى البكري فيها القصر ومعناه بيت المقدس حكاه الواسطي في فضائله وحكى

ص: 93

صاحب الطوالع فيه لغة ثالثة حذف الياء الأولى وسكون اللام وبالمد وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن ابن عباس الياء بألف ولام، واستغربه النووي.

وبيت المقدس بفتح الميم وسكون القاف، أي المكان المطهر من الذنوب، واشتقاقه من القدس، وهي الطهارة والبركة. والقدس: اسم مصدر في معنى الطهارة والتطهير، وروح القدس: جبريل عليه السلام؛ لأنه روح مقدسة، والتقديس: التطهير، ومنه وتقدس لك: أي تنزهك عما لا يليق بك، وفيه قيل للسطل: قدس لأنه يتطهر منه فمعنى بيت المقدس المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب، ويقال: المرتفع المنزه

عن الشرك، والبيت المُقَدَّس: بضم الميم وفتح الدال المشددة، أي المطهر وتطهيره إخلاؤه من الأصنام، وبيت المقدس بضم الدال وسكونها لغتان، وسلم لكثره سلام الملائكة فيه.

قال ابن موسى: وأصله شلّم بالمعجمة وتشديد اللام اسم بيت المقدس، ويروى بالمهملة وكسر اللام، كأنه عربه ومعناه بالعبرانية: بيت السلام، "وأرشلم" بضم الهمزة وفتح الشين المعجمة وكسر اللام المخففة قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى والأكثرون بفتح الشين واللام وكوره الياء وأرشليم، وبيت آيل وصيهون، وقصرون بصاد مهملة وثاء مثلثة، وبابوش بموحدتين وشين معجمة، وكور شلاه وشليم وأزيزل وصلون.

وقال في مثير الغرام: يقال: بيت المقدس بالتخفيف والتثقيل، والقدس بالسكون والتحريك، والأرض المقدسة والمسجد الأقصى وإليا وإيليا وشلم بالتشديد، وأورشلم أي بيت الرب وصهيون بصاد مهملة مكسورة، ويقال لبيت المقدس: الزيتون، ولا يقال له: الحرم.

وأما فضائله فلا تحصى ولا تحصر ولا تستقصى، والذي يدل على فضله من كتاب اللَّه -تعالى-

ص: 94

قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1] فلو لم يكن لبيت المقدس من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بورك حوله فالبركة فيه مضاعفة، ولأن اللَّه -تعالى- لما أراد أن يعرج بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى سمائه جعل طريقه عليه تبينا لفضله، وليجعل له فضل البيتين وشرفهما، وإلا فالطريق من البيت الحرام إلى السماء كالطريق من بيت المقدس إليها، وسبحان اللَّه تنزيه عن السوء ومضاه يسبح اللَّه تعالى تسبيحا، والمسجدان المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وبهما وقع التصريح في الآية الشريفة، وباركنا حوله: أجرى اللَّه حول بيت المقدس الأنهار وأنبت الثمار وأظهر البركة، والبركة: الثبات يراد به ثبات الخير، ومضى تبارك اللَّه: ثبت الخير عنده أو في خزائنه،

وقيل: علا وتقدس من العظمة والجلال، وقيل: من البقاء والدوام، وقال خالد بن حازم: قدم الزهري بيت المقدس فجعلت

ص: 95

أطوف به في تلك المواضع فيصلي فيها، قال: فقلت له: إن ههنا شيخا يحدث عن الكميت يقال له: عقبة بن أبي زينب، فلو جلسنا إليه، قال: فجلسنا إليه فجعل يحدث عن فضائل بيت المقدس، فلما أكثر قال الزهري: أيها الشيخ إنك لن تنتهى إلى ما انتهى إليه قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] ومنها قوله تعالى لبني إسرائيل {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58] فلم يخص اللَّه تعالى مسجدا سوى بيت المقدس بأن وعدهم أن يغفر لهم خطاياهم بسجدة فيه دون غيره إلا بفضل خصه به، ومنها قوله تعالى لإبراهيم ولوط عليهما السلام:{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] والمراد به بيت المقدس، ومنها قوله تعالى:{وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] قال بعض المفسرين: المراد بيت المقدس، ومنها قوله تعالى لبني إسرائيل:{ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21] فسماه اللَّه تعالى مرة مباركا ومرة مقدسا ومنها قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43]

ص: 96

قيل: إلى صخرة بيت المقدس، ومنها قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: 93] قيل: بوأهم الشام وبيت المقدس خاصة، ومنها قوله تعالى:{يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] قيل: إنه ينادي من صخرة بيت المقدس، ومنها قوله تعالى:{فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14] والساهرة إلى جانب بيت المقدس.

ومنها قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1] قال عقبة بن عامر التين دمشق والزيتون بيت المقدس، ومنها قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ

بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13] هو سور بيت المقدس؛ باطنه أبواب الرحمة وظاهره "واد" جهنم ومما يدل على فضله من السنة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه يبلغ به قال: "تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد:

ص: 97

المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" وفي لفظ من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا وإلى بيت المقدس، ولا صيام في يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر، ولا صلاة في ساعتين: بعد صلاة الغداة إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، ولا تسافر امرأة يومين إلا مع زوج أو ذوي رحم محرم". وفي لفظ آخر من رواية أبي سعيد الخدري وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا، ولا تسافر امرأة مسيرة يومين إلا مع زوجها أو ذي رحم محرم من أهلها".

ص: 98

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول اللَّه أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: "المسجد الحرام" قلت: ثم قال: "المسجد الأقصى" قال: قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة" قال: "فأيهما أدركت الصلاة فصل فهو مسجد" وعن عمران (بن حصين) قال: قلت: يا رسول اللَّه ما أحسن المدينة! قال: "كيف لو رأيت بيت المقدس وهو أحسن". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وكيف لا يكون وكل من بها يزار ولا يزور، وتهدى إليه الأرواح ولا يهدى روح بيت المقدس إلا إلى اللَّه، أكرم المدينة وطيبها بي وأنا فيها حي، وأنا فيها ميت، ولولا ذلك ما هاجرت من مكة، فإني ما رأيت القمر في بلد قط إلا وهو بمكة أحسن". وقال كعب: "لا تقوم الساعة حتى يزور البيت الحرام

ص: 99

بيت المقدس فيقادان إلى الجنة

جميعا، وفيهما أهلهما والعرض والحساب ببيت المقدس) وقال سليمان: لقد يأتي مسجد اللَّه إلى بيت المقدس يعنى يؤتى بالكعبة إلى بيت المقدس، قال: وأنزل اللَّه بني إسرائيل الأرض المقدسة وكان منهم من الأنبياء داود وسليمان عليهما السلام ملكوا الأرض فسماها اللَّه -تعالى- مرة مباركة ومرة مقدسة.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] يقال: أرض الجنة يرثها العالمون بطاعة اللَّه -تعالى- وقيل: الأرض الدنيا، والصالحون أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: هم بنو إسرائيل، وقيل: الأرض ههنا التي يجتمع عليها أرواح المؤمنين، يعني يكون البعث، ويقال: الأرض المقدسة يرثها محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114] نزلت في منع الروم المسلمين من بيت المقدس فأذلهم اللَّه وأخزاهم ولا يدخله أحد منهم أبدا إلا وهو خائف متلفع ثوب الخزي والهوان والصغار، قال عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنه:

ص: 100

إن الحرم المحرم في السموات السبع بمقداره في الأرض وإن بيت المقدس لمقدس في السموات السبع بمقداره في الأرض.

وقال كعب: إن اللَّه ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين، وقال: باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة ينزل منه الحنان والرحمة على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة، وقال: ما مثل بيت المقدس عند اللَّه وسائر الأرضين، وللَّه المثل الأعلى، إلا كمثل رجل له مال كثير وفيه كنز وهو أحب ماله إليه فإذا أصبح لم يطلع على شيء من ماله قبل كنزه ذلك، كذلك رب العالمين في كل صباح لا يطلع في شيء من الأرض قبلها يدر عليها حنانه ورحمته ثم يدرها بعده على سائر الأرضين.

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس" قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إن الجنة لتحن شوقًا إلى بيت المقدس وبيت المقدس من جنة الفردوس والفردوس الأعلى هو ههنا ربوة في الجنة هي أواسط الجنة وأعلاها وأفضلها. وقال: من أتى البيت الحرام

غفر له ورفع له ثماني درجات،

ص: 101

ومن أتى مسجد الرسول غفر له ورفع له ست درجات، ومن أتى بيت المقدس غفر له ورفع له أربع درجات قال: من استعفر للمؤمنين والمؤمنات ببيت المقدس في كل يوم خمسا وعشرين مرة؛ وقاه اللَّه المتالف وأدخله في البدلاء، وعن خالد بن سعدان أن حذو بيت المقدس باب من السماء يهبط اللَّه كل يوم منه سبعين ألف ملك يستغفرون لمن يجدونه يصلي فيه قال صلى الله عليه وسلم:"إن للَّه بابا في سماء الدنيا نحو بيت المقدس ينزل منه كل يوم سبعون ألف ملك يستغفرون اللَّه لمن أتى بيت المقدس فصلى فيه".

وعن وهب بن منبه: أهل بيت المقدس جيران اللَّه تعالى وحق على اللَّه -تعالى- أن لا يعذب جيرانه".

وعن أبي جريج عن عطاء أنه قال: لا تقوم الساعة

ص: 102

حتى يسوق خيار عباده إلى بيت المقدس فيسكنهم اللَّه إياها. وقال عبد اللَّه بن عمر: بيت المقدس بنته الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وعمرته، وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه ملك أو نبي، فلعل جبهتك أن توافي جبهة ملك أو نبي، وقال مقاتل بن سليمان: ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى عليه نبي مرسل، أو قام عليه ملك مقرب.

وذكر أن في كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك إلى مسجد بيت المقدس، يهللون اللَّه ويكبرونه ويسبحونه ويحمدونه ويقدسونه ويمجدونه ويعظمونه ولا يعودون إلى أن تقوم الساعة ويروى عن معاذ أنه أتى بيت المقدس فأقام به ثلاثة أيام ولياليها يصوم ويصلي، فلما خرج منه وكان على الشرف ثم أقبل على أصحابه فقال: أما ما مضى من ذنوبكم فقد غفر اللَّه تعالى لكم، فانظروا ما أنتم صانعون ما بقي من أعماركم.

"أقول ولبيت المقدس فضائل جمة نبه على غالبها بطريق العموم والإفراد والاشتراك الحافظ أبو محمد القاسم وذكرها في نسخة معتمدة مقروءة عليه وحكاها عنه في باعث النفوس في الفصل الثاني عشر فقال الحافظ بهاء الدين عن مقاتل وساق ما ذكره من جامع الفضائل وترجم

ص: 103

عليها صاحب كتاب "الأنس الجليل" فقال جميع أبواب فضائل القدس، ثم ذكر آيات تتعلق بالمسجد الأقصى وبيت المقدس، والأرض المقدسة وبعض أخبار ولم يزد على ذلك، ولم يعرج على ما ذكره ابن عمه الحافظ

صاحب المستقصى "الشريف" وأسانيد ما ذكره الحافظ في جامع فضائل بيت المقدس متشعبة؛ منها ما هو بسنده إلى الهذيل عن مقاتل بن سليمان ومنها ما هو بسنده إلى محمد بن عبد اللَّه الإسكندراني قال: قال مقاتل بن سليمان: وبعضهم يزيد على بعض في التقديم والتأخير وقد جمع السيد صاحب الروض المغرس "بين" الروايتين لاتفاقها لفظا ومعنى وتواردهما وجامع الفضائل على محل واحد قال: قال محمد بن عبد اللَّه الإسكندراني وحده وقال مقاتل: صخرة بيت المقدس وسط الدنيا، "وإذا" قال العبد لصاحبه: انطلق بنا إلى بيت المقدس. يقول اللَّه تعالى: يا ملائكتي اشهدوا أني

ص: 104

قد غفرت لهما قبل أن يخرجا. هذا إذا كانا لا يصران على الذنوب. "يقال" قال: إن اللَّه -تعالى- تكفل لمن سكن بيت المقدس بالرزق وإن فاته المال، ومن مات مقيما محتسبا في بيت المقدس، فكأنما مات في السماء، ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات في بيت المقدس، وأول أرض بارك اللَّه فيها بيت المقدس ويجعل الرب جل جلاله مقامه يوم القيامة في أرض بيت المقدس وجعل صفوته من الأرض كلها. أرض بيت المقدس، والأرض المقدسة التى ذكرها اللَّه -تعالى- في القرآن "العظيم" فقال:{إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] هي أرض بيت المقدس وقال تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام انطلق إلى بيت المقدس فإن فيه ناري ونوري وتنوري يعني وفار التنور وكلم اللَّه تعالى موسى "في الأرض المقدسة"، وتجلى اللَّه جل جلاله للجبل في أرض بيت المقدس ورأى موسى عليه السلام نور رب العزة جل جلاله في أرض بيت المقدس، وصخرة بيت المقدس هي أوسط الأرض كلها وإذا قال الرجل لصاحبه انطلق بنا إلى بيت المقدس ففعلا، يقول اللَّه تعالى: طوبى للقائل والمقول له وقد تقدم بمعناه.

وقال مقاتل: وتاب اللَّه على داود وسليمان عليهما السلام في أرض بيت المقدس ورد

ص: 105

اللَّه على سليمان ملكه في بيت المقدس، وبشر اللَّه زكريا بيحيى في بيت المقدس، وتسورت الملائكة على داود المحراب ببيت المقدس، وسخر اللَّه لداود الجبال والطير ببيت المقدس، وكانت الأنبياء -صلوات اللَّه وسلامه عليهم- يقربون القرابين

ببيت المقدس، وتهبط الملائكة عليهم السلام كل ليلة ببيت المقدس، وأوتيت مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ببيت المقدس، وأنبت "اللَّه تعالى" النخلة لها ببيت المقدس، وولد عيسى عليه السلام ببيت المقدس، ورفعه اللَّه تعالى إلى السماء من بيت المقدس، وأنزلت عليه "المائدة" في أرض بيت المقدس، ويغلب يأجوج ومأجوج على الأرض كلها غير بيت المقدس، ويهلكهم اللَّه "تعالى" في أرض بيت المقدس وينظر اللَّه تعالى في كل يوم بخير إلى بيت المقدس، وأعطى اللَّه "تعالى البراق للنبي صلى الله عليه وسلم فحمله إلى بيت المقدس، وأوصى إبراهيم وإسحاق عليهما السلام لما ماتا أن يدفنا في أرض بيت المقدس، وأوصى آدم عليه السلام لما مات بأرض الهند أن يدفن في بيت المقدس، وماتت مريم عليها السلام ببيت المقدس، وهاجر إبراهيم عليه السلام من كوثا إلى بيت المقدس وتكون الهجرة في آخر الزمان إلى بيت المقدس، ورفع التابوت والسكينة من أرض بيت المقدس، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم زمانًا إلى بيت المقدس ورأى النبي صلى الله عليه وسلم مالكا خازن النار ليلة أسري به ببيت المقدس، وركب

ص: 106

النبي صلى الله عليه وسلم البراق إلى بيت المقدس وهبط به من السماء إلى بيت المقدس، وأسري به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، والمحشر والمنشر إلى بيت المقدس، ويأتي اللَّه في ظلل من الغمام والملائكة إلى بيت المقدس وينصب الصراط على جهنم إلى الجنة "بأرض" بيت المقدس، وتوضع الموازين يوم القيامة ببيت المقدس، وصفوف الملائكة يوم القيامة ببيت المقدس وينفخ إسرافيل "يوم القيامة" في الصور ببيت المقدس، ينادي: أيتها العظام البالية واللحوم المتمزقة والعروق المتقطعة، اخرجوا إلى حسابكم "وتنفخ""فيه" أرواحكم وتجازون "على أعمالكم". ويتفرق الناس من بيت المقدس إلى الجنة والنار، فذلك قوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14]"الناس" ويومئذ يعرضون فريق إلى الجنة وفريق إلى السعير" كل ذلك ببيت المقدس.

وكفل زكريا مريم عليهما السلام ببيت المقدس، وفهم اللَّه سليمان منطق الطير ببيت المقدس وسأل سليمان ربه مُلْكًا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك ببيت المقدس، والحوت الذي على ظهره الأرضين رأسه في مطلع الشمس وذنبه في

المغرب ووسطه تحت بيت المقدس، ومن سره أن يمشي في روضة من رياض الجنة فليمش في صخرة ببيت المقدس وشدد اللَّه لداود ملكه ببيت المقدس، وألان له الحديد ببيت المقدس،

ص: 107

وتقبل اللَّه من امرأة عمران نذرها ببيت المقدس ووهب اللَّه لدواد "ذنبه" ببيت المقدس وأيد اللَّه "تعالى" عيسى عليه السلام بروح القدس ببيت المقدس، وآتى اللَّه الحكم ليحيى صبيا في بيت المقدس وكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى ويصنع العجائب في بيت المقدس، ومن صلى في بيت المقدس فكأنما صلى "في السماء" الدنيا، وتخرب الأرض كلها ويعمر بيت المقدس.

ويحشر اللَّه الأنبياء كلهم إلى بيت المقدس، "ويحشر اللَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس"، وأول ما انحسر ماء الطوفان عن صخرة بيت المقدس، ويسر اللَّه الأنبياء كلهم لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصلى بهم في بيت المقدس، وينفخ في الصور النفخة الثانية من بيت المقدس وينادي المنادي على صخرة المقدس، وتصف الملائكة حول بيت المقدس وتسجد النار في بيت المقدس وباب السماء مفتوح في بيت المقدس وهزت النخلة لمريم عليها السلام رطبا جنيا ببيت المقدس، وتطير أرواح المؤمنين إلى أجسامهم في بيت المقدس.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن خيار أمتي تهاجر هجرة بعد هجرة إلى بيت المقدس، ومن صلى ببيت المقدس بعد أن يتوضأ ويسبغ الوضوء ركعتين أو أربعا غفر له ما كان قبل ذلك". وفي رواية: "من صلى ببيت المقدس خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكان له بكل شعرة من جسده مائة نور عند اللَّه يوم القيامة، وكانت له حجة مبرورة متقبلة، وأعطاه اللَّه قلبا شاكرًا، ولسانا ذاكرا، وعصمه من المعاصي، وحشره مع الأنبياء، صلوات

ص: 108

اللَّه عليهم أجمعين، ومن "عبر" ببيت المقدس سنة على "أذاها" وشدتها جاء اللَّه برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن تحته ومن فوقه يأكل رغدا ويدخل الجنة إن شاء اللَّه تعالى". وأول بقعة بنيت من الأرض كلها موضع صخرة بيت المقدس.

قال وينظر اللَّه تعالى بالرحمة كل يوم إلى بيت المقدس، وتظهر عين موسى في آخر الزمان في بيت المقدس وبشر اللَّه مريم بعيسى عليه السلام في بيت المقدس.

وفضل اللَّه مريم على نساء العالمين في بيت المقدس، ويمنع اللَّه عدوه الدجال

من الدخول إلى بيت المقدس، ويغلب على الأرض كلها إلا بيت المقدس ومكة والمدينة وتاب اللَّه على آدم ببيت المقدس وفيها صفوة اللَّه من عباده ومنها بسطت الأرض ومنها تطوى.

قال: ويطلع اللَّه كل صباح إلى سكان بيت المقدس فيدر عليهم من رحمته وحنانه، ثم يدره على "سائر" البلدان. قال: والطل الذي ينزل على بيت المقدس شفاء من كل داء؛ لأنه من حنان الجنة، وما يسكن أحد في بيت المقدس حتى يشفع له سبعون ألف ملك إلى اللَّه تعالى قال: ويقول اللَّه تعالى: "المقبور في بيت "المقدس" يجاورني في "داري" ألا وإن الجنة داري لا يجاورني فيها إلا السخاء والحلم" قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: "النجاء النجاء إلى بيت المقدس إذا ظهرت الفتن" قال: يا رسول فإن لم أدرك بيت المقدس؟ قال: "فابذل مالك واحرز دينك" وكذلك قال علي رضي الله عنه لصعصعة: نعم المسكن عند ظهور الفتن بيت

ص: 109

المقدس، القائم فيها "كالمجاهد" في سبيل اللَّه تعالى، وليأتين على الناس زمان يقول أحدهم: ليتنى في لبنة في في بيت المقدس".

وأحب الشام إلى اللَّه تعالى بيت المقدس، وأحب جبالها إليه الصخرة وهي آخر الأرضين خرابا بأربعين عاما، قال: وهي روضة من رياض الجنة. قال: ويقول اللَّه تعالى لصخرة بيت المقدس: "وعزتي وجلالي لأضعن عليك عرشي ولأحشرن إليك خلقي ولأجرين أنهارك نهرا من لبن ونهرا من عسل ونهرا من خمر أنا يومئذ ربهم وداود ملكهم".

قال: وأخبرنا المشرف وأنبأنا أبو الفرج أنبانا أحمد بن خلف الهمداني حدثني أبو عبد اللَّه بن محمد الخزري وكان يعد من الأبدال. قال: رأيت ليلة عاشوراء سنة

خمس وثلاثين وثلاثمائة فيما يرى النائم، كأن في صحن مسجد بيت المقدس وأنا مقابل قبة الصخرة، فإذا هى قبة عظيمة، من نور بيضاء عالية وعلى رأسها درة ثم دخلت إلى القبة حتى يلي المسجد وباب من حديد مما يلي الوادي ثم قيل لي: إن لكل نبي من الأنبياء -صلوات اللَّه عليهم- سهما من هذا المسجد، وكذلك لكل مؤمن ثم دخلت المسجد نحو الصف الأول فقيل لي: انظر فإذا قوم قد ابتلعتهم الأرض ورؤوسهم خارجة. فقلت: من هؤلاء؟ فقيل لي: من يبغض السلف ثم كلمني أربع، فقلت في سري: ملائكة فقيل لي: هم جبريل "وميكائيل" وإسرافيل

ص: 110

ولم أعرف الرابع وهم يقولون لي "أقرئ" أبا محمد السلام يعنون إمام المسجد الجامع المقدس وقل: له اجعل الخطب التي تخطبها للَّه "تعالى" وكذلك سائر عمله، فإذا تم له ذلك وضعنا له سريرا من نور في الجنة، حتى يرتفع عليه ويرتفع على الناس وكذلك أبو بكر بن علاوة وأبو أحمد محمد بن عبد الرحيم القيسراني وليدوموا على ما هم عليه وفي هذا الوقت سبعة من المؤمنين أوتاد الأرض ببيت المقدس "وفيه" سهام المؤمنين باللَّه فقلت فسهام أهل البدع؟ فقيل لى: في وادي جهنم. فأشرقت على الوادي قلت أشتهي أنظر فإذا فيها نار ترمي "بشرر" مثل النخلة إذا قطعت بالمنشار كبارا أعاذنا اللَّه منها بمّنه وكرمه واللَّه أعلم.

ص: 111