الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتلك اللفظة أيضا ويتمم عمائره في اسرع وقت لعسفه وقوة مراسه على أرباب الاشغال والموانة ولا يطلبق للفعلة الرواح بل يحبسهم إلى الدوام إلى باكر النهار ويوقظونهم في آخر الليل بالضرب ويبتدؤن في العمل من وقت صلاة الشافعي إلى قبيل الغروب حتى في شدة الحر في رمضان وإذا ضجوا من الحر والعطش امرهم مشد العمارة بالشرب وأحضرلهم السقاء ليسقهم وظن أكثر الناس أن هذه العمائر إنما هي لمخدومه لأنه لا يسمع لشكوى أحد فيه واشتد في هذا التاريخ أمر المساكن بالمدينة وضاقت بأهلها لشمول الخراب وكثرة الاغراب وخصوصا المخالفين للملة فهم الآن أعيان الناس يتقلدون المناصب ويلبسون ثياب الأكابر ويركبون البغال والخيول المسومة والرهوانات وإمامهم وخلفهم العبيد والخدم وبأيديهم العصي يطردون الناس ويفرجون لهم الطرق ويتسرون بالجواري بيضاء وحبوشا ويسكنون المساكن العالية الجليلة يشترونها بأغلى الأثمان ومنهم من له دار بالمدينة ودار مطلة على البحر للنزاهة ومنهم من عمر له دارا وصرف عليها الوفا من الأكياس وكذلك أكابر الدولة لاستيلاء كل من كان في خطه على جميع دورها وأخذها من أربابها بأي وجه وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع إلى اذلال المسلمين لأنهم يحتاجون إلى كتبة وخدم واعوان والتحكم في أهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير انكار ويقف الشريف والعامي بين يدي الكافر ذليلا فضاقت بالناس المساكن وزادت قيمتها اضعاف الاضعاف وابدل لفظ الريال الذي كان يذكر في قيم الأشياء بالكيس وكذلك الاجر والأمر في كل شئ في الازدياد والله لطيف بالعباد ولو اردنها استيفاء بعض الكليات فضلا عن الجزئيات لطال المقال وامتد الحال وعشنا ومتنا مانرى غير ما نرى تشابهت العجما وزاد انعجامها نسأل الله حسن اليقين وسلامة الدين.
ثم دخلت
سنة ست وثلاثين ومائتين والف
استهل شهر المحرم بيوم الاثنين وفي أوائله حضر الباشا من الاسكندرية
وفيه من الحوادث أن الشيخ إبراهيم الشهير بباشا المالكي بالاسكندرية قرر في درس الفقه أن ذبيحة أهل الكتاب في حكم الميتة لا يجوز اكلها وما ورد من اطلاق الاية فإنه قبل أن يغيروا ويبدلوا في كتبهم فلما سمع فقهاء الثغر ذلك انكروه واستغربوه ثم تكلموا مع الشيخ إبراهيم المذكور وعارضوه فقال: أنا لم اذكر ذلك بفهمي وعلمي وإنما تلقيت ذلك عن الشيخ علي الميلي المغربي وهو رجل عالم متورع موثوق بعلمه ثم أنه أرسل إلى شيخه المذكور بمصر يعلمه بالواقع فألف رسالة في خصوص ذلك واطنب فيها فذكر اقوال المشايخ والخلافات في المذاهب واعتمد قول الإمام الطرطوشي في المنع وعدم الحل وحشا الرسالة بالحط على علماء الوقت وحكامه وهي نحو الثلاثة عشر كراسة وارسلها إلى الشيخ إبراهيم فقرأها على أهل الثغر فكثر اللغط والانكار خصوصا وأهل الوقت أكثرهم مخالفون للملة وانتهى الأمر إلى الباشا فكتب مرسوما إلى كتخدا بك بمصر وتقدم إليه بان يجمع مشايخ الوقت لتحقيق المسئلة وأرسل إليه بالرسالة أيضا المصنفة فأحضر كتخدا بك المشايخ وعرض عليهم الأمر فلطف الشيخ محمد العروسي العبارة وقال الشيخ علي الميلي: رجل من العلماء تلقى عن مشايخنا ومشايخهم لا ينكر علمه وفضله وهو منعزل عن خلطة الناس إلا أنه حاد المزاج وبعقله بعض خلل والأولى أن نجمع به ونتذاكر في غير مجلسكم وننهي بعد ذلك الأمر إليكم فاجتمعوا في ثاني يوم وأرسلوا إلى الشيخ علي يدعونه للمناظرة فابى عن الحضور وأرسل الجواب مع شخصين من مجاوري المغاربة يقولان: أنه لا يحضر مع الغوغاء بل يكون في مجلس خاص يتناظر فيه مع الشيخ محمد ابن الأمير بحضرة الشيخ حسن القويسني والشيخ حسن العطار فقط لأن ابن الأمير يناقشه ويشن عليه الغارة فلما قالا ذلك القول تغير ابن الأمير وارعد أبرق وتشاتم بعض من بالمجلس مع الرسل وعند ذلك أمروا بحبسهما في بيت الاغا وأمروا الاغا بالذهاب إلى بيت الشيخ علي واحضاره بالمجلس ولو قهرا عنه فركب.
الاغا وذهب إلى بيت المذكور فوجده قد تغيب فاخرج زوجته ومن معها من البيت وسمر البيت فذهبت إلى بيت بعض الجيران ثم كتبوا عرضا محضرا وذكروا فيه بأن الشيخ عليا على خلاف الحق وابى عن حضور مجلس العلماء والمناظرة معهم في تحقيق المسئلة وهرب واختفى لكونه على خلاف الحق ولو كان على الحق ما اختفى ولا هرب والرأي لحضرة الباشا فيه إذا ظهر وكذلك في الشيخ إبراهيم باشا السكندري وتمموا العرض وامضوه بالختوم الكثيرة وارسلوه إلى الباشا وبعد أيام اطلقوا الشخصين من حبس الآغا ورفعوا الختم عن بيت الشيخ علي ورجع أهله إليه وحضر الباشا إلى مصر في أوائل الشهر ورسم بنفي الشيخ إبراهيم باشا إلى بني غازي ولم يظهر الشيخ علي من اختفائه.
واستهل شهر صفر بيوم الأربعاء سنة 1236
وفي أوائله حضر إبراهيم باشا من الجهة القبلية بعد ما طاف الفيوم أيضا وأحضر معه جملة أشخاص قبض عليهم من المفسدين من العربان وهم في الجنازير الحديد وشقوا بهم البلد ثم حبسوهم.
وأستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1236
في أوائله حضر نحو العشرة أشخاص من الأمراء المصرية البواقي في حالة رثة وضعف وضيم واحتياج واجتياح وكانوا أرسلوا وطلبوا الأمان واجيبوا إلى ذلك.
وفيه اشهروا العربان الذين أحضرهم إبراهيم باشا معه وقتلوهم وهم أربعة اثنان بالرميلة واثنان بباب زويلة.
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة 1236
وفيه اخرج الباشا عبد الله بك الدرندلي منفيا وكان عبد الله بك هذا يسكن بخطة الخرنفش وهو رجل فيه سكون قليل الأذى وملك بتلك الناحية دورا وأماكن وله عزوة وعساكر واتباع وكان يجلس بحضرة الباشا وينادمه ويتوسع معه في الكلام والمسامرة وسبب تغير خاطر الباشا عليه
انه جرى ذكر علي باشا تبدلان الارنودي وحروبه ومخالفة العساكر عليه فقال عبد الله المذكور: إن العساكر يرون محاربة السلطان معصية أو كلاما هذا معناه فتغير وجه الباشا من ذلك القول ويقال: إنه أمر بقتله فشفع فيه حسن باشا طاهر من القتل وأن يخرج منفيا هكذا اشيع واستفيض وانضم إلى ذلك أنه قال لشريف بك: امين الخزنة عند تاخر علوفته خدمه نصراني احسن من خدمتكم مع المشاجرة فبلغها شريف بك للباشا أيضا واوغر صدره عليه ودفع له الباشا علوفته وثمن ما حازه من الأماكن والاملاك ووصله ذلك على عدة جمال محملة بالدراهم وسافر في ثامنه على طريق البر وابقى حريمه واثقاله ليأتوه على سفن البحر.
وفي سادس عشره أمر الباشا بقراءة صحيح البخاري بالجامع الأزهر فاجتمعوا في يوم الإثنين سابع عشره وقرأوا في الاجزاء على العادة ضحوة النهار أربعة أيام اخرها الخميس وفرقوا على أولاد المكاتب دراهم وكذلك على مجاوري الأزهر في نظير قراءة البخاري.
واستهل شهر جمادي الأولى بيوم الأحد سنة 1236
فيه حضر إبراهيم باشا ونزل بقصره الجديد بل قصوره لانقا انشا عدة قصور متصلة وبساتين ومصانع متصله متسعة مزخرفة منها قصر لديوانه وقصر لحريمه وقصر لخصوص عباس باشا ابن أخيه وغيرذلك.
واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1236
فيه عزم إبراهيم باشا على اعادة قياس أراضي قرى مصر وأحضر من بلاد الصعيد عدة كبيرة من القياسين نحو الستين شخصا.
وفي يوم السبت خامسه عدى إلى الجيزة تجاه القصور وجمع القياسين والمهندسين وكذلك مهندسي الافرنج وقاس كل قياسته وكيفية عمله فعاند المعلم غالي واحب تأييد أهل حرفته من قياسي القبط وقال: كل منهم على الصحيح وعلم إبراهيم باشا أن قياس المهندسين وأرباب المساحة أصح ولكن فيها بطء فقال: أريد الصحيح ولكن مع السرعة بعد أن عمل امتحانا
ومثالا في قطعة من الأرض يظهر بها برهان الصحة والتفاوت وامسى الوقت فأمرهم بالذهاب والرجوع يوم الخميس الاتي فحضروا كذلك واشتغلوا يومهم بالعمل إلى آخر النهار ثم اختار من مهندسي الاقباط طائفة وطرد الاخرين وسافر في رابع عشره إلى ناحية شرق اطفيح واخد من المهندسخانة كبيرها وصحبته سبعة عشر شخصا وكذلك أشخاص من الافرنج المهندسين وانتقصوا من القصبة في هذه المرة مقادر قبضة.
واستهل شهر رجب بيوم الخميس سنة 1236
فيه سافر مماليك الباشا إلى جهة اسيوط مثل العام الماضي ليكرتنوا هناك حذرا وخوفا عليهم من حدوث الطاعون بمصر.
وفي سابع عشره ارتحل محمد بك الدفتردار مسافرا إلى دار فورد ببلاد السودان بعد أن تقدمه طوائف كثيرة عساكر اتراك ومغاربة.
وفي خامس عشرينه أمر الباشا بنفي محمد المعروف الدرويش كتخدا محمود بك الذي هو الآن كتخدا بك والسيد أحمد الرشيدي كاتب المرزق وسليمان أفندي ناظر المدابغ والجلود ثلاثتهم إلى قلعة ابي قير لمقتضيات واهية في خدم مناصبهم ومحمد كتخدا كان ناظرا على الجلود في العام الماضي قبل سليمان أفندي المذكور.
وفي أواخره حضر جماعة من المماليك المصرية الذين كانوا بدنقلة فيهم ثلاث صناجق احدهم أحمد بك الالفي وهو زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير.
واستهل شهر شعبان بيوم الجمعة سنة 1236
في ثامنه يوم الجمعة عمل سليمان اغا السلحدار الجمعة بالجامع المعروف بالاحمر وكان قد تخرب ولم يبق به إلا الجدران فتصدى لعمارته سليمان اغا المذكور وسقفه أيضا بإفلاق النخيل والجريد والبوص وأقام له عمدا من الحجارة وجدد منبره وبلاطه وميضاته ومراحيضه وفرشه بالحصر وعمل به الجمعية في ذلك اليوم واجتمع به عالم كثيرون من الناس وخطب
على منبره الشيخ محمد الأمير وبعد انقضاء الصلاة قرا درسا واملي فيه حديث من "بنى الله مسجدا"! وبعد انقضاء ذلك خلع عليه فروة وكذلك على الشيخ العروسي وعمل لهم شربات سكر.
وفي يوم السبت ثالث عشرينه حضر إبراهيم باشا من ناحية شرق اطفيح.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشرينه سافر بمن معه إلى ناحية شرقية بلبيس.
واستهل شهر رمضان بيوم الأحد 1236
وعملت الرؤية في تلك الليلة كالعادة وركب فيها مشايخ الحرف والمحتسب واثبتوا رؤية الهلال تلك الليلة بعد مضى أربع ساعات من الليل ولم يحصل فيه من الحوادث غير تعالي الأثمان وتعاليها بسوء فعل السوقة واظهار ردئ المأكولات واخفاء جيدها وقد انقضى بخير.
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1236
في ثالثه حضرت هجانة من أراضي نجد وبصحبتهم أشخاص من كبار الوهابية مقيدون على الجمال وهم عمر ابن عبد العزيز وأولاده وابناء عمه وذلك أنهم لما رجعوا إلى الدرعية بعد رحيل إبراهيم باشا وعساكره وكان معهم مشارى بن مسعود وقد كانوا هربوا في الدرعية بعدما رحل عنها إبراهيم باشا وتركي ابن عبد الله ابن اخي عبد العزيز وولد عم مسعود الامشاري فإنه هرب من العسكر الذين كانوا مع أولاد مسعود وجماعتهم حين ارسلهم إبراهيم باشا إلى مصر في الحمراء وهي قرية بين الجديدة وينبع البحر وذهب إلى الدرعية واجتمع عليه من فرحين قدمت العساكر وأخذوا في تعميرها ورجع أكثر أهلها وقدموا عليهم مشارى ودعا الناس إلى طاعته فأجابه الكثير منهم فكادت تتسع دولته وتعظم شوكته فلما بلغ الباشا ذلك جهز له عساكر رئيسها حسين بك فاوثقوا مشارى وارسلوه إلى مصر فمات في الطريق وأما عمر وأولاده وبنو عمه فتحصنوا في قلعة الرياض المعروفة عند المتقدمين بحجر اليمامة بينهما وبين الدرعية أربع ساعات للقافلة فنزل عليهم حسين بك وحاربهم ثلاثة أيام أو أربعة وطلبوا الأمان لما
علموا أنهم لا طاقة لهم به فأعطاهم الأمان على أنفسهم فخرجوا له إلا تركي فإنه خرج من القلعة ليلا وهرب وأما حسين بك فإنه قيد الجماعة وارسلهم إلى مصر في الشهر المذكور وهم الآن مقيمون بمصر بخطة الحنفي قريبا من بيت جماعتهم الذين اتوا قبل هذا الوقت.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1236
فيه حضر إبراهيم باشا من سرحته بالشرقية بسبب قياس الأراضي والمساحة.
وفي منتصفه سافر الباشا إلى الاسكندرية لداعي حركة الاروام وعصيانهم وخروجهم عن الذمة ووقوفهم بمراكب كثيرة العدد بالبحر وقطعهم الطريق على المسافرين واستئصالهم بالذبح والقتل حتى أنهم أخذوا المراكب الخارجة من إسلامبول وفيها قاضي العسكر المتولي قضاء مصر ومن بها أيضا من السفار والحجاج فقتلوهم ذبحا عن اخرهم ومعهم القاضي وحريمه وبناته وجواريه وغير ذلك وشاع ذلك بالنواحي وانقطعت السبل فنزل الباشا إلى الاسكندرية وشرع في تشهيل مراكب مساعدة للدونانمة السلطانية وسياتي تتمة هذه الحادثة وبعد سفر الباشا سافر أيضا ابرهيم باشا إلى ناحية قبلي قاصدا بلاد النوبة.
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1236
فيه خرجت عساكر كثيرة ومعهم رؤساهم وفيهم محو بك ومغاربة والات الحرب كالمدافع وجبخانات البارود واللغمجية وجميع اللوازم قاصدين بلاد النوبة وما جاورها من بلاد السودان.
وفيه سافر أيضا محمد كتخدا لاظ المنفصل عن الكتخدائية إلى اسنا ليتلقى القادمين ويشيع الذاهبين.
وفيه وصلت بشائر من جهة قبلي باستيلاء إسمعيل باشا على سنار بغير حرب ودخول أهلها تحت الطاعة فضربت لتلك الأخبار مدافع من القلعة.
وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث وانقضى بعضها والبعض
باقي إلى الآن.
فمنها توقف زيادة النيل وذلك أنه لم يستتم اذرع الوفاء إلى ثامن عشر مسرى القبطي حتى ضجر الناس وضج الفلاحون.
ومنها أمر المعاملة التي زادت زيادة فاحشة حتى بلغ البندقي الفا ومائتي نصف والمجر والفندقلي عشرين قرشا عنها ثمانمائة نصف وبلغ صرف الريال الفرانسة أربعة عشر قرشا عنها خمسمائة نصف وستون نصفا وقس على ذلك باقي الأصناف.
ومنها غلو الأثمان في جميع المبيعات من ملبوسات ومأكولات والغلال حتى وصل الاردب إلى ألف وخمسمائة نصف والرطل السمن إلى خمسين نصفا والى ستين نصفا وقس على ذلك.
وأما حادثة الاروام التي هي باقية إلى الآن وما وقع منهم من الأفساد وقطع الطريق على المسافرين واستيلائهم على كل ما صادفوه من مراكب المسلمين وخروجهم عن الذمة وعصيانهم وما وقع معهم من الوقائع وما سينتهي حالهم إليه فسيتلى عليك إن شاء الله تعالى بكماله في الجزء الاتي بعد ذلك والله الموفق للصواب واليه المرجع والمآب.