الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق1: “ فيما سقت السماء”.
ووجه الدلالة منها:
إن أحق ما تناوله هذه الآيات الخضروات لأنها هي المخرجة من الأرض حقيقة والمراد بالحصاد القطع وأحق ما يحمل الحق عليه الخضروات لأنها هي التي يجب إيتاء الحق منها يوم القطع ولأن سبب الوجوب هو الأرض النامية بالخارج والنماء بالخضر أبلغ لأن ريعها أوفر 2.
والراجح والله أعلم هو القول الثاني، قَال أبو عبيد:
فكل هؤلاء قد توخى مذهباً وجد فيه مساغاً فيما تأولناه عليهم والله أعلم بما أرادوا، إلا أن الَّذِي اختار من ذلك الإتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا صدقة إلا في الأصناف الأربعة التي سماها، وسنها مع قول من قاله من الصحابة والتابعين ثم اختيار ابن أبي ليلى وسفيان إياه.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خص هذه بالصدقة وأعرض عما سواها، قد كان يعلم أن للناس أموالاً مما تخرج الأرض. فكان تركه ذلك عندنا عفواً منه كعفوه عن صدقة الخيل والرقيق، وإنما يحتاج إلى النظر والتشبيه والتمثيل إذا لم توجد سنة قائمة، فإذا وجدت السنة لزم الناس إتباعها.
فكان حديث موسى بن طلحة مع هذا وإن لم يكن مسنداً لنا إماماً مع من اتبعه من الصحابة والتابعين3. والله أعلم.
1 سبق تخريج الحديث (ص 271) من هذا البحث.
2 انظر: بدائع الصنائع 2/59.
3 انظر: كتاب الأموال ص 478 رقم 1410.
النوع الرابع: عروض التجارة
العروض: جمع عرض بسكون الراء قيل هي الأموال ما عدا النقدين كأنه
سمي بذلك لأنه يعرض ليباع ويشترى، تسمية للمفعول باسم المصدر، وقيل: لأنه يعرض ثم يزول ويفنى.
والعَرْض: المتاع وكل شيء فهو عَرْض سوى الدراهم والدنانير فإنهما عين، فما خالف الثمينين الدراهم والدنانير من متاع الدنيا وأثاثها، وجمعه عروض أما بالفتح فجميع متاع الدنيا عَرَض، فكل عَرْض داخل في العَرَض، وليس كل عَرَض عَرْضاً. ومن ذلك بيع المعارضة أي بيع العَرْض بالعَرْض وهو بالسكون المتاع بالمتاع لا نقد فيه يقال: أخذت هذه السلعة عَرْضاً إذا أعطيت في مقابلها سلعة أخرى1، فالمال على اختلاف أنواعه من غير الأثمان كالآلات والمعدات والأمتعة والثياب والعقار والنبات والحيوان وسائر الأموال مما يعد للتجارة فهو داخل في ذلك 2.
قَال ابن النجار في تعريف عروض التجارة:
هي ما يعد للبيع والشراء لأجل الربح 3.
*مسألة هل تجب الزكاة في مثل هذه الأموال أم لا؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: تجب الزكاة في هذه الأموال إذا قصد بها التجارة وهو قول جماهير أهل العلم وعلى رأسهم من الصحابة عمر وابن عمر والأئمة الأربعة والفقهاء السبعة فقهاء المدينة وقد ذكرهم النووي وهم سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وخارجة ابن زيد، وسليمان بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف4، وجمع من
1 انظر: تهذيب اللغة 1/455 والصحاح 3/1083 والنهاية 3/214 والمطلع ص136.
2 انظر: المغني لابن قدامة 4/249.
3 انظر: منتهى الإرادات 1/198 وشرحه معونة أولى النهي 2/695.
4 انظر: في بيان الفقهاء السبعة تهذيب الأسماء واللغات 1/172 والجواهر المضيئة 4/548 والمجموع 5/47 وكتاب الأسماء المبهمة للبغدادي ص 610.
التابعين كالنخعي والثوري والأوزاعي وغيرهم وفرق الإمام مالك بين الناض من المال وغير الناض.
ومعنى النّض: الدرهم الصامت، والناض من المتاع ما تحول ورقاً أو عيناً، واسم الدراهم والدنانير عند أهل الحجاز الناضّ والنضّ وإنما يسمونه ناضاً إذا تحول عيناً بعدما كان متاعاً لأنه يقال مأنض بيدي منه شيء 1.
فإن كان هذا المال ينض لصاحبه منه شيء تجب فيه الزكاة وإلا فلا زكاة حتى يبيعها. قَال أبو عبيد: وما علمنا أحداً فرق ما بين الناض وغيره في الزكاة قبل مالك 2.
القول الثاني: لا زكاة في هذه الأموال وبه قَال داود ويحكى عن مالك ومال إليه الشوكاني وصديق حسن خان 3.
أدلة هذا القول:
1-
بالحديث السابق4 عن أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: “ ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة” وفي رواية “ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه” وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي السابق5 “قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق”.
1 انظر: النهاية 5/72 واللسان 7/237 مادة نضض.
2 انظر: كتاب الأموال ص432 رقم 1192.
3 انظر: كتاب المحلى 5/238 والمغني لابن قدامة 4/248 والحاوي 3/284 الروضة الندية شرح الدر البهية 1/192 وانظر: الدر البهية في المسائل الفقهية للشوكاني ص50 رقم 186.
4 سبق تخريج الحديث (ص 293) من هذا البحث.
5 حديث علي سبق تخريجه (ص 292، 293) من هذا البحث.
ووجه الدلالة: نفي الزكاة عن الخيل مطلقاً فكان العفو على عمومه سواء كانت للتجارة أو غيرها، فاعتبر ذلك في سائر أموال العروض التي لا نص فيها.
2-
بالحديث السابق1 عن أبي سعيد الخدري قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة”.
وجه الدلالة: دل الحديث على الأموال التي تجب فيها الزكاة وهي النقدين وبهيمة الأنعام والخارج من الأرض فلا زكاة فيما سوى ذلك فمن أوجب الزكاة في عروض التجارة فقد أوجبها فيما نفاه عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
أدلة الجمهور:
الأول: قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} الآية2.
والمراد بالإنفاق الزكاة المفروضة بدليل قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية3 وجاء في تفسير قوله {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُم} عن مجاهد قَال: التجارة، وعن ابن عباس من أطيب أموالكم وأنفسه4.
الثاني - استدلوا بعموم الأدلة التي أوجبت الزكاة في الأموال كقوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الآية 5.
وحديث معاذ السابق6 قوله صلى الله عليه وسلم “افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم “.
1 سبق تخريج الحديث (ص 316) من هذا البحث.
2 سورة البقرة آية (267) .
3 سورة التوبة آية (34) .
4 تفسير ابن جرير الطبري 3/80، 81.
5 سورة البقرة آية (103) .
6 سبق تخريج الحديث (ص 316) من هذا البحث.
فهذه النصوص أوجبت الزكاة في الأموال مطلقاً لم تفرق بين مال وآخر وعروض التجارة من أعظم الأموال التي بين أيدي الناس فهي دليل على وجوب الزكاة في الأموال المعدة للتجارة بكافة أنواعها وقوله في حديث معاذ “ من أغنيائهم” نص في أخذ الزكاة من أرباب التجارة لأنهم هم أصحاب الأموال.
وأموال التجارة هي أعم الأموال فكانت أولى بالإيجاب 1.
الثالث: عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: “في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته” قالها بالزاي 2.
قَال النووي: هو بفتح الباء وبالزاي وهو وإن كان ظاهراً لا يحتاج إلى تقييد، فإنما قيدته لأنه بلغني أن بعض الكتاب صحفه بالبر بضم الباء والراء قَال أهل اللغة البز الثياب التي هي أمتعة البزاز 3.
ووجه الدلالة: أن الثياب لا زكاة في عينها لأنها معدة للاستعمال فكان المراد الثياب المعدة للتجارة وعليه فتجب الزكاة في كل ما أعد للتجارة من الأموال.
الرابع: عن سمرة بن جندب قَال أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الَّذِي نعدّ للبيع4 والأمر يدل على الوجوب فكانت الزكاة
1 انظر: الحاوي 3/283.
2 رواه أحمد في المسند 5/179 والدارقطني في الزكاة باب ليس في الخضروات زكاة
2/101، 102 رقم 26، 27، 28 والحاكم في المستدرك كتاب الزكاة باب زكاة البهائم والحب وقال كلا الإسنادين صحيحان على شرط الشيخين ولم يخرجاه 1/388 والسنن الكبرى كتاب الزكاة باب زكاة التجارة 4/147.
3 انظر: تهذيب الأسماء واللغات حرف الباء 3/27.
4 رواه أبو داود في الزكاة باب عروض التجارة هل فيها زكاة 2/95 رقم 1562 والدارقطني في الزكاة باب زكاة مال التجارة 2/182 والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الزكاة 4/146.
واجبة في الأموال المعدة للتجارة.
الخامس: عن أبي عمرو بن حماس الليثي عن أبيه قَال: مرّ بي عمر فقال: يا حماس أدِّ زكاة مالك. فقلت مالي مال إلا جعاب وأدم فقال: قومها قيمة ثم أدِّ زكاتها1.
الأدم هي: الجلود، والجعاب: جمع جعبة وهي الكنانة التي تجعل فيها السهام2 وهذا دليل على زكاة المال المعد للتجارة.
السادس: ما جاء عن عمر كان إذا خرج العطاء جمع أموال التجار ثم حسبها شاهدها وغائبها ثم أخذ الزكاة من شاهد المال على الشاهد والغائب.
وكذا ما جاء عن ابن عمر أنه قَال: ما كان من رقيق أو بزّ يراد به التجارة ففيه الزكاة. وعن ابن عباس كان يقول: لا بأس بالتربص حتى يبيع والزكاة واجبة عليه 3.
وعن ابن عمر قَال: ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة 4.
السابع: الإجماع قَال ابن المنذر: وأجمعوا على أن في العروض التي تدار للتجارة الزكاة إذا حال عليها الحول5.
وقال ابن هبيرة: وأجمعوا على أن في العروض إذا كانت للتجارة كائنة ما
1 أخرجه أبو عبيد في الأموال باب الصدقة في التجارات ص43 رقم 1179 وعبد الرزاق في مصنفه باب الزكاة في العروض 4/96والبيهقي في السنن الكبرى من كتاب الزكاة 4/147 والدارقطني باب تعجيل الصدقة قبل الحول من كتاب الزكاة 2/125 رقم 13.
2 انظر: النهاية 1/274 واللسان 1/267 مادة جعب.
3 انظر: كتاب الأموال ص430 رقم 1178، 1181، 1183.
4 روى هذه الآثار ما جاء عن عمر وابن عمر وابن عباس البيهقي في السنن الكبرى 4/147 كتاب الزكاة.
5 انظر: الإجماع ص14 رقم 115.
كانت الزكاة إذا بلغت قيمتها نصاباً من الذهب أو الورق ففيه ربع العشر1.
وقال أبو عبيد: فعلى هذا أموال التجارة عندنا، وعليه أجمع المسلمون أن الزكاة فرض واجب فيها 2.
الثامن: القياس
قياس هذه الأموال على سائر الأموال التي تجب فيها الزكاة وهي النقدين وبهيمة الأنعام والزروع والثمار بجامع أنها مال يقصد به النماء فلا فرق بينهما في وجوب الزكاة بل هي أولى 3.
والراجح من القولين والله أعلم هو قول الجمهور وذلك لعدة أمور:
1-
أدلة الجمهور أقوى من حيث العموم.
2-
أن أدلة الجمهور أدلة خاصة وأدلة المخالفين عامة والخاص مقدم على العام أو أن العام يحمل على الخاص.
3-
حديث الخيل في المعدة للاستعمال وهي لا خلاف فيها أما المعدة للتجارة فهي ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث4.
4-
حديث ليس فيما دون: هذا بيان للأموال التي تجب الزكاة فيها بعينها لا في قيمتها وعروض التجارة تجب الزكاة في قيمتها ولها أدلتها الخاصة بها.
5-
قَال أبو عبيد في الرد على هذا القول: وهذا عندنا غلط في التأويل، لأنا قد وجدنا السنة عن رسول الله وأصحابه: أنه قد يجب الحق في المال ثم يحول إلى غيره مما يكون إعطاؤه أيسر على معطيه من الأصل ومن ذلك:
1 انظر: الإفصاح 1/208.
2 انظر: الأموال ص434 رقم 1202 وشرح السنة 6/53.
3 انظر: بداية المجتهد 1/254.
4 انظر: فتح الباري 3/327.
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاذ باليمن في الجزية أن على كل مال
…
ديناراً أو عدله من المعافر.
فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم العرض مكان العين. ثم كتب إلى أهل نجران “أن عليهم ألفي حلة في كل عام أو عدلها من أواق فأخذ العين العرض". وكان عمر يأخذ الإبل من الجزية. وإنما أصلها الذهب والورق. وأخذ علي بن أبي طالب الإبر والحبال والمسال1 من الجزية.
وقد روي عن معاذ في الصدقة نفسها أنه أخذ مكانها العروض وذلك قوله: “إيتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنه أهون عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة” وروي عن ابن مسعود أن امرأته قالت له: إن لي طوقاً فيه عشرون مثقالاً، فقال: أدي عنه خمسة دراهم.
قَال أبو عبيد: فكل هذه الأشياء قد أخذت فيها حقوق من غير المال الَّذِي وجبت فيه الحقوق، فلم يدعهم ذلك إلى إسقاط الزكاة، لأنه حق لازم لا يزيله شيء.
ولكنهم فدوا ذلك المال بغيره، إذا كان أيسر على من يؤخذ منه فكذلك أموال التجارة، إنما كان الأصل فيها أن تؤخذ الزكاة منها أنفسها فكان في ذلك عليهم ضرر من القطع والتبعيض، فلذلك ترخصوا في القيمة.
ولو أن رجلاً وجبت عليه زكاة في تجارة فقوم متاعه فبلغت زكاته قيمة ثور تام، أو دابة أو مملوك فأخرجه بعينه فجعله زكاة ماله كان عندنا محسناً مؤدياً للزكاة، وإن كان أخف عليه أن يجعل ذلك قيمة من الذهب والورق كان ذلك له 2.
1 المسال: هو جريد النخل الرطب. انظر: تهذيب اللغة 12/459 واللسان 11/623.
2 انظر: كتاب الأموال ص432 - 434.
6-
إن القول بعدم الزكاة في عروض التجارة سد لباب عظيم من أبواب الزكاة لأن معظم أموال الأغنياء من عروض التجارة فالأغنياء هم أصحاب الأموال.
7-
هل من المعقول وجوب الزكاة في تلك الأموال أو النقود التي لا تثمر وهي في أيدي متوسطي الحال من الناس ونترك هذه الأموال التي بيد الأغنياء.
وبهذا يتبين لنا رجحان مذهب جمهور أهل العلم وهو القول بوجوب الزكاة.
*مسألة: هل يجوز اخراج القيمة في الزكاة أم لا؟
اختلف العلماء في اخراج القيمة في الزكاة على قولين:
القول الأول: وهو قول أكثر أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية لا يجوز إخراج القيمة في شيء من الزكوات سوى المنصوص عليه.
القول الثاني: هو الجواز: يجوز دفع القيمة في الزكاة والكفارات وصدقة الفطر والعشر والنذر في ذلك مطلقاً. وهو قول الحنفية 1.
أدلة الجمهور:
1-
بحديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال: ”خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير، والبقرة من البقر” رواه أبو داود 2.
فاقتضى ظاهر أمره أن لا يجوز الأخذ من غيره.
2-
أن الشرع نص على بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة وتبيعة ومسنة وشاة وشياه وغير ذلك من الواجبات فلا يجوز العدول عنها كما لا يجوز في الأضحية ولا في الكفارة ولا في حقوق الآدميين 3.
1 انظر: شرح فتح القدير على الهداية 2/191 وبداية المجتهد 1/257 والحاوي 3/179 والمغني لابن قدامة 4/295 والمحلى 6/23 والإفصاح 1/211.
2 انظر: السنن كتاب الزكاة باب صدقة الزرع 2/ 109 رقم 1599..
3 انظر: المجموع 5/429.
3-
حديث أنس السابق1 أن أبا بكر الصديق كتب له حين بعثه إلى البحرين هذه الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مما جاء فيه “في خمس وعشرين من الإبل بنت مخاض فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر” وهذا يدل على أنه أراد عينها لتسميته إياها وقوله “فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر” ولو أراد المالية أو القيمة لم يجز، لأن خمساً وعشرين لا تخلو عن مالية بنت مخاض وكذلك قوله “فابن لبون ذكر” فإنه لو أراد المالية للزمه مالية بنت مخاض دون مالية ابن لبون 2.
4-
حديث ابن عمر في صدقة الفطر قَال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير” الحديث 3.
ووجه الدلالة:
أن الحديث لم يذكر القيمة ولو جازت لبينها فقد تدعوا الحاجة إليها وإنما خيره بين التمر والشعير دون غيرهما، فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض4.
5-
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما “في كل أربعين شاة شاة” وقوله” في كل مائة شاة شاة” 5.
قَال أبو عيسى حديث ابن عمر حديث حسن والعمل على هذا الحديث
1 سبق تخريجه (ص 308) من هذا البحث.
2 انظر: المغني لابن قدامة 4/297.
3 رواه البخاري كتاب الزكاة باب فرض صدقة الفطر انظر: البخاري مع فتح الباري
3/367 ومسلم في الزكاة باب زكاة الفطر 2/677، 678 رقم 984.
4 انظر: الحاوي 3/180 والمغني لابن قدامة 4/296 والمجموع 5/429.
5 رواه أبو داود في الزكاة باب في زكاة السائمة 2/98 رقم 1568 والترمذي في الزكاة باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم 2/66 والرقم 617.
عند عامة الفقهاء1.
ووجه الدلالة:
أن هذا الحديث وارد لبيان مجمل قوله تعالى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} فتكون الشاة المذكورة هي الزكاة المأمور بها، والأمر يقتضي الوجوب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الزكاة على هذا الوجه وأمر بها.
6-
ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكراً لنعمة المال والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر النعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به.
7-
ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص، فلم يجزئه، كما لو أخرج الرديء مكان الجيد 2.
8-
إن القيمة غير مقدرة بالشرع كقيم المتلفات.
9-
ولأنه حق في مال يخرج على وجه الطهرة فلم يجز اخراج قيمته كالعتق في الكفارة 3.
أدلة الحنفية:
الأول: ما رواه البخاري تعليقاً في باب العَرْض في الزكاة وقال طاوس قَال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة 4.
1 سنن الترمذي 2/ 67.
2 انظر: المغني لابن قدامة 4/296، 297.
3 انظر: الحاوي 3/180.
4 انظر: البخاري مع فتح الباري 3/311 ورواه الدارقطني 2/100 باب ليس في الخضروات صدقة رقم 24 والبيهقي في السنن الكبرى 4/113 في الزكاة باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات، ويحيى بن آدم في الخراج ص143 رقم 525.
ووجه الدلالة:
أن معاذاً أمرهم بدفع الثياب بدلاً من الذرة والشعير وهذا دليل على جواز إخراج القيمة.
والجواب عن هذا الدليل من وجوه:
1-
أنه مرسل لأن طاوساً لم يدرك معاذاً.
2-
أن هذا الحديث وارد في الجزية لا في الزكاة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ في الزكاة من الحب حباً ثم عقب ذلك في الجزية فقال خذ من كل حالم
…
ديناراً، وأمره في الأول بتفريق الصدقة في فقرائهم ولم يأمره بحملها إلى المدينة أما هنا فقال: أنفع للمهاجرين، دليل على وروده في الجزية 1.
3-
أنه لو صح لما كانت فيه حجة مع وجود النص عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: بحديث وائل بن حجر في الَّذِي أعطى في صدقة ماله فصيلاً مخلولاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ اللهم لا تبارك فيه ولا في أبله” فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء2.
وفي لفظ فبعث إليه بناقة من حسنها وجمالها 3.
وفي لفظ فبلغه فأتاه بناقة كوماء4. وعند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة مسنة فغضب وقال: (ما هذا) فقال: يارسول الله إني أرتجعتها ببعيرين من حاشية الصدقة، فسكت 5.
قوله فصيل مخلول: هو الهزيل الَّذِي قد خل جسمه، المضرور المنهوك، يقال:
1 انظر: الحاوي 3/181 والمغني 4/297 والمحلى 6/95.
2 رواه النسائي في الزكاة باب الجمع بين المتفرق 5/30 رقم 2458.
3 رواه البيهقي في الزكاة باب ما يقول المصدق 4/157.
4 أورده أبو عبيد في غريب الحديث 3/84 والخطابي في غريب الحديث 1/387.
5 انظر: المسند حديث أبي عبد الله الصنابحي رضي الله عنه 4/349.
رجل خل إذا كان بادي الضُّر والهزال.
والكوماء: عظيمة السنام أو المرتفعة السنام 1.
ووجه الدلالة:
قول الساعي أخذته ببعيرين من إبل الصدقة وأخذ البعير بالبعير لا يكون إلا عن طريق القيمة.
والجواب عن هذا الدليل:
أنه لا حجة لهم فيه، لأن الفصيل لا يجزيء في شيء من الصدقة بلا شك، وناقة حسناء جميلة قد تكون جذعة وقد تكون حقة فأعطى ما عليه بأحسن ما قدر وليس فيه نص ولا دليل على إعطاء غير السن الواجبة عليه ولا على القيمة أصلاً وقد يكون ذلك شراءً وبيعاً بإذن الإمام 2.
الثالث: القياس من وجوه:
1-
أنه مال تجب فيه الزكاة فجاز إخراج قيمته كمال التجارة سواء بسواء.
2-
لأن القيمة مال فجاز إخراجها في الزكاة كالمنصوص عليه لا فرق بينهما.
3-
ولأنه لما جاز في الزكاة العدول عن العين إلى الجنس جاز العدول من جنس إلى جنس.
والجواب عن هذا الدليل:
أما قياسهم على مال التجارة فغير صحيح لأن إخراج القيمة في عروض التجارة ثابت بالنص والإجماع كما سبق بيانه بخلاف بقية الأموال فقد ورد النص بعينها لا بقيمتها.
أما قياسهم على المنصوص عليه فباطل؛ لأن الأصل أنه منصوص عليه
1 غريب الحديث لأبي عبيد 3/84 وغريب الحديث للخطابي 1/387، 389.
2 انظر: المحلى 6/28 والاصطلام 2/80.
فلذلك جاز إخراجه وليست القيمة منصوصاً عليها فلذلك لم يجز إخراجها.
أما قياسهم العدول عن العين إلى الجنس كالعدول من جنس إلى جنس.
أن الواجب عليه أن يزكي من جنس ماله لا من عين ماله فلم يكن في ذلك عادلاً عما وجب عليه إلى غيره 1.
الرابع: حديث عن أبيّ بن كعب قَال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً فمررت برجل فجمع لي ماله فقلت له: أدِّ ابنة مخاض فإنها صدقتك قَال ذلك ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة فخذها فقلت: ما أنا بآخذ ما لم أومر به فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ”له ذاك الَّذِي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك”، قَال: فها هي ذه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها قَال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا في ماله بالبركة 2.
وجه الدلالة:
جواز أخذ الناقة العظيمة مكان ابنة مخاض دليل على جواز أخذ القيمة.
والجواب عن هذا الدليل:
أنه لو صح لكان حجة عليهم لأن فيه أن أبي بن كعب لم يستجز أخذ ناقة فتية عظيمة مكان ابنة مخاض، ورأى ذلك خلافاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلم ينكره عليه، فصح أنه الحق، وإنما كان فيه أخذ ناقة عظيمة مكان ابنة مخاض فقط وأما إجازة أخذ القيمة فلا.
الخامس: ما جاء عن الحسن وعطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال للمصدق: “أعلمه الَّذِي عليه من الحق، فإن تطوع بشيء ما قبله منه”.
1 انظر: الحاوي 3/181.
2 رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب زكاة السائمة 2/104 رقم 1583 ورواه أحمد في المسند 5/142 والحاكم في المستدرك 1/399 كتاب الزكاة.
والجواب عن هذا الدليل:
ما جاء عن الحسن وعطاء1 مرسل ولو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه نص بأخذ غير الواجب ولا بأخذ القيمة.
السادس: ما جاء عن عطاء أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث علياً ساعياً قالوا: لا نخرج لله إلا خير أموالنا فقال ما أنا بعادي عليكم السنة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم “إرجع إليهم فبين لهم ما عليهم في أموالهم، فمن طابت نفسه بعد ذلك بفضل فخذه منه”.
والجواب عنه:
أنه لا يصح لأنه مرسل ولو صح لما كان لهم فيه حجة لأن فيه أنهم أرادوا أفضل أموالهم مختارين، وليس فيه إعطاء مسن مكان غيرها أصلاً، ولا دليل على قيمة البتة.
وصح أن كل ما احتجوا به ليس فيه إجازة إعطاء أكثر من الواجب في الزكاة ولا غير الصفة المحددة فيها، وأما القيمة فلا دليل لهم على جوازها أصلاً بل البرهان ثابت بتحريم أخذها لأنها غير ما أمر الله به وتعدٍ لحدود الله، وما أباح الله قط أخذ قيمة عن زكاة افترضها بعينها وصفتها 2.
*مسألة تفسير أسنان الإبل والبقر:
أولاً: الإبل:
ولد الناقة من حين يوضع إلى أن يفطم يسمى حواراً بضم الحاء وقيل بكسرها والجمع أحورة وحيران ثم الفصيل إذا فصل عن أمه والجمع فصلان وهو ما فصل عن اللبن من أمه، ثم بنت مخاض وهو: ماله سنة إلى تمام سنتين ثم
1 ما جاء عن الحسن وعطاء في المحلى في باب زكاة الإبل 6/ 27.
2 انظر: المحلى 6/26 - 29.
بنت لبون إذا دخل في الثالثة ثم حقة بتمام الثلاث لأنها استحقت الركوب ويقال لها طروقة الفحل إلى تمام أربع سنين ثم جذعة إذا دخلت في الخامسة ثم ثني إذا دخلت في السادسة وألقى ثنيته ثم يسمى رباعياً إذا دخل في السابعة، فإذا دخل في الثامنة وألقى السن السِّديس الَّذِي بعد الرباعية فهو سديس وسدس، فإذا دخل في التاسعة وطلع نابه فهو بازل فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف ثم ليس له اسم 1.
ثانياً: البقر:
ولد البقرة العجل بكسر العين والأنثى عجلة والجمع عجاجيل ثم التبيع وهو العجل مادام يتبع أمه إلى تمام السنة ودخل في الثانية ثم المسنة وهي التي لها سنتان وهي الثنية لأنها تجذع في السنة الثانية وتثني في الثالثة، ولا فرض في البقر غير التبيع والمسنة. النوع الخامس: من الأموال التي تجب فيها الزكاة العسل
أجمع العلماء على أنه ليس فيما يخرج من الحيوان زكاة إلا العسل 2.
فقد اختلفوا فيه على قولين:
القول الأول: قَال أبو حنيفة وأحمد تجب فيه الزكاة.
القول الثاني: قَال مالك والشافعي وداود لا زكاة فيه
3.1 انظر: في ذلك سنن أبي داود في كتاب الزكاة باب تفسير أسنان الإبل2/106ومعالم السنن 2/28، 29وشرح السنة6/17، 18والمحلى6/50والإفصاح2/203 والمغني لابن قدامة 4/16، 32 واللسان مادة حور 4/221 ومادة فصل 11/522.
2 انظر: بداية المجتهد 1/253.
3 انظر: بدائع الصنائع 2/61 وشرح فتح القدير 2/246 والمحلى 5/230 والأم 2/38 والمغني لابن قدامة 4/183 وشرح السنة 6/45 والمجموع 5/456.
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: ما رواه ابن ماجه عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ من العسل العشر1.
الدليل الثاني: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من عشر قربات قربة من أوسطها، وفي لفظ، من كل عشر قرب قربة 2.
الدليل الثالث: ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قَال: جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي له وادياً يقال له سلبه فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك، فكتب عمر رضي الله عنه “إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له سلبه ذلك” رواه أبو داود والنسائي 3.
وفي لفظ آخر عن سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي قَال: قلت يا رسول الله إن لي نحلاً، قَال: “أدّ العشر” قلت يا رسول الله إحمها لي، فحماها لي 4.
1 انظر: سنن ابن ماجه كتاب الزكاة 1/584 رقم 1824.
2 أخرجه أبو عبيد في الأموال ص496 رقم 1498 باب ما اختلف الناس في وجوب صدقته وأبو داود في سننه 2/109، 110 رقم 1601، 1602 والبيهقي في السنن الكبرى 4/127 كتاب الزكاة باب ما ورد في العسل.
3 انظر: سنن أبي داود 2/109 رقم 1600 باب زكاة العسل وسنن النسائي باب زكاة النحل 5/46 رقم 2499 والبيهقي في السنن الكبرى 4/126.
4 انظر: كتاب الأموال لأبي عبيد ص496 رقم 1488 وسنن ابن ماجه 1/584 رقم 1823 وعبد الرزاق في مصنفه 4/63 رقم 6973 والطيالسي في مسند برقم 1214 ص169 الجزء الخامس من مسند أبي داود الطيالسي.
الدليل الرابع: ما جاء عن سعد بن أبي ذُباب قَال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت قَال: فقدم على قومه فقال لهم في العسل زكاة فإنه لا خير في مال لا يزكي قالوا له كم ترى، قَال العشر فأخذ منهم العشر فقدم به على عمر وأخبره بما صنع، فأخذه عمر فباعه فجعله في صدقات المسلمين 1.
الدليل الخامس: ما رواه الترمذي عن ابن عمر قَال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم “في العسل في كل عشرة أزُقّ زِقّ” قَال أبو عيسى حديث ابن عمر في إسناده مقال 2.
وعن مكحول قَال: في كل عشرة أزق من عسل عشرها وعن الزهري في كل عشرة أزقاق زق، وعن سليمان بن موسى قَال في كل عشرة أزقاق من العسل زق، قَال: وقال سعيد: الزق يسع رطلين 3.
الدليل السادس: عن عطاء الخراساني أن عمر أتاه أناس من أهل اليمن فسألوه وادياً فأعطاهم إياه فقالوا: يا أمير المؤمنين إن فيه نحلاً كثيراً، قَال: فإن عليكم في كل عشرة أفراق فرقاً.
وعن الزهري في صدقة العسل قَال: في كل عشرة أفراق فرق 4.
الدليل السابع: عن أبي هريرة قَال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يأخذ من أهل العسل العشور 5.
أدلة أصحاب القول الثاني:
1-
عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قَال: جاء كتاب من عمر بن
1 انظر: كتاب الأموال ص496 رقم 1487 والسنن الكبرى للبيهقي 4/127.
2 سنن الترمذي 2/71 باب ما جاء في العسل رقم 625.
3 انظر: كتاب الأموال ص497 رقم 1492 - 1494.
4 رواه عبد الرزاق في مصنفه 4/63 رقم 6970، 6971.
5 رواه عبد الرزاق 4/63 رقم 6972 والبيهقي في السنن الكبرى 4/126.
عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى أن لا يأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة 1.
وفي رواية عن عبيد الله بن عمر عن نافع قَال: بعثني عمر بن عبد العزيز إلى اليمن فأردت أن آخذ من العسل قَال: فقال لي المغيرة بن حكيم ليس فيه شيء فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز قَال: صدق وهو عدل رضي وليس فيه شيء.
وفي رواية عنه أيضاً قَال: سألني عمر بن عبد العزيز عن العسل أفيه صدقة، فقلت ليس بأرضنا عسل ولكني سألت المغيرة بن حكيم عنه، فقال ليس فيه شيء قَال عمر بن عبد العزيز: هو عدل مأمون صدق 2.
وجاء في البخاري باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري ولم يرَ عمر بن عبد العزيز في العسل شيئاً 3.
2-
عن ابن عمر قَال ليس في الخيل ولا في الرقيق ولا في العسل صدقة. رواه أبو عبيد في كتاب الأموال 4.
3-
عن معاذ بن جبل قَال سألوه عما دون ثلاثين من البقر وعن العسل قَال لم أومر فيها بشيء 5.
4-
ما رواه يحيى بن آدم عن علي بن الحسين قَال ليس في العسل زكاة وقال سألت الحسن بن صالح عن العسل فلم يرَ فيه شيء وذكر معاذ أنه لم يأخذ من العسل شيئاً 6.
1 رواه مالك في الموطأ رواية يحيى ص187 رقم 615 وأبو عبيد في الأموال ص498 رقم 1496 والبيهقي في السنن الكبرى 4/127.
2 انظر: مصنف عبد الرزاق باب صدقة العسل 4/60 رقم 6965.
3 انظر: البخاري مع فتح الباري كتاب الزكاة 3/347.
4 برقم 1495 ص498.
5 عبد الرزاق في مصنفه 4/60 رقم 6964 والبيهقي 4/127.
6 انظر: كتاب الخراج ص33 رقم 71، 73 والسنن الكبرى للبيهقي 4/127، 128.
5-
القياس على اللبن فالعسل مائع خارج من حيوان أشبه اللبن 1.
6-
استدلوا أيضاً بأقوال الأئمة: قَال البخاري لا يصح في زكاة العسل شيء، وقَال الترمذي: ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء، وقال ابن المنذر ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع 2.
الراجح والله أعلم هو القول الأول وذلك لعدة أمور:
الأمر الأول: وإن لم يكن في العسل أحاديث صحيحة كما يقول الأئمة: البخاري والترمذي وابن المنذر إلا أنه ورد في زكاة العسل آثار يقوي بعضها بعضاً، وقد تعددت مخارجها واختلف طرقها. ومرسلها يعضد بمسندها.
الأمر الثاني: قد سئل أبو حاتم الرازي عن عبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذُباب يصح حديثه، قَال: نعم.
الأمر الثالث: أن العسل يتولد من نور الشجر والزهر وهو يكال ويدخر فوجبت فيه الزكاة كالحبوب والثمار.
الأمر الرابع: أن الكلفة في أخذ العسل أقل من كلفة الزروع والثمار فيقاس عليها 3.
الأمر الخامس: أن قياس العسل على اللبن قياس مع الفارق لأن اللبن قد وجبت الزكاة في أصله وهي السائمة بخلاف العسل 4.
1 انظر: المغني لابن قدامة 4/183.
2 انظر: سنن الترمذي 2/71 باب ما جاء في العسل رقم 625 والسنن الكبرى للبيهقي
4/126 باب ما ورد في العسل والمغني لابن قدامة 4/183 وشرح السنة 6/45 والمجموع 5/457 وزاد المعاد 1/183 فصل في أخذ عشور النحل وفتح الباري 3/348 باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري.
3 انظر: زاد المعاد لابن القيم فصل في أخذ عشور النحل 1/182- 184.
4 انظر: المغني لابن قدامة 4/184.
الأمر السادس: عموم النصوص والأدلة في وجوب الزكاة في الأموال مطلقاً التي لم تفرق بين مال وآخر من الكتاب ومن السنة، كقوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} 1 تدل على أخذ الزكاة من العسل.
الأمر السابع: ما قاله الإمام الترمذي في باب ما جاء في زكاة العسل قَال أبو عيسى: حديث ابن عمر في إسناده مقال، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق 2.
وبهذا تم بحمد الله وفضله ما أردت جمعه من شتات هذا الموضوع ابتداءً من تعريف الزكاة وحكمها وبياناً لشروط أدائها وتفصيلاً للأموال التي تجب فيها وحسبي أني بذلت جهدي في نقل كلام أئمة علماء الإسلام من أمهات كتب المذاهب الفقهية المشهورة.
أسأل الله العظيم أن يغفر لي ما كان من تقصير أو تفريط وأن يعصمنا جميعاً من القول عليه أو على رسوله أو أحد علماء الإسلام ما ليس فيه، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يحفظ أئمتنا وولاة أمورنا ويجعل ما قدموه للعلم والعلماء في موازين أعمالهم يوم القيامة وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 سورة التوبة آية (103) .
2 انظر: سنن الترمذي 2/71 رقم 625.