الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع
في فضل الصلاة في بيت المقدس ومضاعفتها وهل المضاعفة فى فضل الصلاة تعم الفرض والنفل أم لا؟ وهل المضاعفة تشتمل الحسنات والسيئات؟ وفضل الصدقة والصوم والأذان فيه والإهلال بالحج والعمرة منه وفضل إسراجه وأنه يقوم مقام زيارته عند الفجر، عن قصده
. عن كعب الأحبار قال "شكا بيت المقدس" إلى ربه الخراب فأوحى اللَّه تعالى إليه لأملأنك خدودا سجدا يدفون إليك دفيف النسور إلى أوكارها يحنون إليك حنين الحمام إلى بيضها فقال رجل لكعب: اتق اللَّه يا كعب! وإن له لسانا؟ قال: نعم وقلبا كقلب أحدكم، قال: شكى بيت المقدس إلى ربه فقال له رجل من أهل الشام: وهل له لسان يا كعب؟! فقال: نعم، وأذنان فقال له اللَّه "سأملؤك": خدودا سجدا يدفون إليك دفيف النسور إلى أوكارها ويحنون إليك حنين الحمام إلى بيضها.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال
-صلى الله عليه وسلم: "من زار بيت المقدس محتسبًا أعطاه اللَّه أجر ألف شهيد" وعنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "من زار عالما فكأنما زار بيت المقدس ومن زار بيت المقدس محتسبا حرم اللَّه لحمه وجسده على النار".
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من صلى في بيت المقدس غفرت له ذنوبه كلها" وقال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210].
وعن مكحول عن كعب "من أتى بيت المقدس فصلى عن يمين الصخرة وعن شمالها ودعا عند موضع السلسلة وتصدق بما قلَّ أو كثر استجيب دعاؤه وكشف اللَّه
تعالى حزنه وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وإن سأل اللَّه الشهادة أعطاه اللَّه إياها" وقال مكحول: "من صلّى في بيت المقدس ظهرًا وعصرًا ومغربا وعشاء ثم صلّى الغداة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وقال "من خرج إلى بيت المقدس بغير حاجة إلا الصلاة فيه فصلى فيه خمس صلوات صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه.
وعن عبد اللَّه بن يزيد عن مكحول "قال من زار بيت المقدس شوقا إليه دخل الجنة مدللا وزاره جميع الأنبياء في الجنة وغبطوه بمنزلته من اللَّه عز وجل وأيما رفقة خرجوا يريدون بيت المقدس إلا شيعتهم عشرة آلاف من الملائكة يستغفرون اللَّه لهم ويصلون عليهم ولهم مثل أعمالهم إذا انتهوا إلى بيت المقدس فلهم بكل يوم يقيمون فيه صلاة سبعين ملكا. ومن دخل بيت المقدس
طاهرا من الكبائر تلقاه اللَّه -تعالى- بمائة رحمة "ما منها رحمة" إلا لو قسمت على جميع الخلائق لوسعتهم ومن صلى في بيت المقدس ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكان له بكل شعرة من جسده حسنة، ومن صلى ببيت المقدس أربع ركعات مر على الصراط كالبرق الخاطف وأعطي أمان من الفزع الأكبر يوم القيامة، ومن صلى ببيت المقدس ست ركعات أعطي مائة دعوة مستجابة أدناها براءة من النار ووجبت له الجنة ومن صلى في بيت المقدس ثماني ركعات كان رفيق إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ومن صلى في بيت المقدس عشر ركعات كان رفيق داود وسليمان عليهما السلام في الجنة ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس كان له مثل حسناتهم ودخل على كل مؤمن ومؤمنة من دعائه سبعون مغفرة وغفرت له ذنوبه كلها. وعن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أملاك ملك موكل بالكعبة وملك موكل بمسجدي وملك موكل بالمسجد الأقصى. فأما
الملك الموكل بالكعبة: فينادي كل يوم: من ترك فرائض اللَّه خرج من أمان اللَّه، وأما الملك الموكل بمسجدي: فهو ينادي في كل يوم من ترك سنة محمد صلى الله عليه وسلم يرد الحوض لم تدركه شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم أما الملك الموكل بالمسجد الأقصى: فينادي كل يوم من كان مطعمه حراما كان عمله مضروبا
به في وجهه" وعن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من صلى في بيت المقدس خمس صلوات نافلة كل صلاة أربع ركعات تقرأ في الخمس الصلوات عشرة الآف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فقد اشترى نفسه من اللَّه تعالى وليس للنار عليه سلطان" وعن أبي الزاهرة جدير بن كريب قال: أتيت بيت المقدس أريد الصلاة فدخلت المسجد وغفلت عيني عن السدنة حين طفيت "المصابيح" وانقطعت الرجل وغلقت الأبواب فبينما أنا كذلك إذ سمعت حفيفا له جناحان قد أقبل وهو يقول: سبحان الدائم القائم، سبحان اللَّه القائم الدائم، سبحان اللَّه الحي القيوم، سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح سبحان اللَّه العظيم وبحمده سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ثم أقبل حفيف يتلوه وهو يقول مثل قوله ثم أقبل حفيف بعد حفيف يتجاوبون بها حتى امتلأ المسجد فإذا بعضهم قرب مني فقال: آدمي أنت؟ قلت: نعم قال: لا خوف عليك هذه الملائكة "فقال" سألتك باللَّه الذي قواكم على ما أرى من الأول؟
فقال: جبريل قلت: والذي يليه قال: ميكائيل فقلت: ومن يتلوها بعد ذلك؟ فقال: الملائكة فقلت: سألتك باللَّه الذي قواكم على ما أرى ما لقائلها من الثواب؟ قال: من قالها سنة في كل يوم مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة أو "يرى له" قال أبو الزاهرة فقلت: سنة كثير لعلّي لا أعيش فقلتها في يوم عدد أيام السنة يعنى ثلاثمائة وستين مرة فرأيت مقعدي في الجنة.
وأما مضاعفة الصلاة فمنها ما رواه قتادة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن أبي ذر قال: قلت يا رسول اللَّه! الصلاة في مسجدك هذا أفضل من الصلاة في بيت المقدس؟ فقال: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات في بيت المقدس
ولنعم المصلى هو أرض المحشر والمنشر وليأتين على الناس "زمان" ولبسطة قوس الرجل من حيث يرى منه بيت المقدس خيرًا له وأحب إليه من الدنيا جميعا.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من حجَّ البيت واعتمر وصلى ببيت المقدس وجاهد ورابط فقد استكمل جميع سنني" قال أحمد بن أنس عن حبيب المؤذن عن أبي زياد الشيباني وأبي أمية الصنعاني قال: كنا بمكّة فإذا رجل في ظل الكعبة
وإذا هو سفيان الثوري فسأله الرجل فقال: يا أبا عبد اللَّه ما تقول في الصلاة في هذه البلدة؟ فقال: بمائة ألف صلاة ففي مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال خمسين ألف صلاة. قال ففي بيت المقدس أربعين ألف صلاة" وعن أنس قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلاته في مسجد الكعبة بمائة ألف صلاة وصلاته في مسجدي هذا بخمسين ألف صلاة" أخرجه الطبراني وابن ماجه.
وأما مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات فمن ذلك ما رواه عاصم بن رجاء يريد
الصلاة في مسجد إيليات ببيت المقدس إذا انتهى إلى الميل من إيليا أمسك عن الكلام إلا تلاوة كتاب اللَّه عز وجل والذكر ثم "يدخل من باب الأسباط ويستقبل القدس ثم يجمع في المسجد خمس صلوات فإذا انصرف إلى الميل تكلم وكلم أصحابه فقالوا له: يا أبا إسحاق ما حملك على ذلك "إني أجد في بعض الكتب أن الحسنات تضاعف في هذا المسجد وأن السيئات يفعل بها كذلك أو قال مثل ذلك، فأنا أحب أن لا يكون مني إلا حسنات حتى أنصرف وقال أبو القاسم إسماعيل بن عياش: سمعت
جرير بن عثمان وصفوان بن عمر يقولان: "الحسنة في بيت المقدس بألف والسيئة بألف".
وعن حمزة عن الليث بن سعد بن نافع قال: قال لي ابن عمر ونحن ببيت المقدس: يا نافع اخرج بنا من هذا البيت قال السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات" فأحرم وخرج من بيت المقدس. وعن صفوان بن عمر عن شريح بن عبيد أن كعبًا كان يقول: صلاة في بيت المقدس
كألف صلاة وخطيئة فيه كألف خطيئة في غيره وعن المغيرة قال حدثتنا عبدة عن أبيها قال: من أتى بيت المقدس يستقر فيه بيعا، فإن الخطيئة فيه مثل ألف خطيئة والحسنة مثل ذلك أو قال الحسنة مثل ألف حسنة فمن صلى فيه خمس صلوات ولم يشر فيه بيعًا حتى يخرج منه خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه.
وعن أزهر بن سعد بن كعب قال: اليوم فيه كألف يوم، والشهر كألف شهر والحسنة فيه كألف حسنة. والسيئة فيه كألف سيئة ومن مات فيه فكأنما مات في السماء ومن مات حوله فكأنما مات فيه.
وأما فضل الصدقة والصوم والأذان فيه فمنه ما روي عن الحسن البصري أنه قال: من تصدق في بيت المقدس بدرهم كان له براءة من النار، ومن تصدق فيه برغيف كان كمن تصدق "بمثاقيل ذهبا وفي رواية عنه من تصدق في بيت المقدس بدرهم كان فداؤه من النار ومن تصدق برغيف كان كمن تصدق" بجبال الأرض ذهبا. وعن إبراهيم بن أبي يعلى قال: كان الوليد بن عبد الملك يبعث معي بقصاع الفضة إلى أهل بيت المقدس أقسمها عليهم. رواه الطبراني وقال غير الطبراني: أقسمها على قراء بيت المقدس.
وعنه أيضا رحم الوليد وأين مثل الوليد فتح الهند والأندلس وهدم كنيسة مريم "وبنى مسجد دمشق وكان يعطيني قصاع الفضة فأقسمها على قراء بيت المقدس. وقال كعب: من صام يوما ببيت
المقدس أعطاه اللَّه براءة من النار، ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس ثلاث مرات كتب اللَّه له مثل جميع حسنات المؤمنين والمؤمنات ودخل على كل مؤمن ومؤمنة من دعائه في كل يوم
وليلة سبعون مغفرة وقال من أنفق في عمران ببيت المقدس وقاه اللَّه الموتلف أو قال المتالف "وأنسئ" في أجله وأحياه اللَّه حياة طيبة وقلبه متقلبا كريما ومن أنفق في بيت المقدس أجاب اللَّه دعاءه وكشف حزنه وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وقال: ما أكرم اللَّه عبدا قط إلا زاد البلاء عليه شدة، ولا أزكى عبدا قط فنقص من ماله، ولا حبسها عبدًا فزاد في ماله. ما سرق عبد قط إلا احتسب من رزقه، وحجة أفضل عمرة وعمرة مثل ركبه إلى بيت المقدس لأن المقام والميزان عنه بيت.
وقال مقاتل بن سليمان: من صام ببيت المقدس كان له براءة من النار وعنه عن السري إن إلياس والخضر كانا يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم كل عام وفي "أعلام الساجد" قال: ويستحب الصوم في بيت المقدس فقد روي صوم يوم في بيت المقدس براءة من النار قال هشام بن عمار: حدثنا ابن أبي سائب قال: سمعت أبي يذكر أن رجلا انتقل إلى بيت المقدس فقيل: ما نقلك إليها؟ قال: بلغني أنه لا يزال ببيت المقدس رجل يعمل بعمل أبي داود. وعن جابر أن رجلا
قال يا رسول اللَّه أي الخلق "أولى" دخولا إلى الجنة؟ قال: الأنبياء قال ثم قال: الشهداء قال: ثم قال: مؤذنوا بيت المقدس، قال: ثم قال مؤذنوا المسجد الحرام، ثم قال مؤذنوا مسجدي، قال: ثم قال: سائر المؤمنين.
وفي رواية "على قدر أعمالهم" قال العلاء بن بردن قال: بلغني أن الشهداء يسمعون أذان مؤذن بيت المقدس لصلاة الغداة يوم الجمعة. وعن كعب قال: لم يستشهد عبد قط في بر ولا بحر إلا وهو يسمع أذان "مؤذن" بيت المقدس "وأنه ليسمع أذان بيت المقدس من السماء. وعن أبي العوام مؤذن بيت المقدس إن كان يوذن لصلاة الصبح ثم ينصرف ويقول واللَّه الذي لا إله إلا هو ما على وجه الأرض شهيد إلا وقد "يسمع" أذاني وفي لفظ له ما على الأرض شهيد إلا يسمع أذاني لصلاة الغداة وإن كان بسمرقند أو غيرها تنبيه في معنى المضاعفة قال صاحب "مثير الغرام" في الباب الأول من كتابه المذكور ومضاعفة الصلاة يعني المسجد الأقصى ومضاعفة كل "بر" "حاصلة" إذ لا فرق بين الصلاة وبينه، ثم قال بعد ذلك: ومذهب الشافعي
وبعض أصحاب مالك أن المضاعفة في المساجد الثلاثة تختص بصلاة الفرض بل تعم صلاة النفل والمرجو من كرم اللَّه تعالى أن كل "حمل" بركة لك انتهى كلامه. وفي "المناسك الكبرى" للنووي رحمه اللَّه تعالى أن الصلاة،
"تتضاعف" الأجر فيها بمكة وكذا سائر أنواع الطاعات فالحق سائر الطاعات هناك بالصلاة فليكن هما ذلك إن شاء اللَّه تعالى.
وحكى المحب الطبري عن ابن عباس رضي الله عنه أن حسنات المحرم كلها بمائة ألف ثم قال: وأقول بموجبه وأقره قاضي القضاة عز الدين بن جماعة في مناسكه الكبرى ثم حكى في فضل الصوم كلام ابن عباس وأقره لكن خالف في الباب العاشر من مناسكه فقال تقدم في الفضائل قول ابن عباس والحق أنَّ الحسنة فيها ألف والأكثرون على امتناع القياس في هذا الباب، إذ لا مجال للعقل فيه مطلقا بمائة ألف إنما ثبت ذلك في الصلاة بالمسجد الحرام خاصة انتهى.
فبمقتضى هذا لا مضاعفة هنا في غير الصلاة وقول صاحب "مثير الغرام" مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه: "إن المضاعفة في المساجد الثلاثة لا تختص بصلاة الفرض بل تعم صلاة النفل" كذا قاله النووي في "شرح مسلم" إنه المذهب. وحديث "إن فضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" متفق عليه وغيره مما تقدم من أحاديث المضاعفة يقضي أن النافلة
تضاعف في المساجد الثلاثة وفي القوت الأوزاعي عقب قول صاحب المنهاج (وأفضله في بيته أي "التنفل" ما نصه "وسوى" فى ذلك مسجد مكة والمدينة وغيرهما) ثم حكى عن تعليق القاضي أبي الطيب (أنه استثنى ما إذا خفي صلاته في المسجد فإن نفل النافلة فيه أفضل وإطلاق الحديث والجمهور ينازعه لكن ما ذكره ظاهر من حيث المعنى إذ وثق بعدم ظهور ذلك) انتهى كلامه.
واعلم أن المراد بالنافلة التى تفضل في البيوت ما رواء ركعتي الطواف فإن فعلهما في المسجد الحرام أفضل، والتنفل يوم الجمعة قبل الزوال في المسجد قبل الجمعة "في المسجد" أفضل وحكاه الجرجاني في "الشافي" عن أصحابنا، لفضيلة البكور
في الشعائر الظاهرة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء وكالتراويح على ما يقتضي كلام النووي ترجيحه ونازع بعض المتأخرين في التراويح فقال الذي يظهر من حيث الدليل أنها بالبيت أفضل وينبغي أن يكون هو الأصح لحديث أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في رمضان
فصلى فيها ليالي فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج عليهم فقال قد عرفت الذي رأيته من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. متفق عليه ويستثنى ركعتي الإحرام ففي زيارة الروضة هناك قال أصحابنا: إذا كان في الميقات مسجد استحب أن يصليهما فيه. وأما تضاعف الحسنات والسيئات.
والمراد بتضعيف السيئات فدليله حديث ابن عمر السابق في قوله لنافع يا نافع اخرج بنا من هذا البيت وكان بيت المقدس، فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات وحديث كعب السابق وهو إنه إذا خرج من حمص يريد الصلاة في مسجد إيليا إلى آخره. وهو قوله: أنا أحب أن لا يكون مني إلا حسنات حتى أنصرف واعلم أن الحافظ أبا محمد القاسم حكى عن المشرف له قال عقب كلام كعب وغيره: الخطيئة فيه كألف خطيئة ونحو ذلك معناه أن من اقترف ذنبا في بيت المقدس أو في الحرم أو في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم عقوبة ممن اقترف ذلك في غيرهم بشرفهم وفضلهم فالذنب الواحد في أحدهم أعظم من ذنوب كثيرة في غيرهم من المواضع فيكون "المكتب" لذنب واحد في إحدى هذه المواضع كالمكتب "لذنوب كثير في غيرها فلذلك قال: تضاعف فيه السيئات ومعناه تغلظ عقوبتها، إلا أن الإنسان يعمل ذنبا فيكتب عليه عشرة واللَّه تعالى يقول: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها".
وقد غلظ الفقهاء الدية على من قتل في الحرم ومن قتل ذا رحم لحرمتهم وعظم محلهم وقد قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، لا يرى إلا من رأى المعاصي
في المسجد أعظم خطر من الذي يعملها في غير المسجد، والمقت إلى فاعلها في المسجد أسرع وإن كانا جميعا قد اشتركا في المعصية، لكن هذا في المعنى اكتسب ذنبين أحدهما هتك حرمة المسجد وقد حماه اللَّه تعالى عن ذلك بقوله تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36]،
(إلا منه) والذنب الآخر المعصية، فهذا معنى التضعيف.
وفي أعلام المساجد عقب أثر كعب السالف نصّه أن يزداد قبحا وفحشا لأن المعاصي في زمن أو مكان شريف أشد جرأة أو أقل خوفا من اللَّه تعالى انتهى. وأما فضائل الإهلال بالحج والعمرة من بيت المقدس فمنه ما رواه محمد بن إسحاق عن سليمان بن سحيم عن يحيى بن أبي سفيان عن أم حكيم بنت أمية عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أهلَّ بعمرة من بيت المقدس غفر اللَّه له" وأخرجه أحمد عن يعقوب عن أبيه عن محمد بن إسحاق وزاد في آخره "فركبت أم حكيم إلى بيت المقدس حتى أهلت منه بعمرة.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أهل ببيت المقدس غفر اللَّه ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأدخل الجنة". وروى أبو داود بسنده على أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يقول: "من أهل من بيت المقدس بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى""غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة". وفىِ حديث آخر (من أحرم من بيت المقدس غفر "اللَّه" له)(وقد أحرم "منه") عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعمرة ثم قال: لوددت أني جئت بيت المقدس.
وعن نافع أن ابن عمر
-رضي الله عنه: أحرم عام الحكمة من بيت المقدس في موطأ مالك عن الثقة عنده: أن عبد اللأه بن عمر أهلَّ من إيلياء. وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه أحرم بالعمرة من بيت المقدس وروى معمر أنَّ الزهري حدثه قال: أخبرني محمود بن ربيع أنه رغم أنه عقل حجة حجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
من دلو، كانت في دراهم قال: سمعت عتبان بن مالك فذكر حديثا وذكر في آخره قال محمود: فأهللت من إيليا بحج أو عمرة قال أبو داود: وأحرم وكيع من بيت المقدس وفيه جواز الإحرام من المكان البعيد وفعله وفضله عن غير واحد من الصحابة -رضى اللَّه عنهم- وكرهه جماعة وقد أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عمران بن الحصين إحرامه من البصرة وكرهه الحسن وعطاء بن رباح ومالك. وقال أحمد: وجه العمل المواقين وقال بعضهم: وجه الكراهة أنه ربما عرض للمحرم ما يفسد. روي عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما أنه قال: "من أحرم معتمرًا في شهر رمضان من بيت المقدس عدلت عشر غزوات مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وعن يوسف بن مالك عن أبي عمارة قال أهللت من بيت المقدس مع معاذ بن جبل: ورجال فيهم كعب الأحبار رضي الله عنه فأهلوا بالعمرة.
وأما فضل إسراجه عند الفجر "عن" الوصول إليه
وأنه يقوم مقام الصلاة فيه فمنه ما رواه زياد بن أبي سودة عن أخيه عثمان بن أبي سودة عن ميمونة بنت سعد مولاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول اللَّه أفتنا في بيت المقدس فقال: "أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن الصلاة فيه كألف صلاة قلنا: يا رسول اللَّه فمن لم يستطع أن يتحمل إليه؟ قال: فمن لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتا يسرج في قناديله فإن من أهدى إليه زيتا كان كمن أتاه" وفي لفظ آخر قالت: قلت أرأيت إن لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال فاهدوا إليه زيتا وعنها أنها قالت قلت: يا رسول اللَّه أفتنا في بيت المقدس قال ائتوه فصلوا فيه فقلت: يا رسول اللَّه صلى اللَّه
عليك فكيف والروم إذ ذاك فيه قال: فإن لم تستطعوا فلتبعثوا بزيت يسرج في قناديله وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "من أسرج في بيت المقدس سراجا لم تزل الملائكة تسغفر له مادام ضوؤه في المسجد" انتهى. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.