الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: الفصل الثالث
النوع الأول: النقدان وهما الذهب والفضة ويعبر عنهما بالأثمان
…
الفصل الثالث: الأموال التي تجب فيها الزكاة
النوع الأول: النّقدان وهما الذهب والفضة ويعبر عنهما بالأثمان.
أجمع العلماء على وجوب الزكاة فيما لا فرق في ذلك بين التبر1 والمضروب والسبائك والنقد أو الحلي المعد للتجارة أو الإجارة أو الادخار أو الاستعمال غير المباح.
ولا خلاف بين أهل العلم في أن زكاة الذهب والفضة ربع العشر لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس الطويل: "وفي الرقة ربع العشر فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها "2.
والرقة بكسر الراء وتخفيف القاف، الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أوغير مضروبة قيل أصلها الورق فحذفت الواو وعوضت هاء، وقيل يطلق على الذهب والفضة بخلاف الورق 3.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي رضي الله عنه: ”هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهماً درهم، وليس لي في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيهما خمسة دراهم”.
قَال أبو عيسى: روى هذا الحديث الأعمش وأبو عوانة وغيرهما عن أبي أسامة عن عاصم بن خمرة عن علي وروى سفيان الثوري وابن عيينة وغير واحد عن أبي أسامة عن الحارث عن علي قَال وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا
1 ما كان غير مضروب فإن ضرب فهو عين، فالتبر ما كان غير مصوغ أي قبل الاستعمال. انظر: الصحاح 2/600، والمصباح 1/72.
2 رواه البخاري في كتاب الزكاة باب زكاة الغنم، انظر: البخاري مع فتح الباري 3/318.
3 انظر: النهاية 2/254 وفتح الباري 3/321 وانظر: الحاوي 3/256.
الحديث فقال كلاهما عندي صحيح يحتمل أن يكون عنهما جميعاً 1.
وقوله صلى الله عليه وسلم “ليس فيما دون خمس أواق صدقة” 2.
والأواق: جمع أوقية والأوقية: أربعون درهماً والمراد بها الفضة يقال ورق بفتح الواو وبكسرها وبكسر الراء وسكونها.
قَال ابن المنير: لما كانت الفضة هي المال الَّذِي يكثر دورانه في أيدي الناس ويروج في مكان كان أولى بأن يقدم على ذكر تفاصيل الأموال الزكوية 3.
قَال ابن المنذر: وأجمعوا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليس فيما دون خمس أواق صدقة” وأجمعوا أن في مائتي درهم خمسة دراهم4، وهي تساوي في الوقت الحاضر خمسة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة 5.
أما الذهب: فقال الشافعي رحمه الله تعالى: “ولا أعلم اختلافاً في أن ليس في الذهب صدقة حتى يبلغ عشرين مثقالاً جيداً كان أو رديئاً أو إناءً أو تبراً فإن نقصت حبة أو أقل لم يؤخذ منها صدقة” 6.
قَال ابن المنذر:
وأجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً قيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه، وانفرد الحسن البصري فقال: ليس فيما دون أربعين ديناراً صدقة. وقال أيضاً: وأجمعوا على أن الذهب إذا كان أقل من عشرين مثقالاً ولا
1 انظر: سنن الترمذي أبواب الزكاة باب ما جاء في زكاة الذهب والورق 2/66 رقم 61.
2 رواه البخاري كتاب الزكاة باب زكاة الورق انظر: البخاري مع فتح الباري 3/310.
3 انظر: الصحاح 6/2527 والنهاية 1/80 وفتح الباري 3/310.
4 انظر: الإجماع لابن المنذر ص12 والحاوي 3/256.
5 تيسير العلام شرح عمدة الأحكام 1/409 كتاب الزكاة.
6 انظر: مختصر المزني ص49 باب صدقة الذهب وقدر ما لاتجب فيه الزكاة.
يبلغ قيمتها مائتي درهم أن لا زكاة فيه 1.
لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي “وليس عليك شيء _ يعني في الذهب _ حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك” 2 رواه أبو داود.
فإذا بلغ الذهب عشرين مثقالاً بمثاقيل الإسلام التي وزن كل سبعة منها عشرة دراهم من دراهم الإسلام ففيها الزكاة وفيما زاد بحسابه، وسواء كان الذهب جيداً أو رديئاً أو إناء أو تبراً أو دنانير مضروبة إذا كان جميعها ذهباً واسم الجنس عليه مطلقاً لأن الاعتبار بجنسه لا بوصفه كالورق 3.
والمثقال الشرعي يساوي 4،68 غرام فيكون النصاب ما يقارب 94 غرام وهي تساوي في الوقت الحاضر اثني عشر جنيهاً سعودياً حيث أن الجنيه السعودي يساوي مثقالاً وثلثي المثقال 4.
ولا يجوز ضم الذهب إلى الورق كما لا يجوز ضم الإبل إلى البقر وليس في اللؤلؤ والياقوت وسائر الجواهر زكاة 5.
- مسألة خلافية في هذا النوع: حلي النساء هل تجب فيه الزكاة إذا كان معداً للاستعمال أو العارية، اختلف العلماء قديماً وحديثاً في هذه المسألة على قولين منهم من يرى الوجوب ومنهم من يرى عدم الوجوب.
والحلي: هو اسم لكل ما تزين به من مصاغ الذهب والفضة وجمع الحلية
1 انظر: الإجماع لابن المنذر ص13 والحاوي 3/267.
2 انظر: سنن أبي داود كتاب الزكاة 2/100 رقم 1573.
3 انظر: الحاوي 3/268.
4 انظر: الإيضاح والتبيان ص68 وتيسير العلام 1/408.
5 انظر: الإقناع لابن المنذر 1/176 وم مختصر المزني ص50 والحاوي 3/280 والموطأ ص167 والمحلى 6/117.
حلى بالضم والكسر1. والحلي إذا أطلق حلى المرأة والمراد المتخذ من الذهب والفضة أي المصوغ منهما المباح استعماله حلية وزينة للنساء سواء أستعمل أو أعد للاستعمال أو العارية كالطوق والخلخال والخواتم والسوار والقلائد والقرط ونحو ذلك.
القول الأول: ذهب جمهور أهل العلم إلى القول بعدم زكاة الحلي ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وقال به جمع من الصحابة كجابر وابن عمر وأنس وابن مسعود وعائشة وأسماء وغيرهم2 وقال به في زماننا أئمة الدعوة منذ زمن المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبناءه وأحفاده وتلاميذه كعبد الله ابن الحسن آل شيخ وعبد الرحمن بن ناصر السعدي ومفتي الديار السعودية السابق محمد بن إبراهيم وسماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق رحمهم الله جميعاً 3.
وذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه إلى القول بوجوب زكاة الحلي4 ونقل عن جمع من الصحابة كعمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم.
وقال به في زماننا سماحة الشيخ المفتي العام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله5 وصاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء6 وقد نقل عن جمع من التابعين القول بهما بالوجوب وعدمه.
1 انظر: النهاية 1/435، والمصباح 1/148.
2 انظر: الحاوي 3/271 والمحلى 6/75 والمغني 4/220 والمجموع 5/492.
3 انظر: مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب قسم الفقه 1/239، وفتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 4/95.
4 انظر: المبسوط 2/192 وبدائع الصنائع 2/17.
5 انظر: الفتاوى 1/99.
6 انظر: رسالة وجوب الزكاة لابن عثيمين.
كسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وعطاء والزهري ومجاهد وممن نقل عنه أيضاً عمر بن عبد العزيز.
أدلة القول الأول وهم جمهور أهل العلم بعدم الزكاة.
الدليل الأول: حديث جابر يروى موقوفاً ومرفوعاً “ليس في الحلي زكاة” رواه الدارقطني عن أبي حمزة عن الشعبي عن جابر وقال: أبو حمزة هذا ميمون ضعيف الحديث 1.
الدليل الثاني: ما أخرجه ابن منده من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن محمد بن عمارة ابن عمرو بن حزم أنه سمع زينب بنت نبيط امرأة أنس تحدث عن أمها فريعة بنت أبي أمامة قالت جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رعاث2 من ذهب فحلى أختيّ حبيبة وكبشة منها فلم يؤخذ منها صدقة 3.
وعند ابن سعد قالت فأدركت ذلك الحلي عند أهلي 4.
الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديثين السابقين5 “وفي الرقة ربع العشر” وقوله “ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة”.
ووجه الدلالة منهما:
أنّ لفظ الورق والرقة تطلق ويراد بها الدراهم المضروبة6 وليس الحلي
1 انظر: سنن الدارقطني كتاب الزكاة باب زكاة الحلي 2/107 رقم 4.
2 الرّعث والرعثة: ما علق بالأذن من قرط ونحوه والجمع رعثة ورعاث. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 1/110، والنهاية 2/234 واللسان 2/152.
3 انظر: الإصابة لابن حجر 4/363 وأورده ابن البنا في المقنع 2/536 بلفظ فلم تؤخذ منها زكاة حلي قط.
4 انظر: طبقات بن سعد 8/479 وغريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام 1/110 والنهاية لابن الأثير 2/234 والفائق 2/65.
5 سبق تخريج الحديثين (ص 293، 294) من هذا البحث.
6 انظر: الصحاح 4/1564 وتهذيب اللغة 9/288 والنهاية لابن الأثير 2/254.
كذلك فالزكاة واجبة في الدراهم المضروبة دون الحلي وهذا مما يسمى الوضع اللغوي.
الدليل الرابع أقوال الصحابة ومنها:
ما يروى عن جابر أنه سئل أفي الحلي زكاة؟ قَال: لا. وما روي عن ابن عمر أنه قَال: ليس في الحلي زكاة. وفي رواية أن ابن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة.
وما يروى عن أنس أنه سئل عن الحلي فقال ليس فيه زكاة.
وما يروى عن عائشة كانت تحلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي ولا تخرج زكاته 1.
فهؤلاء جمع من الصحابة لا يرون زكاة الحلي.
الدليل الخامس القياس:
قياس الحلي المعد للاستعمال على غيره من الأشياء المعدة للاستعمال وليس فيها زكاة كالثياب وأثاث المنزل وغيرها.
قَال ابن هبيرة: واجمعوا على أنه ليس في دور السكنى، وثياب البدن، وأثاث المنزل، ودواب الركوب، وعبيد الخدمة وسلاح الاستعمال زكاة 2.
الدليل السادس:
البراءة الأصلية والمراد أنه لم يرد دليل صحيح صريح في وجوب الزكاة في الحلي فالأصل البراءة حتى يرد الدليل.
وهذا الأصل صحيح محل اتفاق وإجماع لأهل العلم في علم الأصول 3.
1 انظر: في هذه الآثار موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى ص167 باب ما لا زكاة فيه ومصنف عبد الرزاق 4/82 والأموال لأبي عبيد ص446 والسنن الكبرى للبيهقي 4/138.
2 انظر: الإفصاح لابن هبيرة 1/218 وأعلام الموقعين 2/160.
3 انظر: العدة في أصول الفقه لأبي يعلى الفراء 1/72.
الدليل السابع: إن الزكاة لا تجب إلا في الأموال النامية، وهذا المال ليس بمال معد للنماء.
قَال الزرقاني: الأصل المجمع عليه في الزكاة إنما هو الأموال النامية أو المطلوب فيها النماء بالتصرف 1.
أدلة من يرى الوجوب:
الدليل الأول: قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} الآيات 2.
والكنز هو كل مال لم تؤد زكاته وهذه الآية عامة لا فرق بين الحلي وغيره في وجوب الزكاة.
الدليل الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه” الحديث 3.
والحديث عام وشامل لكافة أنواع الذهب والفضة من غير تفريق بين الحلي وغيره.
الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديثين السابقين4 “ وفي الرقة ربع العشر” وقوله “ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة”.
ووجه الدلالة منهما:
1 انظر: شرح الزرقاني على موطأ مالك 2/103.
2 سورة التوبة آية (34، 35) .
3 انظر: رواه مسلم في كتاب الزكاة باب إثم مانع الزكاة 2/680 رقم 987.
4 سبق تخريج الحديثين (ص 293، 294) من هذا البحث.
دل على العموم في وجوب الزكاة من غير تفريق بين نوع وآخر فالزكاة تجب في الحلي كما تجب في غيره على حد سواء.
الدليل الرابع: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان1 غليظتان من ذهب فقال لها: “أتعطين زكاة هذا” قالت: لا، قَال “أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار” قَال فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله عز وجل ولرسوله.
الدليل الخامس: عن أم سلمة قالت كنت ألبس أوضاحاً2 من ذهب فقلت: يا رسول الله، أكنز هو فقَال “ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز”.
الدليل السادس: عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: “ما هذا يا عائشة” فقالت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قَال “ أتؤدين زكاتهن” قلت لا أو ما شاء الله، قَال “هو حسبك من النار” 3. قَال النووي اسنادها حسن 4.
الدليل السابع: وهو قياس الحلي المعد للاستعمال على غيره من الذهب
1 المسكة بالتحريك: السوار. انظر: النهاية 4/331 واللسان 10/486
2 نوع من الحلي يعمل من الفضة سميت بها لبياضها واحدها وضح وقيل الوضح الخلخال. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 3/188 والنهاية 5/196 واللسان 2/636.
3 روى هذه الأحاديث الثلاثة حديث: عمرو بن شعيب وأم سلمة وعائشة أبو داود في كتاب الزكاة باب الكنز ما هو وزكاة الحلي، انظر: سنن أبي داود 2/95، 96 رقم 1563، 1564، 1565، والدارقطني في كتاب الزكاة 2/105، 112 باب ما أدى زكاته فليس بكنز، باب زكاة الحلي، باب استقراض الوصي، والبيهقي في كتاب الزكاة 4/139، 140.
4 انظر: المجموع شرح المهذب 6/32.