الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ينبغي للزائر أن يشهد الصلاة كلها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
، لما قدمناه من الحديث الوارد في فضل الصلاة فيه، وليحرص على المبيت في المسجد ولو ليلةً يحييها بالذكر، والدعاء وتلاوة القرآن، والتضرع إلى الله سبحانه، والحمد له، والشكر على ما أعطاه، وعلى أن يختم القرآن العزيز في المسجد لأثر ورد فيه.
ويستحب له الخروج في كل يوم إلى البقيع لزيارة من فيه من سلف الأمة رضوان الله عليهم، سيما يوم الجمعة، وليكن ذلك بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا انتهى إليه قال:
السلام عليكم دار قوم مؤمنين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد.
والأحاديث الواردة الثابتة في زيارته صلى الله عليه وسلم أهل البقيع مشهورة، ولسنا نطول بإيرادها.
وقد أخبرنا جدي رحمه الله، أخبرنا عمي رحمه الله، أخبرنا أبو المظفر ابن القشيري، أخبرنا أبو سعيد الجنزروذي، أخبرنا أبو
عمرو المقرئ، أخبرنا أبو يعلى التميمي، أخبرنا يحيى بن أيوب، حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول:
((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)) .
رواه مسلم في ((صحيحه)) عن يحيى بن أيوب بن أبي زكريا البغدادي، وشريك هو ابن عبد الله بن أبي نمر.
وفي رواية لمسلم: ((وإنا وإياكم متواعدون غداً ومؤجلون)) .
قال الخطابي: فيه من الفقه: إن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء في تقديم الدعاء على الاسم، وكذلك كل دعاءٍ بخيرٍ كقوله سبحانه:
{رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} ، وكذلك {سلام على نوحٍ في العالمين} ، انتهى كلامه.
وأما في الشر والذم، فيقدم الضمير على الاسم، كقوله سبحانه:{وإن عليك لعنتي} ، {عليهم دائرةٌ السوء} ، والسلام مشتقٌ من السلام، وهو اسم الله سبحانه، وسمي به لسلامته من العيوب والنقص.
وقيل: معناه اسم السلام عليك، إذا كان اسم الله سبحانه يذكر على الأعمال توقعاً لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتفاء عوارض الفساد عنه.
وقيل معناه: إن الله مطلعٌ عليكم فلا تغفلوا.
وقيل معناه: سلمت مني، فاجعلني أسلم منك.
وقيل: هو مشتقٌ من السلامة بمعنى السلم.
ويقال: السلام عليكم، وسلامٌ عليكم بحذف ألفه ولامه، ولم يرد في القرآن إلا منكراً غالباً، فأما في التشهد في الصلاة فيقال فيه معرفاً ومنكراً والظاهر الأكثر من مذهب الشافعي رحمه الله أنه اختار التنكير.
وأما السلام الذي يخرج به من الصلاة، فروى الربيع عنه أنه قال: أقل ما يكفيه أن يقول: السلام عليكم، فإن نقص من هذا حرفاً عاد فسلم، ووجهه أن يكون أراد بالسلام اسم الله سبحانه، فلم يجز حذف الألف واللام منه، وكانوا يستحبون أن يقولوا في الأول: سلام عليكم، وفي الآخر: السلام عليكم، وتكون الألف واللام للعهد، يعني السلام الأول.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم -لما سلم عليه جابر بن سحيم فقال: عليكم السلام- قل: ((السلام عليك، فإن عليك السلام تحية الموتى)) ، فإنه أشار إلى ما جرت به عادتهم في المراثي، كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء كقول الشماخ:
عليك سلام من أمير وباركت
…
يد الله في ذاك الأديم الممزق
وقول الآخر:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ما شاء أن يترحما