الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجاه جامع ازبك على طرف الميري وهي في الاصل بيت المدني ومحمود حسن واحترق منه جانب ثم هدم أكثرهما وخرج بالجدار إلى الرحبة وأخذ منها جانبا وادخل فيه بيت رضوان كتخدا الذي يقال له: ثلاثة ولية تسمية له باسم العامودين الرخام الملتفين على مكسلتي الباب الخارج وشيد البناء بخرجات في العلو معددة وجعل بابه مثل باب القلعة ووضع في جهتيه العامودين المذكورين وصارت الدار كأنها قلعة مشيدة في غاية من الفخامة فما هو إلا أن قارب الاتمام وقد اعتراه المرض فسافر إلى الاسكندرية بقصد تبديل الهواء فأقام هناك أياما وتوفي في شهر جمادي الثانية وأحضروا رمته في أواخر الشهر ودفنوه بمدفنه الذي بناه محل بيت الزعفراني بجوار السيدة بقناطر السباع وترك ابنا مراهقا فابقاه الباشا على منصب أبيه ونظامه وداره.
ومات الأمير ايوب كتخدا الفلاح وهو مملوك الأمير مصطفى جاويش تابع صالح الفلاح وكان آخر الأعيان المبجلين من جماعة الفلاح المشهورين وله عزوة واتباع وبيته مفتوح للواردين ويحب العلماء والصلحاء ويتأدب معهم وكان الباشا يجله ويقبل شفاعته وكذلك أكابر الدولة في كل عصر وعلى كل حال كان لابأس به توفي يوم الأربعاء لعشرين من شهر شعبان وقد جاوز سبعين رحمه الله تعالى.
واستهل
سنة أربع وثلاثين ومائتين والف
.
واستهل المحرم بيوم السبت وسلطان الإسلام السلطان محمود شاه ابن عبد الحميد بدار سلطنته إسلامبول ووالي مصر وحاكمها محمد علي باشا القوللي وكتخداه وباقي أرباب المناصب على حالهم وما هم عليه في العام الماضي.
ووردت الأخبار من شرق الحجاز والبشائر بنصرة حضرة إبراهيم باشا على الوهابية قبل استهلال السنة بأربعة أيام فعند ذلك نودي بزينة المدينة سبعة أيام أولها الأربعاء سابع عشري الحجة ونصبت الصواوين خارج
باب النصر عند الهمايل وكذلك صيوان الباشا وباقي الأمراء والأعيان خرجوا بأسرهم لعمل الشنك والحرائق واخرجوا من المدافع مائة مدفع وعشرة وتماثيل وقلاعا وسواقي وسواريخ وصورا من بارود بدأوا في عمل الشنك من يوم الأربعاء فيضربون بالمدافع مع رماحه الخيالة من أول النهار مقدار ساعة زمانية وربع قريبا من عشرين درجة ضربا متتابعا لا يتخلله سكون على طريقة الافرنج في الحروب بحيث أنهم يضربون المدفع الواحد اثنتي عشرة مرة وقيل أربع عشرة مرة في دقيقة واحدة فعلى هذا الحساب يزيد ضرب المدافع في تلك المدة على ثمانين ألف مدفع بحيث يتخيل الإنسان اصواتها مع اصوات بنادق الخيالة المترامحين رعودا هائلة ورتبوا المدافع أربعة صفوف ورسم الباشا أن الخيالة ينقسمون كذلك طوابير ويكمنون في الاعالي ثم ينزلون مترامحين وهم يضربون بالبنادق ويهجمون على المدافع في حال اندفاعها بالرمي فمن خطف شيئا من أدوات الطبجية الرماة يأتي به إلى الباشا ويعطيه البقشيش والانعام فمات بسبب ذلك أشخاص وسواس ويكون مبادىء نهاية وقوف الخيالة نهاية محط جلة المدفع فانهم عند طلوع الفجر يضربون مدافع معمروة بالجلل بعدد الطوابير فتستعد الخيالة ويقف كل طابور عند مرمى جلته ويأخذون اهبتهم من ذلك الوقت إلى بعد شروق الشمس ويبتدؤن في الرمي والرماحة الحصة المذكورة وبعد العشاء خيرة! لا يعمل كذلك الشنك برمي المدافع المتتالية المختلطة اصواتها بدون الرماحة ومع المدافع الحراقة والنفوط والسواريخ التي تصعد في الهواء وفيها من خشب الزان بدل القصب وكرنجة بارودها اعظم من تلك بحيث اناها تصعد من الأسفل إلى العلو مثل عامود النهار وأشياء آخر لم يسبق نظائرها تفنن في عملها الافرنج وغيرهم وحول محل الحراقة حلقة دائرة متسعة حولها الوف من المشاعل الموقدة وطلبوا لعمل أكياس بارود المدافع مائتي ألف ذراع من القماش البز وكان راتب الأرز الذي يطبخ في القزانات ويفرق في عراضي العساكر في كل يوم أربعمائة
اردب وما يتبعها من السمن وهذا خلاف مطابخ الأعيان وما ياتيهم من بيوتهم من تعابي الاطعمة وغيرها واستمر هذا الضرب والشنك إلى يوم الثلاثاء رابع المحرم وأهل البلد ملازمون للسهر والزينة على الحوانيت والدور ليلا ونهارا وتكرار المناداة عليهم في كل يوم وركب حضرة الباشا وتوجه إلى داره بالازبكية وهدمت الصواوين والخيام وبطل الرمي ودخلت العساكر والبينبات بمتاعهم وعازتهم أفواجا إلى المدينة وذهبوا إلى دورهم ورفع الناس الزينة وكان معظمها حيث مساكن الافرنج والارمن فإنهم تفننوا في عمل التصاوير والتماثيل وأشكال السرج والفنيارات الزجاج والبلور وأشكال النجف ومعظمها في جهات المسلمين بخان الخليلي والغورية والجمالية وببعض الأماكن والخانات ملاهي واغاني وسماعات وقيان وجنك رقاصات هذاو التهيؤ والاشغال والاستعداد لعمل الدونانمة على بحر النيل ببولاق فصنعوا صورة قلعة بأبراج وقباب وزوايا وانصاف دوائر وخورنقات وطيقان للمدافع وطلوها وبيضوها ونقشوها بالألوان والاصباغ وصورة باب مالطة وكذلك صورة بستان على سفائن وفيه الطين ومغروس به الاشجار ومحيط به دار بزين مصبغ وبه دوالي العنب واشجار الموز والفاكهة والنخيل والرياحين في قصارى الطيفة على حافاته وصورة عربة يجرها افراس وبها تماثيل وصور جالسين وقائمين وتمثال مجلس وبه جنك رقاصات من تماثيل مصورة تتحرك بآلات ابتكار بعض المبتكرين لأن كل من تخيل بفكره شيئا ملعوبا أو تصويرا ذهب إلى الترسخانة حيث الاخشاب والصناع فيعمله على طرف الميري حتى يبرزه في الخارج ويأخذ على ابتكاره البقشيش وأكثرها لخصوص الحراقات والنفوط والبارود والسواريخ وغير ذلك وبعد انقضاء السبعة أيام المذكورة حصل السكون من يوم الثلاثاء المذكورة إلى يوم الأحد التالي له من الجمعة الأخرى مدة خمسة أيام في اثنائها اجتهد الناس من الأعيان وكل من له اسم من أكابر الناس وأهل الدائرة والافندية الكتبة حتى الفقهاء أرباب
المناصب والمظاهر ومشايخ الافتاء والنواب والمتفرجين في نصب الخيام بحافتي النيل واستأجروا الأماكن المطلة على البحر ولو من البعد وتنافسوا واشتط أربابها في الاجرة حتى بلغ اجرة حقر طبقة بمثل وكالة الفسيخ إلى خمسمائة قرش وزيادة وكان الباشا أمر بإنشاء قصر لخصوص جلوسه بالجزيرة تجاه بولاق قبلي قصر ابنه إسمعيل باشا وتمموا بياضه ونظامه في هذه المدة القليلة فلما كان ليلة الإثنين وهو يوم عاشوراء خرج الباشا في ليلته وعدى إلى القصر المذكور وخرج أهل الدائرة والأعيان إلى الأماكن التي استاجروها وكذلك العامة أفواجا وأصبح يوم الإثنين المذكور فضربت المدافع الكثيرة التي صففوها بالبرين وزين أهالي بولاق اسواقهم وحوانيتهم وأبواب دورهم ودقت الطبول المزأمير والنقرزانات في السفائن وغيرها وطبلخانة الباشا تضرب في كل وقت والمدافع الكثيرة في ضحوة كل يوم وعصره وبعد العشاء كذلك وتوقد المشاعل وتعمل أصناف الحراقات والسواريخ والشعل وتتقابل القلاع المصنوعة على وجه الماء ويرمون منها المدافع على هيئة المتحاربين وفيها فوانيس وقناديل وهيئة باب مالطة بوابة مجسمة مقوصرة لها بدنات ويرى بداخلها سرج وشعل ويخرج منها حراقات وسواريخ وغالب هذه الاعمال من صناعة الافرنج وأحضروا سفائن رومية صغيرة تسمى الشلنبات يرمى منها مدافع وشنابر وشيطيات وغلايين مما يسير في البحر المالح وفي جميعها وقدات وسرج وقناديل وكلها مزينة بالبيارق الحرير والأشكال المختلفة الألوان ودبوس اوغلي ببولاق التكرور وعنده أيضا الحراقات الكثيرة والشعل والمدافع والسواريخ وبالجيزة عباس بك بن طوسون باشا والنصارى الارمن بمصر القديمة وبولاق والافرنج وابرز الجميع زينتهم وتماثيلهم وحرائقهم وعند الأعيان حتى المشايخ في القنج والسفائن المعدة للسروح والتفرج والنزاهة والخروج عن الاوضاع الشرعية والادبية واستمروا على ما ذكر إلى يوم الإثنين سابع عشره.
وفي ذلك اليوم وصل عبد الله بن مسعود الوهابي ودخل من باب النصر وصحبته عبد الله بكتاش قبطان السويس وهو راكب على هجين وبجانبه المذكور وإمامه طائفة من الدلاة فضربوا عند دخوله مدافع كثيرة من القلعة وبولاق وخلافهما وانقضى أمر الشنك وخلافه من ساحل النيل وبولاق ورفعوا الزينة وركب الباشا إلى قصر شبرا في تلك السفينة وانفض الجمع وذهبوا إلى دورهم وكان ذلك من اغرب الاعمال التي لم يقع نظيرها بأرض مصر ولا ما يقرب من ذلك ومطبخ الميري يطبخ به الأرز على النسق المتقدم والاطعمة ويؤتى لأرباب المظاهر منها في وجبتي الغداء والعشاء خلاف المطابخ الخاصة بهم وما يأتيهم من بيوتهم وأما العامة والمتفرجون من الرجال والنساء فخرجوا أفواجا وكثر زحامهم في جميع الطرق الموصلة إلى بولاق ليلا ونهارا باولادخم وأطفالهم ركبانا ومشاة وقد ذهب في هاتين الملعبتين من الأموال ما لا يدخل تحت الحصر وأهل الاستحقاق يتلظون من الفشل والتفليس مع ما هم فيه من غلاء الاسعار في كل شيء وانعدام الادهان وخصوصا السمن والشيرج والشحم فلا يوجد من ذلك الشيء اليسير إلا بغاية المشقة ويكون على حانوت الدهان الذي يحصل عنده بعض السمن شدة الزحام والصياح ولا يبيع بأزيد من خمسة انصاف وهي اوقية اثنا عشر درهما! بما فيها من الخلط واعوان المحتسب مرصدون لمن يرد من الفلاحين والمسافرين بالسمن فيحجزونه لمطالب الدولة ومطابخهم ودورهم في هذه الولائم والجمعيات ويدفع لهم ثمنه على موجب التسعيرة ثم يوزع ما يوزعه وهو الشيء القليل على المتسببين وهم يبيعونه على هذه الحالة ومثل ذلك الشيرج وخلافه حتى الجبن القريش.
وفيه وصل عبد الله الوهابي فذهبوا به إلى بيت إسمعيل باشا بن الباشا فأقام يومه وذهبوا به في صبحها عند الباشا بشبرا فلما دخل عليه قام له وقابله بالبشاشة واجلسه بجانبه وحادثه وقال له: ما هذه المطاولة فقال: الحرب سجال قال: وكيف رايت إبراهيم باشا قال: ما قصر وبذل همته ونحن كذلك
حتى كان ما كان قدره المولى فقال: أنا إن شاء الله تعالى اترجى فيك عند مولانا السلطان فقال: المقدر يكون ثم البسه خلعة وانصرف عنه إلى بيت إسمعيل باشا ببولاق ونزل الباشا في ذلك اليوم السفينة وسافر إلى جهة دمياط وكان بصحبة الوهابي صندوق صغير من صفيح فقال له: الباشا ما هذا فقال: هذا ما أخذه ابي من الحجرة أصحبه معي إلى السلطان وفتحه فوجد به ثلاثة مصاحف قرانا مكلفة ونحو ثلثمائة حبة لؤلؤ كبار وحبة زمرد كبيرة وبها شريط ذهب فقال له: الباشا الذي أخذه من الحجرة أشياء كثيرة غير هذا فقال: هذا الذي وجدته عند ابي فإنه لم يستاصل كل ما كان في الحجرة لنفسه بل أخذ كذلك كبار العرب وأهل المدينة واغوات الحرم وشريف مكة فقال الباشا: صحيح وجدنا عند الشريف أشياء من ذلك.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره سافر عبد الله بن مسعود إلى جهة الاسكندرية وصحبته جماعة من الططر إلى دار السلطنة ومعه خدم لزومه.
واستهل شهر صفر بيوم الإثنين سنة 1234
وفيه ثالثه وصل طائفة من الحجاج المغاربة يوم الأربعاء وصحبتهم حجاج كثيرة من الصعائدة وأهل القرى فدخلوا على حين غفلة وكان الرئيس فيهم شخص من كبار عرب أولاد علي يسمى الحبالي وهذا لم يتفق نظيره فيما وعيناه وسببه امن الطريق وانكماش العربان وقطاع الطرق.
وفيه أخبر المخبرون بأن الباشا أقام بدمياط أياما قليلة ثم توجه إلى البرلس ويزل في نقيرة وذهب إلى الاسكندرية على ظهر البحر المالح وقد استعد أهلها لقدومه وزينوا البلد والذي تولى الاعتناء بذلك طائفة الفرنج فانهم نصبوا طريقا من باب البلد إلى القصر الذي هو سكن الباشا وجعلوا بناحيتيه يمنى ويسرى أنواع الزينة والتماثيل والتصاوير والبلور والزجاج والمرايات وغير ذلك من البدع البديعة الغريبة.
وفي غايته وصل الحاج المصري ودخلوا ارسالا شيئا فشيئا ومنهم من دخل ليلا وخصوصا ليلة الإثنين وفي صبحه دخل حسن باشا ارنؤد الذي كان
مقيما بجدة وفي ذلك اليوم دخل بواقي الحجاج إلى منازلهم.
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الثلاثاء سنة 1234
في صبحه دخلوا بالمحل المدينة وأكثر الناس لم يشعر بدخوله وهذا لم يتفق فيما نعلم تاخر الحاج إلى شهر ربيع الاول.
وفي ليلة الثلاثاء ثامنه احترق سوق الشرم والجملون والكائن اسفل جامع الغورية بما فيه من الحوانيت وبضائع التجار والاقمشة الهندية وخلافها فظهرت به النار من بعد العشاء الاخيرة فحضر الوالي واغات التبديل فوجدوا الباب الذي من جهة الغورية مغلقا من داخل وكذلك الباب الذي من الجهة الأخرى وهما في غاية المتانة فلم يزالوا يعالجون فتح الباب بالعتالات والكسر إلى بعد نصف الليل والنار عمالة من داخل وهرب الخفير واحترق ليوان الجامع البراني والدهليز وأخذوا في الهدم وصب المياه بآلات القصارين مع صعوبة العمل بسبب علو الحيطان الشاهقة والاخشاب العظيمة والاحجار الهائلة والعقود فلم يخمد لهب النار إلا بعد حصة من النهار وسرحت النار في اخشاب الجامع التي بداخل البناء ولم يزل الدخان صاعدا منها وسقط الشبابيك النحاس العظام وبقيت مفتتة ومكلسة واستمر العلاج في اطفاء الدخان ثلاثة أيام ولولا لطف المولى وتأخير فتح الباب لكونه مصفحا بالحديد فلم تعمل فيه النار فهو لم يكن كذلك لاحترق وسرحت النار إلى الحوانيت الملاصقة به وهي كلها اخشاب ويعلوها سقائف اخشاب كذلك ومن فوق الجميع السقيفة العظيمة الممتده على السوق من أوله إلى آخره وهي في غاية العلو والارتفاع وكلها اخشاب وحجنة وسهوم وبراطيم من اعلى ومن اسفل لحملها من الجهتين ومن ناحيتها الرباع والوكائل والدور وحيطان الجميع من الحجنة والاخشاب العتيقة التي تشتعل بأدنى حرارة فلو وصلت النار والعياذ بالله تعالى إلى هذه السقيفة لما امكن اطفاؤها بوجه وكان حريقا دوميا ولكن الله سلم.
وفي يوم السبت ثاني عشره حضر السيد عمر أفندي نقيب الاشراف سابقا وذلك أنه لما حصلت النصرة والمسرة للباشا فكتب إليه مكتوبا بالتهنئة وارسله مع حفيده السيد صالح إلى الاسكندرية فتلقاه بالبشاشة وطفق يسأله عن جده فيقول له: بخير ويدعوا لكم فقال له: هل في نفسه شيء أو حاجة نقضيها له فقال: لا يطلب غير طول البقاء لحضرتكم ثم انصرف إلى المكان الذي نزل به فأرسل إليه في ثاني يوم عثمان السلانكي ليسأله ويستفسره عما عسى أن يستحى من مشافهة الباشا بدكره فلم يزل يلاطفه حتى قال: لم يكن في نفسه إلا الحج إلى بيت الله أن أذن له افندينا بذلك فلما عاد بالجواب نعم عليه بذلك واذن له بالذهاب إلى مصر وأن يقيم بداره إلى أوان الحج أن شاء برا وأن شاء بحرا وقال: أنا لا أتركه في الغربة هذه المدة إلا خوفا من الفتنة والآن لم يبق شيء من ذلك فإنه ابي وبين وبينه ما لا أنساه من المحبة والمعروف وكتب له جوابا بالإجابة وصورته بحروفه مظهر الشمائل سنيها حميد الشؤون وسميها سلالة بيت المجد الاكرم والدنا السيد عمر مكرم دام شانه أما بعد فقد ورد الكتاب اللطيف من الجناب الشريف تهنئة بما انعم الله علينا وفرحا بمواهب تأييده لدينا فكان ذلك مزيدا في السرور ومستديما لحمد الشكور ومجلبة لثناكم واعلانا بنيل مناكم جزيتم حسن الثناء مع كمال الوقار ونيل المنى هذا وقد بلغنا نجلكم عن طلبكم الاذن بالحج إلى البيت الحرام وزيارة روضته عليه الصلاة والسلام للرغبة في ذلك والترجي لما هنالك وقد اذناكم في هذا المرام تقربا لذي الجلال والاكرام ورجاء لدعواتكم بتلك المشاعر العظام فلا تدعوا الابتهال ولا الدعاء لنا بالقال والحال كما هو الظن في الطاهرين والمامول من الاصفياء المقبولين والواصل لك جواب منا خطابا إلى كتخدائنا ولكم الاجلال والاحترام مع جزيل الثناء والسلام وأرسل إليه المكتوبين صحبة حفيده السيد صالح وأرسل إلى كتخدا بك كتابا وصل إليه قبل قدومه فأرسل الكتخدا ترجمانه إلى منزله ليبشرهم بذلك واشيع خبر
مقدمة فكان الناس بين مصدق ومكذب حتى وصل في اليوم المذكور إلى بولاق فركب من هناك وتوجه إلى زيارة الإمام الشافعي وطلع إلى القلعة وقابل الكتخدا وسلم عليه وهنئه الشعراء بقصائدهم واعطاهم الجوائز واستمر ازدحام الناس أيام ثم امتنع عن الجلوس في المجلس العام نهارا واعتكف بحجرته الخاصة فلا يجتمع به إلا بعض من يريده من الافراد فانكف الكثير عن الترداد وذلك من حسن الرأي.
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة 1234
فيه حصل الاهتمام بحفر الترعة المعروفة بالاشرفية الموصلة إلى الاسكندرية وقد تقدم في العام الماضي بل والذي قبله اهتمام الباشا ونزل إليها المهندسون ووزنوا ارضها وقاسوا طولها وعرضها وعمقها المطلوب ثم اهمل أمرها لقرب مجيء النيل وتركوا الشغل في بمدئها ولم يترك الشغل في منتهاها عند الاسكندرية بالقرب من عامود السواري فحفورا هناك منبتها وهي بركة متسعة وحوطوها بالبناء المحكم المتين وهي مرسى المراكب التي تعبر منها إلى الاسكندرية بدلا عن البعاز وهو ملتقى البحرين وما يقع فيه من تلف المراكب فتكون هذه اسلم واقرب واقل كلفة أن صحت بل واقرب مسافة ونزل الأمر لكشاف الاقاليم بجمع الفلاحين والرجال على حساب مزارع القدادين فيحصون رجال القرية المزارعين ويدفعون للشخص الواحد عشرة ريالات ويخصم له مثلها من المال وإذا كان له شريك واحب المقام لأجل الزرع الصيفي اعطاه حصته وزاده عليها حتى يرضي خاطره وزوده بما يحتاج إليه أيضا وعند العمل يدفع لكل شخص قرش في كل يوم ويخرج أهل القرية أفواجا ومعهم انفار من مشايخ البلاد ويجتمعون في المكان المأمورين باجتماعهم فيه ثم يسيرون مع الكاشف الذي بالناحية ومعهم طبول وزمور وبيارق ونجارون وبناؤن وحدادون وفرضوا على البلاد التي فيه النخيل غلقانا ومقاطف وعراجين وسلبا وعلى البنادر فؤسا ومساحي شيء كثير بالثمن وطلبوا أيضا طائفة الغواصين لأنهم كانوا
إذا تسفلوا في قطع الأرض في بعض المواضع منها ينبع الماء قبل الوصول إلى الحد المطلوب.
وفي يوم الخميس عشرينه ورد مرسوم من الباشا بعزل كتخدا بك عن منصب الكتخدائية وتولية محمود بك فيها عوضا عنه وحضر محمود بك في ذلك اليوم قادما من الاسكندرية وطلع إلى القلعة وحضر أيضا حسن باشا وكان قد ذهب إلى الاسكندرية ليسلم على الباشا لكونه كان بالديار الحجازية المدة المديدة وحضر إلى مصر والباشا بالإسكندرية فتوجه إليه وأقام معه أياما وعاد إلى مصر صحبة محمود بك وحضرأيضا إبراهيم أفندي من إسلامبول وهو ديوان أفندي الباشا فتقلد في نظر الاطيان والرزق والالتزام عوضا عن محمود بك.
واستهل شهر جمادي الأولى سنة 1234
في سابعه يوم الخميس ضربت مدافع كثيرة وقت الشروق بسبب ورود نجابة من الديار الحجازية باستيلاء خليل باشا على يمن الحجاز صالحا.
وفيه وصلت الأخبار أيضا عن عبد الله بن مسعود أنه لما وصل إلى إسلامبول طافوا به البلدة وقتلوه عند باب همايون وقتلوا اتباعه أيضا في نواح متفرقة فذهبوا مع الشهداء.
وفيه اشيع وصول قابجي كبير من طرف الدولة يقال له: قهوجي باشا إلى الاسكندرية وورد الأمر بالاستعداد لحضوره مع الباشا فطلعوا بالمطابخ إلى ناحية شبرا وطلبت الخيول من الربيع واستمر خروج العساكر ودخولهم وكذلك طبخ الاطعمة وفي كل يوم يشيعون الورود فلم يأت أحد ثم ذكروا أن ذلك القابجي حين قرب من الاسكندرية رده الريح إلى رودس واستمر هذا الريح إلى آخر الشهر.
وفيه قوي الاهتمام بأمر حفر الترعة المتقدم ذكرها وسبقت الرجال والفلاحون من الاقاليم البحرية وجدوا في العمل بعدما حددوا لكل أهل إقليم اقصابا توزع على أهل كل بلد من ذلك الإقليم فمن اتم عمله المحدود
انتقل إلى مساعدة الآخرين وظهر في حفر بعض الأماكن منها صورة أماكن ومساكن وقيعان وحمام بعقوده واحواضه ومغاطسه ووجد ظروف بداخلها فلوس نحاس كفرية قديمة وأخرى لم تفتح لا يعلم مافيها رفعوها للباشا مع تلك.
وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه حضر الباشا إلى شبرا ووصل في أثره قهوجي باشا وعملوا له موكبا في صبيحة يوم الخميس وطلعوا إلى القلعة ومع الاغا المذكور ما أحضره برسم الباشا وولده إبراهيم باشا الذي بالحجاز وهو خلعتا سمور لكل واحد خلعة وخنجر مجوهر لكل واحد وشلنجان مجوهران وساعة جوهر وغير ذلك وقريء الفرمان بحضرة الجمع وفيه الثناء الكثير على الباشا والعفو عمن بقي من الوهابية وبعد القراءة ضربت مدافع كثيرة وكذلك عند ورودهم واستمر ضرب المدافع ثلاثة أيام في جميع الأوقات الخمس ونزل القابجي المذكور ببيت طاهر باشا ب الأزبكية وحضر أيضا عقبه أطواخ لكل من عباس بك بن طوسون باشا بن الباشا ولأحمد بك ابن طاهر باشا وفي ضمن الفرمان الاذن للباشا بتولية امريات وقبجيات لمن يختار.
وفي صبحها يوم الجمعة خلع الباشا على أربعة أو خمسة من أمرائه بقبجيات باشا وهم علي بك السلانكلي قابجي باشا وحسن اغا ازرجانلي كذلك وخليل أفندي حاكم رشيد وشريف بك.
واستهل شهر جمادي الثانية سنة 1234
وفيه حضر محمد بك الدفتردار من الجهة القبلية فأقام أياما وعاد إلى قبلي وفي أواخره رجع الكثير من فلاحين الاقاليم إلى بلادهم من الاشرفية وهم الذين اتموا ما لزمهم من العمل والحفر ومات الكثير من الفلاحين من البرد ومقاساة التعب.
وفي هذا الشهر حصل بعض موت بالطاعون فداخل الناس وهم يسبب ما حدث في أكابر الدولة والنصارى من التحجب وعمل الكورنتينات وهي
التباعد من الملامسة وتبخير الأوراق والمجالس ونحو ذلك.
واستهل شهر رجب بيوم الإثنين سنة 1234
في خامسه مات عبود النصراني كاتب الخزينة وكان مشكور السيرة في صناعته وعنده مشاركة ودعوى عريضة ودعوى علم ويتكلم بالمناسبات والآيات القرآنية ويضمن انشاءاته ومراسلاته آيات وأمثالا وسجعات وأخذ دار القيسرلي بدرب الجنينة وما حولها وانشأها دارا عظيمة وزخرفها وجعل بها بستانا ومجالس مفروشة بالرخام الملون وفساقي وشاذروانات وزجاج بلور وكل ذلك على طرف الميري وله مرتب واسع وكان الباشا يحبه ويثق به ويقول: لولا الملامة لقلدته الدفتردارية.
وفي سابعه حضر إلى مصر حاكم يافا المعروف بمحمد بك ابو نبوت معزولا عن ولايته فأرسل إلى الباشا يستأذنه في الحضور إلى مصر فاطلق له الاذن فحضر فانزله بقصر العيني وصحبته نحو الخمسمائة مملوك وأجناد واتباع واجتمع بالباشا واجله وسلم عليه وأقام معه حصة من الليل ورتب له مرتبا عظيما وعين له ما يقوم بكفايته وكفاية اتباعه فمن جملة ما رتب له ثلاثة الاف تذكرة كل تذكرة بالفين وستمائة نصف فضة في كل شهر وذلك خلاف المعين واللوازم من السمن والخبز والسكر والعسل والحطب والأرز والفحم والشمع والصابون فمن الأرز خاصة في كل يوم اردبان وللعليق خمسة وعشرون اردبا في كل يوم.
وفي يوم السبت ثالث عشره سافر قهوجي باشا عائدا إلى إسلامبول واحتفل به الباشا احتفالا زائدا وقدم له ولمخدومه وأرباب الدولة من الأموال والهدايا والخيول والبن والأرز والسكر والشربات وتعابي الاقمشة الهندية وغيرها شيئا كثيرا وكذلك قدم له أكابر الدولة هدايا كثيرة ولأنه لما حضر إلى مصر قدم لهم هدايا فقابلوه بأضعافها وعندما سافر احتجب الباشا وأمر كل من كان يلازم ديوانه بالانصراف والتحجب فتكرتن منهم من تكرتن في داره ومنهم في القصور وسافر مع قهوجي باشا
سليمان اغا السلحدار وشربتشي باشا وآخرون لتشييعه إلى الاسكندرية.
وفي يوم الخميس ثامن عشره حضر بواقي الوهابية بحريمهم وأولادهم وهم نحو الأربعمائة نسمة واسكنوا بالقشلة التي بالابكية وابن عبد الله ابن مسعود بدر عند جامع مسكة وخواصه من غير حرج عليهم وطفقوا يذهبون ويجيئون ويترددون على المشايخ وغيرهم ويمشون في الأسواق ويشترون البضائع والاحتياجات.
واستهل شهر شعبان سنة 1234
وفيه وصل جماعة هجانة من جهة الحجاز وصحبتهم ابن حمود أمير يمن الحجاز وذلك أنه لما مات ابوه تامر عوضه واظهر الطاعة وعدم المخالفة للدولة فلما توجه خليل باشا إلى اليمن اخلى له البلاد واعتزل في حصن له ولم يخرج لدفعه ومحاربته كما فعل ابوه وترددت بينهما المراسلات والمخادعات حتى نزل من حصنه وحضر عند خليل باشا فقبض عليه وارسله مع الهجانة إلى مصر وفيه صرفوا الفلاحين عن العمل في الترعة لأجل حصاد الزرع ووجهوا عليهم طلب المال.
واستهل شهر رمضان سنة 1234
والباشا مكرتن بشبرا ولم يطلع إلى القلعة كعادته في شهر رمضان.
وفي ثامن عشرينه طلع إلى القلعة وعيد بها.
واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة 1234
وفي رابع عشره الموافق لآخر يوم من شهر ابيب نودي بوفاء النيل وكان الباشا سافر إلى جهة الاسكندرية بسبب ترعة الاشرفية وأمر حكام الجهات بالارياف بجمع الفلاحين للعمل فأخذوا في جمعهم فكانوا يربطونهم قطارات بالحبال وينزلون بهم المراكب وتعطلوا عن زرع الدراوي الذي هو قوتهم وقاسوا شدة بعد رجوعهم من المرة الأولى بعد ما قاسوا ما قاسوه ومات الكثير منهم من البرد والتعب وكل من سقط اهالوا عليه.
من تراب الحفر ولو فيه الروح ولما رجعوا إلى بلادهم للحصيدة طولبوا بالمال وزيد عليهم عن كل فدان حمل بعير من التبن وكيله قمع! وكيلة فول وأخذ ما يبيعونه من الغلة بالثمن الدون والكيل الوافر فما هم إلا والطلب للعود إلى الشغل في الترعة ونزح المياه التي لا ينقطع نبعها من الأرض وهي في غاية الملوحة والمرة الأولى كانت في شدة البرد وهذه المرة في شدة الحر وقلة المياه العذبة فينقلونها بالروايا على الجمال مع بعد المسافة وتأخر ري الاسكندرية.
وفي سابع عشرينه ارتحل ركب الحجاج من البركة واميرالحاج وأمير الحاج عابدين بك اخو حسن باشا.
واستهل شهر ذي القعدة سنة 1234
والعمل في الترعة مستنر.
واستهل شهر ذي الحجة سنة 1234
وفي منتصفه سافر الباشا إلى الصعيد وسافر صحبته حسن باشا طاهر ومحمد اغا لاظ المنفصل عن الكتخدائية وحسن اغا ازرجانلي وغيرهم من أعيان الدولة.
وفيه وصل الخبر بموت سليمان باشا حاكم عكا وهو من مماليك أحمد باشا الجزار.
وفي أواخره وصل ابن إبراهيم باشا وصحبته حريم أبيه فضربوا لوصولهم مدافع وعملوا للصغير موكبا ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة.
وانقضت السنة وما تجدد بها من الحوادث التي منها زيادة النيل الزيادة المفرطهةأكثر من العام الماضي وهذا من النوادر وهو الغرق في عامين متتابعين واستمر أيضا في هذه السنة إلى منتصف هاتور حتى فات أوان الزراعة وربما نقص قليلا ثم يرجع في ثاني يوم أكثر ما نقص.