الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبلت شفاعته مع الانجماع عنهم وعدم قبول هداياهم وأخبرني بعض من صحبه أنه يفهم من كلام الشيخ ابن العربي ويقرره تقريرا جيدا ويميل إلى سماعه وحج من بيت المقدس واصيب في العقبة بجراحة في عضده وسلب ما عليه وتحمل تلك المشقات ورجع إلى مصر فزار شيخه الشيخ محمود وجلس مدة ثم اذن له بالرجوع إلى بلده وسمع أشياء كثيرة في مبادي عمره واقتبس من الأشياخ فوائد جمة حتى قبل اشتغاله بالعلم وفي سنة "1182" كتب إلى شيخنا السيد مرتضى يستجيزه فكتب له اسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وقد تقدم ذكرها في ترجمة السيد مرتضى ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد واشتهر ذكره في الآفاق وانعقد على اعتقاده وانفراده الاتفاق وسطعت انواره وعمت اسراره وانتشرت في الكون اخباره وازدحمت على سدته زواره إلى أن جاب الداعي ونعته النواعي وذلك سابع عشرين شهر شعبان من السنة ولم يخلف بعده مثله وبه ختمت دائرة المسلكين من الخلوتية ورجال السادة الصوفية وحسن به ختم هذا الجزء الثالث من كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار لغاية سنة عشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام وسنقيد إن شاء الله تعالى ما يتجدد بعدها من الحوادث من ابتداء سنة إحدى وعشرين التي نحن بها الآن أن امتد الأجل واسعف الامل ونرجو من الكريم المتعال صلاح الأحوال وانقشاع الهموم وصلاح العموم أنه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير والله اعلم.
سنة إحدى وعشرين ومائتين والف
استهل شهر المحرم بيوم الخميس حسابا ويوم السبت هلال ووافق ذلك انتقال الشمس لبرج الحمل فاتحدت السنة القمرية والشمسية وهو يوم النوروز السلطاني وأول سنة الفرس وهو التاريخ الجلالي اليزدجردي وتاريخهم في هذه السنة ألف ومائة وستة وسبعون وكان طالع التحويل الواقع في يوم الجمعة في خامس ساعة ونصف من النهار سبع درجات.
ونصفا من برج السرطان وصاحبه في حين العاشر منصرف عن تربيع المشتري ومقارنة عطارد والمشتري في السابع والمريخ مع الزهرة في العاشر وهي رجعة كيوان في الرابع وهو دليل على ثبات دولة القائم وتعب الرعية والحكم لله العلي الكبير.
وفي ثالثه في ليلة الثلاثاء وصل إلى بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بولايته بمصر وصحبة التقرير خلعة وهي فروة سمور فلما أصبح النهار عمل محمد علي باشا ديوانا بمنزله بالازبكية وحضر السيد عمر النقيب والمشايخ والأعيان وحضر ذلك الاغا من بولاق في موكب ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وإمامه الاغا والوالي والمحتسب والاغوات والجاويشية وخلفه النوبة التركية فلما وصلوا إلى بات الخرق عطفوا على جهة الازبكية فلما قرىء التقليد ضربوا مدافع كثيرة من الازبكية والقلعة وعملوا تلك الليلة شنكا وحراقات ونفوطا وسواريخ كثيرة وطبولا وزمورا بالازبكية.
وفي سابعه وصلت الأخبار بوقوع حروب بين العساكر والعربان والأمراء المصرية بناحية جزيرة الهواء وقتل شخص من كبار العسكر يسمى كور يوسف وغيره ووصل إلى مصر عدة جرحى وهرب من العسكر طائفة وانضموا إلى الأمراء المصريين وأرسل حسن باشا يستنجد الباشا بإرسال عساكر إليه وفي ذلك اليوم نادوا في الأسواق بعدم المشي في الأسواق من اذان العشاء وخرج كتخدا بك إلى بولاق في آخر النهار ونصب وطاقه ببرانبابة وخرج سليمان أغا بجملة من العسكر وذهب إلى ناحية طرا.
وفي ثامنه عدى كتخدا بك إلى البر الغربي وانتقل طاهر باشا إلى الجيزة وأقام بها محافظا.
وفيه أمر الباشا بجمع الأجناد المصرية والجاقلية وامرهم بالتعدية إلى البر الغربي وكان تخوف من اقامتهم بالمدينة وقال لهم: من أراد منكم
الذهاب إلى الاخصام فليذهب وإلا يستمر معنا.
وفي هذه الأيام كان مولد سيدي أحمد البدوي والجمع بطندتا المعروف بمولد الشرنبابابة وهرع غالب أهل البلد بالذهاب إليه وأكثروا الجمال والحمير بأغلى الأجرة لأن ذلك صار عند أهل الإقليم موسما وعيدا لا يتخلفون عنه أما للزيارة أو للتجارة أو للنزاهة أو للفسوق ويجتمع به العالم الاكبر وأهالي الإقليم البحري والقبلي وخرج أكثر أهالي البلد بحمولهم فكان الواقفون على الأبواب يفتشون الاحمال فوجدوا مع بعضهم أشياء من أسباب الأجناد المصرية وملابسهم ونحو ذلك فوقع بسبب ذلك ايذاء لمن وجدوا معه شيئا من ذلك لباقي الناس ضرر بنبش متاعهم فكان من الناس من يأخذ معه أشخاصا من العسكر من طرف الاغا يسلكونهم للخروج من غير تفتيش ويمنعون المتقيدين بالأبواب عن التعرض لهم ونبش متاعهم واحمالهم.
وفي تاسعه وصل الخبر بان عابدين بك لما بلغه خروج الألفي من الفيوم ذهب إليها صحبة الدلاة فلم يجد بها أحدا فدخلها وأرسل المبشرين إلى مصر بإنه ملك الفيوم فضربوا مدافع لذلك وانبث المبشرون يطوفون على بيوت الأعيان يبشرونهم بذلك ويأخذون على ذلك الدراهم والبقاشيش ثم لما بلغ عابدين بك ما حصل لأخيه حسن باشا من الهزيمة رجع إليه وأقام معه ناحية الرقق.
وفي عاشره وصل الألفي إلى ناحية كرداسة وانتشرت عساكره وعربانه بإقليم الجيزة فلم يخرج لهم أحد من الجيزة مع كونهم بمراى منهم ويسمعون نقاقيرهم وطبولهم ووطء حوافر خيولهم.
وفيه أرسل الألفي مكتوبا خطابا إلى السيد عمر أفندي مكرم النقيب والمشايخ مضمونة نخبركم أن سبب حضورنا إلى هذه الجهة إنما هو لطلب القوت والمعاش فان الجهة التي كنا بها لم يبق فيها شىء يكفينا ويكفي من معنا من الجيش والأجناد ونرجو من مراحم افندينا بشفاعتكم أن ينعم
علينا بما نتعيش به كما رجونا منه في السابق فلما كان في صبحها يوم الإثنين حادي عشرة ركب السيد عمر إلى الباشا وأخبره بذلك واطلعه على المراسلة فقال: ومن أتى به قال له: تابع مصطفى كاشف المورلي وقد ترك متبوعه بالبر الآخر فقال له: اكتب له بالحضور حتى نتروى معه مشافهة وفي ذلك الوقت حضر إلى الباشا من أخبره بان طائفة من المصريين وجيوشهم وصلوا إلى برانبابة فخرج إليهم طائفة من العسكر الرابطين هناك وتحاربوا معهم بسوق الغنم ووقع بينهم بعض قتلى وجرحى فركب من فوره وذهب إلى بولاق فنزل بالساحل وجلس هناك ساعة ثم ركب عائدا إلى داره بعد أن منع من تعدية المراكب إلى برانبابة ثم امرهم بالتعدية لربما احتاجوها وكان كذلك فإنهم رجعوا مهزومين فلو لم يجدوا المعادي لحصل لهم هول كبير.
وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى كاشف المورلي المرسل من طرف الألفي وصحبته علي جربجي بن موسى الجيزاوي إلى بيت السيد عمر فركب صحبته إلى الباشا وكتبوا له جوابا ورجع من ليلته ثم حضر في يوم الخميس رابع عشره بجواب آخر ومضمونه اننا ارسلنا لكم نرجو منكم أن تسعوا بيننا بما فيه الراحة لنا ولكم وللفقراء والمساكين وأهالي القرى فاجبتمونا بأننا نتعدى على القرى ونطلب منهم المغارم ونرعى زرعهم وننهب مواشيهم والحال أنه والله العظيم ونبيه الكريم أن هذا الأمر لم يكن على قصدنا ومرادنا مطلقا وإنما الموجب لحضورنا إلى هذا الطرف ضيق الحال والمقتضى للجمعية التي نصحبها من العربان وغيرهم إرسال التجاريد والعساكر علينا فلازم لنا أن نجمع الينا من يساعدنا في المدافعة عن أنفسنا فهم يجمعون أصناف العساكر من الاقطار الرومية والمصرية لمحاربتنا وقتالنا وهم كذلك ينهبون البلاد والعباد للانفاق عليهم ونحن كذلك نجمع الينا من يساعدنا في المنع ونفعل كفعلهم لننفق على من حولنا من المساعدين لنا وكل ذلك يؤدى إلى الخراب والدمار وظلم الفقراء والقصد
منكم بل الواجب عليكم السعي في راحة الفريقين وهو أن يكفوا الحرب ويفرزوا لنا جهة نرتاح فيها فإن أرض الله واسعة تسعنا وتسعهم ويعطونا عهدا بكفالة بعض من نعتمد عليه من عندنا وعندهم ويكتب بذلك محضر لصاحب الدولة وننتظر رجوع الجواب وعند وصوله يكون العمل بمقتضاه فعند ذلك اقتضى الرأي أن يقطعوه إقليم الجيزة وكتبوا له جوابا بذلك من غير عقد ولا عهد ولا كفالة كما اشار وسلموا الجواب لمصطفى كاشف ورجع به وفي اثناء ذلك طلب أجناد الألفي كلفا من بلد برطيس وام دينار ومنية عقبة فامتنعوا عليهم فضربوهم وحاربوهم ونهبوهم وسبب ذلك أن العساكر الاتراك اغروهم وأرسلوا يقولون لهم إذا طلبوا منكم كلفة أو دراهم لا تدفعوا لهم واطردوهم وحاربوهم ونهبوهم وإذا سمعنا حربكم معهم اتيناكم وساعدناكم فاغتروا بذلك وصدقوهم فلما حصل لهم ما حصل لم يسعفوهم ولم يخرجوا من اوكارهم حتى جرى عليهم المقدور.
وفي يوم السبت ثالث عشرينة كتب الباشا مراسيم وارسلها إلى كشاف الاقاليم والكائنين بالبلاد من الأجناد المصرية بان يجتمعوا باسرهم ويذهبوا إلى ساحل السبكية للمحافظة عليها من وصول الأخصام إليها ولمنعهم من تعدية البحر إليها لأنهم إذا حصلوا بها تعدى شرهم إلى بلاد المنوفية بأسرها واشيع عزم الباشا على الركوب بنفسه وذهابه إلى تلك الجهة ويكون سيره على طريق القليوبية ويلحق بهم وكتخدا بك وطاهر باشا يسيران على الساحل الغربي تجاههم ثم بطل ذلك وأرسل إلى حسن باشا سرششمة بان يحضر بمن معه من العسكر من عند حسن باشا طاهر من ناحية بني سويف وكذلك عساكر كور يوسف الذي قتل في المعركة كما ذكر.
وفي ذلك اليوم وصل رسول أيضا من عند الالفي بكاتبات واجتمع بالسيد عمر النقيب والمكاتبات خطاب له ولبقية المشايخ وللباشا ولسعيد أغا دار السعادة وصالح بك القابجي بمعنى ما تقدم صحبة أحمد أبي ذهب
العطار فكتبوا له جوابا بالمعنى الأول واعادوا الرسول وأصحبوه ببعض المتعممين وهو السيد أحمد الشتيوي ناظر جامع الباسطية وكل ذلك أمور صورية وملاعبات من الطرفين لاحقيقة لها.
وفي يوم الثلاثاء وصل الجماعة المذكورون الذين استدعاهم الباشا بعساكرهم وخلع الباشا على أحد كبارهم عوضا عن كور يوسف المقتول.
وفيه وصل الخبر بان طائفة من الأجناد المصرية ومن يصحبهم من العربان عدوا إلى بر السبكية ولم يمنعهم المحافظون بل هربوا من وجوههم فامر الباشا بسفر العساكر وطلب دراهم سلفة من الأعيان لأجل نفقة العساكر وفرضوا على البلاد ثلاث ألاف كيس ويكون على العال منها مائة ألف فضة وفيها الاوسط والدون.
وفي يوم الخميس نودي في الأسواق بخروج العساكر.
وفي يوم السبت سافر طاهر باشا إلى منوف على جرائد الخيل وسافر بعده كتخدا بالحملة واحتاجوا إلى جمال فأخذوا جمال السقائين والشواغرية.
وفيه حضر عمر بك الارنؤدي من ناحية بني سويف وأخبر الواردون من الناحية أن رجب أغا وطائفة من العسكر خامروا عليه وانضموا إلى الأمراء القبليين وهم نحو الستمائة فعند ذلك حضر عمر بك المذكور في تطريده ليبرئ نفسه من ذلك وحضر أيضا محو كبير العسكر المحاصرين بالمنية يطلب علوفة للعسكر.
وفيه أراد كتخدا بك وهو المعروف بدبوس اوغلي أن يركب من انبابة وحمل أحماله ليسير إلى جهة بحرى فثارت عليه العسكر وطالبوه بعلائفهم وسفهوا عليه ومنعوه من الركوب فأراد التعدية إلى بر بولاق فمنعوه أيضا وجذبوا لحيته فأقام يومه وليلته ثم قال لهم: وما الفائدة في مكثي معكم دعوني اذهب إلى الباشا واسعى في مطلوبكم ولم يزل حتى تخلص منهم وعدى إلى مصر ولم يرجع إليهم.
وفي يوم السبت الذي هو غايته وصلت عساكر الدلاة الذين كانوا بناحية بني سويف والفيوم إلى برانبابة وضربوا لهم مدافع لوصولهم.
وفيه أرسل كبار العسكر الذين بناحية منوف مكاتبة إلى الباشا يذكرون أن العساكر يطلبون مرتبات وأرز وسمن فانهم لا يحاربون ولا يقاتلون بالجوع.
وفي هذه الأيام وصل الكثير من العساكر القبلية ودخلوا البلد وكثروا بها.
وفي هذا الأيام أيضا وصلت الأخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين وذلك لشدة ما حصل لهم من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الاردب المصري من الأرز خمسمائة ريال والاردب البر ثلثمائة وعشرة وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك فلم يسع الشريف إلا مسالمتهم والدخول في طاعتهم وسلوك طريقتهم وأخذا العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الاراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة بالملازمة على الصلوات في الجماعة ودفع الزكاة وترك لبس الحرير والمقصبات وابطال المكوس والمظالم وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى أن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشرة بحسب حالة وأن لم يدفع أهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه ولايتقرب إليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الاذن وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي احدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري ومصادرات الناس في أموالهم ودورهم فيكون الشخص من سائر الناس جالسا بداره فما يشعر على حين غفلة منه إلا ولاعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ويقولون أن سيد الجميع محتاج إليها فاما أن يخرج منها جملة وتصير من املاك الشريف وأما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر فعاهده على ترك ذلك كله واتباع ما أمر الله تعالى به في كتابه
العزيز من اخلاص التوحيد لله واتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والائمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الاحياء والاموات في الشدائد والمهمات وما احدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الاعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان عمل الاعياد والمواسم لها واجتماع أصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الأشياء التي فيا شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الالوهية التي بعثت الرسل إلى مقاتلة من خالفها ليكون الدين كله لله فعاهده على منع ذلك كله وعلى هدم القباب المبنية على القبور والاضرحة لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية وإقامة الحجة عليهم بالادلة القطعية التي لا تقبل التأويل من الكتب والسنة واذعانهم لذلك فعند ذلك امنت السبل وسلكت الطرق بين مكة والمدينة وبين مكة وجدة والطائف وانحلت الاسعار وكثر وجود المطعومات وما يجلبه عربان الشرق إلى الحرمين من الغلال والاغنام والاسمان والاعسال حتى بيع الاردب من الحنطة بأربع ريالات واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار وإذا نوقش في ذلك يقول: هؤلاء مشركون وأنا أخذ من المشركين لا من الموحدين.
شهر صفر الخير 1221
استهل بيوم الأحد فيه سافر محو بك إلى جهة المنية وفيه ورد من إسلامبول شخص قابجي وعلى يديه مرسومات بالجمارك وغيرها ومنها ضبط ترك الموتى المقتولين والمقبورين وكذلك تركه السيد أحمد المحروقي واخر يسمى الشريف محمد البرلي والقصد تحصيل الدراهم باي حجة كانت ووصل أيضا آخر متعين لجمرك الاسكندرية وآخر لدمياط ولرشيد أيضا.
وفيه عزم الباشا على السفر لمحاربة الألفي واشيع عنه ذلك وانزلوا مدافع من القلعة وجبخانة وآلات حربية.
وفي رابعه قوى عزمه على ذلك واشيع أنه مسافر يوم السبت واشار على السيد عمر أفندي النقيب بان ينوب عنه ويكون قائما مقامه في الاحكام مدة غيابه فلم يقبل السيد عمر ذلك وامتنع ثم فترت همته عن ذلك وتبين أنها ايهامات لا أصل لها.
وفي يوم الخميس أرسل الباشا إلى الخانات والوكائل اعوانا فختموا على حواصل التجار بما في داخلها من البن والبهار وذلك بعد أن امنهم وقبض منهم عشورها ومكوسها بالسويس فلما وصلت القافلة واستقرت البضائع بالحواصل فعل بهم ذلك ثم صالحوا وافرج عنهم.
وفيه ورد الخبر بأن الألفي ارتحل من ناحية الجسر الأسود والطرانة وقصد جهة البحيرة.
في يوم السبت ركب صالح أغا قابجي باشا ونزل إلى بولاق ليسافر إلى الديار الرومية فركب لوداعه الباشا وسعيد أغا والسيد عمر النقيب فيشيعوه إلى بولاق حتى نزل إلى المراكب وخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة بعد أن وفاه خدمته وهاداه بهدايا وأصحب معه هدايا للدولة وأربابها وعرفه بقضايا واغراض يتممها له هناك وودعوه ورجعوا إلى بيوتهم بعد الغروب.
وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر صالح أغا السلحدار إلى جهة بحري على طريق المنوفية وصحبته عساكر وقرروا له مقادير من الأكياس على كل بلد من البلاد الرائجة عشرون كيسا فما فوقها وما دونها ومن كل صنف مقادير أيضا.
وفيه فرضوا أيضا على البلاد غلال قمح وفول وشعير كل بلد عشرون اردبا فما فوقها وما دونها وهذه ثالث فرضة ابتدعت من الغلال على البلاد في هذه الدولة.
وفيه ورد الخبر بإن الألفي توجه إلى ناحية دمنهور البحيرة يوم الأربعاء رابعه وانهم امتنعوا عليه فحاصرهم لأنهم استعدوا لذلك والبلد منضافة إلى السيد عمر النقيب فكان يرسل إليهم ويحذرهم منه ويرسل إليهم ويمدهم بآلات الحرب والبارود ويحرضهم على الاستعداد للحرب فحصنوا البلدة وبنوا سورها وجعلوا فيها ابراجا وبدنات وركبوا عليها المدافع الكثيرة وأحضروا لهم ما يحتاجون إليه من الذخيرة والجبخانة وما يكفيهم سنة وحفروا حولها خنادق وهي في موقعها مرتفعة.
وفيه عزل الباشا محمد أغا كتخدا بك من كتخدائية بسبب أمور نقمها عليه وحبسه وطلب منه ألف كيس وقلد في الكتخدائية خازنداره وهو المعروف بدبوس اوغلي.
وفي ليلة الأحد ثامنه عدى ساري عسكر إلى بر انبابه بوطاقه وهو دبوس اوغلي الكتخدا المذكور وذلك في أواخر النهار وضربوا مدافع كثيرة لتعديته وأخذ العسكر في تشهيل أمورهم ولوازمهم وانفق عليهم الباشا نفقة هذا والطلب والتوزيع بالأكياس مستمر لا ينقطع عن أعيان الناس والتجار والافندية الكتبة وجماعة الضربخانة والملتزمين بالجمارك وكل من كان له أدنى علاقة أو خدمة أو تجارة أو صنعة ظاهرة أو فائظ أو له شهرة قديمة أو من مساتير الناس وغالب الاحيان المحصل لذلك والقاضي فيه السيد عمر أفندي النقيب وقد حكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وانعكس الحال والوضع وساءت الظنون والأمر لله وحده.
وفي يوم الخميس تاسع عشره ارتحل عرضى التجريدة من انبابه وذهبوا إلى جهة الوراريق.
وفي هذه الأيام كان بين مشايخ العلم منافسات ومنافرات ومحاسدات وذلك من أوائل شهر رمضان وتعصبات بسبب مشيخة الجامع ونظر أوقافه وأوقاف عبد الرحمن كتخدا فاتفق أن الشيخ عبد الرحمن السجيني ابن الشيخ عبد الرؤوف عمل وليمة ودعاهم إليها فاجتمعوا في ذلك اليوم وتصالحوا في الظاهر.
وفي يوم الإثنين هبت رياح جنوبية حارة واثارت غبارا وزوابع ولواقح ثم غيمت السماء غيما متقطعا وارعدت وامطرت فكان الغبار والزوابع والشمس طالعة والمطر نزل وذلك بعد العصر وحصل مثل ذلك أيضا في يوم الثلاثاء ولكن بعد الظهر.
وفي تلك الليلة بعد الغروب خرج الباشا محمد أفندي المنفصل عن الكتخدائية منفيا إلى جهة دمياط وأصحب معه عدة من العسكر ذهبوا به من طريق البر.
وفي أواخره رجعت عساكر من الارنؤد وكانوا كثيرين ونزلوا ببولاق ومصر القديمة وغالبهم الذين كانوا بصحبته حسن باشا طاهر وأخيه عابدين بك وسبب رجوعهم أنهم طلبوا علائفهم من حسن باشا وكان قد ظهر له فيهم المخامرة عليه وميلهم إلى الاخصام فامتنع من دفع علائفهم وقال لهم: اذهبوا إلى مصر واطلبوا علائفكم من الباشا وأرسل إليه يعرفه بحالهم ونفاقهم فلما تراسلوا في الحضور منعهم الباشا من الدخول إلى البلد ووعدهم بايصال علائفهم إليهم وهم خارج المدينة وبعد أن يقبضوا مالهم يعودون إلى مرابطهم كما كانوا فأقاموا بناحية بولاق وأرسل الباشا فجمع عربان الحويطات والعائد وغيرهم فاقاموا بناحية شبرا ومنية السيرج وهم جملة كبيرة استمروا في تجمعهم أربعة أيام وأرسل إلى الأجناد والجربجية وأمثالهم المقيمين بمصر وأمر بان يتهيئوا ويقضوا اشغالهم ويخرجوا صحبة حسن أغا الشماشيرجي فمن كان منهم ذا مقدرة وعنده حصان يركبه أو جمل يحمل عليه متاعه خرج بنفسه وإلا اخرج بدلا عنه واعطاه مصروفه واحتياجاته ولوازمه وبرزوا إلى خارج ثم أرسل إلى العساكر المذكورين يأمر كبارهم بالسفر إلى بلادهم فامتنعوا وقالوا: لا نسافر حتى نقبض المنكسر لنا من علائفنا فعند ذلك دس إلى اصاغرهم من خدعهم واستمالهم حتى تفرقوا في خدمة المستوطنين ولم يبق مع كبارهم المعاندين إلا القليل فلم يسعهم بعد ذلك إلا الامتثال وارتحلوا في غايته من بولاق وسافر معهم
الشماشيرجي المذكور ومن بصحبته من المصريين وحولهم العربان وساروا على طريق دمياط وهو اثنان وخمسون شخصا من كبار طائفة الارنؤود وحصل العرب في مدة تجمعهم مالاخير فيه وكذلك في مدة اقامتهم من الخطف والتعرية وقطع الطريق على المسافرين.
شهر ربيع الأول سنة 1221
استهل بيوم الثلاثاء وفي ليلة الأحد سادسه حصل رعد كثير وبرق بين المغرب والعشاء بدون مطر والغيم قليل متقطع وذلك سابع عشر بشنس وثاني عشر ايار والشمس في ثالث درجة من برج الجوزاء وذلك من النوادر في مثل هذا الوقت.
وفي يوم الأحد المذكور ضربوا مدافع من القلعة لبشارة وردت من الجهة القبلية وذلك أن رجب أغا وياسين بك اللذين انضما إلى الأمراء المصرية القبليين عملا متاريس بحرى المنية ليمنعا من يصل إليها من مراكب الذخيرة فلما سافر محبوك بمراكب الذخيرة ووصل إلى حسن باشا طاهر ببنى سويف أصحب معه عابدين بك وعدة من العسكر في عدة مراكب فلما وصلوا إلى محل المتاريس تراموا بالمدافع والرصاص واقتحموا المرور وساعدهم الريح فخلصوا إلى المنية وطلعوا إليها ودخلها عابدين بك وقتل فيما بينهم أشخاص وأرسلوا بذلك المبشرين فاخبروا بذلك وبالغوا في الأخبار وأن ياسين بك قتل هو وخلافة ورأسه وأصله مع رؤوس كثيرة فعلموا لذلك شنكا وضربت مدافع كثيرة ولم يكن لقتل ياسين بك صحة ثم وصل محو بك وابن وافي وقد نزلا في شكترية لها عدة مقاديف ودفعوا في قوة التيار حتى وصلوا إلى مصر ولم يصل معهم رؤس كما أخبر المبشرون.
وفيه قرر فرضة على البلاد وهي دارهم وغلال وعينوا لذلك كاشفا فسافروا معه عدة من العسكر وصحبتهم نقاقير وسافر أيضا خازندار الباشا بلبيس وأخذ صحبته أكثر رفقائه وأصحابه من أولاد البلد فسافروا على حين غفلة إلى ناحية الدقهلية.
وفي عاشره وصلت الأخبار بان الألفي ارتحل من البحيرة ورجع إلى ناحية وردان وعدي إلى جزيرة السبكية وهرب من كان مرابطا من الأجناد المصرية وغيرهم وطلبوا من أهالي السبكية دراهم وغلالا وفر غالب أهلها منها وجلوا عنها وتفرقوا في بلاد المنوفية.
وفي ثاني عشره يوم الجمعة عمل المولد النبوي ونصبوا بالازبكية صواري تجاه بيت الباشا والشيخ محمد سعيد البكري وقد سكن بدار مطلة على البركة داخل درب عبد الحق وأقام هناك ليالي المولد اظهارا لبعض الرسوم.
وفيه علقوا تسعة رؤوس على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا أنها من قتلى دمنهور وهي رؤوس مجهولة ووضعوا بجانبهم بيرقين ملطخين بالدماء.
وفيه طلب الباشا دراهم سلفة من الملتزمين والتجار وغيرهم بموجب دفتر أحمد باشا خورشيد الذي كان قبضها في عام أول قبل القومة والخرابة فعينوا مقاديرها وعينوا بطلها المعينين بالطلب الحثيث من غير مهلة ومن لم يجدوه بأن كان غائبا أو متغيبا دخلوا داره وطلبوا أهله أو جاره أو شريكه فضاق ذرع الناس وذهبوا أفواجا إلى السيد عمر أفندي النقيب فيتضجر ويتأسف ويتلقن! ويهون عليهم الأمر وربما سعى في التخفيف عن البعض بقدر الامكان وقد تورط في الدعوة.
وفيه سافر السيد محمد المحروقي إلى سد ترعة الفرعونية وذلك أن الترعة المذكورة لما اجتهد في سدها المصريون في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف كما تقدم فانفتحت من محل آخر ينفذ إلى ناحية الترعة المسماة بالفيض وكان ذلك بإشارة ايوب بك الصغير لعدم انقطاع الماء عن ري بلاده فتهورت أيضا هذه الناحية واتسعت وقوى اندفاع الماء إليها في مدة هذه السنين حتى جف البحر الغربى والشرقي وتغير ماء النيل في الناحية الشرقية وظهرت فيه الملوحة من حدود المنصورة وتعطلت مزارع الأرز وشرقت بلاد البحر الشرقي وشربوا الاجاج ومياه الآبار والسواقي وكثر
تشكي أهالي البلاد فحصل العزم على سدها في هذا العام وتقيد بذلك السيد محمد المحروقي وذو الفقار كتخدا وطلبوا المراكب لنقل الاحجار من الجبل وذهب ذو الفقار إلى جهة السد وجمع العمال والفلاحين وسيقت إليه المراكب المملوءة بالأحجار من أول شهر صفر إلى وقت تاريخه وجبوا الأموال من البلاد لأجل النفقة على ذلك ثم سافر السيد المحروقي أيضا وبذل جهده ورموا بها من الاحجار ما يضيق به الفضاء من الكثرة وتعطل بسبب ذلك المسافرون لقلة المراكب وجفاف البحر الغربي والخوف من السلوك فيه من قطاع الطريق والعربان فكانت المراكب المعاشات التي تأتي بالسفار وبضائع التجار يأتون بشحناتهم إلى حد السد ومحل العمل والشغل فيرسون هناك ثم ينقلون ما بها من الشحنة والبضائع إلى البر وينقلونها إلى السفن والقوارب التي تنقل الاحجار ويأتون بها إلى ساحل بولاق فيخرجون ما فيها إلى البر وتذهب تلك السفن والقوارب إلى اشغالها في نقل الحجر ولا يخفى ما يحصل في البضائع من الاتلاف والضياع والسرقة وزيادة الكلف والاجر وغير ذلك وطال امد هذا الامر.
وفي أواخره نزل الباشا للكشف على الترعة فغاب يومين وليلتين ثم عاد إلى مصر.
شهر ربيع الثاني سنة 1221.
فيه وردت سعادة من الاسكندرية وأخبروا بورود أربع مراكب وفيها عساكر من النظام الجديد وصحبتهم ططريات وبعض أشخاص من الانكليز ومعهم مكاتبة خطابا إلى الألفي وبشارة بالرضا والعفو للامراء المصرية من الدولة بشفاعة الانكليز فلما وصلوا إليه بناحية حوش ابن عيسى بالبحيرة سر بقدومهم وعمل لهم شنكا وضرب لهم مدافع كثيرة ثم شهلهم وارسلهم إلى الأمراء القبليين وصحبتهم أحد صناجقة وهو امين بك ومحمد كاشف تابع إبراهيم بك الكبير ثم أنه أرسل عدة مكاتبات بذلك الخبر إلى المشايخ وغيرهم بمصر وكذلك إلى مشايخ العربان مثل الحويطات والعائد
وشيخ الجزيرة وباقي المشاهير فأحضر ابن شديد وابن شعير الأوراق التي اتتهم من الألفي إلى الباشا وفيها نعلمكم أن محمد علي باشا ربما ارتحل إلى ناحية السويس فلا تحملوا اثقاله وأن فعلتم ذلك فلا نقبل لكم عذرا ولما سمع الباشا ذلك قال: إنه مجنون وكذاب.
وفيه فتح الباشا الطلب بفائظ البلاد والحصص من الملتزمين والفلاحين وأمر الروزنامجي وطائفته بتحرير ذلك عن السنة القابلة فضج الملتزمون وترددوا إلى السيد عمر النقيب والمشايخ فخاطبوا الباشا فاعتذر إليهم باحتياج الحال والمصاريف ثم استقر الحال على قبض ثلاثة ارباع النصف على الملتزمين والربع على الفلاحين وأن يحسب الريال في القبض منهم بثلاثة وثمانين نصفا ويقبضه بإثنين وتسعين وعلى كل مائة ريال خمسة انصاف حق طريق سواء كان القبض من الملتزم عن حصته في المصر أو بيد المعينين من طرف الكاشف في الناحية وإذا كان التوجيه بالطلب من كاشف الناحية كانت اشنع في التغريم والكلف لترادف الإرسال وتكرار حق الطريق.
وفي سادسه حضر أحمد كاشف سليم من الجهة القبلية وسبب حضوره أن الباشا لما بلغته هذه الأخبار أرسل الأمراء القبليين يستدعي منهم بعض عقلائهم مثل أحمد أغا شويكار وسليم أغا مستحفظان ليتشاور معهم في الأمر فلم يجب واحد منهم إلى الحضور ثم اتفقوا على إرسال أحمد كاشف لكونه ليس معدودا من افرادهم وبينه وبين الباشا نسب لأن ربيبته تحت حسن الشماشيرجي فحضر واختلى به الباشا مرارا ثم أمره بالعود فسافر في يوم الثلاثاء رابع عشره وأصحب معه هدية إلى إبراهيم بك والبرديسي وعثمان بك حسن وغيرهم من الأمراء وهي عدد خيول وقلاعيات وثياب وامتعة وغير ذلك.
وفي سادسه أيضا قبض الباشا على إبراهيم أغا الوالي وحبسه مع أرباب الجرائم وسبب ذلك أن البصاصين شاهدوا حمولا فيها ثياب من ملابس الأجناد اعدها بعض تجار النصارى ليرسلها إلى جهة قبلي لتباع
على أجناد الأمراء المصريين ومماليكهم ويربح فيها وسئل الحاملون لها فأخبروا أن أربابها فعلوا ذلك باطلاع الوالي المذكور على مصلحة أخذها منهم ووصل خبر ذلك إلى الباشا فأحضره وقبض عليه وحبسه ثم اطلقه بعد أيام على مصلحة تقررت عليه بشفاعة امراة من القهارمة المتقربين وعاد إلى منصبه وأخذت البضاعة وضاعت على أصحابها وغرموهم زيادة على ذلك غرامة وكذلك تهم الذي حجزها بانه اختلس منها أشياء وحبس وأخذت منه مصلحة فتحصل من هذه القضية جملة من المال مع أنها في خلال المراسلة والمهاداة ونودى بعد ذلك بان من أراد أن يرسل شيئا أو متجرا ولو إلى السويس فليستأذن على ذلك ويأخذ به ورقة من باب الباشا فان لم يفعل وضاع عليه فالوم عليه.
وفي يوم الثلاثاء رابع عشره ورد ساعي وصحبته مكتوب من حاكم الاسكندرية خطابا إلى الدفتردار يخبره بوصول قبطان باشا إلى الثغر وفي أثره وأصل باشا متولى على مصر واسمه موسى باشا وصحبتهم مراكب بها عساكر من الصنف الذي يسمى النظام الجديد وكان ورود القبطان إلى الثغر ليلة الجمعة عاشره وطلعوا إلى البر بالاسكندرية يوم السبت حادى عشره فلما قرأ الدفتردار الورقة أرسل إلى السيد عمر النقيب فحضر إليه وركب صحبته للباشا واختليا معه ساعة ثم فارقاه ولما بلغ الألفي ورود هذه الدونانمة وحضرت إليه المبشرون وهو بالبحيرة امتلأ فرحا وأرسل عدة مكاتبات إلى مصر صحبة السعادة فقبضوا على السعاة وحضروا بهم إلى الباشا فأخفاها ووصل غيرها إلى أربابها على غير يد السعاة وصورتها الأخبار بحضور الدونائمة صحبة قبطان باشا والنظام الجديد وولاية موسى باشا على مصر وانفصال محمد علي باشا عن الولاية وأن مولانا السلطان عفى عن الأمراء المصريين وأن يكونوا كعادتهم في إمارة مصر واحكامها والباشا المتولى ببستقر بالقلعة كعادته وأن محمد علي باشا يخرج من مصر ويتوجه إلى ولايته التي تقلدها وهي ولاية سلانيك وأن حضرة
قبطان باشا أرسل يستدعي اخواننا الأمراء من ناحية قبلي فالله يسهل بحضورهم فتكونون مطمئنين الخاطر واعلموا اخوانكم من الاولداشات والرعية بان يضبطوا أنفسهم ويكونوا مع العلماء في الطاعة وما بعد ذلك إلا الراحة والخير والسلام.
وفي يوم الجمعة سابع عشره ورد قاصد من طرف قبودان باشا إلى بولاق فأرسل إليه الباشا من قابله واركبه وحضر به إلى بيت الباشا وأراد أن ينزله بمنزل الدفتردار فاستعفى الدفتردار من نزوله عنده فأنزلوه ببيت الروزنامجي وأقام يوم السبت والأحد ولم يظهر ما دار بينهما ثم سافر في يوم الإثنين وذهب صحبته سليم المعروف بقبي لركخسي وشرع الباشا في عمل آلات حرب وجلل ومدافع وجمعوا الحدادين بالقلعة واصعدوا بنبات كثيرة واحتياجات ومهمات إلى القلعة وظهر منه علامات العصيان وعدم الامتثال وجمع إليه كبار العسكر وشاورهم وتناجى معهم فوافقوه على ذلك لأن مامن أحد منهم إلا وصار له عدة بيوت وزوجات والتزام بلاد وسيادة لم يتخيلها ولم تخطر بذهنه ولا بفكره ولا يسهل به الانسلاخ عنها والخروج منها ولو خرجت روحه وأخبر المخبر أن الألفي أرسل هدية إلى قبودان باشا وفيها ثلاثون حصانا منها عشرة برخوتها ومن الغنم أربعة آلاف راس وجملة ابقار وجواميس ومائة جمل محملة بالذخيرة وغير ذلك من النقود والثياب والاقمشة برسمه ورسم كبار اتباعه ثم أن الباشا أحضر السيد عمر والخاصة وعرفهم بصورة الأمر الوارد بعزله وولاية موسى باشا وأن الأمراء المصريين عرضوا للسلطنة في طلب العفو وعودهم إلى امرياتهم وخروج العساكر التي افسدت الإقليم عن أرض مصر وشرطوا على أنفسهم القيام بخدمة الدولة والحرمين الشريفين وإرسال غلالها ودفع الخزينة وتأمين البلاد فحصل عنهم الرضا واجيبوا إلى سؤالهم على هذه الشروط وأن المشايخ والعلماء يتكفلون بهم ويضمنون عهدهم بذلك فاعملوا فكركم ورأيكم في ذلك ثم انفصلوا من مجلسه.
وفيه أرسل الباشا فجمع الاخشاب التي وجدها ببولاق في الشوادر والحواصل والوكائل وطلعوا جميع ذلك إلى القلعة لعمل العربات والعجل برسم المدافع والقنابر.
وفي يوم الثلاثاء حادى وعشرينه كان مولد المشهد الحسيني المعتاد وحضر الباشا لزيارة المشهد ودعاه شيخ السادات وهو الناظر على المشهد والمتقيد لعمل ذلك فدخل إليه وتغدى عنده ثم ركب وعاد إلى داره وأكثر من الركوب والطواف بشوارع المدينة والطلوع إلى القلعة والنزول منها والذهاب إلى بولاق وهو لابس برنسا.
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه حضر ديوان أفندي وعبد الله أغا بكتاش الترجمان عند السيد عمر ومعهما صورة عرض يكتب عن لسان المشايخ إلى الدولة في شأن هذه الحادثة فتناجوا مع بعضهم حصة من النهار ثم ركبا وحضرا في ثاني يوم عند الشيخ عبد الله الشرقاوي وأمروا المشايخ بتنظيم العرضحال وترصيعه ووضع اسمائهم وختومهم عليه ليرسله الباشا إلى الدولة فلم تسعهم المخالفة ونظموا صورته ثم بيضوه في كاغد كبير.
وفي ليلة الإثنين ثالث عشرينه وصل شاكر أغا السلحدار الوزير إلى بولاق فتلقوه واركبوه إلى بيت الباشا فلما أصبح النهار أرسلوا ارواقا وصلت صحبة السلحدار المذكور إحداها خطابا للمشايخ وأخرى إلى شيخ السادات وثالثة إلى السيد عمر النقيب وكلها على نسق واحد وهي من قبدون باشا وعليها الختم الكبير وهي بالعربي وفرمان رابع باللغة التركية خطابا للجميع ومضمون الكل الأخبار بعزل محمد علي باشا عن ولاية مصر وولايته سلانيك وولاية السيد موسى باشا المنفصل عنها مصر وأن يكون الجميع تحت الطاعة والامتثال للأوامر والاجتهاد في المعاونة وتشهيل محمد علي باشا فيما يحتاج إليه من السفن ولوازم السفر ليتوجه هو وحسن باشا والي جرجا من طريق دمياط بالاعزاز والاكرام وصحبتهما جميع العساكر من غير تأخير حسب الأوامر السلطانية ثم أنهم اجتمعوا في عصر
ذلك اليوم بمنزل السيد عمر وركبوا إلى الباشا فلما استقروا بالمجلس قال لهم: وصلت إليكم المراسلات الواردة صحبة السلحدار قالوا: نعم قال: ما رأيكم في ذلك قال الشيخ البرقاوي: ليس رأى والرأي ما تراه ونحن الجميع على رأيك فقال لهم في غد: ابعث إليكم صورة تكتبونها في رد الجواب وأرسل إليهم من الغد صورة مضمونها أن الأوامر الشريفة وصلت الينا وتلقيناها بالطاعة والامتثال إلا أن أهل مصر ورعيتها قوم ضعاف وربما عصت العساكر عن الخروج فيحصل لأهل البلدة الضرر وخراب الدور وهتك الحرمات وأنتم أهل للشفقة والرحمة والتلطف ونحو ذلك من التزويقات والتمويهات واصدروها إليه في اثناء ذلك محمد علي باشا أخذ في الاهتمام والتشهيل واظهار الحركة والخروج لمحاربة الألفي وبرزت العساكر إلى ناحية بولاق وخارج البلدة وعدوا بالخيام إلى البر الغربي وتقدم إلى مشايخ الحارات بالتعريف على كل من كان متصفا بالجندية ويكتبوا اسماءهم ومحل سكنهم ففعلوا ذلك ثم كتب لهم أوراق بالأمر بالخروج وعليها ختم الباشا ومسطور في ورقة الأمر بأن المأمور يصحب معه شخصين أو ثلاثة على أن أكثرهم لا يملك حمارا يركبه ولا ما يحمل عليه متاعه ولا ما يصرفه على نفسه فضلا عن غيره وكذلك أمر الوجاقلية جليلهم وحقيرهم بالخروج للمحاربة.
وفيه شرع الباشا في تقرير فرضة على البلاد البحرية وهي القليوبية والمنوفية والغربية والدقهلية والمزاحمتين إلى آخر مجرى النيل ورتبوها اعلى وأدنى واوسط وهي غلال الاعلى ثلاثون اردبا وثلاثون رأسا من الغنم واردب أرز وثلاثون رطلا من الجبن ومن السمن كذلك وغير هذه الأصناف كالتبن والجلة وغير ذلك والاوسط عشرون اردبا وما يتبعها مما ذكر والأدنى اثنا عشر ومع ذلك القبض والطلب مستمر في فائظ الملتزمين بعضه من ذواتهم وبعضه من فلاحيهم مع ما يتبع ذلك من حق الطرق والخدم وتوالي الاستعجالات.
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه سافر شاكر أغا السلحدار بالأجوبة
شهر جمادى الأولى سنة 1221
استهل بيوم الخميس في ثانيه احترق معمل البارود بناحية المدابغ فحصل منه رجة عظيمة وصوت هائل مثل المدفع العظيم سمعه القريب والبعيد ومات به أشخاص ويقال: أنهم رموا بنبة من القلعة بقصد التجربة على جهة بولاق فسقطت في المعمل المذكور وحصل ما ذكر.
وفي ثالثه يوم السبت وقت الزوال ركب الباشا من داره يريد السفر لمحاربة الألفي ونزل إلى بولاق وعدى إلى بر انبابة لتجهيز العرضى وأرسل أوراقا لتجمع العربان وعين لذلك حسن أغا محرم وعلي كاشف الشرقية.
وفي ليلة الإثنين خامسه حضر سليم أغا قابجي كتخدا الذي تقدم سفره صحبة سعيد أغا كتخدا البوابين مرسلا إلى قبودان باشا من طرف محمد علي باشا فرجع بجواب الرسالة ومحصلها أن القبودان لم يقبل هذه الاعذار ولا ما نمقوه من التمويهات التي لا أصل لها ولا بد من تنفيذ الأوامر وسفر الباشا ونزوله هو وحسن باشا وعساكرهما وخروجهم من مصر وذهابهم إلى ناحية دمياط وسفرهم إلى الجهة المأمورين بالذهاب إليها ولا شىء غير ذلك ابدا.
وفي ليلة الخميس ثامنه حضر علي كاشف الشرقية وذلك أنه تقنطر من فوق جواده وكسرت رجله وأحضره محمولا.
وفي يوم الخميس المذكور وصل الكثير من طوائف عرب الحويطات ونصف حرام من ناحية شبرا إلى بولاق وضربوا لحضورهم مدافع.
وفيه ركب طوائف الدلاتية وتقدموا إلى جهة بحري واشيع ركوب محمد علي باشا وذلك اليوم فلم يركب.
وفي ثاثي عشره ورد خبر بوصول موسى باشا إلى ثغر سكندرية يوم الأحد حادي عشرة والمذكور أرسل من طرفه قاصدا وعلى يده مرسوم خطابا لاحمد أفندي الدفتردار بان يكون قائما مقامه ويأمره بضبط الايراد والمصرف فلم يقبل الدفتردار ذلك وقال: لم يكن بيدي قبض ولا صرف.
ولا علاقة لي بذلك.
وفي يوم الأحد طاقت! جماعة قواسة على بيوت الأعيان يبشرونهم بأن العساكر الكائنين بناحية الرحمانية ركبوا على عرضى الألفي ووقعت بينهم مقتلة كبيرة وقتلوا منه جملة فيهم أربع صناجق ونهبوا منه زيادة عن ثمانمائة جمل بأحمالها وعدة هجن محملة بالأموال ورجعت العساكر ومعهم نحو الثمانين رأسا ومائة اسير وغير ذلك وأن الألفي هرب بمفرده إلى ناحية الجبل وقيل إلى الاسكندرية فكانوا يطوفون على الأعيان بهذا الكلام ويأخذون منهم البقاشيش ثم ظهر أن هذا الكلام لا أصل له وتبين أن طائفة من العرب يقال لهم: الجو أبيض وهم طائفة مرابطون ليس يقع منهم اذية ولا ضرر لاحد مطلقا نزلوا بالجبل بتلك الناحية فدهمهم العسكر وخطفوا منهم ابلا واغناما وقتل فيما بينهم انفار من الفريقين لمدافعتهم عن أنفسهم.
وفي ذلك اليوم أيضا ركب حسن أغا الشماشيرجي إلى المنصورية قرية بالجيزة ومعه طائفة من العسكر وهي بالقرب من الاهرام فضربوا القرية ونهبوا منها اغناما ومواشي وأحضروها إلى العرضي بإنبابة وحضر خلفهم أصحاب الاغنام وفيهم نساء يصرخن ويصحن وصادف ذلك أن السيد عمر النقيب عدى إلى العرضى فشاهدهم على هذه الحالة فكلم الباشا في شأنهم فأمر بأن برد الاغنام التي للنساء والفقراء الصارخين وذهبوا بالباقي للمطابخ.
وفي ثاني عشره وردت الأخبار بأن العساكر الكائنين بالرحمانية ومرقص رجعوا إلى النجيلة ونصبوا عرضيهم هناك وحضر الألفي تجاههم فركبوا لمحاربته وكانوا جمعا عظيما فركب الألفي بجيوشه وحاربهم ووقع بينه وبينهم وقعة عظيمة انجلت عن نصرته عليهم وانهزام العسكر وقتل من الدلاة وغيرهم مقتلة عظيمة ولم يزالوا في هزيمتهم إلى البحر والقوا بأنفسهم فيه وامتلأ البحر من طراطير الدلاتية وهرب كتخدا بك وطاهر باشا إلى بر المنوفية وعدوا في المراكب واستولى الألفي وجيوشه على خيولهم.
وخيامهم وحملاتهم وجبخانتهم وأرسل برؤوس القتلى والأسرى إلى القبودان واشيع خبر هذه الواقعة في الناس وتحدثوا بها وانزعج الباشا والعسكر انزعاجا عظيما وعدى إلى بر بولاق وطاف الوالي وأصحاب الدرك ينادون على العساكر بالخروج إلى العرضى ويكتبون اسماءهم وحضر الباشا إلى داره وأكثر من الركوب والذهاب والمجىء والطواف حول المدينة والشوارع ويذهب إلى بولاق ومصر القديمة ويرجع ليلا ونهارا وهو راكب رهوانا تارة أو فرسا أو بغلة ومرتد ببرنس أبيض مثل المغاربة والعسكر إمامه وخلفه ووصل مجاريح كثيرة وأخبروا بالواقعة المذكورة ومات من جماعة الألفي أحمد بك الهنداوي فقط وانجرح امين بك وغيره جرح سلامة.
وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه وصلت العساكر المهزومة وكبراؤهم إلى بولاق وفيهم مجاريح كثيرة وهم في اسوأ حال فمنعهم الباشا من طلوع البر وردهم بمراكبهم إلى بر انبابة واستمروا هناك إلى آخر النهار وهم عدد كثير وقد انضاف إليهم من كان ببر المنوفيه ولم يحضر المعركة لما داخلهم من الخوف ثم أنهم طلعوا إلى بولاق وانتشروا في النواحي وذهب منهم الكثير إلى مصر القديمة وحضر كثير منهم ودخلوا المدينة ودخلوا البيوت وازعجوا كثيرا من الناس والساكنين بناحية قناطر السباع وسويقة واللالا والناصرية وغير ذلك من النواحي واخرجوهم من دورهم وقد كانت الناس استراحت منهم مدة غيابهم.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشرينه الموافق لثامن مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وركب الباشا في صبيحة يوم الخميس إلى قنطرة السد وحضر القاضي والسيد عمر النقيب وكسر الجسر بحضرتهم وجرى الماء في الخليج جريانا ضعيفا بسبب علو ارضه وعدم تنظيفه من الاتربة المتراكمة فيه ويقال: أنهم فتحوه قبل الوفاء لاشتغال بال الباشا وتطيره وخوفه من حادثة تحدث في مثل يوم هذا الجمع وخصوصا وقد وصل إلى بر الجيزة الكثير من أجناد الألفي.
شهر جمادي الآخرة سنة 1221.
استهل بيوم السبت في سادسه حضر طاهر باشا إلى بر انبابة ونصب خيامه هناك وعدى هو في قلة إلى بولاق وذهب إلى داره بالأزبكية وكان من أمره أنه لما حصلت له الهزيمة فذهب إلى المنوفية وقد اغتاظ عليه الباشا وأرسل يقول له: لا تريني وجهك بعد الذي حصل وترددت بينهما الرسل ثم أرسل إليه يأمره بالذهاب إلى رشيد فذهب إلى فوة ثم حضر شاهين بك الألفي إلى الرحمانية فأرسل الباش إلى طاهر باشا يأمره بالذهاب إلى شاهين بك ويطرده من الرحمانية فذهب إليه في المراكب فضرب عليه شاهين بك بالمدافع فكسر بعض مراكبه فرجع على أثره وركب من البر حتى عدى بحر الرحمانية ثم حضر إلى مصر ووصل بعده الكثير من العسكر فأمرهم الباشا بالعود فعاد الكثير منهم في المراكب وحضر أيضا إسمعيل أغا الطوبجي كاشف المنوفية وقد داخل الجميع الخوف من الألفي وأما الألفي فإنه بعد انفصال الحرب من النجيلة رجع إلى حصار دمنهور وذلك بعد أن ذهب أعيانها إلى قبودان باشا وقابلوه وامنهم ورجعوا على امانة فافترقوا فرقتين فرقة منهم اطمأنت ورضيت بالأمان والأخرى لم تطمئن بذلك وأرسلوا إلى السيد عمر والباشا فرجع إليهم الجواب يأمرونهم باستمرارهم على الممانعة ومحاربة من يأتي لحربهم فامتثلوا ذلك وتبعتهم الفرقة الأخرى وأرسل إليهم القبودان يدعوهم إلى الطاعة ويضمن لهم عدم تعدي الألفي عليهم فلم يرضوا بذلك فعند ذلك استفتى العلماء في جواز حربهم حتى يذعنوا للطاعة فأفتوه بذلك فعند ذلك أرسل إلى الألفي يأمره بحربهم فحاصرهم وحاربهم واستمر ذلك.
وفي يوم الجمعة سابعه ورد الخبر بموت الكاشف الذي بدمنهور.
وفي يوم الخميس ثالث عشره وصلت قافلة من السويس وصحبتها المحمل فأدخلوه وشقوا به من المدينة وخلفه طبل وزمر وإمامه أكابر العسكر وأولاد الباشا ومصطفى جاويش المتسفر عليه ولقد أخبرني مصطفى
جاويش المذكور أنه لما ذهب إلى مكة وكان الوهابي حضر إلى الحج واجتمع به فقال له: الوهابي ماهذه العويدات التي تأتون بها وتعظمونها بينكم يشير بذلك القول إلى المحمل فقال له: جرت العادة من قديم الزمان بها يجعلونها علامة واشارة لاجتماع الحجاج فقال: لا تفعلوا ذلك ولا تأتوا به بعد هذه المرة وأن اتيتم به مرة أخرى فإني اكسره.
وفي ليلة الأربعاء حضر الأفندي المكتوبجي من طرف القبودان إلى بولاق فأرسل إليه الباشا حصانا فركبه وحضر إلى بيت الباشا بالازبكية في صبح يوم الأربعاء المذكور فأحضر الباشا الدفتردار وسعيد أغا واختلوا مع بعضهم ولم يعلم مادار بينهم.
وفي يوم الخميس عشرينه ارتحل من بالجيزة من الأمراء المصريين وعدتهم ستة من المتآمرين الجدد الذين امرهم الألفي فذهبوا عند أستاذهم بناحية دمنهور ونزلوا بالقرب منه.
وفي خامس عشرينه مر سليمان أغا صالح من ناحية الجيزة راجعا من عند الأمراء القبالى وصحبته هدايا من طرفهم للقبودان وفيها خيول وعبيد وطواشية وسكر ولم يجيبوا على الحضور لممانعة عثمان بك البرديسي وحقده الكامن للالفي ولكون هذه الحركة وهي مجئ القبودان وموسى باشا باجتهاده وسفارته وتدبيره كما سيتلى عليك فيما بعد وفيه ظهرت فحوى النتيجة القياسية وانعكاس القضية وهو أن القبودان لما لم يجد في المصرلية الاسعاف وتحقق ماهم عليه من التنافر والخلاف وتكررت ما بينه وبين الفريقين المراسلات والمكاتبات فعند ذلك استأنف مع محمد علي باشا المصادقة وعلم أن الاروج له معه الموافقة فأرسل إليه المكتوبجي واستوثق منه والتزم له باضعاف ماوعد به من الكذابين معجلا ومؤجلا على ممر السنين والالتزام بجميع المأمورات والعدول عن المخالفات فوقع الاتفاق على قدر معلوم وأرسل إلى محمد علي باشا يأمره بكتابة عرضحال خلاف الاولين ويرسله صحبة ولده علي يد القبودان فعند ذلك لخصوا عرضحال.
وختم عليه الأشياخ والاختيارية والوجاقلية وارسله صحبة ابنه إبراهيم بك وأصحب معه هدية حافلة وخيولا واقمشة هندية وغير ذلك وتلفت طبخة الألفي والتدابير ولم تسعفه المقادير.
وفي هذه الأيام تخاصم عرب الحويطات والعيايدة وتجمع الفريقان حول المدينة وتحاربوا مع بعضهم مرارا وانقطعت السبل بسبب ذلك وانتصر الباشا للحويطات وخرج بسببهم إلى العادلية ثم رجع ثم أنهم اجتمعوا عند السيد عمر النقيب وأصلح بينهم.
شهر رجب سنة 1221.
استهل بيوم الأحد فيه وصل القاضي الجديد ويسمى عارف أفندي وهو ابن الوزير خليل باشا المقتول وانفصل محمد أفندي سعيد حفيد علي باشا المعروف بحكيم اوغلي وكان إنسانا لابأس به مهذبا في نفسه وسافر إلى قضاء المدينة المنورة من القلزم بصحبة القافلة.
وفي يوم الجمعة سادسه سافر إبراهيم بك بن الباشا بالهدية وسافر بصحبته محمد أغا لاظ الذي كان سلحدار محمد باشا خسروا.
وفي يوم السبت أرسل الباشا إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي ترجمانه يأمره بلزوم داره وأنه لا يخرج منها ولا إلى صلاة الجمعة وسبب ذلك أمور وضغائن ومنافسات بينه وبين اخوانه كالسيد محمد الدواخلي والسيد سعيد الشامي وكذلك السيد عمر النقيب فأغروا به الباشا ففعل به ما ذكر فامتثل الأمر ولم يجد ناصرا واهمل امره.
وفيه توارت الأخبار بوقوع معركة عظيمة بين العسكر والالفي وذلك أن الألفي لم يزل محاصرا دمنهور وهم ممتنعون عليه إلى الآن وسد خليج الاشرفيه ومنع الماء عن البحيرة والاسكندرية لضرورة مرور الماء من ناحية دمنهور ليعطل عليهم المراد من الحصار فأرسل الباشا بربر باشا الخازندار ومعه عثمان أغا ومعهما عدة كثيرة من العساكر في المراكب فوصلوا إلى خليج الاشرفية من ناحية الرحمانية وعليه جماعة من الالفية فحاربوهم حتى
اجلوهم عنها وفتحوا فم الخليج فجرى فيه الماء ودخلوا فيه بمراكبهم فسد الالفية الخليج من اعلى عليهم وحضر شاهين بك فسد مع الالفية فم الخليج باعدال القطن والمشاق ثم فتحوه من اسفل فسال الماء في السبخ ونضب الماء من الخليج ووقفت السفن على الأرض ووصلتهم الالفية فاوقعوا معهم وقعة عظيمة وذلك عند قرية يقال لها: منية القران فانهزموا إلى سنهور وتحصنوا بها فأحاطوا بهم واستمروا على محاربتهم حتى افترق الفريقان فيما بعد.
وفيه أيضا وصلت الأخبار بإن ياسين بك لم يزل يحارب من بمدينة الفيوم حتى ملكها وقتل من بها ولم ينج منهم إلا القليل وكانوا أرسلوا يستنجدون بإرسال العسكر فلم يلحقوهم.
وفيه وردت الأخبار من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين اخلوا منفلوط وملوى وترفعوا إلى اسيوط وجزيرة منقياط وتحصنوا بهما وذلك لما أخذ النيل في الزيادة وخشوا من ورود العساكر عليهم بتلك النواحي فلايمكنهم التحصن فيها فترفعوا إلى اسيوط فلما فعلوا ذلك اشاعوا هروبهم وذكروا أن عادبدين بك وحسن بك حارباهم وطرداهم إلى أن هربوا إلى اسيوط ولما خلت تلك النواحي منهم رجع كاشف منفلوط وملوى وخلافهما الذين كانوا طردوهم في العام الماضي وفروا من مقاتلتهم.
وفيه شرع الباشا في تجهيز عساكر وتسفيرهم إلى جهة بحرى وقبلي وحجزوا المراكب للعسكر فانقطعت سبل المسافرين وذلك عندما اطمأن خاطره من قضية القبودان والعزل.
وفيه شرع أيضا في تقرير فرضة عظيمة على البلاد والقرى والتجار ونصارى الاروام والاقباط والشوام ومساتير الناس ونساء الأعيان والملتزمين وغيرهم وقدرها ستة آلاف كيس وذلك برسم مصلحة القبودان وذكروا أنها سلفة ستة أيام ثم ترد إلى أربابها ولا صحة لذلك.
وفي ليلة الإثنين وصل كتخدا القبودان إلى ساحل بولاق فضربوا
لقدومه مدافع وعملوا له شنكا وأرسل له في صبحها خيولا صحبة ابنه طوسون ومعهم أكابر الدولة والاغا والوالي والاغوات فركب في موكب عظيم ودخلوا به من باب النصر وشق من وسط المدينة وعمل الباشا الديوان واجتمع عنده السيد عمر والمشايخ المتصدرون ما عدا الشيخ عبد الله الشرقاوي ومن يلوذ به فسأل عليه القاضي وعلى من تاخر فقيل له الآن يحضر ولعل الذي اخره ضعفه ومرضه ثم أنهم انتظروا باقي الوجهاء وأرسلوا لهم جملة مراسيل فلما حضروا قرأوا المرسوم الوارد صحبة الكتخدا المذكور "ومضمونه" ابقاء محمد علي باشا واستمراره على ولاية مصر حيث أن الخاصة والعامة راضية بأحكامه وعدله بشهادة العلماء واحتراف الناس وقبلنا رجاءهم وشهادتهم وأنه يقوم بالشروط التي منها طلوع الحج ولوازم الحرمين وايصال العلائف والغلال لأربابها على النسق القديم وليس له تعلق بثغر رشيد ولا دمياط والاسكندرية فانه يكون ايرادها من الجمارك يضبط إلى الترسخانة السلطانية بإسلامبول ومن الشروط أيضا أن يرضى خواطر الأمراء المصريين ويمتنع من محاربتهم البلاد ويعطيهم جهات يتعيشون بها وهذا من قبيل تحلية البضاعة وانفض المجلس وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية وبولاق واشيع عمل زينة بالبلدة وشرع الناس في اسبابها وبعضهم علق على داره تعاليق ثم بطل ذلك وطاف المبشرون من اتبعاهم على بيوت الأعيان لأخذ البقاشيش واذن الباشا بدخول المراكب إلى الخليج والازبكية ثم عملوا شنكا وحراقات وسواريخ ثلاثة أيام بلياليها بالازبكية.
شهر شعبان سنة 1221
فيه تكلم القاضي مع الباشا في شأن الشيخ عبد الله الشرقاوي والافراج عنه ويأذن له في الركوب والخروج من داره حيث يريد فقال: أنا لاذنب لي في التحجير عليه وإنما ذلك من تفاقمهم مع بعضهم فأستاذنه في مصالحتهم فاذن له في ذلك فعمل القاضي لهم وليمة ودعاهم وتغدوا عنده وصالحهم
وقرأوا بينهم الفاتحة وذهبوا إلى دورهم والذي في القلب مستقر فيه.
وفيه وردت الأخبار من الديار الرومية بقيام الرومنلي وتعصبهم على منع النظام الجديد والحوادث فوجهوا عليهم عسكر النظام فتلاقوا معهم وتحاربوا فكانت الهزيمة على النظام وهلك بينهم خلائق كثيرة ولم يزالوا في أثرهم حتى قربوا من دار السلطنة فترددت بينهم الرسل وصانعوهم وصالحوهم على شروط منها عزل أشخاص من مناصبهم ونفى آخرين ومنهم الوزير وشيخ الإسلام والكتخدا والدفتردار ومنع النظام والحوادث ورجوع الوجاقات على عادتهم وتقلد اغات الينكجرية الصدارة وأشياء لم تثبت حقيقتها.
وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من الجهة القبلية.
وفي عاشره تواترت الأخبار بوقوع وقائع بالناحية القبلية واختلاف العساكر ورجوع من كل بناحية منفلوط وعصيان المقيمين بالمنية بسبب تأخر علائفهم ورجع حسن بك باشا إلى ناحية المنية فضرب عليه من بها فانحدر إلى بني سويف.
وفيه حضر إسماعيل الطوبجى كاشف المنوفية باستدعاء فأرسله الباش بمال إلى الجهة القبلية ليصالح العساكر.
وفيح وردت الأخبار من ثغر الاسكندرية بسفر قبودان باشا وموسى باشا إلى إسلامبول وأخذ القبودان صحبته ابن محمد علي باشا وكان نزولهم وسفرهم في يوم السبت خامسه واستمر كتخدا القبودان بمصر متخلفا حتى يستغلق مال المصالحة.
وفيه شرعوا في تقرير فرضة على البلاد أيضا.
وفيه حضر محمود بك من ناحية قبلى.
وفي سادس عشره سافر كتخدا القبودان بعدما استغلق المطلوب.
وفيه وصل إلى ثغر بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بالاستمرار على ولاية مصر وخلعة وسيف فأركبوه من بولاق إلى الازبكية
في موكب حفل وشقوا به من وسط المدينة وحضر المشايخ والأعيان والاختيارية ونصب الباشا سحابة بحوش البيت للجمع والحضور وقرئت المرسومات وهما فرمانان إحداهما يتضمن تقرير الباشا على ولاية مصر بقبول شفاعة أهل البلدة والمشايخ والاشراف والثاني يتضمن الأوامر السابقة وبإجراء لوازم الحرمين وطلوع الحج وإرسال غلال الحرمين والوصية بالرعية وتشهيل غلال وقدرها ستة آلاف اردب وتسفيرها على طريق الشام معونة للعساكر المتوجهين للحجاز.
وفيه الأمر أيضا بعدم التعرض للامراء المصريين وراحتهم وعدم محاربتهم لأنه تقدم العفو عنهم ونحو ذلك وانقضى المجلس وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية.
واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1221
وانقضى بخبر ولم يقع فيه من الحوادث سوى توالي الطلب والفرض والسلف التي لا ترد وتجريد العسكر إلى محاربة الألفي واستمرار الألفي بالجيزة ومحاصرة دمنهور واستمرار أهل دمنهور على الممانعة وصبرهم على المحاصرة وعدم الطاعة مع متاركة المحاربة.
وفيه ورد الخبر بموت عثمان بك البرديسي في أوائل رمضان بمنفلوط وكذلك سليم بك أبو دياب ببنى عدي.
وفي أواخره تقدم محمد علي باشا إلى السيد عمر النقيب بتوزيع جملة أكياس على اناس من مياسير الناس على سبيل السلفة.
واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة 1221
ولم يقع في شهر رمضان هذا ارتباك في هلاله أولا وآخرا كما حصل فيما تقدم وكذلك حصل به سكون وطمأنينة من عربدة العساكر لولا توالي الطلب والسلف والدعاوي الباطلة في المدينة والارياف وعسف أرباب المناصب في القرى وعملوا شنكا للعيد بمدافع كثيرة في الاوقاف الخمسة ثلاثة أيام العيد
وفيه فتحوا طلب الميري على السنة القابلة وجدوا في التحصيل ووجهوا بالطلب العساكر والقواسة والاتراك بالعصي المفضضة وضيقوا على الملتزمين.
وفي عاشره اخرج الباشا خياما ونصب عرضى بناحية شبرا ومنية السيرج والتمس من السيد عمر توزيع أربعمائة كيس برأيه ومعرفته فضاق صدره وشرع في توزيعها على التجار ومساتير الناس حيث لم يمكنه التخلف ولا التباعد عن ذلك.
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه وصل حسن باشا طاهر من الجهة القبلية ودخل داره وخرج محمد على باشا إلى جهة الحلى يريد السفر إلى الألفي ووصلت عربان الألفي وعساكره إلى بر الجيزة وطلبوا الكلف من البلاد.
وفي يوم الأحد رابع عشرينه عدى محمد علي باشا إلى بر انبابه.
وفي يوم الإثنين خامس عشرينه عدى محمد علي باشا وغالب العسكر إلى بولاق واشاعوا أن الاخصام هربوا من وجوههم فلم يذهبوا خلفهم بل رجعوا على أثرهم ونهبوا كفرحكيم وما جاوروه من القرى حتى أخذوا النساء والبنات والصبيان والمواشي ودخلوا بهم إلى بولاق والقاهرة ويبيعونهم فيما بينهم من غير تحاش كانهم سبايا الكفار.
واستهل شهر القعدة سنة 1221 بيوم السبت
ووصل الحجاج الطرابلسية وعدوا إلى بر مصر.
وفي يوم الأحد ثانيه وصلت قوافل الصعيد من ناحية الجبل وبها أحمال كثيرة وبضائع مع عرب المعازة وغيرهم فركب الباشا ليلا وكبسهم على حين غفلة ونهبهم وأخذ جمالهم واحمالهم ومتاعهم حتى أولاد العربان والنساء والبنات دخلوا بهم إلى المدينة يقودونهم أسرى في أيديهم ويبيعونهم فيما بينهم كما فعلوا باهل كفر حكيم وما حوله.
وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع كثيرة من القلعة بورود أشخاص من
الططر ببشارة إلى الباشا وتقريره على السنة الجديدة.
وفي يوم السبت ثانيه اداروا كسوه الكعبة والمحمل وركب معها المتسفر عليها من القلزم وهو شخص يقال له: محمود أغا الجزيري وركب إمامه الاغا والوالي والمحتسب وطائفة الدلاة وكثير من العسكر.
وفي يوم الإثنين عاشره وصلت الأخبار بوصول الألفي إلى ناحية الاخصاص وانتشار جيوشه بإقليم الجيزة وكان الباشا معزوما ذلك اليوم عند سعودي الحناوي بسوق الزلط وحارة المقس وركب قبيل العصر وذهب إلى بولاق وأمر العساكر بالخروج ولا يتخلف أحد لخامس ساعة من الليل وعدى بمن معه إلى بر انبابه.
وفي لية الأربعاء وقع بين الألفي والعسكر معركة وانحاز العسكر وتترسوا بداخل الكفور والبلاد ووصل منهم جرحى إلى البلد واستمر الأمر على ذلك وهم يهابون البروز إلى الميدان واخصامهم لا يحاربون المتاريس والحيطان.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره ركب الألفي بجيوشه وتوجه إلى ناحية قناطر شبر امنت فلما عاينهم الباشا ومن معه مارين ركب بعسكره من ناحية كفر حكيم وما حوله وساروا إلى جهة الجيزة ونصب وطاقه بحريها وباتوا تلك الليلة وعملوا شنكا في صبحها وهم يشيعون هروب الألفي والحال أنه مر في جيش كثيف وصورة هائلة وقد رتب جنوده وعساكره طوابير وبين يديه النظام الذي رتبه على هيئة عسكر الفرنسيس ومعهم طبول بكيفية خرعت عقولهم والباشا واقف بجيوشه ينظر إليه تارة بعينه وتارة بالنظارة ويقول: هذا طهماز الزمان ويتعجب وقال لطائفة الدلاة: تقدموا لمحاربته وأنا اعطيكم كذا وكذا من المال فلم يجسروا على التقدم لما سبق لهم معه.
وفي يوم الخميس حضر أشخاص من العرب إلى الباشا وأخبروه بأن الألفي قد مات يوم وصوله إلى تلك المحطة وذلك ليلة الأربعاء تاسع
عشرة وقد نزل به خلط دموي فتقايا ثم مات وذلك بناحية المحرقة بالقرب من دهشور وأن مماليكه اجتمعوا وأمروا عليهم شاهين بك وذلك باشارة أستاذهم وأن طائفة أولاد علي انفصلوا عنهم ورجعوا إلى بلادهم واخرين يطلبون الأمان فاشتبه الحال وشاع الخبر وصارت الناس بين مصدق ومكذب واستمر الاشتباه والاضطراب أياما حتى أن الباشا خلع على ذلك المخبر بعد أن تحقق خبره فروة سمور وركب بها وشق من وسط المدينة والناس ما بين مصدق ومكذب ويظنون أن ذلك مكايده وتحيلاته لأمور يدبرها إلى أن حضر بعض الخدم إلى دوره وأخبروا بحقيقة الحال كما ذكر فعند ذلك زال الاشتباه وعد ذلك من تمام سعد محمد علي باشا الدنيوي حتى أنه قال في مجلس خاصته: الآن ملكت مصر ولما مات الألفي ارتحلت اجناده ومماليكه وأمراؤه وارتفعوا إلى ناحية قبلي.
ثم أن الباشا أرسل إلى أمرائه مكاتبة يستميلهم ويطلبهم للصلح ويدعوهم للانضمام إليه ويعدهم أن يعطيهم فوق مأمولهم ونحو ذلك وأرسل تلك المكاتبة صحبة قادري أغا الذي طرده الألفي ونفاه وأخذ محمد علي باشا في الاهتمام والركوب واللحوق بهم وفي كل يوم ينادي على العسكر بالمدينة بالخروج وقوى نشاطهم ورفعوا رؤوسهم وسعوا في قضاء اشغالهم وخطفوا الجمال والحمير وحضر الباشا إلى بيته بالازبكية وبات به ليلة الأحد وصرح بسفره يوم الخميس وخرج إلى العرضى ثانيا وطلب السلف والمال ومضى الخميس والجمعة ولم يسافر.
وفي ليلة السبت تاسع عشرينه نزل به حادر وتحرك عنده خلط وحصل له اسهال وقىء واشاع الناس موته يوم السبت وتناقلوه وكاد العسكر ينهبون العرضى ثم حصلت له افاقة وخرج السيد عمر والمشايخ للسلام عليه يوم الأحد ولينهؤه بالعافية وكذلك خرجوا لوداعه قبل ذلك مرارا.
وفيه حضر قادري بجوابات الرسالة من أمراء الألفي احدها للباشا وعليه ختم شاهين بك وباقي خشداشينه الكبار وآخر خطابا لمصطفى كاشف أغا
الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ومن كان كاتبهم بالمعنى السابق يذكرون في جوابهم أن كان سيدهم قد مات وهو شخص واحد فقد خلف رجالا وامراءوهم على طريقة أستاذهم في الشجاعة والرأي والتدبير ونحو ذلك وليس كل مدع تسلم له دعواه ومن أمثال المغاربة ما كل حمراء لحمة ولا كل بيضاء شحمة وذكروا في الجواب أيضا أنه أن اصطلح مع كبرائهم الكائنين بقبلي وهم إبراهيم بك الكبير وعثمان بك حسن وباقي أمرائهما كنا مثلهم وأن كان يريد صلحنا دونهم فيعطينا ما كان يطلبه أستاذنا من الاقاليم ونحو ذلك.
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الإثنين سنة 1221
وفيه ارتحل الباشا بالعرضى إلى ساقية مكي بالجيزة متوجها لقبلي.
وفيه طلبوا المراكب من كل ناحية وعز وجودها وامتنعت الواردون ومراكب المعاشات والتجارات مع استمرار الطلب للمغارم والسلف ونحو ذلك وفي منتصفه وردت مكاتبات من وزير الدولة العثمانية وفيها الخبر بوقوع الغزو بين العثماني والموسكوب والأمر بالتيقظ والتحفظ وتحصين الثغور فربما اغاروا على بعضها على حين غفلة وكذلك وردت أخبار بمعنى ذلك من حاكم ازمير وحاكم رودس وأن الانكليز معاونون لطائفة الموسكوب لاستمرار عداوتهم مع الفرنساوية لكون الفرانساوية متصادفين مع العثماني والخبر عن مجمل القضية أن بونابارته أمير جيش الفرنساوية وعساكرهم خرجوا في العام الماضي واغاروا على القرانات والممالك الافرنجية واستولوا على النيمسة التي هي اعظم القرانات وبينهم وبين الموسكوب مصادقة ونسب فأرسل الموسكوب جندا كثيفا مساعدة للنمساوية مع كبير من قرابة قرانهم فتلاقوا مع بونابارته بعد استيلائه على تخت النيمسة فهزمهم أيضا واسر عظماءهم وسار بجيوشه إلى الروسية واستولى على عدة اساكل وكلما استولى على جهة قرر بها حكامها وشرط عليهم شروطه التي منها معاداة الانكليز ومنابذتهم وراسله العثماني
وراسله هو أيضا ورأى العثماني قوة بأسه فصادقه وأرسل إليه من طرفه الجي إلى إسلامبول فدخلها في ابهة عظيمة وانزلوه منزلا حسنا وأرسل صحبته هدايا وقوبل بأعظم منها وكذلك أرسل إلى خصوص بونابارته تحفا وهدايا وتاجا من الجوهر فعند ذلك انتبذ الموسكوب ونقض الهدنة بينه وبين العثماني وطلب المحاربة فخافه العثماني لما يعلمه منه من القوة والكثرة وسعى الانكليزي بينهما بالصلح واجتهد في ذلك حتى امضاه بشروط قبيحة وشرع أهل الاسكندرية في تحصين قلاعها وابراجها وكذلك أبو قير أرسل كتخدا بك من يتقيد ببناء قلعة بالبرلس وحصل لمصر قلق ولغط وغلت الاسعار في البضائع المجلوبه وعملوا جميعات ببيت كتخدا بك وببيت السيد عمر النقيب واتفقوا على إرسال تلك المراسلات إلى محمد علي باشا بالجهة القبلية وصحبة ديوان افندي.
وفي عشرينه اجتمعوا بالأزهر لقراءة صحيح البخاري في اجزاء صغار.
وفيه حضر ديوان أفندي بمكاتبات وفيها طلب جماعة من الفقهاء ليسعوا في اجراء الصلح بين الأمراء المصريين وبين الباشا فوقع الاتفاق على تعيين ثلاثة أشخاص وهم بن الشيخ الأمير وابن الشيخ العروسي والسيد محمد الدواخلي فسافروا في يوم الأحد سادس عشرينه ووصلت الأخبار بان الانجليز حضروا في اثني عشر مركبا وعبروا بغاز إسلامبول وكانوا محترسين فضربوا عليهم بالمدافع من الجهتين فلم يكترثوا ولم يفزعوا ولم يتاخروا ولم يصب الضرب إلا مركبا واحدة من الاثني عشر وعمروا ثلمتها في الحال ولم يزالوا سائرين حتى رسوا ببر إسلامبول فهاج كل أهلها وصرخوا وانزعجوا انزعاجا عظيما وايقنوا بأخذ الانكليز البلدة ولو أرادوا حرقها لاحرقوها عن آخرها فعند ذلك نزل اليهى السيد علي باشا القبطان وهو اخو علي باشا الذي كان أخذ يسيرا مع البرديسي من برج مغيزل برشيد فتكلم معهم وصالحهم وخرجوا من البغاز سالمين مغبوطين بعفوهم المقدرة وانقضت السنة بحوادثها.
وأما من مات بها من العلماء والأمراء ممن له ذكر.
مات العمدة الفاضل صدر المدرسين وعمدة المحققين الفقيه الورع الشيخ محمد الخشني الشافعي تخرج على الشيخ عطية الاجهوري وغيره من أشياخ العصر المتقدمين كالحفني والعدوي ومسكنه بخطة السيدة نفيسة ويأتي إلى الأزهر في كل يوم فيقرأ دروسه ثم يعود إلى داره متقللا في معيشته منعزلا عن مخالطة غالب الناس وهو آخر الطبقة وتمرض شهورا بمنزله الذي بالمشهد النفيسي وكان دائما يسأل عن الشيخ سليمان البجيرمي وكان يقول: لا اموت حتى يموت البجيرمي لأنه راى النبى صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له: أنت آخر اقرانك موتا ولم يكن من اقرانه سوى البجيرمى فلذلك كان يسأل عنه ثم مات البرجيرمى بقرية تسمى مصطية ومات هو بعده بنحو ثلاثة اشهر وكان وفاته في يوم الإثنين خامس عشرين ذي الحجة ولم يحضروا بجنازته إلى الأزهر بل صلى عليه بالمشهد النفيسي ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه.
ومات الشيخ الفقيه المحدث خاتمة المحققين وعمدة المدققين بقية السلف وعمدة الخلف الشيخ سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي الازهري المنتهي نسبه إلى الشيخ جمعة الزبدي المدفون ببجيرم نسبة إلى زيدة بالقرب من منية بن خصيم وينتهي نسب الشيخ جمعة المذكور إلى سيدي محمدي بن الحنفية ولد ببجيرم قرية من الغربية إحدى وثلاثين ومائة وألف وحضر إلى مصر صغيرا دون البلوغ ورباه قريبه الشيخ موسى البجيرمي وحفظ القرآن ولازم الشيخ المذكور حتى تأهل لطلب العلوم وحضر على الشيخ العشماوي في الصحيحين وأبي داود الترمذي والشفاء والمواهب وشرح المنهج لشيخ الإسلام وشرحي المنهاج لكل من الرملي وابن حجر وحضر دروس الشيخ الحنفي واجازه الملوي والجوهري والمدابغي وأخذ عن الديربي وغيره وحضر أيضا دروس الشيخ علي الصعيدي والسيد البليدي وشارك كثيرا من الأشياخ كالشيخ عطية الاجهوري وغيره وكان
إنسانا حسنا حميد الاخلاق منجمعا عن مخالطة الناس مقبلا على شأنه وقد انتفع اناس كثيرون وكف بصره سنينا وعمر وتجاوز المائة سنة ومن تاليفه بايدي الطلبة حاشية على المنهج وأخرى على الخطيب وغير ذلك وقبل وفاته سافر إلى مصطيه بالقرب من بجيرم فتوفي بها ليلة الإثنين وقت السحر ثالث عشر رمضان من السنة المذكورة ودفن هناك رحمة الله تعالى عليه.
ومات الأجل العلامة الفاضل الفهامة فريد عصره علما وعملا ووحيد دهره تفصيلا وجملا الشيخ مصطفى العقباوي المالكي نسبة لمنية عقبة بالجيزة حضر إلى الأزهر صغيرا ولازم السيد حسنا البقلي ثم الشيخ محمد العقاد المالكي ثم الشيخ محمد عبادة العدوي ملازمه كلية حتى تمهر في مذهبه في المنقولات والمعقولات وحضر دروس أشياخ العصر كالشيخ الدردير والشيخ محمد البيلي والشيخ الأمير وغيرهم وتصدر لالقاء الدروس وانتفع به الطلبة واشتهر فضله وكان إنسانا حسن الاخلاق مقبلا على الافادة والاستفادة لا يتداخل فيما لا يعنيه ويأتيه من بلدته ما يكفيه قانعا متورعا متواضعا ومن مناقبه أنه كان يحب افادة العوام حتى أنه كان إذا ركب مع المكاري يعلمه عقائد التوحيد وفرائض الصلاة إلى أن توفي يوم الخميس تاسع عشر جمادى الآخرة ولم يخلف بعده مثله رحمة الله تعالى وعفا عنا وعنه.
ومات الأجل المعظم المبجل المحقق المدقق المفضل العالم العامل الفاضل الكامل الشيخ علي النجارى المعروف بالقباني الشافعي مذهبا المكي مولدا المدني أصلا ابن العالم الفاضل الشيخ أحمد تقي الدين بن السيد تقي الدين المنتهي نسبه إلى أبي سعيد الخدري وهو سعد بن مالك بن دينار بن تيم الله بن ثعلبة النجاري أحد بطون الخزرج وينتهي نسب أخواله إلى السيد أحمد الناسك بن عبد الله ادريس بن عبد الله بن الحسن الانور ابن سيدنا الحسن السبط رضى الله تعالى عنه ولد المترجم بمكة سنة أربع وثلاثين
ومائة وقدم إلى مصر مع أبيه وأخيه السيد حسن سنة إحدى وسبعين ومائة قليلة وصولهم مرض اخوه المذكور وتوفي صبح ثالث يوم فجزع والده لذلك جزعا شديدا وتشاءم به وعزم على السفر إلى مكة ثانيا ولم يتيسر له ذلك إلا أواخر شوال من السنة المذكورة وبقي المترجم واشتغل بتحصيل العلوم وشراء الكتب النافعة واستكتابها ومشاركة أشياخ العصر في الافادة والاستفادة مع مباشرة شغل تجارتهم من بيع الارساليات التي ترد إليه من أولاد أخيه من جدة ومكة وشراء ما يشترى وارساله لهم إلى أن تمرض وانقطع ببيته الذي بخطة عابدين قريبا من الأستاذ الحنفي سنة تسع ومائتين وكان عالما ماهرا واديبا شاعرا تخرج على والده وعلى غيره بمكة وعلى كثير من أشياخ العصر المتقدمين كالشيخ العشماوي والشيخ الحنفي والشيخ العدوي وغيرهم وتخرج في الأدب على والده وعلى الشيخ علي بن تاج الدين المكي وعلى الشيخ عبد الله الاتكاوي وغيرهم وله مؤلفات منها نفح الاكمام على منظومته في علم الكلام ومنها تقريره على الرملي وهو مجلد ضخم ومنها شرح بديعيته التي سماها مراقي الفرج في مدح عالي الدرج وله ديوان شعر صغير غالبه جيد وكان في مدة انقطاعه لا يشتغل بغير المطالعة وتحصيل الكتب الغريبة وقيد ولده السيد سلامة بأشغال تجارتهم وولده السيد أحمد بملازمته واسماعه فيما يريد مطالعته وكانت داره في غالب الأوقات لا تخلوا من المترددين إلى أن توفي ليلة السابع والعشرين من رجب من السنة المذكورة وعمره سبع وثمانون سنة وصلى عليه بالأزهر ودفن بمقبرة أخيه بباب الوزير وخلف ولديه المذكورين وكان وجيها لطيفا محبوبا للنفوس ورعا رحمة الله تعالى عليه.
ومات صاحبنا الأجل المعظم والوجيه المكرم الأمير ذو الفقار البكري نسبة ونسابة وهو مملوك السيد محمد بن علي أفندي البكري الصديقي اشتراه سيده المذكور عام إحدى وسبعين ومائة وألف ورباه وادبه واعتقه وزوجه ابنته ونشأ في عز ورفاهية وسيادة وعفة وطيب خيم وعلو همة
ولما توفي سيده اتحد بولده السيد محمد أفندي وهو اخو زوجته اتحادا كليا بحيث صارا كالأخوين لا يصبر أحدهما عن الآخر ساعة واحدة وسكنهما واحد في بيتهم الكبير بالازبكية ولما توفي السيد محمد أفندي اشتغل المترجم باسكني في الدار إلى أن حضر الفرنساوية فخرج مع من خرج من مصر إلى ناحية الشام ونهبت كتبه وداره ثم رجع بامان في أيام الفرنساوية فوجد الدار قد سكنها الفرنساوية فاشترى دارا غيرها بخطة عابدين وجدد بها نظامه ولما حصلت حادثة عسكر الاروام العثمانية مع الأمراء المصريين التي خرج فيها إبراهيم بك والبرديسي وأمراؤهم نهبت داره المذكورة أيضا فيما نهب فانتقل إلى ناحية الأزهر ثم سكن بحارة السبع قاعات بالاجرة واقتنى كتبا شراء واستكتابا وجمع عدة اجزاء متفرقة من تاريخ مرآة الزمان لابن الجوزي وخطط المقريزي وغيرها إلى أن اخترمته المنية ومات فجأة يوم الثلاثاء في ثاني عشرين رجب من السنة قبيل الغروب وصلى عليه في صبحها بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة البكرية ظاهر قبة الإمام الشافعي وكان إنسانا حسنا محبوبا لجميع الناس وجيه الذات مليح الصفات حسن المفاكهة والمعاشرة متوقد القطنة! صادق الفراسة ساكن الجأش وقورا ادوبا محتشما وخلف من بعده السيد محمد المعروف بالغزاوي المرزوق له من ابنة سيده المذكور ولكونه ولده بغرة حين كانوا بالشام انشأه الله انشاء صالحا وبارك فيه.
ومات الأمير الكبير والضرغام الشهير محمد بك الألفي المرادي جلبه بعض التجار إلى مصر في سنة تسع وثمانين ومائة وألف فاشتراه أحمد جاويش المعروف بالمجنون فأقام في بيته أياما فلم تعجبه اوضاعه لكونه كان مماجنا سفيها ممازجا فطلب منه بيع نفسه فباعه لسليم أغا الغزاوي المعروف بتمرلنك فأقام عنده شهورا ثم اهداه إلى مراد بك فاعطاه نظيره ألف اردب من الغلال فلذلك سمي الألفي وكان جميل الصورة فاحبه مراد بك وجعله جوخداره ثم اعتقه وجعله كاشفا بالشرقية وعمر دارا
بناحية الخطة المعروفة بالشيخ ضلام وانشأ هناك حماما بتلك الخطة عرفت به وكان صعب المراس قوي الشكيمة وكان بجواره علي أغا المعروف بالتوكلي فدخل عليه وتشفع عنده في أمر فقبل رجاءه ثم نكث فحنق منه واحتد ودخل عليه في داره يغادره ويعاتبه فرد عليه بغلظة فأمر الخدم بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي المعروفة بالنبابيت فتألم لذلك ومات بعد يومين فشكوه إلى أستاذه مراد بك فنفاه إلى بحري فعسف بالبلاد مثل فوة ومطوبس وبارنبال ورشيد وأخذ منهم أرزا وأموالا فتشكوا منه إلى أستاذه وكان يعجبه ذلك وفي اثناء ذلك وقع الخلاف بمصر بين الأمراء ونفوا سليمان بك الأغا واخاه إبراهيم بك ومصطفى بك كما ذكر ذلك فى محله وأرسل إليه مراد بك وأمره أن يتعين على مصطفى بك ويذهب به إلى الاسكندرية منفيا ثم يعود هو إلى مصر ففعل ورجع المتجرم إلى مصر فعند ذلك قلدوه الصنجقية وذلك في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف واشتهر بالفجور فخافته الناس وتحاموا شدته وسكن أيضا بدار بناحية قيصون وذلك عندما اتسعت دائرته وهدم داره القديمة أيضا ووسعها وانشأها انشاء جديدا واشترى المماليك الكثيرة وأمر منهم أمراء وكشافا فنشؤا على طبيعة أستاذهم في التعدي والعسف والفجور ويخافون من تجبره عليهم والتزم باقطاع فرشوط وغيرها من البلاد القبلية ومن البلاد البحرية محلة دمنة ومليج وزوبر وغيرها وتقلد كشوفية شرقية بلبيس ونزل إليها وكان يغير على ما بتلك الناحية من اقطاعات وغيرها واخاف جميع عربان تلك الجهة وجميع قبائل الناحية ومنعهم من التعدى والجور على الفلاحين بتلك النواحي حتى خافه الكثير من العربان والقبائل وكانوا يخشونه وصادهم باشراك منهم وقبض على الكثير من كبرائهم وسحبهم في الجنازير وصادروهم في أموالهم ومواشيهم وفرض عليهم المغارم والجمال ولم يزل على حالته وسطوته إلى أن حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر فخرج المترجم مع عشيرته إلى ناحية قبلي ثم رجع معهم في
أواخر سنة خمس ومائتين بعد الألف بعد الطاعون الذي مات فيه إسمعيل بك وذلك بعد اقامتهم بالصعيد زيادة عن أربع سنوات ففى تلك المدة ترزن عقله وانهضمت نفسه وتعلق قلبه بمطالعة الكتب والنظر في جزيئات العلوم والفلكيات والهندسيات وأشكال الرمل والزايرجات والاحكام النجومية والتقاويم ومنازل القمر وانوائها ويسأل عمن له المام بذلك فيطلبه ليستفيد منه واقتنى كتبا في أنواع العلوم والتواريخ واعتكف بداره القديمة ورغب في الانفراد وترك الحالة الي كان عليها قبل ذلك واقتصر على مماليكة والاقطاعات التي بيده واستمر على ذلك مدة من الزمان فثقل هذا الأمر على أهل دائرته وبدا يصغر في اعين خشداشينه ويضعف جانبه وطفقوا يباكتونه وتجاسروا عليه وطمعوا فيما لديه وتطلع ادونهم للترفع عليه فلم يسهل به ذلك واستعمل الأمر الاوسط وسكن بدار أحمد جاويش المجنون يدرب سعادة وعمر القصر الكبير بمصر القديمة بشاطئ النيل تجاه المقياس وانشأ أيضا قصرا فيما بين باب النصر والدمرداش وجعل غالب إقامته فيهما وأكثر من شراء المماليك وصار يدفع فيهم الأموال الكثيرة للجلابين ويدفع لهم أموالا مقدما يشترونها بها وكذلك الجواري حتى اجتمع عنده نحو الألف مملوك خلاف الذي عند كشافه وهم نحو الأربعين كاشفا الواحد منهم دائرته قدر دائرة صنجق من الأمراء السابقين وكل مدة قليلة يزوج من يختاره من مماليكه لمن تصلح له من الجواري ويجهزهم بالجهاز الفاخر ويسكنهم الدور الواسعة ويعطيهم الفائظ والمناصب وقلد كشوفية الشرقية لبعض مماليكه ترفعا لنفسه عن ذلك وينزل هو إليهم أيضا على سبيل التروح وبنى له قصرا خارج بلبيس وآخر بالدمامين واخمد شوكة عربان الشرق وجبى منهم الأموال والجمال واخمد ناموسهم الذي كان يغشى ابدان الفلاحين وارواحهم واضعف شوكتهم واخفى صولتهم وكان يقيم بناحية الشرق شهورا ثلاثة أو أربعة ثم يعود إلى مصر واصطنع قصرا من خشب مفصلا قطعا ويركب بشناكل واغربة متينة قوية.
يحمل على عدة جمال فإذا أراد النزول في محطة تقدم الفراشون وركبوه خارج الصيوان فيصير مجلسا لطيفا يصعد إليه بثلاث درج مفروش بالطنافس والوسائد يسع ثمانية أشخاص وهو مسقوف وله شبابيك من الأربع جهات تفتح وتغلق بحسب الاختيار وحوله الاسرة من كل جانب وكل ذلك من داخل دهليز الصيوان وكان له داران بالازبكية احدهما كانت لرضوان بك بلغيا والأخرى للسيد أحمد بن عبد السلام فبدا له في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف أن ينشئ دارا عظيمة خلاف ذلك بالازبكية فاشترى قصر ابن السيد سعودي الذي بخطة الساكن فيما بينه وبين قنطرة الدكة من أحمد أغا شويكار وهدمه واوقف في شيادته على العمارة كتخدا ذا الفقار ارسله قبل مجيئه من ناحية الشرقية ورسم له صورة وضعه في كاغد كبير فأقام جدرانه وحيطانه وحضر هو في اثناء ذلك فوجده قد اخطأ الرسم فاغتاظ وهدم غالب ذلك وهندسه على مقتضى عقله واجتهد في بنائه واوقف أربعة من كبار أمرائه على تلك العمارة كل أمير في جهة من جهاته الأربع يحثون الصناع ومعهم أكثر اتباعهم ومماليكهم وعملوا عدة قمن لحرق الاحجار وعمل النورة وكذلك ركب طواحين الجبس لطحنه وكل ذلك بجانب العمارة وقطعوا الاحجار الكبار ونقلوها في المراكب من طرا إلى جنب العمارة بالازبكية ثم نشروها بالمناشير وألواحا كبارا لتبليط الأرض وعمل الدرج والفسحات وأحضروا لها الاخشاب المتنوعة من بولاق واسكندرية ورشيد ودمياط واشترى بيت حسن كتخدا الشعراوي المطل على بركة الرطلي من عتقائه وهدمه ونقل اخشابه وانقاضه إلى العمارة وكذا نقلوا إليه أنواع الرخام والاعمدة ولم يزل الاجتهاد في العمل تم على المنوال الذي أراده ولم يجعل له خرجات ولا حرمدانات بارزة عن أصل البناء ولا رواشن بل جعل ساذجا حرصا على المتانة وطول البقاء ثم ركبوا على فرجاتة المطلة على البركة والبستان والرجبة والشبابيك الخرط المصنعة وركبوا عليها شرائح الزجاج ووضع به النجف والأشياء والتحف.
العظيمة التي اهداها إليه الافرنج وعملوا بقاعة الجلوس السفلى فسقية عظيمة بسلسبيل من الرخام قطعة واحدة ونوفرة كبيرة حولها نوفرات من الصفر يخرج الماء من افواهما وجعل بها حمامين علويا وسفليا وبنوا بدائر حوشه عدة كبيرة من الطباق السكني المماليك وجعله دوارا واحدا لما تم البناء والبياض والدهان فرشه بأنواع الفرش والوسائد والمساند والستائر المقصبات وجعل خلفه بستانا عظيما وانشأ به جملونا مستطيلا متسعا به دكك واعمدة وهو من الجهة البحرية ينتهي اخره إلى الدور المتصلة بقنطرة الدكة واهدى إليه أيضا الافرنج فسقية رخام في غاية العظم فيها صورة اسماك مصورة يخرج من افواهها الماء جعلها بالبستان ونجز البناء والعمل وسكن بها هو وعياله وحريمه في آخر شهر شعبان من سنة اثنتي عشرة واستهل شهر رمضان فأوقدوا فيها الوقدات والاحمال الممتلئة بالقناديل بدائرة الحوش والرحبة الخارجة وكذلك بقاعة الجلوس أحمال النجف والشموع والصحب والفنيارات الزجاج وازدحمت خيول الأمراء ببابه فأقام على ذلك إلى منتصف شهر رمضان وبداله السفر إلى الشرقية فأبطلوا الوقدة واطفؤا السرج والشموع فكان ذلك فألا فكانت مدة سكناه به ستة عشر يوما بلياليها وإنما اطنبنا في ذكر ذلك ليعتبر أولو الألباب ولايجتهد العاقل في تعمير الخراب وفي اثناء غيبته بالشرقية وصلت الفرنساوية إلى الاسكندرية ثم إلى مصر وجرى ما جرى سبق ذكره وذهب مع عشيرته إلى قبلي وعند وصول الفرنساوية إلى بر انبابة بالبر الغربي وتحاربوا مع المصريين ابلى المترجم وجنده في تلك الواقعة ويعمل معهم مكايد ويصطاد منهم بالمصايد ولما وصل عرضي الوزير إلى وعدة أسرى واسد عظيم اصطاده في سروحه فشكره الوزير وخلع عليه الخلع السنية وأقام بعرضية أياما ثم رجع إلى ناحية مصر وذهب إلى الصعيد ثم رجع إلى الشام والفرنساوية يأخذون خبره ويرصدونه في الطرق ناحية الشام ذهب إليه وقابله وانعم عليه وكان معه رؤساء من الفرنساوية.
فيزوغ منهم ويكبسهم في غفلاتهم وينال منهم ولما وصل الوزير وحصل انتقاص الصلح وانحصر المصريون والعثمانيون بداخل المدينة وقع له مع الفرنساوية الوقائع الهائلة فكان يكر ويفر هو وحسن بك الجداوي ويعمل الحيل والمكايد وقتل من كشافه في تلك الحروب رجال معدودة منهم إسمعيل كاشف المعروف بأبي قطية احترق هو وجنده ببيت أحمد أغا شويكار الذي كان انشأه برصيف الخشاب وكانت الفرنساوية قد عملوا تحته لغم بارود في اسفل جدرانه ولم يعلم به أحد فلما تترس فيه إسمعيل كاشف ومن معه أرسلوا من الهمه النار فالتهب على من فيه واحترقوا بأجمعهم وتطايروا في الهواء ولما اصطلح مراد بك مع الفرنساوية لم يوافقه على ذلك واعتزله ولما اشتد الأمر بين الفريقين وشاطت طبخة العثمانيين ومن تبعهم طفق يسعى بين الفريقين في الصلح ويمشي مع رسل الفرنساوية في دخولهم بين العسكر وخروجهم ليمنع من يتعدى عليهم من اوباش العسكر خوفا من ازدياد الشر إلى أن تم الصلح وخرج المترجم بلاء حسنا وقتل من كشافة ومماليكه عدة وافرة ولم يزل مدة إقامة الفرنساوية بمصر ينتقل في الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية مع العثمانية إلى نواحي الشام ثم رجع إلى جهة الشرقية فيحارب من يصادفه من الفرنسيس ويقتل منهم فإذا جمعوا جيشهم واتوا لحربه لم يجدوه ويمر من خلف الجبل ويمر بالحاجز إلى الصعيد فلا يعلم اين ذهب ثم يظهر بالبر الغربي ثم يسير مشرقا ويعود إلى الشام وهكذا كان دأبه بطول السنة التي تخللت بين الصلحين إلى أن نظم العثمانية أمرهم وتاونوا بالانكليز ورجع الوزير على طريق البر وقبطان باشا بصحبة الانكليز من البحر فحضر المترجم وباقي الأمراء واستقر الجميع بداخل مصر والانكليز ببر الجيزة وارتحلت الفرنساوية وخلت منهم مصر فعند ذلك قلق المترجم وداخله وسواس وفكر لأنه كان صحيح النظر في عواقب الأمور فكان لا يستقر له قرار ولم يدخل إلى الحريم ولم يبت بداره إلا ليلتين على
سجادة ومخدة في القاعة السفلى ولم يكن بها حريم.
يقول الفقير: ذهبت إليه مرة في ظرف اليومين فوجدته جالسا على السجادة فجلست معه ساعة فدخل عليه بعض أمرائه يستأذنه في زواج إحدى زوجات من مات من خشداشينة فنتر فيه وشتمه وطرده وقال لي: انظر إلى عقول هؤلاء المغفلين يظنون أنهم استقروا بمصر ويتزوجوا ويتأهلوا مع أن جميع ما تقدم من حوادث الفرنسيس وغيرها اهون من الورطة التي نحن فيها الآن ولما اطلق الوزير لإبراهيم بك الكبير التصرف والبسه خلعة وجعله شيخ البلد كعادته وأن أوراق التصرفات في الاقطاعات والاطيان وغيرها تكون بختمه وعلامتة اغتر هو وباقي الأمراء بذلك وازدحم الديوان ببيت إبراهيم بك المرادي وعثمان بك حسن والبرديسي وتناقلوا في الحديث فذكروا ملاطفة الوزير ومحبته لهم واقامته لناموسهم فقال المترجم: لا تغتروا بذلك فإنما هي حيل ومكايد وكأنها تروج عليكم فانظروا في امركم وتفطنوا لما عساه يحصل فان سوء الظن من الحزم فقالوا له: وما الذي يكون قال: إن هؤلاء العثمانيين لهم السنين العديدة والأزمان المديدة يتمنون نفوذ احكامهم وتملكهم لهذا الإقليم ومضت الاحقاب وأمراء مصر قاهرون لهم وغالبون عليهم ليس لهم معهم إلا مجرد الطاعة الظاهرة وخصوصا دولتنا الاخيرة وما كنا نفعله معهم من الاهانة ومنع الخزينة وعدم الامتثال لأوامرهم وكل ذلك مكمون في نفوسهم زيادة على ما جبلوا عليه من الطمع والخيانة والشره وقد ولجوا البلاد الآن وملكوها على هذه الصورة وتأمروا علينا فلا يهون بهم أن يتركوها لنا كما كانت بأيدينا ويرجعوا إلى بلادهم بعدما ذاقوا حلاوتها فدبروا رايكم وتيقظوا من غفلتكم فلما سمعوا منه ذلك صادق عليه بعضهم وقال بعضهم: هذا من وساوسك وقال آخر: هذا لا يكون بعد ما كنا نقاتل معهم ثلاث سنوات واشهرا بأموالنا وأنفسنا وهم لا يعرفون طرائق البلاد ولا سياستها فلا غنى لهم عنا وقال آخر: غير ذلك ثم قالوا له: مارأيك الذي تراه فقال: الرأي عندي أن قبلتموه
أن نعدي بأجمعنا إلى بر الجيزة وننصب خيامنا هناك ونجعل الانكليز واسطة بيننا وبين الوزير والقبطان وتتمم الشروط التي نرتاح نحن وهم عليها بكفالة الانكليز ولا نرجع إلى البر الشرقي ولا ندخل مصر حتى يخرجوا منها ويرجعوا إلى بلادهم ويبقى منهم من يبقى مثل من يقلدونه الولاية والدفتردارية ونحو ذلك وكان ذلك هو الرأي ووافق عليه البعض ولم يوافق البعض الآخر وقال: كيف ننابذهم ولم يظهر لنا منهم خيانة ونذهب إلى الانكليز وهم اعداء الدين فيحكم العلماء بردتنا وخيانتنا لدولة الإسلام على أنهم أن قصدوا بنا شيئا قمنا باجمعنا عليهم وفينا ولله الحمد الكفاية وعند ذلك تتوسط بيننا وبينهم الانكليز فنكون لنا المندوحة والعذر فقال المترجم: أما الاستنكاف من الالتجاء للانكليز فان القوم لم يستنكفوا من ذلك واستعانوا بهم ولولا مساعدتهم لما ادركوا هذا المحصول ولا قدروا على اخراج الفرنساوية من البلاد وقد شاهدنا ما حصل في العام الماضي لما حضروا بدون الانكليز على أن هذا قياس مع الفارق فإن تلك مساعدة حرب وأما هذه فهي وساطة مصلحة لاغير وأما انتظار حصول المنابذة فقد لا يمكن التدارك بعد الوقوع لأمور والرأي لكم فسكتوا وتفرقوا على كتمان ما دار بينهم ولما لم يوافقوا المترجم على ما اشار به عليهم أخذ يدبر في خلاص نفسه فانضم إلى محمود أفندي رئيس الكتاب لقربه من الوزير وقبوله عنده وأوهمه النصيحة للوزير بتحصيل مقادير عظيمة من الأموال من جهة الصعيد أن قلده الوزير إمارة الصعيد فإنه يجمع له أموالا جمة من تركات الاغنياء الذين ماتوا بالطاعون في العام الماضي وخلافة ولم يكن لهم ورثة وغير ذلك من الجهات التي لا يحيط بها خلافه والمال والغلال الميرية فلما عرف الرئيس الوزير بذلك لم يكن بأسرع من اجابته لوجهين الأول طمعا في تحصيل المال والثاني لتفريق جمعهم فانهم كانوا يحسبون حسابه دون باقي الجماعة لكثرة جيشه وشدة احترازه فإنه كان إذا ذهب عند الوزير لا يذهب في الغالب إلا وحوله جميع جنوده
ومماليكه وعندما اجاب الوزير إلى سفره كتب له فرمانا بإمارة الجهة القبلية واطلق له الاذن ورخص له في جميع ما يؤدي إليه اجتهاده من غير معأرض وتمم الرئيس القصد وفي الوقت حضر المترجم فأخذ المرسوم ولبس الخلعة بنفسه وودع الوزير والرئيس وركب في الوقت والساعة وخرج مسافرا وجعل رئيس أفندي وكيلا عنه وسفيرا بينه وبين الوزير بعدما اسكنه في داره ولم يشعر بذلك أحد ولم ير للوزير وجها بعد ذلك وعندما اشيع ذلك حضر إلى الوزير اعتراض عليه في هذه الغفلة واشار عليه بنقض ذلك فأرسل يستدعيه لامر تذكره على ظن تأخره فلم يدركوه إلا وقد قطع مسافة بعيدة ورجعوا على غير طائل وذهب هو إلى اسيوط وشرع في جبي الأموال وأرسل للوزير دفعة من المال واغناما وعبيدا طواشية وغلالا ثم لم يمض على ذلك إلا نحو ثلاثة شهور وسافر طائفة من الانكليز إلى سكندرية وكذلك حسين باشا القبطان ونصبوا للمصريين الفخاخ وأرسل القبطان يطلب طائفة منهم فأوقع بهم ما اوقع وقبض الوزير على من بمصر من الأمراء وحبسهم وجرى ما هو مسطور في محله وعينوا على المترجم طاهر باشا بعساكر وحصلت المفاقمة وقتل من قتل والتجأ من بقي إلى الانكليز ولم يندمل الجرح بعد تقريحه وذهب الجميع إلى الناحية القبلية وأرسلوا لهم التجاريد وتصدى المترجم لحروبهم ثم حضر إلى ناحية بحرى ونزل بظاهر الجيزة وسار إلى ناحية البحيرة بعد حروب ووقائع فاجتهد محمد باشا خسرو في اخراج تجريدة عظيمة وسارى عسكرها كتخدا وهو يوسف كتخدا بك وهي التجريدة التي سماها العوام تجريدة الحمير لأنهم جمعوا من جملة ذلك حمير الحمارة والتراسين وحمير اللكاف والسقائين وعملوا على أهل بولاق ألف حمار وكذلك مصر ومصر القديمة وطفقوا يخطفون حمير الناس ويكبسون البيوت ويأخذون ما يجدونه وكان يأتي بعض معاكيس العسكر عند الدور ويضع احدهم فمه عند الباب ويقول: زر فينهق الحمار فيأخذونه فلما تم مرادهم من
جمع الحمير اللازمة لهم سافروا إلى ناحية البحيرة فكانت بينهم واقعة عظيمة بمرأى من الانكليز وكانت الغلبة له على العسكر وأخذ منهم جملة أسرى وانهزم الباقون شر هزيمة وحضروا إلى مصر في اسوأ حال وهذه الكسرة كانت سببا لحصول الوحشة بين الباشا والعسكر فإنه غضب عليهم وامرهم بالخروج من مصر فطلبوا علائفهم فقال: بأي شئ تستحقون العلائف ولم يخرج من أيديكم شئ فامتنعوا من الخروج وكان المشار إليه فيهم محمد علي سرششمة فأراد الباشا اصطياده فلم يتمكن منه لشدة احتراسه فحاربه فدفع له ما ذكر في محله وخرج الباشا هاربا إلى دمياط ومن ذلك الوقت ظهر اسم محمد علي ولم يزل ينموا ذكره بعد ذلك وأما المترجم فإنه بعد كسرته للعسكر ذهب ناحية دمنهور وذهبت كشافه وأمراؤه إلى المنوفية والغربية والدقهلية وطلبوا منهم المال والكلف ثم رجعوا إلى البحيرة ثم بعد هذه الوقائع سافر المترجم مع الانكليز إلى بلادهم واختار من مماليكه خمسة عشر شخصا أخذهم صحبته وأقام عوضه أحد مماليكه المسمى بشتك بك وسمى الألفي الصغير وأمره على مماليكه وأمرائه وامرهم بطاعته واوصاه وصايا وسافر وغاب سنة وشهرا وبعض أيام لأنه سافر في منتصف شهر شوال سنة سبع عشرة وحضر في أول شهر القعدة سنة ثمان عشرة وجرى في مدة غيابه من الحوادث التي تقدم من ذكرها ما يغني عن اعادتها من خروج محمد باشا خسرو وتولية طاهر باشا ثم قتله ودخول الأمراء المصريين وتحكمهم بمصر سنة ثمان عشرة وتأمير صناجق من اتباع المترجم وما جرى بها من الوقائع بتقدير الله تعالى البأرز بتدبير محمد علي ونفاقه وحيله فإنه سعى أولا في نقض دولة مخدومه محمد باشا خسرو بتواطئه مع طاهر باشا وخازنداره محمد باشا المحافظ للقلعة ثم الاغراء على طاهر باشا حتى قتل ثم معاونته للأمراء المصريين ودخولهم وتملكهم واظهار المساعدة الكلية لهم ومصادقتهم وخدمتهم ومعاونتهم والرمح في غفلتهم وخصوصا عثمان بك البرديسي
فإنه كان ممخرقا غشوما يحب الترؤس فأظهر له الصداقة والمؤاخاة والمصافاة حتى قضى منهم اغراضه من قتل الدفتردار والكتخدا وعلي باشا الطرابلسي ومحاربة محمد باشا وأخذه اسيرا من دمياط وأخيه السيد علي القبطان برشيد ونسبة جميع هذه الافعال والقبائح إليهم فلما انقضى ذلك كله لم يبق إلا الألفي وجماعته والبرديسي الذي هو خشداشة يحقد عليه ويغار منه ويعلم أنه إذا حضر لا يبقى له معه ذكر وتخمد انفاسه فيتناجيا ويتسارا في أمر المترجم ويتذاكرا تعاظم وكيله وخشداشينة ونقضهم عليه ما يبرمونه مع غياب أستاذهم فكيف بهم إذا حضر ويوهمة المساعدة والمعاضدة ويكون خادما له وعساكره جنده إلى أن حضر المترجم فأوقعا به ما تقدم ذكره ونجا بنفسه واختفى عند عشيبة البدوي بالوادي فلما خلا الجو من الألفي وجماعته فأوقع محمد علي عند ذلك بالبرديسي وعشيرته ما أوقع وظهر بعد ذلك المترجم من اختفائه وذهب إلى ناحية قبلي هو ومملوكه صالح بك واجتمعت عليه أمراؤه واجناده واستفحل أمره واصطلح مع عشيرته والبرديسي على مافي نفوسهما وما زال منجمعا عن مخالطتهم وجرى ما جرى من مجيئهم حوالي مصر وحروبهم مع العساكر في أيام خورشيد أحمد باشا وانفصالهم عنها بدون طائل لتفاشلهم واختلاف آرائهم وفساد تدبيرهم ورجعوا إلى ناحية قبلي ثم عادوا إلى ناحية بحري بعد حروب ووقائع مع حسن باشا ومحمد علي وعساكرهم ثم لما حصلت المفاقمة بينهما وبين خورشيد أحمد باشا وانتصر محمد علي بالسيد عمر مكرم النقيب والمشايخ والقاضي وأهل البلدة والرعايا وهاجت الحروب بين الباشا وأهل البلدة كما هو مذكور كانت الأمراء المصريون بناحية التبين والمترجم منعزل عنهم بناحية الطرانة والسيد عمر يراسله ويعده ويذكر له بأن هذا القيام من اجلك واخراج هذه الاوباش ويعود الأمر إليكم كما كان وأنت المعني بذلك لظننا فيك الخير والصلاح والعدل فيصدق هذا القول ويساعده بإرسال المال ليصرفه في مصالح المقاتلين والمحاربين ومحمد علي يداهن السيد عمر سرا ويتملق إليه
ويأتيه ويراسله ويأتي إليه في أواخر الليل وفي أواسواطه مترددا عليه في غالب أوقاته حتى تم له الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة والإيمان الكاذبة على سيره بالعدل وإقامة الاحكام والشرائع والاقلاع عن المظالم ولايفعل أمرا إلا بمشورته شورة العلماء وأنه متى خألف الشروط عزلوه واخرجوه وهم قادرون على ذلك كما يفعلون الآن فيتورط المخاطب بذلك القول ويظن صحته وأن كل الوقائع زلابية وكل ذلك سرا لم يشعر به خلافهم إلى أن عقد السيد عمر مجلسا عند محمد علي وأحضر المشايخ والأعيان وذكرلهم أن هذا الأمر وهذه الحروب ما دامت على هذه الحالة لا تزداد إلا فشلا ولا بد من تعيين شخص من جنس القوم للولاية فانظروا من تجدونه وتختارونه لهذا الأمر ليكون قائم مقام حتى يتعين من طرف الدولة من يتعين فقال الجميع: الرأي ما تراه فاشار إلى محمد علي فأظهر التمنع وقال: أنا لا اصلح لذلك ولست من الوزراء ولا من الأمراء ولا من أكابر الدولة فقالوا: جميعا قد اخترناك لذلك براي الجميع والكافة والعبرة ورضا أهل البلاد وفي الحال أحضروا فروة البسوها له وباركوا له وهنؤه وجهروا يخلع خورشيد أحمد باشا من الولاية وإقامة المذكور في النيابة حتى يأتي المتولي أو يأتي له تقرير بالولاية ونودي في المدينة بعزل الباشا وإقامة محمد علي في النيابة إلى أن كان ما هو مسطور قبل ذلك في محله فلما بلغ المترجم ذلك وكان ببر الجيزة ويراسل السيد عمر مكرم والمشايخ فانقبض خاطره ورجع إلى البحيرة وأراد دمنهور فامتنع عليه أهلها وحاربوه وحاربهم ولم ينل منهم غرضا والسيد عمر يقويهم ويمدهم ويرسل إليهم البارود وغيره من الاحتياجات وظهر للمترجم تلاعب السيد عمر مكرم معه وكأنه كان يقويه على نفسه فقبض على السفير الذي كان بينهما وحبسه وضربه وأراد قتله ثم اطلقه ثم عاد إلى بر الجيزة وسكنت الفتنة واستقر الأمر لمحمد علي باشا وحضر قبطان باشا إلى ساحل أبي قير ووصل سلحداره إلى مصر وانزل أحمد باشا المخلوع عن الولاية من القلعة إلى بولاق ليسافر ومنع
محمد علي من الذهاب والمجئ إلى المصريين واوقف أشخاصا برا وبحرا يرصدون من يأتي من قبلهم أو يذهب إليهم بشئ من متاع وملبوس وسلاح وغير ذلك ومن عثروا عليه بشئ قبضوا عليه وأخذوا ما معه وعاقبوه فامتنع الباعة والمتسببون وغيرهم من الذهاب إليه بشئ مطلقا فضاق خناق المترجم فاحتال بان أرسل محمد كتخداه يطلب الصلح مع الباشا فانسر لذلك وفرح واعتقد صحة ذلك وانعم على الكتخدا وعبي هدية جليلة لمخدومه من ملابس وفراوي وأسلحة وخيام ونقود وغير ذلك وعندها قضى الكتخدا اشغاله من مطلوبات مخدومه واحتياجاته له ولأتباعة وأمرائه ووسق مراكب وذهب بها جهارا من غير أن يتعرض له أحد وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي وذكروا أنه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة ومائتي بلد من الغربية والمنوفية والدقهلية يستغل فائظها ويجعل اقامته بالجيزة ويكون تحت الطاعة فلم يرض الباشا بذلك وقال: إننا صالحنا باقي الأمراء واعطيناهم من حدود جرجا بالشروط التي شرطناها عليهم وهو داخل في ضمنهم فرجع محمد كتخدا له بالجواب بعد أن قضى اشغاله واحتياجاته ولوازمه من امتعة وخيام وسروج وغير ذلك وتمت حيلته وقضى اغراضه وذهب إلى الفيوم وتحارب جنده مع جند ياسين بك وانخدل فيها ياسين بك ثم عاد شاهين بك الالفي بجند كثير بعد شهور إلى بر الجيزة وخرج محمد علي باشا لمحاربته بنفسه فكانت له الغلبة وقتل في هذه الواقعة على كاشف الذي كان تزوج بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت حسن بك شنن رآه الاخصام منجملا فظنوه الباشا فأحاطوا به وأخذوه اسيرا ثم قتلوه ورجع الباشا إلى بر مصر واجتهد في تشهيل تجريدة أخرى وكل ذلك مع طول المدى.
وفي اثناء ذلك مات بشنك بك المعروف بالالفي الصغير مبطونا بناحية قبلي ثم أن المترجم خرج من الفيوم في أوائل المحرم من السنة المذكورة
وكان حسن باشا طاهر بناحية جزيرة الهواء بمن معه من العسكر فكانت بينهما واقعة عظيمة أنهزم فيها حسن باشا إلى الرقق وادركه اخوه عابدين بك فأقام معه بالرفق كما تقدم وحضر الألفي إلى بر الجيزة وانبابة وخرجت إليهم العساكر فكانت بينهم واقعة بسوق الغنم ظهر عليهم فيها أيضا ثم سار مبحرا وعدى من عسكره وجنده جملة إلى السبكية فأخذوا منها ما أخذوه وعادوا إلى أستاذهم بالطرانة ثم أنه انتقل راحلا إلى البحيرة وحرب دمنهور ومحاصرتها وكانوا قد حصنوها غاية التحصين فلم يقدر عليها فعاد إلى ناحية وردان ثم رجع إلى حوش ابن عيسى لأنه بلغه وصول مراكب وبها امين بك تابعه وعدة عساكر من النظام الجديد وأشخاص من الانكليز لأنه كان مع ماهو فيه من التنقلات والحروب يراسل الدولة والانكليز وأرسل بالخصوص امين بك إلى الانكليز فسعوا مع الدولة بمساعدته وحضروا إليه بمطلوبه فعمل لهم بحوش بن عيسى شنكا وارسلهم مع امين بك إلى الأمراء القبليين فلما بلغ محمد علي باشا ذلك راسل الأمراء القبليين وداهنهم وأرسل لهم الهدايا فراجت أموره عليهم مع مافي صدورهم من الغل للمترجم.
وفي أثر ذلك حضر قبطان باشا إلى الاسكندرية ووردت السعادة بخبر وروده وأن بعده وأصل موسى باشا واليا على مصر بالعفو عن المصريين وكان من خبر هذه القضية والسبب في حركة القبطان ارساليات الألفي للانكليز ومخاطبة الانكليز الدولة ووزيرها المسمى محمد باشا السلحدار وأصله مملوك السلطان مصطفى ولا يخفى الميل إلى الجنسية فاتفق أنه اختلى بسليمان أغا تابع صالح بك الوكيل الذي كان يوسف باشا الوزير قلده سلحدارا وارسله إلى إسلامبول وسأله عن المصريين هل بقي منهم غير الألفي فقال له: جميع الرؤساء موجودون وعددهم له وهم ومماليكهم يبلغون الفين وزيادة فقال: انى ارى تمليكهم ورجوعهم على شروط نشترطها عليهم أولى من تمادي العداوة بينهم وبين هذا الذي ظهر من العسكر وهو رجل
جاهل متحيل وهم لا يسهل بهم اجلاؤهم عن اوطانهم وأولادهم وسيادتهم التي ورثوها عن اسلافهم فيتمادى الحال والحروب بينهم وبينه واحتياج الفريقين إلى جمع العساكر وكثرة النفقات والعلائف والمصاريف فيجمعونها من أي وجه كان يؤدى ذلك إلى خراب الإقليم فالأولى والمناسب صرف هذا المتغلب واخراجه وتولية خلافه فما رأيك في ذلك فقال له: سليمان لا راى عندي في ذلك وخاف أن يكون كلامه له باطنا خلاف الظاهر وادرك منه ذلك فحلف له عند ذلك الوزير أن كلامه وخطابه له على ظاهره وحقيقته لكن لا بد من مصلحة للخزينة العامرة فقال له: سليمان أغا إذا كان كذلك ابعثوا إلى الألفي باحضار كتخداه محمد أغا لأنه رجل يصلح للمخاطبة لمثل ذلك ففعل وحضر المذكور في اقرب وقت وتمموا الأمر على مصلحة ألف وخمسمائة كيس كفلها محمد كتخدا المذكور يدفعها لقبطان باشا عند وصوله بيد سليمان أغا المذكور وكفالته أيضا لمحمد كتخدا بعد اتمام الشروط التي قررها له مخدومه ومن جملتها اطلاق بيع المماليك وشرائهم وجلب الجلابين لهم إلى مصر كعادتهم فانهم كانوا منعوا ذلك من نحو ثلاث سنوات وغير ذلك وسافر كل من سليمان أغا الوكيل ومحمد كتخدا بصحبته قبودان باشا حتى طلعوا على ثغر سكندرية فركب صحبة سلحدار القبودان فتلاقوا مع المترجم بالبحيرة واعلموه بما حصل فامتلأ فرحا وسرورا وقال لسليمان أغا: اذهب إلى اخواننا بقبلي واعرض عليهم الأمر ولا يخفى اننا الآن ثلاثة فرق كبيرنا إبراهيم بك وجماعته والمرادية وكبيرهم هناك عثمان بك البرديسي وأنا واتباعي فيكون ما يخص كل طائفة خمسمائة كيس فإذا استلمت منهم الألف كيس ورجعت إلى سلتك الخمسمائة كيس فركب المذكور وذهب إليهم واجتمع بهم وأخبرهم بصورة الواقع وطلب منهم ذلك القدر فقال البرديسي: حيث أن الألفي بلغ من قدره أنه يخاطب الدول والقرانات ويراسلهم ويتمم اغراضه منهم ويولي الوزراء ويعزلهم بمراده ويتعين قبودان باشا في حاجته فهو يقوم بدفع المبلغ بتمامه لأنه صار الآن
هو الكبير ونحن الجميع اتباع له وطوائف خلفه بما فيه والدنا وكبيرنا إبراهيم بك وعثمان بك حسن وخلافه فقال سليمان أغا: هو على كل حال واحد منكم واخوكم ثم أنه اختلى مع إبراهيم بك الكبير وتكلم معه فقال إبراهيم لك أنا ارضى بدخولي اي بيت كان واعيش ما بقي من عمري مع عيالي وأولادي تحت إمارة أي من كان من عشيرتنا أولى من هذا الشتات الذي نحن فيه ولكن كيف افعل في الرفيق المخألف وهذا الذي حصل لنا كله بسوء تدبيره ونحسه وعشت أنا ومراد بك المدة الطويلة بعد موت أستاذنا وأنا اتغاضى عن افعاله وافعال اتباعه واسامحهم فى زلاتهم كل ذلك حذرا وخوفا من وقوع الشر والقتل والعداوة إلى أن مات وخلف هؤلاء الجماعة المجانين وترأس البرديسي عليهم مع غياب أخيه الألفي وداخله الغرور وركن إلى ابناء جنسه وصادفهم واغتر بهم وقطع رحمه وفعل بالألفي الذي هو خشداشه واخوه ما فعل ولا يستمع لنصح ناصح أولا وآخرا وما زال سليمان أغا يتفاوض معهم في ذلك أياما إلى أن اتفق مع إبراهيم بك على دفع نصف المصلحة ويقوم المترجم بالنصف الثاني فقال: سلموني القدر اذهب به وأخبره بما حصل فقالوا: حتى ترجع إليه وتعلمه وتطيب خاطره على ذلك لئلا يقبضه ثم يطالبنا بغيره فلما رجع إليه وأخبره بما دار بينهم قال: أما قولهم إني اكون أمير عليهم فهذا لا يتصور ولا يصح انى اتعاظم على مثل والدي إبراهيم بك وعثمان بك حسن ولا على من هو في طبقتي من خشداشيني على أن هذا لا يعيبهم ولا ينقص مقدارهم بان يكون المتامر عليهم واحد منهم ومن جنسهم ولك أمر لم يخطر لي ببال وارضى بأدنى من ذلك ويأخذوا علي عهدا بما اشترطه على نفسي اننا إذا عدنا إلى اوطاننا أن لا أداخلهم في شىء ولا اقارشهم في أمر وأن يكون كبيرنا والدنا إبراهيم بك على عادته ويسمحوا لي بإقامتي بالجيزة ولا اعارضهم في شىء واقنع بإيرادي الذي كان بيدي سابقا فانه يكفيني وأن اعتقدوا غدري لهم في المستقبل بسبب ما فعلوه معي من قتلهم حسي بك
تابعي وتعصبهم وحرصهم على قتلي واعدامي أنا واتباعي فبعض ما نحن فيه الآن إنساني ذلك كله فإن حسين بك المذكور مملوكي وليس هو أبي ولا ابني من صلبي وإنما هو مملوكي اشتريته بالدراهم واشتري غيره ومملوكي مملوكهم وقد قتل لي عدة أمراء ومماليك في الحروب فافرضه من جملتهم ولا يصيبني ويصيبهم إلا ما قدر الله علينا وعلى أن الذي فعلوه بي لم يكن لسابق ذنب ولا جرم حصل مني في حقهم بل كنا جميعا اخوانا وتذكروا اشارتي عليهم السابقة في الالتجاء إلى الانكليز وندموا على مخالفتي بعد الذي وقع لهم ورجعوا الي ثم اجمع رأيهم على سفري إلى بلاد الانكليز فامتثلت ذلك وتجشمت المشاق وخاطرت بنفسي وسافرت اللا بلاد الانكلترة وقاسيت اهوال البحار سنة واشهرا كل ذلك لأجل راحتي وراحتهم وحصل ما حصل في غيابي ودخلوا مصر من غير قياس وبنوا قصورهم على غير اساس واطمأنوا إلى عدوهم وتعاونوا به على هلاك صديقهم وبعد أن قضى غرضه منهم غدرهم وأحاط بهم واخرجهم من البلدة واهانهم وشردهم واحتال عليهم ثانيا يوم قطع الخليج فراجت حيلته عليهم أيضا وارسلت إليهم فنصحتهم فاستغشوني وخالفوني ودخل الكثير منهم البلد وانحصروا في ازقتها وجرى عليهم ما جرى من القتل الشنيع والأمر الفظيع ولم ينج إلا من تخلف منهم أو ذهب من غير الطريق ثم أنه الآن أيضا يرسلهم ويدهنهم ويهاديهم ويصالحهم ويثبطهم عما فيه النجاح لهم وما اظن أن الغفلة استحكمت فيهم إلى هذا الحد فارجع إليهم وذكرهم بما سبق لهم من الوقائع فلعلهم ينتبهون من سكراتهم ويرسلون معك الثلثين أو النصف الذي سمح به والدنا إبراهيم بك وهذا القدر ليس فيه كبير مشقة فانهم إذا وزعوا على كل أمير عشرة أكياس وعلى كل كاشف خمسة أكياس وكل جندي أو مملوك كيسا واحدا اجتمع المبلغ وزيادة وأنا افعل مثل ذلك مع قومي والحمد لله ليسوا هم ولا نحن مفاليس وثمرة المال قضاء مصالح الدنيا وما نحن فيه الآن من مز
أهم المصالح وقل لهم البذار قبل فوات الفرصة والخصم ليس بغافل ولا مهمل والعثمانيون عبيد الدرهم والدينار فلما فرغ من كلامه ودعه سليمان أغا ورجع إلى قبلي فوجد الجماعة اصروا على عدم دفع شىء ورجع إبراهيم بك أيضا إلى قولهم ورأيهم ولما ألقي لهم سليمان أغا العبارات التي قالها صاحبهم وأنه يكون تحت امرهم ونهيهم ويرضى بأدنى المعاش معهم ويسكن الجيزة إلى آخر ما قال قالوا: هذا والله كله كلام لا أصل له ولا ينسى ثاره وما فعلناه في حقه وحق اتباعه ولو انعزل عنا وسكن قلعة الجبل فهو الألفي الذي شاع ذكره في الآفاق ولا تخاطب الدولة غيره وقد كنا في غيبته لا نطيق عفريتا من عفاريته فكيف يكون هو وعفاريته الجميع ومن ينشئه خلافهم وداخلهم الحقد زاد وفي وساوسهم الشيطان فقال لهم سليمان أغا: اقضوا شغلكم في هذا الحين حتى تنجلي عنكم الاعداء الاغراب ثم اقتلوه بعد ذلك وتستريحوا منه فقالوا: هيهات بعد أن يظهر علينا فإنه يقتلنا واحدا بعد واحد ويخرجنا إلى البلاد ثم يرسل يقتلنا وهو بعيد المكر فلانا من إليه مطلقا وغرهم الخصم بتمويهاته وأرسل إليهم هدايا وخيولا وسروجا واقمشة هذا ورسل القبودان تذهب وتأتي بالمخاطبات والعرضحالات حتى تمموا الأمر كما تقدم.
وفي اثناء ذلك ينتظر القبودان جوابا كافيا وسلحداره مقيم أيضا عند المترجم والمترجم يشاغل القبودان بالهدايا والاغنام والذخيرة من الأرز والغلال والسمن والعسل وغير ذلك إلى أن رجع إليه سليمان أغا بخفي حنين محزونا مهموما متحيرا فيما وقع فيه من الورطة مكسوف البال مع القبودان ووزير الدولة وكيف يكون جوابه للمذكور والقبودان جعل في الابره خيطين ليتبع الاروج فلما وصل إليه سليمان أغا وأخبره أن الجماعة القبليين لا راحة عندهم وامتنعوا من الدفع ومن الحضور وأن المترجم يقوم بدفع القدر الذي يقدر عليه والذي يبقى ويتجمع عليه يقوم بدفعه فاغتاظ القبودان وقال: أنت تضحك على ذقني وذقن وزير الدولة وقد تحركت هذه الحركة على ظن أن الجماعة على قلب رجل واحد وإذا حصل من المالك
للبلدة عصيان ومخالفة ولم يكن فيهم مكافأة لمقاومته ساعدناهم بجيش من النظام الجديد وغيره حتى أنهم متنافرون ومتحاسدون ومبغضون فلا خير فيهم وصاحبك هذا لا يكفي في المقاومة وحده ويحتاج إلى كثير.
ولما ظهر لسليمان أغا الغيظ والتغير من القبودان خاف على نفسه أن يبطش به وعرف منه أن المانع له من ذلك غياب السلحدار عند المترجم لأنه قال له: وأين سلحداري قال: هو عند الألفي بالبحيرة فقال: اذهب فأتني به وأحضر صحبته وكان موسى باشا المتولي قد حضر أيضا فما صدق سليمان أغا بقوله ذلك وخلاصه من بين يديه فركب في الوقت وخرج من الاسكندرية فما هو إلا أن بعد عنها مقدار غلوة إلا والسلحدار قادم إلى الاسكندرية فسأله إلى اين يذهب فقال: إن مخدومك ارسلني في شغل وها أنا راجع إليكم وذهب عند المترجم ولم يرجع.
وفي اثناء هذه الأيام كان المترجم يحارب دمنهور وبعث إليه محمد علي باشا التجريدة العظيمة التي بذل فيها جهده وفيها جميع عساكر الدلاة وهاهر باشا ومن معه من عساكر الأرنؤد والأتراك وعسكر المحاربه فحاربهم وكسرهم وهزمهم شر هزيمة حتى القوا بأنفسهم في البحر ورجعوا في اسوأ حال فلو تجاسر المترجم وتبعهم لهرب الباقون من البلدة وخرجوا جميعا على وجوههم من شدة ما داخلهم من الرعب ولكن لم يرد الله ذلك ولم يجسروا للخروج عليه بعد ذلك.
ولما تنحت عنه عشيرته ولم يلبوا دعوته واتلفوا الطبخة وسافر القبودان وموسى باشا من ثغر الاسكندرية على الصورة المذكورةاستانف المترجم أمرا آخر وراسل الانكليز يلتمس منهم المساعدة وأن يرسلوا له طائفة من جنودهم ليقوى بهم على محاربة الخصم كما التمس منهم في العام الماضي فاعتذروا له بانهم صلح مع العثماني وليس في قانون الممالك إذا كانوا صلحا أن يتعدوا على المتصادقين معهم ولا يوجهون نحوها عساكر إلا بأذن منهم أو بإلتماس المساعدة في أمر مهم فغاية ما يكون المكالمة والرتجي ففعلوا وحصل ما تقدم
ذكره ولم يتم الأمر فلما خاطبهم بعد الذي جرى صادف ذلك وقوع الغرة بينهم وبين العثماني فأرسلوا إلى المترجم يعدون بانفاذ ستة ألاف لمساعدته فأقام بالجيزة ينتظر حضورهم نحو ثلاثة شهور وكان ذلك أوان القيظ وليس ثم زرع ولا نبات فضاقت على جيوشهم الناحية وقد طال انتظاره للانكليز فتشكى العربان المجتمعون عليه وغيرهم لشدة ما هم فيه من الجهد وفي كل حين يعدهم بالفرج ويقول لهم: أصبروا ولم يبق إلا القليل فلما اشتد بهم الجهد اجتمعوا إليه فقالوا له: أما أن تنتقل معنا إلى ناحية قبلي فان أرض الله واسعة وأما أن تاذن لنا في الرحيل في طلب القوت فما وسعه إلا الرحيل مكظوما مقهورا من معاندة الدهر في بلوغ المآرب الأول مجىء القبودان وموسى باشا على هذه الهيئة والصورة ورجوعهما على غير طائل الثاني عدم ملكة دمنهور وكان قصده أن يجعلها معقلا ويقيم بها حتى تأتيه النجدة الثالث تأخر مجىء النجدة حتى قحطوا واضطروا إلى الرحيل والرابع وهو اعظمها مجانبة اخوانه وعشيرته وخذلانهم له وامتناعهم عن الإنضمام إليه فارتحل من البحيرة بجيوشه ومن يصحبه من العربان حتى وصل إلى الاخصاص فنادى محمد علي باشا على العساكر بالخروج ولا يتأخر منهم واحد فخرجوا أفواجا ليلا ونهارا حتى وصلوا إلى ساحل بولاق وعدوا إلى بر انبابه وجيشوا بظاهرها وقد وصل المترجم إلى كفر حكيم يوم الثلاثاء ثامن عشر القعدة وانتشرت جيوشه بالبر الغربي ناحية انبابة والجيزة وركب الباشا وأصناف العساكر ووقفوا على ظهر خيولهم واصطفت الرجالة ببنادقهم واسلحتهم ومر المترجم في هيئة عظيمة هائلة وجيوش تسد الفضاء وهم مرتبون طوابير ومعهم طبول وصحبته قبائل العرب من أولاد على والهنادي وعربان الشرق في كبكة زائدة والباشا والعسكر وقوف ينظرون إليهم من بعيد وهو يتعجب ويقول: هذا طهماز الزمان وإلا ايش يكون ثم يقول للدلاة والخيالة: تقدموا وحاربوا وأنا اعطيكم كذا وكذا من المال ويذكر لهم مقادير عظيمة ويرغبهم فلم يتجاسروا على الاقدام وصاروا
باهتين ومتعجبين ويتناجون فيما بينهم ويتشاورون في تقدمهم وتأخرهم وقد اصابوه بأعينهم ولم يزل سائرا حتى وصل إلى قريب قناطر شبرامنت فنزل علي علوة هناك وجلس عليها وزاد به الهاجس والقهر ونظر إلى جهة مصر وقال: يا مصر انظري أولادك وهم حولك مشتتين متباعدين مشردين واستوطنك اجلاف الاتراك واليهود وارذل الارنؤد وصاروا يقبضون خراجك ويحاربون أولادك ويقاتلون ابطالك ويقاومون فرسانك ويهدمون دورك ويسكنون قصورك ويفسقون بولدانك وحورك ويطمسون بهجتك ونورك ولم يزل يردد هذا الكلام وأمثاله وقد تحرك به خلط دموي وفي الحال تقايا دما وقال: قضى الأمر وخلصت مصر لمحمد علي وما ثم من ينازعه ويغالبه وجرى حكمه على المماليك المصرية فما اظن أن تقوم لهم راية بعد اليوم ثم أنه أحضر امراءه وأمر عليهم شاهين بك واوصاه بخشداشينه واوصاهم به وأن يحرصوا على دوام الالفة بينهم وترك التنازع الموجب للتفرق والتفاشل وأن يحذروا من مخادعة عدوهم واوصاهم أنه إذا مات يحملونه إلى وادي البهنسا ويدفنونه بجوار قبور الشهداء فمات في تلك الليلة وهي ليلة الأربعاء تاسع عشر ذي القعدة فلما مات غسلوه وكفنوه وصلوا عليه وحملوه على بعير وارسلوه إلى البهنسا ودفنوه هناك بجوار الشهداء وانقضى نحبه فسبحان من له سرمدية البقاء وفي الحال حضر المبشر إلى محمد علي باشا وبشره بموت المترجم فلم يصدقه واستغرب ذلك وحبس البدوي الذي أتاه بالبشارة أربعة أيام وذلك لأن اتباعه كانوا كتموا أمر موته ولم يذيعوه في عرضيه والذي اشاع الخبر واتى بالبشارة رفيق البدوي الذي حمله على بعيره ولما ثبت موته عند الباشا امتلأ فرحا وسرورا وكذلك خاصته ورفعوا رؤوسهم وأحضر ذلك المبشر فألبسه فروة سمور واعطاه مالا وأمره أن يركب بتلك الخلعة ويشق بها من وسط المدينة ليراه أهل البلدة وشاع ذلك الخبر في الناس من وقت حضور المبشر وهم يكذبون ذلك الخبر ويقولون هذا من جملة تحيلاته فأنه لما سافر إلى بلاد
الانكليز لم يعلم بسفره أحد ولم يظهر سفره إلا بعد مضي اشهر فلذلك أمر الباشا ذلك المبشر أن يركب بالخلعة ويمر بها من وسط المدينة ومع ذلك استمروا في شكهم نحو شهرين حتى قويت عندهم القرائن بما حصل بعد ذلك فانه لما مات تفرقت قبائل العربان التي كانت متجمعة حوله وبعضهم أرسل يطلب أمانا من الباشا وغير ذلك مما تقدم ذكره وخبره في ضمن ماتقدم وكان محمد علي باشا يقول: ما دام هذا الألفي موجودا لا يهنأ لي عيش ومثالي أنا وهو مثال بهلوانين بلعبان! على الحبل لكن هو في رجليه قبقاب فلما اتاه المبشر بموته قال بعد أن تحقق ذلك: الآن طابت لي مصر وماعدت احسب لغيره حسابا.
وكان المترجم اميرا جليلا مهيبا محتشما مدبرا بعيد الفكر في عواقب الأمور صحيح الفراسة إذا نظر في سحنة إنسان عرف حاله واخلاقه بمجرد النظر إليه قوي الشكيمة صعب المراس عظيم البأس ذا غيره حتى على من ينتمي إليه أو ينسب إلى طرفه يحب علو الهمة في كل شئ حتى أن التجار الذين يعاملهم في المشتروات لا يساومهم ولا يفاصلهم في أثمانها بل يكتبون الأثمان بأنفسهم كما يحبون ويريدون في قوائم ويأخذها الكاتب ليعرضها عليه فيمضي عليها ولا ينظر فيها ويرى أن النظر في مثل ذلك أو المحاققة فيه عيب ونقض يخل بالأمرية ولا تمضي السنة إلا والجميع قد استوفوا حقوقهم ويستأنفوا احتياجات العام الجديد ولذلك راج حال المعاملين له رواجا عظيما لكثرة ربحهم عليه ومكاسبهم ومع ذلك يواسيهم في جملة احبابه والمنتسبين إليه بإرسال الغلال لمؤنه بيوتهم وعيالهم وكساوي العيد وينتصر لاتباعه ولمن انتمى إليه ويجب لهم رفعة القدر من غيرهم مع أنه إذا حصل من أحد منهم هفوة تخل بالمروءة عنفه وزجره فترى كشافة ومماليكه مع شدة مراسهم وقوة نفوسهم وصعوبتهم يخافونه خوفا شديدا ويهابون خطابه.
ومن عجيب أمره ومناقبه التي انفرد بها عن غيره امتثال جميع قبائل العربان الكائنين بالقطر المصري لامره وتسخيرهم وطاعتهم له لا يخالفونه
في شئ وكان له معهم سياسة غريبة ومعرفة بأحوالهم وطبائعهم فكإنما هو مربي فيهم أو ابن خليفتهم أو صاحب رسالتهم يقومون ويقعدون لامره مع أنه يصادرهم في أموالهم وجمالهم ومواشيهم ويحبسهم ويطلقهم ويقتل منهم ومع ذلك لا ينفرون منه وقد تزوج كثيرا من بناتهم فالتي تعجبه يبقيها حتى يقضي وطره منها والتي لا توافق مزاجه يسرحها إلى أهلها ولم يبق في عصمته غير واحدة وهي التي أعجبته فمات عنها فلما بلغ العرب موته اجتمعت بنات العرب وصرن يندبنه بكلام عجيب تناقلته أرباب المغاني يغنون به على آلات اللهو المطربة وركبوا عليه أدوارا وقوافي وغير ذلك والعجب منه رحمه الله أنه لما كان في دولتهم السابقة وينزل في كل سنة إلى شرقية بلبيس ويتحكم في عربانها ويسومهم العذاب بالقبض عليهم ووضعهم في الزناجير ويتعاون على البعض منهم بالبعض الآخر ويأخذ منهم الأموال والخيول والاباعر والاغنام ويفرض عليهم الفرض الزائدة ويمنعهم من التسلط على فلاحي البلاد ثم أنه لما رجع من بلاد الانكليز وتعصب عليه البرديسي والعسكر وأحاطوا به من كل جانب فاختفى منهم وهرب إلى الوادي عند عشيبة البدوي فآواه واخفاه وكتم أمره والبرديسي ومن معه يبالغون في الفحص والتفتيش وبذل الأموال والرغائب لمن يدل عليه أو يآتي به فلم يطمعوا في شئ من ذلك ولم يفشوا سره وقيدوا بالطرق الموصلة له انفارا منهم تحرس الطريق من طارق يأتي على حين غفلة وهذا من العجائب حتى كان كثير من الناس يقولون أنه يسخرهم أو معه سر يسخرهم به فلما مات تفرق الجميع ولم يجتمعوا على أحد بعده وذهبوا إلى أماكنهم وبعضهم طلب من الباشا الأمان وأما مماليكه واتباعه فلم يفلحوا بعده وذهبوا إلى الأمراء القبليين فوجدوا طباعهم متنافرة عنهم ولم يحصل بينهم التئام ولا صفا كدر الفريقين من الآخر فانعزلوا عنهم إلى أن جرى ما جرى من صلحهم مع الباشا واوقع بهم ما سيتلى عليك بعد إن شاء الله تعالى وبعد موت المترجم بنحوا الأربعين يوما وصلت نجدة الانكليز
إلى ثغر الاسكندرية وطلعوا إليه فبلغهم عند ذلك موت المذكور فلم يسهل بهم الرجوع فأرسلوا رسلهم إلى الجماعة المصريين ظانين أن فيهم أثر الهمة والنخوة يطلبونهم للحضور ويساعدهم الانكليز على ردهم لمملكتهم واوطانهم وكان محمد علي باشا حين ذاك بناحية قبلي يحاربهم فطلبهم للصلح معه وأرسل إليهم بعض فقهاء الأزهر وخادعهم وثبطهم فقعدوا عن الحركة وجرى ما جرى على طائفة الانكليز كما سيتلى عليك خبره ثم عليهم بعد ذلك وكان أمر الله مفعولا.
وكان للمترجم ولوع ورغبة في مطالعة الكتب خصوصا العلوم الغريبة مثل الجفريات والجغرافيا والاسطر نوميا والاحكام النجومية والمناظرات الفلكية وما تدل عليه من الحوادث الكونية ويعرف أيضا مواضع المنازل واسماءها وطبائعها والخمسة المتحيرة وحركات الثوابت ومواقعها كل ذلك بالنظر والمشاهدة والتلقي على طريقة العرب من غير مطالعة في كتب ولا حضور درس وإذا طالع أحد بحضرته في كتاب أو اسمعه ناضلة مناضلة متضلع وناقشه مناقشة متطلع وله أيضا معرفة بالأشكال الرملية واستخراجات الضمائر بالقواعد الحرفية وكان له في ذلك اصابات ومنها ما أخبرني به بعض اتباعه أنه لما وصل إلى ثغر سكندرية راجعا من بلاد الانكليز رسم شكلا وتامل فيه وقطب وجهه ثم قال: إني ارى حادثا في طريقنا وربما إني افترق منكم واغيب عنكم نحو أربعين يوما فلذلك احب أن يخفي أمره ويأتي على حين غفلة وكان البرديسي قد أقام بالثغر رقيبا يوصل خبر وروده فلما وصل أرسل ذلك الرقيب ساعيا في الحال وكان ما ذكرناه في سياق التاريخ من غدرهم وقتلهم حسين بك أبو شاش بالبر الغربي وهروب بشتك بك من القصر وإرسال العسكر لملاقاة المترجم على حين غفلة ليقتلوه وهروبه واختفاؤه ثم ظهوره واجتماعهم عليه بعد انقضاء تلك المدة أو قريب منها وكان رحمه الله إذا سمع بإنسان فيه معرفة بمثل هذه الأشياء أحضره ومارسه فيها فإن رأى فيه فائدة أو مزية اكرمه وواساه وصاحبه
وقربه إليه وادناه وكان له مع جلسائه مباسطة مع الحشمة والترفع عن الهذيان والمجون وكان غالب اقامته بقصوره التي عمرها خارج مصر وهو القصر الكبير بمصر القديمة تجاه المقياس بشاطئ النيل والقصر الآخر الكائن بالقرب من زاوية الدمرداش والقصر الذي بجانب قنطرة المغربي على الخليج الناصري وكان إذا خرج من داره لبعض تلك القصور لا يمر من وسط المدينة وإذا رجع كذلك فسئل عن سبب ذلك فقال: استحي أن أمر من وسط الأسواق وأهل الحوانيت والمارة ينظرون الي وافرجهم على نفسي.
وللمترجم أخبار وسير ووقائع لو سطرت لكانت سيرة مستقلة خصوصا وقائعه وسياحته ثلاث سنوات وثلاثة اشهر أيام أقام الفرنساوية بالقطر المصري ورحلته بعد ذلك إلى بلاد الانكليز وغيابه بها سنة وشهورا وقد تهذبت اخلاقه بما اطلع عليه من عمارة بلادهم وحسن سياسة احكامهم وكثرة أموالهم ورفاهيتهم وصنائعهم وعدلهم في رعيتهم مع كفرهم بحيث لا يوجد فيهم فقير ولا مسجد ولا ذو فاقة ولا محتاج وقد اهدوا له هدايا وجواهر وآلات فلكية وأشكال هندسية واسطرلابات وكرات ونظارات وفيها ما إذا نظر الإنسان فيها في الظلمة يرى أعيان الأشكال كما يراها في النور ومنها لخصوص النظر في الكواكب فيرى بها الإنسان الكوكب الصغير عظيم الجرم وحوله عدة كواكب لا تدرك بالبصر الحديد ومن أنواع الأسلحة الحربية أشياء كثيرة واهدوا له آلة موسيقى تشبه الصندوق بداخله أشكال تدور بحركات فيظهر منها اصوات مطربة على ايقاع الانغام وضروب الالحان وبها نشانات وعلامات لتبديل الانغام بحسب ما يشتهى السامع إلى غير ذلك نهب ذلك جميعه العسكر الذين ارسلهم إليه البرديسي ليقتلوه وطفقوا يبيعونه في أسواق البلدة واغلبه تكسر وتلف وتبدد.
واخبرني بعض من خرج لملاقاته عند منوف العليا أنه لما طلع إليها وقابله سليمان بك البواب اخلى له الحمام في تلك الليلة وكان قد بلغه كافة افعاله بالمنوفية من العسف والتكاليف وكذا باقي اخوانه وافعالهم بالاقاليم فكان
مسامرتهم معه تلك الليلة في ذكر العدالة الموجبة لعمار البلاد ويقول لسليمان بك في التمثيل: الإنسان الذي يكون له ماشية يقتات هو وعياله من لبنها وسمنها وجبنها يلزمه أن يرفق بها في العلف حتى تدر وتسمن وتنتج له النتاج بخلاف ما إذا اجاعها واجحفها واتعبها واشقاها واضعفها حتى إذا ذبحها لا يجد بها لحما ولا دهنا فقال: هذا ما اعتدناه وربينا عليه فقال: إن اعطاني الله سيادة مصر والإمارة في هذا القطر لامنعن هذه الوقائع واجري فيه العدل ليكثر خيره وتعمر بلاده وترتاح أهله ويكون احسن بلاد الله ولكن الإقليم المصري ليس له بخت ولا سعد وأهله تراهم مختلفين في الاجناس متنافوي القلوب منحرفي الطباع فلم يمض على هذا الكلام إلا بقية الليل وساعات من النهار حتى أحاطوا به وفر هاربا ونجا بنفسه وجرى ما تقدم ذكره من اختفائه وظهوره وانتقاله إلى الجهة القبلية واجتماع الجيوش عليه وحكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وحصل له ما حصل.
واخبرني من اجتمع عليه في البحيرة وسامره فقال: يا فلان والله يخيل لي أن اقتل نفسي ولكن لا تهون علي وقد صرت الآن واحدا بين الوف من الاعداء وهؤلاء قومي وعشيرتي فعلوا بي ما فعلوا وتجنبوني وعادوني من غير جرم ولا ذنب سبق مني في حقهم واشقوني واشقوا أنفسهم وملكوا البلاد لاعدائي واعدائهم وسعيت واجتهدت في مراضاتهم ومصالحتهم والنصح لهم فلم يزدهم ذلك إلا نفورا وتباعدا عني ثم هذه الجنود ورئيسهم الذين ولجوا البلاد وذاقوا حلاوتها وشبعوا بعد جوعهم وترفهوا بعد ذلهم يجيشون علي ويحاربوني ويكيدوني ويقاتلوني ثم أن هؤلاء العربان المجتمعين علي اصانعهم واسوسهم واغاضبهم وأراضيهم وكذلك جندي ومماليكي وكل منهم يطلب مني رياسة وإمارة ويظنون بغفلتهم أن البلاد تحت حكمي ويظنون إني مقصر في حقهم فتارة اعاملهم باللطف وتارة ازجرهم بالعنف فانا بين الكل مثل الفريسة والجميع حولي مثل الكلاب الجياع يريدون نهشي وأكلي وليس بيدي كنوز قارون فأنفق على هؤلاء
الجموع منها فيضطرني الحال إلى التعدي على عباد الله وأخذ أموالهم واكل مزارعهم ومواشيهم فان قدر الله لي بالظفر عوضت عليهم ذلك ورفقت بحالهم وأن كانت الأخرى فالله يلطف بنا وبهم ولا بد أن يترجموا علينا ويسترضوا عن ظلمنا وجورنا بالنسبة لما يحل بهم بعدنا.
وبالجملة فكان آخر من ادركنا من الأمراء المصريين شهامة وصرامة ونظرا في عواقب الأمور وكان وحيدا في نفسه فريدا في ابناء جنسه وبموته اضمحلت دولتهم وتفرقت جمعيتهم وانكسرت شوكتهم وزادت نفرتهم وما زالوا في نقص وادبار وذلة وهوان وصغار ولم تقم لهم بعده راية وانفرضوا وطردوا إلى اقصى البلاد في النهاية.
وأما مماليكه وصناجقه فإنهم تركوا نصيحته ونسوا وصيته وانضموا إلى عدوهم وصادقوه ولم يزل بهم حتى قتلهم وابادهم عن آخرهم كما سيتلى عليك خبر ذلك فيما بعد.
وكانت صفة المترجم معتدل القامة أبيض اللون مشربا بحمرة جميل الصورة مدور اللحية اشقر الشعر وقد خطه الشيب مليح العينين مقرون الحاجبين معجبا بنفسه مترفها في زيه وملبسه كثير الفكر كتوما لا يبيح بسر ولا لاعز احبابه إلا أنه لم يسعفه الدهر وجنى عليه بالقهر وخاب امله وانقضى اجله وخانه الزمان وذهب في خبر كان ومات وله من العمر نحو الخمسة والخمسين سنة غفر الله له.
ومات الأمير عثمان بك البرديسي المرادى وسمى البرديسي لأنه تولى كشوفيه برديس بقبلي فعرف بذلك واشتهر به تقلد الامرية والصنجقية في سنة عشر ومائتين وألف وتزوج ببنت أحمد كتخدا علي وهي اخت علي كاشف الشرقية وعمل لها مهما وذلك قبل أن يتقلد الصنجقية وسكن بدار علي كتخدا الطويل بالازبكية واشتهر ذكره وصار معدودا من جملة الأمراء ولما قتل عثمان بك البرديسي المرادي بساحل أبو قير ورجع من رجع إلى قبلي كان الألفي إلى بلاد الانكليز تعين المترجم بالرياسة على خشدشنية
مع مشاركة بشنك بك الذي عرف بالالفي الصغير فلما حضروا إلى مصر سنة ثمان عشرة بعد خروج محمد باشا خسرو وقتل طاهر باشا انضم إليه محمد علي باشا وكان إذ ذاك سرششمة العساكر وتواخى معه وصادقه ورمح في ميدان غفلته وتحالفا وتعاهدا على المحبة والمصافاة وعدم خيانة احدهما للآخر وأن يكون محمد علي باشا وعساكره الاروام اتباعا له وهو الأمير المتبوع فانتفخ جأشه لأنه كان طائش العقل مقتبل الشبيبة فاغتر بظاهر محمد علي باشا لأنه حين عمل شغله في مخدومه محمد باشا وبعده طاهر باشا دعا الأمراء المصريين وادخلهم إلى مصر وانتسب إلى إبراهيم بك الكبير لكونه رئيس القوم وكبيرهم وعين لإبراهيم بك خرجا وعلوفة مثل اتباعه وسبره واختبره فلم ترج سلعته عليه ووجده حريصا على دوام التراحم والالفة والمحبة وعدم التفاشل في عشيرته وابناء جنسه متحرزا من وقوع ما يوجب التقاطع والتنافر في قبيلته فلما ايس منه مال عنه وانضم إلى المترجم واستخفه واحتوى على عقله وصاحبه وصادقه وصار يختلي معه ويتعاقر معه الشراب ويسامره ويسايره حتى باح له بما في ضميره من الحقد لاخوانه وتطلب الانفراد بالرياسة فصار يقوى عزمه ويزيد في اغرائه ويعده بالمعاونة والمساعدة على اتمام قصده ولم يزل به حتى رسخ في ذهن المترجم نصحه وصدقه كل ذلك توصلا لما هو كامن في نفسه من أهلاك الجميع ثم اشار عليه ببناء ابراج حول داره التي سكن بها بالناصرية فلما اتمها اسكن بها طائفة من عساكره كأنهم محافظون لما عساه أن يكون ثم سار معه إلى حرب محمد باشا خسروا بدمياط فحاربوه واتوا به اسيرا وحبسوه ثم فعلوا بالسيد علي القبطان مثل ذلك ثم كائنة علي باشا الطرابلسي وقتله وقدم تقدم خبر ذلك كله وجميعه ينسب فعله للمصريين ولم يبق الايقاع بينهم فكان وصول الألفي عقب ذلك فاوقعوا به وبجنده ما تقدم ذكره وتفاشلوا وتفرقوا بعد جمعهم وقلوا بعد الكثرة ثم اشار على المترجم المصادق الناصح بتفريق أكثر الجمع الباقي في النواحي والجهات البعض منهم لرصد الألفي والقبض
عليه وعلى جنده والبعض الاخر لظلم الفلاحين في البلاد ولم يبق بالمدينة غير المترجم وإبراهيم بك الكبير وبعض أمراء فعند ذلك سلط محمد علي العساكر بطلب علائفهم المنكسرة فعجزوا عنها فأراد المترجم أن يفرض على فقراء البلدة فرضة بعد أن استشار الاخ النصوح وطافت الكتاب في الحارات والازقة يكتبون أسماء الناس ودورهم ففزعوا وصرخوا في وجوه العسكر فقالوا: نحن ليس لنا عندكم شئ ولا نرضى بذلك وعلائفنا عند أمرائكم ونحن مساعدون لكم فعند ذلك قاموا على ساق وخرجت نساء الحارات وبأيديهم الدفوف يغنون ويقولون ايش تأخذ من تفليسي يا برديسي وصاروا يسخطون على المصريين ويترضون عن العسكر وفي الحال أحاطت العسكر ببيوت الأمراء ولم يشعر البرديسي إلا والعسكر الذين اقامهم بالابراج التي بناها حوله ليكونوا له عزا ومنعة يضربون عليه ويحاربونه ويريدون قتله وتسلقوا عليه فلم يسع الجميع إلا الهروب والفرار وخرجوا خروج الضب من الوجار وذهب المترجم إلى الصعيد مذؤما مدحورا مذموما مطرودا وجوزى مجازاة من ينتصر بعدوه ويعول عليه ويقص اجنحته برجليه وكالباحث عن حتفه بظلفه والجادع بظفره مارن انفه ولم يزل في هجاج وحروب كما سطر في السياق ولم ينتصر في معركة ولم يزل مصرا على معاداة أخيه الألفي وحاقدا عليه وعلى اتباعه حريصا على زلاته واعظمها قضية القبوداة وموسى باشا إلى غير ذلك وكان ظالما غشوما طائشا سئ التدبير وقد اوجده الله جل جلاله وجعله سببا لزوال عزهم ودولتهم واختلال امرهم وخراب دورهم وهتك اعراضهم ومذاتهم وتشتيت جمعهم ولم يزل خبثه مرض ومات بمنفلوط ودفن هناك.
ومات الأمير بشتك بك وهو الملقب الألفي الصغير وهو مملوك محمد بك الألفي الكبير أمره وجعله وكيلا عنه مدة غيابه في بلاد الانكليز وكان قبل ذلك سلحداره وأمر كشافه ومماليكه وجنده بطاعته وامتثال أمره فلما حضر الأمراء المصريون في سنة ثمان عشرة أقام هو بقصر مراد بك بالجيزة
فلم يحسن السياسة وداخله الغرور واعجب بنفسه وشمخ على نظرائه وعلى اعمامه الذين هم خشداشون لأستاذه بل وعلى ابرهيم بك الكبير الذي هو بمنزلة جده وكان مراد بك الذي هو أستاذ أستاذه يراعي حقه ويتأدب معه ويقبل يده في مثل الاعياد ويقول: هو اميرنا وكبيرنا وكذلك أستاذ المترجم كان إذا دخل على ابرهيم بك قبل يده ولا يجلس بحضرته إلا بعد أن يإذن له فلم يقتف المترجم في ذلك اسلافه بل سلك مسلك التعاظم والتكبر على الجميع واستعمل العسف في أموره مع الترفع على الجميع وإذا عقدوا أمرا بدونه حله أو حلوا شيئا بدونه عقده فضاق لذلك خناق الجميع منه وكرهوه وكرهوا أستاذه وكان هو من جملة أسباب نفورهم من أستاذه وانحراف قلوبهم عنه فلما رجع أستاذه وظهر من اختفائه وبلغه افعاله مقته وابعده ولم يزل ممقوتا عنده حتى مات مبطونا في حياة أستاذه بناحية قبلي في تلك السنة.
ومات غير هؤلاء ممن له ذكر مثل سليمان بك المعروف بابو دياب بناحية قبلي أيضا ومات أيضا أحمد بك المعروف بالهنداوي الألفي في واقعة النجيلة ومات أيضا صالح بك الألفي وهو أيضا من تأمر في غياب أستاذه من بلاد الانكليز كان هو متوليا كشوفية الشرقية وغائبا هناك فأرسلوا له تجريدة ليقتلوه وكان بناحية شلشلمون فوصله الخبر فترك خيامه واحماله وانقاله وهرب واختفى فلما وقعت حادثة الأمراء مع العسكر وخرجوا من مصر هاربين وظهر الألفي من الوادي ذهب إليه وامده بما معه من الأموال وذهب مع أستاذه إلى قبلي ولم يزل حتى مات أيضا في هذه السنة وغير أولئك كثير لم تحضرني اسماؤهم ولا وفاتهم.
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين والف.
وكان ابتداء المحرم يوم الأربعاء فيه وصل القابجي الذي على يده التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وطلع إلى بولاق.
وفيه وردت مكاتبات من جهة القبلية فيها أنهم كبسوا على عرضي الالفية
وصحبتهم سليمان بك البواب وحاربوهم وهزموهم ونهبوا حملاتهم وقطعوا منهم عدة رؤوس وهي وأصلة في طريق البحر وصادفت هذه البشارة مع بشارة ورود القابجي ووصوله فعمل لذلك شنك وضربت لذلك مدافع كثيرة من القلعة في كل وقت من الأوقات الخمسة ثلاثة أيام آخرها الجمعة ثم أنه مضى عدة أيام ولم تحضر الرؤوس التي أخبروا عنها واختلفت الروايات في ذلك.
وفي يوم الثلاثاء سابعه عملوا جمعية ببيت القاضي حضرها المشايخ والأعيان وذكروا أنه لما وردت الأوامر بتحصين الثغور فأرسل الباشا سليمان أغا ومعه طائفة من العسكر وأرسل إلى أهالي الثغور والمحافظين عليها مكاتبات بأنهم أن كانوا يحتاجون إلى عساكر فيرسل لهم الباشا عساكر زيادة على الذين ارسلهم فاجابوا بأن فيهم الكفاية ولا يحتاحون إلى عساكر زيادة تأتيهم من مصر فانهم إذا كثروا في البلد تأتي منهم الفساد والافساد فعملوا هذه الجمعية لاثبات هذا القول والخلاص عهدة الباشا لئلا يتوجه عليه اللوم من السلطنة وينسب إليه التفريط.
وفي تاسعه وردت مكاتبات مع السعادة من ثغر سكندرية وذلك يوم الخميس وقت العصر وفيها الأخبار بورود مراكب الانكليز وعدتها اثنان وأربعون مركبا فيها عشرون قطعة كبارا والباقي صغار فطلبوا الحاكم والقنصل وتكلموا معهم وطلبوا الطلوع إلى الثغر فقالوا: لهم لانمكنكم من الطلوع إلا بمرسوم سلطاني فقالوا: لم يكن معنا مراسيم وإنما مجيئنا لمحافظة الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة وقد أحضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر نقيمهم بالابراج لحفظ البلدة والقلعة والثغر فقالوا: لهم لم يكن معنا اذن وقد اتتنا مراسيم بمنع كل من وصل عن الطلوع من أي جنس كان فقالوا: لا بد من ذلك فأما أن تسمحوا لنا في الطلوع بالرضا والتسليم وأما بالقهر والحرب والمهلة في رد الجواب باحد الامرين أربعة وعشرون ساعة ثم تندمون على الممانعة فكتبوا بذلك
إلى مصر فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخدا بك وحسن باشا وبونابارته الخازندار وطاهر باشا والدفتردار والروزنامجي وباقي أعيانهم وذلك بعد الغروب وتشاوروا في ذلك ثم اجمع رأيهم على إرسال الخبر بذلك إلى محمد علي باشا ويطلبونه للحضور هو ومن بصحبته من العساكر ليستعدوا لما هو أولى واحق بالاهتمام ففعلوا ذلك وانصرفوا إلى منازلهم بعد حصة من الليل وأرسلوا تلك المكاتبة إليه في صبح يوم الجمعة صحبة هجانين وشاع الخبر وكثر لغط الناس في ذلك ولما انقضت الابعة وعشرون ساعة التي جعلها الانكليز أجلا بينهم وبين أهل الاسكندرية وهم في الممانعةضربوا عليهم بالقنابر والمدافع الهائلة من البحر فهدموا جانبا من البرج الكبير وكذلك الابراج الصغار والسور فعند ذلك طلبوا الأمان فرفعوا عنهم الضرب ودخلوا البلدة وذلك يوم الجمعة التالي.
وفي ليلة الإثنين ثالث عشره وردت مكاتبة من رشيد بذلك الخبر على سبيل الاجمال من غير معرفة حقيقة الحال بل بالعلم بأنهم طلعوا إلى الثغر ودخلوا البلدة وعدم علمهم بالكيفية وتغيب الحال واشتبه الامر.
وفيه حضر قنصل الفرنساوية إلى مصر وكان بالاسكندرية فلما وردت مراكب الانكليز انتقل إلى رشيد فلما بلغه طلوعهم إلى البر حضر إلى مصر وذكر أنه يريد السفر إلى الشام هو وباقي الفرنساوية القاطنين بمصر.
وفي ليلة الخميس سادس عشره وردت مكاتبة من الباشا يذكر فيها أنه تحارب مع المصريين وظهر عليهم وأخذ منهم اسيوط وقبض على انفار منهم وقتل في المعركة كثير من كشافهم ومماليكهم فعملوا في ذلك اليوم شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والازبكية ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة اخرها يوم السبت واشاعوا أيضا أن الاسكندرية ممتنعة على الانكليز وانهم طلعوا إلى رأس التين والعجمي فخرج عليهم أهل البلاد والعساكر وحاربوهم واجلوهم عن البر ونزلوا إلى المراكب مهزومين واحرقوا منهم مركبين وأنه وصل إليهم عمارة العثمانيين والفرنساوية وحاربوهم في البحر
وأحرقوا مراكبهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولم يبق منهم إلا القليل واستمر الأمر في هذا الخلط القبلي والبحري عدة أيام ولم يأت من الاسكندرية سعاة ولا خبر صحيح.
وفيه وصل الكثير من أهالي الفيوم ودخلوا إلى مصر وهم في اسوأ حال من الشتات والعرى مما فعل بهم ياسين بك فخرجوا على وجوههم وجلوا عن اوطانهم ولم يمكنهم الخروج من بلادهم حتى ارتحل عنهم المذكور يريد الحضور إلى ناحية مصر عندما بلغه خبر حضور الانكليز إلى ثغر اسكندرية.
وفي سابع عشره وصل ياسين بك المذكور إلى ناحية دهشور وأرسل مكاتبه خطابا للسيد عمر والقاضي وسعيد أغا يذكر فيها أنه لما بلغه وصول الانكليز أخذته الحمية الإسلامية وحضر وصحبته ستة آلاف من العسكر ليرابط بهم بالجيزة أو بقليوب ويجاهد في سبيل الله فكتبوا له اجوبة مضمونها أن كان حضوره بقصد الجهاد فينبغي أن يتقدم بمن معه إلى الاسكندرية وإذا حصل له النصر تكون له اليد البيضاء والمنقبة والذكر والشهرة الباقية فانه لافائدة باقامته بالجيزة أو قليوب وخصوصا قليوب بالبر الشرقي وكان حسن باشا خرج بعرضيه في موكب إلى ناحية الحلي قبل ذلك بايام ويرجع إلى داره آخر النهار فيبيت بها ثم يخرج في الصباح وعساكره واوباشه ينتشرون بتلك النواحي يعبثون ويخطفون متاع الناس ومبيعات الفلاحين وأهل بولاق وفي كل يوم يشيعون بانه مسافر إلى الجهة البحيرة لمحاربة الانكليز فلما ورد خبر مجئ ياسين بك تاخر عن السفر وعملوا مشورة فاقتضى رأيهم أن حسن باشا يعدي إلى البر الغربي ويقيم بالجيزة لئلا يأتي ياسين بك ويملكها فعدى حسن باشا في يوم الإثنين عشرينه وأقام بها واعرض عن السفر إلى جهة البحيرة.
وفيه وردت الأخبار الصحيحة بأخذ الاسكندرية واستيلاء الانكليز عليها يوم الخميس المتقدم تاسع الشهر ودخلوها وملكوا الابراج يوم الأحد
صبيحة النهار وسكن ساري عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع أهالي البلد شروط منها أنهم لا يسكنون البيوت قهرا عن أصحابها بل بالمؤاجرة والتراضي ولا يمتهنون المساجد ولا يبطلون منها الشعائر الإسلامية واعطوا امين أغا الحاكم أمانا على نفسه وعلى من معه من العسكر واذنوا لهم بالذهاب إلى أي محمل أرادوه ومن كان له دين على الديوان يأخذ نصيبة حالا والنصف الثاني مؤجلا ومن أراد السفر في البحر من التجار وغيرهم فليسافر في خفارتهم إلى أي جهة أراد ما عدا إسلامبول وأما العرب غير واضحه وتونس وطرابلس ونحوها فمطلق السراح لاحرج ذهابا وايابا ومن شروطهم التي شرطوها مع أهل البلد أنهم أن احتاجوا إلى فومانية أو مال ريكلفون أهل الاسكندرية بشئ من ذلك وأن محكمة الإسلام تكون مفتوحة تحكم بشرائها ولا يكلفون أهل الإسلام بقيام دعواى عند الانكليز بين رضاهم والحمايات من أي بنديرة تكون مقبولة عند الانكليز الموجودين في الاسكندرية ويقيمون مأمونين رعاية لخاطر أهل الاسكندرية ولم يحصل لهم شئ من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية والجمارك من كل الجهات على كل مائة اثنان ونصف وعلى ذلك انتهت الشروط وليعلم أن هذه الطائفة من الانكليز ومن انضم إليهم وعدتهم على ماقيل ستة آلاف لم تأت إلى الثغر طمعا في أخذ مصر بل كان ورودهم ومجيئهم مساعدة ومعاونة للالفي على اخصامه باستدعائه لهم واستنجاده بهم قبل تاريخه وبسبب تأخرهم في المجئ لما بينهم وبين العثماني الصلح فلا يتعدون على ممالكه من غير ادنه لمحافظتهم على القوانين فلما وقعت العرة بينهم وبينه بما تقدم فعند ذلك انتهزوا الفرصة وأرسلوا هذه الطائفة وكان الألفي ينتظر حضورهم بالبحيرة فلما طال عليه الانتظار وضاقت عليه البحيرة ارتحل بجيوشه مقبلا وقضى الله موتا بإقليم الجيزة وحضر الانكليز بعد ذلك إلى الاسكندرية فوجدوه قد مات فلم يسعهم الرجوع فأرسلوا إلى الأمراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدوهم ويقولون
لهم: إنما جئنا إلى بلادكم باستدعاء الألفي لمساعدته ومساعدتكم فوجدنا الألفي قد مات وهو شخص واحد منكم وأنتم جميع فلا يكون عندكم تأخير في الحضو لقضاء شغلكم فإنكم لا تجدون فرصة بعد هذه وتندمون بعد ذلك أن تلكأتم فلما وصلتهم مراسلة الانكليز تفرق رايهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم وهو يدعي الورع وعنده جيش كبير فأرسلوا إليه يستدعونه فقال: أنا مسلم هاجرت وجاهدت وقاتلت في الفرنساوية والآن اختم عملي والتجئ إلى الافرنج وانتصر بهم على المسلمين أنا لا افعل ذلك وعثمان بك يوسف كان بناحية الهو وكان الباشا يحارب الذين بناحية اسيوط وهم المرادية والابراهيمية والالفي والتقي معهم وانكسروا منه وقتل منهم أشخاصا فلما ورد عليه خبر الانكليز انفعل لذلك وداخله وهم كبير وأرسل إليهم المشايخ وخلافهم يطلبهم للصلح وكان ما سيتلى عليك قريبا وما كان إلا ما أراده المولى جل جلاله ومن تعسه الانكليز والقطر وأهله إلا أن يشاء الله.
وفيه وصل مكتوب من محمد علي باشا بطلب مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليرسلهم إلى الأمراء القبالى فتراخوا في الذهاب لكونهم وجدوا تاريخ المكتوب حادي عشر الشهر فعلموا أن ذلك قبل تحقق خبر الانكليز ثم ورد منه مكتوب آخر يذكر فيه عزمه على الرجوع إلى مصر قريبا فان العساكر يطالبونه بالعلائف ويأمرهم فيه بتحصيل ذلك وتنظيمه ليستلموها عند حصولهم بمصر يتجهزوا لمحاربة الانكليز.
وفي ثالث عشرينه ورد مكتوب من أهالي دمنهور خطابا إلى السيد عمر النقيب مضمونه أنه لما دخلت المراكب الانكليزية إلى سكندرية هرب من كان بها من العساكر وحضروا إلى دمنهور فعندما شاهدهم الكاشف الكائن بدمنهور ومن معه من العسكر انزعجوا انزعاجا شديدا وعزموا على الخروج من دمنهور فخاطبهم أكابر الناحية قائلين لهم كيف تتركونا وتذهبوا
ولم تروا منا خلافا وقد كنا فيما تقدم من حروب الألفي من اعظم المساعدين لكم فكيف لا نساعد الآن بعضنا بعضا في حروب الانكليز فلم يستمعوا لقولهم لشدة ما داخلهم من الخوف وعبوا متاعهم واخرج الكاشف اثقاله وجبخانته ومدافعه وتركها وعدى وذهب إلى فوة من ليلته ثم أرسل في ثاني يوم من أخذ الاثقال فهذا ما حصل أخبرناكم به وأما بونابارته الخازندار الذي سافر لحرب الانكليز فإنه نزل على القليوبية وفعل ما امكنه وقدر عليه بالبلاد من السلب والنهب والجور والكلف والتساويف حتى وصل إلى المنوفية وكذلك طاهر باشا الذي سافر في أثره وإسمعيل كاشف المعروف بالطوبجي فرض على البلاد جمالا وخيولا وابقارا وغير ذلك ومن جملة افاعيلهم أنهم يوزعون الاغنام المنهوبة على البلاد ويلزمونهم بعلفاها وكلفها ثم يطلبون أثمانها مضاعفة بما يضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وأمثال ذلك.
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه وردت أخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الانكليز وصلت إلى رشيد في صبح يوم الثلاثاء حادي عشرينه ودخلوا إلى البلد وكان أهل البلدة ومن معهم من العساكر منتبهين ومستعدين بالازقة والعطف وطيقان البيوت فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية فالقوا ما بايديهم من الأسلحة طولبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة واسروا الباقين وفر طائفة إلى ناحية منهور وكان كاشفها عندما بلغه ما حصل برشيد اطمان خاطره ورجع إلى ناحية ديبي ومحلة الأمير وطلع بمن معه إلى البر فصادف تلك الشرذمة فقتل بعضهم وأخذ مابقي منهم أسرى وأرسلوا السعاة إلى مصر بالبشارة فضربوا مدافع وعملوا شنكا وخلع كتخدا بك على السعاة الواصلين واسرعت المبشرون من اتباع العثمانيين وهم القواسة الاتراك بالسعي إلى بيوت الأعيان يبشرونهم ويأخذون منهم البقاشيش والخلع وصار الناس ما بين مصدق ومكذب فلما كان يوم الأحد سادس
عشرينه اشيع وصول رؤوس القتلى ومن معهم من الأسرى إلى بولاق فهرع الناس بالذهاب للفرجة ووصل الكثير منهم إلى ساحل بولاق وركب أيضا كبار العسكر ومعهم طوائفهم لملاقاتهم فطلعوا بهم إلى البر وصحبتهم جماعة العسكر المتسرفين معهم فأتوا بهم من خارج مصر ودخلوا بهم من باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة وفيهم فسيال كبير وآخر كبير في السن وهما راكبان على حمارين والبقية مشاة في وسط العسكر ورؤوس القتلى معهم على نبابيت وقد تغيرت وانتنت رائحتها وعدتها أربعة عشر رأسا والاحياء خمسة وعشرون ولم يزالوا سائرين بهم إلى بركة الازبكية وضربوا عند وصولهم شنكا ومدافع وطلعوا بالاحياءمع فسيالهم إلى القلعة.
وفيه نبه السيد عمر النقيب على الناس وامرهم بحمل السلاح والتأهب للجهاد في الانكليز حتى مجاورى الأزهر وامرهم بترك حضور الدروس وكذلك أمر المشايخ المدرسين بترك القاء الدروس.
وفيه وصل عابدين بك وعمر بك وأحمد أغا لاظ اوغلي من ناحية قبلي واشيع وصول الباشا بعد يومين.
وفي يوم الإثنين وصل أيضا جملة من الرؤوس والأسرى إلى بولاق فطلعوا بها على الرسم المذكور وعدتها مائة رأس واحد وعشرون راسا وثلاثة عشر اسيرا وفيهم جرحى ومات احدهم على بولاق فقطعوا رأسه ورشقوها مع الرؤوس وشقوا بها من وسط المدينة آخر النهار.
وفي يوم الثلاثاء حصلت جمعية ببيت القاضي وحضر حسن باشا وعمر بك والدفتردار وكتخدا بك والسيد عمر النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير وباقي المشايخ فتكلموا في شأن حادثة الانكلير والاستعداد لحربهم وقتالهم وطردهم فإنهم اعداء الدين والملة وقد صاروا أيضا اخصاما للسلطان فيجب على المسلمين دفعهم ويجب أيضا أن يكون الناس والعسكر على حال الالفة والشفقة والاتحاد وأن يساعدوا بعضهم بعضا على دفع العدو ثم
تشاوروا في تحصين المدينة وحفر خنادق فقال بعضهم: إن الانكليز لا يأتون إلا من البر الغربي والنيل حاجز بين الفريقين وأن الفرنساوية كانوا اعلم بامر الحروب وانهم لم يحفروا إلا الخندق المتصل من الباب الحديد إلى البر فينبغي الاعتناء بإصلاحه ولو لم يكن كوضعهم واتقانهم إذ لا يمكن فعل ذلك واتفقوا على ذلك.
وفيه حضر مكتوب من ثغر رشيد عليه امضاء علي بك حاكم رشيد وأحمد بك المعروف ببونابارته مؤرخ بيوم الجمعة رابع عشرينه يذكرون فيه أن الانكليز لما حضروا إلى رشيد وحصل لهم ما حصل من القتل والاسر ورجعوا خائبين حصل لباقيهم غيظ عظيم وهم شارعون في الاستعداد للعود والمحاربة القصد أن تسعفونا وتمدونا بإرسال الرجال والمحاربين والأسلحة والجبخانة بسرعة وعجلة وإلا فلا لوم علينا بعد ذلك وقد أخبرناكم وعرفناكم بذلك فأرسلوا في ذلك عدة من المقاتلين وكتبوا مكاتبات إلى البلاد والعربان الكائنين ببلاد البحيرة يدعونهم للمحاربة والمجاهدة وكذلك أرسلوا في ثاني يوم عدة من العسكر.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه ركب السيد عمر النقيب والقاضي والأعيان المتقدم ذكرهم ونزلوا إلى ناحية بولاق لترتيب أمر الخندق المذكور وصحبتهم قنصل الفرنساوية وهو الذي اشار عليهم بذلك وصحبتهم الجمع الكثير من الناس والاتباع والكل بالأسلحة.
وفيه وصل المشايخ الثلاثة الذين كانوا ذهبوا لاجراء الصلح بين الباشا والأمراء القبالى وذهبوا إلى دورهم وكان من خبرهم أنهم لما وصلوا إلى الباشا بناحية ملوى أستاذنوه في الذهاب فيما اتوا بسببه من السعي في الصلح فاستمهلهم وتركهم بناحية ملوى واستعد وذهب إلى اسيوط واودع الجماعة بمنفلوط وتلاقى مع الأمراء وحاربهم وظهر عليهم وقتل من الأمراء في تلك المعركة سليمان بك المرادي المعروف بريحة بتشديد الياء وسليمان بك الاغا ورجع الأمراء القبالى إلى ناحية بحرى فعند ذلك حضر المشايخ
وكتب مكاتبات إلى الأمراء وارسلها صحبة المشايخ المذكورين إلى الأمراء وكانوا بالجانب الغربي بناحية ملوى فتفاوضوا معهم فيما اتوا بسببه من أمر الصلح مع الباشا وكف الحروب فقالوا: كم من مرة يراسلنا في الصلح ثم يغدر بنا ويحاربنا فاحتجوا عليهم بما لقنه لهم من مخالفتهم لأكثر الشروط التي كان اشترطها عليهم من إرسال الأموال الميرية والغلال وتعديهم على الحدود التي يحددها معهم في الشروط ثم أنهم اختلوا مع بعضهم وتشاوروا فيما بينهم وكان عثمان بك حسن منعزلا عنهم بالبر الشرقي ولم يكن معهم في الحرب ولا في غيره وبعد انقضاء الحرب استعلى إلى جهة قبلي وعثمان بك يوسف كان أيضا بناحية الهو والكوم الأحمر.
وفي اثناء ذلك ورد علي باشا خبر الانكليز وأخذهم الاسكندرية وأرسلوا رسلهم إلى الأمراء القبالي فارتبك في أمره وأرسل إلى المشايخ يستعجلهم في اجراء الصلح وقبولهم كل ما اشترطوه على الباشا ولايخالفهم في شيء يطلبونه ابدا ولما وصلتهم رسل الانكليز اختلفت آراؤهم وأرسلوا إلى عثمان بك حسن يخبرونه ويستدعونه للحضور فامتنع ونورع وقال: أنا لا انتصر بالكفار ووافقه على رأيه ذلك عثمان بك يوسف واختلفت آراء باقي الجماعة وهم إبراهيم بك الكبير وشاهين بك المرادي وشاهين بك الألفي وباقي أمرائهم فاجتمعوا ثانيا بالمشايخ وقالوا: لهم ما المراد بهذا الصلح فقالوا: المراد منه راحة الطرفين ورفع الحروب واجتماع الكلمة ولا يخفاكم أن الانكليز تخاصمت مع سلطان الإسلام واغارت على ممالكه وطرقت ثغر سكندرية ودخلتها وقصدهم أخذ الإقليم المصري كما فعل الفرنساوية فقالوا: أنهم اتوا باستدعاء الالفي لنصرتنا ومساعدتنا فقالوا: لا تصدقوا أقوالهم في ذلك وإذا تملكوا البلاد لا يبقون على أحد من المسلمين وحالهم ليس كحال الفرنساوية فإن الفرنساوية لا يتدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية وأما هؤلاء الانكليز فإنهم نصارى على دينهم ولاتخفى عداوة الأديان ولايصح ولا ينبغي منكم الانتصار بالكفارعلى
المسلمين ولا الالتجاء إليهم وعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وأن الله هداهم في طفولتهم واخرجهم من الظلمات إلى النور وقد نشؤا في كفالة اسيادهم وتربوا في حجور الفقهاء وبين اظهر العلماء وقرأوا القرآن وتعلموا الشرائع وقطعوا ما مضى من اعمارهم في دين الإسلام وإقامة الصلوات والحج والجهاد ثم يفسدون اعمالهم آخر الأمر ويوادون من حاد الله ورسوله ويستعينون بهم على اخوانهم المسلمين ويملكونهم بلاد الإسلام يتحكمون في أهلها فالعياذ بالله من ذلك وكان بصحبة المشايخ مصطفى أفندي كتخدا قاضى العسكر يكلمهم باللغة التركية ويترجم لهم ذلك وهو فصيح الكلام فقالوا: كل ما قلتموه وابديتموه نعلمه ولو تحققنا الأمن والصدق من مرسلكم ما حصل منا خلاف ولحاربنا وقاتلنا بين يديه ولكنه غدار لا يفي بعهد ولا بوعد ولا يبر في يمين ولا يصدق في قول وقد تقدم أنه يصطلح معنا وفي أثر ذلك يأتي لحربنا ويقتلنا ويمنع عنا من يأتي الينا باحتياجاتنا من مصر ويعاقب على ذلك حتى من ياتي من الباعة والمتسببين إلى الناحية التي نحن فيها ولا يخفاكم أنه لما تى القبودان ومعه الأوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والأمر له بالخروج فلم يمتثل وأرسل الينا وخدعنا وتحيل علينا بإرسال الهدايا وصدقناه واصطلحنا معه فلما تم له الأمر غدر بنا وما مراده بصلحنا إلا تأخرنا عن ذهابنا إلى الانكليز فلا نذهب إليهم ولا نستعين بهم وأن كان مراده يعطينا بلادا يصالحنا عليها فها هي البلاد بأيدينا وقد عمها الخراب باستمرار الحروب من الفريقين وقد تفرق شملنا وانهدمت دورنا ولم يبق لنا ما نأسف عليه أو نتحمل المذلة من اجله وقد ماتت اخواننا ومماليكنا فنحن نستمر على ما نحن معه عليه حتى نموت عن آخرنا ويرتاح قلبه من جهتنا فقال لهم الجماعة: هذه المرة هي الأخرى وليس بعدها شر ولا حرب بل بعدها الصداقة والمصافاة ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها فلو طلبتم من الإسكندرية إلى اسوار لا يمنع ذلك بشرط أن تكونوا معنا
بالمساعدة في حرب الإنكليز ودفعهم عن البلاد وأيضا تسيرون بأجمعكم من البر الغربي والباشا وعساكره من البر الشرقي وعند انقضاء أمر الانكليز ورجوعكم إلى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح بحضرة المشايخ الكبار والنقيب والوجاقلية وأكابر العسكر وأن شئتم عقدنا مجلس الصلح بالجيزة قبل التوجه لمحاربة الإنكليز ولا شر بعد ذلك أبدا فانخدعوا لذلك وكتبوا اجوبة ورجع بها مصطفىء أفندي كتخدا القاضي وصحبته يحيى كاشف ثم رجع إليهم تانيا وسار الفريقان إلى جهة مصر وحضر المشايخ وأخبروا بما حصل.
وفيه شرعوا في حفر الخندق المذكور ووزعوا حفره على مياسير الناس وأهل الوكاكل والحانات والتجار وأرباب الحرف والروزنامجي وجعلوا على البعض أجرة مائة رجل من الغعلة وعلى البعض اجرة خمسين وعشرين وكذلك أهل بولاق ونصارى ديوان المكس والنصارى الأروام والشوام والأقباط واشتروا المقاطف والغلفان ولم ترد هكذا القزم والات الحفر وشرعوا في بناء حائط مستدير اسفل تل قلعة السبتية.
وفي يوم الخميس غايته ورد مكتوب من السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد والمشار إليه بها يذكر فيه أن الانكليز لما وقع لهم ما وقع برشيد ورجعوا في هزيمتهم إلى الإسكندرية استعدوا وحضروا إلى ناحية الحماد قبلي رشيد ومعهم المدافع الهائلة والعدد ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر إلى الجبل عرضا وذلك ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه فهذا ما حصل أخبرناكم به ونرجو الاسعاف والامداد بالرجال والجبخانة والعدة والعدد وعدم التأني والإهمال فلما وصل ذلك الجواب قرأه السيد عمر النقيب على الناس وحثهم على التأهب والخروج للجهاد فامتثلوا ولبسوا الأسلحة وجمع إليه طائفة المغاربة واتراك خان الخليلي وكثير من العدوية والأسيوطية وأولاد البلد وركب في صبحها إلى كتخدا بك وأستاذنه في الذهاب فلم يرض وقال: حتى يأتي افندينا الباشا ويرى رأيه في ذلك فسافر من سافر
وبقي من بقي وانقضى الشهر وحوادثه.
وفي ورد الخبر بأن ركب الحاج الشامي رجع من منزله هدية ولم يحج في هذا العام وذلك أنه لما وصل إلى المنزلة المذكورة أرسل الوهابي إلى عبد الله باشا أمير الحاج يقول له: تأت إلا على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي وهو أن يأتي بدون المحمل وما يصحبهم من الطبل والزمر والأسلحة وكل ما كان مخالفا للشرع فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج ولم يتركوا مناكيرهم.
واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة 1222
فيه كتبوا مراسلة إلى الأمراء القبالي وختم عليها كثير من مشايخ الأزهر وغيرهم وأرسلوها اليهم.
وفي يوم السبت ثانيه وردت مكاتبة أيضا من ثغر رشيد وعليها امضاء علي بك السنانكلي حاكم الثغر وطاهر باشا وأحمد أغا المعروف ببونابارته بمعنى مكتوب السيد حسن السابق ويذكرون فيه أن الإنكليز ملكوا أيضا كوم الأفراح وابو منضور ويستعجلون النجدة.
وفي تلك الليلة اعني ليلة الأحد وصل محمد علي باشا ودخل إلى داره باللأزبكية في سادس ساعة من الليل وكان اشيع وصوله قبل ذلك اليوم وخرج السيد عمر النقيب والمشايخ والمحروقي لملاقاته يوم الجمعة فبعضهم ذهب إلى الآثار وبات هناك وبعضهم بات بالقرافة بضريح الإمام الشافعي ورجعوا في ثاني يوم ولم يحصل لهم ملاقاة فلما طلع نهار ذلك اليوم واشيع حضوره إلى داره ركب الجميع وذهبوا للسلام عليه ودار بينهم الكلام في أمر الإنكليز فأظهر الإهتمام وأمر كتخدا بك وحسن باشا بالخروج في ذلك اليوم فأخرجوا مطلوباتهم وعازتهم إلى بولاق وسخط على أهل الإسكندرية والشيخ المسيري وامين أغا حيث مكنوا الإنكليز من الثغر وملكوهم البلدة ولم يقبل لهم عذرا في ذلك ثم قالوا له: أنا نخرج جميعا للجهاد مع الرعية والعسكر فقال: ليس على رعية البلد خروج وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر وانقضى المجلس وركبوا إلى دورهم.
وفيه وصل حجاج المغاربة إلى مصر من طريق البر وأخبروا أنهم حجوا وقضوا مناسكهم وأن مسعود الوهابي وصل إلى مكة بجيش كثيف وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار وأحضر مصطفى جاويش أمير الركب المصري وقال له: ما هذه العويدات والطبول التي معكم يعني بالعويدات المحمل فقال: هو اشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم فقال: لا تأت بذلك بعد هذا العام وأن اتيت به احرقته وأنه هدم القباب وقبة ادم وقباب ينبع والمدينة وابطل شرب التنباك والنارجيلة من الأسواق وبين الصفا والمروة وكذلك البدع.
وفي وفي تلك الليلة أرسل الباشا وطلب السيد عمر في وقت العشاء الاخيرة والزمه بتحصيل ألف كيس لنفقة العسكر وأن يوزعها بمعرفته.
وفي يوم الإثنين رابعه دخلت طوائف العسكر الواصلين من الجهة القبلية إلى المدينة وطلبوا سكنى البيوت كعادتهم ولم يرجعوا إلى الدور التي كانو ساكنين بها واخربوها.
وفي يوم الثلاثاء وردت مكاتبة من رشيد وعليها امضاء السيد حسن كريت يخبر فيها بأن الإنكليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس وقد ارسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الإغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء وما عفرنا لأي شيء هذا الحال وما هذا الإهمال فالله الله في الإسعاف فقد ضاق الخناق وبلغت القلوب الحناجر من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس ونحو ذلك من الكلام وهي خطاب للسيد عمر النقيب والمشايخ ومؤرخة في ثاني شهر صفر.
وفي وفي ذلك اليوم اهتم الباشا وعزم على السفر بنفسه إلى بولاق وركب صحبته حسن باشا وعابدين بك وعمر بك فسافروا في تلك الليلة.
وفي وفي يوم الأربعاء سافر أيضا حجوبك وخرج معه بعض المتطوعة من الأتراك وغيرهم تهيئوا واتفقوا مع المسافرين معهم وامدهم الكثير من
إخوانهم بالإحتياجات والذخيرة والمؤن ونصبوا لهم بيرقا وخرجوا ومعهم طبل وزمر.
وفي وفي يوم الجمعة ركب أيضا أحمد أغا لاظ وشق بعساكره الذين كان بهم بالمنية وتداخل فيهم الكثير من اجناسهم وغيرهم من مغاربة واتراك بلدية ومر الجميع من وسط المدينة في عدة وافرة ويذهب الجميع إلى بولاق يوهمون أنهم مسافرون على قدم الإستعجال بهمة ونشاط واجتهاد فإذا وصلوا إلى بولاق تفرقوا ويرجع الكثير منهم ويراهم الناس في اليوم الثاني والثالث بالمدينة ومن تقدم منهم وسافر بالفعل ذهب فريق منهم إلى المنوفية وفريق إلى الربية ليجمعوا في طريقهم من أهل البلاد والقرى ما تصل إليه قدرة عسفهم من المال والمغارم والكلف وخطف البهائم ورعي المزارع وخطف النساء والبنات والصبيان وغير ذلك.
وفيه سافر أيضا حسن باشا طاهر وفيه نزل الدالاتية إلى بولاق وكذلك الكثير من العسكر وحصل منهم الازعاج في أخذ الحمير والجمال قهرا من أصحابها ونزلوا بخيولهم على ريب البرسيم والغلال الطائبة إلى بناحية بولاق غير واضحة بدران وخلافها فرعتها واكلتها بهائمهم في يوم واحد ثم انتقلوا إلى ناحية منية السيرج وشبرا والزاوية الحمراء والمطرية والأميرية فأكلوا زروعات الجميع وخطفوا مواشيهم وفجروا بالنساء وافتضوا الأبكار ولاطوا بالغلمان وأخذوهم وباعوهم فيما بينهم حتى باعوا البعض بسوق مسكة وغيره وهكذا تفعل المجاهدون ولشدة قهر الخلائق منهم وقبح افعالهم تمنوا مجيء الإفرنج من اي جنس كان وزوال هؤلاء الطوائف الخاسرة الذين ليس لهم ملة ولا شريعة ولا طريق يمشون عليها فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم فيزداد حقدهم وعدواتهم ويقولون أهل هذه البلاد ليسوا مسلمين لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى ويتوعدونهم إذا خلصت لهم البلاد ولا ينظرون لقبح افعالهم.
وفي يوم الإثنين حادي عشرة حضر جماعة من الططر الذين من عادتهم
يأتون بالأخبار والبشارات بالمناصيب وقد وصلوا من طريق الشام يبشرون بولاية السيد علي باشا وعزل صالح قبودان عن رياسة الدونانمة ويذكرون أنه خرج بالدونانمة التي تسمى بالعمارة وصحبته عدة مراكب فرنساوية قاصدين جهة مالطة ليقطعوا على الإنكليز الطرق وأن هؤلاء الططر الواصلين لم يعلموا بورود الإنكليز إلى الإسكندرية إلا عند وصولهم صيدا وذكروا أن سبب عزل صالح القبودان أن الانكليز وردوا بوغاز إسلامبول بأثني عشر مركبا وقيل أربعة عشر وظلوا داخلين والمدافع تضرب عليهم من القلاع المتقابلة فلم يبالوا بذلك حتى حصلوا بداخل المينة تجاه البلد فانزعج أهالي البلد انزعاجا شديدا وصرخت النساء وهاجت المدينة وماجت باناسها ولو ضرب عليها الإنكليز لاحترقت عن اخرها لكنهم لم يفعلوا بل استمروا يومهم ورموا مراسيهم ثم أخذوها وولوا راجعين ولسان حالهم يقول: ها نحن ولجنا بغازكم الذي تزعمون أنه لا أحد يقدر على عبوره وقدرنا عليكم وعفونا عنكم ولو شئنا أخذدار سلطنتكم لأخذناها أو احرقناها وعندما فعلوا ذلك طلب السلطان قبودان باشا فوجدوه يتعاطى الشراب في بعض الأماكن فعند ذلك أحضروا السيد علي وقلدوه رياسة الدونانمة ونزل إلى الإنكليز وتكلم معهم إلى أن خرجوا من البوغاز واخرجوا صالح قبودان منفيا إلى بعض الجهات.
وفي وفي ذلك اليوم طلع الباشا إلى القلعة صحبته قنصل الفرنساوية يهندس معه الأماكن ومواطن الحصار والقنصل المذكور مظهر الإهتام والإجتهاد ويسهل الأمر ويبذل النصح ويكثر من الركوب والذهاب والإياب وإمامه الخدم وبايديهم الحراب المفضضة وخلفه ترجمانه واتباعه.
وفيه أرسل الأمراء القبليون جوابا عن جواب أرسل إليهم قبل ذلك وعليه ختوم كثيرة باستدعائهم واستعجالهم للحضور فأرسلوا هذا الجواب يعتذرون فيه بإن السبب في تأخرهم أنهم لم يتكاملوا وأن أكثرهم متفرقون بالنواحي مثل عثمان بك حسن وغيره وانهم إلى الآن لم يثبت عندهم حقيقة
الأمر لأن من الثابت عندهم صداقة الإنكليز مع العثماني من قديم الزمان وأن المراسيم التي وردت بالتحذير والتحفظ من الموسكوب ولم يذكر الانكليز فاتفق الحال بأن يرسلوا لهم جوابا بالحقيقة صحبة مصطفى أفندي كتخدا القاضي ويصحب معه المراسيم التي وردت في شأن ذلك وفيها ذكر الإنكليز ومنابذتهم للدولة فسافر الكتخدا المذكور في صبحها إليهم وكانوا حضروا إلى ناحية المنية وأما ياسين بك فانه اذعن للصلح على أن يعطيه الباشا أربعمائة كيس بعد ترداد المراسلات بينه وبين الباشا ثم أنه عدى إلى ناحية شرق اطفيح وفرض عليهم الأموال الجسيمة وكان أهل تلك البلاد اجتمعوا بصول والبرنبل بمتاعهم وأموالهم ومواشيهم فنزل عليهم وطلب منهم الأموال فعصوا عليه فأوقد فيهم النيران وحرق جرونهم ونهبهم.
وفي عصر يوم الثلاثاء حضر جماعة من العرب وصحبتهم ثلاثة انفار من البرية وأحضروهم إلى مصر فمثلوا بين يدي الباشا وكلمهم ثم أمر بطلوعهم إلى القلعة وفيهم شخص كبير يقال: إنه من قباطينهم.
وفي يوم الخميس رابع عشرة عملوا ديوانا ببيت القاضي اجتمع فيه الدفتردار والمشايخ والوجاقلية هكذا وردت مرسوما تقدم حضوره قبل وصول الإنكليز إلى الإسكندرية مضمونه ضبط تعلقات الإنكليز ومالهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر والثغور.
وفي ذلك اليوم حضر شخصان من السعاة وأخبرا بالنصر على الإنكليز وهزيمتهم وذلك أنه اجتمع الجم الكثير من أهالي بلاد البحيرة وغيرها وأهالي رشيد ومن معهم من المتطوعة والعساكر وأهل دمنهور وصادف وصول كتخدا بك وإسمعيل كاشف الطوبجي إلى تلك الناحية فكان بين الفريقين مقتلة كبيرة وأسروا من الإنكليز طائفة وقطعوا منهم عدة رؤوس فخلع الباشا على الساعيين جوختين وفي أثر ذلك وصل أيضا شخصان من الأتراك بمكاتبات بتحقيق ذلك الخبر وبالغا في الأخبار وأن الأنكليز انجلوا عن متاريس رشيد وأبي منصور والحماد ولم تزل المقاتلون من أهل القرى
خلفهم إلى أن توسطوا البرية وغنموا جبخاناتهم واسلحتهم ومدافعهم ومهراسين عظيمين وذكرا أنه وأصل خلفهم أسرى وهكذا وردت قتلى كثيرة في عدة مراكب وأنه وصل معهما من جملة المتطوعين رجلان من أهل مكة التجار المقيمين بمصر كانا في الواقعة بنحو مائة من البدو والمغاربة وغيرهم ينفقان عليهم ويحرضانهم على القتال ويعينان المقاتلين من الأهالي بما في أيديهما ويقاتلان بأنفسهما وبذلا جهدهما في ذلك وانهما بعد هزم الإنكليز وسلبهم فرقا ما غنماه ومابقي معهما من الأشياء على من خرج خلف الإنكليز وحضرا معهما وهما السيد أحمد النجاري واخوه السيد سلامة فطلبهما الباشا وسألهما عن الخبر فأخبراه بخبر التركيين فانسر الباشا لذلك سرورا عظيما وشكر فعلهما وانعم عليهما وخلع عليهما ورتب لهما مرتبا ووعدهما بالاستخدام في مصالحه وخلع على ذينك التركيين فروتي سمور وحضرا بصحبة الساعيين إلى منزل السيد عمر النقيب بعد الغروب وتعشوا عنده وطلبوا البقشيش وبعد أن أخذوه توسل التركيان به بأن يسعى لهما عند الباشا في أنه ينعم عليهما بمناصب فوعدهما بذلك وترجى الباشا لهما يضاعف مرتبهما وضربوا في صبح ذلك اليوم مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية وبولاق والجيزة وذلك بين الظهر والعصر.
وفي يوم الجمعة خامس عشره حضروا بأسرى وعدتهم تسعة عشر شخصا وعدة هكذا وردت فمروا بهم من وسط الشارع الأعظم وأما الرؤوس فمروا بها من طريق باب الشعرية وعدتها نيف وثلاثون راسا موضوعة على نبابيت رشقوها بوسط بركة الازبكية مع الرؤس الأولى صفين على يمين السالك من باب الهواء إلى وسط البركة وشماله.
وفيه وفيه وصل ثلاث دوات من جدة إلى ساحل السويس فيها اتراك وشوام واجناس اخرون وذكروا أن الوهابي نادى بعد انقضاء الحج أن لا يأتي إلى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلافي المناداة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ
هَذَا} وأخرجوا هؤلاء الواصلين إلى مصر.
وفي وفي يوم السبت وصل أيضا تسعة أشخاص أسرى من الانكليز وفيهم فسيال.
وفي يوم الأحد وصل أيضا نيف وستون وفيهم رأس واحد مقطوعة فمروا بهم على طريق باب النصر من وسط المدينة وهرع الناس للتفرج عليهم وبعد الظهر أيضا مروا بثلاثة وعشرين اسيرا وثمانية رؤوس وبعد العصر بثلاثة وعشرين راسا وأربعة وأربعين اسيرا من ناحية باب الشعرية وطلعوا بالجميع إلى القلعة.
وفي وفي يوم الأربعاء وصل إلى ساحل بولاق مراكب وفيها أسرى وقتلى وجرحى فطلعوا بهم إلى البر وساروا بهم على طريق باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة إلى الأزبكية فرشقوا الرؤس بالأزبكية مع الرؤس الأول وهي نحو المائة وإثنين وأربعين والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين فطلعوا بهم إلى القلعة عند اخوانهم فكان مجموع الأسرى أربعمائة اسير وستة وستين اسيرا والرؤوس ثلثمائة ونيف وأربعون وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم وهذه الواقعة حصلت على غير قياس وصادف بناؤها على غير اساس وقد افسد الله رأي كل من طائفة الإنكليز والأمراء المصرية وأهل الإقليم المصري لبروز ما كتبه وقدره في مكنون غيبه على أهل الإقليم من الدمار الحاصل وما سيكون بعد كما ستسمع به ويتلى عليك بعضه أما فساد رأي الإنكليز فلتعديهم الإسكندرية مع قلتهم وسماعهم بموت الألفي وتغريرهم بأنفسهم وأما الأمراء المصريون فلا يخفى فساد رأيهم بحال وأما أهالي الإقليم فلا نتصارهم لمن يضرهم ويسلب نعمهم وما اصاب من مصيبة فبما كسبت أيدي الناس وما اصابك من سيئة فمن نفسك ولم يخطر في الظن حصول هذه الواقع ولا أن الرعايا والعسكر لهم قدرة على حروب الإنكليز وخصوصا شهرتهم بإتقان الحروب وقد تقدم لك أنهم هم الذين حاربوا الفرنساوية واخرجوهم من مصر.
ولما شاع أخذهم الإسكندرية داخل العسكر والناس وهم عظيم وعزم أكثر العسكر على الفرار إلى جهة الشام وشرعوا في قضاء اشغالهم واستخلاص أموالهم التي اعطوها للمتضايقين والمستقرضين بالربا وإبدال ما بأيديهم من الدراهم والقروش والفرانسة التي يثقل حملها بالذهب البندقي والمحبوب الزر لخفة حملها حتى أنها زادت في المصارفة بسبب كثرة الطلب لها وبلغ صرف البندقي المشخص الناقص في الوزن أربعمائة وعشرين نصفا والزر مائتين وعشرين والفرانسة مائتين واستمرت تلك الزيادة بعد ذلك وسيزيد الأمر فحشاوسعوا في مشترى أدوات الارتحال والأمور اللازمة لسفر البر وفارق الكثير منهم النساء وباعوا ما عندهم من الفرش والأمتعة حتى أن محمد علي باشا لما بلغه حصولهم بالإسكندرية وكان يحارب المصريين ويشدد عليهم فعند ذلك انحلت عزائمه وأرسل يصالحهم على مايريدونه ويطلبونه وثبت في يقنيه استيلاء الإنكليز على الديار المصرية وعزم على العود متلكئا في السير يظن سرعة ورودهم إلى المدينة فيسير مشرقا على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته في الجملة فلما وصلت الشرذمة الأولى من الإنكليز إلى رشيد ودخلوها من غير مانع وحبسوا وحبسوا أنفسهم فيها فقتلوا واسروا وهرب من هرب ووصلت الرؤوس والأسرى واسرعت المبشرون إلى الباشا بالخبر فعند ذلك تراجعت إليه نفسه واسرع في الحضور وتراجعت نفوس العساكر وطمعوا عند ذلك في الإنكليز وتجاسروا عليهم وكذلك أهل البلاد قويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة واشتروا الأسلحة ونادوا على بعضهم بالجهاد وكثر المتطوعون ونصبوا لهم بيارق واعلاما وجمعوا من بعضهم دراهم وصرفوا على من انضم إليهم من الفقراء وخرجوا في مواكب وطبول وزمور فلما وصلوا إلى متاريس الإنكليز دهموهم من كل ناحية على غير قوانين حروبهم وترتيبهم وصدقوا في الحملة عليهم والقوا أنفسهم في النيران ولم يبالوا برميهم وهجموا عليهم واختلطوا بهم
وادهشوهم بالتكبير والصياح حتى ابطلوا رميهم ونيرانهم فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم وحضروا بالأسرى والرؤوس على الصور المذكورة وفر الباقون إلى من بقي بالإسكندرية وليت العامة شكروا على ذلك أو نسب إليهم فعل بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك ولما اصعدوا الأسرى إلى القلعة طلع إليهم قنصل الفرنساوية ومعه الأطباء لمعالجة الجرحى ومهد لهم أماكن وميز الكبار منهم والفسيالات في مكان يليق بهم وفرش لهم فرشات ورتب لهم تراتيب وصرف عليهم نفقات ولوزام واستمر يتعاهدهم في غالب الأيام والجرائحية يترددون إليهم في كل يوم لمداواتهم كما هي عادة الإفرنج مع بعضهم إذا وقع في أيديهم جرحى من المحاربين لهم فعلوا بهم ذلك واكرموا الأسرى وأما من وقع منهم في أيدي العسكر من المردان فإنهم اختصوا بهم والبسوهم من ملابسهم وباعوهم فيما بينهم ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحلية لطيفة فمن ذلك أن غلاما منهم قال للذي هو عنده: إن لي بولصة عند قنصل الفرنساوية وهي مبلغ عشرون كيسا ففرح وقال له: ارنيها فأخرج له ورقة بخطم وهولاء يعرف ما فيها فأخذها منه طمعا في احرازها لنفسه وذهب مسرعا إلى القنصل واعطاها له فلما قرأها قال له: لا اعطيك هذا البلغ إلا بيد الباشا ويعطيني بذلك رجعة بختمه لتخلص ذمتي فلما صاروا بين يدي الباشا فأخبره القنصل فأمر بإحضار الغلام فلما حضر إليك سأله الباشا فقال: أريد الخلاص منه واحتلت عليه بهذه الحيلة لا توصل إليك فطيب الباشا خاطر العسكري بدراهم وأرسل الغلام إلى أصحابه بالقلعة ولما انقضى أمر الحرب من ناحية رشيد وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا إلى الإسكندرية نزل الأتراك على الحماد وماجاورها واستباحوا أهلها ونساءها وأموالها ومواشيها زاعمين أنها صارت دار حرب بنزول الإنكليز عليها وتمكلها حتى أن بعض الظاهرين كلمهم في ذلك فرد عليه
بذلك الجواب فأرسلوا إلى مصر بذلك وكتبوا في خصوص ذلك سؤالا وكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز وحتى يأتي الترياق من العراق يموت الملسوع ومن يقرا ومن يسمع وعلى أنه لم يرجع طالب الفتوى بل اهملت عند المفتي وتركها المستفتي ثم أحاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على أهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها السيد حسن كريت إلى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال: أما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحاربتنا معهم ومعكم وماقاسيناه من التعب والسهر وانفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئا ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وظهروا له الإهتمام بالمناداة والمنع وكتب المذكور أيضا مكاتبات بمعنى ذلك وارسلها إلى الباشا والسيد عمر بمصر فكتبوا فرمانا وارسلوه إليهم بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى انعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش والبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز إلى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الاسكندرية.
وفي يوم الأحد سابع عشره وصل ياسين بك إلى ناحية طراوحضر ابوه إلى مصر ودخل كثير من اتباعه إلى المدينة وهم لابسون زي المماليك المصرية.
وفيه دفنوا رؤوس القتلى من الانكليز وكانوا قطعوا اذانهم ودبغوها وملحوها ليرسلوها إلى إسلامبول.
وفيه أرسل الباشا فسيالا كبيرا من الإنكليز إلى الإسكندرية بدلا عن ابن اخي عمر بك وقد كان المذكور سافر إلى الإسكندرية قبل الحادثة ليذهب إلى بلاده بما معه من الأموال فعوقه الإنكليز فأرسلوا هذا
الفسيال ليرسلوا بدله ابن اخي عمر بك.
وفي يوم الإثنين ثامن عشره وصلت خيام ياسين بك وحملاته ونصبوا وطاقة جهة شبرا ومينة السيرج.
وفي سادس عشرينه وصل ياسين بك المذكور وصحبته سليمان أغا صالح وكيل دار السعادة سابقا وهو الذي كان بإسلامبول وحضر بصحبته القبودان في الحادثة السابقة وتأخر عنه واستمر مع الألفي ثم مع أمرائه بعد موته وكان الباشا قد أرسل له يستدعيه بأمان فأجاب إلى الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبة بالضربخانه وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم فأجابه إلى ذلك وحضر صحبته ياسين بك وقابلا الباشا وخلع عليهما خلعتي سمور ونزلا وركبا ولعبا مع اجنادهما بوسط البركة بالرماح وظهر من حسن رماحة سليمان أغا ما اعجب الباشا ومن حوله من الأتراك بل اصابوه باعينهم لأنه بعد انقضاء ذلك سار مع ياسين بك إلى ناحية بولاق يترامحون ويتلاعبون فأخرج طبنجته بيده اليمنى والرمح في يده اليسرى وكان زنادها مرفوعا فانطلقت رصاصاتها وخرقت كفة اليسار القابض به على سرع الجواد ونفدت من الجهة الأخرى فرجع إلى داره بجراحته واذن له برد حملته وذهب ياسين بك إلى بولاق فبات بها في دار حسن الطويل بساحل النيل.
وفيه سافر المتسفر بآذان قتلى الإنكليز وقد وضعوها في صندوق وسافر بها على طريق الشام وصحبته أيضا شخصان من أسرى فسيالات الإنكليز وكتبوا عرضا بصورة الحال من انشاء السيد إسمعيل الخشاب وبالغوافية.
وفيه حضر إسمعيل كاشف الطوبجي من ناحية بحرى ليقضي بعض الأغراض ثم يعود.
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه سافر عمر بك تابع عثمان بك الأشقر وعلي كاشف بن أحمد كتخدا إلى ناحية القليوبية لأجل القبض على أيوب
فوده بسبب رجل يسمى زغلول ينسب إليه بأنه يقطع الطريق على المسافرين في البحر وكلما مرت بناحية مركب حاربها ونهب ما فيها من الضائع التجار وأموالهم أو أنهم يفتدون أنفسهم منه بما يرضيه من المال فكثر تشكي الناس منه فيرسلون إلى ايوب فودة كبير الناحية فيتبرا منه فلما زاد الحال عينوا من ذكر للقبض عليه وقتله فبلغه الخبر فهرب من بلده ابناس فلما وصلوا إلى محله فلم يجدوه فأحاطوا بموجوداته وغلاله وبهائمة وماله من المواشي والودائع بالبلاد فلما جرى ذلك حضر إلى السيد عمر وصالح على نفسه بثلثمائة كيس ورجع الحال إلى حاله وذلك خلاف ما أخذه المعينون من الكلف والمغارم من البلاد التي مروا عليها واقاموا فيها واحتجوا عليها.
وفيه حضر الكثير من أهل رشيد بحريمهم وأولادهم ورحلوا عنها إلى مصر.
وفيه حضر كتخدا القاضي من عند الأمراء القبالي وأخبر أنهم محتاجون إلى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة فهيأ الباشا عدة مراكب وارسلها إليهم ومع هذه الصورة واظهار المصالحة والمسالمة يمنعون ويحجزون من يذهب إليهم من دورهم بثياب ومتاع وكذلك يمنعون المتسببين والباعة الذين يذ 4 هبون بالمتاجر والأمتعة التي يبيعونها عليهم وإذا وقعوا بشخص أو غمزوا عليه عند الحاكم أو صادفه بعض العيون المترقبة عليه قبضوا عليه ونهبوا ما معه وعاقبوه وحبسوه بل ونهبوا داره وغرموه ولا يغفر ذنبه ولا تقال: عثرته ويتبرا منه كل من يعرفه وكذلك نبهوا على القلقات الذين يسمونهم الضوابط المتقيدين بأبواب المدينة مثل باب النصر وباب الفتوح والبرقية والباب الحديد بمنع النساء عن الخروج خوفا من خروج النساء القبالي وذهابهن إلى ازواجهن واتفق أنهم قبضوا على شخص في هذه الأيام يريد السفر إلى ناحية قبلي ومعه تليس ففتحوه فوجدوا بداخله مراكيب ونعالات مصرية ومغربية التي تسمى بالبلغ فقبضوا عليه واتهموه أنه يريد الذهاب بذلك إلى الأمراء واتباعهم فنهبوا منه ذلك وغيره وقبضوا عليه وحبسوه واستمر
محبوسا وكذلك اتفق أن الوالي ذهب إلى جهة القرافة وقبض على أشخاص من التربية الذين يدفنون الموتى واتهمهم بان بعض اتباع الأمراء القبالي يخرجون إليهم بالامتعة لاسيادهم ويخفونها عندهم بداخل القبور حتى يرسلوها إلى اسيادهم في الغفلات وضربهم وهجم على دورهم فلم يجد بها شيئا واجتمع عليه خدام الأضرحة وأهل القرافة وشنعوا عليه وكادوا يقتلونه فهرب منهم وحضروا في صبحها عند السيد عمر والمشايخ يشكون من الوالي وما فعله مع الحفارين ونحو ذلك فاعجب لهذا التناقض.
وفيه وصل مكتوب من كبير الانكليز الذي بالإسكندرية مضمونه طلب أسماء الأسرى الإنكليز والوصية بهم واكرامهم كما هم يفعلون بالأسرى من العسكر فانهم لما دخلوا إلى الأسكندرية اكرموا من كان بها منهم واذنوا لهم بالسفر بمتاعهم وأحوالهم إلى حيث شاؤا وكذلك من أخذوه اسيرا في حرابة رشيد.
واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت سنة 1222
فيه كتبوا لكبير الإنكليز جوابا عن رسالته.
وفي يوم السبت خامس عشره حضر علي كاشف الكبير الألفي بكلام من طرف شاهين بك الألفي يعتذر عن التأخير إلى هذا الوقت وانهم على صلحهم واتفاقهم الأول وحضورهم إلى ناحية الجيزة وبات تلك الليلة في بيته بمصر ثم أقام ثلاثة أيام ورجع إلى مرسله وصحبته سليمان أغا الوكيل.
وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من ناحية بحري وحضر أيضا في أثره أحمد أغا لاظ وغيره من ناحية بحري وذلك أنهم ذهبوا خلف الإنكليز إلى قرب معدية البحيرة فخرج عليهم طائفة الإنكليز من البر والبحر وضربوا عليهم مدافع ونيرانا كثيرة فولوا راجعين وحضروا إلى مصر.
وفيه حضر أيضا الفسيال الكبير الإنكليزي الذي كان أرسل بدلا عن ابن اخي عمر بك وقيل أنه ابن اخي صالح قوش فلما وصل إليهم اجابوا
بأن المذكور سافر مع من سافر إلى الروم بمتاعهم وأموالهم قبل الواقعة حيث لم يكن المطلوب موجودا فلا وجه لإبقاء الإنكليزي المذكور فردوه بعد أن رفعوا منزلته ورتبته عندهم فلما رجع إلى مصر خلى سبيله الباشا ولم يحبسه مع الأسرى بل اطلق له الأذن أيضا في الرجوع إلى الإسكندرية أو إلى بلاده متى احب واختار.
وفي منتصفه استوحش الباشا من ياسين بك وضاق خناقه منه وذلك أنه لما حضر إلى مصر وخلع عليه الباشا ودفع إليه ما كان وعده به من الأكياس وقدم له تقادم وانعامات على أنه يسافر إلى الاسكندرية لمحاربة الإنكليز وطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه وأخذ لهم الكساوى والسراويلات وأخذ جميع ما كان عند جبجي باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة والاحتياجات من القرب وروايا الماء ولوازم العسكر في سفر البر والافازة والمحاصرة إلى غير ذلك وقلد اباه كشوفية الشرقية وخرج هو بعرضيه وخيامه إلى ناحية الحلي ببولاق فانضم إليه الكثير من العسكر والدلاتية وغيرهم وصار كل من ذهب إليه يكتبه في جملة عسكره فاجتمع عليه كل عاص وازعر ومخألف وعاق وصرح بالخلاف وتطلعت نفسه للرياسة وكلما أرسل إليه الباشا يرده وينهاه عن فعله يعرض عن ذلك وداخله الغرور وانتشرت أوباشه يعبثون في النواحي وبث أكابر جنده في القرى والبلدان وعينهم لجمع الأموال والمغارم الخارجة عن المعقول ومن خالفهم نهبوا قريته واحرقوها وأخذوا أهلها أسرى فعند ذلك أخذا الباشا في التدبير عليه واستمال العسكر المنضمين إليه وحل عرى رباطاته فلما كان في ليلة الأربعاء تاسع عشره أمر العساكر الأرنؤد بالاجتماع والخروج إلى ناحية بولاق فخرجوا بأجمعهم إلى نواحي السبتية والخندق وأحالوا بينه وبين بولاق ومصر.
وفي ليلة السبت ركب الباشا بجنوده وخرج إلى تلك الناحية وحصن أبواب المدينة بالعساكر وايقن الناس بوقوع الحرب بين الفريقين وأرسل
الباشا إلى ياسين يقول له: إن تستمر على الطاعة وتطرد عنك هذه اللموم وتكون من جملة كبار العسكر وإلا تذهب إلى بلادك وإلا فأنا وأصل إليك ومحاربك فعند ذلك داخله الخوف وانحلت عزائم جيوشه وتفرق الكثير منهم فلما كان بعد الغروب طلب الركوب ولم يعلم عسكره اين يريد فركب الجميع وهم ثلاثة طوابير واشتبهت عليهم الطرق في ظلام الليل فسار هو بفريق منهم إلى ناحية الجبل على طريق حلق الجرة وفرقة سارت إلى ناحية بركة الحاج والثالثة ذهبت على طريق القليوبية وفيهم ابوه فلما علم الباشا بركوبهم ركب خلفهم وذهب خلف الطائفة التي توجهت إلى ناحية البركة حصة فلما علموا انفرادهم عن اميرهم رجعوا متفرقين في النواحي ورجع الباشا إلى داره ولم يزل ياسين بك في سيره حتى نزل بمن معه في التبين واستقر بها وأما ابوه فإنه التجأ إلى شيخ قليوب الشواربي فأخذ له أمانا وأحضر في ثاني يوم إلى الباشا فألبسه فروة وأمره أن يلحق بابنه فنزل إلى بولاق ونزل في مركب مسافرا.
وفي يوم الإثنين رابع عشرينه عين الباشا عسكرا ورؤساء عساكر وخيالة وأصحب معهم شديدا وجملة من عرب الحويطات للحوق بياسين بك ومحاربته ولما نزل ياسين بك بناحية التبين نهب قرى الناحية بأسرها مثل التبين وحلوان وطرا والمعصرة والبساتين وفعلوا بها افاعيلهم الشنيعة من السلب والنهب وأخذ النساء ونهب الأجران والغلال والأتبان والمواشي وأخذ الكلف الشاقة ومن عجز عن شيء من مطلوابتها احرقوه بالنار.
وفي يوم الخميس رجع العسكر والعربان الذين كانوا ذهبوا لمحاربة ياسين بك وذلك أنهم لما قربوا من وطاقهم ارتحل إلى صول والبرنيل فولوا راجعين وتمموا في ذهابهم وايابهم تدمير القرى.
وفيه ورد قاصد قابجي من إسلامبول وعلى يده مرسوم بالبشارة بولاية السيد علي باشا قبودان الدونتمة وتاريخه نحو ثلاثة اشهر فضربوا لقدومه المدافع من القلعة.
وفي يوم السبت عشرينه رجع سليمان أغا من قبلي إلى مصر
وأخبر بقرب قدوم الأمراء المصريين وأن شاهين بك وصل إلى زارية المصلوب وإبراهيم بك جهة قمن العروس وانهم يستدعون إليهم مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي.
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الإثنين 1222
فيه سافر مصطفى أغا والصابونجي إلى جهة قبلي وصحبتهما كتخدا القاضي.
وفي سادسه وصل شخص ططري وعلى يده مرسوم فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم بحضرة الجمع مضمونه أن العرضى الهمايوني الموجه لحرب الموسكوب خرج من إسلامبول وذهب إلى ناحية ادرنه وأن العساكر سارت لمحاربة الأعداء ويذكرون فيه أن بشائر النصر حاصلة وقد وصل رؤوس قتلى وأسرى كثيرة وأنه بلغ الدولة ورود نحو الأربع عشرة قطعة من المراكب إلى ثغر الإسكندرية وأن الكائنين بالثغر تراخوا في حربهم حتى طلعوا إلى الثغر فمن اللازم الإهتمام وخروج العساكر لحروبهم ودفعهم وطردهم على الثغر وقد ارسلنا البيورلديات إلى سليمان باشا والي صيدا والى يوسف باشا والي الشام بتوجيهه العساكر إلى مصر للمساعدة وأن لزم الحال لحضور المذكورين لتمام المساعدة على دفع العدو إلى آخر ما نمقوه وسطروه ومحل القصد من ورود هذه البيورلديات والفرمانات والاغوات والقبيجات إنما هو جر المنفعة لهم بما يأخذونه من خدمهم وحق طريقهم من الدراهم والتقادم والهدايا فإن القادم منهم إذا ورد استعدوا لقدومه فإن كان ذا قدر ومنزلة اعدوا له منزلا يليق به ونظموه بالفرش والأدوات اللازمة وخصوصا إذا كان حضر في أمر مهم أو لتقرير المتولي على السنة الجديدة أو بصحبته خلع الرضا وهدايا فإنه يقابل بالإعزاز الكبير ويشاع خبره قبل وروده إلى الإسكندرية وتأتي المبشرون بورود من الططر قبل خروجه من دار السلطنة بنحو من شهر أو شهرين ويأخذون خدمتهم وبشارتهم بالأكياس وإذا وصل هو ادخلوه في موكب جليل وعملوا له ديوانا ومدافع وشنكا وانزل في المنزل المعد له واقبلت عليه
التقادم والهدايا من المتولي وأعيان دولته ورتب له الرواتب والمصاريف لماكله هو واتباعه لمطبخه وشراب حانته أيام مكثه شهرا أو شهورا ثم يعطى من الأكياس قدرا عظيما وذلك خلاف هدايا الترحيلة من قدور الشربات المتنوعة والسكر المكرر وأنواع الطيب كالعود والعنبر والأقمشة الهندية والمقصبات لنفسه ورجال دولته وأن كان دون ذلك انزلوه بمنزل بعض الأعيان بأتباعه وخدمه ومتاعه في اعز مجلس ويقوم رب المنزل بمصروفهم ولوازمهم وكلفهم وما تستدعيه شهوات أنفسهم ويرون أن لهم المنة عليه بنزولهم عنده ولا يرون له فضلا بل ذلك واجب عليه وفرض يلزمه القيام به مع التآمر عليه وعلى اتباعه ويمكث على ذلك شهورا حتى يأخذ خدمته ويقبض اكياسه وبعد ذلك كله يلزم صاحب المنزل أن يقدم له هدية ليخرج من عنده شاكرا ومثنيا عليه عند مخدومه وأهل دولته قضية يحار العقل والنقل في تصورها.
وفي يوم الأحد سابعه وصلت القافلة والحجاج من ناحية القلزم على مرسى السويس وحضر فيها اغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وهو المعروف بسعد بك وكذلك خدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعا وأما القاضي المنفصل فنزل في مركب ولم يظهر خبره وقاضي مكة توجه بصحبة الشاميين وأخبر الواصلون أنهم منعوا من زيارة المدينة وأن الوهابي أخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وحضر أيضا الذي كان اميرا على ركب الحجاج وصحبته مكاتبه من مسعود الوهابي ومكتوب من شريف مكة وأخبروا أنه أمر بحرق المحمل واضطربت أخبار الإخباريين عن الوهابي بحسب الأغراض ومكاتبة الوهابي بمعنى الكلام السابق في نحو الكراسة وذكر فيها ما ينسبونه الناس إليه من الأقوال المخالفة لقواعد الشرع ويتبرأ عنها.
وفيه ورد الخبر بإن إبراهيم بك وصل إلى بني سويف وأن شاهين بك ذهب إلى الفيوم لاختلاف وقع بينهم وأن امين بك وأحمد بك الألفيين
ذهبا إلى ناحية الإسكندرية للإنكليز.
وفيه كمل تحرير دفاتر الفرضة والمظالم التي ابتدعوها في العام الماضي على القراريط واقطاعات الأراضي وكذلك أخذ نصف فائظ الملتزمين وعينوا المعينين لتحصيله من المزارعين وذلك خلاف ما فرضوه على البنادر من الأكياس الكثيرة المقادير.
وفي ذلك اليوم أرسل الأغا والي الشرطة اتباعهما لأرباب الصنائع والحرف والبوابين بالوكائل والخانات يامرونهم بالحضور من الغد إلى بيت القاضي فانزعجوا من ذلك ولم يعلموا لأي شيء هذا الطلب وهذه الجمعية وباتوا متفكرين ومتوهمين فلما أصبح يوم الإثنين واجتمع الناس ابرزوا لهم مرسوما قرئ عليهم بسبب زيادة صرف المعاملة وذلك أن الريال الفرانسة وصلت مصارفته إلى مائتين وعشرة من الأنصاف العددية والمحبوب إلى مائتين وعشرين وأكثر والمشخص البندقي وصل إلى أربعمائة وأربعين فضة ونحو ذلك فلما قرأوا عليهم المرسوم وامروهم بعدم الزيادة وأن يكون صرف الفرانسة بمائتين فقط والمحبوب بمائتين وعشرين فضة والبندقي بأربعمائة وعشرين فلما سمعوا ذلك قالوا: نحن ليس لنا علاقة بذلك هذا أمر منوط بالصيارف وانفض المجلس.
وفيه وصلت مكاتبة من إبراهيم بك ومن الرسل مضمونها الأخبار بقدومهم وأرسل إبراهيم بك يستدعي إليه ابنه الصغير وولد ابنته المسمى نور الدين ويطلب بعض لوازم وامتعة.
وفي يوم السبت ثالث عشره سافر أولاد إبراهيم بك والمطلوبات التي أرسل بطلبها وصحبتهم فراشون وباعة ومتسببون وغير ذلك.
وفي يوم الإثنين ورد سلحدار موسى باشا وعلى يده مرسوم بالعربي واخر بالتركي مضمونهما جواب رسالة ارسلت إلى سليمان باشا بعكا بخبر حادثة الإنكليز ملخصها أنه ورد علينا جواب من سليمان باشا يخبر فيه بوصول طائفة الإنكليز إلى ثغر سكندرية ودخولهم إليها
بمخامرة أهلها ثم زحفهم إلى رشيد وقد حاربتهم أهل البلاد والعساكر وقتلوا الكثير منهم واسروا منهم كذلك ونؤكد على محمد باشا والعلماء وأكابر مصر بالاستعداد والمحافظة وتحصين الثغور مثل السويس والقصير ومحاربة الكفار واخراجهم وابعادهم عن الثغر وقد وجهنا لكل من سليمان باشا وجنج يوسف باشا بتوجيه ما تريدون من العساكر للمساعدة ونحو ذلك.
وفيه أحضروا أربعة رؤوس من الانكليز وخمسة أشخاص احياء فمروا بهم من وسط المدينة وذكروا أن كاشف دمنهور حارب ناحية الاسكندرية فقتل منهم واسر هؤلاء وقيل أنهم كانوا يسيرون لبعض اشغالهم نواحي الريف فبلغ الكاشف خبرهم فاحاط بهم وفعل بهم ما فعل وارسلهم إلى مصر وهم ليسوا من المعتبرين وكأنهم مالطية وقيل أنهم سألوهم فقالوا: نحن متسببون طلعنا ناحية أبي قير وتهنا عن الطريق فصادفونا ونحن تسعة لاغير فأخذونا وقتلوا منا من قتلوه وابقونا.
وفيه وصلت مكاتبة من إبراهيم بك وأرسل الباشا إليهم جوابا صحبة إنسان يسمى شريف أغا.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وردت أخبار من ناحية الشام بأنه وقع إسلامبول فتنة بين الينكجرية والنظام الجديد وكانت الغلبة للينكجرية وعزلوا السلطان سليم وولوا السلطان مصطفى ابن عمه وهو ابن السلطان عبد الحميد بن أحمد وخطب له ببلاد الشام.
وفي يوم الخميس وصل ططري من طريق البر بتحقق ذلك الخبر وخطب الخطباء للسلطان مصطفى على منابر مصر وبلاد مصر وبولاق وذلك يوم الجمعه سادس عشرينه.
وفي أواخره احدثوا طلب مال الأطيان المسموح الذي لمشايخ البلاد وحرروا به دفترا وشرعوا في تحصيله وهي حادثة لم يسبق مثلها اضرت بمشايخ البلاد وضيقت عليهم معايشهم ومضايفهم.
وفيه كتبوا أوراقا للبلاد والأقاليم بالبشارة بتولية السلطان الجديد وعينوا بها المعينين وعليها حق الطرق مبالغ لها صورة وكل ذلك من التحيل على سلب أموال الناس.
وفيه كتبوا مراسلة إلى الأمراء القبليين بالصلح وأرسلوا بها ثلاثة من الفقهاء وهم الشيخ سليمان الفيومي والشيخ إبراهيم السجيني والسيد محمد الدواخلي وذلك أنه لما رجع شريف أغا الذي كان توجه إليهم بمراسلتهم أرسلوا يطلبون الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والسيد عمر النقيب لإجراء الصلح على أيديهم فأرسلوا الثلاثة المذكورين بدلا عنهم.
وفي هذه الأيام كثر خروج العساكر والدلاة وهم يعدون إلى البر الغربي وعدى الباشا بحر النيل إلى برانبابة وأقام هناك أياما.
واستهل شهر جمادي الأول سنة 1222
فيه شرع الباشا في تعمير القلاع التي كانت انشأتها الفرنساوية خارج بولاق وعمل متاريس بناحية منية عقبة وغيرها ووزع على الجيارة جيرا كثيرا ووسق عدة مراكب وارسلها إلى ناحية رشيد ليعمروا هناك سورا على البلد وابراجا وجمعوا البنائين والفعلة والنجارين وانزلوهم في المراكب قهرا.
وفي منتصفه وصل إلى مصر نحو الخمسمائة من الدلاتية اتوا من ناحية الشام ودخلوا إلى المدينة.
وفيه طلب الباشا من التجار نحو الألفي كيس على سبيل السلفة فوزعت على الأعيان وتجار البن وأهل وكالة الصابون ووكالة التفاح ووكالة القرب وخلافها وحجزوا البضائع واجلسوا العساكر على الحواصل والوكائل يمنعون من يخرج من حاصله أو مخزنه شيئا إلا بقصد الدفع من أصل المطلوب منهم ثم اردفوا ذلك بمطلوبات من افراد الناس المساتير فيكون الإنسان جالسا في بيته فما يشعر إلا والمعينون واصلون إليه وبيدهم بصلة الطلب أما خمسة أكياس أو عشرة أو أقل أو أكثر فاما أن يدفعها ولا قبضوا
عليه وسحبوه إلى السجن فيحبس ويعاقب حتى يتمم المطلوب منه فنزل بالناس أمر عظيم وكرب جسيم.
وفي الناس من كان تاجرا ووقف حاله بتوالي الفتن والمغرم وانقطاع الأسباب والأسفار وافلس وصار يتعيش بالكد والقرض وبيع متاعه واساس داره وعقاره واسمه باق في دفاتر التجار فما يشعر إلا والطلب لاحقة بنحو ما تقدم لكونه كان معروفا في التجار فيؤخذ ويحبس ويستغيث فلا يغاث ولا يجد شافعا ولا راحما وهذا الشيء خلاف الفرض المتوالية على البلاد والقرى في خصوص هذه الحادثة وكذلك على البنادر مقادير لها صورة وما يتبعها من حق طرق المعينين والمباشرين وتوالي مرور العساكر آناء الليل واطراف النهار بطلب الكلف واللوازم وأشياء يكل القلم عن تسطيرها ويستحي الإنسان من ذكرها ولا يمكن الوقوف على بعض جزئياتها حتى خربت القرى وافتقر أهلها وجلوا عنها فكان يجتمع أهل عدة من القرى في قرية واحدة بعيدة عنهم ثم يلحقها وبالهم فتخرب كذلك وأما غالب بلاد السواحل فانها خربت وهرب أهلها وهدموا دورها ومساجدها وأخذوا اخشابها ومن جملة افاعيلهم الشنيعة التي لم يطرق الأسماع نظيرها أنهم قرروا فرضة من فرض المغارم على البلاد فكتبوا أوراقا وسموها بشارة الفرضة يتولاها بعض من يكون متطلعا لمنصب أو منفعة ثم يرتب له خدما واعوانا ثم يسافر إلى الإقليم المعين له وذلك قبل منصب الأصل وفي مقدمته يبعث اعوانه إلى البلاد يبشرونهم بذلك ثم يقبضون مارسم لهم في الورقة من حق الطريق بحسب ما ادى إليه اجتهاده قليلا أو كثيرا وهذه لم يسمع بما يقاربها في ملة ولا ظلم ولا جور وسمعت من بعض من له خبرة بذلك أن المغارم التي قررت على القرى بلغت سبعين ألف كيس وذلك خلاف المصادرات الخارجة.
وفي أواخره قوى عزم الباشا على السفر لناحية الاسكندرية وأمر باحضار اللوازم والخيام وما يحتاج إليه الحال من روايا الماء والقرب وباقي الأدوات.
واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الخميس سنة 1222
وفي ثانيه وهو يوم الجمعة ركب الباشا إلى بولاق وعدى إلى ناحية برانبابة ونصبوا وطاقه هناك وخرجت طوائف العسكر إلى ناحية بولاق وساحل البحر وطفقوا يأخذون ما يجدونه من البغال والحمير والجمال واستمروا على الدخول والخروج والذهاب والمجيء والرجوع والتعدية أياما وهم على ذلك النسق من خطف البهائم وامتنعت السقاؤن عن نقل الماء من البحر حتى شح الماء وغلا سعره وعطشت الناس وامتنع حمل البضائع.
وفي ثالثه طلبوا أيضا خيول الطواحين لجر المدافع والعربات حتى تعطلت الطواحين عن طحن الدقيق ولما ذهبوا بها إلى العرضي اختاروا منها جيادها واعطوا أربابها عن كل فرس خمسين قرشا وردوا البواقي لاصحابها.
وفيه طلبوا أيضا دراهم من طائفة القبانية والحطابة وباعة السمك القديد المعروف بالفسيخ فكان القدر المطلوب من طائفة القبانية مائة وخمسين كيسا فأغلقوا حوانيتهم وهربوا والتجؤا إلى الجامع الأزهر وكذلك الحطابة وغيرهم منهم من هرب ومنهم من إلتجأ إلى السيد عمر واستمر كذلك ثلاثة أيام وركب السيد عمر وعدى إلى الباشا وتشفع في الطوائف المذكورة فرفعوا عنهم غرامتهم وكتبوا لهم أمانا بذلك.
وفي خامسه حضر قابجي من طرف الإنكليز وصحبته أشخاص فأنزلهم الباشا في خيمة بمخيمه بإنبابة فرقدوا بها ليأخدوا لهم راحة وناموا فلما استيقظوا فلم يجدوا ثيابهم وسطا عليها السراق فشلحوهم فأرسلوا إلى حارة الفرنساوية فأتوا لهم بثياب وقفوات لبسوها.
وفي يوم السبت مع ليلة الأحد حادي عشره عمل الفرنساوية عيدا ومولدا بحارتهم وأولمو بينهم ولائم واوقدوا قناديل كثيرة تلك الليلة وحراقات نفوط وسواريخ وشنكا حصة من الليل وهو عبارة عن مولد بونابارته السنوي.
وفي الثلاثاء ثالث عشره طلب الباشا حسين أفندي الروزنامجي فعدى
إليه ببر انبابه فخلع الدفتردارية وحضر إلى داره الجديد وهو بيت الهياتم بالقرب من قنطرة درب الجماميز وذهب إليه الناس يهنوئه وانفصل أحمد أفندي عاصم عن الدفتردارية.
وفي يوم الخميس خامس عشره عمل الباشا شنكا بالبر الغربي بين المغرب والعشاء ولما أصبح أمر بالإرتحال وتمهل حتى تكامل ارتحال العساكر فركب قريب الزوال إلى المنصورة.
وفي يوم الجمعة سادس عشره الموافق السادس مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وذلك بعد أن حصل في الناس ضجر وقلق بسبب تأخر الوفاء عدة أيام حتى رفعوا الغلال من العرصات وزادت أثمانها فلما حصل الوفاء اطمأن الناس وتراجعت إليهم أنفسهم واظهروا الغلال في العرصات والرقع وركب كتحدا بك في صبح يوم السبت وكذلك القاضي وطوسون ابن الباشا والسيد عمر النقيب وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج.
وفيه وصل قابجي إلى ثغر الاسكندرية وحضر بد ذلك إلى ثغر بولاق من طريق البر إلى قبرص وتحرى الوصول إلى دمياطثم حضر إلى بولاق وقابل الباشا في طريقه ووصل على يد مسكة ضرب المعاملة الجديدة بالضربخانة باسم السلطان الجديد وكذلك الأمر بالخطبة والدعاء والأخبار برفع النظام الجديد وابطاله من إسلامبول ورجوع الوجاقات على قانونها الأول القديم ووصل في نيف وخمسين يوما فاجتمعوا في صبحها يوم الأحد بباب الباشا وأحضروا الأغا بموكب ودخل من باب النصر وقريء الفرمان بحضرة الجمع وضربوا شنكا ومدافع من ابراج القلعة ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة.
ومن الحوادث أنه ظهر في هذه الأيام رجل بناحية بنها العسل يدعى بالشيخ سليمان فأقام مدة في عشة بالغيظ واعتقد الناس الولاية والسلوك والجذب فاجتمع إليه الكثير من أهل القرى وأكثرهم الأحداث ونصبوا له خيمةو كثر جمعه واقبلت عليه أهالي القرى بالنذور والهدايا
وصار يكتب إلى النواحي أوراقا يستدعي منهم القمح والدقيق ويرسلها مع المريدين يقول فيها الذي نعلم به أهل القرية الفلانية حال وصول الورقة إليكم تدفعون لحاملها خمسة ارداب قمح أو أقل أو أكثر برسم طعام الفقراء وكراء طريق المعين ثلاثون رغيفا نحو ذلك فلا يتأخرون عن إرسال المطلوب في الحال وصار الذين حوله ينادون في تلك النواحي بقولهم لا ظلم اليوم ولا تعطوا الظلمة شيئا من المظالم التي يطلبونها منكم ومن اتاكم فاقتلوه فكان كل من ورد من العسكر المعينين إلى تلك النواحي يطلب الكلف أو الفرض التي يفرضونها فزعوا عليه وطردوه وأن عاند قتلوه فثقل أمره على الكشاف والعسكر وصار له عدة خيام واخصاص واجتمع لديه من المردان نحو المائة وستين امرد وغالبهم أولاد مشايخ البلاد وكان إذا بلغه أن بالبلد الفلانية غلاما وسيم الصورة أرسل يطلبه فيحضرونه إليه في الحال ولو كان ابن عظيم البلدة حتى صاروا يأتون إليه من غير طلب ولا يخفى حال الإقليم المصري في التقليد في كل شيء وهذا من جنس المردان وكذلك ذوو اللحى هم كثيرون أيضا وعمل للمردان عقودا من الخرز الملون في اعناقهم ولبعضهم اقراطا في آذانهم ثم أن شيخا من فقهاء الأزهر من أهالي بنها يقال له: الشيخ عبد الله البنهاوي ادعى دعوى بطين مستأجرة من أراضي بنها كان لأسلافه وأن الملتزمين بالقرية استولوا على ذلك الطين من غير حق لهم فيه بل باغراء بعض مشايخ القرية والمذكور به رعونة ولم يحسن سبك الجعالات والبراطيل للوسايط وأرباب الأحكام واتباعهم ويظن في نفسه أنه يقضي قضيته يقال: المصنف اكراما لعلمه ودرسه فتخاصم مع الملتزمين ومشايخ بلده وانعقدت بسببه مجالس ولم يحصل منها شيء سوى التشنيع عليه من المشايخ الأزهرية والسيد عمر النقيب ثم كتب له عرضحال ورفع أمره إلى كتخدا بك والباشا فأمر الباشا بعقد مجلس بسببه بحضرة السيد عمر والمشايخ وقالوا: للباشا أنه غير محق وطردوه فسافر إلى بلده وسافر
الباشا أيضا إلى جهة البحيرة والإسكندرية فذهب الشيخ عبد الله المذكور إلى الشيخ سليمان المذكور واغراه على الحضور إلى مصر وأنه متى وصل اجتمع عليه المشايخ وأهل البلدة وقابلوه ويكون على يده الفتح والفتوح وحركته خساف العقول المحيطون به والمجتمعون حوله على المجيء إلى مصر ويكون له شأن لأن ولايته اشتهرت بالمدينة ولهم فيه اعتقاد عظيم وحب جسيم ومن أوصاف ذلك الشيخ أنه لا يتكلم إلا بالذكر أو الكلام النزر الذي لا بد منه ويتكلم في أكثر أوقاته بالإشارة ثم أنه اذاع شياطينه وحضر برجاله وغلمانه ومعه طبول وكاسات على طريق مشايخ أهل العصر والأوان الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا ودخلوا إلى المدينة على حين غفلة وبأيديهم فراقل يفرقعون بها فرقعة متتابعة وصياح وجلبة ومن خلفهم الغلمان والبدايات وشيخهم في وسطهم فما زالوا في سيرهم حتى دخلوا المشهد الحسيني وجلسوا بالمسجد يذكرون ودخل منهم طائفة إلى بيت السيد عمر مكرم النقيب وهم يفرقعون بما في أيديهم من الفرقلات فأقاموا بالمسجد إلى العصر ثم دعاهم إنسان من الأجناد يقال له: إسمعيل كاشف أبو مناخير له في الشيخ المذكور اعتقاد فذهبوا معه إلى داره بعطفة عبد الله بك فعشاهم وباتوا عنده إلى الصباح ولما طلع النهار ركب الشيخ بغلة ذلك الجندي وذهب بطائفته إلى ضريح الإمام الشافعي فجلس بالمسجد أيضا مع اتباعه يذكرون وبلغ خبره كتخدا بك وأمثاله فكتب تذكرة وارسلها إلى السيد عمر النقيب بطلب الشيخ المذكور ليتبركوا به واكد في الطلب وقصده أن يفتك به لقهرهم منه وعلم السيد عمر ما يراد به فأرسل يقول له: إن كتب من أهل الكرامة فأظهر سرك وكرامتك وإلا فاذهب وتغيب وكان صالح أغا قوج لما بلغه خبره ركب في عسكره وذهب إلى مقام الشافعي وأراد القبض عليه فخوفه الحاضرون وقالوا له: لا ينبغي لك التعرض له في ذلك المكان فإذا خرج فدونك واياه فانتظره بقصر شويكار فتباطأ الشيخ إلى قريب العصر واشاروا عليه بالخروج من الباب القبلي وتفرق
عنه الكثير من المجتمعين عليه فذهب إلى مقام الليث بن سعد ثم سار من ناحية الجبل وذهب بداياته وغلمانه إلى دار إسمعيل كاشف التي باتوا بها ولما سار إلى ناحية الصحراء لحقه الحاج سعودي الحناوي واقتفى أثره وبلغه رسالة السيد عمر ورجع إلى السيد عمر فوجد كتخدا بك ورجب أغا حضرا إلى السيد عمر يسألانه عنه ولم يكتفوا بالطلب الأول فأخبرهما أنه ذهب ولم تلحقه المراسيل فاغتاظوا وقالوا: نرسل إلى كاشف القليوبية بالقبض عليه اينما كان وانصرفوا ذاهبين وقصدت العساكر بيت إسمعيل كاشف أبو مناخير فقبضوا على الغلمان وأخذوهم إلى دورهم ولم ينج منهم إلا من كان بعيدا وهرب وتغيب وتفرق اتباعه ذوو اللحى وأما الشيخ فسار من طريق الصحراء حتى وصل إلى بهتيم وذهب إلى نوب فعرف بمأنه الشيخ عبد الله زقزوق البنهاوي الذي كان اغراه على الحضور إلى مصر ولما سقط في يده تبرأ عنه وذهب إلى كتخدا بك وطلب له أمانا وأخبره أنه متخف بضريح الإمام الشافعي فأعطاه أمانا وذهب إليه وأحضره من نوب فلما حضر عند الكتخدا قال له ارخ: لحيتك واترك ما أنت عليه واقم في بلدك واعطيك طينا تزرعه ولا تتعرض لأحد ولا أحد يتعرض لك والشيخ ساكت لا يتكلم وصحبته أربعة انفار من تلاميذه هم الذين يخاطبون الكتخدا ويكلمونه ثم أمر أشخاصا من العسكر فأخذوه وذهبوا به إلى بولاق وانزلوه في مركب وانحدروا به ثم غابوا حصة وانقلبوا راجعين ثم بعد ذلك تبين أنهم قتلوه والقوه في البحر إلا واحدا من الأربعة القى بنفسه في البحر وسبح في الماء وطلع إلى البر وهرب وانفض أمره.
وفيه أرسل الباشا وهو بالرحمانية يطلب شيخ دسوق فحضر إليه طائفة من العسكر فلما اتوا إليه امتنع وقال ما يريد الباشا مني أخبروني بطلبه وأنا ادفعه أن كان غرامة أو كلفة فقالوا: لا ندري وإنما امرنا بإحضارك فشاغلهم بالطعام والقهوة ووزع بمائمه وحريمه والذي يخاف عليه وفي الوقت وصلت مراكب وبها عساكر وطلعوا إلى البر فركب شيخ البلد خيوله
وخيالته واستعد لحربهم وحاربهم وابلى معهم وقتل منهم عدة كبيرة ثم ولى هاربا فدخل العسكر إلى البلد ونهبوها وأخذوا ما وجدوا في دور أهلها وعبروا مقام السيد الدسوقي وذبحوا من وجدوه من المجاورين وفيهم من طلبة العلم العواجز.
وفيه ركب كتخدا بك ومر على بيت الداودية وبه طائفة من الدلاة فرأى شخصا منهم يرجم دجاجة بحجر ليرميها من سطح دار أخرى فانتهره وأراد ضربه فقامت عليه رفقاؤه الدالاتية وفزعوا عليه فولى هاربا منهم فعدوا خلفه ولم يزل رامحا هو واتباعه حتى وصل إلى ناحية الأزبكية.
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1222
في رابعه وردت مكاتبات من الباشا بوقوع الصلح بينه وبين الإنكليز واتفقوا على خروجهم من الاسكندرية وخلوها ونزولهم منها اوأرسل يطلب الأسرى من الإنكليز.
وفي عاشره ورد قابجي ويسمى نجيب أفندي فوصل إلى بولاق يوم الإثنين حادى عشره وكان وروده من ناحية دمياط فلما علم أن الباشا بناحية البحيرة ذهب إليه وقابله بدمنهور وبصحبته لخصوص الباشا قفطان وسيف وشلنج وخلع لكبار العسكر مثل حسن باشا وطاهر باشا وعابدين بك وعمر بك وصالح قوج فنزل ببيت محمد الطويل التتنجي ببولاق.
وفيه نزلوا بالأسرى من الإنكليز إلى المراكب ليسافروا إلى الإسكندرية.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره وصل المبشر بنزول الإنكليز من ثغر الإسكندرية إلى المراكب ودخل إليها كتخدا بك ونزل بدار الشيخ المسيري واستمر الباشا مقيما عند السد.
وفي يوم السبت سادس عشره ركب القابجي من بولاق بالموكب وشق من وسط المدينة وذهب إلى بيت الباشا وضربوا لقدومه مدافع من القلعة.
وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه ولد لمحمد علي باشا مولود من حظيته وحضر المبشرون بنزول الإنكليز من الإسكندرية ودخول الباشا
بها فعملوا شنكا وضربوا مدافع من القلعة ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة آخرها السبت.
وفي يوم الخميس والجمعة والسبت وصلت عساكر كثيرة ودخلوا المدينة وطلبوا سكنى البيوت وازعجوا الناس واخرجوهم من اوطانهم وضجت الخلائق وحضر الكثير إلى السيد عمر والمشايخ فكتبوا عرضا في شأن ذلك وارسلوه إلى كتخدا بك فأظهر الإهتمام وأحضر طائفة من كبار العسكر وكلمهم في ذلك وقال لهم: كل من كان ساكنا قبل الخروج إلى العرضى في دار فليرجع إليها ويسكنها ولا تعارضوا الناس في مساكنهم فلم يفد كلامه في ذلك شيئا لأن البيوت التي كانوا بها اخربوها وحرقوا اخشابها وتركوها كيمانا وذلك دأبهم.
واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1222.
في ثالثه يوم الإثنين وصل الباشا إلى ساحل بولاق فضربوا لقدومه مدافع من القلعة وعملوا له شنكا ثلاثة أيام واتفق أن الباشا في حال رجوعه من الإسكندرية نزل في سفينة صغيرة وصحبته حسن باشا طاهر وسليمان أغا الوكيل سابقا فانقلبت بهم واشرف ثلاثتهم على الغرق وتعلق بعضهم بحرف السفينة فلحقتهم مركب أخرى انقذتهم من الغرق وطلعوا سالمين وكان ذلك عند زفيتة.
وفيه كتبوا أوراق البشارة بذهاب الانكليز وسفرهم من الاسكندرية وارسلوها إلى البلاد والقرى وعليها حق الطريق أربعة ألاف والفين فضة وصورة ما حصل أنه لما وصل الباشا إلى ناحية الإسكندرية راسل الإنكليز وحضر إليه انفار منهم واختلى معهم ولم يعلم أحد ما دار بينهم من الكلام وذهبوا من عنده واشيع الصلح وفرحت العسكر لأنهم لما رأوا صورة المتاريس والطوابي والخنادق وجري المياه بين ذلك بالأوضاع المتقنة هالهم ذلك ثم حضر من عظمائهم أشخاص ولما علم الباشا بوصولهم رتب العساكر ونظم ديوانا وهيأه واوقف العساكر صفوفا يمنة ويسره وعندما
وصلوا ضربوا لهم مدافع كثيرة وشنكا وقدم لهم خيولا وهدايا واقمشة هندية وخلع عليهم خلعا وشيلانا كشميرية وغير ذلك ثم ركب معهم في قلة إلى حيث منزلة ساري عسكرهم وكبيرهم فتلاقى معهم وقدم له الآخر هدايا وظرائف ثم ركب معه إلى الإسكندرية وتسلم القلعة وذلك بعد دخول كتخدار بك بخمسة أيام وكان في أسرى الإنكليز انفار من عظمائهم فأحضرهم الباشا مع باقي الأسرى وتم الصلح على رد المذكورين على أنهم لم يأتوا طمعا في البلاد كما تقدم ولما نزلوا بالمراكب لم يبعدوا عن الثغر إلا مسافة قليلة واستمروا يقطعون على المركب الواردين على الثغور وذلك لما بينهم وبين العثماني من المفاقمة.
هذا ما كان من أمر الإنكليز وأما العساكر فإنهم افحشوا في التعدي على الناس وغصب البيوت من أصحابها فتأتي الطائفة منهم إلى الدار المسكونة ويدخلونها من غير احتشام ولا اذن ويهجمون على سكن الحرم بحجة أنهم يتفرجون على اعالي الدار فتصرخ النساء ويجتمع أهل الخطة ويكلمونهم فلا يلتفتون إليهم فيعالجونهم مرة بالملاطفة وأخرى بكثرة الجمع أن كان بهم قوة أو بمعونة ذي مقدرة وإذا انفصلوا فلا يخرجون من الدار إلا بمصلحة أو هدية لها قدر ويشترطون في ذلك الشيلان الكشميري فإذا أحضروا لهم مطلوبهم فلا يعجب كبيرهم ويطلب خلافه أحمر أو اصفر واتفق أن بعضهم دخل عليه بينباشا بجماعته فلم يزل به حتى صالحه على شال يأخذه ويترك له داره فأتاه بشال اصفر فاظهر أنه لا يريد إلا الأحمر الدودة فلم يسعه إلا الرضا وأراد أن يرد الأصفر ويأتيه بالأحمر فحجزه وقال: دعه حتى تأتتي بالأحمر ضمه إلى الاصفر وأخذ الإثنين ثم انصرف عنه وذلك خلاف ما يأخذونه من الدراهم فإذا انصرفوا وظن صاحب الدار أنهم انجلوا عنه فيأتيه بعد يومين أو ثلاثة خلافهم ويقع في ورطة أخرى مثل الأولى أو اخف أو اعظم منها وبعضهم يدخل الدار ويسكنها بالتحيل والملاطفة مع صاحب الدار فيقول له: يا أخي يا حبيبي أنا
معي ثلاثة انفار وأربعة لا غير ونحن مسافرون بعد عشرة أيام والقصد أن تفسح لنا نقيم في محل الرجال وأنت بحريمك في مكانهم اعلى الدار فيظن صدقهم ويرضى بذلك على تخوف وكره فيعبرون ويجلسون كما قالوا: في محل الرجال ويربطون خيولهم في الحوش ويعلقون اسلحتهم ويقولون نحن صرنا ضيوفك فإذا أراد أن يرفع فرش المكان يقولون نحن نجلس على الحصير والبلاط وأي شيء يصيب الفرش فيتركه حياء وقهرا ثم يطلبون الطعام والشراب فما يسعه إلا أن يتكلف لهم ذلك في أوقاته ويستعملون الأواني ويطلبون ما يحتاجون إليه مثل الطشت والأبريق وغير ذلك ثم تأتيهم رفقاؤهم شيئا فشيئا ويدخلون ويخرجون وبأيديهم الأسلحة ويضيق عليهم المكان فيقولون لصاحب المكان أخل لنا محلا آخر في الدار فوق لرفقائنا فإن قال: ليس عندنا محل آخر أو قصر في مطلوب ابتداؤه بالقسوة فعند ذلك يعلم صاحب الدار أنهم لا انفكاك لهم عن المكان وربما مضت العشرة أيام أو أقل أو أكثر وظهرت قبائحهم وقذروا المكان واحرقوا البسط والحصر بما يتساقط عليها من الجمر من شربهم النارجيلات والتنباك والدخان وشربوا الشراب وعربدوا وصرخوا وصفقوا وغنوا بلغاتهم المختلفة وفقعت رائحة العرقي في المنزل فيضيق صدر الرجل وصدر أهل بيته ويطيب خاطرهم على الخروج والنقلة فيطلبون لأنفسهم مسكنا ولو مشتركا عند اقاربهم ومعارفهم وتخرج النساء في غفلة بثيابهن وما يمكنهن حمله ثم يشرعون في اخراج المتاع والأواني والنحاس والفرش فيحجزونه منهم ويقولون إذا أخذتم ذلك فعلى أي شيء نجلس وفي اي شيء نطبخ وليس معنا فرش ولا نحاس والذي كان معنا استهلك منا في السفر والجهاد ودفع الكفار عنكم وأنتم مستريحون في بيوتكم وعند حريمكم فيقع النزاع وينفصل الأمر بينهم وبين صاحب الدار أما بترك الدار بما فيها أو بالمقاسمة والمصالحة بالترجي والوسايط ونحو ذلك وهذا الأمر يقع لأعيان الناس والمقيمين بالبلدة من الأمراء والأجناد
المصريين واتباعهم ونحوهم ثم أنهم تعدوا إلى الحارات والنواحي التي لم يتقدم لهم السكنى بها قبل ذلك مثل نواحي المشهد الحسيني وخلف الجامع المؤيدي والخرنفش والجمالية حتى ضاقت المساكن بالناس لقلتها وصار بعض المحتشمين إذا سكن بجواره عسكر يرتحل من داره ولو كانت ملكه بعد أمن جوارهم وخوفا من شرهم وتسلقهم على الدار لأنهم يصعدون على الأسطح والحيطان ويتطلعون على من بجوارهم ويرمون بالبندقيات والطبنجات ومما اتفق أن كبيرا منهم دخل بطائفته إلى منزل بعض الفقهاء المعتبرين وأمره بالخروج منها ليسكن هو بها فأخبره أنه من مشايخ العلم فلم يلتفت لقوله فتركه ولبس عمامته وركب بغلته وحضر إلى اخوانه المشايخ واستغاث بهم فركب معه جماعته منهم وذهبوا إلى الدار ودخلوا إليها راكبين بغالهم فعندما شاهدهم العسكر وهم واصلون في كبكبة أخذوا اسلحتهم وسحبوا عليهم السيوف فرجع البعض هاربا وثبت الباقون ونزلوا عن بغالهم وخاطبوا كبيرهم وعرفوه أنها دار العالم الكبير وهذا لا يناسب وأن النصارى واليهود يكرمون قسسهم ورهبانهم وأنتم أولى بذلك لأنكم مسلمون فقالوا: لهم في الجواب أنتم لستم بمسلمين لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون أنهم خير منا ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى واخرجناهم من البلاد فنحن احق بالدور منكم ونحو ذلك من القول الشنيع ثم لم يزالوا في معالجتهم إلى ثاني يوم ولم ينصرفوا عن الدار حتى دفعوا لهم مأتي قرش وشال كشمير لكبيرهم وفعل ذلك بعدة بيوت دخلها على هذه الصورة وأخذ منها أكثر من ذلك ومنها دار إسمعيل أفندي صاحب العيار بالضربخانة وهو رجل معتبر أخذ منه خمسمائة قرش وشال كشمير وفعل مثل ذلك بغيرهم هو وأمثاله ولما أكثر الناس من التشكي للباشا وللكتخدا قال الكتخدا: اناس قاتلوا وجاهدوا اشهرا وأياما وقاسوا ما قاسوه في الحر والبرد والطل حتى طردوا عنكم الكفار واجلوهم عن بلاد افلا تسعونهم
في السكنى ونحو ذلك من القول.
ولما انقضى هذا الأمر واستقر الباشا واطمأن خاطره وخلص له الإقليم المصري وثغر الاسكندرية الذي كان خارجا عن حمهحتى قبل مجيء الإنكليز فإن الإسكندرية كانت خارجة عن حكمه فلما حصل مجيء الإنكليز وخروجهم صار الثغر في حكمه أيضا فأول ما بدأ به أنه ابطل مسموح المشايخ والفقهاء معا في البلاد التي التزموا بها لأنه لما ابتدع المغارم والشهريات والفرض التي فرضها على القرى ومظالم الكشوفية جعل ذلك عاما على جميع الالتزامات والحصص التي بأيدي جميع الناس حتى أكابر العسكر واصاغرهم ما عدا البلاد والحصص التي للمشايخ خارجة عن ذلك ولا يؤخذ منها نصف الفائظ ولا ثلثه ولا ربعه وكذلك من ينتسب لهم أو حتى يحتمي فيهم ويأخذون الجعالات والهدايا من أصحابها ومن فلاحيهم تحت حمايتها ونظير صيانتها واغتروا بذلك واعتقدوا دوامه وأكثروا من شراء الحصص من أصحابها المنجاحين بدون القيمة وافتتنوا بالدنيا وهجروا مذاكرة المسائل ومدارسة العلم إلا بمقدار حفظ الناموس مع ترك العمل بالكلية وصار بيت احدهم مثل بيت أحد الأمراء الألوف الأقدمين واتخذوا الخدم والمقدمين واعوان واجروا الحبس والتعزيز والضرب بالفلقة والكرابيج المعروفة بزب الفيل واستخدموا كتبة الأقباط وقطاع الجرائم في الإرساليات للبلاد وقدروا حق طرق لأتباعهم وصارت لهم استعجالات وتحذيرات وانذارات عن تأخر المطلوب مع عدم سماع شكاوي الفلاحين ومخاصمتهم القديمة مع بعضهم بموجبات التحاسد والكراهية المجبولة والمركوزة في طباعهم الخبيثة وانقلب الوضع فيهم بضده وصار ديدنهم واجتماعهم ذكر الأمور الدنيوية والحصص والالتزام وحساب الميري والفائظ والمضاف الرماية والمرافعات والمراسلات والتشكي والتنجي مع الأقباط واستدعاء عظمائهم في جمعياتهم وولائمهم والاعتناء بشأنهم والتفاخر بتردادهم والترداد عليهم والمهاداة فيما بينهم إلى غير ذلك مما
يطول شرحه وأوقع مع ذلك زيادة عما هو بينهم من التنافر والتحاسد والتحاقد على الرياسة والتفاقم والتكالب على سفاسف الأمور وحظوظ الأنفس على الأشياء الواهية مع ما جلبوا عليه من الشح والشكوى والإستجداء وفراغ الاعين والتطلع للأكل في ولائم الأغنياء والقراء والمعاتبة عليها أن لم يدعوا إليها والتعريض بالطلب واظهر الإحتياج لكثرة العيال والأتباع واتساع الدائرة وارتكابهم الأمور المخلة بالمروءة المسقطة للعدالة كالإجتماع في سماع الملاهي والأغاني والقيان والآلات المطربة واعطاء الجوائز والنقوط بمناداة الخلبوص وقوله واعلاماه في السامر وهو يقول في سامر الجمع بمسمع من النساء والرجال من عوام الناس وخواصهم برفع الصوت: الذي يسمعه القاصى والداني وهو يخاطب رئيسة المغاني ياستي حضرة شيخ الإسلام والمسلمين مفيد الطالبين الشيخ العلامة فلان منه كذا وكذا من النصفيات الذهب قدر مسماه كثير وجرمه قليل نتيجته التفاخر الكذب والإزدراء بمقام العلم بين العوام واوباش الناس الذين اقتدوا بهم في فعل المحرمات الواجب عليهم النهي عنها كل ذلك من غير احتشام ولا مبالاة مع التضاحك والقهقهة المسموعة من البعد في كل مجمع ومواظبتهم على الهزليات والمضحكات والفاظ الكتابة المعبر عنها عند أولاد البلد بالإنقاط والتنافس في الأحداث إلى غير ذلك.
وفيه فتحوا الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على أربع سنوات ماضية.
وفي عاشره فتحوا أيضا دفاتر الطلب بميري السنة القابلة ووجهوا الطلب بها إلى العسكر فدهى الناس بدواه متوالية منها خراب القرى بتوالي المظالم والمغارم والكلف وحق الطرق والاستعجالات والتساويف والبشارات فكان أهل القرية النازل بها ذلك يتنقلون إلى القرية المحمية لشيخ من الأشياخ وقد بطلت الحماية أيضا حينئذ ثم انزلوا بالبنادر مغارم عظيمة لها قدر من الأكياس الكثيرة وذلك عقب فرصة البشارة مثل
دمياط ورشيد والمحلة والمنصورة مائة كيس وخمسون كيسا ومائة وخمسون وأكثر وأقل.
وفي اثناء ذلك قرروا أيضا فرضة غلال وسمن وشعير وفول على البلاد والقرى وأن لم يجد المعينون للطلب شيئا من الدراهم عند الفلاحين أخذوا مواشيهم وابقارهم لتأتي أربابها ويدفعوا ما تقرر عليهم ويأخذوها ويتركونها بالجوع والعطش فعند ذلك يبيعونها على الجزارين ويرمونها عليهم قهرا بأقصى القيمة ويلزمونهم بإحضار الثمن فإن تراخوا وعجزوا شددوا عليهم بالحبس والضرب.
وفي يوم الخميس ثالث عشره مر الباشا في ناحية سويقة العزى سائرا إلى ناحية بيت بليغا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع إلى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا في مروره فحيثما أتى مقابلا لذلك المكتب اطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه واصابت إحدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وأمر الخدم باحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا إليهما وقبضوا عليهما ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر إلى الباشا بانهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب إلى داره.
وفي يوم الإثنين ثالث عشرينه اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا: لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وأرسل السيد عمر إلى أهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا واغلقوها فلما كان قبيل الغروب وصل إلى بيت الباشا طائفة الدلاتية وضربوا أيضا بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة أربعة انفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصا نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد
الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة ولم تفتح إلا بعد طلوع الشمس وأصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا امتعته الثمينة تلك الليلة إلى القلعة وكذلك في ثاني يوم ثم أنه طلع إلى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا إلى القلعة ورجع إلى داره ويقال: إن طائفة من العسكر الذين معه بالدار أرادوا غدره تلك الليلة وعلم ذلك منهم باشارة بعضهم لبعض رمزا فغالطهم وخرج مستخفيا من البيت ولم يعلم بخروجه إلا بعض خواصه الملازمين له وأكثرهم اقاربه وبلدياته ولما تحققوا خروجه من الدار وطلوعه إلى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني إلى القلعة واشيع في اللبلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم أحد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل أشخاص وأصبح يوم الخميس وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون باسلحتهم وطلع افراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل إلى الأتراك وفرقة تميل إلى جنسها والدلاة تميل إلى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم.
وفي يوم السبت طلع طائفة من المشايخ إلى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان ثم نزلوا.
وفي ليلة الأحد كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب
المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي فبطل ذلك كله ولم تثبت الرؤية تلك الليلة وأصبح يوم الحد والناس مفطرون فلما كان وقت الضحوة نودي بالإمساك ولم تعلم.
واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين سنة 1222
وفي ليلته بين العصر والمغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وأردفوا ذلك بالبنادق الكثيرة المتتابعة وكذلك العسكر الكائنون بالبلدة فعلوا كفعلهم من كل ناحية ومن اسطحة الدور والمساكن وكان شيئا هائلا واستمر ذلك إلى بعد الغروب وذلك شنك لقدوم رمضان في دخوله وانقضائه.
وفي رابعه انكشفت القضية عن طلب مبلغ الفي كيس بعد جمعيات ومشأورات تارة ببيت السيد عمر النقيب وتارة في امكنة أخرى كبيت السيد المحروقي وخلافه حتى رتبوا ذلك ونظموه فوزع منه جانب على رجال دائرة الباشا وجانب على المشايخ الملتزمين نظير مسموحهم في فرض حصصهم التي اكلوها وهي مبلغ مائتي كيس وزعت على القراريط على كل قيراط ثلاثة آلاف نصف فضة على سبيل القرض لأجل أن ترد أو تحسب لهم في الكشوفات من رفع المظالم ومال الجهات يأخذونها من فلاحيهم وفرض من ذلك مبالغ على أرباب الحرف وأهل الغورية ووكالة الصابون ووكالة القرب والتجار الآفاقية واستقر ديوان الطلب ببيت ابن الصاوي بما يتعلق بالفقهاء وإسمعيل الطوبجي بالمطلوب من طائفة الأتراك وأهل خان الخليلي والمرجع في الطلب والدفع والرفع إلى السيد عمر النقيب واجتمع الكثير من أهل الحرفكالصرماتية وأمثالهم والتجؤا إلى الجامع الأزهر وأقاموا به ليالي وأياما فلم ينفعهم ذلك وانبث المعينون بالطلب وبايديهم الأوراق بمقدار المبلغ المطلوب من الشخص وعليها حق الطريق وهم قواسة اتراك وعسكر ودلاة وقواسة بلدي ودهى الناس بهذه الداهية
في الشهر المبارك فيكون الإنسان نائما في بيته ومتفكرا في قوت عياله فيدهمه الطلب ويأتيه المعين قبل الشروق فيزعجه ويصرخ عليه بل ويطلع إلى جهة حريمه فينتبه كالمفلوج من غير اصطباح ويلاطف المعين ويعده ويأخذ بخاطره ويدفع له كراء طريقة المرسوم له في الورقة المعين بها المبلغ المطلوب قبل كل شيء فما يفارقه إلا ومعين آخر وأصل إليه على النسق المتقدم وهكذا.
وفيه حضر محمد كتخدا شاهين بك الألفي بجواب عن مراسلة ارسلها الباشا إلى مخدومه فأقام أياما يتشاور مع الباشا في مصلحته مع شاهين بك وحصل الإتفاق على حضور شاهين بك إلى الجزيرة ويتراضى مع الباشا على أمر وسافر في ثاني عشره وصحبته صالح أغا السلحدار.
وفي يوم الخميس ثامن عشره قصد الباشا نفي رجب أغا الأرنؤدي وأرسل إليه يأمره بالخروج والسفر بعد أن قطع خرجه واعطاه علوفته فامتنع من الخروج وقال: أنا لي عنده خمسون كيسا ولا اسافر حتى اقبضها وذلك أنه في حياة الألفي الكبير اتفق مع الباشا بأن يذهب عند الألفي وينضم إليه ويتحيل في اغتياله وقتله فان فعل ذلك وقتله وتمت حيلته عليه اعطاه خمسين كيسا فذهب عند الألفي والتجأ إليه واظهر أنه راغب في خدمته وكره الباشا وظلمه فرحب به وقبله واكرمه مع التحذر منه ظلما طال به الأمد ولم يتمكن من قصده رجع إلى الباشا فلما أمره بالذهاب أخذ يطالبه بالخمسين كيسا من فامتنع الباشا وقال: جعلت له ذلك في نظير شيء يفعله لم يخرج من يده فعله فلا وجه لمطالبته به واستمر رجب أغا في عناده وذلك أنه لا يهون بهم مفارقة مصر التي صاروا فيها أمراء وأكابر بعد أن كانوا يحتطبون في بلادهم ويتكسبون بالصنائع الدنيئة ثم أنه جمع جيشه إليه من الأرنؤد بناحية سكنه وهو بيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق فأرسل إليه الباشا من يحاربه فحضر حسن أغا سرششمة من ناحية قنطرة باب الخرق وحضر أيضا الجم الكثير من الأتراك وكبرائهم من جهة المدابغ وعمل كل منهم متاريس من الجهتين وتقدموا
قليلا حتى قربوا من مساكن الأرنؤد تجاه بيت البارودي فلم يتجاسروا على الاقدام عليهم من الطريق بل دخلوا من البيوت التي في صفهم ونقبوا من بيت إلى آخر حتى انتهوا إلى أول منزل من مساكنهم فنقبوا البيت الذي يسكن به الشيخ محمد سعد البكري ونفذوا منه إلى المنزل الذي بجواره ثم منه إلى منزل علي أغا الشعراوي إلى بيت سيدي محمد وأخيه سيدي محمود المعروف بابي دفية الملاصق لمسكن طائفة من الأرنؤد وعبثوا في الدورء وازعجوا أهلها بقبح افعالهم فإنهم عندما يدخلون في أول بيت يصعدون إلى الحريم بصورة منكرة من غير دستور ولا استئذان وينقبون من مساكن الحريم العليا فيهدمون الحائط ويدخلون منها إلى محل حريم الدار الأخرى وتصعد طائفة منهم إلى السطح وهم يرمون بالبنادق في الهواء في حال مشيهم وسيرهم وهكذا ولا يخفى ما يحصل للنساء من الإنزعاج ويصرن يصرخن ويصحن بأطفالهن ويهربن إلى الحارات الأخرى مثل حارة قواديس وناحية حارة عابدين بظاهر الدور المذكورة بغاية الخوف والرعب والمشقة وطفقت العساكر تنهب الأمتعة والثياب والفرش ويكسرون الصناديق ويأخذون ما في القدور من الأطعمة في نهار رمضان من غير احتشام ولقد شاهدت أثر قبح فعلهم ببيت أبي دفية المذكور من الصناديق المكسرة وانتشار حشو الوسائد والمراتب التي فتقوها وأخذوا ظروفها ولم يسلم لأصحاب المساكن سوى ما كان لهم خارج دورهم وبعيدا عنها أو وزعوه قبل الحادثة وأصيب محمد أفندي أبو دفية برصاصة اطلقها بعضهم من النقيب الذي نقب عليهم نفذت من كتفه وكذلك فعل العساكر التي اتت من ناحية المدابغ بالبيوت الأخرى واستمروا على هذه الأفعال ثلاثة أيام بلياليها فلما كان ليلة الإثنين ثاني عشرينه حضر عمر بك كبير الأرنؤد الساكن ببولاق وصالح قوج إلى رجب إنما المذكور وأركباه وأخذاه إلى بولاق وبطل الحرب بينهم ورفعوا المتاريس في صبحها وانكشفت الواقعة عن نهب البيوت ونقبها وازعاج
أهلها ومات فيما بينهم انفار قليلة وكذلك مات اناس وانجرح اناس من أهل البلد.
وفي يوم السبت وصل شاهين بك الألفي إلى دهشور ووصل صحبته مراكب بها سفار وهدية من إبراهيم بك ومحمد بك المرادي المعروف بالمنفوخ برسم الباشا وهي نحو الثلاثين حصانا ومائة قنطار بن قهوة ومائة قنطار سكر وأربع خصيان وعشرون جارية سوداء فلما وصل شاهين بك إلى دهشور فحضر محمد كتخداه وعلي كاشف الكبير فأرسل الباشا إليه صحبتهما هدية ومعهما ولده وديوان افندي.
وفي خامس عشرينه سافر رجب أغا وتخلف عنه كثير من عساكره واتباعه وذهب من ناحية دمياط.
وفيه حضر ديوان أفندي من دهشور وابن الباشا أيضا وخلع شاهين بك علي ابن الباشا فردة وقدم له تقدمة وسلاحا نفيسا انكليزيا.
وفي ثاني عشرينه وصل شاهين بك إلى شبرامنت وقد أمر الباشا بأن يخلوا له الجيزة وينتقل منها الكاشف والعسكر فعدى الجميع إلى البر الشرقي وتسلم علي كاشف الكبير الألفي القصر وما حوله وما به من الجبخانة والمدافع والات الحرب وغيرها.
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1222.
ولم يعمل العسكر شنكهم تلك الليلة من رميهم الرصاص والبارود الكثير المزعج من سائر النواحي والبيوت والأسطحة لانقباض نفوسهم وإنما ضربوا مدافع من القلعة مدة ثلاثة أيام العيد في الأوقات الخمسة.
وفي خامسه اعتني الباشا بتعمير القصر لسكن شاهين بك بالجيزة وكان العسكر اخربوه وكذلك بيوت الجيزة ولم يتركوا بها دارا عامرة إلا القليل فرسم الباشا للمعمارجية بعمارة القصر فجمعوا البنائين والنجارين والخراطين وحملوا الاخشاب من بولاق وغيرها وهدموا بيت أبي الشوارب وأحضروا الجمال والحمير لنقل اخشابه وانقاضه واخرجوا منه اخشابا
عظيمة في غاية العظم ولاثخن ليس لها نظير في هذا الوقت والأوان.
وفي سابعه حضر شاهين بك إلى بر الجيزة وبات بالقصر وضربوا لقدومه مدافع كثيرة من الجيزة وعمل له علي جربجي موسى الجيزاوي وليمة وفرض مصروفها وكلفتها على أهل البلدة واعطاه الباشا إقليم الفيوم بتمامه التزاما وكشوفية وأطلق له فيها التصرف وأنعم عليه أيضا بثلاثين بلدة من إقليم البهنسامع وكشوفيتها وعشرة بلاد من بلاد الجيزة من البلاد التي ينتقيها ويختارها وتعجبه مع كشوفية الجيزة وكتب له بذلك تقاسيط ديوانية وضم له كشوفية البحيرة بتمامها إلى حد الإسكندرية واطلق له التصرف في جميع ذلك ومرسوماته نافذة في سائر البر الغربي.
وفي صبح يوم الأربعاء تاسعه ركب السيد عمر أفندي النقيب والمشايخ وطلعوا إلى القلعة باستدعاء ارسالية ارسلت إليهم في تلك الليلة فلما طلعوا إلى القلعة ركب معهم ابن الباشا طوسون بك ونزل الجميع وساروا إلى ناحية مصر القديمة وكان شاهين بك عدى إلى البر الشرقي بطائفة من الكشاف والمماليك والهوارة فسلموا عليه وكان بصحبتهم طائفة من الدلاة ساروا إمام القوم بطبلاتهم وسفافيرهم ومن خلفهم طائفة من الهوارة ومن خلفهم الكشاف والمماليك والسيد عمر النقيب والمشايخ ثم شاهين بك وبجانبه ابن الباشا وخلفهم الطوائف والأتباع والخدم وخلفهم النقاقير فساروا إلى ناحية جهة القرافة وزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم ركبوا وساروا إلى القلعة وطلعوا من باب العزب إلى سراية الديوان وانفصل عنهم المشايخ ونزلوا إلى دورهم وقابلوا الباشا وسلم شاهين بك عليه فخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة وسيفا وخنجرا مجوهرا وتعابي وقدم له خيولا بسروجها وعزم عليه ابن الباشا فأذن له أن يتوجه صحبته إلى سرايته فركب معه وتغدى عنده ثم ركب بصحبته ونزلا من القلعة وذهب عند حسن باشا فقابله أيضا وسلم عليه وخلع عليه أيضا وقدم له خيولا وركب صحبتها وذهبوا عند طاهر باشا ابن اخت الباشا فسلم عليه أيضا
وقدم له تقادم ثم ركب عائدا إلى الجيزة وذهب إلى مخيمه بسبرامنت واستمر مقيما بالمخيم حتى تمم عمارة القصر وتردد كشافهم واجنادهم إلى بيوتهم بالمدينة فيبيتون الليلة والليلتين ويرجعون إلى مخيمهم.
وفيه قطع الباشا رواتب طوائف من الدلاة وأمروا بالسفر إلى بلادهم.
وفي يوم الجمعة انتقل الألفية بعرضيهم وخيامهم إلى بحري الجيزة.
وفي يوم السبت ثاني عشره وصل أربعة من صناجق الألفية وهم أحمد بك ونعمان بك وحسين بك ومراد بك فطلعوا إلى القلعة وخلع عليهم الباشا فراوي وقلدهم سيوفا وقدم لهم تقادم ثم نزلوا إلى حسن باشا فسلموا عليه وخلع عليهم أيضا خلعا ثم ذهبوا إلى بيت صالح أغا السلحدار فأقاموا عنده إلى أواخر النهار ثم ذهبوا إلى البيوت التي بها حريمهم فباتوا وذهبوا في الصباح إلى الجيزة.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره عملت وليمة وعقدوا لأحمد بك الألفي على عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير والوكيل في العقد شيخ السادات وقبل عنه محمد كتخدا بوكالته عن أحمد بك ودفع الصداق الباشا من عنده وقدره ثمانية ألاف ريال.
وفيه اتفقوا على إرسال نعمان بك ومحمد كتخدا وعلي كاشف الصابونجي إلى إبراهيم بك الكبير لإجراء الصلح.
وفيه أيضا أرادوا اجراء عقد زينب هانم ابنة إبراهيم بك علي نعمان بك فامتنعت وقالت لا يكون ذلك إلا عن اذن أبي وها هو مسافر إليه فليستاذنه ولا اخألف أمره فأجيبت إلى ذلك وأراد شاهين بك أن يعقد لنفسه على زوجة حسين بك المقتول المعروف بالوشاش وهو خشداشه وهي ابنة السفطي فأستاذن الباشا فقال: إني أريد أن ازوجك ابنتي وتكون صهري وهي واصلة عن قريب ارسلت بحضورها من بلدي قوله فإن تأخر حضورها جهزت لك سرية وزوجتك اياها.
وفي يوم الأربعاء نزل الباشا من القلعة وذهب إلى مضرب النشاب
واستدعى شاهين بك من الجيزة وعمل معه ميدانا وترامحوا وتسابقوا ولعبوا بالرماح والسيوف ثم طلع الجميع إلى القلعة واستمر شاهين بك عند الباشا إلى بعد الظهر ثم نزل مع نعمان بك إلى بيت عديلة هانم فمكثا إلى قبيل المغرب ثم أرسل اليهما الباشا فطلعا إلى القلعة فباتا عنده ونزلا في الصباح وعديا إلى الجيزة.
قال الشاعر:.
أمور تضحك السفهاء منها
…
ويبكي من عواقبها اللبيب
وفيه تقلد حسن أغا سرششمه إمارة دمياط عرضا عن أحمد بك وتقلد عبد الله كاشف الدرندلي إمارة المنصورة عوضا عن عزيز أغا.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه وصل قابجي ومعه مرسومات يتضمن احدها التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر واخر بالدفتردارية باسم ولده إبراهيم واخر بالعفو عن جميع العسكر جزاء عن اخراجهم الإنكليز من ثغر الإسكندرية واخر بالتأكيد في التشهيل والسفر لمحاربة الخوارج بالحجاز واستخلاص الحرمين والوصية بالرعية والتجار وصحبته أيضا خلع وشلنجات فأركبوه في موكب في صبح يوم الخميس وطلع إلى القلعة وقرئت المراسيم المذكورة بحضرة الباشا والمشايخ وكبار العسكر وشاهين بك وخشداشينه الألفية وضربوا مدافع وشنكا.
وفيه سافر إبراهيم بك ابن الباشا على طريق القليوبية وصحبته طائفة من مباشري الأقباط وفيهم جرجس الطويل وهو كبيرهم وافنديه من افندية الروزنامة وكتبة مسلمين للكشف على الأطيان التي رويت من ماء النيل والشرقي فأنزلوا بالقرى النوازل من الكلف وحق الطرقات وقرروا على كل فدان رواه النيل أربعمائة وخمسين نصف فضة تقبض للديوان وذلك خلاف ما للملتزم والمضاف والبراني وما يضاف إلى ذلك من حق الطرق والكلف المتكررة.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1222
وفيه فرضوا على مساتير الناس سلف أكياس ويحسب لهم ما يؤخذ منهم من أصل ما يتقرر على حصصهم من المغارم في المستقبل وعينوا العساكر بطلبها فتغيب غالبهم وتوارى لعدم ما بأيديهم وخلو اكياسهم من المال والتجأ الكثير منهم إلى ذوي الجاه ولازموا اعتابهم حتى شفعوا فيهم وكشفوا غمتهم.
وفي عاشره ورد الخبر من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين تحاربوا مع ياسين بك بناحية المنية وذلك عن أمر الباشا وهزموه فدخل إلى المنية ونهبوا حملته ومتاعه.
وفي أثر ذلك حضر أبو ياسين بك إلى مصر وعينت عساكر إلى جهة قبلي وأميرها بونابارته الخازندار وتقدمهم سليمان بك الألفي في اخرين.
وفي عشرينه تعين أيضا عدة عساكر إلى ناحية بحري وفيهم عمر بك تابع الأشقر المصرلي لمحافظة رشيد وآخرين إلى الأسكندرية ثم تعوق عمر بك عن السفر وسبب ذلك أنه ورد قائد الإنكليز إلى ثغر سكندرية وأخبر بخروج عمارة الفرنسيس إلى البحر بسيسيليه وربما استولوا عليها وكذلك مالطه فلما ورد هذا الخبر حضر البطروش قنصل الانكليز المقيم برشيد إلى مصر بأهله وعياله.
وفي أواخره جمعوا عدة كبيرة من البنائين والنجارين وأرباب الأشغال لعمارة اسوار وقلاع الإسكندرية وابي قير والسواحل.
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1222
في ثاني عشره ورد الخبر بأن سليمان بك الألفي لما وصل إلى المنية ونزل بفنائها خرج إليه ياسين بك بجموعه وعساكره وعربانه فوقع بينهما وقعة عظيمة وانهزم ياسين بك وولى هاربا إلى المنية فتبعه سليمان بك في قلة وعدى الخندق خلفه فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتا بعد أن نهب جميع متاع ياسين بك وجماله واثقاله وشتت جموعه وانحصر هو وعساكره وعربانه وما بقي منهم بداخل المنية وكانت الواقعة يوم الأربعاء
سادس الشهر فلما ورد الخبر بذلك على الباشا اظهر أنه اغتم على سليمان بك وتأسف على موته وأقام العزاء عليه خشداشينه بالجيزة وفي بيوتهم وطفق الباشا يلوم على جراءة المصريين واقدامهم وكيف أن سليمان بك يخاطر بنفسه ويلقي بنفسه من داخل الخندق ويقول: أنا ارسلت إليه احذره واقول له أن ينتظر بونابارته الخازندار ويرسل ياسين بك ويطلعه على ما بيده من المراسيم فان أبى وخألف ما في ضمنها فعند ذلك يجتمعون على حربه وتتقدم عسكر الأتراك لمعرفتهم وصبرهم على محاصرة الابنية فلم يستمع لما قلت له: غرر بنفسه وأيضا ينبغي لكبير الجيش التاخر عن عسكره فإن الكبير عبارة عن المدير الرئيس وبمصابه تنكسر قلوب قومه وهؤلاء القوم بخلاف ذلك يلقون بأنفسهم في المهالك ولما أرسل جماعة سليمان بك يخبرون بموت كبيرهم وانهم مجتعون على حالتهم ومقيمون بعرضهم ومحطتهم على المنية وانهم منتظرون من يقيمه الباشا رئيسا مكانه فعند ذلك أرسل الباشا إلى شاهين بك يعزيه ويلتمس منه أن يختار من خشداشينه من يقلده الباشا إمارة سليمان بك فتشاور شاهين بك مع خشداشينه فلم يرض أحد من الكبار أن يتقلد ذلك ثم وقع اختيارهم على شخص من المماليك يسمى يحيى وارسلوه إلى باشا فخلع عليه وأمره بالسفر إلى المنية فأخذ في قضاء اشغاله وعدى إلى بر الجيزة.
وفي منتصفه ورد الخبر بأن بونابارته الخازندار وصل إلى المنية بعد الواقعة وياسين بك محصور بها فأرسل إليه يستدعيه إلى الطاعة واطلعه على المكاتبات والمراسيم التي بيده من الباشا خطابا له وللأمراء الحاضرين والغائبين المصرية وفي ضمنها أن ابى ياسين بك عن الدخول في الطاعة واستمر على عناده وعصيانه فأن بونابارته والأمراء المصرية يحاربونه فعند ذلك نزل ياسين بك على حكم بونابارته وحضر عنده بعد أن استوثق منه الأمان ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر وخرجت العربان المحصورون بالمنية بعد أن صالحوا على أنفسهم وفتحوا لهم طريقا وذهبوا إلى أماكنهم
واستلم بونابارته المنية فأقام بها يومين وارتحل عنها وحضر إلى مصر.
وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشره حضر ياسين بك إلى ثغر بولاق وركب في صبحها وطلع إلى القلعة فعوقه الباشا وأراد قتله فتعصب له عمر بك الأرنؤدي وصالح قوج وغيرهما وطلعوا في يوم الجمعة وقد رتب الباشا عساكره وجنده واوقفهم بالأبواب الداخلة والخارجة وبين يديه وتكلم عمر بك وصالح أغا مع الباشا في أمره وأن يقيم بمصر فقال الباشا: لا يمكن أن يقيم بمصر والساعة اقتله وانظر اي شيء يكون فلم يسع المتعصبين له إلا الإمتثال ثم أحضره وخلع عليه فروة وانعم عليه بأربعين كيسا ونزلوا بصحبته بعد الظهر إلى بولاق وسافر إلى دمياط ليذهب إلى قبرص ومعه محافظون.
وفي يوم الأحد حضر بونابارته الخازندار من المنية إلى مصر وانقضت السنة وأما من مات فيها ممن له ذكر فمات الشيخ العلامة بقية العلماء والفضلاء والصالحين الورع القانع الشيخ أحمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن علاء الدين البرماوي الذهبي الشافعي الضرير ولد ببلده برما بالمنوفية سنة 1138 ونشأ بها وحفظ القرآن والمتون على الشيخ المعاصري ثم انتقل إلى مصر فجاور بالمدرسة الشيخونية بالصليبة وتخرج في الحديث على الشيخ أحمد البرماوي وحضر دروس مشايخ الأزهر كالشيخ محمد فهرس والشيخ علي قايتباوي والشيخ الدفري والشيخ سليمان الزيات والشيخ الملوي والشيخ المدابغي والشيخ الغنيمي والشيخ محمد الحنفي وأخيه الشيخ يوسف وعبد الكريم الزيات والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ سالم النفراوي والشيخ عمر الشنواني والشيخ أحمد رزة والشيخ سليمان البسوسي والشيخ علي الصعيدي واقرأ الدروس وافاد الطلبة ولازم الإقراء وكان منجمعا عن الناس قانعا راضيا بما قسم له لا يزاحم على الدنيا ولا يتداخل في أمورها وأخبرني ولده العلامة الفاضل الشيخ مصطفى أنه ولدا بصيرا فأصابه الجدري فطمس بصره في صغره فأخذه عم أبيه الشيخ صالح
الذهبي ودعا له فقال في دعائه: اللهم كما اعميت بصره نور بصيرته فاستجاب الله دعاءه وكان قوي الإدراك ويمشي وحده من غير قائد ويركب من غير خادم ويذهب في حوائجه المسافة البعيدة ويأتي إلى الأزهر ولا يخطيء الطريق وينتحي عما عساه يصيبه من راكب أو جمل أو حمار مقبل عليه أو شيء معترض في طريقه اقوى من ذي بصر فكان يضرب به المثل في ذلك مع شدة التعجب كما قال القائل: ما عماء العيون مثل عمى القلوب فهذا هو العمى والبلاء فعماء العيون تغميض عين وعماء القلوب فهو الشفاء! ولم يزل ملازما على حالته من الإنجماع والإشتغال بالعلم والعمل به وتلاوة القرآن وقيام الليل فكان يقرأ كل ليلة نصف القرآن إلى أن توفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول من هذه السنة وله من العمر أربع وثمانون سنة وصلي عليه بجامع ابن طولون ودفن بجوار المشهد المعروف بالسيدة سكينة رضى الله عنها بجانب الشيخ البرماوي رحمه الله وبارك في ولده الشيخ مصطفى واعانه على وقته ومات العمدة الفاضل حاوى الكمالات والفضائل الشيخ محمد بن يوسف ابن بنت الشيخ محمد بن سالم الحفناوي الشافعي ولد سنة 1163 وتربى في حجر جده وتخلق بأخلاقه وحفظ القرآن والألفية والمتون وحضر دروس جده واخي جده الشيخ يوسف الحفناوي وحضر أشياخ الوقت كالشيخ علي العدوى والشيخ أحمد الدردير والشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى البراوي وغيرهم وتمهر وانجب وأخذ طريق الخلوتية عن جده ولقنه الأسماء ولما توفي جده القى الدروس في محله بالأزهر ونشأ من صغره على احسن طريقة وعفة نفس وتباعد عن سفاسف الأمور الدنيئة ولازم الإشتغال بالعلم وفتح بيت جده وعمل به ميعاد الذكر كعادته وكان عظيم النفس مع تهذيب الأخلاق والتبسيط مع الإخوان والممازحة مع تجنبه ما يخل بالمروءة وله بعض تعليقات وحواش وشعر مناسب ولم يزل على حالته إلى أن توفي يوم السبت رابع شهر ربيع الأول من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن مع جده في تربة واحدة بمقبرة المجاورين
ولم يخلف ذكورا رحمه الله ومات الشيخ العلامة المفيد والتحرير المجيد محمد الحصافي الشافعي الفقيه النحوي الفرضي تلقى العلوم وحضر أشياخ الطبقة الأولى ودرس العلوم بالأزهر وافاد الطلبة وقرأ الكتب المفيدة وعاش طول عمره منعكفا في زوايا الخمول منعزلا عن الدنيا وهي منعزلة عنه راضيا بما قسم الله له قانعا بما يسره له مولاه لا يدعي في وليمة ولا ينهمك على شيء من أمور الدنيا ولم يزل على حالته حتى توفي يوم الإثنين ثالث عشر شوال من السنة ومات العمدة المفضل الشيخ محمد عبد الفتاح المالكي من أهالي كفر حشاد بالمنوفية قدم من بلده صغيرا فجاور بالأزهر وحضر على أشياخ الوقت ولازم دروس الشيخ الأمير وبه تخرج وتفقه عليه وعلى غيره من علماء المالكية وتمهر في المعقولات وانجب وصارت له ملكه واستحضار ثم سافر إلى بلده وأقام بها يفيد ويفتي ويرجعون إليه في قضاياهم ودعاويهم فيقضي بينهم ولا يقبل من أحد جعالة ولا هدية فاشتهر ذكره بالإقليم واعتقدوا فيه الصلاح والعفة وأنه لا يقضي إلا بالحق ولا يأخذ رشوة ولا جعالة ولا يجابي في الحق فامتثلوا لقضاياه وأوامره فكان إذا قضى قاض من قضاة البلدان بين خصمين رجعا إلى المترجم واعادا عليه دعواهما فان رأى القضاء صحيحا موافقا للشرع امضاه وامتثل الخصم الآخر ولا يمانع بعد ذلك ابدا ويذعن لما قضاه الشيخ لعلمه أنه لا لغرض دنيوي وإلا أخبرهم أن الحق خلافه فيمتثل الخصم الآخر ولم يزل على حالته حتى كان المولد المعتاد بطندتا فذهب ابن الشيخ الأمير إلى هناك فأتى لزيارة ابن شيخه ونزل في الدار التي هو نازل فيها فانهدمت الجهة التي هو بها وسقطت عليه فمات شهيدا مردوما ومعه ثلاثة انفار من أهالي قرية العكروت وذلك في أوائل شهر الحجة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله ومات الأمير سعيد أغا دار السعادة العثماني الحبشي قدم إلى مصر بعد مجيء يوسف باشا الوزير في ابهة ونزل بدرب الجماميز في البيت الذي كان نزل به شريف أفندي الدفتردار بعد انتقاله منه وفتح باب التفتيش على جهات أوقاف الحرمين وغيرها واخاف الناس وحضر إليه كتبة الأوقاف.