الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودخلت
سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف
فكان أول المحرم بالهلال يوم الخميس فيه وما قبله بايام حصل بالارياف بل وبداخل المدينة انزعاجات بسبب تواتر سرقات واشاعة سروح مناسر وحرامية وعمر الناس أبواب الدور والدروب وحصل منع الناس من المسير والمشي بالازقة من بعد الغروب وصار كتخدا بك واغات التبديل والوالي يطوفون ليلا بالمدينة وكل من صادفوه قبضوا عليه وحبسوه ولو كان مما لا شبهة فيه واستمر هذا الحال إلى آخر الشهر.
وفي سابع عشرينه حضر الباشا من الصعيد بعد أن وصل في سرحته إلى الشلال وكان الناس تقولوا على ذهابه إلى قبلي اقاويل منها أنه يريد التجريد على بواقي المصريين المنقطعين بدنقلة فانهم استفحل امرهم واستكثروا من شراء العبيد وصنعوا البارود والمدافع وغير ذلك ومنها أنه يريد التجريد أيضا وأخذ بلاد دار فور والنوبة ويمهد طريق الوصول إليها ومنها أنهم قالوا: إنه ظهر بتلك البلاد معدن الذهب والفضة والرصاص والزمرد وأن ذهابه للكشف على ذلك وامتحانه وعمل معدله ومقدار ما يصرف عليه حتى يستخرج صافيه وبطل كل ما توهموه وخمنوه برجوعه وأما قولهم عن هذه المعادن فالذي تلخص من ذلك أنه ظهر بأرض احجار خضر تشبه الزمرد وليست اياه وبما كان آخر شيء أسود مخرفش مثل خرء الحديد يخرج منه بعد العلاج والتصفية رصاص قليل فقد أخبرني اخونا الشيخ عمر الناوي المعروف بالمخلصي أنه أخذ منه قطعة وذهب بها إلى الصائغ ودقها ووضعها في بوط كبير وساق عليها بنار السبك وانكسر البوط فنقلها إلى بوط آخر ولم يزل يعالجها بطول النهار واحرق عليها زيادة عن القنطار من الفحم.
وفيه حضر أيضا جماعة من الوهابية وانزلوا بدار بحارة عابدين.
واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة 1235
في غرته سافر محمد اغا المعروف بأبو نبوت الشامي إلى دار السلطنة
باستدعاء من الدولة وذلك أنه لما حضر إلى مصر ونزل برحاب الباشا كما تقدم وكاتب الباشا في شأنه إلى الدولة فحضر الأمر بطلبه واوكد بالإكرام فعند ذلك هيأ له الباشا ما يحتاج إليه من هدية وغيرها وتعين للسفر صحبته خمسة وثلاثون شخصا أرسل إليهم الباشا كساوي وفراوي وترك باقي اتباعه بمصر انزلوهم في دار بسويقة اللالا وهم يزيدون عن المائتين ويصرف لهم الرواتب في كل يوم والشهرية.
وفيه وصل جماعة من عسكر المغاربة والعرب الذين كانوا ببلاد الحجاز وصحبتهم أسرى من الوهابية نساء وبنات وغلمانا نزلوا عندالهمايل وطفقوا يبيعونهم على من يشتريهم مع أنهم مسلمون واحرار.
وفي منتصفه مات مصطفى اغا وكيل دار السعادة سابقا ومات أيضا الشيخ عبد الرحن القرشي الحنفي.
وفي سابع عشره وصل الحاج المصري ومات الكثير من الناس فيه بالحمى وكذلك كثرت الحمى بأرض مصر وكأنها تناقلت من أرض الحجاز.
وفي حادي عشرينه وصل إبراهيم باشا ابن الباشا من ناحية القصير وكان قبل وروده بأيام وصل خبر وصوله إلى القصير وضربوا لذلك الخبر مدافع من القلعة وغيرها ورمحت المبشرون لأخذ البقاشيش من الأعيان واجتمعت نساء أكابرهم عند والدته ونسائهم للتهنئة ونظموا له القصر الذي كان انشأه ولي خوجة وتممه شريف بك الذي تولى في منصبه وهو بالروضة بشاطئ النيل تجاه الجيزة وعند وصول المذكور عملوا جسرا من الروضة إلى ساحل مصر القديمة على مراكب من البر إلى البر وردموه بالاتربه من فوق الاخشاب.
وفي ذلك اليوم وصل قابجي من دار السلطنة بالبشارة بمولود ولد لحضرة السلطان وطلع إلى القلعة في موكب.
وفي يوم الخميس حادي عشرينه وعند وصول إبراهيم باشا نودي بزينة المدينة سبعة أيام بلياليها فشرع الناس في تزيين الحوانيت والدور والخانات
بما امكنهم وقدروا عليه من الملونات والمقصبات وأما جهات النصارى وحاراتهم وخاناتهم فانهم ابدعوا في عمل تصاوير مجسمات وتماثيل وأشكال غريبة وشكا الناس من عدم وجود الزيت والشيرج فرسموا بجملة قناطير شيرج تعطى للزياتين لتباع على الناس بقصد ذلك ويأخذونها ويبيعونها بأغلى ثمن بعد الانكار والكتمان.
ولما أصبح يوم الجمعة وقد عدى إبراهيم باشا إلى بر مصر رتبوا له موكبا ودخل من باب النصر وشق المدينة وعلى رأسه الطلخان السليمي من شعار الوزارة وقد ارخى لحيته بالحجاز وحضر والده إلى جامع الغورية بقصد الفرجة على موكب ابنه وطلع بالموكب إلى القلعة ثم رجع سائرا بالهيئة الكاملة إلى جهة مصر القديمة ومر على الجسر وذهب إلى قصره المذكور بالروضة واستمرت الزينة والوقود والسهر باليل وعمل الحراقات وضرب المدافع في كل وقت من القلعة ومغاني وملاعب في مجامع الناس سبعة أيام بلياليها في مصر الجديدة والقديمة وبولاق وجميع الاخطاط ورجع إبراهيم باشا من هذه الغيبة متعاظما في نفسه جدا وداخله من الغرور ما لا مزيد عليه حتى أن المشايخ لما ذهبوا للسلام عليه والتهنئة بالقدوم فلما اقبلوا عليه وهو جالس في ديوانه لم يقم لهم ولم يرد عليهم السلام فجلسوا وجعلوا يهنئونه بالسلامة فلم يجبهم ولا بالاشارة بل جعل يحادث شخصا سخرية عنده وقاموا على مثل ذلك منصرفين ومنكسفين ومنكسري الخاطر.
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأحد سنة 1235
في ثامنه مات ابن إبراهيم باشا وهو الذي تقدمه في المجيء إلى مصر وعملوا له الموكب وعمره نحو ست سنوات وكان موته في أول الليل من ليلة الأحد فأرسلوا التنابيه لأعيان الدولة والمشايخ فخرج البعض منهم في ثلث الليل الاخير إلى مصر القديمة حيث المعادي لأنه مات بقصر الجيزة فما طلع النهار حتى ازدحموا بمصر القديمة وما حضروا به إلا قرب الزوال
وانجروا بالمشهد إلى دفنهم بالقرب من الإمام الشافعي وعملوا له مأتما وفرقوا دراهم على الناس والفقهاء وغير ذلك ثم حكى المخبرون عن كيفية موته أنه كان نائما في حجر دادته جارية سوداء فشاجرتها جارية بيضاء ورفصتها برجلها فأصابت الغلام فاضطرب ووصل الخبر إلى أبيه فدخل إليهم وقبض على الجواري الحاضرات وحبسهن في مكان بالقصر وقال: إن مات ولدي قتلتكن عن اخركن فمات من ليلته فحنق الجميع والقاهن في البحر بما فيهن الدادة قيل أنهن وخمسة قيل ستة والله اعلم.
وفي أواخره انقضى أمر الحفر بترعة الاسكندرية ولم يبق من الشغل إلا القليل ثم فتحوا لها شرما خلاف فمها المعمول خوفا من غلبة البحر فجرى فيها الماء واختلط بالمياه المالحة التي نبعت من ارضها وعلا الماء منها على بعض المواطن المسجنة وبها روبة عظيمة وساح على الأرض وليس هناك جسور تمنع وصادف أيضا وقوع نوة واهوية على فيها البحر المالح على الجسر الكبير ووصل إلى الترعة فأشيع في الناس أن الترعة فسد أمرها ولم تصح وأن المياه المالحة التي منها ومن البحر غرقت الاسكندرية وخرج أهلها منها إلى أن تحقق الخبر بالواقع وهو دون ذلك ورجع المهندسون والفلاحون إلى بلادهم بعد ما هلك معظمهم.
واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1235
في أوله عزل الباشا محمد بك الدفتردار عن إمارة الصعيد وقلد عوضه أحمد باشا ابن طاهر باشا وسافر في خامسه.
وفي سابعه سافر الباشا إلى الاسكندرية للكشف على الترعة وسافر صحبته ابنه إبراهيم باشا ومحمد بك الدفتردار والكتخدا القديم ودبوس اوغلي.
وفي ثالث عشره حضر الباشا ومن معه من غيبتهم وقد انشرح خاطره لتمام الترعة وسلوك المراكب وسفرها فيها وكذلك سافرت فيها مراكب وشيد والنقاير بالبضائع واستراحوا من وعر البغاز والسفر في المالح إلى
الاسكندرية والنقل والتجريم وانتظار الريح المناسب لاقتحام البغاز والبحر الكبير ولم يبق في شغل الترعة إلا الأمر اليسير واصلاح بعض جسورها واتفق وقوع حادثة في هذا الشهر وهو أن شخصا من الافرنج الانكليز ورد من الاسكندرية وطلع إلى بلدة تسمى كفر حشاد فمشى بالغيط ليصطاد الطير فضرب طيرا ببندقته فأصابت بعض الفلاحين في رجله وصادف هناك شخصا من الارنؤد بيده هراوة أو مسوقة فجاء إلى ذلك الافرنجي وقال له: أما تخشى أن يأتي إليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا واشار بهما في يده على رأس الافرنجي لكونه لا يفهم لغته فاغتاظ من ذلك الافرنجي وضربه ببندقته فسقط ميتا فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الافرنجي ورفعوا الارنؤدي المقتول حضروا إلى مصر وطالبوا بمجلس كتخدا بك واجتمع الكثير من الارنؤد وقالوا: لا بد من قتل الافرنجي فاستعظم الكتخدا ذلك لأنهم يراعون جانب الافرنج إلى الغاية فقال: حتى نرسل لى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم في ذلك وأرسل بإحضارهم وقد تكاثر الارنؤد وأخذتهم الحمية وقالوا: لأي شئ تؤخر قتله إلى مشورة القناصل وأن لم يقتل هذا في الوقت نزلنا إلى حارة الافرج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الافرنج فلم يسع الكتخدا إلا أن أمر بقتله فنزلوا به إلى الرميلة وقطعوا رأسه وطلع أيضا القناصل في كبكبتهم وقد نفذ الأمر وكان ذلك في غيبة الباشا.
واستهل شهر جمادي الأولى سنة 1235
فيه جرد الباشا حسن بك الشماشرجي حاكم البحيرة على سيوة من الجهة القبلية فتوجه إليها من البحيرة بجنده ومعه طائفة من العرب.
وفيه قوي عزم الباشا على الاغارة على نواحي السودان فمن قائل أنه متوجه إلى سنار ومن قائل إلى دار فور وساري العسكر ابنه إسمعيل باشا وخلافه ووجه الكثير من اللوازم إلى الجهة القبلية وعمل البقسماط والذخيرة ببلاد قبلي والشرقية واهتم اهتماما عظيما وأرسل أيضا بإحضار
مشايخ العربان والقبائل.
فيه خرج الباشا إلى ناحية القليوبية حيث الخيول بالربيع وخرج محو بك لضيافته بقلقشندة واخرج خياما وجمالا كثيرة محملة بالفرش والنحاس والات المطبخ والأرز والسمن والعسل والزيت والحطب والسكر وغير ذلك واضافه ثلاثة أيام وكذلك تأمر كاشف الناحية وغيره وكذلك أحضر له ضيافة ابن شديد شيخ الحويطات وابن الشواربي كبير قليوب وابن عسر وكان صحبة الباشا ولداه إبراهيم باشا وإسمعيل باشا وحسن باشا.
وفي اثناء ذلك ورد الخبر بموت عابدين بك اخو حسن باشا بالديار الحجازية وكذلك الكثير من اتباعه بالحمى فتكدر حظهم وبطلت الضيافات وحضر الباشا ومن معه في أواخره لعمل العزاء والميتم وأخبر الواردون بكثرة الحمى بالديار الحجازية حتى قالوا: إنه لمب يبق من طائفة عابدين بك إلا القليل جدا.
واستهل شهر جمادي الثانية سنة 1235
في عشرينه وردت هدية من والي الشام فيها من الخيول الخاص عشرة بعضها ملبس والباقي من غير سروج وأشياء آخر لا نعلمها.
وفي أواخره ورد الخبر بان حسن بك الشمشارجي استولى على سيوة.
وفيه ورد الخبر بأنه وقع بإسلامبول حريق كثير.
وفيه ورد الخبر أيضا عن حلب بأن أحمد باشا المعروف بخورشيد الذي كان سابقا والي مصر استولى على حلب وقتل من أهلها وأعيانها اناسا كثيرة وذلك أنه كان متوليا عليها فحصل منه ما اوجب قيام أهل البلدة عليه وعزلوه واخرجوه وذلك من مدة سابقة فلما اخرجوه أقام خارجها وكاتب الدولة في شأنهم وقال ما قال في حقهم فبعثوا أوامر ومراسيم لولاة تلك النواحي بأن يتوجهوا لمعونته على أهل حلب فاحتاطوا بالبلدة وحاربوها اشهرا حتى ملكوها وفتكوا في أهلها وضربوا عليهم ضرائب عظيمة وهم على ذلك
وفي أواخره أيضا تقلد اغاوية مستحفظان مصطفى اغا كرد مضافة للحسبة عوضا عن حسن اغا الذي توفي في الحج فأخذ يعسف كعادته في مبادئ توليته للحسبة وجعل يطوف ليلا ونهارا ويحتج على المارين بالليل بأدنى سبب فيضرب من يصادفه راجعا من سهر ونحوه أو يقطع من اذنه أو انفه.
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1235
في ثالثه تقلد نظر الحسبة شخص يسمى حسين اغا المورلي وهو بخشونجي بساتين الباشا.
وفيه رجع حسن بك الشماشرجي من ناحية سيوة بعد أن استولى عليها وقبض من أهاليها مبلغا من المال والتمر وقرر عليها قدرا يقومون به في كل عام إلى الخزينة.
وفي عشرينه سافر محمد اغا لاظ وهو المنفصل عن الكتخدائية إلى قبلي بمعنى أنه في مقدمة الجردة يتقدمها إلى الشلال.
وفي أواخره وصل الخبر بموت خليل باشا بالديار الحجازية فخلع الباشا على أخيه أحمد بك وهو ثالث اخوته وهو اوسطهم وقلده في منصب أخيه عوضا عنه واعطى البيرق واللوازم.
وفي أواخره توجه الباشا إلى ناحية الوادي لينظر ما تجدد به من العمائر والمزارع والسواقي وقد صار هذا الوادي إقليما على حدته وعمر به قرى ومساكن ومزارع.
واستهل شهر شعبان بيوم الأحد سنة 1235
فيه سافر إبراهيم باشا إلى القليوبية ثم إلى المنوفية والغربية لقبض الخراج عن سنة تاريخه والطلب بالبواقي التي انكسرت على الفقراء وكان الباشا سامح في ذلك وتلك بواقي سبع سنين فكان يطلب مجموع ما على القرية من المال والبواقي في ظرف ثلاثة أيام ففزعت الفلاحون ومشايخ البلاد وتركوا غلالهم في الاجران وطفشوا في النواحي بنسائهم وأولادهم وكان يحبس من يجده من النساء ويضربهن فكان مجموع المال المطلوب
تحصيله على ما أخبرني به بعض الكتاب مائة ألف كيس.
وفي منتصفه حضر الباشا من ناحية الوادي.
وفي أواخره وقع حريق ببولاق في مغالق الخشب التي خلف جامع مرزة وأقام الحريق نحو يومين حتى طفئ واحترق فيه الكثير من الخشب المعد للعمائر المعروف بالكرسنة والزفت وحطب الاشراق وغيره.
واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين سنة 1235
والاهتمام حاصل وكل قليل يخرج عساكر ومغاربة مسافرين إلى بلاد السودان ومن جملة الطلب ثلاثة انفار من طلبة العلم يذهبون بصحبة التجريدة فوقع الاختيار على محمد أفندي الاسيوطي قاضي اسيوط والسيد أحمد البقلي الشافعيين والشيخ أحمد السلاوي المغربي المالكي واقبضوا محمد أفندي المذكور عشرين كيسا وكسوة ولكل واحد من الإثنين خسمة عشر كيسا وكسوة ورتبوا لهم ذلك في كل سنة.
وفي سابعه وقع حريق في سراية القلعة فطلع الاغا والوالي واغات التبديل واهتموا بطفئ النار وطلبوا السقائين من كل ناحية حتى شح الماء ولا يكاد يوجد وكان ذلك في شدة الحر وتواقق شهر بؤتة ورمضان واقاموا في طفء النار يومين واحترق ناحية ديوان كتخدا بك ومجلس شريف بك وتلفت أشياء وامتعة ودفاتر حرقا ونهبا وذلك أن ابنية القلعة كانت من بناء الملوك المصرية بالاحجار والصخور والعقود وليس بها إلا القليل من الاخشاب فهدموا ذلك جميعه وبنوا مكانه الابنية الرقيقة وأكثرها من الحجنة والاخشاب على طريق بناء إسلامبول والافرنج وزخرفوها وطلوها بالبياض الرقيق والادهان والنقوش وكله سريع الاشتعال حتى أن الباشا لما بلغه هذا الحريق وكان مقيما بشبرا تذكر بناء القلعة القديم وما كان فيه من المتانة ويلوم على تغيير الوضع السابق ويقول: أنا كنت غائبا بالحجاز والمهندسون وضعوا هذا البناء وقد تلف في هذا الحريق ما ينيف عن خمسة وعشرين ألف كيس حرقا ونهبا ولما حصل هذا
الحريق انتقلت الدواوين إلى بيت طاهرباشا بالازبكية وانقضى شهر رمضان.
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1235
وقع في تلك الليلة اضطراب في ثبوت الهلال لكونه كان عسر الرؤية جدا وشهد اثنان برؤيته ورد الواحد ثم حضر آخر ولم يزالوا كذلك إلى آخر الليل ثم حكم به عند الفجر بعد أن صليت التراويح واوقدت المنارات وطاف المسحرون بطبلاتهم وتسحرت الناس وأصبح العيد باردا.
وفي خامسه سافر الباشا إلى ثغر الأسكندرية كعادته وأقام ولداه إبراهيم باشا للنظر في الاحكام والشكاوي والدعاوي وكانت اقامته بقصره الذي انشأه بشاطئ النيل تجاه مضرب النشاب وتعاظم في نفسه جدا ولما رجع إبراهيم باشا من سرحته شرعوا في عمل مهم لختان عباس باشا ابن أخيه طوسون باشا وهو غلام في السادسة فشرعوا في ذلك في تاسع عشرة ونصبوا خياما كثيرة تحت القصر وحضرت أرباب الملاعيب والحواة والمفزلكون والبهلوانيون وطبخت الاطعمة والحلواء والاسمطة واوقدت الوقدات بالليل من المشاعل والقناديل والشموع بداخل القصر وتعاليق النجفات البلور وغير ذلك ورسموا باحضار غلمان أولاد الفقراء فحضر الكثير منهم وأحضروا المزينين فختنوا في اثناء أيام الفرح نحو الأربعمائة غلام ويفرشون لكل غلام طراحة ولحافا يرقد عليها حتى يبرأ 2 جرحه ثم يعطى لكل غلام كسوة وألف نصف فضة وفي كل ليلة يعمل شنك وحراقات ونفوط ومدافع بطول الليل ودعوا في اثناء ذلك كبار الأشياخ والقاضي والشيخ السادات والبكري وهو نقيب الاشراف أيضا والمفاتي وصار كل من دخل منهم يجلسونه من سكوت ولم يقم لواحد منهم ولم يرد على من يسلم ولا بالاشارة السلام ولم يكلمهم بكلمة يؤانسهم بها وحضرت المائدة فتعاطوا الذي تعاطوه حتى انقضى المجلس وقاموا وانصرفوا من سكوت. وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه خرجوا بالمحمل إلى الحصوة وأمير
الحاج شخص من الدلاة لم نعرف اسمه.
وفي يوم الخميس عملوا الزفة لعباس باشا ونزلوا به من القلعة على الدرب الاحمر على باب الخرق إلى القصر وختنوه في ذلك اليوم وامتلا طشت المزين الذي ختنه بالدنانير من نقوط الأكابر والأعيان وخلعوا عليه فروة وشال كشميري وانعموا على باقي المزينين بثلاثين كيسا وانقضى ذلك.
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي أو في النيل اذرعة وكسر السد في صبحها يوم الأربعاء وجرى الماء في الخليج وذلك بحضرة كتخدا بك والقاضي.
وفي هذا الشهر حضر طائفة من بواقي الأمراء المصرية من دنقلة إلى بر الجيزة وهم نحو الخمسة وعشرين شخصا وملابسهم قمصان بيض لا غير فأقاموا في خيمة ينتظرون الاذن وقد تقدم منهم الإرسال بطلب الأمان عند ما بلغهم خروج التجاريد وحضر ابن علي بك ايوب وطلب أمانا لابيه فاجيبوا إلى ذلك وأرسل لهم أمانا لاجمعهم ما عدا عبد الرحمن بك والذي يقال له: المنفوخ فليس يعطيهما أمانا ولما حضرت مراسله الأمان لعلي بك ايوب وتأهب للرحيل حقدوا عليه وقتلوه ووصل خبر موته فعملوا نعيه في بيته سكن زوجته الكائن بشمس الدولة وأكثروا من الندب والصراخ عدة أيام.
وفي هذا الشهر أيضا حضر أشخاص من بلاد العجم وصحبتهم هدية إلى الباشا وفيها خيول فأنزلوهم ببيت حسين بك الشماشرجي بناحية ستوفة العزى.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الخميس سنة 1235
في رابعه يوم الأحد وصل قابجي وعلى يده مرسوم تقرير للباشا بولاية مصر على السنة الجديدة وتقرير آخر لولده إبراهيم باشا بولاية جدة وركب القابجي المذكور في موكب من بولاق إلى القلعة وقرئت المراسلين بحضرةكتخدا بك وإبراهيم باشا وأعيانهم وضربوا مدافع.
وفيه سافر إسمعيل باشا إلى جهة قبلي وهو أمير العسكر المعينة لبلاد النوبة كل ذلك والباشا الكبير على حاله بالاسكندرية.
واستهل شهر ذي الحجة سنة 1235
فيه توجه إبراهيم باشا إلى أبيه بالاسكندرية فأقام هناك أياما وعاد في آخر الشهر فأقام بمصر أياما قليلة وسافر إلى ناحية قبلي ليجمع ما يجده عند الناس من القمح والفول والعدس الثلاثة أصناف وأخذوا كل سفينة غصبا وساقوا الجميع إلى قبلي لحمل الغلال وجمعها في الشون البحرية لتباع على الافرنج والروم بالأثمان الغالية وانقضت السنة.
ومن حوادثها زيادة النيل الزيادة المفرطة وخصوصا بعد الصليب وقد كان حصل الاعتناء الزائد بأمر الجسور بسبب ما حصل في العامين السابقين من التلف فلما حصلت هذه الزيادةبعد الصليب وطف الماء على اعلى الجسور وغرق مزارع الذرة والنيلة والقصب والأرز والقطن واشجار البساتين وغالب اشجار الليمون والبرتقال بما عليها من الثمار وصار الماء ينبع من الأرض الممنوعة نبعا ولا عاصم من أمر الله وطال مكث الماء على الأرض حتى فات أوان الزراعة ولم نسمع ولم نر في خوالي السنتين تتابع الغرقات بل كان الغرق نادر الحصول وعلماء الخليج حتى سد غالب فرجات القناطر ونبع الماس من الأراضي الواطية القريبة من الخليج مثل غيط العدة وجامع الأمير حسين ونحو ذلك.
ومنها أن ترعة الاسكندرية المحدثة لما تم حفرها وسموها بالمحمودية على اسم السلطان محمود فتحوا لها شرما دون فمها المعد لذلك وامتلات بالماء فلما بدأت الزيادة فزادت وطف الماء في المواضع الوطية وغرقت الأراضي فسدوا ذلك الشرم وابقوا من داخله فيها عدة مراكب للمسافرين فكانوا ينقلون منها إلى مراكب البحر ومن البحر إلى مراكبها وبقي ماؤها مالحا متغيرا واستمر أهل الثغر في جهد من قلة الماء العذب وبلغ ثمن الراوية قرشين.
ومنها أنه لما وقع القياس في أراضى القرى قرروا مسموحا لمشايخ البلاد في ظنير مضايقهم خمسة افدنة من كل مائة فدان وفي هذا العام يدفع مال المسوح سنتين وذلك عقب مطالبتهم بإخراج قبل أوانه وما صدقوا أنهم غلقوه ببيع غلالهم بالنسيئة والاستدانة وبيع المواشي والامتعه ومصاغ النساء وكانوا أيضا طولبوا بالبواقي في السنين الخوالي التي كانوا عجزوا عنها ولم يزك رمي الغلال في هذه السنة وكذلك الفول وثمر النخيل والفواكهة ولما طولب مشايخ البلاد بمال المسوح ازداد كريهم فإنه ربما يجئ على الواحد ألف ريال واقل وأكثر وقد قاسوا الشدائد في غلاق الخراج الخارج عن الحد وعدم زكاء الزرع وغرق مزارع النيلة والأرز والقطن والقصب والكتان وغير ذلك.
وفي أثر ذلك فرضوا على الجواميس كل راس عشرون قرشا وعلى الجمل ستون قرشا وعلى الشاة قرش والرأس من المعز سبعة وعشرون نصف وثلث والبقرة خمسة عشر والفرس كذلك.
ومنها احتكار الصابون ويحجز جميع الوارد على ذمة الباشا ثم سمومح تجارة بشرط أن يكون جميع صابون الباشا ومرتباته ودائرته من غير ثمن وهو شئ كثير ويستقر ثمنه على ستين نصفا بعد أن كان بخمسين جردا من غير نقو.
ومنها ما أحدثه على البلح بأنواعه وما يجلب من الصعيد واليا الأبريمي وأنواع العجوة حتى جريد النخل والليف والخوص يؤخذ جميع ذلك بالثمن القليل ويباع ذلك للمتسببين بالثمن الزائد وعلى الناس بازيد من ذلك وفي هذه السنة لم تثمر النخيل الآم القليل جدا ولم يظهر البلح الأحمر في أيام وفرته ولم يوجد بالأسواق الآم أياما قليلة وهو شئ ردئ وبسر ليس بجيد ورطله بخمسة أنصاف وهي ثمن العشرة أرطال في السابق وكذلك العنب لم يظهر منه الآم القليل وهو الفيومي والشرقاوي وقد التزم به من يعصره شرابا بأكياس كثيرة مثل غيره من الأصناف وغير ذلك
جزئيات لم يصل ألينا علمها ومنها ما وصل ألينا علمها واهملنا ذكرها.
ومنها أن حسن باشا سافر آلي الجهة القبلية وصحبته بعض الإفرنج الذين كان رخص لهم الباشا السياحة والغوص بأراضي الصعيد والفحص وفحر الأراضي والكهوف والبرابي واستخراج الآثار القديمة والأمم السالفة من التماثيل والتصاوير ونواويس الموتى وقطع الصخور بالبارود واشعاوا أنه ظهر لهم شئ مخرفش يشبه خرء الرصاص أو الحديد وبه بعض بريق ذكروا أنه معدن إذا تصفى خرج منه فضة وذهب وأخبرني بعض من اثق بخبره أنه أخذ منه قطعة تزيد في الوزن على رطلين وذهب بها عند رجل صائغ فاوقد عليها نحو قنطار من الفحم بطول النهار فخرج منها في آخر الأمر وهو ينقلها من بوط آلي آخر بعد كسره قطعة مثل الرصاص قدر الأوقية وذكروا أيضا أن الجبل أحجارا سوداء مثل الفحم وذلك أنهم آتوا بمثل ذلك من بلاد الإفرنج واوقدها بالضربخانة كريهة الرائحة مثل الكبريت وإلا تصير رمادا بل تبقى على حجريتها مع تغير اللون ويحتاج آلي نقلها آلي الكيمان وقالوا: إن بداخل جبال الصعيد كذلك فسافر حسن باشا بقصد استخراج هذه الأشياء وأمثالها فأقام نحو ثلاثة اشهر وذلك بأمر الباشا الكبير وهم يكسرون الجبل بالبارود فظهر بالجبل بجس يسيل منه دهن أسود بزرقة ورائحته زنخة كبريتية يشبه النفط وليس هو وآتوا بشيء منه آلي مصر أوقدوا منه في السرج فملؤا منه سبعة مصافي وانقطع أشيع في الناس قبل تحقق صورته بل وصلت مكاتبات بأنه خرج من الجبل عين تسيل بالزيت الطيب ولا ينقطع جريانها يكفي مصر واقطاعها بل والدنيا أيضا وأخبرني بعض اتباعهم أن الذي صرف في هذه المرة نحو الألفي كيس.
ومن حوادث هذه السنة الخارجة عن أرض مصر أن السلطان محمود تغير خاطره على علي باشا المعروف بتية رنلي حاكم بلاد الارنؤد وجرد عليه العساكر ووقع لهم معه حروب ووقائع واستولوا على أكثر البلاد
التي تحت حكمه وتحصن هو في قلعة منيعة وعلى باشا هذا في مملكة واسعة وجنود كثيرة وله عدة أولاد متآمرين كذلك وبلادهم بين بلاد الرومنلي والنمسا ويقال: إن بعض أولاده دخل تحت الطاعة ووكذلك الكثير من عساكره وبقي الأمر على ذلك ودخل الشتاء وانقضت السنة ولم يتحقق عنه خبر.
ومنها أمر المعاملة وما يقع فيها منن التخليط والزيادة حتى بلغ صرف الريال الفرانسة اثني عشرة قرشا عنها أربعمائة وثمانون نصفا والبندقي ألف فضة وكذلك المجر الفندقلي الإسلامي سبعة عشر قرشا والقرش الإسلامبولي بمعنى المضروب هناك المنقول إلى مصر يصرف بقرشين وربع يزيد عن المصري ستين نصفا وكذلك الفندقلي الإسلامبولي يصرف في بلدته باحد عشرة قرشا وبمصر بسبعة عشر كما تقدم فتكون زيادة ستة قروش وكذلك الفرانسا في بلادها تصرف بأربعة قروش وبإسلامبول بسبعة وبمصر باثني عشر وأما الانصاف العددية التي تذكر في المصارفات فلا وجود لها أصلا إلا في النادر جدا واستغنى الناس عنها لغلو الأثمان في جميع المبيعات والمشتروات وصار البشلك الذي يقال له الخمساوية: أي صرفه خمسة انصاف هي بدل النصف لأنه لما بطل ضرب القروش بضربخانة مصر وعوض عنها نصف القرش وربعه وثمنه الذي هو البشلك ولم يبق بالقطر إلا ما كان موجودا قبل وهو كثير يتناقل بأيدي الناس وأهل القرى ويعود إلى الخزينة ويصرف في المصارف والمشاهرات وعلائف العساكر وكذلك يشترون لوازمهم فتذهب وتعود وهكذا تدور مع الفلك كلما دار ويصرف القرش عند الاحتياج إلى صرفه بسبعة من البشلك بنقص الثمن فباعتبار كونها في مقام النصف يكون القرش بسبعة انصاف لاغير وباعتبار ذلك يكون الألف فضة بمائة وخمسة وسبعين فضة لأن الخمسة وعشرين قرشا التي هي بدل الألف إذا نقصت في المصارفة الثمن تكون إحدى وعشرين وإذا ضربنا السبعة في الخمسة وعشرين كانت مائة وخمسة
وسبعين وفيها من الفضة الخالصة ستة دراهم لاغير واوزان هذه القطع مختلفة لا تجد قطعة وزن نظيرتها وفي ذلك فرط آخر والقليل في الكثير كثير والذي ادركناه في الزمن السابق أن هذه القروش لم يكن لها وجود بالقطر المصري البتة وأول من احدثها بمصر علي بك القازدغلي بعد الثمانين ومائة وألف عندما استفحل أمره وأكثر من العساكر والنفقات واظهر العصيان على الدولة ولما استولى محمد بك المعروف بأبي الذهب ابطلها رأسا من الإقليم وخسر الناس بسبب ابطالها حصة من أموالهم مع فرحهم بابطالها ولم يتأثروا بتلك الخسارة لكثرة الخير والمكاسب ولم يبق من أصناف المعاملة إلا أنواع الذهب الإسلامي ولافرنجي والفرانسة ونصفه وربعه والفضة الصغيرة التي يقال لها: نصف فضة مع رخاء الاسعار وكثرة المكاسب ويصرف هذا النصف بعدد من الافلس النحاس التي يقال لها: الجدد أما عشراو اثنا عشر إذا كانت مضروبة ومختومه أو عشرين إذا كانت صغيرة وبخلاف ذلك ويقال لها: السحاتة فكان غالب المحقرات يقضي بهذه الجدد بل وخلاف المحقرات وفي البيع والشراء وكان يجلب منها الكثير مع الحجاج المغاربه في المخالي ويبعونها على أهل الأسواق بوزن الارطال ويربحون فيها فكان الفقير أو الاجير إذا اكتسب تصفا وصرفه بهذه الجدد كفاه نفقة يومه مع رخاء الاسعار ويشترى منها خبزا وادما وإذا احتاج الطابخ لوزام الطبخة في التقلية أخذ من البقال البصل والثوم والسلق والكسبرة والبقدونس والفجل والكراث والليمون الصنف أو الصنفين أو الثلاثة بالجديد الواحد وقد انعدمت هذه الجدد بالكلية وإذا وجدت فلا ينتفع بها أصلا وصار النصف الفضة بمنزلة الجديد النحاس ولا وجود له أيضا وصارت الخمساوية بمنزلة النصف بل واحقر لأنه كان يصرف بعدد كثير من الجدد وهذه بخمسة فقط فإذا أخذ الشخص شيئا من المحقرات بنصف أو نصفين أو ثلاثة ماكان يؤخذ بجديد أو جديدين لم يجد عند البائع بقية الخمساوية فأما يترك الباقي لوقت احتياج آخر أن كان
يعرفه وإلا تعطلا وإذا كان الإنسان بالسوق ولحقه العطش فيشرب من السقاء الطواف ويعطيه جديدا أو يملا صاحب الحانوت ابريقه بجديد وفي هذه الأيام إذا كان الشخص لم يكن معه بشلك يشرب به وإلا بقي عطشان حتى يشرب من داره ولا يهون عليه أن يدفع ثمن قربة في شربة ماء وذلك لعدم وجود النصف وكذلك الصدقة على الفقراء وأمثالهم وقد كان الناس من أرباب البيوت إذا زاد بعد ثمن اللحم والخصار نصف يسألون الخادم في اليوم الثاني عنه لكونه نصف المصروف ويحاسبونه عليه وكان صاحب العيال وذوو البيوت المحتوية على عدة أشخاص من عيال وجوار وخدم إذا ادخر الغلة والسمن والعسل والحطب ونحو ذلك يكفيه في مصرف يومه العشرة انصاف في ثمن اللحم والخضار وخلافه وأما اليوم فلا يقوم مقامها العشرة قروش وازيد لغلو الاسعار في كل شئ بسبب الحوادث والاحتكارات السابقة والتجددة كل وقت في جميع الأصناف ولايخفى أن أسباب الخراب التي نص عليها المتقدمون اجتمعت وتضاعفت في هذه السنين وهي زيادة الخراج واختلال المعاملة أيضا والمكوس وزاد على ذلك احتكار جميع الأصناف والاستيلاء على أرزاق الناس فلا تجد مرزوقا إلا من كان في خدمة الدولة متوليا على نوع من أنواع المكوس أو مباشرا أو كاتبا أو صانعا في الصنائع المحدثة ولا يخلوا من هفوة ينم بها عليه فيحاسب مدة استيلائه فيجتمع عليه جملة من الأكياس فيلزم بدفعها وربما باع داره ومتاعه فلا يفي بما تأخر عليه فأما يهرب أن امكنه الهرب وأما بقي في الحبس هذا أن كان من ابناء العرب وأهالي البلدة وما أن كان بخلاف ذلك فربما سومح أو تصدى له من يخفف عنه أو يدخله في منصب أو شركة فيرتفع حاله ويرجع احسن ما كان.
ومما حدث أيضا في هذه السنة الاستيرء على صناعة المخيش والقصب والتلي الذي يصنع من الفضة للطرازات والمقصبات والمناديل والمحارم وخلافها من الملابس وذلك بإغراء بعض صناعهم وتحاسدهم وأن مكسبها
يزيد على ألف كيس في السنة لأن غالب الحوادث باغراء الناس على بعضهم البعض وكذلك الاستيلاء على وكالة الجلابة التي يباع فيها الرقيق من العبيد والجواري السود وغيرهم من البضائع التي تجلب من بلاد السودان كسن الفيل والتمر هندي والشتم وروايا الماء وريش النعام وغير ذلك. ومنها الحجر على عسلي النخل وشمعه فيضبط جميعه للدولة ويباع رطل الشمع بستة قروش ولا يوجد إلا ما كان مختلسا ويباع خفية وكان رطله قبل الحجر بثلاثة قروش فإذا وردت مراكب إلى الساحل نزل إليها المفتشون على الأشياء ومن جملتها الشمع فيأخذون ما يجدونه ويحسب لهم بأبخس ثمن فن اخفى شيئا وعثر وعليه أخذوه بلا ثمن ونكلوا بالشخص الذي يجدون معه ذلك وسموه حراميا ليرتدع غيره والمتولي على ذلك نصارى واعوانهم لادين لهم وقد هاف النحل في هذه السنة وامتنع وجود العسل وكذلك ثمر النخيل بل والغلال فلم تزك في هذه السنين مع كثرة الاسيال التي غرقت منها الأراضي بل وتعطل بسببها الزرع وزادت أثمانها وخصوصا الفول وأما العدس فلا يوجد أيضا إلا نادرا.
وكذلك التزم بالملاحة وتوابعها من زاد في مالها وبلغ ثمن الكيلة قرشا وكانت قبل ذلك بثلاثين نصفا وفيما ادركناه بلاثة انصاف وأما اجر الاجراء والفعلة والمعمرين فأبدل النصف بالقرش وكذلك ثمن الجير البلدي والجبس لأن عمائر أهل الدولة مستديمة لا تنقضي ابدا ونقل الاتربة إلى الكيمان على قطارات الجمال والحمير من شروق الشمس إلى غروبها حتى ستر علوها الافق من كل ناحية وإذا بنى احدهم دار فلا يكفيه في ساحتها الكثير ويأخذ ما حولها من دور الناس بدون القيمة ليوسع بها داره ويأخذ ما بقي في تلك الخطة لخاصته وأهل دائرته ثم يبني أخرى كذلك ليدوانه وجمعيته وأخرى لعسكره وهكذا.
وأما سليمان اغا السلحدار فهو الداهية العظمى والمصيبة الكبرى فإنه تسلط على بقايا المساجد والمدارس والتكايا التي بالصحراء ونقل احجارها
إلى داخل باب البرقية المعروف بالغريب وكذلك ما كان لجهة باب النصر وجمعوا احجارها خارج باب النصر وانشأ جهة خان الخليلي وكالة وجعل بها حواصل وطباقا واسكنها نصارى الاروام والارمن بأجره زائدة اضعاف الاجر المعتادة وكذلك غيرهم ممن رغب في السكنى وفتح لها بابا يخرج منه إلى وكالة الجلابة الشهيرة التي بالخراطين لأنها بظاهرها واجر الحوانيت كذلك بأجرة زائدة فأجر الحوانوت بثلاثين قرشا في الشهر وكانت الحانوت تؤجر بثلاثين نصفا في الشهر والعجب في اقدام الناس على ذلك واسراعهم في تأجرهم قبل فراغ بنائها مع ادعائهم قلة المكاسب ووقف الحال ولكنهم أيضا يستخرجونها من لحم الزبون وعظمه ثم أخذ بناحية داخل باب النصر مكانا متسعا يسمى حوش عطى بضم العين وفتح الطاء وسكون الياء كان محطا لعربان الطور ونحو هم إذا وردوا بقوافلهم بالفحم والقلي وغيره وكذلك أهالي شرقية بلبيس فأنشأ في ذلك المكان ابنية عظيمة تحتوي على خانات متداخلة وحوانيت وقهاوي ومساكن وطباق وسكن غالبها أيضا الارمن وخلافهم بالاجر الزائدة ثم انتقل إلى جهة خان الخليلي فأخذ الخان المعروف بخان القهوة وما حوله من البيوت والأماكن والحوانيت والجامع المجاور لذلك تصلى فيه الجمعة بالخطبة فهدم ذلك جميعه وانشأ خانا كبيرا يحتوي على حواصل وطباق وحوانيت عدتها أربعون حانوتا اجرة كل حانوت ثلاثون قرشا في كل شهر وانشأ فوق السبيل وبعض الحوانيت زاوية لطيفة يصعد إليها بدرج عوضا عن الجامع ثم انتقل إلى جهة الخرنفش بخط الامشاطية فأخذ أماكن ودورا وهدمها وهو الآن مجتهد في تعميرها كذلك فكان يطلب رب المكان ليعطيه الثمن فلا يجد بدا من الاجابة فيدفع له ما سمحت به نفسه أن شاء عشر الثمن أو أقل أو ازيد بقليل وذلك لشافعة أو واسطة خير وإذا قيل له وقف ولا سموع لاستبدال العدم تخربة أمر بتخريبة ليلا ثم يأتي بكشاف القاضي فيراه خرابا فيقضي له وكان يثقل عليه لفظة وقف ويقول ايش: يعني وقف وإذا كان على المكان حكر لجهة وقف أصله لا يدفعه ولا يلتفت