الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ثم يأتي المنبر الشريف ويقف عنده
، ويدعو الله سبحانه وتعالى ويمجده، ويحمده على ما يسر له، ويصلي على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويسأل الله سبحانه من الخير أجمع، ويستعيذ به من الشر أجمع، وقد أوردنا من قبل ما ثبت في ((الصحيح)) من قوله صلى الله عليه وسلم:
((ومنبري على حوضي)) ، وقوله صلى الله عليه وسلم:((ومنبري على ترعة من ترع الجنة)) .
وروى أبو سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((قوائم المنبر رواتب في الجنة)) .
كما أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله العلامة الجوال قراءةً رحمه الله، أخبرنا أبو روح عبد المعز بن أبي الفضل -بهراة- وأجازنيه منها، أخبرنا أبو القاسم الجرجاني، أخبرنا أبو
الحسن البحاثي، أخبرنا محمد بن أحمد الزوزني الحاكم، أخبرنا أبو حاتم الحافظ، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا ابن مهدي، حدثنا سفيان، عن عمار الدهني، عن أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((قوائم المنبر رواتب في الجنة)) .
اسم أبي سلمة: عبد الله بن عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومي.
واسم أم سلمة: هند، وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، وعمار هو أبو معاوية بن معاوية، ويقال: ابن حباب، ويقال: ابن صالح البجلي، ودهن بطن من بجيلة.
وقد احترقت بقايا منبر النبي صلى الله عليه وسلم القديمة، وفات الزائر من لمس رمانة المنبر التي كان صلى الله عليه وسلم يضع يده المقدسة المكرمة عليها عند جلوسه صلى الله عليه وسلم عليه ولمس موضع جلوسه منه بين الخطبتين وقبلهما، ولمس موضع قدميه الشريفتين بركةٌ عامةٌ ونفعٌ عائدٌ، وفيه صلى الله عليه وسلم عوضٌ من كل ذاهب، ودركٌ من كل فائت، وكان احتراقه ليلة أول يوم في شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة، وكان طول منبر النبي صلى الله عليه وسلم ذراعين في السماء وشبراً وثلاثة أصابع، وطول صفته التي كان يستند إليها النبي صلى الله عليه وسلم ذراعاً، وطول رمانتيه اللتين كان يمسكهما صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان، وكان عرض المنبر ذراعاً في ذراع يزيد، وتربيعه سواء، وعدد درجاته ثلاث بالمقعدة، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة قد ذهب بعضها، ثم كان طوله إلى أن احترق ثلاثة أذرع وشبراً وثلاث أصابع، وطول الدكة التي جددت له شبر وعقدة، ومن رأسه إلى عتبته خمسة أذرع وشبر وأربع أصابع، وزيد فيه عتبتان أخريان، وجعل له باب يغلق ويفتح يوم الجمعة، هكذا حكاه شيخنا أبو عبد الله النجار في كتاب ((أخبار المدينة)) رحمه الله.
قرأت على الشيخ أبي الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن المبارك بن موهوب بن غنيمة بن غالب الإربلي، قدم علينا رحمه الله، أخبرك أبو حفص عمر بن محمد بن معمر، أخبرنا علي بن عبيد الله بن نصر،
أخبرنا عبد الله بن محمد بن هزارمرد، أخبرنا عبيد الله بن أحمد، حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد، حدثنا أبو الأزهر، والحسن ابن يحيى، قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد،
فلما صنع له المنبر واستوى عليه، فاضطربت تلك السارية وحنت كحنين الناقة، حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت.
وأخبرنا الشيخ الأمين أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين الأنصاري رحمه الله، أخبرنا أبو طاهر الحافظ، أخبرنا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد ببغداد، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن جعفر بن إبراهيم الحرقي، أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن عبد الله الترمذي البزار، أخبرني جدي أبو بكر محمد بن عبيد الله بن مرزوق بن دينار الخلال، حدثنا عفان بن مسلم أبو عثمان الصفار، حدثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، فلما اتخذ المنبر حن الجذع، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه، وقال صلى الله عليه وسلم:
((لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة)) .
وقد رواه عفان أيضاً عن حماد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنهم وعنا، وهو حديثٌ صحيح، ورويناه من طرق، ورواه جماعةٌ من الصحابة: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وأبي بن كعب، وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
وفي بعض روايات البخاري: ((فصاحت النخلة صياح الصبي، فنزل صلى الله عليه وسلم فضمها إليه، كانت تئن أنين الصبي الذي يسكت، قال: كانت تبكي على ما تسمع من الذكر عندها)) .
وفي رواية: ((فلما جلس عليه، حنت الخشبة حنين الناقة على ولدها، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها)) ، فلما كان من الغد رأيت قد حولت فقلنا: ما هذا، قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فحولوها.
تفرد بهذه اللفظة الزائدة يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن سعيد، عن جابر رضي الله عنه.
وفي بعضها: ((فخار الجذع كما تخور البقرة حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتزمه، وأمسكه، حتى سكن)) .
وفي رواية أبي بن كعب رضي الله عنه: ((فأصغى إليه الجذع، فقال له: اسكن، ثم التفت فقال له: إن تشاء أن أغرسك في الجنة فيأكل منك الصالحون، وإن تشاء أن أعيدك رطباً كما كنت، فاختار الآخرة على الدنيا)) .
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى أبي، فلم يزل عنده إلى أن أكلته الأرضة، رواه ابن أبي -واسمه الطفيل- عن أبيه.
وفي رواية أنس رضي الله عنه: فلما قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر خار الجذع خوار الثور، حتى ارتج المسجد لخواره، حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، فالتزمه وهو يخور، فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه ما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن)) ، أخرجه الترمذي.
وفي رواية أنس رضي الله عنه أيضاً: ((وأنا في المسجد، فسمعت الخشبة تحن حنين الولد، فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكنت)) .
وكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى، ثم قال: يا عباد الله! الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكانه من الله عز وجل، فأنتم أحق من أن تشتاقوا إلى لقائه. حديثٌ حسنٌ عال.
وروينا من حديث أبي كبشة السلولي عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن أتخذ منبراً فقد اتخذه أبي إبراهيم، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم عليه السلام) .