المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة ست وعشرين وثلاثمائة - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٢٤

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة ست وعشرين وثلاثمائة

كلّ ذلك ذَهَبٌ مرصَّع بالجوهر. وبَقَوْا في بنائها ستّ عشرة سنة. وكان يُنفق عليها ثُلْث دَخْل الأندلس. وكان دَخْل الأندلس يومئذٍ خمسة آلاف ألف وأربعمائة ألف وثمانٍون ألف درهم.

وعمل في الزَّهراء قصر المملكة. غرِم عليه من الأموال ما لا يعلمه إلّا الله.

وبين الزَّهراء وبين قُرْطُبة أربعة أميال، وطولها ألف وستّمائة ذراع، وعرضها ألف وسبعون ذراعًا.

ولم يُبْن في الإسلام أحسن منها، لكنّها صغيرة بالنّسبة إلى المدائن كما ترى؛ لا بل هي متوسّطة المقدار. وكانت من عجائب الدنيا. وسورها ثلاثمائة برج، وكل شرافة حجر واحد.

وعمل ثُلثُها قصور الخلافة، وثلثها للخدم، وكانوا اثنى عشر ألف مملوك، وثُلثها الثالث بساتين.

وقيل: إنّه عمل فيها بُحَيْرة ملأها بالزِّئبق.

وقيل: كان يعمل فيها ألف صانع، مع كلّ صانع اثنا عشر أجيرًا. وقد أحرقت وهدمت في حدود سنة أربعمائة، وبقيت رسومُها وسورُها1. فسبحان الباقي بلا زوال.

1 النجوم الزاهرة "3/ 260، 261".

ص: 34

‌أحداث سنة ست وعشرين وثلاثمائة

أحداث سنة ست وعشرون وثلاثمائة:

انتصار البريديّ على بَجْكَم:

فيها: سار أبو عبد الله البريديّ لمحاربة بَجْكَم. وأقبل في مددٍ من ابن بُوَيْه، فخرج بَجْكَم لحربه، وعاد منهزما بعد ثلاثٍ، لأنّ الأمطار عطّلت نشّاب أصحابه وقِسِيَّهم، فقبض على وجوه أهل الأهواز، وحملهم معه، وسار إلى واسط1.

ازدياد قوّة أحمد بن بُوَيْه:

وأقام البريديّ وأحمد بن بُوَيْه بالأهواز أياما. ثمّ هرب البريديّ في المّاء، ثم أخذ

1 تكملة تاريخ الطبري "1/ 105، 106"، النجوم الزاهرة "3/ 262".

ص: 34

يراوغ أحمد بن بُوَيْه، وجَرَت له فصول.

وقوي ابن بُوَيْه. وبَجْكَم مقيم بواسط ينازع إلى الملك ببغداد.

وقد جمع ابن رائق أطرافه وأقام ببغداد، والبريدي هارب في أسفل الأهواز.

المصاهرة بين ابن رائق والوزير أبي الفتح:

ولمّا رأى الوزير أبو الفتح الفضل اختلاف الحضرة، واستيلاء المخالفين على البلاد، أطمع ابن رائق في أنّ يحمل إليه الأموال من الشّام ومصر. وأنّ ذلك لا يتم مَعَ بعده. وصاهره فزوج ابنه بابنة محمد بن رائق، وزوج مزاحم بن رائق ببنت محمد بن طُغْج.

محاربة البريديّ لبَجْكَم:

ثمّ خرج الوزير أبو الفتح إلى الشّام على البرّيّة، وقد استخلف على الحضرة عبد الله بن عليّ النُّقْريّ.

وسار ابن شيرزاد بين البريديّ وابن رائق في الصُّلْح، فكتبوا للبريدي بالعهد على البصرة، وأنّ يجتهد في أخذ الأهواز من أحمد بن بُوَيْه، وأنّ يحارب بَجْكَم.

فواقعَ عسكر البريديّ عسكر بَجْكَم فهزمه، فسُرَّ بذلك ابن رائق. ثمّ أرسل بَجْكَم إلى البريدي: أنت قد أنفقت مع ابن رائق عليّ وقد عفوتُ عنك، وأنا أعاهدك إن ملكتُ الحضرة أنّ أقلَّدَك واسطًا.

فسجد البريديّ شكرًا لله وحلف له واتّفقا1.

قطْع يد ابن مقلة:

وفيها: قُطِعت يد ابن مقلة. وسببه أنّ محمد بن رائق لمّا صار إليه تدبير المملكة قَبَضَ على ضياع ابن مقلة وابنه، فسأله ابن مقلة إطلاقَها، فوَعده ومَطَلهُ. فأخذ ابن مقلة في السَّعْي عليه من كلّ وجهٍ، وكتب إلى بَجْكَم يُطْمِعه في الحضرة، وكتب إلى الرّاضي يشير عليه بالقبض على ابن رائق، ويضمن له إذا فعلَ ذلك وأعاده إلى

1 تكملة تاريخ الطبري "1/ 108، 109"، الكامل في التاريخ "8/ 343، 344".

ص: 35

الوزارة أنّه يستخلص له منه ثلاثة آلاف ألف دينار. وأشار باستدعاء بَجْكَم ونصبه في بغداد. فأصغى إليه، فكتب ابن مقلة إلى بَجْكَم يخبره ويحثّه على القدوم.

واتّفق معهم أنّ ابن مقلة ينحدر سرًّا إلى الرّاضي ويقيم عنده، فركب من داره، وعليه طَيْلَسان، في رمضان في الليل. فلمّا وصل إلى دار الخليفة لم يُمَكَّن، وعُدِلَ به إلى حُجْرة فحُبِس بها.

وبعث الرّاضي إلى ابن رائق فأخبره. فتردَّد الرُّسُل بينهما أسبوعين، ثمّ أظهر الخليفة أمره، واستفتى القُضاة في أمرِه، وأفشى ما أشار به ابن مقلة من مجيء بجكم وقبض ابن رائق.

فيقال: أنّ القضاة، أفْتوا بقطع يده، ولم يصحّ.

ثمّ أخرجه الرّاضي إلى الدِّهْليز، فقطعت يدُه بحضرة الأمراء1.

رواية ابن سِنان عن ابن مقلة:

قال ثابت بن سِنان: فاستدعاني الرّاضي وأمرني بالدّخول عليه وعلاجه، فدخلت، فإذا به جالس يبكي، ولونه مثل الرصاص، فشكا ضَرَبَان ساعِده. فطلبتُ كافورًا، وطليتُ به ساعدَه فسَكَن. وكنتُ أتردد عليه، فعرضَتْ له عِلّه النُّقْرُس في رِجْلهِ.

ثمّ لمّا قرُب بَجْكَم من بغداد قطع ابن رائق لسان ابن مقلة، وبقي في الحبْس مدة، ثمّ لحِقَه ذِرب وشقي إلى أنّ مات بدار الخلافة.

وقد وَزَرَ ثلاث مرّات لثلاثة من الخلفاء. ومات سنة ثمانٍ وعشرين، وهو صاحب الخطّ المنسوب.

دخول بَجْكَم بغداد وتلقيبه: أمير الأمراء:

ثمّ أقبل بَجْكَم في جيوشه وضعُفَ عنه محمد بن رائق، فاستتر ببغداد، ودخلها

1 تكملة تاريخ الطبري "1/ 109" المنتظم "6/ 293"، البداية والنهاية "11/ 188"، الكامل في التاريخ "8/ 345".

ص: 36

بَجْكَم في ذي القعدة، فأكرمه الرّاضي ورفع منزلته، ولقّبه "أمير الأمراء"، وانقضت أيّام محمد بن رائق1.

كتاب ملك الرّوم إلى الخليفة بالهدنة:

وفيها: ورد كتابٌ من ملك الرّوم. والكتابة بالذَّهب، وترجمتها بالعربيّة بالفضّة؛ وهو: "من رومانس وقسطنطين وإسطانوس عظماء ملوك الرّوم، إلى الشّريف البهيّ ضابط سُلْطان المسلمين.

"بسم الأب والابن وروح القُدُس الإله الواحد، الحمد لله ذي الفضل العظيم، الرؤوف بعباده، الّذي جعل الصلحَ أفضل الفضائل، إذ هو محمود العاقبة في السّماء والأرض. ولمّا بَلَغنا ما رُزقته أيّها الأخ الشريف الجليل من وفور العقل وتمام الأدب، واجتماع الفضائل أكثر ممّن تقدَّمكَ من الخلفاء، حَمَدْنا الله.. " وذكر كلامًا يتضَّمن طلب الهُدْنَة والفِداء. وقدَّموا تقدمةً سنّية.

فكتب إليهم الرّاضي بإنشاء أحمد بن محمد بن ثُوَابة، بعدَ البَسملة:" مِن عبد الله أبي العبّاس الإمام الرّاضي بالله أمير المؤمنين إلى رومانس وقسطنطين وإسطانوس رؤساء الرّوم. سلامٌ على من اتَّبَعَ الهُدى وتمسَّك بالعُروة الوُثْقى وسلكَ سبيل النّجاة، والزُّلفى". وأجابهم إلى ما طلبوا2.

تقلد بَجْكَم إمارة بغداد وخراسان:

وفيها قلَّدَ الرّاضي بَجْكَم إمارة بغداد وخُراسان. وابن رائق مستتر.

امتناع الحجّ:

ولم يحجّ أحد.

انتصار ابن حمدان على الدّمُسْتُق:

وفيها: كانت ملحمة عظيمة بين الحسن بن عبد الله بن حمدان وبين الدّمُسْتُق، ونَصْر الله الإسلام، وهربَ الدّمُسْتُق. وقُتِل من النَصارى خلائق، وأخذ سرير الدمستق وصليبه3.

1 تكملة تاريخ الطبري "1/ 110"، الكامل في التاريخ "8/ 346"، البداية والنهاية "11/ 188".

2 تكملة تاريخ الطبري "1/ 111"، الكامل في التاريخ "8/ 352"، البداية والنهاية "11/ 888".

3 النجوم الزاهرة "3/ 263".

ص: 37