الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيد المحروقي الباشا في عقد نكاحها على ابن اخي المتوفي الذي هو السيد أحمد أبو الاقبال الذي تولى خلافة بيتهم فاذن بذلك فحضر في الحال واجرى العقد بعد أن حكمت عليه بطلاق التي في عصمته وهي جاريتها زوجته في حياة عمه ورزق منها أولاد واستقر المشار إليه في المنزل خليفة وشيخا على سجادتهم وسكن معه اخوه سيدي يحيى زادهما الله توفيقا وخيرا واتفاقا واشرق نجم المتصدر على افق السعادةاشراقا فهو أبو الاقبال المتحلي بالجمال والكمال في المهد ينطق عن سعادة جده أثر النجابة واضح البرهان.. أن الهلال إذا رأيت نموه ايقنت أن سيزيد في اللمعان.
ومات الشيخ الناسك محمد بن عبد الرحمن اليوسي المغربي وردالى مصر وحج ورجع ونزل بدار الحاج مصطفى الهجين العطار منجمعا عن خلطة الناس والسعي على طريقة حميدة ومذاكرة حسنة ويأتي إليه الناس يزورونه ويتبركون به ويسألونه الدعاء ويستفهمون منه مسائل فجيب كل إنسان بما ينسر منه بتواضع وانكسار وتزهيد في الدنيا وتمرض سنينا وتوفي يوم الثلاثاء عشرين المحرم وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بجانب الخطيب الشربيني بتربة المجاورين وهي القرافة الكبرى.
ثم دخلت
سنة تسع وعشرين ومائتين والف
استهل المحرم بيوم الجمعة
فيه في ليلة الجمعة ثامنه وردت مكاتبات من الديار الحجازية وفيها الأخبار بأن الباشا قبض على الشريف غالب أمير مكة وقبض على أولاده الثلاثة وأربعة عبيد طواشية من عبيده وارسلهم إلى جدة وانزلهم في مركب من مراكبه وهي وأصلة بهم والذي وصل في مركب صغيرة تسمى السبحان سبقتهم في الحضور إلى السويس وأخبروا أيضا في المكاتبة أنه لما قبض عليهم أحضر يحيى ابن الشريف سرور وقلده الإمارة عوضا عن عمه غالب وقبضوا أيضا على وزيره الذي بجدة وأصحبوه معهم وقلد مكانه في الكمارك شخصا من الاتراك يسمى علي الوجاقلي فلما وصل الهجان بهذه
المكاتبة إلى السيد محمد المحروقي ليلا ركب من وقته إلى كتخدا بك في بيته واطلعه على المكاتبات فلما طلع النهار نهار يوم الجمعة ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما وسرورا بذلك.
وفيه احتفل كتخدا بك بعمل مهم أيضا لزواج إسمعيل باشا ابن محمد علي باشا ومحمد بك الدفتردار على ابنة الباشا وإسماعيل باشا على ابنة عارف بك ابن خليل باشا التي أحضرها صحبته من إسلامبول وقد ذكر العقد عليهما في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من السنة الماضية قبل توجه الباشا إلى الحجاز فألزم كتخدا بك السيد محمد المحروقي بتنظيم الفرح والاحتياجات واللوازم واتفقوا على أن يكون نصبة الفرح ببركة الازبكية تجاه بيت حريم الباشا وطاهر باشا تعمل الولائم واجتماع المدعوين ببيت طاهر باشا والمطبخ بخرائب بيت الصابونجي وارسدوا أوراق التنابيه للمدعوين على طبقات الناس بالترتيب ونصبوا بوسط البركة عدة صواري لأجل الوقدات والقناديل التي تعمل عليها التصاوير من القناديل فترى من البعد صورة مركب أو سبعين متقابلين أو شجرة أو محمل على جمل أو كتابة مثل ما شاء الله نحو ذلك وصفوا بوسط البركة عدة مدافع صفين متقابلين ونصب بهلوان الحبل حبله أوله من اتجاه بيت الباشا وآخره برأس المنارة التي جهة حارة الفوالة خلف رصيف الخشاب حيث الابنية المتخربة في الحوادث الماضية بالقرب من القشلة وعمارات محمد باشا خسرو التي لم تكمل وبهلوان آخر شامي بالناحية الأخرى وانتقل السيد محمد المحروقي من داره إلى بيت الشرايبي تجاه جامع ازبك لأجل مباشرة المهمات فلما أصبح يوم السبت وهو يوم الابتداء ودعوة الأشياخ رتبوهم فرقتين فرقة تاني ضحوة النهار وأخرى بعد العصر واجتمع بالازبكية أصناف أرباب الملاعيب والمغز لكين والجنباذية والحببظية والحواة والقرداتية والرقاصين والربامكة وغير ذلك أصناف وأشكال فاحتفلت واقبل من كل ناحية أصناف الناس رجال ونساء واقارب واباعد وأكابر واصاغر وعساكر وفلاحون ويهود
ونصارى واروام لأجل التفرج حتى ازدحمت الطرق الموصلة إلى الازبكية من جميع النواحي بأنصاف الناس الذاهبين والراجعين والمترددين واستمر ضرب المدفع من ليلة السبت المذكور إلى ليلة الجمعة التالية الأخرى ليلا ونهارا والحرائق والنفوط والسواريخ في الليل ولعبت أرباب الملاعيب والبهلوانات على الحبال وكذلك احتفل النصارى وعملوا وقدات وحراقات تجاه حاراتهم ومساكنهم وصادف ذلك عيد الميلاد وعملوا لهم مراجيح وملاعيب.
وفي اثناء ذلك وقع التنبيه على أصحاب الحرف والصنائع بعمل عربات مشكلة وممثلة بحرفتهم وصنائعهم ليمشوا بها في زفة العروس فاعتنى أهل كل حرفة وصناعة بتنميق وتزيين شكله وتباهوا وتناظروا وتفاخروا على بعضهم البعض فكان كل من سولت له نفسه وحدثه الشيطان باحداث شىء فعله وذهب إلى المتعين لذلك فيعطيه ورقة لأن ذلك لم يكن لاناس مخصوصة أو عدد مقدر بل بتحكماتهم والزم بعضهم البعض فيفرض رئيس الحرفة على أشخاص أهلها فرائض ودراهم يجمعها منهم وينفقها على العربة وما يلزمها من اخشاب وحبال وحمير أو خيل أو رجال يسحبونها وما يكتريه أو يستعيره لزينتها من المزركشات والمقصبات والطليعات وادوات الصنعة التي تتميز بها عن غيرها فتصير في الشكل كأنها حانوت والبائع جالس فيها كالحلواني وإمامه الأواني فيها أنواع الحلو والسكري وحوله أواني الملبس واقماع السكر معلقة حوله والشربات والشربتلي والعطار والحريري والعقاد البلدي والرومي والزيات والحداد والنجار والخياط والقزاز والحباك والنشار وهو ينشر الخشب بمنشاره المعلق والطحان والفران ومعه الفرن وهو يخبز فيه الفطاطري والجزار وحوله لحم الغنم ومثله جزار الجاموس والكبابجي والنيفاوي وقلاء الجبن والسمك والجيارين والجباسين بالبحر والثور يدور به وهو ماش بالعربة والبناء والمبلط والمبيض النحاس وللبناء والسمكري تتمته
إحدى وتسعون عربة وفيهم حتى المراكبي في قنجة كبيرة كامل العدة والقلوع تمشى على الأرض على العجل خلاف أربع عربات المختصة بالعروس فلما كان يوم الأربعاء سحبوا تلك العربات وانجروا بمواكبهم وطبولهم وزمورهم وإمام كل عربة أهل حرفتها وصناعتها مشاة خلف الطبول والزمور وهم مزينون بالملابس وملابسهم الفاخرة وأكثرها مستعارة فكانوا ينزلون إلى البركة من ناحية باب الهواء ويمرون من تحت بيت الباشا إلى ناحية رصيف الخشاب ويأتي كبير الحرفة بورقته إلى المتعين لملاقاتهم فينعم عليه بخلعة ودراهم فيعطى البعض شال كشميري والفين فضة والبعض طاقة تفصيلة قطني أو أربعة اذرع جوخ على قدر مقام الصنعة وأهلها واستمر مرورهم من أول النهار إلى بعد الغروب واصطفوا بأسرهم عند رصيف الخشاب ولما أصبح يوم الخميس رتبوا مرور الزفة وعين لترتيبها أشخاصا ومنهم السيد محمد درب الشمسي وهو كبير المنظمين وكان خروجها من بيت الحريم وهو الذي كان سكن الشيخ خليل البكري وذهبوا وانجروا على طريق الموسكي على تحت الربع إلى باب زويلة إلى الغورية إلى بين القصرين إلى سوق مرجوش إلى باب الحديد إلى بولاق إلى سراية إسماعيل باشا التي جددوها قبلي بولاق قريبا من الشون فلم تصل إلى منزلها إلا عند الغروب وكان أول الزفة طائفة من العسكر الدلاة ثم والي الشرطة ثم المحتسب ثم موكب آغات الينكجرية وبعدهم المساخر والنقاقير وعدتها عشرة نقاقير وعلى كل نقارة تفصيلة ثم العربات المذكورة وفيها أيضا تجار الغورية وطائفة تجار خان الخليلي في موكب حفل وتجار الحمزاوي من نصارى الشوام وغيرهم وكان يوما مشهودا اجتمعت فيه الخلائق للفرجة في طرقها حتى طريق بولاق واكترى الناس الأماكن المطلة على الشارع والحوانيت بأغلى الأثمان ولما وصلت العروس إلى قصرها ضربوا عدة مدافع من بولاق والازبكية والجيزة وكان العزم على المهم الثاني والابتداء فيه من يوم السبت الذي بعد الجمعة فرسموا
بتأخير إلى الجمعة الأخرى لتأخر أم العريس ومن يصحبها من النساء واقمن ببولاق تلك الجمعة واستمرت قصبة الصواري والحبال والالات على حالها بالازبكية.
وفي يوم الأحد سابع عشره وصل السيد غالب شريف مكة إلى مصر القديمة وقد اتت به السفينة من القلزم إلى مرساة ثغر القصير فتلقاه إبراهيم باشا وحضر صحبته إلى قنا وقوص ثم ركب النيل بمن معه من أولاده وعبيده والعسكر الواصلين صحبته وحضر إلى مصر القديمة فلما وصل الخبر إلى كتخدا بك ضربوا عدة مدافع من القلعة اعلاما بوصوله واكراما على حد قوله تعالى دق انك أنت العزيز الكريم وركب صالح بك السلحدار وأحمد أغا اخو كتخدا بك في طائفة لملاقاته واحضاره وهيؤا له مكانا بمنزل أحمد أغا اخي كتخدا بك بعطفة ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه وانتظره الكتخدا بك بعطفه ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه وانتظره الكتخدا هناك وصحبته بونابارته الخازندار ومحمود بك ومحو بك وإبراهيم أغا آغات الباب والسيد محمد المحروقي فلما وصل إلى الدار نزل الكتخدا والجماعة ولا قو عند سلم الركوبة وقبلوا يده ولزم الكتخدا بيده تحت ابطه حتى صعد إلى محل الجلوس الذي اعدوه له واستمر الكتخدا قائما على قدميه حتى اذن له في الجلوس هو وباقي الجماعة وعرفه الكتخدا عن السيد محمد المحروقي فتقدم وقبل يده فقام له وسلم عليه وجلس بحذاء الكتخدا ليترجم عنه في الكلام ويؤانسوه ويطمنوا خاطره ثم أن الكتخدا اعتذر له باشتغاله بأحوال الدولة وأستاذنه في الذهاب إلى ديوانه وعرفه أن اخاه ينوب عنه في الخدمة ولوازمه فقبل عذره وقام منصرفا هو وباقي الجماعة ما عدا السيد محمد المحروقي ومحمود بك فإن الكتخدا امرهما بالتخلف عنده ساعة فجلسا معه وتغديا صحبته ومعه أولاده الثلاثة وعبيد ثم انصرفا إلى منزلهما ولم يأذن الكتخدا لاحد من الأشياخ أو غيرهم من التجار بالسلام عليه والاجتماع به والذي بلغنا في كيفية القبض عليه أنه لما ذهب الباشا إلى مكة واستمر هو وابنه
طوسون باشا مع الشريف غالب على المصادقة والمسالمة والمصافاة وجدد معه العهود والإيمان في جوف الكعبة بأن لا يخون أحد صاحبه وكان الباشا يذهب إليه في قلة وهو الآخر ياتي إليه والى ابنه كذلك واستمروا على ذلك خمسة عشر يوما من ذي القعدة دعاه طوسون باشا إليه فأتى إليه كعادته في قلة فوجد بالدار عساكر كثيرة فعند ما استقر به المجلس وصل عابدين بك في عدة وافرة وطلع إلى المجلس فدنا منه وأخذ الجنبية من حزامه وقال له: أنت مطلوب للدولة فقال: سمعا وطاعة ولكن حتى اقضى اشغالي في ظرف ثلاثة أيام واتوجه فقال: لا سبيل إلى ذلك والسفينة حاضرة في انتظارك فحصل في جماعة الشريف وعبيده رجة وصعدوا على ابراج سرايته وأرادوا الحرب فأرسل إليهم الباشا يقول لهم: إن وقع منكم حرب احرقت البلدة وقتلت أستاذكم وأرسل لهم أيضا الشريف يكفهم عن ذلك وكان بها أولاده الثلاثة فحضر إليهم الشيخ أحمد تركي وهو من خواص الشريف وخدمهم وقال لهم: لم يكن هناك باس وإنما والدكم مطلوب في مشاورة مع الدولة ويعود بالسلامة وحضرة الباشا يريد أن يقلد كبيركم نيابة عن أبيه إلى حين رجوعه ولم يزل حتى انخدع كبيرهم لكلامه وقاموا معه فذهب بهم إلى محل خلاف الذي به والدهم محتفظا بهم وفي الوقت أحضر الباشا الشريف يحيى بن سرور وهو ابن اخي الشريف غالب وخلع عليه وقلده إمارة مكة ونودي في البلدة بإسمه وعزل الشريف غالبا حسب الأوامر السلطانية واستمر الشريف غالب أربعة أيام عند طوسون باشا ثم اركبوه وأصحبوا معه عدة من العسكر وذهبوا به وبأولاده إلى بندر جدة وانزلوهم السفينة وساروا بها من ناحية القصير من صعيد مصر وحضر كما ذكر.
وفي يوم الأربعاء وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده مثالان فعمل كتخدا بك ديوانا في صبيحة يوم الخميس حادي عشرينه وقرئ ذلك وهما مثالان يتضمن احدهما التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر على
السنة الجديدة والثاني الأخبار والبشارة باستيلاء العثمانيين على بلاد الصرب ولما فرغوا من قراءتها ضربوا عدة مدافع من القعلة وفي عصرية ذلك اليوم حضر حريم الباشا من بولاق إلى الازبكية في عربات فضربوا لحضورهن مدافع من الازبكية وشرعوا في عمل المهم الثاني لابنة الباشا على الدفتردار وافتتحوا ذلك من ليلة السبت على النسق المتقدم وعملوا العزائم والولائم واحتفلوا زيد من المهم الأول وأحضروا الشريف غالبا واعدوا له مكانا ببيت الشرايبي على حدته هو وأولاده ليتفرجوا على الملاعيب والبهلوانات نهارا والشنك والحراقات ليلا وعلى الشريف وأولاده الحرس ولايجتمع بهم أحد على الوجه والصورة التي كانوا عليها بالمنزل الذي نزلوا فيه فلما كان في يوم الأربعاء اجتمع أرباب العربات وأصحابها وقد زادوا عن الأولى خمسة عشر عربة وفيهم معمل الزجاج وباتوا بنواحي البركة على النسق المتقدم ونصبوا لهم خياما تقيهم من البرد والمطر لأن الوقت شات ولما أصبح يوم الخميس انجرت العربات وموكب الزفة من ناحية باب الهواء على قنطرة الموسكي على باب الخرق على درب الجماميز وعطفوا من الصليبة على المظفر على السروجية على قصبة رضوان بك على باب زويلة على شارع الغورية على الجمالية على سوق مرجوش على بين السورين على لازبكية على باب الهواء إلى المنزل الذي اعدوه لها وهو بيت ابنة إسمعيل بك وهي بنت إبراهيم بك وكانت متزوجة بإسمعيل بك ولما مات تزوج بها مملوكه محمد أغا ويعرف بالالفي وقد تولى اغاوية مستحفظان في هذه الدولة واعتنى بهذه الدار وعمر بها مكانين بداخل الحريم وزخرفها ونقشها نقشا بديعا صناعة صناع العجم واستمروا في نقشها سنتين ولما ماتت المذكورة في أوائل هذه السنة واستمر هو ساكنا فيها وانزل الباشا عنده القاضي المنفصل عن قضاء مصر المعروف ببهجة أفندي وقاضي مكة صادق أفندي حين حضر من إسلامبول ثم أمره الباشا بالخروج منها واخلائها لأجل أن يسكن بها ابنته هذه المزفوفة.
فخرج منها في أوائل شوال وكذلك سافر القاضيان إلى الحجاز بصحبة الباشا وعند ذلك بيضوها وزادوا في زخرفتها وفرشوها بأنواع الفرش الفاخرة ونقلوا إليها جهاز العروس والصناديق وما قدم إليها من الهدايا والامتعه والجواهر والتحف من الأعيان وحريماتهم حتى من نساء الأمراء المصريين المنكوبين وقد تكلفوا فوق طاقتهم وباعوا واستدانوا وغرموا في النقوط والتقادم والهدايا في هذين المهمين ما أصبحوا به مجردين ومديونين وكان إذا قدمت إحدى المشهورات منهن هديتها عرضوها على أم العروسين التي هي زوجة الباشا فقلبت ما فيها من المصاغ المجوهر والمقصبات وغيرها فإن اعجبتها تركتها وإلا امرت بردها قائلة هذا مقام فلانة التي كانت بنت أمير مصر أو زوجة فتتكلف المسكينة للزيادة ونحو ذلك مع ما يلحقها من كسر الخاطر وانكساف البال ثم ادخلوا العروس إلى تلك الدار عندما وصلت بالزفة.
ومما حصل أنه قبل مرور موكب الزفة بيومين طاف أصحاب الشرطة ومعهم رجال وبأيديهم مقياس فكلما مروا بناحة أو طريق يضيق عن القياس هدموا ما عارضهم من مساطب الدكاكين أو غيرها من الجهتين لاتساع الطريق لمرور العربات والملاعيب وغيرها فأتلفوا كثير من الابنية ونودي في يوم الأربعاء بزينة الحوانيت والطرق التي تمر عليها الزفة بالعروس.
ومما حصل من الحوادث السماوية أن في يوم الخميس المذكور عندما توسطت الزفة في مرورها بوسط المدينة اطبق الجو بالغيام وامطرت السماء مطرا غزيرا حتى تبحرت الطرق وتوحلت الأرض وابتلت الخلائق من النساء والرجال المجتمعين للفرجة وخصوصا الكائنين بالسقائف وفوق الحوانيت والمساطب وأما المتعينون للمشي في الموكب ولابد الذين لامفر لهم من ذلك ولا مهرب فاختل نظامهم وابتلت ثيابهم وتكدرت طباعهم وانتقضت اوضاعهم وزادت وساوسهم وتلفت ملابسهم وهطل الغيث على الابريسم والحرير والشالات الكرخانة والسليمي والكشمير
وما زينت بها العربات من أنواع المزركش والمقصبات ونفذت على من بداخلها من القيان والاغاني الحسان وكثير من الناس وقع بعدما تزحلق وصار نوبة بالوحل ابلق ومنهم من ترك الزفة وولى هاربا في عطفة يمسح بيده في الحيط بما تلطخ بها من الرطريط وتعارجت الحمير وتعثرت البياجير وانهدم تنور الزجاج ولم ينفع به العلاج وتلف للناس شئ كثير ولايدفع قضاء الله حيلة ولاتدبير ولم تصل العروس إلى دارها إلا قبيل دنو الشمس من غروبها وعند ذلك انجلى الجو وانكشفت بيوت النور ووافق ذلك اليوم ثالث عشر طوبة من شهور القبط المحسوبة وحصل بذلك الغيث العميم النفع لمزارع الغلة والبرسيم.
وفيه وردت مكاتبات من العقبة فيها الأخبار بوصول قافلة الحج صحبة المحمل وأميرها مصطفى بك دالي باشا.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرينه وصل كثير من الحجاج الاتراك وغيرهم وردوا في البحر إلى بندر السويس ووصل تابع قهوجي باشا وأخبر عنه أنه فارق مخدومه من العقبة ونزل في مركب مع أم عابدين بك وحضر إلى السويس.
واستهل شهر صفر بيوم الأحد سنة 1229
مما وقع في ذلك اليوم من الحوادث أن صناع البارود الكائنين بباب اللوق حملوا نحو عشرة حمال من الجمال اوعية ملانه بارودا وهي الظروف المصنوعة من الجلود التي تسمى البطط يريدون بها القلعة فمروا من باب الخرق إلى ناحية تحت الربع فلما وصلوا تجاه معمل الشمع وبصحبة الجمال شخص عسكري فتشاجر مع الجمال ورد عليه القول فحنق منه فضربه بفرد الطبنجة فأصابت إحدى البطط فالتهبت بالنار وسرت إلى باقي لاحمال فالتهب الجميع وصعد إلى عنان السماء فاحترقت السقيفة المطلة على الشارع وما بناحيتها من البيوت والذمم اسفلها من الحوانيت وكذلك من صادف مروره في ذلك الوقت واحترق ذلك العسكري
والجمال فيمن احترق واتفق مرور امرأة من النساء المحتشمات مع رفيقتها فاحترقت ثيابها مع رفيقتها وذهبت تجري والنار ترعى فيها وكانت دارها بالقرب من تلك الناحية فما وصلت إلى الدار حتى احترق ما عليها من الثياب واحترق أكثر جسدها ووصلت الأخرى بعدها وهي محترقة وعريانة فماتت من ليلتها ولحقتها الأخرى في صحوة اليوم الثاني ومات في هذه الحادثة أكثر من المائة نفس من رجال ونساء وأطفال وصبيان وأما الجمال فأخذوها إلى بيت أبي الشوارب وهي سود محترقة الجلود وفيها من خرجت عينه فاما يعالجوها أو ينحروها وكل هذه الذي حصل من الحرق والموت والهدم في طرفة عين.
وفي الإثنين وصل مصطفى بك أمير ركب الحجاج إلى مصر وترك الحجاج بالدار الحمراء فبات في داره وأصبح عائدا إلى البركة فدخل مع المحمل يوم الأربعاء ودخل الحجاج واتبعهم بحيث أنه أخذ المسافة في أحد وعشرين يوما وسبب حضور المذكور أنه ذهب بعساكره وعساكر الشريف من الطائف إلى ناحية تربة والمتأمر عليها امرأة فحاربتهم وانهزم منها شر هزيمة فحنق عليه الباشا وأمره بالذهاب إلى مصر مع المحمل.
وفيه أرسل الباشا يستدعي اثنتين أو ثلاثة عينهن من محاظيه وصحبتهن خمسة من الجواري السود الاسطاوات في الطبخ وعمل أنواع الفطور فأرسلوهن في ذلك اليوم إلى السويس وصحبتهن نفيسة القهرمانة وهي من جواريه أيضا وكانت زوجا لقاضي اوغلى المحتسب الذي مات بالحجاز في العام الماضي.
وفيه أيضا وصل حريم الشريف غالب فعينوا له دارا يسكنها مع حريمه جهة سويفة العزى فسكنها ومعه أولاده وعليهم المحافظون واستولى الباشا على موجودات الشريف غالب من نقود وامتعة وودائع ومخبات وشرك وتجارات وبن وبهار ونقود بمكة وجدة والهند واليمن شئ
لا يعلم قدره إلا الله واخرجوا حريمه وجواريه من سرايته بما عليهن من الثياب بعد ما فتشوهن تفتيشا فاحشا وهتك حرمته قل الهم مالك الملك هذا الشريف غالب انتزع من مملكته وخرج من دولته وسيادته وأمواله وذخائر وانسل من ذلك كله كالشعرة من العجين حتى أنه لما ركب وخرج مع العسكر وهم متوجهون به إلى جدة أخذوا مافي جيوبه فليعتبر من يعتبر وكل الذي وقع له وما سيقع له بعد من التغريب وغيره فيما جناه من الظلم ومخالفة الشريعة والطمع في الدنيا وتحصيلها بأي طريق نسأل الله السلامة وحسن العاقبة.
وفي يوم الخميس خامسه طاف الاغا أيضا بأسواق المدينة وإمامه المناداة على أبواب الخانات والوكائل من التجار بأنهم لا يتعاملون في بيع البن والبهار إلا بحساب الريال المتعارف في معاملة الناس وهو الذي يصرف تسعين نصفا لأن باعة البن لا يسمون في بيعه إلا الفرانسة ولا يقبضون في ثمنه إلا إياها بأعيانها ولايقبلون خلافها من جنس المعاملات فيحصل بذلك تعب للمتسببين الفقراء والقطاعين ومن يشتري بالقنطار أو دونه فبهذه المناداة يدفع المشتري مايشاء من جنس المعاملات قروشا أو ذهبا أو فرانسة أو أي صنف من المعاملات ويحسبه المعاملة والريال المعروف بين الناس الذي صرفه تسعون نصفا فضة وإذا سمى سعر القنطار فلا يسمى إلا بهذا الريال وهذه المناداة بإشارة السيد محمد المحروقي بسبب ما كان يقع من تعطيل الأسباب.
وفيه سافر محمود بك وصحبته المعلم غالي للكشف عن قياس الأراضي البحرية التي نزل إليها القياسون بصحبة مباشريهم من النصارى والمسلمين من وقت انحسار الماء عن الأراضي وانتشروا بالاقاليم البحرية وهم يقيسون بقصبة تنقص عن القصبة القديمة.
وفي يوم الإثنين تاسعه وصل حريم الشريف غالب من السويس فأنزلوهن ببيت السيد محمد المحروقي وعدتهن خمسة إحداهن جارية
بيضاء والأربعة حبشيات ومعهن جواري سود وطواشية وحضر إليهم سيدهم وصحبته أحمد أغا اخو كتخدا بك وصحبتهم نحو العشرين نفرا من العسكر واستمر الجميع مقيمين بمنزل المذكور وهو يدري عليهم النفقات اللائقة بهم والمصاريف وفصل لهم كساوي من مقصبات وكشمير وتفاصيل هندسة.
وفي يوم السبت رابع عشره خرج محو بك إلى ناحية الاثار بعساكره ليسافر من ساحل القصير إلى الحجاز باستدعاء الباشا فاستمر مقيما هناك عدة أيام لمخالفة الريح وارتحل في أواخره وفي أوائل هذا الشهر بل والذي قبله وعملوا كورنتينة في اسكندرية ودمياط فيه رجع محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما.
واستهل شهر ربيع الاول 1229
وفيه انتقل الشريف غالب بعياله من بيت السيد محمد المحروقي إلى المنزل الذي اعدوه له وهو بيت لطيف باشا بسويقة العزى بعد ما أصلحوه وبيضوه واسكنوه به وعليه اليسق والعسكر الملازمون لبابه.
وفيه ابرز كتخدا بك فرمانا وصل إليه من الباشا يتضمن ضبط جميع الالتزام لطرف الباشا ورفع أيدي المتزمين عن التصرف بل الملتزم يأخذ فائظه من الخزينة فلما اشيع ذلك ضج الناس وكثر فيهم اللغط واجتمعوا على المشايخ فطلعوا إلى كتخدا بك وسألوه فقال: نعم ورد من افندينا أمر ذلك ولايمكنني مخالفته فقالوا له: كيف تقطعون معايش الناس وأرزاقهم وفيهم ارامل وعواجز وللواحدة قيراط أو نصف قيراط يتعيشن من ايراده فينقطع عنهن فقال: يأخذن الفائظ من الخزينة العامرة عرضحال وننتظر الجواب فأجابهم إلى ذلك من باب المسايرة وفك المجلس وشرع الشيخ المهدي في ترصيف العرضحال فكتبوه وختموا عليه بعد امتناع البعض الذي ليس له التزام وكثر اللغط فيهم بسبب ذلك.
وفي خامسه حضر جمع كثير من النساء الملتزمات إلى الجامع الأزهر وصرخوا في وجوه الفقهاء وابطلوا الدروس وبددوا محافظهم وأوراقهم فتفرقوا وذهبوا إلى دورهم وكان قد اجتمع معهم الكثير من العامة واستمروا في هرج إلى بعد العصر ثم جاءهم من يقول لهم كلاما كذبا سكن به حدتهم فانفض الجمع وذهب النساء وهن يقلن نأتي في كل يوم على هذا المنوال حتى يفرجوا لنا عن حصصنا ومعايشنا وأرزاقنا وفي ظن الناس وغفلتهم أن في الاناء بقية أوانهم يدفعون الرزية وما علموا أن البساط قد انطوى وكل قد ضل واضل وغوى ومال عن الصراط واتبع الهوى وكلب الجور قد كشر انيابه وعوى ولم يجد له طاردا ولا معارضا ولا معاندا ولما وصل الخبر إلى كتخدا بك طلب بعض المشايخ وقال له: ما خبر هذه الجمعية بالأزهر فقال له: بسبب ما بلغهم عن قطع معاشهم وإنما أنتم الذين تسلطونهم على هذه الفعال لاغراضكم ولابد إني استخبر على من غراهم واخرج من حقه وطلبه علي أغا الوالي وقال له: أخبرني عن هؤلاء النساء من أي البيوت فقال: وما علمي ومن يميزهن وغالبهن وأكثرهن نساء العساكر ولا قدرة لي على منعهن وانفض المجلس وبردت همتهم وانكمشوا وشرعوا في تنفيذ ما امروا به وترتيبه وتنظيمه.
وفيه حضر محمود بك والمعلم غالي فأقاما أياما وسافرا في ثالث عشره.
وفيه أحضروا حسن أغا محرم المعروف بنجائي من إقليم المنوفيه وهو مريض وتوفي في ثاني يوم ودفن.
وفي خامس عشره مر الاغا والوالي واغات التبديل وهم يأمرون الناس بكنس الأسواق ورشها حالا في ذلك الوقت من غير تأخير فابتدر الناس ونزلوا من حوانيتهم وبأيديهم المكانس يكنسون بها تحت حوانيتهم ثم يرشونها.
وفي تاسع عشره حضر الشريف عبد الله ابن الشريف سرور ارسله الباشا إلى مصر من ناحية القصير منفيا من أرض الحجاز فأنزلوه بمنزل
أحمد أغا كتخدا بك محجورا عليه ولم يجتمع بعمه ولم يره.
وفيه كثر الطلب للريال الفرانسه بسبب احتياج دار الضرب وما يرسل إلى الباشا من ذلك والزموا التجار باحضار جملة من ذلك ويأخذون بدلها قروشا فوزعوا مقادير على افرادهم بما يحتمله وجمعوا ماقدروا عليه منها.
وفيه شنق شخص يسمى صالحا عند باب زويلة واستمر معلقا يومين وسبب ذلك أنه يدعي الجذب والولاية وتزوج امرأة وأخذ متاعها ومالها وحصل لها خلل في عقلها فأنهوا أمره إلى كتخدا بك فامر بحبسه واستخلصوا منه جانبا مما أخذه من متاع المرأة وكثر كلام الناس في حقه فامر الكتخدا بشنقه.
وفي أواخره حضر إبراهيم بك ابن الباشا من الجهة القبلية ونزل بالبيت الذي اشتراه بنحاية الجمالية بدرب المسمط وهو بيت أحمد بن محرم.
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأربعاء سنة 1229
وفي ليلة الإثنين سادسه حضر ميمش أغا من ناحية الحجاز مرسلا من عند الباشا بأستعمال حسن باشا للحضور إلى الحجاز وكان قبل ذلك بأيام أرسل يطلب سبعة الاف عسكري وسبعة الاف كيس فشرع كتخدا بك في استكتاب أشخاص من اخلاط العالم ما بين مغاربة وصعايدة وفلاحي القرى فكان كل من ضاق به الحال في معاشه يذهب ويعرض نفسه فيكتبونه وأن كان وجيها جعله اميرا على مائة أو مائتين ويعطيه اكياسا يفرقها في انفاره ويشتري فرسا وسلاحا ويتقلد بسيف وطبنجات وكذلك انفاره ويلبسون قناطيش ولباسا مثل لبس العسكر ويعبى له وزنه بارود تحت ابطه ويأخذ على كتفه بندقية ويمشون إمام كبيرهم مثل الموكب وفيهم أشخاص من الغعلة الذين يستعملون في شيل التراب والطين في العمائر وبرابرة وأرسل الكتخدا إلى الفيوم وغيرها بطلب
رجال من أمثال ذلك وجمعوا الكثير من أرباب الصنائع مثل الخبازين والفرانين والنجارين والحدادين والبيطارة وغيرهم من أرباب الصنائع ويسحبونهم قهرا فأغلق الفرانون مخابزهم وتعطل خبيز خبز الناس أياما.
وفيه ورد الطلب لحسن باشا فشرع في تشهيل أحواله ولوازم سفر ثم حضر ميمش أغا باستعجاله واستعجال المطلوبات من الأموال وغيرها.
وفيه قبضوا على اليهود الموردين الذين يوردون الذهب والفضة لدار الضرب بسبب احضار الفرانسة وقد قلت بأيدي الناس جد الكثير أخذها والطلب لها وانقطاع مجيئها من بلادها فحبسوهم وضربوهم وانزلوا في اسوا حال متحيرين وذلك أن راتب الضربخانة سبعة ألاف في كل يوم عنها ثلاثة وستون ألف درهم وقدرها ثلاث مرات من النحاس يضربون ذلك قروشا حتى بلغ سعر النحاس القراضة مائة وعشرين نصفا فضة.
وفي تاسعه حضر محمود بك الدويدار والمعلم غالي من سرحتهما إلى مصروهما المتأمران على مباشرة قياس الأراضي وتشهيل المال المفروض وسبب حضورهما أن إبراهيم باشا أرسل بطلبهما للحضور ليتشاور معهما في أمر فاقاما أربعة أيام وعادا راجعين إلى شغلهما.
وفي منتصفه سافر إبراهيم باشا عائدا إلى اسيوط وذهب صحبته اخوه إسمعيل باشا والبيكات الصغار خوفا وهروبا من الطاعون.
وفيه كمل تعمير الجامع الذي عمره دبوس اوغلي الذي بقرب داره التي بفيط العدة وهو جامع جوهر العيني وكان قد تخرب فهدمه جميعه وانشأه وزخرفه ونقل لعمارته انقاضا كثيرة واخشابا ورخاما من بيت أبي الشوارب وعمل به منبرا بديع الصنعة واستخلص جهة أوقافه اطيانا وأماكن من واضعي اليد.
وفيه أرسلوا جملة اخشاب إلى حجاز مطلوبة إلى الباشا.
وفيه أيضا نادوا على سكان الجيزة بالخروج منها بعد عصر يوم
السبت ومن لا يريد الخروج فلا يخرج بعد ذلك ومن خرج فلا يدخل وامهلوهم إلى الغروب فخرجوا بأمتعتهم وأطفالهم وأولادهم وأوانيهم إلى خارج البلدة وبات الأكثر منهم تحت السماء لضيق الوقت على الرحيل إلى بلدة أخرى وخرج أيضا الكثير من عساكرهم واتباعهم ممن لا يريد المقام والحبس فكانوا كلما وجدوا من حمل متاعه من أهل البلدة على حمار ليذهب إلى جهة يستقر بها رموا به إلى الأرض وأخذوا الحمار وحصل لأهل الجيزة في تلك الليلة ما لا مزيد عليه من الكر ب والجلاء عن اوطانهم وكل ذلك مجرد وهم مع قلة وجود الطعن إلا النزر السير.
وفي ثالث عشرينه سافرت خزينة المال المطلوبة إلى الباشا إلى جهة السويس وأصبحوا معها عدة كبيرة من عسكر الدلاة لخفارتها وقدرها الفان وخمسمائة كيس جميعها قروش.
شهر جمادي الأولى سنة 1229
استهل بيوم الجمعة في ثالثه خرج حسن باشا بعساكره ونزل بعساكره ونزل بوطاقه وخيامه التي نصبت له بالعادلية قبل خروجه بيومين.
وفي رابعه وصلت هجانة من ناحية الحجاز بطلب حسين بك دالي باشا واخشاب واحتياجات وجمال والذي أخبر به المخبرون عن الباشا وعساكره وأن طوسون باشا وعابدين ركبوا بعساكرهم على ناحية تربة التي بها المرأة التي يقال لها: غالية فوقعت بينهم حروب ثمانية أيام ثم رجعوا منهزمين ولم يظفروا بطائل ولأن العربان نفرت طباعهم من الباشا لما حصل منه في حق الشريف من القبض عليه وهاجر الكثير من الاشراف وانضموا إلى الاخصام وتفرقوا في النواحي ومنهم شخص يقال له الشريف: راجح فأتى من خلف العسكر وقت قيام الحرب وحاربهم ونهب الذخيرة والاحمال وقطع عنهم المدد وأخبروا أن الجمال قل وجودها عند الباشا ويشتريها من العربان المسالمين له بأغلى ثمن وأخبروا أيضا أنه واقع بالحرمين غلاء شديد لقلة الجالب واحتكار الباشا للغلال الواصلة إليه
من مصر فيبيعه حتى على عسكره بأغلى ثمن مع التجبر على المسافرين والحجاج في استصحابهم شيئا من الحب والدقيق فيفتشون متاعهم في السويس ويأخذون ما يجدونه معهم مما يتزودون به في سفرهم من القمح أو الدقيق وما يكون معهم من الفرانسة لنفقتهم واعطوهم بدلها من القروش.
وفيه بلغ صرف الريال الفرانسة من الفضة العددية ثمانمائة وعشرين نصفا عنها ثمانية قروش والمشخص عشرون قرشا وقل وجود الفرانسة والمشخص والمحبوب المصري بأيدي الناس جدا ثم نودي على أن يصرف الريال بسبعة قروش والمشخص بستة عشر قرشا وشددوا في ذلك وعاقبوا من زاد على ذلك في قبض أثمان المبيعات واطلقوا في الناس جواسيس وعيونا فمن عثروا عليه في مبيع اوغيره أنه قبض بالزيادة أحاطوا به وأخذوه وعاقبوه بالحبس والضرب والتغريم وربما أرسلوا من طرفهم أشخاصا متنكرين ياتي احدهم للبائع فيساومه السلعة كانه مشتر ويدفع له في صمن الثمن ريالا أو مشخصا ويحسبه بحسابه الأول ويناكره في ذلك فربما تجاز البائع خوفا من بوار سلعته وخصوصا إذا كانت البيعة رابحة أو بيعة استفتاح على زعم الباعة وقلة الزبون بسبب وقف حال الناس أو افلاسهم فما هو إلا أن يتباعد عنه يسيرا فما يشعر إلا وهو بين يدي الاعوان ويلاقي وعده.
وفي منتصفه وصلت قافلة من السويس وفيها جملة من العسكر المتمرضين ونحو العشرة من كبارهم نفاهم الباشا إلى مصر وفيهم حجوا اوغلى ودالي حسن وعلي اغادرمنلي وترجوا وحسن أغا ازرجنلي ومصطفى ميسوا وأحمد أغا قنبور.
وليه أيضا خرج عسكر المغاربة ومن معهم من الاجناس المختلفه إلى مصر العتيقة ليذهبوا من ناحية القصير إلى الحجاز وأما محو بك فإنه لم يزل بقنا القلة! المراكب بالقصير التي تحملهم إلى الحجاز.
وفي سادس عشره وصلت قافلة وفيها انفار من أهل مكة والمدينة وسفار وبضائع تجارة بن واقمشة وبياض شئ كثير وقد اتت إلى جدة من تجارات الشريف غالب ولم يبلغهم خبر الشريف غالب وما حصل له فلما حضر وضع الباشا يده عليه جميعه وأرسل إلى مصر فتولى ذلك السيد محمد المحروقي ورقها على التجارة بالثمن الذي قدره عليهم والزمهم أن لا يدفعوه إلا فرانسة.
وفي هذا الشهر وصل الخبر بموت الشيخ مسعود كبير الوهابية وتولى مكانه ابنه عبد الله.
وفيه خرج طائفة الكتبة والاقباط والروزنامجي والجاجرتية وذهب الجميع إلى جزيرة شلقان ليحرروا دفاتر على الروك الذي راكوه من قياس الأراضي زيادة الاطيان وجفل الكثير من الفلاحين وأهالي الارياف وتركوا اوطانهم وزرعهم وهالهم هذا الواقع لكونهم لم يعتادوه ويألفوه وباعوا مواشيهم ودفعوا أثمانها في الذي طلع عليهم في الزيادات الهائلة وسيعودون مثل الكلاب ويعتادون سلخ الارهاب وأما الملتزمون فبقوا حيارى باهتين وارتفع أيدي تصرفهم في حصصهم ولايدرون عاقبة امرهم منتظرين رحمة ربهم وأن وقت الحصاد وهم ممنوعون عن ضم زرع وسياهم إلى أن اذان لهم الكتخدا بذلك وكتب لهم أوراقا وتوجهوا بأنفهسم أو بمن ينوب عن مخدومه وأراد ضم زرعه ولم يجد من يطيعه بهم وتطاولوا عليهم بالالسنة فيقول الحرفوش منهم: إذا دعى للشغل بأجرته روح انظر غيري أنا مشغول في شغلي أنتم ايش بقالكم في البلاد قد انقضت أيامكم احنا صرنا فلاحين الباشا وقد كانوا مع الملتزمين اذل من العبيد المشترى فربما أن العبد يهرب من سيده إذا كلفه فوق طاقته أو اهانه بالضرب وأما الفلاح فلا يمكنه ولايسهل به أن يترك وطنه وأولاده وعياله ويهرب وإذا هرب إلى بلدة أخرى واستعلم أستاذه مكانه أحضره قهرا وازادا ذلا ومقتا واهانة وكان من طرائفهم أنه إذا أن وقت الحصاد والتحضير طلب الملتزم أوقائم مقامه الفلاحين فينادي عليهم
الغفير امس اليوم المطلوبين في صبحه بالتبكير إلى شغل اللمتزم فمن تخلف لعذر أحضره الغفير أو المشد وسحبه من شنبه واشبعه سبا وشتما وضربا وهو المسمى عندهم بالعونة والسخرة واعتادوا ذلك بل يرونه من اللازم الواجب وهذا خلاف ما يلقونه من الاذلال والتحكم من مشايخهم والشاهد والنصراني الصراف وهو العمدة والعهدة خصوصا عند قبض المال فيغالطهم ويناكرهم وهم له اطوع من أستاذهم وأمره نافذ فيهم فيأمر قائمقام بحبس من شاء اوضربه محتجا عليهم ببواقي لا يدفعها وإذا غلق احدهم ماعليه من المال الذي وجب عليه في قائمة المصروف وطلب من المعلم ورده وهي ورقه الغلاق وعده لوقت آخر حتى يحرر حسابه فلا يقدر الفلاح على مرادته خوفا منه فإذا سأله من بعد ذلك قال له: بقي عليك جبتان من فدان أو خروبتان أو نحو ذلك ولايعطيه ورقة الغلاق حتى يستوفي منه قدر المال أو يصانعه بالهدية والرشوة وغير ذلك أمور واحكام خارجة عن إدراك البهيمية فضلا عن البشرية كالشكاوي ونحوها وذلك كما إذا تشاجر احدهم مع آخر على أمر جزئي بادر احدهم الحضور إلى الملتزم وتمثل بين يديه قائلا اشكو إليه فلانا بمائة ريال مثلا فبمجرد قوله ذاك يأمر بكتابة ورقة خطابا إلى قائمقام أو المشايخ بأحضار ذلك الرجل المشتكي واستخلاص القدر الذي ذكره الشاكي قليلا أو كثيرا أو حبسه وضربه حتى يدفع ذلك القدر ويرسل والورقة مع بعض اتباعه ويكتب بها مشها كراء طريقة قليلا أو كثير أو يسمونه حق الطريق فعند وصوله أول شئ يطالب به الرجل حق الطريق المعين ثم الشكوى فإن بادر ودفعها وإلا حبس أو حضر به المعين إلى بيت أستاذه فيوعده الحبس ويعاقبه بالضرب حتى يوفي القدر الذي تلفظ به الشاكي وأن تاخر عن حضوره المعين اردفه بآخر وحق طريق الاخر كذاك ويسمونها الاستعجالة وغير ذلك احكام وأمور غير معقولة المعنى قد ربوا عليها واعتادوا لا يرون فيها بأسا ولاعيبا وقد سلط الله على هؤلاء الفلاحين
بسوء افعالهم وعدم ديانتهم وخيانتهم واضرارهم لبعضهم البعض من لا يرحمهم ولايعفو عنهم كما قال: فيهم البدر الحجازي وسبعة بالفلح قد انزلت لما حووه من قبيح الفعال شيوخهم أستاذهم والمشد والقتل فيما بينهم والقتال مع النصارى كاشف الناحية وزد عليها كدهم في اشتغال وفقرهم ما بين عينيهم مع اسودادالوجه الوجه هذا النكال وإذا التزم بهم ذو رحمة إزدروة في أعينهم واستهانوا به وبخدمه وماطلوه في الخراج وسموه بأسماء النساء وتمنوا زوال التزامه بهم وولاية غيره من الجبارين الذين لا يخافون ربهم ولايرحمهم لينالوا بذلك اغراضهم بوصول الاذى لبعضهم وكذلك أشياخهم إذا لم يكن الملتزم ظالما يتمكنون هم أيضا من ظلم فلاحيهم لأنهم لهم يحصل له رواج لا بطلب الملتزم الزيادة والمغارم فيأخذون لأنفسهم في ضمنها ما احبوا وربما وزعوا خراج اطيانهم وزراعاتهم على الفلاحين وقد انحرم هذا الترتيب بما حدث في هذه الدولة من قياس الأراضي والفدن وما سيحدث بعد ذلك من الاحداثات التي تبدوا قرائنها شيئا بعد شئ.
وفي ثاني عشرينه برز حسن بك دالي باشا خيامه إلى خارج باب النصر وخرج هو في ثاني يوم في موكب ونزل بوطاقه ليتوجه إلى الحجاز على طريق البر.
وفي ليلة الأربعاء سابع عشرينه قبل الغروب بنحو نصف ساعة وصل جراد كثير مثل الغمام وصار يتساقط على الدور والاسطحة والازقة مثل الغمام وافسد كثيرا من الاشجار وانقطع أثره في ثاني يوم.
وفي يوم الإثنين عاشره ارتحل حسن باشا من ناحية الشيخ فمر إلى بركة الحج.
وفي منتصفه حضر الروزنامجي والافندية بعد أن استملى منهم القبط الدفاتر وأسماء الملتزمين ومقادير حصصهم ثم حضر محمود بك والمعلم غالي ومن معهم من الكتبة الاقباط وظهر للناس عند حضورهم نتيجة
ما صنعوه ونظموه ورتبوه من قياس الأراضي ورك البلاد وهو أن الأراضي زادت في القياس بالقصبة التي قاسوا بها وحدودها مقدار الثلث أو الربع حتى قاسوا الرزق الاحباسية بأسماء أصحابها ومزارعيها واطيان الوسايا على حدتها حتى الاجران وما لا يصلح للزراعة وما يصلح من البور الصالح وغير الصالح فلما تم ذلك حسبوها بزياداتها الافدنة ثم جعلوها ضرائب منها ضريبة خمسة عشر ريالا وأربعة عشر واثني عشر واحد عشر وعشرة مال الفدان بحسب جودة الإقليم والأرض فبلغ ذلك مبلغا عظيما بحيث أن البلدة التي كانت يفرض عليها في مغارم الفرض التي كانوا فرضوها قبل ذلك في سنيهم الماضية ويتشكي منها الفلاحون والملتزمون ويستغيثون ويبقى منها بواقي ويعجوزن عنها ألف ريال طلع عليها في هذه اللفة عشرة آلاف ريال إلى مائة ألف وأقل وأكثر وأحضر الكتخدا إبراهيم أغا الرزاز والشيخ أحمد يوسف وخلع عليهما خلعتين وجعلوا لهما ديوانا خاصا لمن يلتزم بالقدر الذي تحرر على حصته التي في تصرفه فيعطونه ورقة تصرف ويكتب على نفسه وثيقة بأجل معلوم يقوم بدفع ذلك ويتصرف في حصته بشرط أن لا يكون له إلا اطيان الاوسية أن ساء زرعها وأخذ غلتها وأن شاء اجرها لمن شاء وليس له من مال الخراج إلا المال الحر المعين بسند الديوان والمعروف بالتقسيط وما زاد في قياس الأرض من بين الفلاحة والاوسية فهو للميري قل أو أكثر وأما الرزق الاحباسية المرصدة على البر والصدقة ولاهل المساجد والاسبلة والمكاتب والخيرات فإنهم مسحوها بقايسهم فما وجدوه زائدا عن الحد الاصلي جعلوه للديوان وما بقى قيدوه وحروره بإسم واضع اليد عليها وإسم وافقها وزعها أو ما يمليه المزارع الحاضر وقت القياس وسؤال المباشرين وقرروا عليها المال مثل ضريبة البلد فإن اثبتها صاحبها وكان بيده سند جديد من أيام الوزير وشريف أفندي وما بعده على سبقه لوقت تاريخه قيدوا له نصف مال تآجرها والنصف الثاني الباقي للديوان ورسموا لكاتب الرزق أن
يعمل ديوانا لذلك ومعه عدة من الكتبة ويأتي إليه الناس بأوراق سنداتهم فمن وجد بيده سندا جديدا كتب له صورة قيد الكشف بموجب ما هو بدفتره في ورقة فيذهب بها إلى الديوان فيقيدون ذلك بعد البحث والتعنت من الطرفين ويقع الاشتباه الكثير في أسماء أربابها وأسماء حيضانها وغيطانها فيكلفون صاحب الحاجة بإثبات ما ادعاه ويكتب له أوراقا لمشايخ الناحية وقاضيها بإثبات ما يدعيه ويعود مسافرا ويقاسي ما يقاسيه من مشقة السفر والمصرف ومعاكسة المشايخ وقاضي الناحية ثم يعود إلى الديوان بالجواب ثم يمكن الاحتجاج عليه بحجة أخرى وربما كان سعيه وتعبه على فدان واحد أو أقل أو أكثر وازدحم الناس على بيت كاتب الرزق وانفتح له بذلك باب لأنه لا يكتب كشفا حتى يأخذ عليه دراهم تعينت على قدر الافدنة واضاع الكثير من الناس ما تلقوه عن اسلافهم وما كانوا يرتزقون منه واهملوا تجديد السندات واتكلوا على ما بأيديهم من السندات القديمة لجهلهم وظنهم انقضاء الأمر وعدم دوام الحال وتغير الدولة وعود النسق الأول أو لفقرهم وعدم قدرتهم على ما ابتدعوه من كثرة المصاريف التي تصرف على تجديد السند واشتغال ما الحماية التي قدرها شريف أفندي على أراضي الرزق عن كل فدان عشرة انصاف أو خمسة فكثير من الناس استعظم ذلك واعتمد على أوراقه القديمة فضاعت عليه رزقته وانحلت وأخذها الغير والذي لم يرض بالتوت بل ولاحصل حطبة رضي بالولاش وكان الشان في أمر الرزق أن أراضيها تزيد عن موقوع أراضي البلاد زيادة كثيرة وخراجها أقل من خراج أراضي البلاد الذي يقال له: المال الحر الاصلي وليس عليها مصاريف ولا مغارم ولا تكاليف فالمزارع من الفلاحين إذا كان تحت يده تآجر رزقه أو رزقتين فإنه يكون مغبوطا ومحسودا في أهل بلده ويدفع لصاحب الاصل القدر النزر والمزارع يتلقى ذلك سلفا عن خلف ولايقدر صاحب الاصل أن يزيد عليه زيادة وخصوصا إذا
كانت تحت يد بعض مشايخ البلاد فلا يقدر أحد أن يتعدى عليه من الفلاحين ويستأجرها من صاحبها وأن فعل لا يقدر على حمايتها والكثير من الرزق واسعة القياس جدا وما لها قليل جدا وخصوصا في الأراضي القبلية فإن غالبها رزق وشراوي ومتأخرات لم تمسح ولم يعلم لها فدادين ولا مقادير وقد تزيد أيضا بانحسار البحر عن سواحلها وكذلك في البلاد البحرية ولكن دون ذلك ومعظم أراضي الرزق القبلية مرصدة على جهات الاوقاف بمصر وغيرها والواضعون أيديهم عليها لا يدفعون لجهاتها ولا لمستحقيها إلا ما هو مرتب ومقرر من الزمن والأول السابق وهو شئ قليل وليتهم لو دفعوه فإن في أوقاف السلاطين المتقدمة القطمة من الأراضي التي عبرتها أكثر من ألف فدان وخراجها خمسون زكيبة والزكيبة خمس ويبات أو من الدراهم الفان فضة واقل وأكثر وهي تحت يد بعض كبراء البلاد يزرعها ويأخذ منها الالوف من الاردب من اجناس الغلال ويضمن ويبخل بدفع ذاك القدر اليسير لجهة وقفه ويكسر السنة على السنة فإن كانت يد صاحب الاصل قوية أو كان واضع اليد فيه خيرية وقليل ما هم دفع لأربابها ثمنها بعد أن يرد الخمسين إلى الأربعين بالتكسير والخلط ثم يبخس الثمن جدا فإن كان ثمن الاردب أربعمائة حسبه بأربعين نصفا أو أقل فيعود ثمن الخمسين زكيبة إلى ثمن زكيبتين وقس على ذلك والذي يكون تحت يده شئ من اطيان هذه الاوقاف ورثها من بعده ذريته فزرعوها وتقاسموها معتقدين ملكيتها تلقوها بالارث من مورثهم ولا يرون أن لأحد سواهم فيها حقا ولايهون بهم دفع شئ لأربابه ولو قل الاقهرا وبالجملة ما اصاب الناس إلا ما كسبت أيديهم ولا جنوا لا ثمرات اعمالهم وكان معظم ادارات دوائر عظماء النواحي وتوسعاتهم ومضايفهم من هذه الأرزاق التي تحت أيديهم بغير استحقاق إلى أن سلط الله عليهم من استحوذ على جميع ذلك وسلب عنهم ما كانوا فيه من النعمة وتشتتوا في النواحي وتغربوا عن أوطانهم وخربت دورهم
ومضايفهم وذهبت سيادتهم وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحدا وتسمع له ركزا وفي بعض أرزاق من مات أربابه وخربت جهاته ونسي أمره وبقي تحت يد من هو تحت يده من غير شئ أصلا وقد أخبرني بنحو ذلك شمس الدين ابن حمودة من مشايخ برما بالمنوفية عند ما أحضر إلى مصر في وقت هذا النظام أنه كان في حوزهم ألف فدان لاعلم للملتزم ولا غيره بها وذلك خلاف ما بأيديهم من الرزق التي يزرعونها بالمال اليسير وخلاف المرصد على مساجد بلادهم التي لم يبق لها أثر وكذلك الاسبلة وغيرها واطيانهم تحت أيديهم من غير شئ وخلاف فلاحتهم الظاهرة بالمال القليل لمصارف الحج لأنها كانت من جملة البلاد الموقوفة على مهمات أمير الحاج وقد انتسخ ذلك كله.
وفيه أخبر المخبرون أن مراكب الموسم وصلت في هذا العام إلى جدة وكان لها مدة سنين ممتنعة عن الوصول خوفا من جور الشريف وزواله وتملك الدولة البلاد وظنهم فيهم العدل فاطمأنوا وعبوا متاجرهم وحضروا إلى جدة فجمع الباشا مكوسهم فبلغت أربعة وعشرين لكاواللك الواحد مائة ألف فرانسة فيكون أربعة وعشرين مائة ألف فرانسة فقبضها منهم بضائع ونقودا وحسب البضائع بأبخس الأثمان ثم التفت إلى التجار الذين اشتروا البضائع وقال لهم: إني طلبت منكم مرارا أن تقرضوني المال فادعيتم الافلاس ولما حضر الموسم بادرتم يأخذه وظهرت أموالكم التي كنتم تبخلون بها فلا بد أن تقرضوني ثلثمائة ألف فرانسة فصالحوه على مائتي ألف دفعوها له نقودا وبضائع مشترواتهم حسبها لهم العشرة ستة ثم فرض على أهل المدينة ثلاثين ألف فرانسه.
واستهل شهر رجب سنة 1229.
في خامسه ضربوا عدة مدافع وأخبروا بوصول بشارة وأن عساكرهم حاربوا قنفدة واستولوا عليها ولم يجدوا بها غير أهلها.
وفي سادسه سار حسين بك دالي باشا بعساكره الخيالة برا.
وفيه عزم على السفر والد محرم بك زوج ابنة الباشا إلى بلاده وذلك
يعد عود من الحجاز فأرسلوا إلى الأعيان تنابيه بالأمر لهم بمهاداته ففعلوا وعبوا له بقجا وبناوازا واقمشة هندية محلاوية كل أمير على قدر مقامه.
وفي ليلة الادثنين تاسعه حصلت في وقت اذان العشاء زلزلة نحو دقيقتين وكان المؤذنون طلعوا على المنارات وشرعوا في الاذان فلما اهتزت بهم ظن كل من كان على منارة سقوطها فأسرعوا بالنزول فلما علموا أنها زلزلة طلعوا واعادوا الاذان وسقط من شرائف الجامع الأزهر شرافة وتحركت الأرض أيضا في خامس ساعة من الليل ولكن دون الأولى وكذلك وقت الشروق هزة لطيفة.
وفي حادي عشره هرب الشريف عبد الله ابن الشريف سرور في وقت الفجرية ولم يشعروا بهروبه إلا بعد الظهر فلما بلغ كتخدا بك الخبر فتكدر لذلك وأرسل إلى مشايخ الحارات وغيرهم وبث العربان في الجهات فلما كان ليلة السبت حضروا به وقت الغروب وقد حجزوه بحلوان واتوا به إلى بيت السيد محمد المحروقي فأخذه إلى كتخدا بك فأرسله إلى بيت أخيه أحمد أغا ومن ذلك الوقت ضيقوا عليه ومنعوه من الخروج والدخول بعد أن كان مطلق السراح يخرج من بيت أحمد أغا ويذهب إلى بيت عمه الشريف غالب ويعود وحده فعند ذلك ضيقوا عليه وعلى عمه أيضا.
وفي يوم الخميس تاسع عشره حضر المشايخ عند كتخدا بك وعاودوه في الحطاب فيما احدثوه على الرزق وعرفوه أنه يلزم من هذا الاحداث ابطال المساجد والشعائر فتنصل من ذلك وقال: هذا شئ لا علاقة لي فيه وهذا شئ أمر به افندينا ومحمود بك والمعلم غالي ثم كلموه أيضا في صرف الجامكية المعروفة بالسائرة والدعاجوي للفقراء والعامة فوعدهم بصرفها وقت ما يتحصل المال فإن الخزينة فارغة من المال.
وفي يوم السبت حضر محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما فذهب إليهم المشايخ في ثاني يوم ثم خاطبوهما بالكلام في شأن الرزق فأجابهم المعلم غالي بقوله يا اسيادنا هذا أمر مفروغ منه بأمر افندينا من عام أول
من قبل سفره فلا تتعبوا خاطركم واجب عليكم مساعدته خصوصا في خلاص كعبتكم ونبيكم من أيدي الخوارج فلم يردوا عليه جوابا وانصرفوا.
وفي يوم الأحد تاسع عشرينه حصل كسوف شمس وكان ابتداؤه بعد الشروق ومتداره قريبا من ثلثي الجرم وثم انجلاؤه في ثاني ساعة من النهار وكانت الشمس ببرج السرطان أربعا وعشرين درجة في حادي عشره ابيب القبطي.
وفيه وصلت القافلة من ناحية السويس وأخبر الواصلون عن واقعة قنفذة وما حصل بها بعد دخول العسكر إليها وذلك أنهم لما ركبوا عليها برا وبحرا وكبيرهم محمود بك وزعيم اوغلي وشريف أغا فوجدوها خالية فطلعوا إليها وملكوها من غير مدافع ولا مدجافع وليس بها غير أهلها وهم اناس ضعاف فقتلوهم وقطعوا اذانهم وارسلوها إلى مصر ليرسلوها إلى إسلامبول وعندما علم العربان بمجئ الاتراك خلوا منها ويقال لهم: عرب العسير وترافعوا عنها وكبيرهم يسمى طامي فلما استقر بها الاتراك ومضى عليهم بها نحو ثمانية أيام رجعوا عليهم وأحاطوا بهم ومنعوهم الماء فعند ذلك ركبوا عليهم وحاربوهم فانهزموا وقتل الكثير منهم ونجا محو بك بنفسه في نحو سبعة انفار وكذلك زعيم اوغلي وشريف أغا فنزلوا في سفينة وهربوا فغضب الباشا وقد كان أرسل لهم نجدة من الشفاسية الخيالة فحاربهم العرب ورجعوا منهزمين من ناحية البر وتواتر هذا الخبر.
واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1229
في ثانيه حضر ميمش أغا من الديار الحجازية وعلى يده فرمانات خطابا لدبوس اوغلي واخرين يستدعيهم إلى الحضور بعساكرهم وكان دبوس اوغلي في بلده البرلس فتوجه إليه الطلب وكذلك شرح كتخدا بك في الكتابات عساكر اتراك ومغاربة وعربان وغير ذلك.
وفي رابعه سافر طائفة من العسكر وأرسل كتخدا بك يمنع الحجاج الواردين من بلاد الروم وغيرهم من النزول إلى السفائن الكائنة بساحل
السويس والقصير وبأن يخلوها لأجل نزول العساكر المسافرين وبتأخير الحجاج وذلك أنه لما وصلت البشائر إلى الديار الرومية بفتح الحرمين وخلاص مكة وجدة والطائف والمدينة ووصول ابن مضيان والمضايقي وغيرهم إلى دار السلطنة وهروت الوهابين إلى بلادهم فعملوا ولائم وافراحا وتهاني وكتبت مراسيم سلطانية إلى بلاد الرومنلي والانضول بالبشائر بالفتح والاذن والترخيص والاطلاق لمن يريد الحج إلى الحرمين بالأمن والأمان والرفاهية والراحة فتحركت همم مريدي الحج لأن لهم سنين وهم ممتنعون ومتخوفون عن ورود الحج فعند ذلك اقبلوا أفواجا بحريمهم وأولادهم ومتاعهم حتى أن كثيرا من المتصوفين منهم باع داره وتعلقاته وعزم على الحج والمجاورة بالحرمين بأهله وعياله ولم يبلغهم استمرار الحروب وما بالحرمين من الغلاء والقحط إلا عند وصولهم إلى ثغر اسكندرية ولم يتحققوها إلا بمصر فوقعوا في حيرة ما بين مصدق ومكذب فمنهم من شد للسفر ولم يرجع عن عزمه وسلم الأمر لله ومنهم من تأخر بمصر إلى أن ينكشف له الحال وقرروا على كل شخص من المسافرين في مراكب السويس عشرين فرانسه وذلك خلاف اجرة متاعه وما يتزود به في سفره فإنهم يزنونه بالميزان وعلى كل اقة قدر معلوم من الدراهم وأما من يسافر في بحر النيل على جهة القصير في مراكب الباشا فيؤخذ على رأس كل شخص من مصر القديمة إلى ساحل قنا ثلاثون قرشا ثم عليه اجرة حمله من قنا إلى القصير ثم اجرة بحر القلزم أن وجد سفينة حاضرة وإلا تأخر أما بالقصير أو السويس حتى يتيسر له النزول ويقاسي ما يقاسيه في مدة انتظاره وخصوصا في الماء وغلو ثمنه ورداءته ولا يسافر شخص ويتحرك من مصر إلا بأذن كتخدا بك ويعطيه مرسوما بالاذن وبلغني أن الذين خرجوا من إسلامبول خاصة بقصد الحج نحو العشرة آلاف خلاف من وصل من بلاد الرومنلي والانضول وغيرهما وحضر الكثير من أعيانهم مثل إمام السلطان وغيره فنزل البعض بمنزل عثمان أغا وكيل دار السعادة
سابقا والبعض بمنزل السيد محمد المحروقي وبيت شيخ السادات ومنهم من استأجر دورا في الخانات والوكائل.
وفيه حضر قاصد من باب الدولة وعلى يده مرسوم مضمونه الأمر باسترجاع ما أخذ من الشريف غالب من المال والذخائر إليه وكان الباشا أرسل إلى الدولة بسبحتى لؤلؤ عظام من موجودات الشريف فحضر بهما ذلك القبجي وردهما إلى الشريف غالب ثم سافر ذلك القبجي بالأوامر إلى الباشا بالحجاز.
وفي سابعه وصلت هجانة باستعجال العساكر وتوالى حضور الهجانة لخصوص الاستعجال.
وفي يوم السبت تاسع عشره انزلوا الشريف غالبا إلى بولاق بحريمه وأولاده وعبيده وكان قد وصل إلى مصر أغا معين بقصد سفر المذكور إلى سلانيك فنزل صحبته إلى بولاق وصالحوه عما أخذ منه من المال وغيره بخمسمائة كيس فأرادوا دفعها له قروشا فامتنع قائلا أنهم أخذوا مالي ذهبا مشخصا فرانسة فكيف أخذ بدل ذلك نحاسا لانفع بها في غير مصر فأعطوه مائتي كيس ذهبا وفرانسة وتحول الباقي وكيله مكي الخولاني ثم زودوه واعطوه سكرا وبنا وأرزا وشرابات وغير ذلك ونزل مسافرا إلى المراكب صحبة المعين إلى الحجاز من ناحية القصير وبرز ابن باشت طرابلس وصحبته عساكر أيضا إلى ناحية العادلية وأخر يقال له: قنجة بك ومعهم نحو الألف خيال من العرب والمغاربة على طريق البر إلى الحجاز.
وفي يوم الخميس رابع عشرينه الموافق لسادس شهر مسرى القبطي اوفي النيل المبارك اذرعه فداروا بالرايات ونودى بالوفاء وكسروا السد في صبح يوم الجمعة بحضرة كتخدا بك والقاضي والجم الغفير من العساكر.
وفي أواخره وصلت الأخبار بأن الباشا توجه إلى الطائف وابقى حسن باشا بمكة.
واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1229
في رابعه حضر موسى أغا تفكجي باشا من الديار الحجازية وكان فيمن باشر حرابة قنفدة ومن جملة من أنهزم بها وهلكت جميع عساكره وخدمه ورجع إلى مصر وصحبته أربعة انفار من الخدم.
وفي عاشره خرجت العساكر المجردة لسفر الحجاز إلى بركة الحج وهم مغاربة وعربان وارتحلوا يوم الأحد ثاني عشره.
وفي الأربعاء خامس عشره برز دبوس اوغلي خارج باب الفتوح ليسافر بعساكره إلى الحجاز وكذلك حسن أغا سر ششمه ونصبوا خيامهم واستمروا يخرجون من المدينة ويدخلون غدوا وعشايتهم ياكلون ويشربون جهارا في نهار رمضان ويقولون: نحن مسافرون ومجاهدون ويمرون بأسواق ويجلسون على المساطب وبأيديهم الاقصاب والشبكات التي يشربون فيها الدخان من غير احتشام ولا حياء ويجوزون بحارات الحسينية على القهاوي في الضحوة فيجدونها مغلوقة فيسألون عن القهوجي ويطلبونه ليفتح لهم القهوة ويوقد لهم النار ويغلي لهم القهوة ويسقيهم فربما هرب القهوجي واختفى منهم فيكسرون الباب ويعبثون بالاته واونيه فما يسعه المجىء وايقاد النار واشيع من ذلك أنه اجتمع بناحية عرضيهم وخيامهم الجم الكثير من النساء الخواطي والبغايا ونصبوا لهن خياما واخصاصا وانضم اليهن بياع البوظة والعرقي والحشاشون والغوازي والرقاصون وأمثال ذلك وانحشر معهم الكثير من الفساق وأهل الأهواء والعياق من أولاد البلد فكانوا جميعا عظيما يأكلون الحشيش ويشربون المكسرات ويزنون ويلوطون ويشربون الجوزة ويلعبون القمار جهارا في نهار رمضان ولياليه مختلطين مع العساكر كإنما سقط عن الجميع التكاليف وخلصوا من الحساب وسمعت ممن شاهد بعينه محمود بك المهردار الذي هو اعظم أعيانهم وهو المتولي على قياس الأراضي مع المعلم غالي وهو جالس في ديوانهم المخصوص بالقرب من سويقة اللالا وهو يشرب في النرجيلة التنباك
ويأتونه بالغداء جهارا ويقول: أنا مسافر الشرقية لعمل نظام الأراضي.
وفي غايته وصلت هجانة باستعجال العساكر.
واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة 1229
في ليلته قلدوا عبد الله كاشف الدرندلي اميرا على ركب الحجاج.
وفي يوم السبت ثالثة خرج دبوس اوغلي في موكب إلى مخيمة وكذلك حسن أغا سرششه ليسافر إلى الحجاز.
وفي يوم السبت حادي عشره نزلوا بكسوة الكعبة بالطبول والزمور إلى المشهد الحسيني واجتمع الناس على عادتهم للفرجة.
وفيه انتقل محمود بك والمعلم غالي إلى بيت حسن أغا نجاتي وعملوا ديوانهم فيه وتلقوا الجنينة التي به وجلسوا تحت اشجارها وربط الاقباط حميرهم فيها وشرع محمود بك في عمارة الجهة القبلية منه وانزوت صاحبة المنزل في ناحية منه.
وفي سابع عشره ارتحل دبوس اوغلي وحسن أغا سرششمه ومن معهم من العساكر من منزلتهم متوجهين إلى الديار الحجازية.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه رسم كتخدا بك بنفي طائفة من الفقهاء من ناحية طندتا إلى أبي قير بسبب فتيا افتوها في حادثة ببلدهم وقضى بها قاضيهم وانهيت الدعوى إلى ديوان مصر فطلبوا إلى اعادة الدعوى فحضروا وترافعوا إلى قاضى العسكر واثبتوا عليهم الخطا فرسم بنفي الشاكي والمفتيين ولقاضي ربعهم.
وفي يوم السبت رابع عشرينه عملوا موكبا لخروج المحمل واستعد الناس للفرجة على عادتهم فكان عبارة عن نحو مائة جمل تحمل روايا الماء والقرب وعدة من طائفة الدلاة على رؤسهم طراطير سود قلابها وأمير الحاج على شكلهم وخلفه أرباب الاشاير ببيارقهم وشراميطهم وطبولهم وزمورهم وجوقاتهم وخلفهم المحمل فكان مدة مرورهم مع تقطيعهم وعدم نظامهم نحو ساعتين فأين ما كان يعمل من المواكب بمصر التي يضرب
بحسنها وترتيبها ونظامها المثل في الدنيا فسبحان مغير الشؤن والأحوال.
وفيه خرجت زوجة الباشا الكبيرة وهي أم أولاده تريد الحج إلى خارج باب النصر في ثلاثة تخوت والمتسفر بها بونابارته الخازندار وقد حضر لوداعها ولدها إبراهيم باشا من الصعيد وخرج لتشييعها هو واخوه إسمعيل باشا وصحبتهما محرم بك زوج ابنتها حاكم الجيزة ومصطفى بك دالي باشا ويقال: إنه اخوها وكذلك محمد بك الدفتردار زوج ابنتها أيضا وطاهر باشا وصالح بك السلحدار وارتحلت ومن معها في سادس عشرينه إلى بندر السويس وفي ذلك اليوم برزت عساكر المغاربة وغيرهم ممن تعسكر وارتحل أمير الحج من الحصوة إلى البركة.
وفي يوم الثلاثاء خرجت عساكر كثيرة مجردين للسفر.
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه ارتحل أمير الحج ومن معه من البركة في تاسع ساعة من النهار وفي ذلك اليوم هبت رياح غربية شمالية باردة واشتد هبوبها أواخر النهار واطبقت السماء بالغيوم والقتام وابرق البرق برقا متتابعا وارعدت رعدا له دوي متصل ولما قرب من سمت رؤسنا كان له صوت عظيم مزعج ثم نزل مطر غزير استمر نحو نصف ساعة ثم سكن بعد أن تبحرت منه الازقة والطرق وكان ذلك اليوم رابع شهر بابه القبطي.
وفيه ورد الخبر من السويس أن امرأة الباشا لما وصلت هناك وجدت عالما كبيرا من الحجاج المختلفه الاجناس ممنوعين من المراكب فصرحوا في وجهها وشكوا إليها تخلفهم وأن أمير البندر مانعهم من النزول في المراكب وبذلك المنع يفوتهم الحج الذي تجشموا الاسفر وصرفوا أيضا الأموال من اجله وهم في مشقة عظيمة من عدم الماء ولا يمكنهم الرجوع لعدم من يحملهم وأن أمير البندر يشتط عليهم في الاجرة ويأخذ على كل رأس خمسة عشر فرانسا فحلفت أنها لا تنزل إلى المركب حتى ينزل جميع من السويس من الحجاج المراكب ولا يؤخذ منهم إلا القدر الذي جعلته على كل فرد منهم فكان ما حكمت به هذه الحرمة صار لها به
منقبة حميدة وذكرا حسنا وفرجا لهؤلاء الخلائق بعد الشدة.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت سنة 1229
وفي يوم الإثنين نادى المنادي بوقود قناديل سهارى على البيوت والوكائل وكل أربع دكاكين قنديل.
وفي ثامنه جرسوا شخصا واركبوه على حمار بالمقلوب وهو قابض بيده على ذنب الحمار وعمموه بمصارين ذبيحة وعلى كتفه كرش بعد أن حلقوا نصف لحيته وشواربه قيل أن سبب ذلك أنه زور حجة تقرير على أماكن تتعلق بإمرأة اجنبية وباع بعض الأماكن وكانت تلك المرأة غائبة من مصر فلما حضرت وجدت مكانها مسكونا بالذي اشتراه فرفعت قصتها إلى كتخدا بك ففعل به ذلك بعد وضوح القضية.
وفي ثاني عشره سافر عبد الله ابن الشريف سرور إلى الحجاز باستدعاء من الباشا فأعطوه اكياسا وقضى اشغاله وخرج مسافرا.
وفيه وقعت حادثة بحارة الكعكيين بين شخصين من الدلاتية رمحا خلف غلام بدوي عمل نفسه عسكريا مع طائفة المغاربة يدعي احدهما أن له عنده دراهم فهرب منهما إلى الخطة المذكورة فرمحا خلفه وبيد كل منهما سيفه مسلولا فدخل الغلام إلى عطفة الحمام وفزعت عليهما المغاربة المتعسكرون القاطنون بتلك الناحية وضربوا عليهما بنادق فسقط حصان أحد الدلاة واصيب راكبه وهرب رفيقه إلى كتخدا بك فأخبره فأمر باحضار كبراء المغاربة وطالبهم بالضارب فلم يتبين أمره وقبضوا على الغلام الهارب فحبسوه وفي ذلك الوقت حصل في الناس فزعة واغلقت أهل سوق الغورية والشوائين والفحامين حوانيتهم وبقي ذلك الغلام محبوسا ومات الدلاتي المضروب في ليلة السبت خامس عشره فأحضروا ذلك الغلام إلى باب زويلة وقطعوا رأسه ظلما ولم يكن هو الضارب.
وفي عشرينه سافر ابن باشت طرابلس وسافر معه عسكر المغاربة الخياله
واستهل شهر ذى الحجة الحرام ختام سنة 1229
في أوله ورد نجاب من الحجاز وأخبر بموت طاهر أفندي وهو أفندي ديوان الباشا وكان موته في شهر شوال بالمدينة حتف انفه وورد الخبر أيضا بصلح الشريف راجح مع الباشا وأنه قابله واكرمه وانعم عليه بمائتي كيس وأخبر أيضا بأنه تركه الباشا بناحية الكلخة وهي ما بين الطائف وتربة وانقضت السنة بحوادثها.
وأما من مات في هذه السنة فمات العمدة الفاضل الفقيه النبيه الشيخ حسين المعروف بابن الكاشف الدمياطي ويعرف بالرشيدي تعلق بالعلم وانخلع من الامرية والجندية وحضر أشياخ العصر ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي وانتقل من مذهب الحنفية إلى الشافعية لملازمته لهم في المعقول والمنقول وتلقى عن السيد مرتضى اسانيد الحديث والمسلسلات وحفظ القرآن في مبدأ أمره برشيد وجوده على السيد صديق وحفظ شيئا من المتون قبل مجيئه إلى مصر واكب على الاشتغال بالأزهر وتزيا بزي الفقهاء بلبس العمامة والفرجية وتصدر ودرس في الفقه والمعقول وغيرهما ولما وصل محمد باشا إلى ولاية مصر اجتمع عليه عند قلعة أبي قير فجعله إماما يصلي خلفه الأوقات وحضر معه إلى مصر ولم يزل مواظبا على وظيفته وانتفع بنسبته إليه واقتنى حصصا واقطاعات وتقلد قضايا مناصب البلاد البنادر ويأخذ ممن يتولاها الجعالات والهدايا وأخذ أيضا نظر وقف ازبك وغيره ولم يزل تحت نظره بعد انفصال محمد باشا خسرو واستمر المذكور على القراءة والاقراء حتى توفي أواخر السنة.
ومات الفاضل الشيخ عبد الرحمن الجمل وهو اخو الشيخ سليمان الجمل وتفقه على أخيه ولازم دروسه وحضر غيره من أشياخ العصر ومشى على طريقة أخيه في التقشف والانجماع عن خلطة الناس ولما مات اخوه وكان يملي الدروس بجامع المشهد الحسيني بين المغرب والعشاء على جمع مجاوري الأزهر والعامة وتصدر للاقراء في محله في ذلك الوقت فقرالشمايل