الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس وهو الشرط السادس: تمام الملك
ومعنى هذا الشرط من كان عنده مال تتعلق به حقوق للآخرين فهل تجب عليه الزكاة في هذا المال بمعنى أنه لا يملك المال ملكاً تاماً وقد أدرج العلماء مسائل كثيرة تحت هذا الشرط ومنها:
*المسألة الأولى: هل على المدين زكاة:
من كان عليه دين لا يخلو من أحوال ثلاثة:
1-
عنده مال يستغرق جميع الدين.
2-
عنده مال لا يفي بدينه.
3-
عنده مال يفي بالدين.
فإن كان عنده مال يفي بالدين ثم يبقى بعد ذلك مال ففي المال المتبقي زكاة ولا خلاف في ذلك بين العلماء متى ما توفرت في هذا المال المتبقي شروط الزكاة.
وإنما محل الخلاف إذا كان عنده مال لا يفي بدينه أو عنده مال استغرق جميع الدين وقد اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة أقوال:
القول الأول: تجب الزكاة على المدين مطلقاً فالدين لا يمنع من أداء وجوب الزكاة في الأموال على الإطلاق وهذا مذهب الظاهرية وهو قول عند الشافعية.
القول الثاني: لا زكاة على المدين مطلقاً حتى يفي بدينه فالدين مانع من أداء الزكاة وهذا قول الحنابلة وقول عند الشافعية أيضاً.
القول الثالث: تجب الزكاة على المدين في الخارج من الأرض فقط وهو مذهب الحنفية.
القول الرابع: التفريق بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة تجب الزكاة
على المدين في الأموال الظاهرة كالزروع والثمار والمواشي وغيرها ولا تجب عليه في الأموال الباطنة كالذهب والفضة وهذا قول المالكية 1.
أدلة أصحاب القول الأول:
استدلوا بعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الزكاة مطلقاً من غير تفريق بين مال وآخر وإن هذه الأدلة لم تفرق بين المدين وغير المدين كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الآية2.
وما بيده ماله يجوز فيه تصرفه فوجب أن يستحق الأخذ منه3.
أدلة أصحاب القول الثاني:
1-
بحديث معاذ رضي الله عنه السابق4 قوله صلى الله عليه وسلم: ”تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم”.
ووجه الدلالة: أن هذا الحديث نص على أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء والمدين ليس منهم.
2-
بما رواه أبي عبيد القاسم بن سلام قَال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قَال سمعت عثمان بن عفان يقول: “هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم” 5.
1 انظر: بداية المجتهد 1/246 وحلية العلماء 3/15، 16 وبدائع الصنائع 2/7 والمغني لابن قدامة 4/263 والمجموع 5/344 والإفصاح1/213 وفتح العزيز أو الشرح الكبير للرافعي 5/505، 506.
2 سورة التوبة آية (103) .
3 انظر: الحاوي 3/310.
4 سبق تخريج الحديث (ص 260) من هذا البحث.
5 انظر: كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص442 رقم 1247.المغني لابن قدامة 4/264 والحاوي 3/310 وبدائع الصنائع 2/6.
ووجه الدلالة: أن عثمان رضي الله عنه قدم قضاء الدين على إخراج الزكاة وقد قَال ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه1.
أدلة أصحاب القول الثالث:
بأن الخارج من الأرض مؤنة مالية سببها الأرض كالنفقة سببها القرابة وهذه قاعدة عندهم وأصل من أصولهم في كثير من مسائل الزكاة2.
أدلة أصحاب القول الرابع:
1-
إن الأموال الظاهرة تنمو بنفسها أما الأموال الباطنة فإنها تنمو بالتصرف.
2-
إن الأموال الظاهرة لا تخفى على الفقراء والمساكين فتتعلق بها بخلاف الأموال الباطنة.
3-
أن السعاة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء من بعده كانوا يأخذون زكاة ما ظهر من الأموال ولا يسألون عما خفي منها3.
والقول الثاني هو الراجح إن شاء الله تعالى وقد رجح هذا القول ابن رشد حيث قَال: والأشبه بغرض الشرع إسقاط الزكاة عن المدين لقوله صلى الله عليه وسلم: ”تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم” والمدين ليس بغني4.
*المسألة الثانية: هل على الدائن زكاة أم لا؟
والمراد صاحب المال وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال ثلاثة:
الأول: لا زكاة عليه مطلقاً لأنه لا يملك المال ملكاً حقيقياً فالمال ليس بيده وهو وإن ملك المال فملكه ناقص غير تام.
وهو مذهب الظاهرية.
1 انظر: المغني لابن قدامة 4/264 والحاوي 3/310 وبدائع الصنائع 2/6.
2 انظر: بدائع الصنائع 2/6.
3 انظر: المغني لابن قدامة 4/265، 266.
4 انظر: بداية المجتهد 1/246.
الثاني: قول أكثر أهل العلم تجب الزكاة عليه إذا قبض الدين لأن الزكاة من باب المواساة والعدل وليس من العدل إلزامه بزكاة ما لم يقبضه فلربما هلك المال بيد المدين.
الثالث: التفريق إذا كان المال بيد مماطل تجب الزكاة بعد القبض وهذا قول للشافعية والحنابلة1.
والراجح والله أعلم هو قول الجمهور تجب الزكاة عليه إذا قبضه لما عللوا به فلربما هلك المال.
*المسألة الثالثة: الثمار والزروع الموقوفة هل تجب فيها الزكاة؟
معنى الوقف: هو حبس العين وصرف منفعتها إلى الموقوف عليه فهو يفيد ملك المنفعة لا ملك العين يقال أوقفه، وحبسه وسبله كله بمعنى واحد وهو مما اختص به المسلمون 2.
وقد اختلف الفقهاء في الزروع والثمار الموقوفة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وجوب الزكاة فيها مطلقاً سواء كانت موقوفة لمعين كزيد أو موقوفة لغير معين كالفقراء والمساكين وهو قول المالكية وقول للشافعية.
القول الثاني: لا زكاة مطلقاً في الزروع والثمار قَال به بعض التابعين كطاووس ومكحول وغيرهما.
القول الثالث: التفريق إن كانت موقوفة لمعين تجب الزكاة وإن كانت لغير معين فلا زكاة فيها وهو قول أكثر أهل العلم3.
1 انظر: كتاب الأموال ص 434 - 439 رقم 1235 وحلية العلماء 3/80 والمغني لابن قدامة 4/270 والإفصاح 1/213، 214.
2 انظر: تهذيب اللغة 9/333 والصحاح 4/1440 والمطلع ص 285.
3 انظر: بداية المجتهد 1/247 والمجموع 5/340، 575.
أدلة أصحاب القول الأول:
بعموم الأدلة من الكتاب والسنة الموجبة للزكاة في الخارج من الأرض كقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 1 وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق2: “فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر” الحديث.
ووجه الدلالة: أن هذه النصوص دلت على وجوب الزكاة في الخارج من الأرض مطلقاً من غير تفريق بين موقوف وغيره.
أما أصحاب القول الثاني: عللوا بأن ملك الزروع والثمار الموقوفة ملكاً ناقصاً غير تام ومن شروط الزكاة تمام الملك فلا زكاة في هذه الزروع والثمار.
أما أصحاب القول الثالث:
إن كانت لمعين فهي داخلة في ملكه وتحت تصرفه فهي كبقية أمواله تجب فيها الزكاة.
وغير المعين فلا زكاة فيها لأنه لا يعرف لها مالك معين وهم الفقراء والمساكين الذين تجب لهم الزكاة ولا تجب عليهم.
*المسألة الرابعة: الأرض المستأجرة:
على من تجب زكاة ما تخرجه هذه الأرض هل تجب على المؤجر صاحب الأرض أو على المستأجر صاحب الزروع والثمار محل خلاف على قولين للفقهاء في ذلك:
القول الأول: تجب الزكاة على المستأجر وبه قَال أكثر أهل العلم مالك والشافعي وأحمد.
القول الثاني: تجب الزكاة على المؤجر وبه قَال الحنفية.
1 سورة الأنعام آية (141) .
2 سبق تخريج الحديث (ص 271) من هذا البحث.
أدلة جمهور العلماء:
استدلوا بعموم الأدلة على وجوب الزكاة في الخارج من الأرض من الكتاب والسنة كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ} 1.
والزرع مخرج للمستأجر فوجب أن يتوجه حق الإنفاق عليه.
وقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} الآية 2.
أمر بإيتاء الحق من أباح له الأكل، والأكل مباح للمستأجر فوجب أن يكون الحق واجباً عليه دون المؤجر3.
وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق4: “فيما سقت السماء”.
دل على وجوب الزكاة في الخارج من الأرض والخارج منها ملك للمستأجر دون المؤجر.
وجهة نظر أصحاب القول الثاني:
أن الخارج من الأرض مؤنة مالية سببها الأرض فوجبت الزكاة على صاحب الأرض كالخراج يجب على صاحب الأرض ومعنى ذلك قياس الأرض المستأجرة على الأرض الخراجية.
والراجح والله أعلم هو القول الأول لأن قياس الأرض المستأجرة على الأرض الخراجية قياس مع الفارق لعدة أسباب:
1-
لو كان القياس صحيحاً لأوجبنا الزكاة في الأرض المستأجرة على
1 سورة البقرة آية (267) .
2 سورة الأنعام آية (141) .
3 انظر: الحاوي 5/254 والإفصاح 1/218.
4 سبق تخريج الحديث (ص 271) من هذا البحث.
أهل الذمة وأهل الذمة ليس عليهم زكاة.
2-
لو كان صحيحاً لصرفت الأرض المستأجرة مصارف الفيء ولم يقل أحد من العلماء إن الأرض المستأجرة تصرف مصارف الفيء وإنما تصرف مصارف الزكاة.
3-
لو كان صحيحاً لوجبت في هذه الأرض المستأجرة الزكاة ولو لم تزرع كالخراج لأن الخراج أجرة يفرضها الحاكم على الأرض زرعت أو لم تزرع1.
*المسالة الخامسة: هل يجتمع العشر والخراج؟
لا خلاف بين أهل العلم بأن المسلم إذا ملك أرضاً عشرية تجب فيها الزكاة وكذا إذا ملك الذمي أرضاً خراجية يجب فيها الخراج.
وإنما الخلاف، المسلم إذا ملك أرضاً خراجية والذمي إذا ملك أرضاً عشرية.
وتكون الأرض خراجية في صورتين:
أحدهما: أن يفتح الإمام بلدة قهراً ويقسمها بين الغانمين ثم يعوضهم عنها ثم يوقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجاً كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق.
الثانية: أن يفتح بلدة صلحاً على أن الأرض للمسلمين ويسكنها الكفار بخراج معلوم2.
فهل يجتمع العشر والخراج إذا انتقلت الأرض الخراجية إلى ملك المسلم؟
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:
القول الأول: مذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد يجب في هذه الأرض العشر والخراج.
1 انظر: المغني لابن قدامة 4/201.
2 انظر: المجموع للنووي 5/436، 537.
القول الثاني: يجب في هذه الأرض الخراج فقط، قَال به الحنفية.
أدلة الجمهور:
1-
بعموم النصوص من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 1، وكقوله تعالى:{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ} 2 وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق3: “فيما سقت السماء” فهذه النصوص أوجبت الزكاة في الخارج من الأرض من غير تفريق بين الأرض الخراجية والأرض العشرية فيجب فيها الزكاة كما يجب فيها الخراج.
2-
أن الزكاة والخراج حقان واجبان بسببين مختلفين فوجوب أحدهما لا يمنع من وجوب الآخر فوجوب الزكاة لا يمنع من وجوب الخراج، ووجوب الخراج لا يمنع من وجوب الزكاة. سبق تخريج الحديث (ص 271) من هذا البحث.
فالزكاة والخراج حقان اختلفا من عدة وجوه:
أ- من حيث الدليل فالزكاة وجبت بالنص، والخراج بالاجتهاد.
ب- من حيث المصرف فالزكاة في مصارفها الثمانية والخراج للمقاتلة.
جـ - من حيث الصفة فالزكاة عبادة، والخراج مؤنة.
د- من حيث المحل فالزكاة عشر العين، والخراج دراهم في الذمة.
?- من حيث السبب فالزكاة الخارج من الأرض، والخراج الأرض نفسها4.
أدلة أصحاب القول الثاني:
1-
ما يروى عن ابن مسعود موقوفاً ومرفوعاً “لا يجتمع عشر وخراج
1 سورة الأنعام آية (141) .
2 سورة البقرة آية (267) .
3 سبق تخريج الحديث (ص 271) من هذا البحث.
4 انظر: المجموع للنووي 5/550 والحاوي 3 /253 وكتاب الأموال ص96.
في أرض مسلم” 1 فالواجب الخراج دون العشر لأنها أرض خراجية.
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث:
بأنه ضعيف وهو من رواية يحيى بن عنبسة عن أبي حنيفة.
قال ابن حبان: “ليس هذا الحديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة دجال يضع الحديث وهو كذب على أبي حنيفة ومن بعده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم “.
وقال ابن عدي: “لم يصل هذا الحديث غير يحيى وهو مكشوف الأمر ورواياته عن الثقات الموضوعات”.
وقال البيهقي: “حديث باطل وصله ورفعه يحيى بن عنبسة متهم بالوضع ولو صح الحديث لم يكن منع اجتماعهما دالاً على إسقاط العشر بأولى من أن يكون دالاً على إسقاط الخراج”2.
2-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر إردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم ثلاثاً” 3.
فالدرهم الخراج والقفيز العشر، والقفيز والمدي والأردب مكاييل معروفة لأهل تلك البلاد المذكورة.
فهذا الحديث إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع من أهل تلك الأمصار حيث يخرجون عن طاعة الإمام ويمنعون ما أوجبه عليهم وهو الخراج.
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث.
1 رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الزكاة 4/132.
2 انظر: الحاوي 3/253 والمجموع للنووي 5/550 والمغني لابن قدامة 4/199 وشرح الزركشي 2/482 والبيهقي 4/132.
3 رواه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات
2/2220 رقم 2896.
بأن معناه أن أهل هذه الأمصار سيدخلون في الإسلام فتسقط عنهم الجزية يقول الإمام البغوي:
وفيه مستدل لمن ذهب إلى أن وجوب الخراج لا ينفي وجوب العشر لأنه جمع بين القفيز والنقد، والعشر يؤخذ بالقفيز، والخراج يؤخذ بالنقد1.
3-
ما جاء عن عمر بن الخطاب في دهقانة نهر الملك أسلمت فكتب أن ادفعوا إليها أرضها تؤدي عنها الخراج.
وكذا ما جاء عن علي رضي الله عنه في دهقان2 أسلم فقال له علي رضي الله عنه: إن قمت في أرضك رفعنا عنك جزية رأسك وإن تحولت عنها فنحن أحق بها.
قَال أبو عبيد: فتأول قوم لهذه الأحاديث: أن لا عشر على المسلمين في أرض الخراج يقولون: لأن عمر وعلياً رضي الله عنهما لم يشترطاه على الَّذِين أسلموا من الدهاقين.
قَال أبو عبيد في الجواب عن هذه الآثار:
وليس في ترك عمر وعلي ذكر العشر دليل على سقوطه عنهم لأن العشر حق واجب على المسلمين في أرضهم لأهل الصدقة لا يحتاج إلى اشتراطها عليهم عند دخولهم في الأرض3.
فأمر الزكاة معلوم من الدين بالضرورة لا يخفى على أحد وإنما ذكرا الخراج حتى لا يتوهم أن الخراج يسقط بالإسلام كالجزية 4.
1 انظر: الحاوي 3/252 وشرح السنة 11/178 والمجموع للنووي 5/553.
2 الدهقان بكسر الدال وضمها يطلق على رئيس القرية وعلى التاجر وعلى من له عقار ومال وعلى أصحاب الزراعة وهو معرب. انظر: النهاية 2/145، والمصباح المنير 1/201.
3 انظر: كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص94، 95 رقم 231 - 234 والحاوي 3/253.
4 انظر: المجموع للنووي 5/555، 156.
4-
دعوى الإجماع حيث لم ينقل عن أحد من الخلفاء أنه جمع في أرض واحدة بين العشر والخراج فهذا دليل وجوب الخراج فقط.
وقد أجاب الجمهور عن هذه الدعوى: أن هذه الدعوى غير صحيحة فهي دعوى منتقضة بفعل عمر بن عبد العزيز قَال يحيى بن آدم:
وسألت شريكاً عن المسلم يكون له أرض خراج فيؤدي خراجها أعليه أن يزكي ما حصل له من الثمرة بعد الخراج، قَال نعم إذا بلغ خمسة أوسق. ثم قَال حدثني عمرو بن ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز أنه قَال ذلك أو أمر به قَال شريك لعل عمر لا يكون قَال ذلك حتى سأل عنه أو بلغه فيه، فإنه كان ممن يقتدى به 1.
الترجيح في المسألة:
تبين لنا مما سبق رجحان مذهب جمهور العلماء في إمكان اجتماع العشر والخراج حتى لا تسقط الزكاة عن الأرض العشرية في البلاد الإسلامية يقول أحد علماء الأزهر:
ومن العجيب أن كثيراً من المسلمين في مصر الآن لا يخرجون زكاة زرعهم استناداً إلى مذهب أبي حنيفة في أن أرض الخراج لا عشر عليها2. والله المستعان.
*المسألة السادسة: إذا ملك الذمي أرضاً عشرية فما الحكم؟
محل خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال:
القول الأول: لا يجب في هذه الأرض شيء لا عشر ولا خراج وهذا مذهب أكثر أهل العلم.
1 انظر: كتاب الخراج تأليف يحيى بن آدم القرشي ص155، 156 رقم 603.
2 انظر: حاشية كتاب الأموال ص95.
القول الثاني: قَال أبو حنيفة يجب في هذه الأرض الخراج فقط.
القول الثالث: قَال أبو يوسف يجب في هذه الأرض مضاعفة العشر.
القول الرابع: قَال محمد بن الحسن يجب في هذه الأرض الزكاة فقط1.
والصحيح والله أعلم هو القول الأول فلا زكاة في هذه الأرض لأن الزكاة لا تجب على أهل الذمة ولا خراج على هذه لأن الأرض ليست خراجية والخراج واجب على الأرض الخراجية فقط دون غيرها.
*المسألة السابعة: هل تسقط الزكاة بالموت أم لا؟
إذا وجبت الزكاة وقبل أدائها مات صاحب المال فما الحكم؟
أربعة أقوال للفقهاء في ذلك.
القول الأول:
لا تسقط الزكاة بالموت مطلقاً فتجب الزكاة في هذا المال وتؤخذ من رأس المال أوصى بذلك أو لم يوص وهذا مذهب أكثر أهل العلم.
القول الثاني: لا تسقط بالموت ولكن ليس ذلك على الاطلاق وإنما نخرج الزكاة من الثلث قَال به بعض التابعين كالليث والأوزاعي.
القول الثالث: تسقط الزكاة بالموت ولا يلزم الورثة إخراج الزكاة إلا إذا أوصى بها، نخرجها من الثلث وهو قول الحنفية.
القول الرابع: بالتفصيل لا تسقط الزكاة بالموت إذا كانت زكاة حاضرة لهذه السنة وتسقط بالموت إذا كانت زكاة ماضية وهو قول المالكية 2.
أدلة الجمهور:
1 انظر: بداية المجتهد 1/248 والمجموع للنووي 5/560 والمغني لابن قدامة 4/202.
2 انظر: بدائع الصنائع 2/923، 924 وبداية المجتهد 1/249 والمجموع للنووي 5/363 والمغني لابن قدامة 4/145 والإفصاح 1/212.
الدليل الأول: قوله تعالى في آية المواريث {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} الآية 1.
ووجه الدلالة: أن الآية قدمت الدين على قسمة التركة والإجماع قائم على تقديم الدين حتى على الوصية، قَال ابن كثير:
أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية2.
وأعلم أن الدين مؤخر في اللفظ، مقدم في المعنى، لأن الدين حق عليه والوصية حق له، وهما جميعاً مقدمان على حق الورثة3، ومعلوم أن الزكاة دين في ذمة المسلم للفقراء والمساكين فوجب تقديمها وإخراجها قبل قسمة التركة والوصية.
الدليل الثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قَال: “نعم، فدين الله أحق أن يقضى” وفي رواية قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم إن أختي ماتت، وفي رواية قَال “فدين الله أحق بالقضاء” 4.
ووجه الدلالة:
أثبت الحديث أن الصيام دين فكذلك الزكاة بل الزكاة أولى بالقضاء لأنها تتعلق بحقوق الآخرين وهم الفقراء والمساكين.
الدليل الثالث: القياس على دين الآدمي فهو لا يسقط بالموت فكذلك الزكاة بجامع أن كلا منهما حقٌّ ماليٌّ ثابتٌ في الذمة، فهي حق واجب تصح
1 سورة النساء آية (11) .
2 انظر: تفسير ابن كثير 1/459 وتفسير البغوي 1/402.
3 انظر: زاد المسير 2/28.
4 رواه البخاري في كتاب الصوم باب من مات وعليه صوم، انظر: البخاري مع فتح الباري 4/192 ومسلم كتاب الصيام باب قضاء الصيام عن الميت 2/804 رقم 154، 155.
الوصية بها فلم تسقط بالموت كدين الآدمي1.
حجة أصحاب القول الثاني:
إن المال أصبح للورثة فنخرج الزكاة من الثلث الَّذِي تجوز فيه الوصية مراعاة لحال الورثة ولا نتجاوز الثلث لأن الزكاة ربما استغرقت جميع التركة فيتضرر الورثة استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص: “الثلث والثلث كثير” 2، وبقوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا أضرار”، وفي رواية: “لا ضرر ولا ضرار” 3.
حجة أصحاب القول الثالث:
أن الزكاة عبادة محضة فتسقط بالموت كالصلاة والصيام كسائر الواجبات التي تسقط بالموت فالزكاة كذلك.
وقد أجاب الجمهور عن هذا:
أن قياس الزكاة على الصيام والصلاة هنا قياس مع الفارق لأن الزكاة حق مالي واجب فلم يسقط بالموت كالدين ويفارق الصوم والصلاة، فإنهما عبادتان بدنيتان لا تصح الوصية بهما ولا النيابة فيهما 4.
حجة أصحاب القول الرابع:
هو اتهام الميت فلربما قصد من التأخير حرمان الورثة.
والراجح والله أعلم هو قول الجمهور وذلك لقوة أدلتهم.
1 انظر: المغني لابن قدامة 4/146.
2 رواه البخاري في الوصايا باب الوصية في الثلث، انظر: البخاري مع فتح الباري 5/369 ومسلم في الوصية باب الوصية بالثلث 3/1250 رقم 1628.
3 رواه أحمد في المسند 1/313 وابن ماجه 2/784 برقم 2340، 2341.
4 انظر: المغني لابن قدامة 4/146.
*المسألة الثامنة: هل تسقط الزكاة بهلاك المال أم لا؟
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال.
القول الأول: تسقط الزكاة بهلاك المال أو ضياعه أو تلفه أو موته. وهذا قول الحنفية وحجتهم فوات المحل وهو النصاب.
القول الثاني: لا تسقط الزكاة بذلك بل تبقى في ذمته فهي لا تسقط بأي حال من الأحوال. وهو قول الحنابلة والظاهرية قياساً على دين الآدمي.
القول الثالث: التفصيل وهو قول المالكية والشافعية
إن فرط فهو ضامن ولا تسقط عنه الزكاة فهي باقية في ذمته وإن لم يفرط فليس بضامن وتسقط عنه الزكاة.
والراجح والله أعلم هو القول بالتفصيل أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الأداء، لأنها تجب على سبيل المواساة، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال، وفقر من تجب عليه.
ومعنى التفريط أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها، وإن لم يتمكن من إخراجها فليس بمفرط سواء كان ذلك لعدم المستحق أو لبعد المال عنه، أو لكون الغرض لا يوجد في المال ويحتاج إلى شرائه فلم يجد ما يشتريه أو كان في طلب الشراء أو نحو ذلك 1.
*المسألة التاسعة: هل تسقط الزكاة ببيع المال أم لا؟
وما حكم هذا البيع؟
اختلف الفقهاء في صحة بيع المال الَّذِي وجبت فيه الزكاة على قولين:
مذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة وغيرهم إلى
1 انظر: المغني لابن قدامة 4/145 وانظر: بداية المجتهد 1/248، 249 والحاوي 3/90، 91 والإفصاح 1/210، 211 والمجموع للنووي 5/374 والمحلى 5/263.
صحة البيع.
واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري.
وحديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، فقيل وما تزهي قَال: “حتى تحمر” رواه البخاري ومسلم.1.
قَال البغوي: ويحتج بهذا الحديث من يجوّزُ بيع المال بعد وجوب الزكاة فيه ثم يؤدي الزكاة من موضع آخر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز بيع الثمار بعد بدو الصلاح من غير أن يخص من لم تجب عليه الزكاة ممن وجبت عليه. وللشافعي فيه أقاويل أحدها: إن البيع باطل والثاني: صحيح وللمشتري الخيار، والثالث: في قدر الزكاة باطل والمشتري بالخيار إن شاء أجاز في الباقي بحصته من الثمر، وإن شاء فسخ البيع 2.
وعلل الشافعية البطلان:
إن قلنا أن الزكاة تتعلق بالعين فقد باع ما لا يملكه وهو نصيب الفقراء والمساكين وإن قلنا إن الزكاة تتعلق بالذمة فقد باع شيئاً مرهوناً في ذمته وبيع الرهن لا يصح.
والراجح والله أعلم هو قول جمهور أهل العلم وعلى هذا القول على من تجب الزكاة:
قَال أبو حنيفة: المشتري بالخيار ويؤخذ منه العشر ويرجع هو على البائع.
وقال مالك: العشر على البائع إلا أن يشترطه على المشتري.
1 انظر: البخاري مع فتح الباري في البيوع باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها 4/394 ومسلم في البيوع باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها 3/165 رقم 1534 وباب وضع الحوائج 3/1190 رقم 1555.
2 انظر: شرح السنة 8/98.
وقال أحمد: العشر على البائع مطلقاً وهو قول الثوري والأوزاعي 1.
فإن فعل البائع هذا فراراً من الزكاة لم تسقط عنه. وهذا هو قول جمهور أهل العلم استدلالاً بقوله تعالى في سورة القلم {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيم} الآية 2.
فعاقبهم الله تعالى بذلك لفرارهم من الصدقة، ولأنه قصد إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كما لو طلق امرأته في مرض موته، ولأنه لما قصد قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبته بنقيض قصده كمن قتل مورثه لاستعجال ميراثه 3.
1 انظر: فتح الباري 3/352.
2 سورة القلم آية (17، 20) .
3 انظر: المغني لابن قدامة 4/136 وحلية العلماء 3/21 والبحر الرائق 2/239 وبداية المجتهد 1/249.