الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومات الأمير شاهين بك المرادي ويعرف بباب اللوق لأنه كان ساكنا هناك وهو من مماليك مراد بك وأصله جركسي الجنس ولما اعتقه مراد بك أنعم عليه بكشوفية إقليم الغربية ثم رجع إلى مصر وأقام بطالا متطلعا للإمارة ويرى أنه احق بها من غيره ولما رجع المصريون إلى مصر بعد قتل طاهر باشا وكان الألفي غائبا ببلاد الانكليز انضم إليه عثمان بك البرديسي ووافقه على كراهة الألفي الباطنية وكان هو أحد المباشرين والضاربين لحسين بك الوشاش بالبر الغربي ليلة خروجهم وتعديتهم لملاقاة الألفي ثم خرج من مصر مع عشيرته ولم يزل حتى مات في منتصف شهر ربيع الأول من السنة المذكوره والله اعلم.
سنة أربع وعشرين ومائتين وألف
استهل شهر المحرم بيوم الخميس وفي تلك الليلة اعني ليلة الجمعة ثانيه مرت سحابة سوداء مظلمة في وقت العشاء وحصل فيها رعد مزعج وبرق مستنير شديد اللمعان وامطرت في محلات قليلا وفي أخرى كثيرا ثم انجلت السماء سريعا فظهرت النجوم وبعد أيام أخبر الواردون من ناحية بلاد السماحات بالغربية أنها امطرت بتلك الناحية في تلك الليلة بردا كبيرا وصغيرا والكبير في مقدار حجر الطاحون والصغير في مقدار بيض الدجاج وتهدمت منها دور وقتلت مواشي وآدمية وأهلكت زروعا كثيرة.
وفي يوم الأحد رابعه قتل الباشا حسين بن الخبيري وهو بترعه الفرعونية وأرسل راسه إلى مصر فعلقت بباب زويله.
وفي أواخره حضر الباشا من ترعة الفرعونية وقد عجز عن سدها بعد أن بذل جهده وفرض الفرض العظيمة على البلاد واشغلوا المراكب في نقل الاحجار ليلا ونهارا والسيد محمد المحروقي متقيد لذلك ومقيم بمسجد الآثار لتشهيل الحجارين ووسقها بالمراكب وقطعها من الجبل قطعا وصخورا فكانوا يشقون الجبل بالغام البارود مثل عمل الافرنج وظهر في قطعهم كهوف ومغارات وتجاويف وتحدث الناس بذلك بأنواع الاكاذيب والخرافات
كقولهم ظهر في الجبل باب من حديد وعليه اقفال ففتحوه ونظروا من داخله أشخاصا على خيول إلى غير ذلك.
وفيه حضر قاصد من قبودان باشا بطلب عوائده بالاسكندرية فقال له: حاكم الاسكندرية ينبغي أن تذهب إلى الباشا بالترعة وتقابله فذهب إليه وقابله عند السد فبات تلك الليلة وأصبح ميتا فاخرجوه إلى المقبرة ثم حضر قاصد آخر يخبر بوصول قابجي وعلى يده مرسومان أحدهما الأخبار عن صلح الدولة مع الانكليز والموسكوب وانفتاح البحر وامن المسافرين والثاني الأمر بالسفر والخروج إلى فتح الحرمين وطرد الوهابية عنهما وأن يوسف باشا الصدر السابق المعروف بالمعدن تعين بالسفر للحرمين على طريق الشام وكذلك سليمان باشا والي بغداد متعين أيضا بالسفر من ناحيته على الدرعية وأحضر للباشا تقريرا بالولاية مجددا وخلعه وسيفا.
واستهل شهر صفر بيوم السبت سنة 1224
فيه حضر الآغا الواصل إلى بولاق فركب لملاقاته آغات الينكجرية والوالي وأرباب العكاكيز فأربكوه في موكب ودخلوا به من باب النصر وطلع إلى القلعة وقرؤا المراسيم بحضرة الجمع وبعد الفراغ من قراءتها ضربوا مدافع وشنكا.
وفي ذلك اليوم غيمت السماء بالسحاب وامطرت كثيرا ونزل مطر ببركة الحاج وجدوا فيه سمكا صغيرا من جنس السمك الذي يعرف بالقاروص وصار يتنطط على الأرض وأحضروا منه إلى مصر وشاهدناه وهو في غاية البرودة.
وفيه اهتم الباشا باخراج تجريدة إلى الأمراء القبليين وذلك أنه تقدم بالإرسال إليهم يطالبهم بالغلال والأموال الميرية المرار العديدة ويعدون ولا يوفون ووصل إليه من عندهم رضوان كتخدا البرديسي وهو بالترعة ومعه اجوبة وهدية وفيها خيول وجوار
وعبيد وسنكر وخصيان فاغتاظ الباشا من قال: أنا لست اطلب احسانهم وصدقاتهم حتى أنهم يضحكون على ذقني بهذه الأمور وحيث أنهم لا يرجعون عن الكامن في رؤوسهم فلا بد من خروجي إليهم ومحاربتهم وأرسل إلى من بمصر من الأكابر يأمرهم بالبراز والخروج فخرج حسن باشا وصالح أغا قوج وطاهر باشا وأحمد بك والكثير من أعيانهم بعساكرهم وعدوا إلى بر الجيزة ونصبوا وطاقهم وخيامهم ثم أن رضوان كتخدا لم يزل يلاطفه حتى توافق معه على وعد مقدار مسافة ذهاب الجواب ورجوعه أياما معدودة فلما حضر من الترعة أخذ في التشهيل والخروج فانتقلت العساكر إلى البر الغربي وأخذ يستحث في المطلوبات وخروج الخيام وجمع المراكب وسافر قبودان بولاق إلى جهة بحرى لجمع المراكب وفرضوا على القرى غلالا وجمالا وذلك في عقب ما فرضه عليهم في مهمات الترعة المتقدمة وخلافها من بشارة القبطان والتقرير وما في ضمن ذلك من حق طرق المباشرين والمعينين مع ما الناس فيه من القحط والغلاء في الغلال وغيرها وعدم وجود الغلة والذين لا يقدورن على تحصيل الغلة يلزمونهم بدفع ثمنها بأقصى القيمة بعد مصانعة المباشرين لذلك واعطائهم الرشوات وحضر أيضا نعمان سراج باشا من عند إبراهيم بك وقابل الباشا على الترعة فلم ينفع حضوره أيضا ولم يسمع له قول ورجع مزيفا.
وفي خامسه حضر علي بك ايوب وصحبته آخر يقال له رضوان بك البرديسي: فطلعا إلى القلعة وتقابلا مع الباشا وانخضع له علي بك ايوب وقبل رجله وترجى عنده في عدم خروج التجريدة وكلمه في أمر الغلال المنكسرة والجديدة وعلى أنهم يقومون بدفع الغلال القديمة بالثمن والجديدة بالكيل وليس عندهم مخالفة والقصد الامهال إلى حصاد الغلال فقال: أنهم إذا حصدوا الغلال أخذوها وفروا إلى الجبال واستمر هذا القيل والقال نحو أربعة أيام ثم اشيع في ثامنه الصلح وفرح الناس
واستبشروا بذلك لما يترتب وما يحصل من الفساد واكل الزروعات وخراب البلدان فانهم اكلوا في الأربعة أيام التي ترددوا فيها بالجيزة نيفا وخمسمائة فدان ولما اشيع بالجهة القبلية خروج العساكر للتجريدة انزعجوا وايسوا من زروعاتهم وخرجوا من اوطانهم على وجوههم لا يدرون اين يذهبون بأولادهم ونسائهم وقصاعهم وتفرقوا في مصر والبلاد البحرية.
وفي صبحها اعيد أمر التجريدة واشيع خروج العساكر ثانيا فانقبضت النفوس ثانيا وباتوا في نكد وطلبت السلف من المساتير والملتزمين وكتبت الدفاتر وحولت الأكياس وانبثت المعينون للطلب.
وفي عاشره بطل صبحها اعيد أمر التجريدة وانقضى أمر الصلح على شروط وهي أنهم التزموا بثلث ما عليهم من غلال الميري وقدره مائة ألف اردب وسبعة آلاف اردب بعد مناقشات ومحققات والذي تولى المناقشات معهم مساعدا للباشا شاهين بك الألفي والموعد أحد وثلاثون يوما وسافر علي بك ايوب ورضوان بك البزديسي واكرمهما الباشا وخلع عليهما.
وفي حادي عشره قتل الباشا مصطفى آغا تابع حسن بك في قصبة رضوان ظلما وسبب ذلك أنه لما نزل قبودان بولاق لجمع المراكب المطلوبه لسفر التجريدة فصادف شخصا من الارنؤد الذين يتسببون في بيع الغلال في مركب ومعه غلة وذلك عند قرية تسمى سهرجت فحجزه ليأخذ منه السفينة فقال: كيف تأخذها وفيها غلتي قال: اخرج غلتك منها على البر واتركها فإنها مطلوبه لمهمات الباشا فلم يرض وخاف على تبددها ولم يجد سفينة أخرى لأن جميع السفن مطلوبه مثلها وقال له: عندما أصل بها إلى مصر وانقل منها الغلة أرسل معي من يأخذها فقال القبودان: لا سبيل إلى ذلك وتشاجرا فحنق القبودان على الارنؤدي وسل عليه سيفه ليضربه فعاجله الارنؤدي وضربه بالطبنجة فقتله فأراد اتباع القبودان القبض عليه ففر منهم إلى البلدة وبها جماعة من الدلاة معينون لقبض الفرضة فلجأ إليهم فمانعوا عنه وتنازع الفريقان وكان مصطفى أغا المذكور ملتزم البلدة هناك
وغائبا في بعض شؤونه فبلغه الخبر فحضر إليهم وخاف من وقوع قتل أو شر يقع بالبلدة فيكون سببا لخراب الناحية فقال: يا جماعة اذهبوا بنا إلى الباشا ليرى رأيه فرضوا بذلك وحضر بصحبتهم والقاتل معهم وطلعوا إلى ساحل بولاق فعندما وصلوا إلى البر هرب القاتل وذهب عند عمر بك الارنؤدي الساكن ببولاق فتبعه الأمير مصطفى المذكور فقال له: عمر بك اذهب إلى الباشا وأخبره أنه عندي وأنت لا باس عليك ففعل فقال له: الباشا ولأي شيء لم تحتفظ عليه وتتركه حتى يهرب فاعتذر بعدم قدرته على ذلك من الدلاتية الملتجيء إليهم وكأنهم هم الذين افلتوه فأمر بحبسه فأرسل إلى عمر بك فحضر إلى الباشا وترجى في اطلاقه فوعده أنه في غد يطلقه إذا حضر القاتل فقال: إنه عند ازمير أغا وهو لا يسلم فيه وركب إلى داره فلما كان في الصباح أمر بقتل الأمير مصطفى المذكور فانزلوه إلى الرميلة ورموا رقبته عند باب القلعة ظلما.
وفي صبحها أيضا قتلوا شخصا من الدلاة بسبب هذه الحادثة.
وفي ثاني يوم قتل الارنؤد شخصين من الدلاة أيضا.
وفي يوم الخميس ثالث عشره أرسل الباشا وطلب الارنؤدي القاتل للقبودان من عمر بك وشدد في طلبه وقال: إن لم يرسله وإلا احرقت عليه داره فامتنع من ارساله وجمع إليه طائفة الارنؤد وصالح أغا قوج جاره وركب الباشا وذهب إلى ناحية الشيخ فرج وحصل ببولاق قلقة وانزعاج ثم ركب الباشا راجعا إلى داره بالازبكية وقت الغروب كثرت الارجاف والقلقة بين الارنؤد والدلاتيه.
وفي خامس عشره قتل الارنؤد شخصين من الدلاتيه أيضا جهة قناطر السباع ثم أن القاتل الذي قتل القبودان إلتجأ إلى كبير من كبار الارنؤد فأرسل الباشا إلى حسن باشا يطلب منه ذلك الكبير واكد في طلبه أو أنه يقطع رأس القاتل ويرسلها فكأنه فعل وأرسل إليه براس ملفوفة في ملاية تسكينا لحدته وبردت القضية وسكنت الحدة وراحت على من راحت عليه.
وفي أواخره أمر الباشا بتحرير دفاتر فرضه الاطيان وزادوا فيها عن عام الشرقي الماضي الثلث وربطوها ورتبوها أربع مراتب تزيد كل ضريبة عن الأخرى مائة نصف فضة اعلاها يبلغ ثمانمائة نصف فضة على أن الفرضة الماضية بقي الكثير منها بالذمم لخراب القرى وعجزهم واختلى لتنظيم ذلك من الافندية والاقباط بجهات متباعدة الأفندية بربع ايوب ببولاق والاقباط بدير مصر العتيقة حتى حرروا ذلك وتمموه ورتبوه في عدة أيام ووقع الطلب في جانب معجلا سموه الترويجة.
وفيه أمر الباشا عمر بك الارنؤدي بالسفر من مصر وقطع خرجه ورواتبه هو وعسكره فلم تسعه المخالفة وحاسب على المنكسر له ولعسكره من العلائف وكذلك حلوان البلاد التي في تصرفه فبلغ نحو ستمائة كيس وزعت على دائرة الباشا وخلافهم وكان الباشا ضبط جملة من حصص الناس واستولى عليها من بلاد القليوبية بحرى شبرا واختصها لنفسه فلما استولى على حصص غمر بك ودفع حلوانها وهي بالمنوفية والغربية والبحرية عوض بعض من يراعي جانبه من ذلك وأخذ عمر بك ومن يلوذ به في تشهيل أنفسهم وقضاء حوائجهم.
واستهل شهر ربيع الأول سنة 1224
فيه شرع السيد عمر مكرم نقيب الاشراف في عمل مهم لختان ابن ابنته ودعا الباشا والأعيان وأرسلوا إليه الهدايا والتعابي وعمل له زفة يوم الإثنين سادس عشره مشى فيها أرباب الحرف والعربات والملاعيب وجمعيات وعصب صعايدة وخلافهم من أهالي بولاق والكفور والحسينية وغيرها من جميع الأصناف وطبول وزمور وجموع كثيرة فكان يوم مشهودا اكتريت فيه الأماكن للفرجة وكان هذا الفرح هو آخر طنطنة السيد عمر بمصر فانه حصل له عقيب ذلك ما سيتلى عليك قريبا من النفي والخروج من مصر.
وفيه كمل سد ترعة الفرعونية واستمر العمل فيها وفي تأبيد السد بالاحجار والمشمعات والاتربة نحو ستة اشهر وصرف عليها من الأموال
ما لا يحصى وجرى مجرى البحر الشرقي وغزر ماؤه وجرت فيه السفن من دمياط بعد أن كان مخاضه وملحت عذوبة النيل بما انعكس فيه وخالطه من ماء البحر الملح إلى قبلي فارس كور وأقام بالسد عمر بك تابع الاشقر لخفارته وتعهد الخلل وكتم الجسر من النشع والتنفيس وسكن هناك ولم يفارقه واستمر في هذه الوظيفة والخدمة ولم يقم بمصر.
وفي هذا الشهر وما قبله تشحطت الغلال وغلا سعرها حتى بلغ الاردب القمح الفا وستمائة نصف فرضة وعز وجوده بالرقع والعرصات وأما السواحل فلا يكاد يوجد بها شيء من الغلة بطول السنة ولولا لطف الله بوجود الذرة لهلكت الخلائق ومع ذلك استمرار المغارم والفرض حتى فرض الغلة عين وكذلك تبن وجمال وما ينضاف إلى ذلك مما سمعته غير مرة مما يطول شرحه.
وفيه نودي على صرف الفرانسة والمحبوب والمجر كما نودي في العام الماضي لأنه لما نودي بنقص صرفها ومضى نحو الشهر أو الشهرين رجع الصرف إلى ماكان عليه وزيادة فأعيد النداء كذلك وسيعود الخلاف ما دام الكرب والضيق بالناس على أن هذه المناداة والأوامر بالنقص والزيادة ليست من باب الشفقة على الناس ولا الرحمة وإنما هي بحسب اغراضهم وزيادة طمعهم فإنه إذا توجهت المطالبات بالفرض والمغارم نودي بالنقص ليزيد الفرط وتتوفر لهم الزيادة ويحصل التشديد والمعاقبة على من يقبض بالزيادة من أهل الأسواق وإذا كان الدفع من خزانتهم في علائف العسكر أو لوازمهم الكبيرة قبضوها بأزيد من الزيادة التي نادوا عليها من غير مبالاة ولا احتشام تناقض مالنا إلا السكوت عنه.
وفي أواخره تواجدت الغلال وانحل سعرها وحضر الفلاحون ببدارى الغلة وانحط السعر والحمد لله.
واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1224
في سادسه وردت مراسيم من الروم وبشارة بمولودة ولدت للسلطان.
وسموها فاطمة وفي المراسيم الأمر بالزينة فاقتضى الرأي أن يعملوا شنكا ومدافع من القلعة تضرب في الأوقات الخمسة سبعة أيام وهذا شئ لم يسمع بمثله فيما سبق أن يعملوا للانثى شنكا أو زينة أو يذكر ذلك مطلقا وإنما يعمل ذلك للمولود الذكر من بدع الأعاجم.
وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر من الأمراء المصريين القبالي مرزوق بك ابن إبراهيم بك وسليم أغا مستحفظان وقاسم بك سلحدار مراد بك وعلي بك ايوب حسب الاتفاق المتقدم في تقرير الصلح ولكن لم يكن سليم أغا مذكورا في الحضور بل كان منجمعا وممتنعا عن التداخل في هذه الأحوال والسبب في حضوره أن زوجته توفيت من نحو نصف شهر فحضر لأجل تركتها ومتاعها ومتاعه الذي عندها وحصصها ولما حضر وجد الباشا استولى على ذلك وأخذ المتاع والمصاغ والجواهر والعقار وأخذ الحصص وأخذ حلوانها وذلك بيد محمود بك الدويدار فلما حضر سليم اغا لم يجد شيئا لا دار ولا عقار ولا نافخ نار فنزل عند علي بك ايوب بمنزله بشمس الدولة فحضر إليه محمود بك الدويدار والترجمان وأخذ بخاطره وطمناه وأخبراه أن الباشا سيعوض عليه ماذهب منه وزيادة وزرعا له فوق السطوح فلم يسعه إلى التسليم.
وفيه سقط سقف القصر الذي انشأه الباشا بشبرا وشرعوا في تعمير ثانيا.
وفيه وصل الخبر بحضور زوجة الباشا أم أولاده وابنه الصغير واسمه إسمعيل وابن بونابارته الخازندار وكثير من اقاربهم وأهاليهم حضر الجميع من بلدهم قوله إلى اسكندرية فانهم لما طابت لهم مصر واستوطنوها وسكنوها وتنعموا فيها أرسلوا إلى أهاليهم وأولادهم واقاربهم بالحضور فكانوا في كل وقت يأتون أفواجا أفواجا نساء ورجالا وأطفالا فلما وصل خبر وصولهم إلى اسكندرية سافر لملاقاتها ابنها إبراهيم بك الدفتردار وذلك حادي عشره.
وفي ثالث عشره حضر المذكور قبل حضور الواصلين ولما وصلوا نزل الباشا لملاقاتهم إلى بولاق.
وفي يوم الإثنين رابع عشره نبهوا على جميع النساء والخوندات وكل من كانت لها اسم في الالتزام أن يركبن بأسرهن ويذهبن إلى ملاقاة امراة الباشا ببولاق وذلك صبح يوم الأربعاء واعتذرت الست نفيسة المرادية بانها مريضة ولا تقدر على الحركة والخروج فلم يقبلوا لها عذرا فلما كان صبح يوم الأربعاء اجتمع السواد الاعظم من النساء بساحل بولاق على الحمارة المكارية وهم ازيد من خمسمائة مكاري حتى ركبت زوجة الباشا وساروا معها إلى الازبكية وضربوا لوصولها وحلولها بمصر عدة مدافع كثيرة من القلعة والازبكية ثم وصلت الهدايا والتقادم واقبلت من كل ناحية الهدايا المختصة بالأولاد والمختصة بالنساء.
واستهل شهر جمادي الأولى سنة 1224
في ثالثه يوم السبت نزل عمر بك الارنؤد إلى المراكب من بيته من بولاق وسافر على طريق دمياط ليذهب إلى بلاده وسافر معه نحو المائة وهم الذين جمعوا الأموال واجتمع لعمر بك المذكور من المال والنوال أشياء كثيرة عباها في صناديق كثيرة وأخذها معه وذلك خلاف ما ارسله إلى بلاده في دفعات قبل تاريخه.
وفي يوم الخميس خامس عشره سافر علي بك ايوب وسليم أغا مستحفظان إلى ناحية قبلي واستمر بمصر مرزوق بك وقاسم بك المرادي.
وفيه طلب الباشا ألف كيس من المعلم غالي والزمه بها فوزعها على المباشرين والكتبه وجمعها في اقرب زمن.
وفيه حضر سلحدار الوزير يوسف باشا وعلى يده مرسوم مضمونه طلب ما كان احدثه حين كان بمصر على أوراق الاقطاعات والفراغات وتقاسيط الالتزام الذي سموه قصر اليد وخرج القلم وجعل ايراد ذلك لنفسه فأرسل يطلب ذلك من تاريخ سنة 1217 سبعة عشر ومائتين وألف إلى وقت تاريخه
حسب قدر ذلك فبلغ نيفا وأربعة آلاف كيس.
وفيه شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين ودفتر آخر بفرض مال على الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والاسبلة والخيرات وجهات البر والصدقات وكذلك اطيان الاوسية المختصة أيضا بالملتزمين وكتبو ابذلك مراسيم إلى القرى والبلاد وعينوا بها معينين وحق طرق من طرف كشاف الاقاليم بالكشف على الرزق المرصدة على المساجد والخيرات وتقدموا إلى كل متصرف في شيء من هذه الاطيان وواضع عليها يده بأن يأتي بسنده إلى الديوان ويجدد سنده ويقوي بمرسوم جديد وأن تأخر عن الحضور في ظرف أربعين يوما يرفع عنه ذلك ويمكن منه غيره وذكروا في مرسوم الأمر عله وحجه لم يطرق الاسماع نظيرها بانه إذا مات السلطان أو عزل بطلت تواقيعه ومراسيمه وكذلك نوابه ويحتاج إلى تجديد تواقيع من نواب المتولي الجديد ونحو ذلك ثم ليعلم أن هذه الارصادات والاطيان موضوعة من أيام الملك الناصر يوسف صلاح الدين الايوبي في القرن الخامس من مصاريف بيت المال ليصل إلى المستحقين بعض استحقاقهم من بيت المال بسهولة ثم اقتدى به في ذلك الملوك والسلاطين والأمراء إلى وقتنا هذا فيبنون المساجد والتكايا والربط والخوانق والاسبله ويرصدون عليها اطيانا يخرجونها من زمام اوسيتهم فيستغل اخراجها أو غلالها لتلك الجهة وكذلك يربطون على بعض الأشخاص من طلبة العلم والفقراء على وجه البر والصدقة ليتعيشوا بذلك ويستعينوا به على طلب العلم وإذا مات المرصد عليه ذلك قرر القاضي أو الناظر خلافه ممن يسحق ذلك وقيد اسمه في سجل القاضي ودفتر الديوان السلطاني عند الأفندي المقيد بذلك الذي عرف بكاتب الرزق فيكتب له ذلك الأفندي سندا بموجب التقرير يقال له: الافراج ثم يضع عليه علامته ثم علامة الباشا والدفتردار ولكل إقليم من الاقاليم القبلية والبحرية دفتر مخصوص عليه طرة من خارج مكتوب فيها اسم ذلك الإقليم ليسهل الكشف والتحرير
والمراجعة عند الاشتباه وتحرير مقادير حصص أرباب الاستحقاقات ولم يزل ديوان الرزق الاحباسية محفوظا مضبوطا في جميع الدول المصرية جيلا بعد جيل لا يتطرفه خلل إلا ما ينزل عنه أرباب لشدة احتياجهم بالفراغ لبعض الملتزمين بقدر من الدراهم معجل ويقرر للمفرغ على نفسه قدرا مؤجلا دون القيمة الاصلية في نظير المعجل الذي دفعه للمفرغ ويسمونها حينئذ داخل الزمام لم تزل على ذلك بطول القرون الماضية وتملك الفرنساوية الديار المصرية فلم يتعرضوا الشيء من ذلك ولما حضر شريف أفندي الدفتردار بعد دخول يوسف باشا الوزير ووجه الطلب على الملتزمين بأن يدفعوا للدولة حلوانا جديدا على النظام والنسق الذي ابتدعوه للتحيل على تحصيل المال بأي وجه زاعمين أن أرض مصر صارت دار حرب بتملك الفرنساوية وأنهم استنقذوها منهم واستولوا عليها بإستيلاء جديد وصارت جميع أراضيها ملكا لهم فمن يريد الاستيلاء على شيء من أرض وغيرها فليشتره من نائب السلطان بمبلغ الحلوان الذي قدروه واطلعو على التقاسيط وفي بعضها ما رفع عنه الميري الذي يقبض للخزينة بأذن الولاة بعد المصالحات والتعويض من المصاريف والمصارف الميرية كالعلائف والغلال والبعض تمم ذلك بمراسيم سلطانية كما يقولون: شريفة بحيث يصير الالتزام مثل الرزق الاحباسية ويسمونه خزينة بند ومنهم من ابقى على التزامه شيئا قليلا سموه مال الحماية فلم يسهل بهم ابطال ذلك بل جعل عليها الدفتردار الميري الذي كان مقيدا عليها أو أقل أو زيد بحسب واضع اليد واكرامه أن كان ممن يكرم وضمه إلى مال الحماية الاصلي أو المستجد فقط وضيع على الناس سعيهم وما بذلوه من مرتباتهم وعلائفهم التي وضعوها وقيدوها في نظير جعلها خزينة بند كما ذكر ثقتقيد لكتابة الاعلامات عبد الله أفندي رامز القبودان وقاضي باشا وسمي في ذلك الوقت بكاتب الميري وتوجه نحوه الناس لأجل كتابة الاعلامات لثبوت رزقهم الاحباسية وتجديد سنداتها فتعنت عليهم بضروب من التعنت كأن
يطلب من صاحب العرضحال اثناب استحقاقه فإذا ثبت له لا يخلوا أما أن يكون ذلك بالفراغ أو المحلول فيكلفه احضار السندات وأوراق الفراغات القديمة فربما عدمت أو بليت لتقادم السنين أو تركها واضع اليد لاستغنائه عنها بالسند الجديد أو كان القديم مشتملا على غير المفروغ عنه فيخصم بهامشه بالمنزول عنه ويبقى القديم عند صاحب الاصل فإن أحضره إليه تعلل بشيء آخر واحتج بشبهة أخرى فإذا لم يبق له شبهة طالبه بحلوانها عن مقدار ايرادها ثلاث سنوات وإلا فخمس سنوات وذلك خلاف المصاريف فضج الناس واستغاثوا بشريف أفندي الدفتردار فعزل عبد الله أفندي رامز المذكور عن ذلك وقيد أحد كتابه بكتابة الاعلامات وقرر على كل فدان عشرة انصاف فضة فما دونها يرسمها في السند الجديد وجعلها مال حماية وأوهم الناس أن مال الحماية يكون زيادة في تأكيد الاحباس وحماية له من تطرق الخلل فاستسهل الناس ذلك وشاع في الإقليم المصري فأقبل الناس من البلاد القبلية والبحرية لتجديد سنداتهم فطفقوا يكتبون السندات على نسق تقاسيط الالتزام لا على الوضع القديم ويعلم عليها الدفتردار فقط وأما الصورة القديمة فكانت تكتب في كاغد كبير بخط غربي مجرد وعليها طرة بداخلها اسم والي مصر وممهورة بختمه الكبير وعليها علامة الدفتردار وبداخلها صورة أخرى تسمى التذكره مستطيلة على صورة التقسيط الفرمة ممهورة أيضا وعليها العلامة والختم وهي متضمنه ما في الكبيرة وعلى ذلك كان استمرار الحال إلى هذا الأوان من قرون خلت ومدد مضت.
وفيه أيضا حرروا دفتر الإقليم البحيرة بمساحة الطين الري والشراقي واضافوا إليه طين الاوسية والرزق وكتبوا بذلك مناشير واخرج المباشرون كشوفاتها بأسماء الملتزمين فضج الناس واجتمعوا إلى مشايخ الأزهر وتشكوا فوعدوهم بالتكلم في شأن ذلك بعد التثبت.
وفيه قبض اغات التبديل على شخص من أهل العلم من اقارب السيد
حسن البقلي وحبسه فأرسل المشايخ يترجون في اطلاقة فلم يفعل وأرسله إلى القلعة.
وفيه سعى محمد أفندي طبل ناظر المهمات لصديقه السيد سلامه النجاري عند الباشا في انعام ووظيفة وسبب ذلك أن المذكور أرسل جملة طاقات من الاقمشة الهندية الغريبة المقصبة وغيرها وحصانا من اعظم خيول المصريين كان اشتراه منهم هدية إلى محمد أفندي المذكور فاقتضت مروأته أنه أخذها وقدمها للباشا وقال له: إن السيد سلامة أحضر هذه الهدية لافندينا شكرا لانعامه السابق عليه فقبلها الباشا وانعم عليه بعشرة أكياس وأمر محمد أفندي بأن يجعله في وظيفة معه.
وفيه أيضا شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين بأنواع الاقمشة وباعة النعالات التي هي الصرم والبلغ وجعلوا عليها ختمية فلا يباع منها شيء حتى يعلم بيد الملتزم ويختم وعلى وضع الختم والعلامة قدر مقدر بحسب تلك البضاعة وثمنها فزاد الضجيج واللغط في الناس.
وفي يوم السبت سابع عشره حضر المشايخ بالأزهر على عادتهم لقراءة الدروس فحضر الكثير من النساء والعامة وأهل المسجون وهم يصرخون ويستغيثون وابطلوا الدروس واجتمع المشايخ بالقبلة وأرسلوا إلى السيد عمر النقيب فحضر إليهم وجلس معهم ثم قاموا وذهبوا إلى بيوتهم ثم اجتمعوا في ثاني يوم وكتبوا عرضحال إلى الباشا يذكرون فيه المحدثات من المظالم والبدع وختم الامتعة وطلب مال الاوسية والرزق والمقاسمة في الفائظ وكذلك أخذ قريب البقلي وحبسه بلا ذنب وذلك بعد أن جلسوا مجلسا خاصا وتعاهدوا وتعاقدوا على الاتحاد وترك المنافرة وعند ذلك حضر ديوان أفندي وقال الباشا: يسلم عليكم ويسأل عن مطلوباتكم فعرفوه بما سطروه اجمالا وبينوه له تفصيلا فقال: ينبغي ذهابكم إليه وتخاطبونه مشافهة بما تريدون وهو لا يخألف أوامركم ولا يرد شفاعتكم وإنما القصد أن تلاطفوه في الخطاب لأنه شاب مغرور جاهل
وظالم غشوم ولا تقبل نفسه التحكم وربما حمله غروره على حصول ضرر بكم وعدم انفاذ الغرض فقالوا: بلسان واحد لا نذهب أبدا ما دام يفعل هذه الفعال فإن رجع عنها وامتنع عن احداث البدع والمظالم عن خلق الله رجعنا إليه وترددنا عليه كما كنا في السابق فاننا بايعناه على العدل لا على الظلم والجور فقال لهم: ديوان أفندي وأنا قصدي أن تخاطبوه مشافهه ويحصل انفاذ الغرض فقالوا: لا نجتمع عليه أبدا ولا نثير فتنة بل نلزم بيوتنا ونقتصر على حالنا ونصبر على تقدير الله بنا وبغيرنا وأخذ ديوان أفندي العرضحال ووعدهم برد الجواب ثم بعد رجوعه اطلقوا قريب السيد حسن البقلي الذي كان محبوسا ولم يعلم ذلك ثم انتظروا عودة ديوان أفندى فابطأ عليهم وتأخر عوده إلى خامس يوم بعد الجمعية فاجتمع الشيخ المهدي والشيخ الدواخلي عند محمد أفندي طبل ناظر المهمات وثلاثتهم في نفسهم للسيد عمر ما فيها وتناجوا مع بعضهم ثم انتقلوا في عصريتها وتفرقوا وحضر المهدي والدواخلي إلى السيد عمر وأخبره أن محمد أفندي ذكر لهم أن الباشا لم يطلب مال الاوسية ولا الرزق وقد كذب من نقل ذلك وقال: إنه يقول: إني لا اخألف أوامر المشايخ وعند اجتماعهم عليه ومواجهته يحصل كل المراد فقال السيد عمر: أما انكاره طلب مال الرزق والاوسية فها هي أوراق من أوراق المباشرين عندي لبعض الملتزمين مشتمله على الفضة ونصف الفائظ ومال الاوسية والرزق وأما الذهاب إليه فلا اذهب إليه ابدا وأن كنتم تنقضون الإيمان والعهد الذي وقع بيننا فالرأي لكم ثم انفض المجلس وأخذ الباشا يدبر في تفريق جمعهم وخذلان السيد عمر لما في نفسه منه من عدم انفاد اغراضه ومعارضته له في غالب الأمور ويخشى صولته ويعلم أن الرعية والعامة تحت أمره أن شاء جمعهم وأن شاء فرقهم وهو الذي قام بنصره وساعده واعانه وجمع الخاصة والعامة حتى ملكه الإقليم ويرى أنه أن شاء فعل بنقيض ذلك فطفق يجمع إليه بعض افراد من أصحابه المظاهر ويختلي معه ويضحك إليه
فيغتر بذلك ويرى أنه صار من المقربين وسيكون له شأن أن وافق ونصح فيفرغ له جراب حقده ويرشده بقدر اجتهاده لما فيه من المعاونه ثم في ليلتها حضر ديوان أفندي وعبد الله بكتاش الترجمان وحضر المهدي والدواخلي الجميع عند السيد عمر وطال بينهم الكلام والمعالجة في طلوعهم ومقابلتهم الباشا ورقرق لذلك كل من المهدي والدواخلي والسيد عمر مصمم على الامتناع ثم قالوا: لا بد من كون الشيخ الأمير معنا ولانذهب بدونه فاعتذر الشيخ الأمير بانه متوعك ثم قام المهدي والدواخلي وخرجا صحبة ديوان أفندي والترجمان وطلعوا إلى القلعة وتقابلوا مع الباشا ودار بينهم الكلام وقال في كلامه: أنا لا ارد شفاعتكم ولا اقطع رجاءكم والواجب عليكم إذا رأيتم مني انحرافا أن تنصحوني وترشدوني ثم أخذ يلوم على السيد عمر في تخلفه وتعنته ويثني على البواقي وفي كل وقت يعاندني ويبطل احكامي ويخوفني بقيام الجمهور فقال الشيخ المهدي: هو ليس إلا بنا وإذا خلا عنا فلا يسوي بشيء أن هو إلا صاحب حرفة أو جابي وقف يجمع الايراد ويصرفه على المستحقين فعند ذلك تبين قصد الباشا لهم ووافق ذلك ما في نفوسهم من الحقد للسيد عمر والشيخ الدواخلي حضوره نيابة عن الشيخ الشرقاوي وعن نفسه ثم تناجوا معه حصة وقاموا منصرفين مذبذبين ومظهرين خلاف ما هو كامن في نفوسهم من الحقد وحظوظ النفس غير مفكرين في العواقب وحضروا عند السيد عمر وهو ممتليء بالغيظ مما حصل من الشذوذ ونقض العهد فأخبروه بأن الباشا لم يحصل منه خلاف وقال: أنا لا أرد شفاعتكم ولكن نفسي لا تقبل التحكم والواجب عليكم إذا رأيتموني فعلت شيئا مخالفا أن تنصحوني وتشفعوا فأنا لا أردكم ولا امتنع من قبول نصحكم وأما ما تفعلونه من التشنيع والاجتماع بالأزهر فهذا لا يناسب منكم وكأنكم تخوفوني بهذا الاجتماع وتهيج الشرور وقيام الرعية كما كنتم تفعلون في زمان المماليك فأنا لا أفزع من ذلك وأن حصل من الرعية أمر ما فليس لهم عندي إلا السيف
والانتقام فقلنا له هذا لا يكون ونحن لانحب ثوران الفتن وإنما اجتمعنا لأجل قراءة البخاري وندعو الله برفع الكرب ثم قال: أريد أن تخبروني عمن انتبذ لهذا الأمر ومن ابتدا بالخلف فغالطناه وأنه وعدنا بابطال الدمغة وتضعيف الفائظ إلى الربع بعد النصف وانكر الطلب بالاوسية والرزق من إقليم البحيرة ثم قاموا منصرفين وانفتح بينهم باب النفاق واستمر القال والقيل وكل حريص على حظ نفسه وزيادة شهرته وسمعته ومظهر خلاف ما في ضميره.
واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الجمعة سنة 1224
فيه حضر ديوان أفندي وعبد الله بكتاش الترجمان واجتمع المشايخ ببيت السد عمر وتكلموا في شأن الطلوع إلى الباشا ومقابلته فحلف السيد عمر أنه لا يطلع إليه ولايجتمع به ولايرى له وجها إلا إذا ابطل هذه الاحدوثات وقال: إن جميع الناس يتهموني معه ويزعمون أنه لا يتجارأ على شيء يفعله إلا بإتفاقي معه ويكفي ما مضى ومهما تقادم يتزايد الظلم والجور وتكلم كلاما كثيرا فلما لم يجبهم إلى الذهاب وقالوا: إذا يطلع المشايخ وأرسلوا الشيخ الأمير فاعتذر بأنه متوعك الجسم ولايقدر على الحركة ولا الركوب ثم اتفقوا على طلوع الشيخ عبد الله الشرقاوي والمهدي والدواخلي والفيومي وذلك على خلاف غرض السيد عمر وقد ظن أنهم يمتنعون لامتناعه للعهد السابق والإيمان فلما طلعوا إلى الباشا وتكلموا معه وقد فهم كل منهم لغة الآخر الباطنية ثم ذاكروه في أمر المحدثات فأخبرهم أنه يرفع بدعة الدمغة وكذلك يرفع الطلب عن الاطيان والاوسية وتقرير ربع الفائظ وقاموا على ذلك ونزلوا إلى بيت السيد عمر وأخبروه بما حصل فقال: واعجبكم ذلك قالوا: ثلاث قال: إنه أرسل يخبرني بتقرير ربع المال الفائظ فلم أرض وابيت إلا رفع ذلك بالكلية فإنه في العام السابق لما طلب احداث الربع قلت له هذه تصير سنة متبعة فحلف أنها إثنين قوله قالوا: قال: الخ هكذا في جميع النسخ التي معنا
ولعله قالوا: لا أو نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الاصل لا تكون بعد هذا العام ولعله قالوا: أو نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الاصل لا تكون بعد هذا العام وذلك لضرورة النفقة وأن طلبها في المستقبل يكون ملعونا ومطرودا من رحمة الله وعاهدني على ذلك وهذا في علمكم كما لا يخفاكم قالوا: نعم وأما قوله أنه رفع الطلب عن الاوسية والرزق فلا أصل لذلك وهاهي أوراق البحيرة وجهوا بها الطلب فقالوا: اننا ذكرنا له ذلك فأنكر وكابرناه بأوراق البحيرة الطلب فقال: إن السبب في طلب ذلك من إقليم البحيرة خاصة وأن الكشافين لما نزلوا للكشف على أراضي الري والشراقي ليقرروا عليها فرضة الاطيان حصل منهم الخيانة والتدليس فإذا كان في أرض البلدة خمسمائة فدان ري قالوا: عليها مائة وسموا الباقي رزقا واوسية فقررت ذلك عقوبة لهم في نظيرته لبسهم وخيانتهم فقال السيد عمر: وهل ذلك أمر واجب فعله اليس هو مجرد جور وظلم احدثه في العام الماضي وهي فرضة الاطيان التي ادعى لزومها لإتمام العلوفة وحلف أنه لا يعود لمثلها فقد عاد وزاد وأنتم توافقونه وتسايرونه ولا تصدونه ولاتصدعونه بكلمة وأنا الذي صرت وحدي مخألف وشإذا ووجه عليهم اللوم في نقضهم العهد والإيمان وانفض المجلس وتفرقت الاراء وراج سوق النفاق وتحركت حفائظ الحقد والحسد وكثر سعيهم وتناجيهم بالليل والنهار والباشا يراسل السيد عمر ويطلبه للحضور إليه والاجتماع به ويعده بانجاز ما يشر عليه به وأرسل إليه كتخدا ليترفق به وذكر له أن الباشا يرتب له كيسا في كل يوم ويعطيه في هذا الحين ثلثمائة كيس خلاف ذلك فلم يقبل ولم يزل الباشا متعلق الخاطر بسببه ويتجسس ويتفحص عن أحواله وعلى من يتردد عليه من كبار العسكر وربما اغرى به بعض الكبار فراسلوه سرا واظهروا له كراهتهم للباشا وأنه أن انتبذ لمفاقمته ساعدوه وقاموا بنصرته عليه فلم يخف على السيد عمر مكرم ولم يزل مصمما وممتنعا عن الاجتماع به والامتثال إليه ويسخط عليه والمترددون أيضا ينقلون ويحرفون بحسب الاغراض والاهواء واتفق في اثناء ذلك أن الباشا أمر بكتابة عرضحال
بسبب المطلوب لوزير الدولة وهي الأربعة آلاف كيس ويذكر فيه أنها صرفت في المهمات منها ما صرف في سد ترعة الفرعونية ومبلغه ثمانمائة كيس وعلى تجاريد العساكر لمحاربة الأمراء المصرية حتى دخلوا في الطاعة كذلك مبلغا عظيما وما صرف في عمارة القلعة والمجراة التي تنقل المياه إليها مبلغا أيضا وكذلك في حفر الخلجان والترع ونقص المال الميري بسبب شراقي البلاد ونحو ذلك وارسله إلى السيد عمر ليضع خطه وختمه عليه فامتنع وقال: أما ما صرفه على سد الترعة فإن الذي جمعه وجباه من البلاد يزيد على ما صرفه اضعافا كثيرة وأما غير ذلك فكله كذب لا أصل له وأن وجد من يحاسبه على ما أخذ من القطر المصري من الفرض والمظالم لما وسعته الدفاتر فلما ردوا عليه وأخبروه بذلك الكلام حنق واغتاظ في نفسه وطلبه للاجتماع به فامتنع فلما أكثر من التراسل قال: إن كان ولا بد فاجتمع معه في بيت السادات وأما طلوعي إليه فلا يكون فلما قيل له في ذلك ازداد حنقه وقال: إنه بلغ به أن يزدريني ويرذلني ويأمرني بالنزول من محل حكمي إلى بيوت الناس.
ولما أصبح يوم الأربعاء سابع عشرينه ركب الباشا وحضر إلى بيت ولده إبراهيم بك الدفتردار وطلب القاضي والمشايخ المذكورين وأرسل السيد عمر رسولا من طرفه ورسولا من طرف القاضي يطلبه للحضور ليتحاقق ويتشارع معه فرجعا وأخبرا بأنه شرب دواء ولا يمكنه الحضور في هذا اليوم وكان قد أحضر شيخ السادات الوفائية والشيخ الشرقاوي فعند ذلك أحضر الباشا خلعة والبسها لشيخ السادات على نقابة الاشراف وأمر بكتابة فرمان بخروج السيد عمر ونفيه من مصر يوم تاريخه فتشفع المشايخ في إمهاله ثلاثة أيام حتى يقضي اشغاله فأجاب إلى ذلك ثم سأله في أن يذهب إلى بلده اسيوط فقال: لا يذهب إلى اسيوط ويذهب أما إلى سكندرية أو دمياط فلما ورد الخبر على السيد عمر بذلك قال: أما منصب النقابة فإني راغب عنه وزاهد فيه وليس فيه إلا التعب وأما النفي فهو غاية
مطلوبي وارتاح من هذه الورطة ولكن أريد أن يكون في بلدة لم تكن تحت حكمه إذا لم ياذن لي في الذهاب إلى اسيوط فلياذن لي في الذهاب الطور أو إلى ورثه فعرفوا الباشا فلم يرض إلا بذهابه إلى دمياط ثم أن السيد عمر أمر بأشجاويش أن يأخذه الجاويشية ويذهب بهم إلى بيت السادات وأخذ في أسباب السفر.
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه الموافق لخامس مسري القبطي اوفي النيل المبارك ونودي بالوفاء تلك الليلة وخرج الناس لأجل الفرجة والضيافات في الدور والمطلة على الخليج فلما كان آخر النهار برزت الأوامر بتأخير الموسم لليلة السبت بالروضة فبرد طعام أهل الولائم والضيافات وتضاعفت كلفهم ومصاريفهم وحصلت الجمعية ليلة السبت بالروضة وعند قنطرة السد وعملوا الحراقات والشنك وحضر الباشا وأكابر دولته والقاضي وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج وانفض الجمع.
وفي ذلك اليوم اعتنى السيد محمد المحروقي بأمر السيد عمر وذهب إلى الباشا وكلمه وأخبره بأنه اقامه وكيلا على أولاده وبتيه وتعلقاته فأجازه بذلك وقال: هو آمن من كل شيء وأنا لم ازل اراعي خاطره ولا افوته ثم أرسل السيد المحروقي فأحضر بن ابنه السيد عمر فقابل به الباشا وطمن خاطره ولكن قال: لا بد من سفره إلى دمياط وعندما طلب السيد المحروقي الغلام إلى الباشا اشيع في الناس وقوع الرضا وتناقل الناس ذلك وفرح أهل منزله وزغرطوا وسروا واستمروا على ذلك حتى رجع الغلام وتبين أنه لاشيء فانقلب الفرح بالترح وتعين بالسفر صحبة السيد عمر كتخدا الألفي إلى دمياط.
واستهل شهر رجب بيوم الأحد سنة 1224
فيه اجتمع المودعون للسيد عمر ثم حضر محمد كتخدا المذكور فعند وصوله قام السيد عمر وركب في الحال وخرج صحبته وشيعه الكثير من المتعممين وغيرهم وهم يتباكون حوله حزنا على فراقه وكذلك اغتم الناس
على سفره وخروجه من مصر لأنه كان ركنا وملجأ ومقصدا للناس ولتعصبه على نصرة الحق فسار إلى بولاق ونزل في المركب وسافر من ليلته باتباعه وخدمه الذين يحتاج إليهم إلى دمياط.
وفي صبح ذلك اليوم حضر الشيخ المهدي عند الباشا وطلب وظائف السيد عمر فأنعم عليه الباشا بنظر أوقاف الإمام الشافعي ونظر وقف سنان باشا ببولاق وحاسب على المنكسر له من الغلال مدة أربع سنوات فامر بدفعها له من خزينته نقدا وقدرها خمسة وعشرون كيسا وذلك في نظير اجتهاده في خيانة السيد عمر حتى اوقعوا به ما ذكر.
وفيه تقيد الخواجا محمود حسن بزرجان باشا بعمارة القصر والمسجد الذي يعرف بالآثار النبوية فعمرها على وضعها القديم وقد كان آل إلى الخراب.
وفي يوم الثلاثاء خلع الباشا على ثلاثة من الأجناد المصرية المنسوبين لسليمان بك البواب وقلدهم صناجق وأمراء الوقت وضم إليهم عساكر اتراك وارنؤد ليسافر الجميع إلى الجهة القبلية بسبب عصيان الأمراء المرادية وتوقفهم عن دفع المال والغلال وكذلك عين للسفر أيضا أحمد أغا لاظ وصالح قوج وبونابارته وحسن باشا وعابدين بك فارتجت البلد وطلبوا المراكب فتعطل المسافرون إلى الجهة القبلية والبحرية وكذلك امتنع مجيء الواصلين بالغلال والبضائع خوفا من التسخير وقد كان حصل بعض الاطمئنان وسلوك الطريق القبلية ووصول المراكب بالغلال والمجلوبات.
وفي عاشره سافر أحمد أغا لاظ وصالح قوج خرجوا بعساكرهم ونزلوا في المراكب وذهبوا إلى قبلي.
وفيه حضر محمد كتخدا الألفي من دمياط راجعا من تشييع السيد عمر ووصوله إلى دمياط واستقراره بها.
وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر من كان متأخرا إلى الجهة القبلية ولم يبق منهم أحد.
وفي ثالث عشرينه نادى منادي المعمار على أرباب الاشغال في العمائر من البنائين والحجارين والفعله بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائنا من كان وأن يجتمع الجميع في عمارة الباشا بناحية الجبل.
وفي تاسع عشرينه وردت أخبار عن التجريدة ازعجت الباشا فاهتم اهتماما عظيما وقصد الذهاب بنفسه ونبه على جميع كبراء العساكر بالخروج وأن لا يتخلف منهم أحد حتى أولاده إبراهيم بك الدفتردار وطوسون بك وأنه هو المتقدم عنهم في الخروج في يوم الخميس واستعجل التشهيل والطلب وأمر بتحرير دفتر فرضة ترويجة على إقليم المنوفيه والغربية والشرقية القليوبية وذكروا أنها من أصل حساب الشهرية المبتدعة.
وفيه تقلد حسن أغا الشماشرجي كشوفيه المنوفيه وارخى لحيته على ذلك.
استهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1224
فيه نمق مشايخ الوقت عرضحال في حق السيد عمر بأمر الباشا ليرسله صحبة السلحدار وذكروا فيه سبب عزله ونفيه عن مصر وعدوا له مثالب ومعايب وجنحا وذنوبا منها أنه ادخل في دفتر الاشراف أسماء أشخاص ممن اسلم من القبط واليهو ومنها أنه أخذ من الألفي في السابق مبلغا من المال ليملكه مصر في أيام فتنة أحمد باشا خورشيد ومنها أنه كاتب الأمراء المصريين أيضا في وقت الفتنة حين كانوا بالقرب من مصر ليحضروا على حين غفلة في يوم قطع الخليج وحصل لهم ماحصل ونصر الله عليهم حضرة الباشا ومنها أنه أراد ايقاع الفتن في العساكر لينقض دولة الباشا ويولي خلافه ويجمع عليه طوائف المخاربة والصعائدة واخلاط العوام وغير ذلك وذلك على حد من اعان ظالما سلط عليه وكتبوا عليه أسماء المشايخ وذهبوا به إليهم ليضعوا ختومهم عليه فامتنع البعض من ذلك وقال: هذا كلام لا أصل له ووقع بينهم محاججات ولام الاعاظم الممتنعين على الامتناع وقالوا: لهم أنتم لستم بأروع منا واثبت لنفسه ورعا وحصل بينهم منافسات
ومخالفات ومقابحات ثم غيروا صورة العرضحال بأقل من التحامل الأول وكتب عليه بعض الممتنعين وكان من الممتنعين أولا وآخرا السيد أحمد الطحطاوي الحنفي فزادوا في التحامل عليه وخصوصا شيخ السادات أو الشيخ الأمير وخلافهما واتفق أنه دعى في وليمة عند الشيخ الشنواني بحارة خوشقدم وتأخر حضوره عنهم فصادفهم حال دخوله إلى المجلس وهم خارجون فسلم عليهم ولم يصافحهم لما سبق منهم في حقه من الايذاء فتطأول عليه ابن الشيخ الأمير ورفع صوته بتوبيخه وشتمه لكونه لم يقبل يد والده ويقول له في جملة كلامه: أليس هو إلا قليل الادب والحياء ثالث طبقة للشيخ الوالد ونحو ذلك.
وفي ثالثه سافر الباشا إلى الجهة القبلية وتبعه العساكر.
وفي منتصفه خرجت الدلاة والارنؤد وباقي الأجناد والعسكر وأقام الباشا كتخدا بك قائم مقامه وأقام بالقلعة.
وفيه اتفق الأشياخ والمتصدرون على عزل السيد أحمد الطحطاوي من افتاء الحنفية وأحضروا الشيخ حسين المنصوري وركبوا صحبته وطلعوا به إلى القلعة بعد أن مهدوا القضية فالبس قائمقام الشيخ حسينا فروة ثم نزلوا ثم طاف للسلام عليهم وخلعوا هم عليه أيضا خلعهم فلما بلغ الخبر السيد أحمد الطحطاوي طوى الخلع التي كانوا البسوها له عند ما تقلد الافتاء بعد موت الشيخ إبراهيم الحريري في جمادي الأولى بقرب عهد وارسلها لهم وكان الشيخ السادات البسه حين ذاك فروة فلما ردها عليه احتد وغتاظ وأخذ يسبه ويذكر لجلسائه جرمه ويقول: انظروا إلى هذا كأنه يجعلني مثل الكلب الذي يعود في قيئه ونحو ذلك.
وأما السيد أحمد فإنه اعتكف في داره لا يخرج منها إلا إلى الشيخونية بجواره واعتزلهم وترك الخلطة بهم وتباعد عنهم وهم يبالغون في ذمه والحط عليه لكونه لم يوافقهم في شهادة الزور والحامل لهم على ذلك كله الحظوظ النفسانية والحسد مع أن السيد عمر كان ظلا ظليلا عليهم وعلى
أهل البلدة ويدافع ويرافع عنهم وعن غيرهم ولم تقم بعد خروجه من مصر راية ولم يزالوا بعده في انحطاط وانخفاض.
وأما السيد عمر فأن الذي وقع له بعض ما يستحقه ومن اعان ظالما سلط عليه ولايظلم ربك احدا.
وفي ثالث عشره سافر حسن باشا وعساكر الارنؤد وتتابعوا في الخروج وتحدث الناس بروايات عن الباشا والأمراء المصرين وصلحة معهم وأن عثمان بك حسن ومحمود بك المنفوخ ومحمد بك الابراهيمي وصلوا عند الباشا وقابلوه وأنه أرسل إلى إبراهيم بك الكبير ولده طوسون باشا فتلقاه واكرمه وأرسل هو أيضا ولده الصغير إلى الباشا فأكرمه ووصل إلى مصر بعض نساء حريمه وحريم الامراء.
واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1224
وفي أواخره وصل طائفة من الدلاتية من ناحية الشام ودخلوا إلى مصر وهم في حالة رثة كما حضر غيرهم وصحبتهم من المخنثين المعروفين بالخولات الذين يتكلمون بالكلام المؤنث ومعهم دفوف وطنابير.
وفي أواخره حرروا دفتر الاطيان على ضريبة واحدة عن كل فدان خسمة ريالات غير البراني والخدم ولم يحصل في ذلك مراجعة ولا كلام ولا مرافعة في شيء كما وقع في العام الماضي والذي قبله في المراجعة بحسب الري والشراقي وأما في هذه السنة فليس فيها شراقي فحسابها بالمساحة الكاملة لعموم الري فإن النيل في هذه السنة زاد زيادة مفرطة وعلا على الاعالي وتلف بزيادته المفرطة الدراوي والاقصاب بقبلي وكذلك غرق مزارع الأرز والسمسم والقطن وجنائن كثيرة بالبحر الشرقي بسبب انسداد ترعة الفرعونية بتلك الناحية ولما تمموا تحرير الدفاتر على النسق المطلوب والباشا بقبلي وأرسل بطلبها ليطلع عليها فسافر إليه بها المعلم غالي وأخذ صحبته أحمد أفندي اليتيم من طرف الروزنامة وعبد الله بكتاش الترجمان فذهبوا إليه باسيوط واطلعوه عليها فحتم عليها وانقضى
شهر مضان.
واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة 1224
في ثالث عشرة حضر المعلم غالي وأحمد أفندي وبكتاش وغيرهم من غيبتهم وحضر أيضا في أثرهم المعلم جرجس الجوهري وقد تقدم أنه خرج من مصر هاربا إلى الجهة القبلية واختفى مدة ثم حضر بأمان إلى الباشا وقابله واكرمه ولما حضر نزل في بيته الذي بحارة الونديك وفرشه له المعلم غالي وقام له بجميع لوازمه وذهب الناس مسلمهم ونصرانيهم وعالمهم وجاهلهم للسلام عليه.
وفي يوم الثلاثاء عشرينه وصل الباشا على حين غفلة إلى مصر في تطريدة وقد وصل من اسيوط إلى ناحية مصر القديمة في ثلاثين ساعة وصحبته ابنه طوسون وبونابارته الخازندار وسليمان أغا الوكيل سابقا لاغير فركبوا حميرا متنكرين حتى وصلوا إلى القلعة من ناحية الجبل وطلع من باب الجبل وعند طلوعه من السفينة أمر ملاحيها أن لا يذكروا لاحد وصوله حتى يسمعوا ضرب المدافع من القلعة ثم طلع إلى سرايته ودخل إلى الحريم فلم يشعروا به إلا وهو بالحريم وعند ذلك أمر بضرب المدافع واشيع حضوره فركب كتخدا بك وغيره مسرعين لملاقاته ثم بلغهم طلوعه إلى القلعة فرجعوا على أثره وكان الخواجا محمود حسن البزرجان خرج لملاقاته قبل وصوله بثلاثة أيام إلى ناحية الاثار واخرج معه مطابخ واغناما واستعد لقدومه استعدادا زائدا وذهب تعبه في الفارغ البطال ثم بعد وصول الباشا بثلاثة أيام وصلت طوائف العسكر وعظائمهم ومعهم المنهوبات من الغلال والاغنام والفحم والحطب والقلل وأنواع التمر وغير ذلك حتى اخشاب الدور وأبوابها.
وفي يوم الإثنين وصل حسن باشا وطوائف الارنؤد وصالح قوج والدلاة والترك ووصل أيضا شاهين بك الألفي وصحبته محمد بك المنفوخ المرادي ومحمد بك الابراهيمي وهم الذين حضورا في هذه المرة
من المخالفين وقيل أن البواقي أخذوا مهلة لبعد التحضير وأما إبراهيم بك تابع الاشقر ومحمد أغا تابع مراد بك الصغير وصحبتهما عساكر فذهبا إلى ناحية السويس بسبب وصول طائفة من العربات قالوا: إنها من التابعة للوهابيين حضروا وأقاموا عند بئر الماء ومنعوا السقيا منها.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت سنة 1224
وفيه حضر إبراهيم بك ابن الباشا وباقي العسكر وسكنوا الدور وازعجوا الناس واخرجوهم من مساكنهم ومنازلهم ببولاق ومصر وغيرهما واتفق أن بعض ذوي المكر من العسكر عندما أراد السفر إلى جهة قبلي أرسل لصاحب الدار التي هو غاصبها وساكن فيها فأحضره وسلمه المفتاح وهو يقول له: تسلم يا اخي دارك واسكنها بارك الله لك فيها وسامحني وابريء ذمتي فربما إني اموت ولا ارجع ولأن الكثير منهم تولى المناصب والامريات بالجهة القبلية وعندما يتسلم صاحب الدار داره يفرح بخلاصها ويشرع في عمارتها واعادة ما تهدم منها فيكلف نفسه ولو بالدين ويعمرها فما هو إلا أن تمم العمارة والمرمة في مدة غيبتهم فما يشعر إلا وصاحبه داخل عليه بحصانه وجمله وخدمه فما يسع الشخص إلا الرحلة ويتركها لغريمه وقد وقع ذلك لكثير من الناس المغفلين.
وفيه وصلت أخبار بأن عمارة الفرنساوية نزلت إلى البحر وعدة مراكبهم مائتان وسبعة عشر مركبا محاربين لا يعلم قصدهم أي جهة من الجهات وحضر ثلاثة أشخاص من الططر المعدين لتوصيل الأخبار وبيدهم مرسوم مضمونه الأمر بالتحفظ على الثغور فعند ذلك أمر الباشا بالاستعداد وخروج العساكر إلى الثغور.
وفي يوم السبت ثامنه سافر جملة من العسكر إلى ناحية بحرى فسافر كبير منهم ومعه جملة من العسكر إلى سكندرية وكذلك سافر خلافه إلى رشيد والى دمياط وابي قير والبرلس.
وفي ليلة الإثنين ثامن عشره ركب الباشا ليلا وخرج مسافرا إلى
السويس ليكشف قلاع القلزم وقام له بالاحتياجات من أحمال الماء والعليق والزوادة واللوازم السيد محمد المحروقي وكان خروجه ومن معه على الهجن.
وفي ليلة الأحد رابع عشرينه حضر الباشا من السويس وكان وصوله ليلا وطلع إلى القلعة.
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الأحد سنة 1224
فيه شرع الباشا في انشاء مراكب ببحر القلزم فطلب الاخشاب الصالحة لذلك وأرسل المعينين لقطع اشجار التوت والنبق من القطر المصري القبلي والبحري وغيرها من الاخشاب المجلوبة من الروم وجعل بساحل بولاق ترسخانة وورشات وجمعوا الصناع والنجارين والنشارين فيهيؤنها وتحمل اخشابا على الجمال ويركبها الصناع بالسويس سفينة ثم يقلفونها ويبيضونها ويلقونها في البحر فعملوا أربع سفائن كبار إحداها تسمى الابريق وخلاف ذلك أدوات لحمل السفار والبضائع.
ومن الحوادث في آخره أن امرأة ذهبت إلى عرصة الغلة بباب الشعرية واشترت حنطة ودفعت في ثمنها قروشا فلما ذهبت نظروها ونقدوها فإذا هي من عمل الزغلية ثم عادت بعد أيام فاشترت الغلة ودفعت الثمن قروشا أيضا فذهب البائع معها إلى الصيرفي فوجدها مزغولة مثل الأولى فعلموا أنها الغريمة فقال لها: الصيرفي من اين لك هذا فقالت من زوجي فقبضوا عليها واتوا بها إلى الاغا فسألها الآغا عن زوجها فقالت هو عطار بسوق الأزهر فأخذها الآغا وحضر بها إلى بيت الشيخ الشرقاوي بعد العشاء وأحضروا زوجها وسألوه فقال: أنا أخذتها من فلان تابع الشيخ الشرقاوي فانفعل الشيخ وقال: إن يكن هو ابني فأنا برئ منه وطلبوه فتغيب واختفى وأخذ الآغا المرأة وزوجها وقررهما فأقر الرجل وعرف عن عدة أشخاص يفعلون ذلك وفيهم من مجاوري الأزهر فلم يزل يتجسس ويتفحص ويستدل على البعض بالبعض وقبض على أشخاص ومعهم العدد والالات
وحبسهم أيضا بالقلعة عند كتخدا بك وفر ناس من مجاوري الأزهر من مصر لما قام بهم من الوهم وفي كل يوم يشاع بالتنكيل والتجريس للمقبوض عليهم وقتلهم ولم يزل الآغا يتجسس حتى جمعوا ست عشرة عدة وارسلوها إلى بيت محمد أفندي ناظر المهمات وسألوا الحدادين عمن اصطنع هذه العدد منكم فأنكروا وجحدوا وقالوا: هذا من صناعة الشام ثم كسروها وابطلوها وطال أمر المحبوسين والتفحص عن غيرهم فكان بعض المقبوض عليهم يعرف عن غيره أو شريكه فكانت هذه الحادثة من اشنع الحوادث خصوصا بنسبتها لخطة الأزهر فكان كل من اشتري شيئا ودفع الثمن للبائع قروشا ذهب بها إلى الصيرفي لأن في ذاك الوقت لم يكن موجودا بايدي الناس خلافها وكانوا يقولون في ذهابهم إلى الصيرفي: لربما تكون ازهرية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وانقضت السنة بحوادثها التي منها ما ذكر.
ومنها احداث بدعة المكس على النشوق وذلك أن بعض المتصدرين من نصارى الاروام أنهى إلى كتخدا بك أمر النشوق وكثرة المستعملين له والدقاقين والباعة وأنه إذا جمعت دقاقوه وصناعه في مكان واحد ويجعل عليهم مقادير ويلتزم به ويضبط رجاله وجمع ماله وايصاله إلى الخزينه من يكون ناظرا وقيما عليه كغيره من اقلام المكوس التي يعبرون عنها بالجمارك فانه يتحصل من ذلك مال له صورة فلما سمع كتخدا بك ذلك أنهاه إلى مخدومه فأمر في الحال بكتابة فرمان بذلك واختار الذي جعلوه ناظرا على ذلك خانا بخطة بين الصورين ونادوا على جميع صناع النشوق وجمعوهم بذلك الخان ومنعوهم من جلوسهم بالأسواق والخطط المتفرقة والقيم على ذلك يشتري الدخان المعد لذلك من تجاره بثمن معلوم حدده لا يزيد على ذلك ولايشتريه سواه وهو يبيعه على صناع النشوق بثمن حدده ولاينقص عنه ومن وجده باع شيئا من الدخان أو اشتراه أو سحق نشوقا خارجا عن ذلك الخان ولو لخاصة نفسه قبضوا عليه وعاقبوه
وغرموه مالا وعينوا معينين لجميع القرى والبلدان القبلية والبحرية ومعهم من ذلك الدخان فيأتون إلى القرية ويطلبون مشايخها ويعطونهم قدرا موزونا ويلزمونهم بالثمن المعين بالمرسوم الذي بيدهم فيقول أهل القرية: نحن لا نستعمل النشوق ولا نعرفه ولا يوجد عندنا من يصنعه وليس لنا به حاجة ولا نشتريه ولا نأخذه فيقال لهم: إن لم تأخذوه فهاتوا ثمنه فإن أخذوه أو لم يأخذوه فهم ملزومون بدفع القدر المعين المرسوم ثم كراء طريق المعينين وكلفتهم وعليق دوابهم.
ومنها أيضا النطرون فرقوه وفرضوه على القرى محتجين أيضا باحتياج الحياكة والقزازين إليه لغسل غزل الكتان وبياض قماشه ونحو ذلك واشنع من ذلك كله أنهم أرادوا فعل مثل هذا في الشراب المسكر المعروف بالعرقي والزام أهل القرى بأخذه ودفع ثمنه أن أخذوه أو لم يأخذوه فقيل لهم في ذلك فقالوا: إن شربه يقوى ابدانهم على اعمال الزرع والزراعة والحرث والكد في القطوة والنطالة والشادوف ثم بطل ذلك.
ومنها أن الباشا شرع في عمل زلاقة تجاه باب القلعة المعروف بباب الجبل موصلة إلى اعلى الجبل المقطم فجمعوا البنائين والحجارين والفعلة للعمل وحرقوا عدة قمينات للجير بجانب العمارة وطواحين للجبس ونودى بالمدينة على البنائين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائنا من كان ويجتمع الجميع في عمارة الباشا بالقلعة والجبل إلى أن كمل عملها في السنة التالية طريقا واسعا منحدرا من الاعلى إلى الأسفل ممتدا في المسافة سهلا في الطلوع إلى الجبل أو الانحدار منه بحيث يجوز عليه الماشي والراكب من غير مشقة ولا تعب كثير.
وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات العلامة المفيد والتحرير الفريد النبيه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد الحريري الحنفي مفتى مذهب السادات الحنفية كوالد تفقه على والده وحضر في المعقولات على أشياخ الوقت كالبيلي والدردير والصبان وغيرهم وانجب وتمهر
وصارت فيه ملكة جيدة واستحضار للفروع الفقهيه ولما مات والده في شهر رجب سنة عشرين ومائتين وألف تقلد منصب والده في الافتاء وكان لها أهلا مع التحري والمراجعة في المسائل المشكلة والعفة والصيانة والديانة والتباعد عن الأمور المخلة بالمروءة مواظبا لوظائفه ودروسه ملازما لداره إلا ما دعته الضرورة إليه من المواساة وحضور المجالس مع أرباب المظاهر وكان مبتلى بضعف البصر وبآخرته اعتراه داء الباسور وقاسي منه شدة وانقطع بسببه عن الخروج من داره ووصف له حكيم بدمياط فسافر إليه لأجل ذلك وقصد تغيير الهواء وذلك باشارة نسيبه الشيخ المهدي وقاسى اهوالا في معالجته وقطعه بالآلة فلم ينجح ورجع إلى مصر متزايد الالم ولم يزل ملازما للفراش حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه وتعالى في يوم الإثنين تاسع عشر جمادى الأولى من هذه السنة وصلى عليه بالأزهر ودفن بمدرسة الشعبانية بحارة الدويداري ظاهر حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الجامع الأزهر وخلف ولده النجيب الاديب سيدي محمد الملقب عبد المعطي بارك الله فيه واعانه على وقته.
ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ عبد المنعم ابن شيخ الإسلام السيخ أحمد العماوي المالكي الازهري وهو من أهل القرن الثاني عشر تفقه على الشيخ الزهار وغيره من علماء مذهبه وحضر الأشياخ المتقدمين كالدفري والحنفي والصعيدي والشيخ سالم النفراوي والشيخ الصباغ السكندري والشيخ فارس وقرأ الدرس وانتفع به الطلبة ولم يزل ملازما على القاء الدروس بالأزهر على طريقة المتقدمين مع العفة والديانة والانجماع عن الناس راضيا بحاله قانعا بمعيشته ليس بيده من التعلقات الدنيوية سوى النظر على ضريح سيدي أبي السعود أبي العشائر ولم يتجرأ على الفتيا مع أهليته لذلك وزيادة ولم تطمح نفسه لزخارف الدنيا وسفاسف الأمور مع التجمل في الملبس والمركب واظهار الغنى وعدم التطلع لما في أيدي الناس ويصدع بالحق في
المجالس ولا يتردد إلى بيوت الحكام والأكابر إلا في النادر بقدر الضرورة مع الانفة والحشمة ولا يشكو ضرورة ولا حاجة ولا زمانا ولم يزل على حالته حتى مرض أياما وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذى القعدة عن أربع وثمانين سنة وخرجوا بجنازته من منزله الكائن بدرب الحلفاء بالقرب من باب البرقية فمروا بالجنازة على خطة الجمالية علي النحاسين على الاشرفية ودخلوا من جارة الخراطين إلى الجامع الأزهر وصلي عليه في مشهد حافل ودفن على والده بتربة المجاورين وخلف من الأولاد الذكور أربعة رجال ذوي لحى صلحاء وخطهم الشيب خلاف البنات رحمه الله وعفا عنا وعنه.
ومات الفقيه النبيه الصالح الورع العالم المحقق الشيخ أحمد الشهير ببرغوت المالكي ومولده بالبلدة المعروفة باليهودية بالبحيرة تفقه على أشياخ العصر ومهر في الفقه والمعقول واقرأ الدروس وانتفع به الكطلبة واشتهر ذكره بينهم وشهدوا بفضله وكان على حالة حسنة منجمعا عن الناس وراضيا بما قسمه له مولاه منكسر النفس متواضعا ولم يتزى بعمامة الفقهاء يمشي في حوائجه وتمرض بالزمانة مدة سنين يتعكز بعصاه ولم يقطع درسه ولا اماليه حتى توفي إلى رحمه الله سبحانه وتعالى يوم الأربعاء خامس شهر صفر من السنة ودفن بتربة المجاورين رحمه الله.
ومات العمدة النحرير والنبيل الشهير الشيخ سليمان الفيومي المالكي ولد بالفيوم وحضر إلى مصر وحفظ القرآن وجاور برواق القيمة بالأزهر وكان في أول عمره يمشي خلف حمار الشيخ الصعيدي وعليه دراعة صوف وشملة صفراء ثم حضر دروسه ودروس الشيخ الدردير وغيرهما واختلط مع المنشدين وكان له صوت شجي فيذهب مع المتذكرين إلى بيوت الأعيان في الليالي فينشد الانشادات ويقرأ الاعشار فيعجبون به ويكرمونه زيادة على غيره واختلط ببعض الأعيان الذين يقال لهم: البرقوقية من ذرية السلطان برقوق وهم نظار على أوقافه فراج أمره وكثرت معارفه
بالاغوات الطواشية وبهم توصل إلى نساء الأمراء والسعي في حوائجهن وقضاياهن وصار له قبول زائد عندهن وعند ازواجهن وتجمل بالملابس وركب البغال واحدق به المحدقون وتزوج بامرأة بناحية قنظرة الأمير حسين وسكن بدارها فماتت فورثها ولما مات الشيخ محمد العقاد تعين المترجم لمشيخة رواق القيمة وبنى له محمد بك المعروف بالمبدول دارا عظيمة بحارة عابدين واشتهر ذكره وعلا شأنه وطار صيته وسافر في بعض مقتضيات الأمراء إلى دار السلطنة وعاد إلى مصر واقبلت عليه الهدايا من الأمراء والحريمات والاغوات والاقباط وغيرهم واعتنوا بشأنه وزوجته الست زليخا زوجة إبراهيم بك الكبير ببنت عبد الله الرومي وتصرف في أوقاف ابيها ومنها عزب البر تجاه رشيد وغيرها فاشتهر بالبلاد القبلية والبحرية وكان مع قلة بضاعته في العلم مشاركا بسبب التداخل في القضايا وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل مع حسن المعاشرة والبشاشة والتواضع والمواساة للكبير والصغير والجليل والحقير وطعامه مبذول للواردين ومن أتى في منزله إلى حاجة أو زائر لا يمكنه من الذهاب حتى يغديه أو يعشيه وإذا اتاه مسترقد ولم يجد معه أشياء اقترض واعطاه فوق مأموله ولا يبخل بجاهه وسعيه على أحد كائنا من كان بعوض وبدونه ومما اتفق له مرارا أنه يركب من الصباح في حوائج الناس فلا يعود إلا بعد العشاء الاخيرة فيلاقيه آخر ذو حاجة في نصف الطريق أو آخره فينهي إليه قصته أما بشفاعة عند أمير أو خلاص مسجون أو غير ذلك فيقف له ويستمع قصته وهو راكب فيقول له: في غد نذهب إليه فان الوقت صار ليلا فيقول صاحب الحاجة: هو في داره في هذا الوقت فيعود من طريقه مع صاحب الحاجة إلى ذلك الأمير ولو بعدت داره ويقضي حاجته ويعود بعد حصة من الليل وهكذا كان شأنه ولا ينتظر ولا يؤمل جعالة ولا اجرة نظير سعيه فان اتوه بشىء أخذه أو هدية قبلها قلت أو كثرت وشكرهم على ذلك فمالت إليه القلوب ووفدت إليه ذوو الحاجات من كل
ناحية فلا يرد أحدا ويستقبلهم بالبشاشة وينزلهم في داره ويطعمهم ويكرمهم ويستمرون في ضيافته حتى يقضى حوائجهم ويزودهم ويرجعون إلى اوطانهم مسرورين ومجبورين وشاكرين ثم يكافئونه بما امكنهم من المكافآت وإذا وصلت إليه هدية وصادف وصولها حضوره بالمنزل فرق منها على من بمجلسه من الحاضرين فبذلك انجذبت إليه القلوب وساد على اقرانه ومعاصريه ولما حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر وارتحل الأمراء المصريون إلى الصعيد وأحاط بدورهم وطلب الأموال من نسائهم وقبض على أولادهم وجواريهم وامهات أولادهم وانزلهم سوق المزاد التجأ إلى المترجم الكثير من نساء الأمراء الأمراء الكبار فآواهن واجهد نفسه في السعي في حمايتهن والرفق بهن ومواساتهن مدة إقامة حسن باشا بمصر وبعدها في إمارة إسمعيل بك فلما رجع ازواجهن بعد الطاعون إلى امارتهم ازداد قدر المترجم عندهم وقبوله ومحبته ووجاهته واشتهر عندهم بعدم قبوله الرشوة ومكارم الاخلاق والديانة والتورع فكان يدخل إلى بيت الأمير ويعبر إلى محل الحريم ويجلس معهن وينسرون بدخوله عندهن ويقولون: زارنا ابونا الشيخ وشاورنا ابانا الشيخ فأشار علينا بكذا ونحو ذلك ولم يزل مع الجميع على هذه الحالة إلى أن طرقت الفرنساوية البلاد المصرية واخرجوا منها الأمراء وخرج النساء من بيوتهن وذهبن إليه أفواجا أفواجا حتى امتلأت داره وما حولها من الدور بالنساء فتصدي لهن المترجم وتداخل في الفرنساوية ودافع عنهن واقمن بداره شهورا وأخذ أمانا لكثير من الأجناد المصرية وأحضرهم إلى مصر وأقاموا بداره ليلا ونهارا واحبه الفرنساوية أيضا وقبلوا شفاعاته ويحضرون إلى داره ويعمل لهم الولائم وساس أموره معهم وقرروه في رؤساء الديوان الذي رتبوه لاجراء الاحكام بين المسلمين ولما نظموا أمور القرى والبلدان المصرية على النسق الذي جعلوه رتبوا على مشايخ كل بلد شيخا ترجع أمور البلدة ومشايخها إليه وشيخ المشايخ المترجم مضافا ذلك لمشيخة الديوان وحاكمهم