الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع
في ذكر السور المحيط بالمسجد الأقصى وما كان في داخله من المعابد والمحاريب المقصودة بالزيارة والصلاة فيها كمحراب داود عليه السلام ومحراب زكريا ومحراب مريم عليهما السلام ومحراب سيدنا عمر بن الخطاب ومحراب معاوية رضي الله عنهما، وما يشرع
فيه من الأبواب وعدتها وأسمائها، وذكر الصخرات اللاتي فى أخريات المسجد وذكر ذرعه طولا وعرضا وحديث الورقات، وذكر وادي جهنم الذي هو خارج السور من جهة المشرق وما جاء فيه ومسكن الخضر عليه السلام وإلياس عليه السلام من ذلك المحل.
اعلم أن الأصل في وضع سور المسجد الأقصى وتحيزه بحائط من كل جانب، وجهه ما قد بيناه آنفا لي باب ذكر مبدأ وضعه وبناء داود عليه السلام له حين قال اللَّه تعالى له يا داود ابن لي بيتا في الأرض
المقدسة فقال: يا رب وأين أبنيه قال: حيث ترى هذا الملك شاهرًا سيفه فرآه داود عليه السلام في ذلك المكان فبناه وأدار عليه سورا فلما تم السور سقط ثلاثا فشكى داود عليه السلام في ذلك إلى اللَّه تعالى إليه أنك لا تصلح أن تبني لي بيتا قال: أي ربي ولم قال: لما جرى على يديك من الدماء قال: يا رب! أولم يكن ذلك في هواك ومحبتك قال: بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحم بهم منك فشق ذلك على داود فأوحى اللَّه إليه لا تحزن فإني سأقضى بناءه على يد ابنك سليمان وعلى القول الآخر أن أصل وضع السور أن اللَّه تعالى لما أمر داود عليه السلام ببناء
بيت المقدس أسس قواعده وأدار سوره ورفع حائطه فلما ارتفع انهدم فقال داود عليه السلام: يا رب أمرتني أن أبني لك بيتا فلما ارتفع هدمته. فقال: يا داود إنما جعلتك خليفتي لتحكم بينهم بالحق فلم أخذته من صاحبه بغير ثمن وكان المكان لجماعة من بني إسرائيل.
وقد تقدم الكلام على ما وقع له مع الرجل الذي قد ساومه عليه وقوله له إنما نشتريه للَّه تعالى فقال له لا تسأل شيئًا إلا أعطيك قال ابن لي عليه حائطًا قدر قامتي من كل جهة ثم املأه لى ذهبا، فقال داود عليه السلام نعم وهو في اللَّه قليل، وقول الرجل قد جعلته للَّه تعالى فأقبلوا على العمل ثم لما صار الأمر إلى سليمان عليه السلام وأراد أن يبنى مسجد بيت المقدس ساوم صاحب الأرض. فقال له: بقنطار من ذهب فقال له سليمان عليه السلام: قد استوجبتها بذلك فقال صاحب الأرض: هي خير أم ذلك قال: بل هي خير قال فإنه بدا لى قال: أو ليس قد أوجبتها قال بلى ولكن المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا قال ابن المبارك وهذا أصل خيار
المجلس قال ولم يزل يزايده ويقول له مثل قوله الأول حتى استوجبها منه بسبعة قناطير ذهب وقيل بتسعة قناطير من ذهب فبناه سليمان وأدار سوره وعمل فيه الأعمال التي تقدم وصفها، قال صاحب مثير الغرام في مبايعة سليمان عليه السلام لصاحب الأرض إشكال: لأنه تقدم على القول الثاني أنه جعلها للَّه تعالى فكيف يباع هذا الوقف ثانيا؟ فالجواب أنه يحتمل أن يكون داود عليه السلام لما قيل له إنه سيبنيه رجل من صلبك اسمه سليمان ردها على صاحبها قبل قوله جعلتها للَّه تعالى ويحتمل أن يكون قد استولى على الأرض غير الرجل الأول ويحتمل أن يكون في شرعهم وأن هذا اللفظ ليس بتحبيس وأن التحبيس يجوز فيه الرجوع وهذا السور هو المراد بقول اللَّه عز وجل {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13] رواه أبو العوام مؤذن بيت المقدس عن عبد اللَّه بن عمر قال السور الذي ذكره اللَّه تعالى في القرآن بقوله {بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13]
وادي جهنم رواه الحاكم وقال صحيح وذكره في مثير الغرام وأقره في سنده إلى ابن العوام عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: إن السور الذي ذكره اللَّه تعالى في القرآن {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد: 13] فذكر مثله، وعن زياد بن أبي سودة قال روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو على سور بيت المقدس يبكى فقيل له ما يبكيك يا أبا الوليد قال هنا أخبرنا رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم. وعنه أنه سمع أخاه أبا عثمان بن أبي سودة قال رأيت عبادة بن الصامت واضعًا صدره على جدار المسجد مشرف، وفي رواية أبي الجديل يشرف على وادي جهنم يبكي فقال: يا أبا الوليد ما يبكيك قال هذا المكان الذي أخبرنا رسول اللَّه أنه رأى فيه جهنم.
وعن أبي العوام قال: رأيت عبادة بن الصامت فذكره بلفظ ما يبكيك فقال: كيف لا أبكي وقد سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول هذا وادي جهنم وعن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة روى عبادة بن الصامت على شرقي بيت المقدس يبكي فقيل له ما يبكيك؟ فقال: ههنا حدثني حبيبي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه رأى مالكًا يقلب حجرًا كالعصف، وعن سعيد بن عبد العزيز عن أبي العوام قال: رأيت عبد اللَّه بن عمر قائما على سور بيت المقدس يبكي فقيل له ما يبكيك قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: في قوله عز وجل {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} [الحديد: 13] الآية باطنه المسجد وما يليه وظاهره الوادي وما يليه فقال عبد اللَّه: هو سور بيت المقدس الشرقي وفي لفظ آخر وهو السور الشرقي باطنه المسجد وظاهره
وادي جهنم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه وقف على سور بيت المقدس الشرقي فقال من ههنا ينصب الصراط. وعن مجاهد عن ابن عمر قال: "قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جهنم محيطة بالدنيا والجنة من ورائها فلذلك صار الصراط على جهنم طريق إلى الجنة".
وأما ما في داخل المسجد من المحاريب المقصودة بالزيارة والصلاة فيها فمحراب داود عليه السلام على اختلاف فيقال إنه المحراب الكبير الذي في سور المسجد الشرقي ويقال إنه المحراب الكبير الذي بجوار المنبر وقال صاحب الفتح القدسي إنه محراب داود عليه السلام في حصن بيت المقدس في موضع إقامته في سكنه كان في الحصن ومعبده فيه وكذلك محرابه الذي ذكره اللَّه تعالى في القرآن بقوله: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] يحتمل أن يكون محرابه الذي كان يصلي فيه في الحصن في مكان متعبده فيه، وكان المحراب الكبير الذي في داخل المسجد وكان موضع صلاته إذا دخل المسجد ولما جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه اقتقى أثره وصلى مكان متعبده فسمي محراب عمر، لكونه أول من صلى فيه يوم الفتح وهو في الأصل محراب داود عليه السلام ويعضده ما كان من اجتهاد عمر رضي الله عنه حين قال لكعب بن ماتع أن تجعل مصلانا في هذا المسجد فقال في مؤخره مما يلي الصخرة فتجتمع القبلتان قال يا أبا إسحاق ضاهيت اليهودية نحن قوم لنا مقدم المساجد ثم خط المحراب في ذلك المتعبد الذي كان له داود عليه السلام إذا دخل المسجد فوافق رأيه واجتهاده اختيار داود عليه السلام لذلك المكان قديما واتخاذه مصلى ومحراب
زكريا عليه السلام، والأكثر على أنه داخل المسجد في الرواق المجاور لبابه الشرقي ومحراب مريم عليها السلام وهو موضع متعبدها ويعرف الأن بمهد عيسى عليه السلام والمشهور أن الدعاء فيه مستجاب فينبغي للمصلي أن يصلى فيه ويقرأ سورة مريم لما فيها من ذكرها ويسجد فيها كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه في محراب داود عليه السلام فإنه قرأ في صلاته سورة الإخلاص لما فيها من ذكره وسجد فيها، والدعاء فيه مستجاب خبر به غير واحد من الناس فوجدوه كذلك وأفضل الدعاء فيه دعاء عيسى عليه السلام الذي دعا به حين رفعه اللَّه تعالى إليه من طور زيتا ومحراب عمر رضي الله عنه المجاور الآن للمنبر الشريف المقابل للباب الكبير الذي يدخل منه إلى المسجد الأقصى، وقائل يقول إنه المحراب الذي في الرواق الشرقي المتصل بجوار المسجد الأقصى باعتبار أن ذلك الرواق بما اشتمل عليه يسمى جامع وأن ذلك المكان هو الذي عزله هو ومن كان معه من الصحابة رضي الله عنهم من الزبالة وكنسوه وصلوا فيه فسمي بذلك جامع عمر.
والأكثرون على أن محراب عمر هو المحراب الكبير المجاور للمنبر وسيأتي ذكر ذلك بمعناه في باب فتح بيت المقدس ودخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الفتح من هذا الكتاب المبارك إن شاء اللَّه
تعالى. ومحراب معاوية رضي الله عنه ويقال: إنه المحراب اللطيف الذي هو الآن داخل مقصورة الخطابة وبينه وبين المحراب الكبير المنبر الشريف وفي داخل المسجد الأقصى وخارجه مما هو داخل السور محاريب كثيرة وضعها الناس على اختلاف طبقاتهم لمقتضيات اقتضت وضعها فمنها ما وضع برؤيا نبي من الأنبياء يصلي هناك أو ولى من الأولياء وكلها مقاصد خير وفيه الموضع الذي خرقه جبريل عليه السلام وربط فيه البراق خارج باب النبي صلى الله عليه وسلم وهو من المواضع الواجبة التعظيم وما شاكله من الآيات المقدسة والمشاهد التي هي على التقوى والرضوان مؤسسة، ومنها الصخور التي في مؤخر المسجد مما يلي باب الأسباط وعندها الموضع الذي يقال له كرسي سليمان الذي دعا عنده لما فرغ من بناء المسجد كما قدمنا فاستجاب اللَّه له فيه، والذي ينبغى لقاصد هذه المحاريب والمواضع المعروفة بإجابة الدعوات وجرت العادات أن يصلي فيها ما شاء اللَّه أن يصلي ويجتهد في الدعاء فيها بما قدمناه من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وما أحب أن يدعو به أمر دين ودنيا هذا مع تصحيح النية والتوبة إلى اللَّه تعالى والإقلاع عن الذنوب والندم على فعلها والعزم على أن لا يعود إليها والاشتغال بتعطم حرمات اللَّه وحرمات بيته المقدس الذي هو أكبر مساجد الإسلام وشكره على ما منحه من زيارته وتأهيله لذلك يجتهد في الطاعات والدعاء والصدقة في كل مكان منها ما أمكنه فإن ذلك فضل كبير وخير كثير فإذا فعل ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه إن شاء اللَّه تعالى وأما ما يشرع من الأبواب فأولها باب الرحمة وهو في المسجد من جهة السور الذي قال اللَّه تعالى {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ
فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13] فإن الوادي الذي وراءه وادي جهنم وهو من داخل الحائط مما يلي المسجد والباب المذكور في القرآن مما يلى وادي جهنم مغلوق لا يفتح إلى أن يأذن اللَّه عز وجل بفتحه، والباب الذي من داخل الحائط مما يلي المسجد مقصود بالزيارة والدعاء والذي ينبغي لمن قصده أن يصلي في المكان الذي من داخله ويدعو ويجتهد في الدعاء، ويسأل اللَّه عز وجل في ذلك الموضع الجنة ويستعيذ به من النار وأن يكثر من ذلك قال المشرف رحمه الله
تعالى وينبغي أن يجتهد في الدعاء من باب الرحمة ويكون أكثر دعائه أن يسأل اللَّه الجنة ويستعيذ به من النار وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من سأل اللَّه تعالى الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة فمن استعاذ من النار ثلاث مرات قالت: النار اللهم أجره من النار" قال: والأحسن موقعا من سؤال اللَّه عز وجل الجنة والاستعاذة به من النار في باب الرحمة فإنه مظنة حصول إحدى الجهتين ونرجو من كرم اللَّه تعالى وإحسانه وجوده وامتنانه أن نكون من أهل الجنة الفائزين بها الداخلين إليها بسلام آمنين إن شاء اللَّه. وباب الأسباط وهو في مؤخر الجامع مما يلي الصخور التي هناك والمحراب الذي يقال له محراب داود عليه السلام المقدم ذكره على الاختلاف فيه، وباب التوبة بين باب الرحمة وباب الأسباط مسكن الخضر وإلياس عليهما السلام كذا في كتاب الأنس وفي فضائل بيت المقدس للحافظ أبي بكر الواسطي الخطب بأن مسكن الخضر عليه السلام، ولم يبوب له صاحب مثير الغرام في كتابه بابا بل ذكر مسكنه في ترجمته عند ذكر من دخل بيت المقدس
من الأنبياء عليهم السلام.
وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى شهر بن حوشب عن عبد اللَّه قال مسكن الخضر ببيت المقدس فيما بين باب الرحمة إلى باب الأسباط قال وهو يصلي كل جمعة في بيت المقدس في خمسة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد بيت المقدس، ومسجد قباء، ويصلي في ليلة كل جمعة في مسجد الطور ويأكل كل جمعة أكلتين من كماة وكرفس ويشرب مرة من زمزم ومرة من جب سليمان الذي ببيت المقدس المعروف بجب الورقة ويغتسل من عين سلوان وقال أيضا في كتاب الأنس حدثنا الوليد بن حماد وساق السند إلى ابن أبي داود وقال إلياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ويوافيان الموسم كل عام وروى بسنده إلى عمه الحافظ أبي القاسم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بينما أنا أطوف بالكعبة إذا رجل معلق بأستار الكعبة وهو يقول يا من لا يشغله سمع عن سمع، يا من لا يغلطه المسائل، يا من لا يبرمه إلحاح الملِّحين ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك. قال علي رضي الله عنه: أعد علي هذه الكلمات يا عبد اللَّه فقال: أسمعتهن؟ قال: نعم والذي نفس
الخضر بيده وكان هو مع الخضر عليه السلام ما من عبد يقولوهن دبر كل مكتوبة إلا غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل رمل عاج أو مثل زبد البحر أو ورق الشجر وروى أيضا بسنده الى همام بن منبه قال هذا ما حدثنا
أبو هريرة قال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إنما سمي الخضر خضرًا لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من تحته خضرا رواه البخاري رضي الله عنه من حديث إلى عروة اليماني وبسنده إلى المشرف بن الرجاء الفقيه إلى أبي حفص الحمصي قال دخلت بيت المقدس قبيل أو قبل نصف النهار لأصلي فيه فإذا أنا بصوت يخافت أحيانًا ويجهر أحيانًا وهو يقول ربي إني فقير وأنا خائف مستجير يا رب لا تبدل اسمي ولا تغير جسمي ولا تجهد بلائي قال: فخرجت مذعورًا فمررت على ناس بباب المسجد فقالوا مالك يا عبد فأخبرتهم الخبر فقالوا لا تخف هذا الخضر عليه السلام وهذه ساعة صلاته. قال وذكره المشرف في باب ما جاء في الصخرة التي تسمى نج نج وهي التي تحت المقام الغربي بما يلي باب قبة النبي صلى الله عليه وسلم وإنها موضع الخضر عليه السلام، ثم قال: وهذا الدعاء يستحب أن يدعا به في ذلك الموضع في سائر المسجد فإنه دعاء مستجاب إن شاء اللَّه تعالى. انتهى كلامه وقال في مثير الغرام وذهب جماعة من العلماء رضي الله عنهم إلى أنه نبي واختاره الإمام القرطبي وهو المختار عند محققي شيوخنا، وذهب آخرون إلى أنه ولي، ومذهب الأكثرين أنه حيّ وروى الإمام أبو سعيد عبد الكريم بن السمعاني عن الشيخ يحيى بن عطاء الموصلي عن الشيخ الصالح الإمام أبي نصر البندينجي قال
سألت الخضر أين تصلي الصبح قال عند الركن اليماني، قال: وأقضي بعد ذلك شيئا كلفني اللَّه تعالى قضاءه ثم أصلي الظهر بالمدينة ثم أقضي شيئًا كلفني اللَّه تعالى قضاءه وأصلي العصر ببيت المقدس، حكاه صاحب مثير الغرام. وسبب حياته على ما حكاه البغوي في معالم التنزيل أنه شرب من عين الحياة لا يصيب ذلك الماء شيء إلا حي وقال آخرون إنه ميت، انتهى كلام البغوي.
وفي الروضة الفردوسية بخط مؤلفها الشيخ الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن أمين الأقشهري وكان رحل إلى الغرب وطالت مدته هناك وأخذ عن جماعة
من أعيان علماء الأندلس وغيرهم وتوفي بالمدينة الشريفة النبوية على الحال بها أفضل الصلاة والسلام سنة تسع وثلاثين وسبعمائة قال: أنبأنا جماعة وذكر بأسانيده إلى الفقيه الصالح أبي المظفر عبد اللَّه بن محمد الخيام الحربي، السمرقندي باموردة قال دخلت يوما مغارة فضللت الطريق فإذا أنا بالخضر عليه السلام فقال بحد أي أمشي فمشيت معه ثم قلت ما اسمك قال أبو العباس ورأيت معه صاحبا له فقلت: ما اسمه؟ قال إلياس بن سام فقلت: رحمكما اللَّه تعالى هل رأيتما محمدا صلى الله عليه وسلم قالا: نعم فقلت بعزة اللَّه تعالى وقدرته أخبراني بشيء أرويه عنكما، فقالا: سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مؤمن يقول صلى اللَّه على محمد إلا بصَّر اللَّه قلبه ونوره وذكر أحاديث قال: وسمعتهما يقولان كان في بني إسرائيل نبيّ يقال له إشمويل رزقه اللَّه النصر على أعدائه، وأنه خرج في جيشه فقالوا هذا ساحر يسحر أعيننا ويفسد عساكرنا فنجعله في ناحية البحر فقال:
احملوا وقولوا صلى اللَّه على محمد فحملوا وقالوها جملة فصارت أعداؤهم فى ناحية البحر فغرقوا أجمعين، قال الخضر وإلياس كان ذلك بحضرتنا، قال وسمعتهما يقولان:"سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: من قال صلى الله عليه وسلم طهر قلبه من النفاق كما طهر الشيء بالماء" وقال "سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: على المنبر من قال صلى اللَّه على محمد فقد فتح اللَّه نفسه سبعين بابا من الرحمة" قال وسمعتهما يقولان قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمن يقول: صلى اللَّه على محمد سبع مرات إلا أحبه اللَّه وإن كانوا بغضوه، واللَّه لا يحبونه حتى يحبه اللَّه سبحانه" يقولان جاء رجل من الشام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إن أبي شيخ كبير وهو يحب أن يراك فقال: ائتني به قال إنه ضرير البصر، قال قل له يقول في سبع أسابيع صلى اللَّه على محمد وسلم فإنه يراني في المنام، حتى يروي عني الحديث ففعل فرآه في المنام وكان يروي الحديث، قال وسمعتهما يقولان سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جلستم مجلسًا فقولوا بسم اللَّه الرحمن الرحيم صلى اللَّه على محمد يوكل اللَّه بكم ملكا يمنعكم عن الغيبة حتى لا تغتابوا وإذا أقمتم فقولوا بسم اللَّه الرحمن الرحيم وصلى اللَّه على محمد فإن الناس لا يغتابوكم ويمنعهم الملك عن ذلك، قاله الرواي عن أبي المظفر. وسمعنا عليه بعد الفراغ من إنشاده لنفسه حد والحديث فيما يروي بنيان عن نبي واستغنموها وعظموها فهي من المخزون
الخفي انتهى ما ذكره الأقشهري حطه وهو
الذي ورد فيه من رواية ابن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "قيل لموسى عليه السلام قل لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58] فبدلوا ودخلوا الباب يزحفون على أسقاههم وقالوا حبة في شعره" وعن ابن عباس رضي الله عنه فى قوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} [البقرة: 58]"يريد بيت المقدس"{فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} [البقرة: 58] يريد لا حساب عليكم. {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة: 58] يريد باب بيت المقدس مسجد اللَّه تعالى {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] يريد لا إله إلا اللَّه لأنها كلمة تحط الذنوب {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59] قالوا بالعبرانية حبة سمراء يريد الحنطة {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: 59] أي عذابا {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59] وكان يقال من صلى عند باب حطة ركعتين كان له من الثواب بعدد من قيل له من بني إسرائيل ادخل فلم يدخل.
وعن علي بن سلام بن عبد السلام عن أبيه قال سمعت أبا محمد بن عبد السلام يقول: الباب النحاس الذي في المسجد باب الحمل الأوسط هو من متاع كسرى والباب النحاس الذي على باب المسجد باب داود الذي تخرج منه إلى سوق سليمان بن صهيون. والباب الذي يعرف بباب حطة هو الباب الذي كان بأريحا لما خربت نقل الباب إلى المسجد قال إنما سمى باب حطة لأن اللَّه تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا منه ويقولوا حطة. وحطة فعلة من الحط وهو وضع الشيء من أعلى إلى أسفل يقال حط الحمل عن الدابة والسيل حط الحجر من الجبل قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] أي مغفرة فقالوا حنطة وقال مقاتل إنهم أصابوا خطة بإبائهم على موسى دخول الأرض المقدسة التي فيها الجبارين فأراد
اللَّه أن يغفر لهم فقيل لهم قولوا حطة وقال الزجاج معناه سألتنا حطة أي حط عنا ذنوبنا وقوله تعالى {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة: 58] قال ابن عباس
ركعا وهو من شدة الانحناء والمعنى منحنيين متواضعين، قال مجاهد هو باب حطة من بيت المقدس طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فلم يخفضوا، وعن عبد الرحمن محمد بن منصور بن ثابت عن أبيه عن جده قال كان في زمن بني إسرائيل إذا أذنب أحدهم الذنب كتب على بابه أو جهته خطيئته أو على عتبة داره، ألا إن فلانا قد أذنب ليلة كذا وكذا فيبعدونه ويدحرونه. فيأتي باب التوبة، وهو الذي عند محراب مريم عليها السلام الذي كان يأتيها رزقها منه، فيبكي ويتضرع ويقيم حينًا فإن تاب اللَّه عليه محي ذلك عن جبينه فيقربه بنو إسرائيل وإن لم يتب عليه أبعدوه ودحروه، وباب شرف الأنبياء وهو يعرف الآن بباب الدويدار وهو من جهة المسجد من الشمال، وباب الغوانمة وهو الذي عند النيابة في أول جهة والمسجد الغربية ويعرف هذا الباب قديمًا بباب الخليل كما قيل واللَّه أعلم. وباب الناظر ويقال إنه باب غير متجدد ويعرف قديما بباب ميكائيل ويقال إنه الذي ربط به جبريل عليه السلام البراق ليلة الإسراء، وباب الحديد وهو مستجد ويعرف قديما بأرغون الكاملى صاحب المدرسة الأرغونية التي على يسار الخارج منه. "باب القطانين ويقال إنه مستجد" فتحه السلطان الملك الناصر
محمد بن قلاوون رحمه اللَّه تعالى وكان قد تلاشى حاله ولما عمر المرحوم تنكز الحسامي نائب الشام كان رحمه اللَّه تعالى رواق المسجد الذي في الجهة الغربية وسوق القطانين عمر الباب بعمارته المتقنة التي هي عليه الآن، وباب الساقية يقال إنه قديم وكان قد استهدم ولما عمَّر المرحوم علاء الدين البصير الميضاة المعدة للرجال عمَّر هذا الباب وَلَمَّ شعثه، وباب السكينة وهو مجاور لباب المدرسة المعروفة بالبلدية وهو الآن مجاور للمنارة القبلية والمدرسة الشريفة السلطانية الأشرفية من جهة الشمال واللَّه أعلم.
وباب السلسلة وباب السكينة متحدان وباب السلسلة هذا يعرف قديما بباب داود عليه السلام وباب المغاربة وسمي بذلك لمجاورته مقام المغاربة التي تقام فيه الصلاة الأولى ومحل هذا الباب آخر الجهة الغربية من المسجد إلى القبلة ويسمى هذا الباب باب النبي عليه السلام، وأما أذارعه وما اشتمل عليه من الطول والعرض فقد جعل صاحب مثير الغرام فصلا ذكر فيه ما أثره عبد الملك بن مروان وغيره في المسجد الأقصى وهو الفصل السابع.
وقال الحافظ ابن عساكر رضي الله عنه وطول المسجد الأقصى سبعمائة ذراع وخمسة
وستون ذراعًا بذراع الملك، وقال صاحب مثير الغرام: قلت وكذا قاله أبو المعالي المشرف في كتابه، قال: ولكن رأيت قديما بالحائط الشمالي فوق الباب الذي يلي الدويدارية داخل السور بلاطة فيها أن طوله سبعمائة ذراع وأربعة وثمانون ذراعًا وعرضه أربعمائة وخمسة وخمسون ذراعًا وذلك مخالف لما ذكره قال: ووصف فيها الذراع لكني لم أتحقق ذلك هل هو الذراع وثلاثة وثلاثون ذراعًا خارج عن عرض أسوارها انتهى كلامه.
وأما الورقات وما كان من أمرها على اختلاف في اللفظ وتوارد في المعنى على محل واحد فمن ذلك ما رواه أبو بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنة رجل من أمتى يمشي على رجليه وهو حي" فقدمت رفقة إلى بيت المقدس يصلون فيه في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فانطلق رجل من بني تميم يقال له شريك بن حباشة الثقفي يستقي فوقع دلوه في الجب فنزل ليأخذه فوجد بابا في الجب يفتح إلى جنان فدخل من الباب إلى الجنان يمشي فيها وأخذ من شجرها ورقة فجعلها خلف أذنه ثم خرج إلى الجب فارتقى، فأتى صاحب بيت المقدس فأخبره كما رأى من الجنان ودخوله فيها، فأرسل معه إلى الجب فنزل الجب ومعه أناس فلم يجدوا بابا ولم يصلوا إلى الجنان فكتب
بذلك إلى عمر فكتب عمر بصدق حديثه في دخول رجل من هذه الأمة الجنة يمشي على قدميه وهو حي، وكتب عمر أن انظروا إلى الورقة فإن هي يبست وتغيرت فليست هي من ورق الجنة فإن الجنة لا يتغير شيء منها وذكر في حديثه أن الورقة لم تتغير، وفي لفظ آخر من حديث ابن أبي تميم قال: أخبرني عطية بن قيس أن شريك بن حباشة النميري جاء إلى بيت المقدس يستسقي لأصحابه إذ خر منه الدلو فنزل إذ تبدى له شخص فقال له انطلق معي فأخذه بيده في الجب ثم أدخله الجنة فأخذ شريك ورقات ثم رده إلى موضعه فخرج فأتى أصحابه فأخبرهم، فرفع أمره إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال كعب إن رجلا من هذه الأمة سيدخل الجنة وهو حي بينكم، قال انظروا إلى هذه الورقات فإن تغيرت فليست من ورق الجنة وإن لم تتغير فهي من ورق الجنة. قال عطية فلم تكن الورقات يتغيرن. ومن طريق آخر قال الوليد أحد رواته، قال: حدثني أبو النجم إمام أهل سلمية ومؤذنهم في سنة أربعين ومائة ومات في سنة خمسين ومائة قال حدثني غير واحد من
أهل سلمية من قبائل العرب أنهم أدركوا شريك بن حباشة يسكن سلمية قالوا فكنا نأتيه فنسأله فيخبرنا بدخوله الجنة وما رأى
فيها وعن أخذه الورقات منها وإنه لم يبق معه إلا ورقة واحدة ادخرها لنفسه، قال: فكنا نسأله يرينا إياها فيدعو بمصحفه فيخرجها من بين ورق المصحف خضراء فيأخذها ويقبلها وندفعها إليه فيضعها على عينيه ثم يردها ويضعها بين ورق المصحف، فلما احتضر أوصى أن يجعلها بين كفنه وصدره فكان آخر عهدنا بها أن وضعها على صدره ثم وضعوا أكفانه عليها، قال الوليد بن مسلم لأبي النجم هل وصفوها لك؟ قال: نعم شبهوها بورق الدراقن بمنزلة الكف محددة الرأس.
وفي لفظ آخر من رواية إبراهيم بن أبي عبلة عن شريك بن حباشة النميري أنه ذهب يستقي من جب سليمان الذي في بيت المقدس فانقطع دلوه فنزل الجب ليخرجه فبينما هو يطلبه بذلك الجب إذ هو بشجرة فتناول ورقة من الشجرة وإذا هي ليست من شجر الدنيا فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال رضي الله عنه أشهد أن هذا هو الحق سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الجنة رجل من أهل هذه الأمة الجنة قبل موته وأخذ الورقة وجعلها بين دفتى المصحف". وذكر أبو حذيفة إسحاق بن بشر في فتوح بيت المقدس قال وكان في المسلمين رجل من بني تميم يقال له أبو المحشن وكان شجاعًا وكان الناس يذكرون منه إصلاحًا ففقدوه يوما وكانوا يسألون عنه ولا يخبرون عنه بشيء حتى أيسوا منه وظنوا أنه قد اغتيل فذهب به، فبينما الناس جلوس إذ طلع عليهم ومعه ورقتان لم ينظر الناس إلى مثل تلك الورقتين قط أخضر خضرة ولا أعرض ولا أطيب ريحا ولا أطول طولا ولا أحسن منظرا فقال به أصحابه أين كنت؟ فقال: وقعت
في جب فمكثت أمشى حتى انتهيت إلى جنة معروشة فيها من كل شيء فلم ترعني مثل ما فيها من نعيم في مكان قط ولا أظن اللَّه تعالى خلق مثل ما رأيت فلبثت هذه الأيام كلها فيها في نعيم ليس مثله نعيم وفي منظر ليس مثله منظر أو في ريح لم يجد أحد من الناس ريحا قط أطيب منه فبينما أنا كذلك إذ أتاني آت حتى أخذ بيدي فأخرجنى منها إليكم وقد أخذت هاتين الورقتين من سدرها أو من سدرة كنت تحتها
جالسا فبقيتا الورقتان في يدي فأقبل الناس يأخذونها فيجدون لها ريحا لم يجدوا مثله قط لشيء. قال إسحاق فحدثني المصارب بن عبد اللَّه الشامى أن تلك الورقتين كانتا عند الخلفاء في الخزانة قال وأن أبا عبيد فأرسل أبا المخشن والورقتين إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما قص عليه القصة دعا عمر الناس ودعا كعب وقال له يا كعب هل بلغك في شئ من الكتب أن رجلا من هذه الأمة يدخل الجنة ثم يخرج منها قال نعم واللَّه إني لأعرفه بحليته وإنه يخرج بورقتين منها وذلك بعد فتح اللَّه الروم على هذه الأمة قال فانظر في هذا المجلس هل ترى ذلك الرجل قال فنظر وتصفح وجوههم ثم أخذ بيدي أبي المخشن وقال هو هذا. قال فحمد عمر اللَّه كثيرا.
ويقال إن جب الورقة داخل المسجد الأقصى عن يسار الداخل من الباب المقابل للمحراب، وأما وادي جهنم فقد تقدم ذكره في أوائل هذا الباب عند ذكر السور وباب الرحمة. انتهى واللَّه أعلم.