الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ينبغي لمن أراد المقام بالمدينة
-زادها الله شرفاً- أن يزم نفسه مدة مقامه في ذلك المحل الكريم بزمام الخشية، والتعزير، والتعظيم، ويخفض جناحه، ويغض من صوته في ذلك الموطن الشريف العظيم، ولا يرفع صوته في حضرة سيدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، وليلحظ قوله عز وجل:
{إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ} .
أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ، أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن يحيى بن علي القرشي، أخبرنا علي بن الحسن بن الحسين. وأخبرنا الحسن بن محمد، ومحمد بن هبة الله الفقيه، ومحمد بن غسان رحمهم الله، أخبرنا
الحافظ أبو القاسم، أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الخطيب قالا: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن عثمان، أخبرنا يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا هريم بن عبد الأعلى بن الفرات، حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي يذكر عن ثابت، عن أنس بن مالك قال:
لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} إلى قوله تعالى: {وأنتم لا تشعرون} .
قال: قال ثابت: أنا والله كنت أرفع صوتي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني أخشى أن يكون الله تبارك وتعالى قد غضب علي.
قال: فحزن واصفر.
قال: ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه، فقيل: يا نبي الله! إنه يقول: أخشى أن أكون من أهل النار، كنت أرفع صوتي عند النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
((بل هو من أهل الجنة)) .
قال: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجلٌ من أهل الجنة.
صحيح من حديث أبي محمد ثابت بن أسلم البناني، عن أبي حمزة أنس بن مالك، انفرد مسلم بإخراجه في ((صحيحه)) عن هريم.
وفي حديث الموازيني: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:
((رجل من أهل الجنة)) .
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي بكر، أخبرنا أبو الوقت ابن أبي مريم، أخبرنا عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، أخبرنا محمد، حدثنا محمد بن مقاتل، حدثنا وكيع، أخبرنا نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، قال: كاد الخيران أن يهلكا، أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني تميم، أشار أحدهما بالأقرع بن حابس الحنظلي أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنما أردت خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك!
فارتفعت أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت:
{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} إلى قوله {عظيمٌ} .
قال ابن أبي مليكة: قال الزبير رضي الله عنه: فكان عمر بعد، إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديثٍ حدثه كأخي السرار، لم يسمع حتى يستفهمه.
أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان الأربلي رحمه الله، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن أحمد بن محمد
النقور، أخبرنا أبو بكر بن سوسن، أخبرنا أبو القاسم الحربي، أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه، حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا حصين بن عمر الأحمسي، عن مخارق، عن طارق، عن أبي بكر رضي الله عنه قال: لما نزلت:
{إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله} .
قال أبو بكر رضي الله عنه: آليت أن لا أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار.
السرار: المساررة، أي كصاحب السرار، أو كمثل المساور يخفض صوته، فالكاف صفةٌ لمقدرٍ محذوف. والله أعلم.
أخبرنا محمد بن مقبل قراءةً ببغداد رحمه الله، أخبرتنا شهدة
بنت أحمد، أخبرنا ثابت، أخبرنا الحسن، أخبرنا أبو سهل، حدثنا يحيى، أخبرنا علي بن عاصم، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يرفع صوته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ممن أنت؟، قال: أنا من أهل الطائف، قال: لو كنت من أهل هذا البلد لأوجعت لك رأسك، إن مسجدنا هذا، لا ترفع فيه الأصوات.
وروينا في كتاب ((المدينة)) عن الزبير بن بكار، حدثنا محمد بن زبالة، حدثني عبد العزيز بن محمد، عن الجعيد بن عبد الرحمن، [قال: حدثني يزيد بن خصيفة] عن السائب بن يزيد، قال: جاءني عمر بن الخطاب وأنا مضطجعٌ في المسجد فقال: اذهب فأتني بهذين الرجلين، قال: وهما جالسان في المسجد، فسألهما من هما؟ فقالا: من أهل الطائف، فقال: أما والذي نفسي بيده لولا أنكما أتاديان،
لأوجعتكما ضرباً في رفعكما أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأتادي: الرجل الغريب، قال أبو عبيد: الرواية بضم الهمزة، وأما كلام العرب فالفتح، وهو الصواب، والله سبحانه أعلم.
ونبأني عبيد الله بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن أبي صالح الطابراني رحمه الله، عن أبي محمد هبة الله قراءةً، أخبرنا أبو عثمان، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا إبراهيم، أخبرنا أحمد، حدثنا مالك، قال: وأخبرني أبو النضر، عن سالم بن عبد الله، أن عمر رضي الله عنه بنى إلى جنب المسجد رحبة سماها ((البطيحاء)) .
فكان يقول: من أراد أن يلغط، أو ينشد شعراً، أو يرفع صوته، فليخرج إلى هذه الرحبة.
وروي أن عمر رضي الله عنه سمع صوت رجل في المسجد قال: أتدري أين أنت؟
وأخبرني محمد بن محمود النجار رحمه الله بخطه، عن أبي القاسم ذاكر، و [يحيى بن] أسعد، عن الحسن بن أحمد، عن أبي نعيم الحافظ، عن جعفر بن محمد، أخبرنا أبو يزيد المخزومي، أخبرنا الزبير بن بكار، أخبرنا محمد بن الحسن، قال: حدثني غير واحد منهم عبد العزيز بن أبي حازم، ونوفل بن عمارة قالوا: إن كانت عائشة رضي الله عنها تسمع صوت الوتد أو المسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فترسل إليهم:
((لا تؤذوا رسول الله)) صلى الله عليه وسلم.
وما عمل علي بن أبي طالب مصراعي داره إلا بالمناصع، توقياً لذلك.
وفي مناظرة المنصور مالك بن أنس الإمام رضي الله عنه، وقول مالك له: لا ترفع صوتك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن الله سبحانه أدب قوماً فقال: {لا ترفوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول} .
ومدح قوماً فقال: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} .
وذم قوماً فقال: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} .
وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان له أبو جعفر.