المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني وهو الشرط الثاني: التكليف - إجابة السؤال في زكاة الأموال

[محمد بن عبد العزيز السديس]

الفصل: ‌المطلب الثاني وهو الشرط الثاني: التكليف

‌المطلب الثاني وهو الشرط الثاني: التكليف

هل يشترط البلوغ والعقل لأداء الزكاة، وهل تجب الزكاة في مال الصغير والمجنون وما شابههما؟

اختلف الفقهاء في ذلك:

القول الأول: أكثر أهل العلم يجب الزكاة في مالهما ويخرج عنهما وليهما روي ذلك عن جمع من الصحابة كعمر وعائشة وجابر وابن عمر رضي الله عنهم ومن الأئمة: الثلاثة مالك والشافعي وأحمد.

القول الثاني: تجب الزكاة ويخرجها الصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق قَال به من الصحابة ابن مسعود وهو قول الأوزاعي والثوري.

القول الثالث: لا تجب الزكاة في أموالهما أصلاً قَال به الحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم.

القول الرابع: ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا زكاة عليهما إلا في الخارج من الأرض من الزروع والثمار وما عدا ذلك فلا زكاة عليهما في النقدين وعروض التجارة وبهيمة الأنعام 1.

هذه أربعة أقوال في حكم زكاة مال الصبي والمجنون ويمكن اختصارها إلى قولين قول بالوجوب وقول بعدم الوجوب.

أدلة الوجوب: استدلوا بمجموعة من الأدلة:

أولاً: بعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة من الآيات والأحاديث حيث لم تفرق بين الصغير والكبير وبين العاقل وغير العاقل كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ

1 انظر: بدائع الصنائع 2/4، المنتقى للباجي 2/110 والحاوي 3/152 والمغني لابن قدامة 4/69.

ص: 266

وَآتُوا الزَّكَاةَ} 1 وغيرها وحديث معاذ السابق2 قَال البغوي عنه:

دليل على أن الطفل الغني تلزمه الزكاة لقوله: (من أغنيائهم)3.

ثانياً: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: “ألا من ولي يتيماً له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة”.

رواه الترمذي وغيره 4.

ثالثاً: بقول الصحابة رضي الله عنهم ومن ذلك:

قَال عمر بن الخطاب: اتجروا بأموال اليتامى وأعطوا صدقتها.

وفي رواية قَال: ابتغوا في أموال اليتامى قبل أن تأكلها الزكاة.

وفي رواية: أن عمر كان يزكي مال اليتيم. وفي رواية قَال: ابتغوا لليتامى في أموالهم.

ما جاء عن القاسم بن محمد قَال: كنا يتامى في حجر عائشة فكانت تزكي أموالنا. وفي رواية قال: كان مالنا عند عائشة فكانت تزكيه ونحن يتامى.

وقال جابر بن عبد الله في الرجل يلي مال اليتيم “يعطي زكاته” 5.

فهؤلاء جمع من الصحابة كانوا يزكون أموال اليتامى وقول الصحابي حجة عند الجمهور.

رابعاً: قياس الزكاة باعتبارها حقاً مالياً على سائر الحقوق المالية الأخرى كالنفقات وقيم المتلفات وأرش الجنايات فهذه الحقوق واجبة على الصبي

1 سورة البقرة آية 43.

2 سبق تخريج حديث معاذ (ص 260) من هذا البحث.

3 شرح السنة 5/473.

4 انظر: سنن الترمذي في أبواب الزكاة باب الزكاة ما جاء في زكاة اليتيم 2/76 رقم 636.

5 انظر في هذه الآثار: مصنف عبد الرزاق كتاب الزكاة باب صدقة مال اليتيم 4/66 رقم 6981، 6984، 6985، 6989، 6993 والسنن الكبرى 4/108.

ص: 267

والمجنون فكذلك الزكاة.

أدلة أصحاب القول الثاني:

أولاً: بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} 1 الآية.

ووجه الدلالة من الآية: أن المراد من الزكاة تطهير النفس من الذنوب والصبي والمجنون لا ذنوب عليهما لأنهما ليسا من أهل التطهير فهما غير مكلفين والزكاة لا تجب إلا على المكلف.

ثانياً: حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: “رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل”، قَال الترمذي: وفي الباب عن عائشة.

حديث علي حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن علي وذكر بعضهم (وعن الغلام حتى يحتلم) ، ولا نعرف للحسن سماعاً من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.2.

ووجه الدلالة:

دل الحديث على رفع القلم عن المذكورين كناية عن عدم التكليف والصبي والمجنون ليسا من أهل التكليف والزكاة لا تجب إلا على المكلفين كغيرها من العبادات كالصلاة والصيام والحج وهذه العبادات تحتاج إلى نية وهما لا نية لهما.3.

والقول الأول هو الراجح إن شاء الله لأنه يتفق مع مقصود الشارع

1 سورة التوبة آية (103) .

2 انظر: سنن الترمذي أبواب الحدود الباب الأول رقم الحديث 1446 ورواه أحمد في المسند 6/100 وأبو داود في كتاب الحدود 4/139 - 141 رقم 4398 -4403.

3 انظر: بدائع الصنائع 2/815.

ص: 268

الحكيم وهو سد حاجة الفقراء والمحتاجين وهذه العلة يشترك فيها البالغ وغير البالغ والعاقل وغير العاقل فلا فرق بين الأموال من حيث وجوب الزكاة.

وقد أجاب الجمهور عن أدلة أصحاب القول الثاني بما يلي:

أولاً: أجابوا عن وجه الدلالة من الآية بجوابين:

1-

ليست العلة من الزكاة التطهير فقط، وإنما هناك علل وحكم أخرى من أجلها: سد حاجة الفقراء وهذه لا فرق فيها بين مال الصغير والكبير فهما على حد سواء.

2-

ليس التطهير خاص بإزالة الذنوب وإنما يشتمل على أمور أخرى كتربية النفس على الفضائل والخلق الحسن وتعويدها على البذل والسخاء والإنفاق وغير ذلك.

ثانيا: وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث “رفع القلم عن ثلاثة “ المراد رفع الإثم والوجوب ونحن نقول لا إثم عليهما ولا تجب الزكاة عليهما بل تجب في مالهما ويطالب بإخراجها وليهما كما يجب في مالهما قيمة ما أتلفاه ويجب على الولي دفعها1.

ثالثا: وقياس الزكاة على العبادات الأخرى قياس مع الفارق فتلك عبادات بدنية تحتاج إلى جهد ومشقة والزكاة من العبادات المالية التي لا تحتاج إلى جهد ومشقة فلا فرق فيها بين الصغير والكبير.

رابعا: أن نية الصبي والمجنون لا تتحقق في الزكاة فنيتهما ضعيفة والزكاة من الحقوق المالية فأشبه نفقة الأقارب والزوجات وأرش الجنايات وقيم المتلفات والولي يقوم مقامهما في ذلك2.

1 انظر: المجموع للنووي 5/330.

2 انظر: المغني لابن قدامة 4/70، 71 والحاوي 3/153.

ص: 269