المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثالث: الخارج من الأرض وهي الزروع والثمار - إجابة السؤال في زكاة الأموال

[محمد بن عبد العزيز السديس]

الفصل: ‌النوع الثالث: الخارج من الأرض وهي الزروع والثمار

‌النوع الثالث: الخارج من الأرض وهي الزروع والثمار

أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في أربعة أصناف من الخارج من الأرض قَال ابن المنذر وأجمعوا على أن الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب1.

وقال ابن عبد البر:

وأجمع العلماء كلهم من السلف والخلف على أن الزكاة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب واختلفوا فيما سوى ذلك 2.

- هل تجب الزكاة في غير هذه الأصناف الأربعة؟

اختلف العلماء في ذلك على خمسة أقوال:

القول الأول: تجب الزكاة في ثلاثة أصناف الحنطة والشعير والتمر وبه قَال شريح والحكم والشعبي فهذه الأصناف الثلاثة من الطعام هي قوت الناس ومعاشهم، فلم تكن إلا هذه الأصناف الثلاثة فكانت الحنطة والشعير لأهل المدر وكان التمر لأهل الوبر وخرج الزبيب من هذا المعنى لكونه لا يصلح قوتاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما حكم على العرب في صدقاتها بما يُعرف من أقواتها مما هو طعام في حاضرتها وباديتها 3.

وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري قوله صلى الله عليه وسلم: “ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حبٍ صدقة “ رواه مسلم 4.

وجه الدلالة من هذا الحديث:

1 انظر: الإجماع لابن المنذر ص12 رقم 93.

2 انظر: التمهيد 20 /148، 152.

3 انظر: كتاب الأموال لأبي عبيد ص476، 477 رقم 1404 1405، 1409 والمحلى

5/223.

4 انظر: صحيح مسلم كتاب الزكاة 2/674 رقم 979.

ص: 316

نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة عن كل ما دون خمسة أوساق من حب أو تمر.

ولفظه (دون) في اللغة العربية تقع على معنيين بمعنى أقل وبمعنى غير.

فحصر الحديث الخارج من الأرض بالحب والتمر وإذا أطلق الحب في اللغة فإنما يراد به الحنطة والشعير فلا زكاة في شيء من النبات غيرهما وغير التمر1.

القول الثاني: تجب الزكاة في أربعة أصناف الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

قَال به جمع من الصحابة كعمر وابن عمر ومعاذ وأبي موسى الأشعري وغيرهم وجمع من التابعين كالحسن وابن سيرين وموسى بن طلحة وغيرهم.

واستدلوا بما جاء عن موسى بن طلحة عن عمر بن الخطاب قَال: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة الحنطة والشعير والزبيب والتمر، وفي رواية له قَال: عندنا كتاب معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر وفي رواية عن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ حين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قَال: “لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر” 2.

ولأن ما عدا هذه الأصناف لا نص فيه، ولا إجماع، ولا هو في معنى المنصوص عليه ولا المجمع عليه فيبقى على الأصل 3.

قَال أبو عبيد: فأما الَّذِين لم يروا الصدقة إلا في هذه الأربعة الأصناف

1 انظر: المحلى 5/221.

2 رواهن الدارقطني انظر: سنن الدارقطني كتاب الزكاة باب ليس في الخضروات صدقة 2/96، 98 رقم 7، 8، 15 وانظر: السنن الكبرى كتاب الزكاة 4 / 128، 129 باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون، ومصنف عبد الرزاق كتاب الزكاة 4/119 رقم 7186.

3 انظر: المغني لابن قدامة 4/156.

ص: 317

على ما سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به معاذ ثم قاله ابن عمر فإنهم قصدوا، قصد الأثر فاتبعوه ولم يعدوه إلى غيره بزيادة ولا نقصان 1.

القول الثالث: لا زكاة في الخارج من الأرض إلا أن يكون مكيلاً مدخراً مطلقاً سواء كان قوتاً كالحنطة والشعير أو كان أدماً كالحمص والعدس أو أبازيراً كالكسفرة والكمون، فتجب الزكاة في الخارج من الأرض مما ينبته الآدميون مما جمع هذه الأوصاف الثلاثة الكيل، والبقاء، واليبس فلا زكاة في سائر الفواكه والخضروات وهو مذهب الحنابلة 2.

فإن كان مما يوزن فلا زكاة فيه والعبرة في الكيل هو كيل أهل المدينة والعبرة في الوزن هو وزن مكة لما جاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَال “المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة “ 3 فأهل المدينة أهل زرعات فهم أعلم بأحوال المكيال وأهل مكة أصحاب تجارات فهم أعلم بالموازين فما كان موزوناً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعتبر فيه الوزن، وما كان مكيلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعتبر فيه الكيل ولا ينظر إلى ما أحدث الناس من بعد4.

واستدلوا على وجوب الزكاة فيما يكال ويدخر بحديث أبي سعيد الخدري السابق5 قوله صلى الله عليه وسلم: “ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة”.

ووجه الدلالة:

حصر الزكاة في الخارج من الأرض فيما يكال لأن الوسق من المكيلات

1 كتاب الأموال ص472، 476، 478 رقم 1382.

2 انظر: المغني لابن قدامة 4/115 والمحرر 1/220 وشرح الزركشي2/467.

3 رواه أبو داود في سننه انظر: 3/246 كتاب البيوع رقم 3340 والنسائي في الزكاة 5/54 رقم 2520.

4 انظر: شرح السنة 8/70.

5 سبق تخريج الحديث (ص 316) من هذا البحث.

ص: 318

دل على انتفاء الزكاة مما لا وسق فيه أي لا كيل وبقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ “خذ الحب من الحب” 1.

ووجه الدلالة:

هذا الحديث يقتضي وجوب الزكاة فيما تناوله، خرج منه ما لا يكال وما ليس بحب 2.

كما استدلوا بحديث عائشة قَالت قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة”.

وفي رواية عن موسى بن طلحة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَال:

“ليس في الخضروات زكاة” وفي رواية عنه “ليس في الخضروات صدقة” 3.

وروى الترمذي عن معاذ أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضروات وهي البقول فقال: “ليس فيها شيء “ قَال أبو عيسى إسناد هذا الحديث ليس بصحيح، وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس في الخضروات صدقة 4.

القول الرابع: تجب الزكاة في الخارج من الأرض إذا كان قوتاً مدخراً

1 رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب صدقة الزرع 2/108 رقم 1599.

2 انظر: المغني لابن قدامة 4/157، 158.

3 رواه الدارقطني في كتاب الزكاة باب ليس في الخضروات صدقة 2/95، 96، والسنن الكبرى4/129، 130 وانظر: كتاب الخراج ليحيى بن آدم ص140، 144 رقم 502، 503، 531.

4 انظر: سنن الترمذي كتاب الزكاة باب ما جاء في زكاة الخضروات 2/75 رقم 633.

ص: 319

وهو مذهب المالكية والشافعية 1.

والقوت هو طعام أهل البلد فلا زكاة في الخضروات والفواكه لأنها ليست صالحة للإدخار ولا زكاة في الجوز واللوز والقطن لأنها ليست قوتاً.

استدلوا بحديث موسى بن طلحة السابق “ ليس في الخضروات صدقة ”.

ووجه الدلالة:

هو عدم الادخار ولأنه نبت لا يقتات غالباً ولأن الأقوات تعظم منفعتها فهي كالأنعام في الماشية 2.

القول الخامس: قَال به الحنفية:

تجب الزكاة في كل الخارج من الأرض مما يقصد به نماء الأرض وتستغل الأرض به عادة فلا عشر في الحطب والحشيش والقصب لأن هذه الأشياء لا تستنمي بها الأرض ولا تستغل بها عادة لأن الأرض لا تنمو بها بل تفسد.

فتجب الزكاة في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره 3.

وقال به داود من غير استثناء 4.

واستدلوا على ذلك بعموم النصوص الدالة على وجوب الزكاة في الخارج من الأرض مطلقاً من غير تفريق بين نوع وآخر كقوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ} 5 الآية وقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 6 الآية

1 انظر: الموطأ رواية يحيى ص182، 186 والتمهيد 20/148 وبداية المجتهد 1/253 وانظر: الأم 2/35 والمهذب 1/212 والحاوي 3/238، 241.

2 انظر: المجموع 5/493.

3 انظر: بدائع الصنائع 2/58 وشرح فتح القدير على الهداية 2/242.

4 انظر: المحلى 5/212.

5 سورة البقرة آية 267.

6 سورة الأنعام آية 141.

ص: 320