الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبير فرنساوي يسمى ابريزون فازدحمت داره بمشايخ البلدان فيأتون إليه أفواجا ويذهبون أفواجا وله مرتب خاص خلاف مرتب الديوان واستمر معهم في وجاهته إلى أن انقضت أيامهم وسافروا إلى بلادهم وحضرت العثمانية والوزير والمترجم في عداد العلماء والمتصدرين وافر الحرمة شهير الذكر بعيد الصيت مرعى الجانب مقبول القول عند الأكابر والاصاغر ولما قتل خليل أفندي الرجائي الدفتردار وكتخدا بك في حادثة مقتل طاهر باشا التجأ إليه اخو الدفتردار وخازنداره وغيرهما وذهبوا إلى داره واقاموا عنده فحماهم وواساهم حتى سافروا إلى بلادهم ولم يزل على حالته حتى نزل به خلط بارد فأبطل شقه وعقد لسانه واستمر أياما وتوفي ليلة الأحد خامس عشر ذي الحجة وخرجوا بجنازته من بيته بحارة عابدين وصلى عليه بالأزهر في مشهد عظيم جدا مثل مشاهد العلماء الكبار المتقدمين وربما كان جمع النساء خلفه كجمع الرجال في الكثرة ووجدوا عليه ديونا نحو العشرة آلاف ريال سامحه أصحابها ولم يخلف من الأولاد إلا ابنتين رحمه الله وسامحه وعفا عنا وعنه آمين.
سنة خمس وعشرين ومائتين وألف
.
واستهل المحرم بيوم الإثنين فيه وردت الأخبار من الديار الرومية بغلبة الموسكوب واستيلائهم على ممالك كثيرة وأنه واقع بإسلامبول شدة حصر وغلاء في الاسعار وتخوف وانهم يذيعون في الممالك بخلاف الواقع لأجل التطمين.
وفي خامسه حضر إبراهيم أفندي القابجي الذي كان توجه إلى الدولة من مدة سابقة وعلى يده مراسيم بطلب ذخيرة وغلال وعملوا لقدومه شنكا ومدافع وطلع في موكب إلى القلعة.
وفيه رجع ديوان أفندي من ناحية قبلي وصحبته أحمد أغا شويكار فأقاما بمصر أياما ثم رجعا بجواب إلى الأمراء القبليين.
وفي ليلة السبت ثالث عشره حصلت زلزلة عجيبة وارتجت منها.
الجهات ثلاث درجات متواليات واستمرت نحو أربع دقائق فانزعج الناس منها من منامهم وصار لهم جلبة وقلقة وخرج الكثير من دورهم هاربين إلى الازقة يريدون الخلاص إلى الفضاء مع بعده عنهم وكان ذلك في أول الساعة السابعة من الليل وأصبح الناس يتحدثون بها فيما بينهم وسقط بسببها بعض حيطان ودور قديمة وتشققت جدران وسقطت منارة بسوس ونصف منارة بام اخنان بالمنوفية وغير ذلك لا نعلمه.
وفي عصر يوم السبت أيضا حصلت زلزلة ولكن دون الأولى فانزعج الناس منها أيضا وهاجوا ثم سكنوا ثم كثر لغط العالم بمعاودتها فمنهم من يقول: ليلة الأربعاء ومنهم من اسنده لبعض النصاري واليهود وأن رجلا نصرانيا ذهب إلى الباشا وأخبره بحصول ذلك واكد في قوله وقال له: احبسني وأن لم يظهر صدقي اقتلني وأن الباشا حبسه حتى يمضي الوقت الذي عينه ليظهر صدقه من كذبه وكل ذلك من تخيلاتهم واختلافاتهم واكاذيبهم وما يعلم الغيب إلا الله.
وفي يوم الأحد رابع عشره أمر الباشا بالاحتياط على بيوت عظماء الاقباط كالمعلم غالي والمعلم جرجس الطويل وأخيه وفلتيوس وفرانسيكو وعدتهم سبعة فأحضروهم في صورة منكرة وسمروا دورهم وأخذوا دفاترهم فلما حضروا بين يديه قال لهم: أريد حسابكم بموجب دفاتركم هذه وأمر بحبسهم فطلبوا منه الأمان وأن يأذن لهم في خطابه فأذن لهم فخاطبه المعلم غالي وخرجوا من بين يديه إلى الحبس ثم قرر عليهم بواسطة حسين أفندي الروزنامجي سبعة آلاف كيس بعد أن كان طلب منهم ثلاثين ألف كيس.
وفي يوم الخميس ثامن عشره شاع في الناس حصول زلزلة تلك الليلة وهي ليلة الجمعة ويكون ذلك في نصف الليل فتأهب غالب الناس للطلوع بخارج البلد فخرجوا بنسائهم وأولادهم إلى شاطيء النيل ببولاق ونواحي
الشيخ قمر ووسط بركة الازبكية وغيرها كذلك خرج الكثير من العسكر أيضا ونصبوا خياما في وسط الرميلة وقراميدان والقرافتين وقاسوا تلك الليلة من البرد ما لا يكيف ولا يوصف لأن الشمس كانت ببرج الدلو وهو وسط الشتاء ولم يحصل شيء مما اشاعوه واذاعوه وتوهموه وتسلق العيارون والحرامية تلك الليلة على كثير من الدور والأماكن وفتشوها فلما أصبح يوم الجمعة كثر التشكي إلى الحكام من ذلك فنادوا في الأسواق بأن لا أحد يذكر أمر الزلزلة وكل من خرج لذلك من داره عوقب فانكفوا وتركوا هذا اللفظ الفارغ.
وفيه ظهر انفار يقفون بالليل بصحن الجامع الأزهر فإذا قام إنسان لحاجته منفردا أخذوا ما معه واشيع ذلك فاجتهد الشيخ المهدي في الفحص والقبض على فاعل ذلك إلى أن عرفوا أشخاصهم ونسبهم وفيهم من هو من أولاد أصحاب المظاهر المتعممين فستروا امرهم واظهروا شخصا من رفقائهم ليس له شهرة واخرجوه من البلدة منفيا ونسبوا إليه الفعال وسينكشف ستر الفاعلين فيما بعد ويفتضحون بين العالم كما يأتي خبر ذلك في سنة سبع وعشرين وكذلك اخرجوا طائفة من القوادين والنساء الفواحش سكنوا بحارة الأزهر واجتمعوا في أهله حتى أن أكابر الدولة وعساكرهم بل وأهل البلد والسوقة جعلوا سمرهم وديدنهم ذكر الأزهر وأهله ونسبوا له كل رذيلة وقبيحة ويقولون: نرى كل موبقة تظهر منه من أهله وبعد أن كان منبع الشريعة والعلم صار بعكس ذلك وقد ظهر منه قبل الزغلية والآن الحرامية وأمور غير ذلك مخفية.
وفيه طلب الباشا تمهيد الطريق الموصلة من القلعة إلى الزلاقة التي انشأها طريقا يصعد منها إلى الجبل المقطم السابق ذكرها وأراد أن يفرض على الاخطاط والحارات رجالا للعمل بعدد مخصوص ومن اعتذر عن الخروج والمساعدة يفرض عليه بدلا عنه أو قدرا من الدراهم يدفعها نظير البدل واشيع هذا الأمر واستحضر الاوباش على الطبول والزمور كما كانوا
يفعلون في قضية عمارة محمد باشا وخسرو ثم أن الشيخ المهدم اجتمع بكتخدا بك وادخل عليه وهما أن محمد باشا خسرو لما فعل ذلك لم يتم له أمر وعزل ولم تطل أيامه ونحن نطلب دوام دولتكم والأولى ترك هذا الأمر فتركوا ذلك ولم يذكروه بعد.
واستهل شهر صفر الخير بيوم الأربعاء سنة 1225
فيه قلد الباشا خليل أفندي النظر على الروزنامجي وكتابه وسموه كاتب الذمة اي ذمة الميري من الايراد والمصرف وكان ذلك عند فتح الطلب بالميري عن السنة الجديدة فلا يكتب تحويل ولا تنبيه ولا تذكره حتى يطلعوه عليها ويكتب عليها علامته فتكدر من ذلك الروزنامجي وباقي الكتبة وهذه أول دسيسة ادخلوها في الروزنامة وابتداء فضيحتها وكشف سرها وذلك بإغراء بعض الافندية الخاملين أنهى إليهم أن الروزنامجي ومن معه من الكتاب يوفرون لأنفسهم الكثير من الأموال الميرية ويتوسعون فيها وفي ذلك اجحاف بمال الخزينة وخليل أفندي هذا كان كاتب الخزينة عند محمد باشا خسرو ولا يفيق من الشرب.
وفيه طلب الباشا ثلاثة أشخاص من كتبة الاقباط الذين كانوا متقيدين بقياس الأراضي بالمنوفية وضربهم وحبسهم لكونه بلغه عنهم أنهم أخذوا البراطيل والرشوات على قياس طين أراضي بعض البلاد ونقصوا من القياس فيما ارنوى من الطين وهي البدعة التي حدثت على الطين الري وسموها القياسة وقد تقدم ذكرها غير مرة وحررت في هذه السنة على الكامل لكثرة النيل وعموم الماء الأراضي على أنه بقي الكثير من بلاد البحيرة وغيرها شراقي بسبب عدم حفر الترع وحبس الحبوس وتجسير الجسور واشتغال الفلاحين والملتزمين بالفرض والمظالم وعجزهم عن ذلك.
وفي خامسه طلب الباشا كشاف الاقاليم وشرع في تقرير فرضة على البلاد بما يقتضيه نظره ونظر كشاف الاقاليم والمعلمين القبط فقرروا على اعلاها ثمانين كيسا والأدنى خمسة عشر كيسا ولم يتقيد بتحرير ذلك.
أحد من الكتبة الذين يحررون ذلك بدفاتر ويوزعونها على مقتضى الحال ولم يعطوا بالمقادير أوراقا لملتزمي الحصص كما كانوا يفعلون قبل ذلك فإن الملتزم كان إذا بلغه تقرير فرضة تدارك أمره وذهب إلى ديوان الكتبة وأخذ علم القدر المقرر على حصته وتكفل بها وأخذ منهم مهلة باجل معلوم وكتب على نفسه وثيقة وابقاها عندهم ثم يجتهد في تحصيل المبلغ من فلاحيه وأن لم يسعفوه في الدفع وحولوا عليه الطلب دفعه من عنده أن كان ذا مقدرة أو استدانه ولو بالربا ثم يستوفيه بعد ذلك من الفلاحين شيئا فشيئا كل ذلك حرصا على راحة فلاحي حصته وتامينهم واستقرارهم في وطنهم ليحصل منهم المطلوب من المال الميري وبعض ما يقتاتون به هم وعيالهم وأن لم يفعل ذلك تحول باستخلاص ذلك كاشف الناحية وعين على الناحية الاعوان بالطلب الحثيث وما ينضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وكلفهم وأن تأخر الدفع تكرر الإرسال والطلب على النسق المشروح فيتضاعف الهم وربما ضاع في ذلك قدر الأصل المطلوب وزيادة عنه مرة أو مرتين والذي يقبضونه يحسبونه بالفرط وهو في كل ريال عشرة انصاف فضة يسمونها ديواني فيقبض المباشر عن الريال تسعين نصفا فضة ويجعل التسعين ثمانين وذلك خلاف ما يقرره في أوراق الرسم من خدم المباشرين من كتبة القبط فينكشف حال الفلاح ويبيع ما عنده من الغلة والبهيمة ثم يفر من بلدته إلى غيرها فيطلبه الملتزم ويبعث إليه المعينين من كاشف الناحية بحق طريق أيضا فربما اداه الحال أن كان خفيف العيال والحركة إلى الفرار والخروج من الإقليم بالكلية وقد وقع ذلك حتى امتلأت البلاد الشامية والرومية من فلاحي قرى مصر الذين جلوا عنها وخرجوا منها وتغربوا عن اوطانهم من عظيم هول الجور وإذا ضاق الحال بالملتزم وكتب له عرضحال يشكو حاله وحال بلده أو حصته وضعف حالها ويرجو التخفيف وتجاسر وقدم عرضحاله إلى الباشا يقال له: هات التقسيط وخذ ثمن حصتك أو بدلها أو يعين له ترتيبا بقدر فائظها على بعض الجهات
الميرية من المكوس والجمارك التي احدثوها فإن سلم سنده وكان ممن يراعى جانبه حول إلى بعض الجهات المذكورة صورة وإلا اهمل أمره وبعضهم باعها لهم بما انكسر عليه من مال الفرض وقد وقع ذلك الكثير من أصحاب الذمم المتعددة انكسر عليه مقادير عظيمة فنزل عن بعضها وخصموا له ثمنها من المنكسر عليه من الفرضة وبقي عليه الباقي يطالب به فان حدثت فرضة أخرى قبل غلاق الباقي وقعد بها وضمت إلى الباقي وقصرت يده لعجز فلاحيه واستدان بالربا من العسكر تضاعف الحال وتوجه عليه الطلب من الجهتين فيضطر إلى خلاص نفسه وينزل عما بقي تحت يده كالأول وقد يبقى عليه الكسر ويصبح فارغ اليد من الالتزام ومديونا وقد وقع ذلك لكثير كانوا اغنياء ذوي ثروة وأصبحوا فقراء محتاجين من حيث لا يشعرون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفيه تحركت همم الأمراء المصريين القبليين إلى الحضور إلى ناحية مصر بعد ترداد الرسل والمكاتبات وحضور ديوان أفندي ورجوعه وحضور محمد بك النمفوخ أيضا وكل من حضر منهم انعم عليه الباشا والبسه الخلع ويقدم له التقادم ويعطيه المقادير العظيمة من الأكياس وقصده الباطني صيدهم حتى أنه كان انعم على محمد بك المنفوخ بالتزام جمرك ديوان بولاق ثم عوضه عنه ستمائة كيس وغير ذلك.
وفيه قلد الباشا نظر المهمات لصالح بن مصطفى كتخدا الرزاز ونقلوا ورشة الحدادين ومنافخهم وعددهم من بيت محمد أفندي طبل الودنلي المعروف بناظر المهمات إلى بيت صالح المذكور بناحية التبانة وكذلك العربجية وصناع الجلل والمدافع ونزعوا منه أيضا معمل البارود وكان تحت نظره وكذلك قاعة الفضة وجمرك اللبان وغيره.
وفيه وصلت الأخبار من البلاد الرومية والشامية وغيرها بوقوع الزلزله في الوقت الذي حصلت فيه بمصر إلا أنها كانت اعظم واشد واطول مدة وحصل في بلاد كريت اتلافات كثيرة وهدمت أماكن ودورا كثيرة وهلك
كثير من الناس تحت الردم وخسفت أماكن وتكسر على ساحل مالطة عدة مراكب وحصل أيضا باللاذقية خسف وحكى الناقلون أن الأرض انشقت في جهة من اللاذقية فظهر في اسفلها ابنيه انخسفت بها الأرض قبل ذلك ثم انطبقت ثانيا.
وفيه من الحوادث ما وقع ببيت المقدس وهو أنه لما احترقت القمامة الكبرى كما تقدم ذكر حرقها في العام الماضي عرضوا إلى الدولة فبرز الأمر السلطاني باعادة بنائها وعينوا لذلك أغا قأبجي وعلى يده مرسوم شريف فحضر إلى القدس وحصل الاجتهاد في تشهيل مهمات العمارة وشرعوا في البناء على وضع احسن من الأول وتوسعوا في مساحة جرمها وادخلوا فيها أماكن مجاورة لها واتقنوا البناء واتقانا عجيبا وجعلوا اسوارها وحيطانها بالحجر النحيت ونقلوا إليها من رخام المسجد الاقصى فقام بمنع ذلك جماعة من الاشراف الينكجرية وشنعوا على الآغا المعين وعلى كبار البلدة وتعصبوا حماية للدين قائلين أن الكنائس إذا خربت لا يجوز إعادتها إلا بانقاضها ولا يجوز الاستعلاء بها ولا تشييدها ولا أخذ رخام الحرم القدسي ليوضع في الكنيسة وما نعوا في ذلك فأرسل ذلك الآغا المعين إلى يوسف باشا يعرفه عن المعارضين لأوامر الدولة فأرسل يوسف باشا طائفة من عسكره في عدة وافرة فوصلوا من طريق الغور وهو مسلك موصل إلى القدس قريب المسافة خلاف الطريق المعتاد فدهموا الجماعة المعارضين على حين غفلة وحاصروهم في دير وقتلوهم عن اخرهم وهم نيف وثلاثون نفرا وشيدوا القمامة كما أرادوا اعظم واضخم مما كانت عليه قبل حرقها فنسأل المولى السلامة في الدين.
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1225
فيه وصل الأمراء المصريون القبالي إلى ناحية بني سويف وكثير من الأجناد إلى مصر وترددت إلى الرسل وحضر ديوان أفندي ثم رجع ثانيا إليهم
وفيه أمر الباشا الكتاب بعمل حساب حسين أفندي الروزنامجي عن السنتين الماضيتين وهما سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين وذلك بإغراء البعض منهم فاستمروا في عمل الحساب أيام فزاد لحسين أفندي مائة وثمانون كيسا فلم يعجب الباشا ذلك واستخونهم في عمل الحساب ثم الزمه بدفع أربعمائة كيس وقال: أنا كنت أريد منه ستمائة كيس وقد سامحته في مائتين في نظير الذي تأخر له وطلع في صبحها إلى الباشا وخلع عليه فروة باستقراره في منصبه ونزل إلى داره فلما كان بعد الغروب حضر إليه جماعة من العسكر في هيئة مزعجة ومعهم مشاعل وطلبوا الدفاتر وهم يقولون: معزول معزول وأخذوا الدفاتر وذهبوا وحولوا عليه الحوالات بطلب الأربعمائة كيس فاجتهد في تحصيلها ودفعها ثم ردوا له الدفاتر ثانيا.
وفيه حصلت كائنة أحمد أفندي المعروف باليتيم من كتاب الروزنامة وذلك أن الباشا كان ببيت الازبكية فوصل إليه مكتوب من كاشف اقلم الدقهلية يعرفه فيه أنه قاس قطعة أرض جارية في اقطاع أحمد أفندي المذكور فوجد مساحتها خلاف المقيد بدفتر المقياس الأول ومسقوط منها نحو الخمسمائة فدان وذلك من فعل المذكور ومخامرته مع النصارى الكتبه والمساحين لأنهم يراعونه ويدلسون معه لأن دفاتر الروزنامة بيده فلما قرأ المكتوب أمر في الحال بالقبض على أحمد أفندي وسجنه وكان السيد محمد المحروقي حاضرا وكذلك علي كاشف الكبير الألفي فترجيا عند الباشا وأخبره بان المذكور مريض بالسرطان في رجله ولايقدر على حركتها وأستاذنه السيد المحروقي بأن يأخذه إلى داره فإن داره باب من ابوابه فأجابه إلى ذلك وركب في الحال ولحق بالمعينين وكانوا قد وصلوا إليه وازعجوه فمنعهم عنه وأخذه إلى داره وراجع الباشا في أمره فقرر عليه ثمانين كيسا بعد أن قال: إني كنت أريد أن اقول ثلثمائة كيس فسبق لساني فقلت مائة كيس وقد تجاوزت لأجلك عن عشرين كيسا وهو يقدر على.
أكثر من ذلك لأنه يفعل كذا وكذا وعدد أشياء تدل على أنه ذو غنية كبيرة منها أنه لما سافر إلى الباشا بدفتر الفرضة إلى ناحية اسيوط طلع إلى البلدة في هيئة وصحبته فرش وسحاحير وبشخانات وكرارات وفراشون وخدم وكيلارجية ومصاحجبية والحكيم والمزين فلما شاهد الباشا هيئته سأل عنه وعن منصبه فقيل له أنه جاجرت من كتبة الروزنامة فقال: إذا كان جاجرت بمعنى تلميذ فكيف يكون باش جاجرت أو قلفاوات الإقليم فضلا عن كبيرهم الروزنامجي واي شيء ذلك واسر ذلك في نفسه وطفق يسأل ويتجسس عن أحوالهم لأنه من طبعه الحقد والحسد والتطلع لما في أيدي الناس ولما قلد خليل أفندي كتابة الذمة في الروزنامة كما تقدم انضم إليه الكارهون للمذكور الذين كانوا خاملي الذكر بوجوده وتوصلوا إلى باب الباشا وكتخدا بك وأنهوا فيه أنه يتصرف في الأموال الميرية كما يختار وأن حسين أفندي الروزنامجي لا يخرج عن مراده واشارته وبيته مفتوح للضيفان ويجتمع عنده في كل ليلة عدة من الفقراء يثرد لهم الثريد في القصاع ويواسي الكثير من أهل العلم وغيرهم ويتعهد بكثير من الملتزمين بالفرض التي تقرر على حصصهم ويضمنها في حسابه ويصبر عليهم حتى يوفرها له في طول الزمن ونحو ذلك وكل ما ذكر دليل على سعة الحال والمقدرة وأما الذنب الذي أخذه به فإن القدر المذكور من الطين كان من الموات فاتفق المذكور مع شركائه ملتزمي الناحية وجرفوه واحيوه وأصلحوه بعد أن كان خرسا ومواتا لا ينتفع به وجعلوه صالحا للزراعة وظن أن ذلك لا يدخل في المساحة فاسقطه منها فوقع له ما وقع واسقطوا اسمه من كتاب الروزنامة ومنعوه منها وانقطع في داره وزاد به الم رجله.
وفيه انحرف أيضا الباشا على الخواجا محمود حسن وعزله من الجمارك والبزرجانية واكل عليه المطلوب له وهو مبلغ الفان وخمسون كيسا.
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة 1225
فيه وصلت الأخبار من البلاد الحجازية بنزول سيل عظيم حصل منه
ضرر كثير وهدم دورا كثيرة بمكة وجدة واتلف كثيرا من البضائع للتجار حكوا أنه هدم بمكة خاصة ستمائة دار وكان ذلك في شهر صفر.
وفيه وصل الأمراء المصريون إلى ناحية الرقق وأوائلهم وصلوا إلى دهشور وخرج إليهم الاتباع بالملاقاة من بيوتهم واحبابهم وذهب إليهم مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وديوان أفندي ثم الباشا ثم في أثرهم طوسون ابن الباشا وقدم له إبراهيم بك تقادم وأقام بوطاقه أياما ثم رجعوا وكثر ترداد المراسلات والاختلافات في أمر الشروط.
وفي خامسه حضر عثمان بك يوسف وصحبته صنجق آخر فطلعا إلى القلعة وقابلا الباشا ثم رجعا وحضرا في ثاني يوم كذلك فخلع عليهما خلعا واعطاهما اكياسا وأرسل إلى ابرهيم بك هدايا والى سليم بك المحرمجي المرادي أيضا.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل الجميع إلى الجيزة ونصبوا وطاقهم خارج الجيزة وصحبتهم عربان وهوارة كثيرة وانتظروا أن الباشا يضرب لحضورهم مدافع فلم يفعل وقال إبراهيم بك: سبحان الله ما هذا الاحتقار الماكن أمير مصر نيفا وأربعين سنة وتقلدت قائمقامية ولايتها ووزارتها مرارا وبالآخرة صار من اتباعي واعطيه خرجه من كيلاري ثم أحضر أنا وباقي الأمراء على صورة الصلح فلا يضرب لنا مدافع كما يفعل لحضور بعض الافرنج وتأثر من ذلك واشيع في الناس تعدية الباشا من الغد للسلام على إبراهيم بك فلم يثبت وظهر أنه لم يفعل وأصبح مبكرا إلى شبرا وجلس في قصره وحضر إليه شاهين بك الألفي وفي سفينة ووقع بينهما مكالمات ورجع من عنده عائدا إلى الجيزة منفعل الخاطر ثم أن الباشا عرض عساكره فاجتمع إليه الجميع وبدا اللغط وكثرت القلقة وعندما وصل شاهين بك إلى االجيزة ازر حريمة واركبهن وارسلهن إلى الفيوم ونقل متاعه وفرشه من قصر الجيزة في بقية اليوم وكسر المرايات وزجاج الشبابيك التي في مجالسه الخاصة ثم ركب في طوائفه واتباعه وخشداشينه
ومماليكه وذهب إلى عرضي اخوانه وقبيلته ونصب خيامه ووطاقه بحذائهم واجتمع بهم وتصافى معهم وقد كان حضر إليه عبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحول دماغه واتفق معه على الانضمام إليهم والخروج عن الباشا ففعل ما فعل وجعلوه رئيس الأمراء المرادية.
وفي ذلك اليوم عدى حسن باشا وصالح أغا قوج إلى بر الجيزة وذهبا إلى عرضي الأمراء وسلما عليهم وتغديا عند شاهين بك وجرى بينهما وبين إبراهيم بك كلام كثير وقال له: حسن باشا انكم وصلتم إلى هنا لتمام الصلح على الشروط التي حصلت بينكم وبين الباشا والاتفاق الذي جرى بأسيوط ويكون تمامه عند وصولكم إلى الجيزة واجتماعكم وقد حصل فقال له: إبراهيم بك وما هي الشروط قال: هي أن تدخلوا تحت حكمه وطاعته وهو يوليكم المناصب التي تريدونها بشرط أن تقوموا بدفع الفرض التي يقررها على النواحي والغلال الميرية والخراج وتعيين من يريده منكم صحبة العساكر الموجه إلى البلاد الحجازية لفتح الحرمين وتكونوا معه أمراء مطيعين وهو يعطيكم الامريات والإنعامات الجزيلة ويعمر لكم ما تريدونه من الدور والقصور التي لكم ولاتباعكم على طرفه لا يكلفكم بشيء من الأشياء وقد رايتم وسمعتم ما فعله من الاكرام والانعام على شاهين بك وما اعطاه من المماليك والجواري الحسان وشفاعاته عنده لا ترد واطلق له التصرف في البر الغربي من رشيد إلى الفيوم إلى بني سويف والبهنسا مما هو تحت حكمه ويراعي بجانبه إلى الغاية فقال له: إبراهيم بك نعم أنه فعل مع شاهين بك ما لا تفعله الملوك فضلا عن الوزراء وليس ذلك لسابق معروف فعله شاهين بك معه ليستحق به ذلك بل هو لغرض سوء يكمنه في نفسه وشبكة يصطاد بها غيره فاننا سبرنا أحواله وخيانته وشاهدنا ذلك في كثير ممن خدموه ونصحوا معه حتى ملكوه هذه المملكة قال: ومن هم قال: أولهم مخدومه محمد باشا خسرو ثم كتخداه وخازنداره عثمان أغا جنج الذي خامر معه وملك مع أخيه المرحوم طاهر
باشا القلعة واحرق سرايته ثم سلط الاتراك على طاهر باشا حتى قتلوه في داره واظهر موالاتنا وصداقتنا ومساعدتنا وصبر نفسه من عسكرنا واتحد بعثمان بك البرديسي واظهر له خلوص الصداقة والاخوة وعاهده بالإيمان حتى اغراه على علي باشا الطرابلسي وجرى ما جرى عليه من القتل ونسب ذلك الينا ثم اشتغل معه على خيانته لأخيه الألفي واتباعه ثم سلط علينا العساكر يطلب العلوفة واشار على عثمان بك بطلب المال من الرعية حتى وقع لنا ما وقع وخرجنا من مصر على الصورة التي خرجنا عليها أم أحضر أحمد باشا خورشيد وولاه وزيرا وخرج هو لمحاربتنا ثم اتضح أمره لاحمد باشا وأراد الايقاع به فعجل العود إلى مصر واوقع بينه وبين جنده حتى نفروا منه ونابذوه والقى إلى السيد عمر والقاضي والمشايخ أن أحمد باشا يرد الفتك بهم فهيجوا العامة والخاصة وجرى ما جرى من الحروب وحرق الدور وبذل السيد عمر جهده في النصح معه بما يظهره له من الحب والصداقة وراجت عليه أحواله حتى تمكن أمره وبلغ مراده واوقع به ما اوقع واخرجه من مصر وغربه عن وطنه ونقض العهود والمواثيق التي كانت بينه وبينه كما فعل بعمر بك وغيره وكل ذلك معلوم ومشاهد لكم ولغيركم فمن يأمن لهذا ويعقد معه صلحا واعلم يا ولدي اننا كنا بمصر نحو العشرة آلاف أو أقل أو أكثر ما بين مقدمي الوف وأمراء وكشاف وأكابر وجاقات ومماليك وأجناد وطوائف وخدم واتباع مرفهي المعاش بأنواع الملاذ كل أمير مختص ومعتكف باقطاعه مع كثرة مصارفنا وانعامتنا على اتباعنا ومن ينتسب الينا واسمطة الجميع ممدودة في الأوقات المعهودة ولا نعرف عسكرا ولا علوفة عسكر والقرى والبلاد مطمئنة والفلاحون ومشايخ البلاد مرتاحون في اوطانهم ومضايفهم مفتوحة للواردين والضيفان مع ما كان يلزم علينا من المصارف الميرية ومرتبات الفقراء وخزينة السلطان وصرة الحرمين والحجاج وعوائد العربان وكلف الوزراء المتولين والاغوات والقابجية المعينين وخدمهم
والهدايا السلطانية وغير ذلك وافندينا ما كفاه ايراد الإقليم وما أحدثه من الجمارك والمكوس وما قرره على القرى والبلدان من فرض المال والغلال والجمال والخيول والتعدي على الملتزمين ومقاسمتهم في فائظهم ومعاشهم وذلك خلاف مصادرات الناس والتجار في مصر وقراها والدعاوي والشكاوي والتزايد في الجمارك وما أحدثه في الضربخانة من ضرب القروش النحاس واستغرقها أموال الناس بحيث صار ايراد كل قلم من أقلام المكوس بايراد إقليم من الاقاليم ويبخل علينا بما نتعيش به ونحن وعيالنا ومن بقي معنا من اتباعنا ومماليكنا بل وقصده صيدنا وهلاكنا عن اخرنا فقال حسن باشا حاش لله: لم يكن ذلك ودائما يقول والدنا إبراهيم بك: ولكن لا يخفاكم أن الله اعطاه ولاية هذا القطر وهو يؤتى الملك من يشاء ولا ترضى نفسه من يخألف عليه أو يشاركه بالقهر والاستيلاء فإذا صار الصلح ووقع الصفاء اعطاكم فوق ما مولكم فهز إبراهيم بك رأسه وقال: صحيح يكون خيرا وانفض المجلس ورجع حسن باشا وصالح قوج وعديا إلى بر مصر.
وفي تلك الليلة خرج الجميع من كان بمصر من الأمراء والأجناد المصرية بخيلهم وهجنهم ومتاعهم وعدوا إلى بر الجيزة ولم يبق منهم إلا القليل واجتمعوا مع بعضهم وقسموا الأمر بينهم ثلاثة اقسام قسم للمرادية وكبيرهم شاهين بك وقسم للمحمدية وكبيرهم علي بك ايوب وقسم للابراهيمية وكبيرهم عثمان بك حسن وكتبوا مكاتبات وارسلوها إلى مشايخ العربان لم اقف على مضمونها.
وفي يوم الجمعة رابع عشره اوقفوا عساكر على أبواب المدينة يمنعون الخارجين من البلد حتى الخدم ومنعوا التعدية إلى البر الغربي وجمعوا المراكب والمعادي إلى البر الشرقي ونقلوا البضائع التي في مراكب التجار المعدة لسفر رشيد ودمياط المعروفة بالرواحل وأخذوها إليهم وشرعوا في التعدية بطول يوم الجمعة والسبت وعدى الباشا آخر النهار دخل إلى قصر
الجيزة الذي كان به شاهين بك وكذا عدوا بالخيام والمدافع والعربات والاثقال واجتمعت طوائف العسكر من الاتراك والارنؤد والدلاة والسجمان بالجيزة وتحققت المفاقمة والأمراء المصرية خلف السور في مقابلتهم واستمروا على ذلك إلى ثاني يوم والناس متوقعون حصول الحرب بين الفريقين ولم يحصل وانتقل المصرية وترفعوا إلى قبلي الجيزة بناحية دهشور وزنين.
وفي يوم الإثنين والثلاثاء انفق الباشا على العسكر وكان له مدة شهور لم ينفق عليهم.
وفي ليلة الثلاثاء ركب الباشا ليلا وسافر إلى ناحة كرداسة على جرائد الخيل ورجع في ثاني ليلة وكان سبب ركوبه أنه بلغه أن طائفة من العربان مارين يريدون المصرية فأراد أن يقطع عليهم الطرق فلم يجد أحدا وصادف نجعا مقيمين في محطة فنهب مواشيهم ورجع تعبا وانقطع عنه افراد من العسكر ومات بعضهم من العطش.
وفي يوم الجمعة ارتحل المصرية وترفعوا إلى ناحية جرزا الهوى بالقرب من الرقق.
وفيه حضر مشايخ عربان أولاد علي للباشا فكساهم وخلع عليهم والبسهم شالات كشميري عدتها ثمان شالات وانعم عليهم بمائة وخمسين كيسا وحضر عند المصرية عربان الهنادي ومشايخهم وانضموا إليهم وفي يوم الأحد ثالث عشرينه عدى الباشا إلى بر مصر وذهب إلى بيته بالازبكية فبات به ليلتين ثم طلع في يوم الثلاثاء إلى القلعة وقد تكدر طبعه من هذه الحادثة بعد أن حصلوا بالجيزة وكاد يتم قصده فيهم وخصوصا ما فعله شاهين بك الذي انفق عليه الوفا من الأموال ذهبت جميعها في الفارغ البطال.
وفي هذه الأيام اعني منتصف شهر بشنس القبطي زاد النيل زيادة ظاهرة أكثر من ذراع ونصف واستمر أياما ثم رجع إلى حاله الأول وهذا
من جملة عجائب الوقت.
واستهل شهر جمادي الأولى بيوم الأحد سنة 1225
فيه عمل الباشا ميدان رماحه بالجيزة فتقنطر به الحصان ووقع به الأرض فأقاموه واصيب غلام من مماليكه برصاصة فمات ويقال: إن الضارب لها كان قاصدا الباشا فأخطأته وأصابت ذلك المملوك والأجل حصن.
وفيه نبهوا على العسكر بالخروج فسعوا بالجد والعجلة في قضاء اشغالهم ولوازمهم وطفقوا يخطفون حمير الناس وجمالهم ومن يصادفونه ويقدرون عليه من أهل البلد وخلافهم ويقولن في غد مسافرون وراحلون لمحاربة المصريين والمصريون أيضا مستمرون في منزلتهم لم ينتقلوا عنها.
وفي خامسه خرج حسن باشا وبرز خيامه بناحية الاثار وخرج أيضا محو بيك بعسكره وطوائفه ومعهم بيارق وسافر جملة عساكر في المراكب ليرابطوا في البنادر فأنها خالية ليس بها أحد من المصريين وفي كل يوم يخرج عساكر ثم يرجعون إلى المدينة وهم مستديمون على خطف الدواب وحمير البطيخ وجمال السقائين والباشا يعدي إلى بر مصر في كل يومين أو ثلاثة ويطلع إلى القلعة ثم يعود إلى مخيمه في الجيزة وامتنع سفر المسافرين قبلي وبحري.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرة بلغ الباشا أن الأمراء المرادية والابراهيمية وغالب المصرية لهم مراسلات ومعاملات مع السيد سلامة النجاري وأخيه وابن أخيه وأنه يرسل لهم جميع ما يلزم من أسلحة وامتعة وخلافها بواسطة بعض عملائهم من العربان خفية وأنه اشترى جملة أسلحة وخيول وثياب وغيرها وأخذ أشياء من بيوت بعضهم لأجل أن يرسل الجميع إليهم وأن جميع ذلك موجود عند المذكور الآن ومن جملة أيام حضر رسول من عندهم بدارهم ومعه حصان نعمان بك وهو غنده! أيضا فأمر بجلبه وحبسه وهجم منزله وضبط أوراقه وضبط ما يوجد بها ففعلوا ذلك وحبسوا معه ابن أخيه وازعجوهما وهجموا منزله فوجدوا فيه خمسة خيول وجملة
أسلحة فطغوا وبغوا ونهبوا متاعه وبددوا شمل كتب أبيه ولم يجدوا مكاتبات من الأمراء القبالي ولا أثر لذلك بل أنهم وجدوا جوابا من أخيه السيد أحمد مضمونه اننا عند وصولنا إلى مكة المشرفة اشترينا أربعة خيول نجدية بها العلامات التي افدتمونا عنها وهي مرسلة لكم عسى أن تفوزوا بتقديمها لافندينا ولما سئل عن الأسلحة والخيول التي عنده قال: إن السلاح عندنا من قديم وله مدد ورؤيته تدل على ذلك وأما الخيول فمنها أربعة أحضرتها هدية لأفندينا وجاءت ضعيفة فأبقيتها عندي حتى تتقوى وأقدمها إليه والحصان الخامس اشتريته لنفسي من رجل عميلنا اسمه عطوان أحمد من أهالي كفر حكيم أخبرني أنه اشتراه من ناحية صول ولما رأيت فيه علامات الجودة وجاءت الأربعة خيول تركت ركوبه وابقيته معها حتى اقدم الجميع لأفندينا فعند ذلك توجه محمد أفندي طبل للباشا وفهمه براءة ذمة المذكور وأخبره بما صار وما وجدوه وما قاله المذكور وسعى في ازالة هذه التهمة عنه وعرفه أن هذا الرجل مستقيم الأحوال وأنه من وقت توظيفه معه لم ينظر عليه ما يخألف وصدق عليه الحاضرون فلما ظهر للباشا كذب التهمة وتحقق براءته وأنه أحضر هذه الخيول هدية له أمر باطلاقه من السجن واسترجاع ما نهبته الاعوان من منزله وتخلق عليهم بسبب ذلك ثم أمر بإحضاره واحضار الخيول المهداة له فقبلها منه ثم سأله عن علامات الجودة وما يحمد في الخيل وما يذم فيها فأجابه بأجوبة مفيدة استحسنها فأنعم عليه وضاعف مرتبه وأحال عليه نظر مشتري الخيول.
وفيه وصلت الأخبار بأن حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك وعساكر الارنؤد وصلوا إلى ناحية صول والبرنبل فوجدوا المصريين جعلوا متاريس ومدافع علي البر ليمنعوا مرور المراكب فحاربوهم حتى اجلوهم عنها وملكوا المتاريس وقتل رجل من الأجناد وهو الذي كان محافظا على المتاريس يقال له: إبراهيم أغا سقط به الجرف إلى البحر فأخذوه إليهم ومعه
آخر وقتلوهما وقطعوا رؤسهما وارسلوهما صحبة المبشرين إلى الباشا فعلقوا الرأسين بباب زويلة ولما بلغ الأمراء المصريين أخذ المتاريس تأهبوا وساروا من أول الليل وهي ليلة السبت رابع عشره مكمنين وكاتمين امرهم فدهموا الارنؤد من كل ناحية فوقع بينهم مقتله عظيمة وأخذوا منهم عدة بالحياة وأخذوا منهم أشياء وكان حسن باشا واخوه عابدين بك صعدا بمراكبهما إلى قبلي المتاريس فاحترق من مراكب أخيه مركب والقى من فيها بأنفسهم إلى البحر فمنهم من نجا ومنهم من غرق وأما مراكب حسن باشا فإنه ساعدها الريح أيضا فسارت إلى ناحية بني سويف ثم أن المصريين عدى منهم طائفة إلى شرق اطفيح وانتقل بواقيهم راجعين إلى ناحية الجيزة قريبا من عرضي الباشا.
وفي ليلة الخميس تاسع عشره عدى الباشا إلى بر مصر وطلع إلى القلعة فلما كان الليل وصل طائفة من المصريين إلى المرابطين لخفارة عرضي الباشا واحتاطوا بهم وساقوهم إليهم فانزعج العرضي وحصل فيهم غاغة فأرسل طوسون باشا إلى أبيه فركب ونزل من القلعة في سادس ساعة من الليل وعدى إلى البر الغربي ومما سمعته أن الباشا عندما نزل المعدية وسار بها في البحر سمع واحدا يقول لآخر: قدم حتى نقتل المصريين ونبدد شملهم ويكرر ذلك فأرسل الباشا مركبا وأرسل بعض اتباعه بها لينظروا هذين الشخصين ولأي شيء نزلا البحر في هذا الوقت فلما ذهبوا إلى الجهة التي سمع منها الصوت لم يجدوا أحدا وتفحصوا عنهما فلم يجدوهما فاعتقد من له اعتقاد منهم أنهما من الاولياء وأن الباشا مساعد بأهل الباطن.
وفي عشرينه ظهر التفاشل بين الأمراء المصريين وتبين أن الذين كانوا عدوا إلى البر الشرقي هم ثلاثة أمراء من الالفية وهم نعمان بك وامين بك ويحيى بك وذلك أنهم لما تصالحوا مع الباشا واميرهم شاهين بك وهو الرئيس المنظور إليه ومطلق التصرف في معظم البر الغربي والفيوم يتحكم
فيهم وفي طوائف العربان وأهالي البلاد والفلاحين بما يريد وكذلك أموال المعادي بناحية الاخصاص وانبابة والخبيري وغير ذلك وهو شيء له قدر كبير وزاد فيهم أيضا اضعاف المعتاد فيأخذ جميع ذلك ويختص به وذلك خلاف انعامات الباشا عليه بالمئتين من الأكياس ويشترى المماليك والجواري الحسان ولا يدفع لهم ثمنا فيشكون إلى الباشا فيدفعه إلى اليسرجية من خزينته وهو منشرح الخاطر واخوانه يتأثرون لذلك وتأخذهم الغيرة ويطمعون في جانبه وهو يقصر في حقهم ولا يعطيهم إلا النزر مع المن والتضجر وفيهم من هو اقدم منه هجرة ويرى في نفسه أنه أحق بالتقدم منه لما دنت وفاة أستاذهم أحضر شاهين بك وسلمه خزينته وأوصاه بان يعطي لكل أمير من خشداشينه سبعة آلاف مشخص ولم يعطهم وطفق كلما اعطاهم شئيا حسبه عليهم من الوصية حتى إذا اعطى اليلك والبنش لنعمان بك مثلا يعطيه له انقص من بنش أمين بك نصف دراع ويقول: هو قصير القامة ونحو ذلك فيحقدون ذلك عليه ويتشكون من خسته وتقصيره في حقهم ويعلم الباشا ذلك فلما نقض شاهين بك عهده وانضم إلى المخالفين وخشداشينه المذكورون معه بالتنافر القلبي راسلهم الباشا سرا ووعدهم ومناهم بأنهم إذا حضروا إليه وفارقوا شاهين بك الخائن المقصر في حقهم انزلهم منزلة شاهين بك وزيادة واختص بهم اختصاصا كبيرا فمالت نفوسهم لذلك القول واعتقدوا بخسافة عقولهم صحته وأنهم إذا رجعوا إليه هذه المرة ونبذوا المخالفين اعتقد صداقتهم وخلوصهم وزاد قدرهم ومنزلتهم عنده وتذكروا عند ذلك ما كانوا فيه مدة اقامتهم بمصر من التنعم والراحة في القصور التي عمروها بالجيزة والبيوت التي اتخذوها بداخل المدينة والرفاهية والفرش الوطيئة وتحركت غلمتهم للنساء والسراري التي انعم عليهم الباشا بها وقالوا: ما لنا والغربة وتعب الجسم والخاطر والانزعاج والجروب والالقاء بنفوسنا في المهالك وعدم الراحة في النوم واليقظة فردوا الجواب بالاجابة وتمنوا عليه أيضا ما حاك في نفوسهم بشرط طرح
المؤأخذة والعفوا الكامل بواسطة من يعتمد صدقه فاجابهم لكل ما سألوه وتمنوه بواسطة مصطفى كاشف المورلي وهو معدود سابقا منهم وانفصل عنهم وانتمى إلى كتخدا بك وصار من اتباعه فعند ذلك شرعوا في مناكدة اخيهم شاهين بك ومفارقته وعقدوا معه مجلسا وقالوا له: قاسمنا في ربع المملكة التي خصونا به في القسمة التي شرطوها فإننا شركاؤك فإن إبراهيم بك قسم مع جماعته وكذلك عثمان بك وعلي بك ايوب فقال لهم: وما هو الذي ملكناه حتى اقاسمكم فيه فقالوا: أنت تجحف علينا وتختص بالشيء دوننا فإنك لما اصطلحنا معك مع الباشا وصرفك في البر الغربي اختصيت بإيراده وهو كذا وكذا دوننا ولم تشركنا معك في شيء ولولا أن الباشا كان يراعينا ويواسينا من عنده لمتنا جوعا فنحن لا نرافقك ولانصحبك ولانحارب معك حتى تظهر لنا ما نقاتل معك عليه وتزايدوا معه في المكالمة والمعاتبة والمفاقمة ثم انفصلوا عنه ونقلوا خيامهم إلى ناحية البحر واعتزلوه وفارقوا عرضي الجميع فلما علم بذلك إبراهيم بك الكبير تنكد خاطره وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أي شئ هذا الفشل وخسافة العقل والتفرق بعد الالتئام والاجتماع وذهب إليهم ليصالحهم ويضمن لهم كل ما طلبوه وطمعوا فيه عند تملكهم وقال لهم: إن كنتم محتاجين في هذا الوقت لمصرف أنا اعطيكم من عندي عشرين ألف ريال اقسموها بينكم وعودوا لمضربكم معنا فامتنعوا من صلحهم مع شاهين بك فرجع إبراهيم بك يريد أخذ شاهين بك إليهم فامتنع من ذهابه إليهم وقال: أنا لست محتاجا إليهم وأن ذهبوا قلدت أمراء خلافهم وعندي من يصلح لذلك ويكون مطيعا لي دونهم فإن هؤلاء يرون أنهم احق مني بالرياسة والجماعة شرعوا في التعدية وانتقلوا إلى البر الشرقي وحال البحر بين الفريقين ووصل إليهم مصطفى كاشف المورلي بمرسوه الباشا واجتمعوا معه عند عبد الله أغا المقيم بناحية بني سويف وضرب لهم شنكا ومدافع ثم أنهم عزموا على الحضور إلى مصر فوصلوا في يوم الخميس خامس عشرينه وقابلوا الباشا وخلع عليهم
واعطاهم تقادم ورجعوا إلى مضربهم ناحية الآثار وصحبتهم ستة عشر من كشافهم والجميع يزيدون عن المائتين وانعم عليهم الباشا بمائتي كيس لكل كبير من الأربعة عشرون كيسا ومائة وعشرون كيسا لبقيتهم واشتروا دورا واسعة وشرعوا في تعميرها وزخرفتها علىطرف الباشا فاشترى امين بك دار عثمان كتخدا المنفوخ بدرب سعادة من عتقائه ودفع له الباشا ثمنها وأمر لكل أمير منهم بسبعة آلاف ريال ليصرفها فيما يحتاج إليه في العمارة واللوازم وحولهم بذلك على المعلم غالي ولما تحقق شاهين بك انفصالهم قلد أربعة من اتباعه امرياتهم واعطاهم بيرقا وخيولا وضم لهم مماليك وطوائف وتمت حيلة الباشا التي احكمها بمكره وعند ذلك اشيع في الإقليم القبلي والبحري تفرقهم وتفاشلهم ورجع من كان عازما من القبائل والعربان عن الانضمام إليهم وطلبوا الأمان من الباشا وحضروا إليه ودخلوا في طاعته وانعم عليهم وكساهم وكانت أهالي البلاد عندما حصلت هذه الحادثة عصت عن دفع الفرض والمغارم وطردوا المعينين وتعطل الحال وخصوصا عندما شاع غلبة المصريين على الارنؤد وتفرقت عنهم العربان الذين كانوا انضموا إليهم واطاع المخألف والعاصي والممانع وكلها أسباب لبروز المقدور والمستور في غيبه سبحانه وتعالى.
وفي أواخره حضر كثير من عسكر الدلاة من الجهة الشامية وكذلك حضر اتراك من على ظهر البحر كثيرون.
واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1225
في ثالثه يوم الخميس قلد الباشا ديوان أفندي نظر مهمات الحرمين والتأهب لسفر الحجاز لمحاربة الوهابية وسكن ببيت قصبة رضوان كل ذلك مع توجه الهمة والاستعداد لمحاربة الأمراء المصريين والمذكورون بناحية قنطرة اللاهون.
وأما حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك ومن معهم فإنهم صعدوا إلى قبلي وملكوا البنادر إلى حد جرجا واستقر دبوس اوغلي بمنية ابن خصيب
وفي يوم السبت خامسه ارتحل الباشا بعساكره من الجيزة وانتقل إلى جزيرة الذهب ونودي في المدينة بخروج العساكر المقيمين بمصر ولا يختلف منهم أحد فزاد تعديهم وخطفهم الحمير والجمال والرجال الفلاحين وغيرهم لتسخيرهم في خدمتهم وفي المراكب عوضا عن النوتيه والملاحين الذين هربوا وتركوا سفائنهم فكانوا يقبضون على كل من يصادفونه ويحبسونهم في الحواصل ببولاق واتفق أنهم حبسوا نحو ستين نفرا في حاصل مظلم واغلقوه عليهم وتركوهم من غير اكل ولا شرب أياما حتى ماتوا عن آخرهم وانحدر قبطان بولاق واعوانه في طلب المراكب من بحر النيل فكانوا يقبضون على المراكب الواصلة إلى مصر بالغلال والبضائع والسفار فيلقون شحنها التي لاحاجة لهم بها على شطوط الملق ويأتون بالمراكب إلى بولاق والجيزة إلا أن يعطوهم براطيل على تركهم الغلة بالمراكب حتى يصلوا بها إلى ساحل بولاق فيخرجونها منها ثم يأخذون المركب وهكذا كان دأبهم بطول هذه المدة.
وفي عاشره ارتحل الباشا من جزيرة الذهب يريد محاربة المصريين.
وفي منتصفه ورد الخبر بأن حسين بك تابع حسين بك المعروف بالوشاش الألفي أراد الهروب والمجيء إلى الباشا فقبض عليه شاهين بك واهانه وسلب نعمته وكتفه واركبه على جمل مغطى الرأس وارسله إلى الواحات فاحتال وهرب وحضر إلى عرضي الباشا فأكرمه وانعم عليه واعطاه خمسين كيسا واستمر عنده.
وفي خامس عشرينه وصلت الأخبار بان الباشا ملك قناطر اللاهون وأن المصريين ارتحلوا إلى ناحية البهنسا ولم يقع بينهم كبير محاربة وأن الباشا استولى على الفيوم وأرسل الباشا هدايا لمن في سرايته ولكتخدا بك من ظرائف الفيوم مثل ماء الورد والعنب والفاكهة وغير ذلك واستولى على ماكان مودعا للمصريين من الغلال بالفيوم.
وفي أواخره وصلت أخبار من ناحية الشام بأن طائفة من الوهابية
جردوا جيشا إلى تلك الجهة فتوجه يوسف باشا إلى المزيريب وحصن قلعتها واستعد إليهم بجيش وحاربوهم وطردوهم ثم اضطربت الأخبار واختلفت الاقوال.
واستهل شهر رجب بيوم الخميس سنة 1225
فيه وردت الأخبار بورود قزلا راغا من طرف الدولة وعلى يده أوامر وخلعة وسيف وخنجر لمحمد علي باشا وصحبته أيضا مهمات وآلات مراكب ولوازم حروب لسفر البلاد الحجازية ومحاربة الوهابية وهو يسمى عيسى أغا وأنه طلع إلى ثغر سكندرية.
وفي يوم السبت عاشره الموافق لسادس مسرى القبطي اوفي النيل وحصلت الجمعية وحضر كتخدا بك القاضي وباقي الأعيان وكسر السد بحضرتهم في صبحها يوم الأحد وجرى الماء في الخليج.
وفيه وصل الاغا شبرا وعملوا له هناك شنكا وحراقات وتعليقات قبالة القصر الذي انشأه الباشا بساحل شبرا وخرجوا لملاقاته في صبحها بعد ثلاث ليال في يوم الثلاثاء ثالث عشرة وعملوا له موكبا عظيما وطلع إلى القلعة وضربوا عند طلوعه إلى القلعة مدافع وهذا الآغا اسمر اللون حبشي مخصي لطيف الذات متعاظم في نفسه قليل الكلام وفي حال مروره كان بجانبه شخصان ينثران الذهب والفضة الإسلامبولي على الناس المتفرجين وحضر صحبته وصحبة اتباعه السكة الجديدة التي ضربت بإسلامبول من الذهب والفضة وهي دراهم فضة خالصة سالمة من الغش زنة الدرهم منها درهم وزنى كامل ستة عشر قيراطا يصرف بخمسة وعشرين نصفا من الانصاف المعاملة العددية المستعملة في معاملة الناس الآن وكذلك قطعة مضروبة وزن درهمين بالدرهم الوزني تصرف بخمسين وكذلك قطة مضروبة وزنها أربعة دراهم وتصرف بمائة نصف وقطعة وزنها ثمانية دراهم وتصرف بمائتين وكذلك ذهب فندقلي إسلامي يصرف بأربعمائة نصف وأربعين نصفا ونصفه وربعه.
وفي يوم الجمعة سادس عشره حضر الآغا المذكور إلى المسجد الحسيني وصلى به الجمعة وخرج وهو يفرق على الفقراء والمستجدين ارباع الفنادقة واعطى خدمة الضريح وخدمة المسجد قروشا إسلامبولي في صرر أقل مافي الصرة الواحدة عشرة قروش.
وفي يوم السبت سابع عشره عملوا ديوانا بالقلعة وأحضروا خلعة وصلت صحبة الاغا المذكور ارسلها صحبة خازنداره والبسوها لابن الباشا وجعلوه باشا مير ميران وابن الباشا المذكور ولد مراهق صغير يسمى إسمعيل وضربوا شنكا ومدافع واشيع أنه وصلت مبشرون من الجهة القبلية بنصرة الباشا على المصريين وأرسلوا بذلك أوراقا للأعيان أخبروا فيها بوقوع الحرب بين الفريقين ليلة السبت أو يوم السبت عاشر رجب.
وفي ليلة الثلاثاء عشرينه أرسلوا تنابية إلى المشايخ بالحضور من الغد لانفار عدوها ويكون حضورهم بالمشهد الحسيني فبات الناس في ارتياب وظنون وتخامين فلما أصبح اليوم حضر شيخ السادات وهو الناظر على أوقاف المشهد إلى قبة المدفن وحضر الشيخ البكري واغلقوا باب القبة ومنعوا الناس من العبور بالمسجد متشوفين لثمرة هذا الاجتماع وكل من حضر من الأشياخ المشاهير أستاذنوا له وادخلوه إلى القبة وحضر الشيخ الأمير والشيخ المهدي وتأخر حضور الشيخ الشرقاوي لكونه كان ببيت في بولاق ثم حضر الآغا المذكور ودخل إلى القبة وصحبته ظرف من خشب ففتحه واخرج منه لوحا طوله ازيد من ذراعين في عرض ذراع ونصف مكتوب فيه البسملة بخط الثلث مموه بالذهب وهي بخط يد السلطان محمود وتحتها طرة العلامة السلطانية فعلقوه على مقصورة المقام وقرأوا الفاتحة ودعا السيد محمد المنزلاوي خطيب المسجد بدعوات للسلطان ولما فرغ دعا أيضا السيد بدر الدين المقدسي ثم خلع على المشايخ خلعا وفرق ذهبا ثم خرج الجميع وركبوا إلى دورهم فكان هذا الجمع جمع
سخف لا غير.
وفي يوم الجمعة ركب الآغا المذكور وذهب إلى ضريح السادات غير واضحة بالقرافة صحبة الشيخ المتولي خلافتهم فزار مقابرهم وعلق هناك نوحا أيضا وفرق دراهم وخلع على الشيخ المذكور خلعه.
ومن الحوادث البدعية من هذا القبيل أن عثمان أغا المتولي اغات مستحفظان سولت له نفسه عمارة مشهد الرأس وهو رأس زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويعرف هذا المشهد عند العامة بزين العابدين وبذلك اشتهر ويقصدونه بالزيارة صبح يوم الأحد فلما كانت الحوادث ومجيء الفرنسيس اهملوا ذلك وتخرب المشهد واهيلت عليه الاتربة فاجتهد عثمان أغا المذكور في تعمير ذلك فعمروه وزخرفه وبيضه وعمل به سترا وتاجا ليوضعا على المقام وأرسل فنادى على أهل الطرق الشيطانية المعروفين بالاشاير وهم السوقة وأرباب الحرف المرذولة الذين ينسبون أنفسهم لأرباب الضرائح المشهورين كالاحمدية والرفاعية والقادرية والبرهامية ونحو ذلك واكد في حضورهم قبل الجمع بأيام ثم أنهم اجتمعوا في يوم الأحد خامس عشرينه بأنواع من الطبول والزمأمير والبيارق والإعلام والشراميط والخرق الملونه والمصبغة ولهم أنواع من الصياح والنياح والجلبة والصراخ الهائل حتى ملؤا النواحي والأسواق وانتظموا وساروا وهم يصيحون ويترددون ويتجاوبون بالصلوات والآيات التي يحرفونها وأنواع التوسلات ومناداة أشياخهم أيضا المنتسبين إليهم بأسمائهم كقولهم برفع الصوت وضرب الطبلات وقولهم ياهو ياهو ياجباوي ويابدوي ويادسوقي ويابيومي ويصحبهم الكثير من الفقهاء والمتعممين والآغا المذكور راكب معهم والستر المصنوع مركب على أعواد وعليه العمامة مرفوعة بوسط الستر على خشب ومتحلقين حوله بالصياح والمقارع يمنعون أيدي الناس الذين يمدون أيديهم للتمسح والتبرك من الرجال والنساء والصبيان المتفرجين ويرمون
الخرق والطرح حتى أنهم يرخونها من الطيقان بالحبال لتصل إلى ذلك التمثال لينالوا جزأ من بركته ولم يزالوا سائرين به على هذا النمط والخلائق تزداد كثرة حتى وصلوا إلى ذلك المشهد خارج البلدة بالقرب من كوم الجارح حيث المجراة وصنع في ذلك اليوم والليلة اطعمة واسمطة للمجتمعين وباتوا على ذلك إلى ثاني يوم.
وفيه بعث عيسى أغا الواصل نجيب أفندي إلى الباشا يخبره بحضوره وبالغرض الذي حضر من اجله ويستدعيه للمجيء.
وفي يوم الجمعة غايته وردت أخبار بوقوع حرابة بين الباشا والمصريين وقتل بين الفريقين مقتلة عظيمة عند دلجة والبدرمان وكانت الغلبة للباشا على المصريين وأخذوا منهم أسرى وحضر إلى الباشا جماعة من الأمراء الالفية بامان وهرب الباقون وصعدوا إلى قبلي فعلموا لذلك اليوم شنكا ومدافع ثلاثة أيام كل يوم ثلاث مرات.
واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1225
فيه حضر الباشا وقت الغروب في تطريدة وصحبته جماعة قليلون وطلع من البحر من برطرا والمعيصرة وركب من هناك خيولا من خيول العرب وطلع إلى القلعة على حين غفلة فضربوا في ذلك الوقت مدافع اعلاما بحضوره.
وفي ثاني ليلة صعد إليه عيسى أغا المذكور عند الغروب وقابله وسلم عليه.
وفي يوم الإثنين ثالثه عمل الباشا ديوانا وركب ذلك الآغا من بيت عثمان أغا الوكيل الكائن بدرب الجماميز في موكب وطلع إلى القلعة وقرأ المرسوم الذي وصل صحبته بالمعنى السابق وهو الأمر بالخروج إلى الحجاز ولبس الباشا الخلعة والسيف بحضرة الجمع وضربوا مدافع كثيرة عقيب ذلك.
وفيه وردت الأخبار بمجييء يوسف باشا والي الشام إلى ثغر دمياط وكان
من خبر وروده على هذه الصورة أنه لما ظهر أمره واتته ولاية الشام فأقام العدل وابطل المظالم واستقامت أحواله وشاع أمر عدله النسبي في البلدن فتقل أمره على غيره من الولاة وأهل الدولة لمخالفته طرائقهم فقصودا عزله وقتله فأرسلوا له ولوالي مصر أوامر بالخروج إلى الحجاز فحصل التواني وفي اثناء ذلك حضر فرقة من العربان الوهابيين وخرج إليهم يوسف باشا المذكور وحصن المزيريب كما تقدم ورجع إلى الشام وتفرقت الجموع ثم وصل عيسى أغا هذا وعلى يده مراسيم بولاية سليمان باشا على الشام وعزل يوسف باشا واشاعوا ذلك وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا في جمع وخرج يوسف باشا بجموعه أيضا فتحاربا فانهزم يوسف باشا ونزل بالمزة واستعجل الرجوع إلى الشام فقامت عليه عساكره ونهبوا متاعه وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا وتفرقوا عنه فما وسعه إلا الفرار وترك ثقله وأمواله ونزل في مركب ومعه نحو الثلاثين نفرا وحضر إلى مصر ملتجئا لواليها محمد علي باشا لأن بينهما صداقة ومراسلات فلما وصلت الأخبار بوصوله أرسل إلى ملاقاته طاهر باشا وحضر صحبته إلى مصر وانزله بمنزل مطل على بركة الازبكية وعين له ما يكفيه وأرسل إليه هدايا وخيولا وما يحتاج إليه.
وفي هذه الأيام اختل سد ترعة الفرعونية وانفتح منه شرم واندفع فيه الماء فضج الناس وتعين لسدها ديوان أفندي وأخذ معه مراكب واحجارا واخشابا وغاب يومين ثم رجع واتسع الخرق واستمر عمر بك تابع الاشقر مقيما عليها لخفارتها وليمنع مرور المراكب ويقوي ردمها لئلا تنحرها المياه فيزداد اتساع الخرق.
وفي هذه الأيام توقفت زيادة النيل فكان يزيد من بعد الوفاة قليلا ثم ينقص قليلا ثم يرجع النقص وهكذا فأشار البعض بالاجتماع بالاستسقاء بالأزهر فتجمع القليل ثم تفرقوا وذلك يوم الثلاثاء رابعه وخرج النصارى الاقباط يستسقون أيضا واجتمعوا بالروضة وصحبتهم القساقسه والرهبان
وهم راكبون الخيول والرهوانات والبغال والحمير في تجمل زائد وصحبتهم طائفة من اتباع الباشا بالعصي المفضضة وعملوا في ذلك اليوم سيانة وحانات وقهوات واسمطة وسكردانات عند جميز العبد ويقولون: إن النيل لما توقفت زيادته في العام الذي قبل العام الماضي وخرد الناس يستسقون بجامع عمرو وخرج النصارى في ثاني يوم فزاد النيل تلك الليلة وذلك لا أصل له على أنه لا استغراب للزيادة في أوانها وهذه الأيام أيضا أواخر مسرى وأيام النسيئ وفيها قوة الزيادة وأيام النوروز.
وفي يوم السبت خرج المشايخ والناس إلى جامع عمرو بمصر القديمة وأرسلوا تلك الليلة فجمعوا الأطفال من مصر وبولاق فحضر الكثير وخطبوا وصلوا واضر بالمجتمعين الجوع في ذلك اليوم ولم يجدوا ما ياكلونه.
وفي ثاني يوم نقص النيل واستمر ينقص في كل يوم.
وفي يوم الخميس ثالث عشره حضرت العساكر والتجريدة إلى نواحي الآثار والبساتين ودخلوا في صبيحة يوم الجمعة رابع عشره بطموشهم وحملاتهم حتى ضاقت بهم الأرض وحضر صحبتهم الكثير من الأجناد المصرية أسرى ومستأمنين.
وفيه حضر يوسف باشا المنفصل عن الشام ونزل بقصر شبرا وضربوا لحضوره مدافع ثم انتقل إلى الازبكية وسكن هناك كما تقدم ذكره.
وفي خامس عشرينه زاد النيل ورجع ماكان انتقصه وزاد على ذلك نحو قيراطين وثبت إلى أواخر توت واطمأن الناس.
وفي غايته سافر عيسى أغا بعد ما قبض ما اهداه إليه الباشا له ولمخدومه من الهدايا والأكياس والتحف والسكاكر والشرابات والاقمشة الهندية وغير ذلك ونزل لتشييعه عثمان أغا الوكيل وسافر صحبته نجيب افندي.
وفي أواخره سافر سليمان بك البواب لمصالحة الأمراء المنهزمين على يد حسن باشا.
واستهل شهر رمضان بيوم الأحد سنة 1225
في سابع عشره قبض الباشا على المعلم غالي كبير المباشرين الاقباط والمعلم فلتيوس والمعلم جرجس الطويل والمعلم فرنسيس اخي المعلم غالي وباقي أعيان المباشرين فأما غالي وفلتيوس فنزلوا بهما تلك الليلة إلى بولاق وانزلوهما في مركب ليسافرا إلى دمياط وحبسوا الباقين بالقلعة وختموا علىدورهم وجدوا عند المعلم غالي نيفا وستين جارية بيضاء وسوداء وحبشية ثم قلدوا المباشرة إلى المعلم منصور ضريمون الذي كان معلم ديوان الجمرك ببولاق سابقا والمعلم بشارة ورزق الله الصباغ مشاركان معه ثم انزلوا النصارى المعتقلين من القلعة إلى بيت إبراهيم بك الدفتردار بالازبكية وفيهم جرجس الطويل واخوه حنا وجرجس وفرنسيس اخو غالي ويعقوب كاتبه وغيرهم واشاعوا عمل حسابهم ثم دار الشغل وسعت الساعون في المصالحة على غالي ورفقائه إلى أن تم الأمر على أربعة وعشرين ألف كيس ونزل له فرمان الرضا والخلع والبشائر وذلك في آخر رمضان.
واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1225
فيه نزلت طبلخانة الباشا إلى بيت المعلم غالي واستمروا يضربون النوبة التركية ثلاثة أيام العيد ببيته وكذلك الطبل الشامي وباقي الملاعيب وترمى لهم الخلع والبقاشيش.
وفي سابعه حضر المعلم غالي وطلع إلى القلعة وخلع عليه الباشا خلع الرضا والبسه فروة سمور وانعم عليه ونزل له عن أربعة آلاف كيس من أصل الأربعة وعشرين ألف كيس المطلوبة في المصالحة ونزل إلى داره وإمامه الجاويشية والاتباع بالعصى المفضضة وجلس بدكة داره واقبل عليه الأعيان من المسلمين والنصارى للسلام عليه والتهنئة له بالقدوم المبارك وأما المعلم منصور ضريمون فجبروا خاطره بأن قيدوه بخدمة بيت إبراهيم بك ابن الباشا الدفتردار وقيدوا رفيقيه في خدم أخرى.
وفي يوم الخميس عاشر شوال حضر شاهين بك الألفي ومن معه إلى مصر ونصب وطاقه بناحية البساتين وذلك بعد أن تمموا الصلح على يد حسن باشا بواسطة سليمان بك البواب فلما استقر بخيامه وعرضيه ببر مصر حضر مع رفقائه وقابل الباشا وهو ببيت الازبكية فبش في وجهه فقال شاهين بك: نرجو سماح افندينا وعفوه عما اذنبناه فقال: نعم من قبل مجيئكم بزمان وهو مصر لهم على كل كريهة واخلى له بيت محمد كتخدا الاشقر بجوار طاهر باشا بالازبكية وفرشوه ونظموه ووعده برجوعه إلى الجيزة في مناصبه كما كان حتى يتحول منها محرم بك صهر الباشا لأنه عند انتقال شاهين بك من الجيزة عدى إليها محرم بك بحريمة وهي ابنة الباشا وسكن القصر بعسكره وكذلك اسكن كبار اتباعه وخواصة القصور التي كان يسكنها الالفية وكذلك البيوت والدور فوعده بالرجوع إلى محله وظن بخسافة عقله صحة ذلك وحضر صحبة شاهين بك جملة من العسكر والدلاة وغيرهم واستمرت حملاتهم وامتعتهم تدخل إلى المدينة ارسالا في عدة أيام.
وفي يوم الجمعة عمل الباشا ديوانا بالازبكية في بيت ابنة إبراهيم بك الدفتر دار واجتمع عنده المشايخ والوجاقلية وغيرهم فتكلم الباشا وقال: يا احبابنا يخفاكم احتياجي إلى الأموال الكثيرة لنفقات العساكر والمصاريف والمهمات والايراد لا يكفي ذلك فلزم الحال لتقرير القرض على البلاد والاطيان وقد اجحف ذلك باهليها حتى جلت وخرجت القرى وتعطلت المزارع وبارت الاطيان ولايمكنني رفع ذلك بالكلية والقصدان تدبروا لنا تدبيرا وطريقا لتحصيل المال من غير ضرر ولا اجحاف على أهل القرى وتعود مصلحة التدبير عليهم وعلينا فقال الجميع: الراي لك فقال: إني فوضت الرأي في تدبير الأمور السابقة لجماعة الكتبة وهم الافندية والاقباط فوجدت الجميع خائنين واني دبرت رأيا لا تدخله التهمة وهو أن من المعلوم أن جميع الحصص لها سندات ومعين بها مقدار الميري والفائظ
فنقرر على كل حصة قدر ميريها وفائظها أما سنة أو سنتين فلا يضر ذلك بالملتزمين ولا بالفلاحين فانتبذ ايوب كتخدا الفلاح وهو كبير الاختيارية وقال: لكن يا افندينا إلى مساواة الناس فان حصص كثير من المشايخ مرفوع ما عليها من المغارم ويرجع تتميم الغرامة على حصص الشركاء فحنق من كلامه الشيخ الشرقاوي وقال له: أنت رجل سوء وثار عليه باقي المشايخ الحاضرين وزاد فيهم الصياح فقام الباشا من المجلس وتركهم وذهب بعيدا عنهم وهم يتراددون ويتشاجرون فأرسل إليهم الباشا الترجمان وقال: إنكم شوشتم على الباشا وتكدر خاطره من صياحكم فسكتوا وقاموا من المجلس وذهبوا إلى دورهم وهم منفعلون المزاج ولعل كلام ايوب كتخدا وافق غرض الباشا أو هو باغرائه ثم شرعوا في تحرير الدفاتر وتبديل الكيفيات وكان في العزم أولا أن يجعلها على ذمم الاطيان شارقا وغارقا بما فيها من الاوسية التي للملتزمين والأرزاق ومسموح مشايخ البلاد وذكر ذلك في المجلس فقيل له: إن الاوسية معايش الملتزمين والرزق قسمان قسم داخل في زمام اطيان البلد ومحسوب في مساحة فلاحتها وقسم خارج عن زمامها والقسمان من الارصادات على الخيرات وعلى جهات البر والصدقة والمساجد والاسبلة والمكاتب والأحواض لسقي الدواب وغير ذلك فيلزم منه ابطال هذه الخيرات وتعطيلها فقال الباشا: إن المساجد غالبها متخرب ومتهدم فقالوا له: عليك بالفحص والتفتيش والزام المتولي على المسجد بعمارته إذا كان ايراده رائجا إلى آخر ماقيل.
وفي يوم الإثنين حادي عشرينه قتلوا شخصا من الأجناد الالفية وقطعوا رأسه بباب الخرق بسبب أنه قتل زوجته من غير جرم يوجب قتلها.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1225
وفي ثانيه سافر الباشا إلى ثغر سكندرية ليكشف على عمارة الابراج والاسوار ويبيع الغلال التي جمعها من البلاد في الفرض التي فرضت عليهم وكذلك ما أحضره من البلاد القبلية فجمعوا المراكب وشحنوها
بالغلال وارسلها إلى الاسكندرية ليبيعها على الافرنج فباع عليهم ازيد من مائتي ألف اردب كل اردب بمائة قرش وسعرها بمصر ثمانية عشر قرشا وهو لم يشترها ولم تكن عليه بمال بل أخذها من زراعات الفلاحين من أصل مافرضه عليهم من الظلم مع تطفيف الكيل عليهم والزامهم بكلفة شيله واجره نقله إلى المحل الذي يلزمونهم بوضعه فيه وأخذ من الافرنج في ثمنه أصناف النقود من الذهب المشخص البندقي والمجر والفرانسة وعروض البضائع من الجوخ المتنوعة والدودة التي يقال لها: القرمز والقزدير وأصناف البضائع الافرنكية واحدث وهو بالاسكندرية احداثا ومكوسا.
واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الأحد سنة 1225
في ثاني عشرينه حضر الباشا من الاسكندرية إلى مصر وذلك يوم الجمعة أواخر النهار وحضر في العشية إلى بيت الازبكية وبات عند حريمه وطلع في صبح يوم السبت إلى القلعة وضربوا مدافع كثيرة لحضوره وبذلك علم الناس حضوره وانقضت السنة بحوادثها التي قصصنا بعضها إذ لا يمكن استيفاؤها للتباعد عن مباشرة الأمور وعدم تحققها على الصحة وتحريف النقلة وذياتهم ونقصهم في الرواية فلا اكتب حادثه حتى اتحقق صحتها بالتواتر والاشتهار وغالبها من الأمور الكلية التي لا تقبل الكثير من التحريف وربما اخرت قيد حادثة حتى اثبتها ويحدث غيرها وانساها فأكتبها في طيارة حتى افيدها في محلها إن شاء الله تعالى عند تهديب هذه الكتابة وكل ذلك من تشويش البال وتكدر الحال وهم العيال وكثرة الاشتغال وضعف البدن وضيق العطن.
ومن حوادثها احداث عدة مكوس زيادة على ما احدث على الأرز الكتان والحرير والحطب والملح وغير ذلك مما لم يصل الينا خبره حتى غلت اسعارها إلى الغاية وكان سعر الدرهم الحرير نصفين فصار بخمسة عشر نصفا وكنا نشتري القنطار من الحطب الرومي في أوانه بثلاثين نصفا وفي غير أوانه بأربعين نصفا فصار بثلثمائة نصف وكان الملح يأتي من أرضه بثمن
القفاف التي يوضع فيها لاغير ويبيعه الذين ينقلونه إلى ساحل بولاق الاردب بعشرين نصفا واردبه ثلاثة أرادب ويشتريه المسبب بمصر بذلك السعر لأن اردبة اردبان ويبيعه أيضا بذلك السعر ولكن اردبه واحد فالتفاوت في الكيل لا في السعر فلما احتكر صار الكيل لا يتفاوت سعره الآن أربعمائة وخمسون نصفا والتزم به من التزم واوقف رجاله في موارده البحرية لمنع من يأخذ منه شيئا من المراكب المارة بالسعر الرخيص من أربابه ويذهب به إلى قبلي أو نحو ذلك.
ومنها وهي من الحوادث الغريبة أنه ظهر بالتل الكائن خارج رأس الصوة المعروفة الآن بالحطابة قبالة الباب المعروف بباب الوزير في وهدة بين التلول نار كامنة بداخل الاتربة واشتهر أمرها وشاع ذكرها وزاد ظهورها في أواخر هذه السنة فيظهر من خلال التراب ثقب ويخرج منها الدخان بروائح مختلفة كرائحة الخرق البالية وغير ذلك وكثر ترداد الناس للاطلاع عليها أفواجا أفواجا نساء ورجالا وأطفالا فيمشون عليها ويجدون حرارتها تحت ارجلهم فيحفرون قليلا فتظهر النار مثل نار الدمس فيقربون منها وأن غوصوا فيها خشبة أو قصبة احترقت ولما شاع ذلك وأخبروا بها كتخدا بك نزل إليها بجمع من أكابره واتباعه وغيرهم وشاهد ذلك فأمر والي الشرطة بصب الماء عليها واهالة الاتربة من اعالي التل فوقها ففعلوا ذلك وأحضروا السقائين وصبوا عليها بالقرب ماء كثيرا واهالوا عليها الاتربة وبعد يومين صارت الناس المتجمعة والأطفال يحفرون تحت ذلك الماء المصبوب قليلا فتظهر النار ويظهر دخانها فيقربون منها الخرق والحلفاء واليدكات فتورى وتدخن واستمر الناس يغدون ويروجون للفرجة عليها نحو شهرين وشاهدت ذلك في جملتهم ثم بطل ذلك.
ومنها أنه نودي أواخر السنة على صرف المحبوب بزيادة صرفه ثلاثين نصفا وكان يصرف بمائتين وخمسين من زيادات الناس في معاملاتهم فكانوا ينادون بالنقص ورجوعها إلى ما كان قبل الزيادة ويعاقبون على
التزايد.
وفي هذه الأيام نودي بالزيادة وذلك بحسب الاغراض والمقاصد والمقتضيات ومراعاة مصالح أنفسهم لا المصلحة العامة هذا مع نقص عياره ووزنه عما كان عليه قبل المناداة وكذلك نقصوا وزن القروش وجعلوا القرش على النصف من القرش الأول ووزنه درهمين وكان أربعة دراهم وفي الدرهمين ربع درهم فضة هذا مع عدم الفضة العددية ووجودها بايدي الناس والصيارف وإذا أراد إنسان صرف قرش واحد من غيره صرفه بنقص ربع العشر وأخذ بدله قطعا صغارا افرنجية يصرف منها الواحدة باثني عشر وأخرى بعشرة وأخرى بخمسة ولكنها جيدة العيار وهم الآن يجمعونها ويضربونها بما يزاد عليها من النحاس وهو ثلاثة ارباعها قروشا لأن القطعة الصغيرة التي تصرف بخمسة انصاف وزنها درهم واحد وزني فيصيرونها أربعة قروش فتضاعف الخمسة إلى ثمانين وكل ذلك نقص واختلاس أموال الناس من حيث لا يشعرون.
وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فمات الفقيه الفريد والعلامة المفيد الشيخ علي الحصاوي الشافعي ولا اعلم له ترجمة وإنما رأيته يقرر الدروس ويفيد الطلبة في الفقه والمعقول ويشهد الفضلاء بفضله ورسوخه وكان على طريقة المتقدمين في الانقطاع للافادة وعدم الرفاهية والرضا بما قسم له منعكفا في حاله وتمرض بالبرودة ولم ينقطع عن ملازمة الدروس حتى توفي في منتصف جمادي الثانية من السنة وصلى عليه بالأزهر ودفن في تربة المجاورين بالصحراء ومات المعلم جرجس الجوهري القبطي كبير المباشرين بالديار المصرية وهو اخو المعلم إبراهيم الجوهري ولما مات اخوه في زمن رياسة الأمراء المصرية تعين مكانه في الرياسة على المباشرين والكتبة وبيده حل الأمور وربطها في جميع الاقاليم المصرية نافذ الكلمة وافر الحرمة وتقدم في أيام الفرنسيس فكان رئيس الرؤساء وكذلك عند مجييء الوزير والعثمانيين وقدموه واجلسوه ولما يسديه إليهم من الهدايا
والرغائب حتى كانوا يسمونه جرجس أفندي ورأيته يجلس بجانب محمد باشا خسرو وبجانب شريف أفندي الدفتردار ويشرب بحضرتهم الدخان وغيره ويراعون جانبه ويشاورونه في الأمور وكان عظيم النفس ويعطي العطايا ويفرق على جميع الأعيان عند قدوم شهر رمضان الشموع العسلية والسكر والازر والكساوي والبن ويعطي ويهب وبنى عدة بيوت بحارة الونديك والازبكية وانشأ دارا كبيرة وهي التي يسكنها الدفتردار الآن ويعمل فيها الباشا وابنه الدواوين عند قنطرة الدكة وكان يقف على ابوابه الحجاب والخدم ولم يزل على حالته حتى ظهر المعلم غالي وتداخل في هذا الباشا وفتح له الأبواب لأخد الأموال والمترجم يدافع في ذلك وإذا طلب الباشا طلبا واسعا من المعلم جرجس يقول له: هذا لا يتيسر تحصيله فيأتي المعلم غالي فيسهل له الأمور ويفتح له أبواب التحصيل فضاق خناق المترجم وخاف على نفسه فهرب إلى قبلي ثم حضر بأمان كما تقدم وانحط قدره ولازمته الامراض حتى مات في أواخر شعبان وانقضى وخلا الجو للمعلم غالي وتعين بالتقدم ووافق الباشا في اغراضه الكلية والجزئيه وكل شيء له بداية وله نهاية والله اعلم.
واستهلت سنة ست وعشرين ومائتين وألف
فكان أول المحرم يوم السبت فيه اظهر الباشا الاهتمام بأمر الحجاز والتجهيز للسفر وركب في ليلة الجمعة سابعه إلى السويس وسافر صحبته السيد محمد المحروقي وقام باحتياجاته ولوازمه فلما وصل إلى السويس حجز الداوات التي وصلت بالمحمل وسفر عدة من المراكب التي انشأها ليقبضوا على الداوات والسفن التي بالاساكل وحوزها واستولى على البن الذي وجده ببندر السويس للتجار فلما وصل خبر ذلك إلى مصر فغلا سعر البن وزاد حتى وصل إلى خمسين ريالا فرانسة بعد أن كان بستة وثلاثين عنها اثنا عشر ألف فضة وخمسمائة نصف فضة.
واستهل شهر صفر الخير بيوم الأحد سنة 1226
في ثانيه يوم الإثنين حضر الباشا من السويس إلى مصر في سادس ساعة من الليل فضربوا في صبحها عدة مدافع لحضوره وقد حضر علي هجين بمفرده ولم يصحبه إلا رجل بدوي على هجين أيضا ليدله على الطريق وقطع المسافة في إحدى عشرة ساعة وحضر من كان بصحبته في ثاني يوم وهم مجدون السفر وحضر السيد محمد المحروقي بحموله في اليوم الثالث وأخبروا أن الباشا انزل من ساحل السويس خمسة مراكب من المراكب التي انشأها باحتياجاتها ولوازمها وعساكرها ووجههم إلى ناحة اليمن ليقبضوا على ما يجدونه من المراكب وأن الصناع مجتهدون في العمل في مراكب كبار لحمل الخيول والعساكر واللوازم.
فيه حضر صالح أغا قوج حاكم اسيوط وتناقلت الأخبار عن الأمراء المصريين القبليين بأنهم حضروا إلى الطينة ورجعوا إلى ناحية قنا وقوض وخرج إليهم أحمد اغالاظ وتحارب معهم وقتل من عساكره عدة وافرة.
وفيه قلد الباشا ابنه طوسون باشا ساري عسكر الركب الموجه إلى الحجاز واخرجوا جيشهم إلى ناحية قبة العزب ونصبوا عرضيا وخياما واظهر الباشا الاجتهاد الزائد والعجلة وعدم التواني ونوه بتسفير عساكر لناحية الشام لتمليك يوسف باشا لمحله وساري عسكرهم شاهين بك الألفي ونحو ذلك من الايهامات وطلب من المنجمين أن يختاروا وقتا صالحا لإلباس ابنه خلعة السفر فاختاروا له الساعة الرابعة من يوم الجمعة فلما كان يوم الخميس رابعه طاف الاي جاويش بالأسواق على صورة الهيئة القديمة في المناداة على المواكب العظيمة وهو لابس الضلمة والطبق على رأسه وراكب حمار عال وإمامه مقدم بعكاز وحوله قابجية ينادون بقولهم يارن الاي ويكررون ذلك في اخطاط المدينة وطافوا بأوراق التنابية على كبار العسكر والبينبات والأمراء المصرية الالفية وغيرهم يطلبونهم للحضور في باكر النهار إلى القلعة ليركب الجميع بتجملاتهم وزينتهم أما الموكب فلما أصبح يوم الجمعة سادسه ركب الجميع وطلعوا إلى القلعة وطلع
المصرية بمماليكهم واتباعهم واجنادهم فدخل الأمراء عند الباشا وصبحوا عليه وجلسوا معه حصة وشربوا القهوة وتضاحك معهم ثم انجر الموكب على الوضع الذي رتبوه فانجر طائفة الدلاة واميرهم المسمى ازون علي ومن خلفهم الوالي والمحتسب والاغا والوجاقلية والالداشات المصرية ومن تزيا بزيهم ومن خلفهم طوائف العسكر الرجالة والخيالة والبيكباشيات وأرباب المناصب منهم وإبراهيم اغا آغات الباب وسليمان بك البواب يذهب ويجيء ويرتب الموكب وكان الباشا قد بيت مع حسن باشا وصالح قوج الكتخدا فقط غدر المصرية قتلهم واسر بذلك في صبحها إبراهيم أغا آغات الباب فلما انجر الموكب وفرغ طائفة الدلاة ومن خلفهم من الوجاقلية والالداشات المصرية وانفصلوا من باب العزب فعند ذلك أمر صالح قوج بغلق الباب وعرف طائفته بالمراد فالتفتوا ضاربين بالمصرية وقد انحصروا باجمعهم في المضيق المنحدر الحجر المقطوع في اعلي باب العزب مسافة ما بين الباب الاعلى الذي يتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة إلى الباب الأسفل وقد اعدوا عدة من العساكر اوقفوهم على علاوي النقر الجحر والحيطان التي به فلما حصل الضرب من التحتانيين أراد الأمراء الرجوع القهقري فلم يمكنهم ذلك لانتظام الخيول في مضيق النقر وأخذهم ضرب البنادق والقرابين من خلفهم أيضا وعلم العسكر الواقفون بالاعلى المراد فضربوا أيضا فلما نظروا ما حل به سقط في أيديهم وارتبكوا في أنفسهم وتحيروا في امرهم ووقع منه أشخاص كثيرة فنزلوا عن الخيول واقتحم شاهين بك وسليمان بك البواب وآخرون في عدة من مماليكهم راجعين إلى فوق والرصاص نازل عليهم من كل ناحية ونزعوا ما كان عليهم من الفراوي والثياب الثقيله ولم يزالوا سائرين وشاهرين سيوفهم حتى وصلوا إلى الرحبة الوسطى المواجهة لقاعة الاعمدة وقد سقط أكثرهم واصيب شاهين بك وسقط إلى الأرض فقطعوا رأسه واسرعوا بها إلى الباشا ليأخذوا عليها البقشيش وكان الباشا عندما ساروا
بالموكب ركب من ديوان السراية وذهب إلى البيت الذي به الحريم وهو بيت إسمعيل أفندي الضربخانه وأما سليمان بك البواب فهرب من حلاوة الروح وصعد إلى حائط البرج الكبير فتابعوه بالضرب حتى سقط وقطعوا رأسه أيضا وهرب كثير إلى بيت طوسون باشا يظن الالتجاء به والاحتماء فيه فقتلوهم وأسرف العسكر في قتل المصريين وسلب ماعليهم من الثياب ولم يرحموا أحدا وأظهروا كامن حقدهم وضبعوا فيهم وفيمن رافقهم متجملا معهم من أولاد الناس وأهالي البلد الذين تزيوا بزيهم لزينة الموكب وهم يصرخون ويستغيثون ومنهم من يقول: أنا لست جنديا ولا مملوكا وآخر يقول: أنا لست من قبيلتهم فلم يرقوا لصارخ ولا شاك ولا مستغيث وتتبعوا المتشتتين والهربانين في نواحي القلعة وزواياها والذين فروا ودخلوا في البيوت والأماكن وقبضوا على من أمسك حيا ولم يمت من الرصاص أو متخلفا عن الموكب وجالسا مع الكتخدا كأحمد بك الكيلارجي ويحيى بك الألفي وعلي كاشف الكبير فسلبوا ثيابهم وجمعوهم إلى السجن تحت مجلس كتخدا بك ثم أحضروا أيضا المشاعلي لرمي اعناقهم في حوش الديوان واحدا بعد واحد من ضحوة النهار إلى أن مضى حصة من الليل في المشاعل حتى امتلأ الحوش من القتلى ومن مات من المشاهير المعروفين وانصرع في طريق القلعة قطعوا رأسه وسحبو حثته إلى باقي الجثث حتى أنهم ربطوا في رجلي شاهين بك ويديه حبالا وسحبوه على الأرض مثل الحمار الميت إلى حوش الديوان هذا ما حصل بالقلعة وأما اسفل المدينة فأنه عند ما اغلق باب القلعة وسمع من بالرميلة صوت الرصاص وقعت الكرشة في الناس وهرب من كان واقفا بالرميلة من الأجناد في انتظار الموكب وكذلك المتفرجون واتصلت الكرشة بأسواق المدينة فأنزعجوا وهرب من كان بالحوانيت لانتظار الفرجة واغلق الناس حوانيتهم وليس لأحد علم بما حصل وظنوا ظنونا وعندما تحقق العسكر حصول الواقعة وقتل الأمراء انبثوا كالجراد المنتشر إلى بيوت الأمراء المصريين ومن
جاورهم طالبين النهب والغنيمة فولجوها بغتة ونهبوها نهبا ذريعا وهتكوا الحرائر والحريم وسحبوا النساء والجواري والخوندات والستات وسلبوا ما عليهن من الحلي والجواهر والثياب وأظهروا الكامن في نفوسهم ولم يجدوا مانعا ولا رادعا وبعضهم قبض على يد امرأة ليأخذ منها السوار فلم يتمكن من نزعها بسرعة فقطع يد المراءة وحل بالناس في بقية ذلك اليوم من الفزع والخوف وتوقع المكروه ما لا يوصف لأن المماليك والأجناد تداخلوا وسكنوا في جميع الحارات والنواحي وكل أمير له دار كبيرة فيها عيالة واتباعه ومماليكه وخيوله وجماله وله دار وداران صغار في داخل العطف ونواحي الأزهر والمشهد الحسيني يوزعون فيها ما يخافون عليه لظنهم بعدها وحمايتها بحرمة الخطة وصونها عند وقوع الحوادث وكثير من كبار العسكر مجاورون لهم في جميع النواحي ويرمقون أحوالهم ويطلعون على أكثر حركاتهم وسكناتهم ويندخلون فيهم ويعاشرونهم ويسامرونهم بالليل ويظهرون لهم الصداقة والمحبة وقلوبهم محشوة من الحقد عليهم والكراهة لهم بل ولجميع ابناء العرب فلما حصلت هذه الحادثة بادروا لتحصيل مأمولهم واظهروا ما كان مخفيا في صدورهم وخصوصا من التشفي في النساء فإن العظيم منهم كان إذا خطب أدنى امرأة ليتزوج بها فلا ترضى به وتعافه وتأنف قربه وأن الح عليها استجارات بمن يحميها منه وإلا هربت من بيتها واختفت شهورا وذلك بخلاف ما إذا خطبها اسفل شخص من جنس المماليك اجابته في الحال واتفق أنه لما اصطلح الباشا مع الالفية وطلبوا البيوت ظهر كثير من النساء المستترات المخفيات وتنافسن في زواجهم وعملن لهم الكساوي وقدمن لهم التقادم وصرفن عليهم لوازم البيوت التي تلزم الازواج لزوجاتهم كل ذلك بمرأى من الاتراك يحقدونه في قلوبهم وفيهم من حمى جاره وصان دياره ومانع اعلاهم أدناهم وقليل ما هم وذلك لغرض يبتغيه وأمر يرتجيه فانه بعد ارتفاع النهب كانوا يقبضون عليهم من البيوت فيستولي الذي حماه ودافع عنه على داره وما
فيها وانهبت دور كثيرة من المجاورين لهم أو لدور اتباعهم بأدنى شبهة أو يدخلون بحجة التفتيش ويقولون: عندكم مملوك أو سمعنا أن عندكم وديعة لمملوك وبات الناس وأصبحوا على ذلك ونهب في هذه الحادثة من الأموال والامتعة ما لا يقدر قدره ويحصيه إلا الله سبحانه وتعالى ونهبت دور كثيرة من دور الأعيان الذين ليسوا من الأمراء المقصودين ومن المتقيدين بخدمة الباشا مثل ذو الفقار كتخدا المتولي خوليا على بساتين الباشا التي انشأها بشبرا وبيت الأمير عثمان أغا الورداني ومصطفى كاشف المورلي والافندية الكتبة وغيرهم وأصبح يوم السبت والنهب والقتل والقبض على المتوارين والمختفين مستمر ويدل البعض على البعض أو يغمز عليه وركب الباشا في الضحوة ونزل من القلعة وحوله أمراؤه الكبار مشاة وإمامه الصفاشية والجاويشية بزينتهم وملابسهم الفاخرة والجميع مشاة ليس فيهم راكب سواه وهم محدقون به وإمامه وخلفه عده وافرة والفرح والسرور بقتل المصريين ونهبهم والظفر بهم طافح من وجوههم فكان كلما مر على أرباب الدرك والقلقات والضابطين وقف عليهم ووبخهم على النهب وعدم منعهم لذلك والحال أنهم هم الذين كانوا ينهبون أولا ويتبعهم غيرهم فمر على العقادين الرومي والشوائين فخرج إليه شخص من تجار المغاربة يسمى العربي الحلو وصرخ في وجهه وهو يقول ايش: هذا الحال وايش لنا علاقة حتى ينهبنا العسكر ونحن ناس فقراء مغاربة متسببون ولسنا مماليك ولا أجناد فوقف إليه وأرسل معه نفرا إلى داره فوجدوا بها شخصين احدهما تركي والآخر بلدي وهما يلتقطان آخر النهب وما سقط من النهابين فأمر بقتلهما فأخذوهما إلى باب الخرق وقطعوا رؤوسهما ثم أنه عطف على جهة الكعكيين فلاقاه من أخبره بأن المشايخ مجتمعون ونيتهم الركوب لملاقاته والسلام عليه والتهنئة بالظفر فقال: أنا اذهب إليهم ولم يزل في سيرة حتى دخل إلى بيت الشيخ الشرقاوي وجلس عنده ساعة لطيفة وكان قد إلتجأ إلى الشيخ شخصان من الكشاف المصرية فكلمه في شأنهما
وترجى عنده في اعتاقهما من القتل وأن يؤمنهما على أنفسهما وقال له: لا تفضح شيبتي يا ولدي واقبل شفاعتي واعطهما محرمة الأمان فاجابه إلى ذلك وقال له: شفاعتك مقبولة ولكن نحن لا نعطي محارم وأنا اماني بالقول أو نكتب ورقة ونرسلها إليك بالأمان فاطمأن الشيخ لذلك ثم قام الباشا وركب وطلع إلى القلعة وأرسل ورقة إلى الشيخ بطلبهما فقال لهما الشيخ: إن الباشا أرسل هذه الورقة يؤمنكما ويطلبكما إليه فقالا: وما ي يفعل بذهابنا إليه فلاشك في أنه يقتلنا فقال الشيخ: لا يصلح ذلك ولا يكون كيف أنه يأخذكم من بيتي ويقتلكم بعد أن قبل شفاعتي فذهبا مع الرسول فعندما وصلا إلى الحوش وهو مملوء بالقتلى وضرب ذرب الرقاب واقع في المحبوسين والمحضرين قبضوا عليهما وادرجا في ضمنهم وفي ذلك اليوم نزل طوسون ابن الباشا وقت نزول أبيه وشق المدينة وقتل شخصا من النهابين أيضا فارتفع النهب وانكف العسكر عن ذلك ولولا نزول الباشا وابنه في صبح ذلك اليوم لنهب العسكر بقية المدينة وحصل منهم غاية الضرر أما القبض على الأجناد والمماليك فمستمر وكذلك كل من كان يشبههم في الملبس والزي وأكثر من كان يقبض عليهم عساكر حسن باشا الارنؤدي فيكبسون عليهم في الدوراو في الأماكن التي تواروا فيها واستدلوا عليهم فيقبضون على من يقبضون عليه وينهبون من الأماكن ما يمكنهم حمله وثياب النساء وحليهن ويسحبون الواحد والإثنين أو أكثر بينهم ويأخذون عمائمهم وثيابهم وما في جيوبهم في اثناء الطريق وإذا كان كبيرا أو اميرا يستحى منه طلبوه بالرفق فإذا ظهر لهم قالوا له: سيدنا حسن باشا يستدعيك إليه فلا تخش من شىء ويطمئن قليلا ويظن أنهم يجبرونه وعلى اي حال لا يسعه إلا الاجابة لأنه أن امتنع أخذوه قهرا فإذا خرج من الدار استصحبه جماعة منهم وطلع البواقي إلى الدار فأخذوا ما قدروا عليه ولحقوا بهم وجرى على الماخوذ ما يجري على أمثاله من المأخوذين والبعض توارى والتجأ إلى طائفته الدلاة الفلاحات اللاتي يبعن الجلة والجبنة وذهبوا في ضمنهم وفر من نجا منهم
وتزيا بشكلهم ولبس له طرطورا واجاروه وهرب كثير في ذلك اليوم وخرجوا إلى قبلي وبعضهم تزيا بزي نساء الفلاحين وخرج في ضمن إلى الشام وغيرها وأما كتخدا بك فإنه لشدة بغضه فيهم صار لا يرحم منهم أحدا فكان كل من أحضروه ولو فقيرا هرما من مماليك الأمراء الاقدمين يامر بضرب عنقه وأرسل أوراقا إلى كشاف النواحي والأقاليم بقتل كل من وجدوه بالقرى والبلدان فوردت الرؤوس في ثاني يوم من النواحي فيضعونها بالرميلة وعلى مصطبة السبيل المواجه لباب زويلة وكان كثير من الأجناد بالارياف لتحصيل الفرض التي تعهدوا بدفعها عن فلاحيهم وانقضت اجلتهم وطولبوا بالدفع والفلاحون قصرت أيديهم ولم يقبلوا للملتزمين عذرا في التأخير فلم يسعهم إلا الذهاب بأنفسهم لأجل خلاص المطلوب منهم للديوان فعندما وصلت الأوامر إلى كشاف الاقاليم بقتل الكائنين بالبلاد بادروا بقتل من يمكنهم قتله ومن بعد عنهم أرسلوا لهم العساكر في محلاتهم فيدهمونهم على حين غفلة ويقتلونهم وينهبون متاعهم وما جمعوه من المال ويرسلون برؤوسهم أو يتحيلون على القبض عليهم وقتلهم فصار يصل في كل يوم العدد من الرؤوس من قبلي وبحري ويضعونها على باب زويلة وباب القلعة ولم يقبلوا شفاعة في أحد ابدا ويعطون الأمان للبعض فإذا حضروا قبضوا عليهم وشلحوهم ثيابهم وقتلوهم والباشا يعلم من كتخداه شدة الكراهة لجنس المماليك ففوض له الأمر فيهم حتى أنه كان بينه وبين محمد أغا كتخدا الجاويشية سابقا بعض منافرة من مدة سابقة أو لكونه صاهر بعض الالفية وزوجه ابنته وكان غائبا ببلدة يقال لها: الفرعونية جارية في اقطاعه وتعهد بسا! عليها من الفرضة فذهب إليها بنفسه ليستخلص منها الفرضة والمال الميري فأرسل الكتخدا بك إلى كاشف المنوفية قبل الحادث بيوم يامره فيه بأمره فأرسل إليه طائفة من العسكر دخلوا عليه في الفجرية وهو يتوضأ لصلاة الصبح فقتلوه وقطعوا رأسه وأحضروها إلى مصر وكانوا يأتون بأشخاص
من بقايا البيوت القديمة فيمثلونهم بين يدي الكتخدا فيسألهم فيخبرون عن أنفسهم ونسبتهم فيكذبهم ويامر بهم إلى الحبس الاعلى حتى يتبين امرهم فأما تدركهم الالطاف فينجون بعد معاينة الموت وهذا في النادر فقتل في هذه الحادثة أكثر من ألف إنسان وأمراء وأجناد وكشاف ومماليك ثم صاروا يحملون رممهم على الاخشاب ويرمونهم عند المغسل بالرميلة ثم يرفعونهم ويلقونهم في حفر من الأرض فوق بعضهم البعض لا يتميز الأمير عن غيره وسلخوا عدة رؤوس من رؤوس العظماء والقوا جماجمهم المسلوخة على الرمم في تلك الحفر فكانت هذه الكائنة من اشنع الحوادث التي لم يتفق مثلها ولم ينج الالفية إلا أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير فإنه كان غائبا بناحية بوش وامين بك تسلق من القلعة وهرب إلى ناحية الشام وعمر بك أيضا الألفي كان مسافرا في ذلك اليوم إلى الفيوم فقتلوه هناك وبعثوا برأسه بعد خمسة أيام ومعها نحو الخمسة عشر رأسا وأرسل دبوس اوغلي حاكم المنية خمسة وثلاثين رأسا وحضر من ناحية بحري غير ذلك كثير.
وأما من قتل في ذلك اليوم ممن له ذكر وبلغني خبره.
فهم شاهين بك كبير الألفية ويحيى بك ونعمان بك وحسين بك الصغير ومصطفى بك الصغير ومراد بك وعلي بك وهؤلاء من الالفية ومن غيرهم أحمد بك الكيلارجي ويوسف بك أبو دياب وحسن بك صالح ومرزوق بك بن إبراهيم الكبير وسليمان بك البواب وأحمد بك تابعه ورشوان بك وإبراهيم بك تابعاه وقاسم بك تابع مراد بك الكبير وسليم بك الدمرجي ورستم بك الشرقاوي ومصطفى بك ايوب ومصطفى بك تابع عثمان بك حسن وعثمان بك إبراهيم وذو الفقار تابع جوجر وهو رجل كبير من الاقدمين البطالين هرب هو ومصطفى بك الجداوي وآخر عند صالح بك السلحدار والتجؤا إليه وطمنهم وأرسل بخبرهم فحضر الأمر بقطع رؤوسهم فأحضر المشاعلي وقطع رؤوسهم في مقعده وأرسلها.
ومن الأمراء الكشاف الالفية فهم علي كاشف الخازندار وعثمان كاشف الحبشي ويحيى كاشف ومرزوق كاشف وعبد العزيز كاشف وروشوان كاشف وسليم كاشف ططر وقايد كاشف وجعفر كاشف وعثمان كاشف ومحمد كاشف ابو قطية وأحمد كاشف الفلاح وأحمد كاشف صهر محمد أغا وخليل كاشف وعلي كاشف قيطاس وأحمد كاشف وموسى كاشف وغير ذلك ممن لم يحضرني اسماؤهم وهم كثيرون وختم الله للجميع بالخير فانه بلغني ممن عاينهم بالحبوس وفي حال القتل أنهم كانوا يقرأون القرآن وينطقون بالشهادتين والاستغفار وبعضهم طلب ماء وتوضأ وصلى ركعتين قبل أن يرمى عنقه ومن لم يجد ماء تيمم ولاشتغال أهل المقتولين بأنفسهم وما حصل لهم من النهب والسلب والتشتيت عن اوطانهم لم يعوا ولم يسألوا عن موتاهم غير أم مرزوق بك بن إبراهيم بك الكبير فإنها وجدت عليه وجدا عظيما وطلبته في القتلى فعرفوا جثته بعلامة فيه وجمجمته بكونه كان كريم العين فأخرجوه وكفنوه ودفنوه في تربتهم وذلك بعد مضي يومين من الحادثة واجتمع عندها الكثير من أهل المقتولين ونسائهم واقاموا على ذلك شهورا.
وفي الحادثة أرسل محرم بك صهر الباشا حاكم الجيزة فجمع مال المصرية بإقليم الجيزة في الربيع من الخيول والجمال والهجن وغيرها فكان شيئا كثيرا.
وفي ثامنه نودى على نساء المقتولين بالأمان وأن يحضرن إلى بيوتهن ويسكن فيها كونها صارت بلاقع فرجع البعض وهن اللاتي لم يحصل لهن كثير الضرر وبقي البعض في اختفائه وانعم الباشا على خواصه بالبيوت بما فيها فنزلوها وسكنوها والبسوا النساء الخواتم وجددوا الفرش والأواني وغالبها من المنهوبات وانعم ببيت شاهين بك على حسين أغا من اقاربه ولم يحصل به ما حصل بغيره لكونه ملاصقا لبيت طاهر باشا
وأرسل الباشا طائفة من العسكر جلسوا على بابه وأما أحمد بك الألفي فانه وصله النذير فانتقل من بوش وذهب عند الأمراء القبالي ولما وصلتهم خبار هذه الحادثة وبلغ إبراهيم بك موت ولده على هذه الصورة اقاموا العزاء على اخوانهم ولبسوا السواد.
وفي ثاني يوم الوقعة حضر أحد الكشاف رسولا من عند الأمراء القبليين يطلبون العفو من الباشا وأن يعطيهم جهة يتعيشون منها فوعده برد الجواب في غير الوقت فاهمله وما ادري ما تم له.
وفيه قلد الباشا مصطفى بك ابن اخته وجعله كبيرا على طائفة الدلاة وكان أحضره من ناحية الشرقية ليذهب إلى قبلي وأقام بدله في كشوفية الشرقية علي كاشف بن أحمد كتخدا من المصرلية.
وفي ثامن عشره عدى مصطفى بك المذكور إلى بر الجيزة ليسافر إلى قبلي ونصب طاقه بحري بالقصر وعدى أيضا الباشا وأقام بالقصر وشرع عسكره الدلاة في التعذية ليلا ونهارا.
وفيه أيضا خرج عدة من العسكر الدلاة نحو الخمسمائة نفر إلى ناحية قبة العزب ليسافروا إلى بلادهم فاستمروا في قضاء اشغالهم أياما ثم سافروا.
وفي يوم الإثنين ثالث عشرينه ارتحل مصطفى بك وانتقل إلى ناحية الشيخ عثمان مسافرا إلى قبلي وعدى الباشا راجعا إلى مصر.
وفيه حضر ططريان من الروم يبشران بالعفو عن يوسف باشا المنفصل عن الشام وقبل فيه ترجى باشة مصر وشفاعته.
وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه أحضروا من ناحية قبلي أربعةوستين شخصا وأكثرهم من الذين كانوا مستوطنين بالبلاد من بقايا البيوت القديمة السنين العديدة ومحترفين فلما أحضروهم إلى مصر القديمة ابقوهم إلى الليل في محبس ثو اوقدوا المشاعل بساحل البحر وقطعوا رؤوسهم ورموا بجثثهم إلى البحر واتوا بالرؤوس فوضعوها تجاه باب زويلة ليراها
الناس كما راوا غيرها.
واستهل شهر ربيع الأول بيوم الثلاثاء سنة 1226
وفي يوم الأحد سادسه عمل الباشا لابنه طوسون باشا موكبا عظيما ونبهوا في ليلتها على اجتماع العسكر في صبحها ونزل هو إلى جامع الغورية ليتفرج على الموكب وصحبته حسن باشا واستعد لذلك السيد المحروقي وفرش له بالجامع المذكور فروشا ومراتب ووسائد فمر الموكب وفي أوله طائفة الدلاة فلما فرغوا مروا بعشرة مدافع كبار على عربيات وعربيتين تحملان هونين قنابر وخلفهم طوائف العسكر الرجالة ارنؤد واتراك وسجمان وهم كثيرون مختلطون من غير ترتيب مدة طويلة ثم كبارهم ركبانا بطوائفهم ثم الوالي والمحتسب واغات مستحفظان ثم طوائف صاحب الموكب وجنائبه وكذا هجنه ثم الجاويشية والسعاة والملازمون ثم طوسون باشا وخلفه اتباعه واغواته ثم الكتخدا وهو محمد كتخدا المعروف بالبرديسي وهو الذي كان كتخدا الألفي وصحبته الخازندار وخلفهم النوبة التركية ولما انقضى أمر الموكب دعاه المحروقي إلى منزله فنزل معه من باب السر الذي بالجامع المعروف بالغوري وصحبته حسن باشا وتوجهوا إلى بيت المحروقي وتعدى عنده هو واتباعه وخواصيه وأحضر له الات الطرب واستمر هناك إلى آخر النهار في حظ وكيف وقدم له المحروقي تعابي هدية ثم ركب عائدا إلى محله.
وفي يوم الإثنين رابع عشره نزل الباشا إلى ترعة الفراعونية للاهتمام بسدها ونقل الاحجار في المراكب مستمر فأقام عند السد أربع ليال وذهب إلى الاسكندرية عندما اتته الأخبار بورود مراكب الانكليز لأجل مشتري الغلال فذهب ليبيع عليهم الغلال التي جمعها فباع عليهم كل اردب بمائة قرش رومي عنها أربعة آلاف فضة وأكثر واجتهد ببناء اسوار الاسكندرية وجدد بها ابراجا وحصونا وأرسل بطلب البنائين والصناع فجمعوهم من كل ناحية وطالت غيبته هناك واقامته لتتميم اغراضه وأمن
مشايخ عربان أولاد على المتسولين على البحيرة وتحيل عليهم فلما حضروا إليه قبض عليهم وقرر عليهم أموالا عظيمة ثم خلع عليهم وعوقهم وأرسل العساكر فنهبت نجوعهم وسبوا نساءهم وأولادهم ومواشيهم وأما كتخدا بك فإنه بمصر يقرر الفرض على البلاد هو والكتبة حسب أوامر مخدومه ونظموا كيفية أخرى وهي أنهم جمعوا الميري المضاف والفائظ والرزق ايراد أربع سنوات وكتبوا بها مراسيم بنصف المقرر ليقبض في دفعتين وبعد أن تقرر النصف الأول وتحصل منه ما تحصل وبقى الباقي مع النصف الآخر ويطلب من أربابه ولا بد لا مسامحة في شىء منه ومن نكفل بما تقرر على حصته والزم نفسه بدفعه وكتب على نفسه وثيقة لأجل طولب به حتى قبل حلول الأجل لاحتياج المهمات فتتوجه عليه الحوالات بيد العساكر فينزلون بداره ويلازمونه ويضيقون انفاسه ويكلفونه ما لا يطيق فلا يجد ملجأ ولا خلاصا إلا باحد الشيئين أما الدفع باي وجه كتان وأما أن ينزل عن حصته بالفراغ للديوان ولا يبقى بيده ما يتقوت به هو وعياله ويصبح فقيرا لا يملك شيئا أن لم يكن له إيراد من جهة اخرى.
واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1226
والكتخدا يتنوع في استجلاب الأموال ويتحيل في استخراجها بأنواع من الحيل فمنها أنه يرسل إلى أهل حرفة من الحرف ويامرهم ببيع بضاعتهم بنصف ثمنها ويظهر أنه يريد الشفقة والرأفة بالناس ويرخص لهم في اسعار المبيعات وأن أرباب الحرف تعدوا الحدود في غلاء الاسعار فجتمع أهل الحرفة ويضجون ويأتون بدفاترهم وبيان رأس امالهم وما ينضاف إليه من غلو جريئات تلك البضاعة وما استحدث عليها من الجمارك والمكوس وغلو الاجر في البحر والبر فلا يستمع لقولهم ولا يقبل لهم عذرا ويامر بهم إلى الحبس فعند ذلك يطلبون الخلاص ويصالحون على أنفسهم بقدر من المال يدفعونه ويوزعون ذلك على افرادهم فيما بينهم
ثم يزيدون في سعر تلك البضاعة ليعوضوا غرامتهم من الناس معتذرين بتلك الغرامة وما حل بهم من الخسارة ثم تستمر الزيادة على الدوام واظن استمرار الغرامة أيضا فجمع بهذه الكيفية أموالا عظيمة وهي في الحقيقة سلب أموال الناس من الاغنياء والفقراء.
وفي أواخره حضر الباشا من الاسكندرية على حين غفلة فبات بقصر شبرا ثم حضر إلى بيت الازبكية فأقام به يومين ثم طلع إلى القلعة.
وفيه وصلت عساكر كثيرة من الارنؤد والاتراك حتى غصت بهم المدينة فلا يكاد المار يقع بصره إلا عليهم إمام وخلف وبداخل الازقة والعطف وذلك خلاف الذين اقرهم وابقاهم في الاسكندرية ومن هو بالجهات والاقاليم القبلية والبحرية وما يعلم جنود ربك إلا هو.
وفيه اهتم الباشا بتشهيل العرضى اهتماما زائدا وفرض على البلاد جمالا واتبانا وغلالا.
واستهل جمادى الأولى سنة 1226
وفيه ورد قاصد من الديار الرومية وعلى يده بشارة بأنه ولد للسلطان مولودة انثى فعملوا لها شنكا وهي مدافع تضرب من ابراج القلعة في الأوقات الخمسة ثلاثة أيام.
وفيه فرضوا فرضة بغال على مياسير الناس وأهل الحرف بغلة وبغلتين وثلاثة والذي لم يكن عنده بغلة تلزم بالشراء أو أنه يدفع ثمنها كيسا عشرون ألف فضة.
وفيه انقطع الوارد من الديار الحجازية وغلا سعر البن حتى وصل إلى مائتين وسبعين نصف فضة كل رطل وقل وجوده من الأسواق والدكاكين فلا يوجد إلا مع المشقة وصنع الناس القهوة من أنواع الحبوب المحمصة كالشعير والقمح والفول وبزر العاقول وغيره مخلوطا مع البن وبغير خلط.
واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1226
وفي عشرينه خرج الباشا إلى البركة وطلب الجمال وقوافل العرب وشهل
طائفة من العسكر للسفر إلى السويس فاهتموا بالدخول والخروج من المدينة وطفقوا يخطفون الحمير والبغال والجمال وكل ما صادفوه من الدواب ومن وجدوه راكبا ولو من وجهاء الناس انزلوه عن دابته وركبوها فانقبض الناس وانكمش غالبهم عن الركوب لمصالحهم واخفوا حميرهم وبغالهم وأقام الباشا ثلاثة أيام جهة البركة ثم ركب إلى السويس.
وفيه وردت مراكب وداوات وفيها البن وذلك باستدعاء الباشا لها من ناحية جدة واليمن لأجل حمل العساكر واللوازم وانحل سعر البن قليلا.
واستهل شهر رجب سنة 1226
وفي ثاني عشرينه يوم الإثنين الموافق لسابع مسرى القبطي اوفى النيل اذرعه وكسر السد في صبحها يوم الثلاثاء بحضرة كتخدا بك والباشا غائب بالسويس.
واستهل شهر شعبان سنة 1226
وفي ثانيه سافر ديوان أفندي بمن بقي من العساكر البحرية وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر الباشا من السويس وشرع في تشهيل العساكر البرية.
وفي خامس عشره خرج الباشا إلى العادلية واجتهد في تشهيل سفر العساكر البرية اجتهادا كبيرا وجمع من أهل كل حرفة طائفة وكذلك من أهل كل صنعة والذي يعجز عن السفر يخرج عنه بدلا بدى وتعين من الفقهاء للسفر الشيخ محمد المهدي من الشافعية ومن الحنفية السيد أحمد الطحطاوي وشيخ حنبلي وصل من ناحية الشام وكانوا رسموا بإحضار السيد حسين كريت المالكي من رشيد والشيخ علي خفاجي من دمياط فحضرا واعتذرا فاعفيا من السفر ورجعا إلى بلديهما.
وفي هذا الشهر ظهر نجم له ذنب في جهة الشمال.
بين بنات نعش الصغرى وبين منار بنات نعش الكبرى رأسه جهة المغرب وذنبه صاعدا إلى جهة المشرق وله شعاع مستطيل في مقدار الرمح واستمر يظهر في كل ليلة والناس ينظرون إليه ويتحدثون به ويسألون
الفلكيين عنه ويبحثون عن دلائله وعن الملاحم المصنفة في ذوات الاذناب واستمر ظهوره قريبا من ثلاثة اشهر واضمحل بعض جرمه ومشى إلى ناحية الجنوب وقرب من النسر الطائر.
واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1226
وفي يوم الخميس تاسعه ارتحل العسكر من الحصوة ونزلوا ببركة الحج.
وفي يوم الأحد ثاني عشره ارتحلوا من البركة فكان مدة مكث العرضى من يوم خروج الموكب إلى يوم ارتحالهم من البركة قريبا من ستة اشهر ونصف والناس في أمر مريج في كل شيء.
وفيه خرج السيد محمد المحروقي ليسافر صحبة الركب وخرج في موكب جليل لأنه هو المشار إليه في رياسة الركب ولوازمه واحتياجاته وأمور العربان ومشايخها واوصى الباشا ولده طوسون باشا أمير العسكر بان لا يفعل شيئا من الأشياء إلا بمشورته واطلاعه ولا ينفذ أمرا من الأمور إلا بعد مراجعته.
وفيه وردت الأخبار بأن العساكر البحرية ملكوا ينبع البحر ونهبوا ما كان فيه من ودائع التجار وذلك أنه كان بمرساة الينبع عدة مراكب وادوات والشريف غالب أمير مكة يكاتب الباشا ويراسله ويظهر له النصح والصداقة وخلوص المودة والباشا أيضا يراسله ويكاتبه وأرسل له السيد سلامة النجاري والسيد أحمد المنلا الترجمان المحروقي بمراسلات وجوابات مرارا عديدة فكأناهما السفيرين بينهما وأيضا الشريف في كل كتابة مع كل مرسل يعاهد الباشا ويعاقده ويواعده بنصر عساكره متى وصلت وينافق للطرفين الذي هو العثماني والوهابي ويداهنهما أما الوهابي فلخوفه منه وعدم قدرته عليه فيظهر له الموافقة والامتثال وأنه معه على العهود التي عاهده عليها من ترك الظلم واجتناب البدع ونحوذلك ويميل باطنا للعثمانيين لكونه على طريقتهم ومذاهبهم وتعاقد مع الباشا أنه متى
وصلت عساكره قام بنصرتهم وساعدهم بكليته وجميع همته وأرسل إلى المراكب الكائنة بمرساة الينبع بأن ينقلوا ما فيها من مال التجار وغيرهم ويودعوه قلعة الينبع تحت يد وزيره وترك معه نحو الخمسمائة من عسكره وأخذ المراكب فأوسقها من بضائعه وبهاره وبنه وارسلها إلى السويس لتباع بمصر ثم توسق بمهمات العسكر البحرية فلما وصلت مراكب العساكر البحرية والقت مراسيها قبالة الينبع احتاجوا إلى الماء فلم يسعفوهم بالماء فطلع طائفة من العسكر إلى البر في طلب عين الماء فمانعهم من عندها مرابط فقاتلوهم وطردوهم ومنعوهم عن الماء وفي حال رجوعهم رموا عليهم من القلعة المدافع والرصاص والحال أن الأمر مبهم على الفريقين فعند ذلك استعدت العساكر لمحاربة من بالقلعة واحتاطوا بها وضربوا عليها القنابر والمدافع وركبوا على سورها سلالم وصعدوا عليها وتسلقوا على سور القلعة من غير مبالاة بالرصاص النازل عليهم من الكائنين بالقلعة فملكوا القلعة وقتلوا من كان بها ولم ينج منهم إلا الوزير ومعه ستة انفار خرجوا هاربين على الخيول ونهبوا كل ما كان بالينبع من الودائع والأموال والاقمشة والبن وسبو النساء والبنات الكائنات بالبندر وأخذوهن أسرى يبيعوهن على بعضهم البعض ووصل المبشرون بذلك في عشرينه فضربوا لذلك مدافع من القلعة كثيرة وعملوا شنكا وطافت المبشرون على بيوت الأعيان ليأخذوا منهم البقاشيش وأرسلوا بتلك البشارة شخصا معينا كبيرا إلى إسلامبول يبشرون أهل الدولة وسلطان الإسلام وكان ذلك أول فتح حصل.
واستهل شهر شوال بيوم الجمعة سنة 1226
وكان حقه أن يكون بيوم السبت لأن الهلال لم يكن موجودا ليلة الجمعة ولم يره ليلة السبت إلا النادر من الناس وكان قوسه ليلة السبت عشر درجات.
وفي سادس عشره وصلت هجانة ومكاتبات من عساكر البر يخبرون
بوصولهم إلى بندر المويلح في اليوم السابع من الشهر وكان العيد عندهم بمغاير شعيب يوم السبت.
وفيه خرجت تجريدة لتسافر إلى قبلي لمحاربة من بقي من الأمراء المصريين بناحية ابريم.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأحد سنة 1226
وفيه وصلت حجاج مغاربة في عدة مراكب على ظهر البحر وتلف منهم نحو ثلاثة مراكب وحضر بعدهم بأيام الركب الطرابلسي ونزل بساحل بولاق.
وفي سادسه حضر أيضا الركب الفاسي وفيهم ابن سلطان الغرب مولاي إبراهيم ابن مولاي سليمان فاعتنى الباشا بشأنه وأرسل كتخدا بك لملاقاته وقدم له تقادم واعدوا له منزل علي كاشف بالقرب من بيت المحروقي لينزل فيه وتقيد بخدمته الرئيس حسن المحروقي وحواشيهم لمطبخه وكلف طعامه فلما عدى طلع إلى القلعة وقابل الباشا ونزل إلى المنزل الذي اعده له وإمامه قواسة اتراك وطرادون واسخاص اتراك يضربون على طبلات وإمامه جميع المغاربة مشاة ويامرون الناس الجالسين بالحوانيت بالقيام على اقدامهم فأقام خمسة أيام حتى قضى اشغاله وفي تلك المدة تغدو إليه وتروح رسل الباشا وأرسل له هدية وذخيرة من كل صنف سكر وعسل وسمن ودقيق وبقسماط وأشياء آخر وبارود واعطى له ألف بندقية لضرب الرصاص وبرز في عاشره وسافروا في ثاني عشره.
وفي يوم الخميس تاسع عشره وصلت هجانة على أيديهم مكاتبات خطابا إلى الباشا وغيره وفيهم خبر بان العسكر البري قد اجتمع مع العسكر البحري وأخذوا ينبع البر من غير حرب وأن العربان اتت إليهم أفواجا وقابلوا طوسون باشا وكساهم وخلع عليهم ثم انقطعت الاخبار.
واستهل شهر ذي الحجة سنة 1226
في منتصفه وصلت هجانة ومعهم رؤوس قتلى ومكاتبات مؤرخة في منتصف شهر القعدة مضمونها أنهم وصلوا إلى ينبع البر في حادي عشرين شوال واجتمع هناك العسكران البري والبحري وانهم ملكوا قرية ابن جبارة من الوهابية وتسمى قرية السويق وفر ابن جبارة هاربا وحضرت عربان كثيرة وقابلوا ابن الباشا وانهم مقيمون وقت تاريخه في منزله الينبع منتظرين وصول الذخيرة وعاق المراكب ريح الشتاء المخألف وأنه ورد عليهم خبر ليلة أربعة عشر شهره بأن جماعة من كبار الوهابية حضروا بنحو سبعة آلاف خيال وفيهم عبد الله ابن مسعود وعثمان المضايفي ومعهم مشاة قصدوا أن يدهموا العرضي على حين غفلة فخرج إليهم شديد شيخ الحويطات ومعه طوائفه ودلاة وعساكر فوافاهم قبل شروق الشمس ووقع بينهم القتال والوهابية يوقولون هاه يا مشركون وانجلت الحرب عن هزيمة الوهابية وغنموا منهم نحو سبعين هجينا من الهجن الجياد محملة أدوات وكانت الحرب بينهم مقدار ساعتين هذا ملخص ما ذكره وفي الاجوبة التي حضرت.
وفي يوم الجمعة خامس عشرينه وصلت قافلة من السويس وحضر فيها جاويش باشا وصحبته مكاتبات وحضر أيضا السيد أحمد الطحطاوي والسيخ الحنبلي وأخبروا أن العرضى ارتحل من ينبع البر في سابع عشر ذي القعدة ووصلوا إلى منزله الصفراء الجديدة ونصبوا عرضيهم وخيامهم ووطاقاتهم بالقرب من الجبال فوجدوا هناك متاريس واحجارا فحاربوا على أول متراس حتى أخذوه ثم أخذوا متراسا آخر وصعدت العساكر إلى قلل الجبال فهالهم كثرة الجيش وسارت الخيالة في مضيق الجبال هذا والحرب قائمة في اعلى الجبال يوما وليلة إلى بعد الظهيرة من يوم الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة فما يشعر السفلانيون إلا والعساكر الذين في الاعالي هابطون منهزمون فانهزموا جميعا وولوا الادبار وطلبوا جميعا الفرار وتركوا خيامهم واحمالهم واثقالهم وطفقوا ينهبون ويخطفون
ما خف عليهم من امتعة رؤسائهم فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف ويأخذ دابته ويركبها وربما قتله وأخذ دابته وساروا طالبين الوصول إلى السفائن بساحل البريك لأنهم كانوا اعدوا عدة مراكب بساحل البريك من باب الاحتياط ووقع في قلوبهم الرعب واعتقدوا أن القوم في أثرهم والحال أنه لم يتبعهم أحد لأنهم لا يذهبون خلف المدبر ولو تبعوهم ما بقي منهم شخص واحد فكانوا يصرخون على القطائر فتأتي إليهم القطيرة وهى لا تسع إلا القليل فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها فيصعد منهم الجماعة ويمنعون البواقي من اخوانهم فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص حتى كانوا من شدة حرصهم وخوفهم واستعجالهم على النزول في القطائر يخوضون في البحر إلى رقابهم وكإنما العفاريت في أثرهم تريد خطفهم وكثير من العسكر والخدم لما شاهدوا الازدحام على اسكلة البريك ذهبوا مشاة إلى ينبع البحر ووقع التشتيت في الدواب والاحمال والخلائق من الخدم وغيرهم ورجع طوسون باشا إلى ينبع البحر بعد أن تغيب يوما عن معسكره حتى أنهم ظنوا فقده ورجع أيضا المحروقي وديوان أفندي واستقروا بالينبع وترك المحروقي خيامه بما فيها فنزل بها طائفة من العسكر المنهزمين وهم على جهد من التعب والجوع فوجدوا بها المآكل والحلاوات وأنواع الملبسات والكعك المصنوع بالعجمية والسكر المكرر والغربيات والخشكنانكات والمربيات وأنواع الشرابات فوقعوا عليها اكلا ونهبا ولما تحققوا أن العرب لم تتبعهم ولم تأت في أثرهم اقاموا على ذلك يومين حتى استوفوا اغراضهم وشبعت بطونهم وارتاحت ابدانهم ثم لحقوا بإخوانهم فكانوا هم اثبت القوم واعقلهم ولو كان على غير قصد منهم فكان مدة إقامة المعسكر والعرضي بينبع البر أربعة وعشرين يوما وأما الخيالة فإنهم اجتمعوا وساروا راجعين إلى المويلح وقد اجهدهم التعب وعدم الذخيرة والعليق حتى حكوا أنهم كانوا قبل الواقعة يعلقون على الجمل بنصف قدح قمح مسوس وكانت
علائفهم في كل يوم أربعمائة وخمسين اردبا وأما المحروقي فإن كبار العسكر قامت عليه واسمعوه الكلام القبيح وكادوا يقتلونه فنزل في سفينة وخلص منهم وحضر من ناحية القصير وحضر الكثير من اتباعه وخدمه متفرقين إلى مصر فأما الذين ذهبوا إلى المويلح فهم تأمر كاشف وحسين بك دالي باشا وآخرون فأقاموا هناك في انتظار أذن الباشا في رجوعهم إلى مصر أو عدم رجوعهم وأما صالح أغا قوج فانه عندما نزل السفينة كر راجعا إلى القصير واستقل برأيه لأنه يرى في نفسه العظمة وأنه الاحق بالرياسة ويسفه رأى المحروقي وطوسون باشا ويقول هؤلاء الصغار: كيف يصلحون لتدبير الحروب ويصرح بمثل هذا الكلام واذيد منه وكان هو أول منهزم وعلم كا ذلك الباشا بمكاتبات ولده طوسون فحقده في نفسه وتمم ذلك بسرعة رجوعه إلى القصير ولم ينتظر اذنا في الرجوع أو المكث ولما حصل ذلك لم بتزلزل الباشا واستمر على همته في تجهيزه عساكر أخرى وبرزوا إلى خارج البلدة وفرض على البلاد جمالا ذكر أنها من أصل الغرائم والفرض في المستقبل وكذلك فرض غلالا فكان المفروض على إقليم الشرقية خاصة اثني عشر ألف اردب بعناية علي كاشف قابله الله بما يستحق وانقضت السنة بحوادثها التي منها هذه الحادثة واظنها طويلة الذيل.
ومنها أن النيل هبط قبل الصليب بأيام قليلة بعد أن بلغ في الزيادة مبلغا عظيما حتى غرق الزرع الصيفي والدراوي ولما انحسر عن الأرض زرعوا البرسيم والوقت صائف والحرارة مستجنة في الأرض فتولدت فيه الدودة واكلت الذي زرع فبدروه ثانيا فاكلته أيضا وفحش أمر الدودة جدا في الزرع البدري وخصوصا بإقليم الجيزة والقيلوبية والمنوفية بل وباقي الاقاليم.
ومنها أن الباشا احدث ديوانا ورتبوه ببيت البكري القديم بالازبكية واظهر أن هذا الديوان لمحاسبة ما يتعلق به من البلاد ومحاسبتها والقصد
الباطني غير ذلك وقيد به إبراهيم كتخدا الرزاز والشيخ أحمد يوسف كاتب حسين أفندي الروزنامجي وما انضم إليهم من الكتبة المسلمين دون الاقباط ليحرروا به قوائم المصروف المضاف والبراني فكانوا يجلسون لذلك كل يوم ما عدا يوم الجمعة ثم تطرق الحال لسور بلاد الباشا وهو أن الكثير من الفلاحين لما سمعة ذلك اتوا من كل ناحية إلى مصر وكتبوا عرضحالات إلى كتخدا بك وللباشا ويتظلمون من أستاذيهم وينهون أنهم يزيدون عليهم زيادات في قوائم المصروف ويشددون عليهم في طلب الفرض أو بواقيها فيدفعهم الباشا أو الكتخدا إلى ذلك الديوان المحدث لينظر في أمرورهم ويصحبهم معين تركي مباشر يأتي بالملتزم أيضا والفلاحين والشاهد والصراف وقوائم المصروف لأجل المحاققة فعند ذلك يتعنت إبراهيم كتخدا في القوائم ويطلب قوائم السنين الماضية المختومة ونحو ذلك ولما فشا هذا الأمر واشيع في البلدان اتت طوائف الفلاحين أفواجا إلى هذا الديوان يطلبون الملتزمين ةويخاصمونهم ويكافحونهم فيكون أمرا مهولا وغاية في الزحام والعياط والشباط وكذلك رفعوا المعلم منصور ومن معه من الكتبة من مباشرة ديوان ابنه إبراهيم بك الدفتردار وقيدوا بدلهم السيد محمد غانم الرشيدي ومحمد أفندي سليم ومن انضم إليهم واظهر الباشا أنه يفعل ذلك لما علمه من خيانة الاقباط والقصد الخفي خلاف ذلك وهو الاستيلاء والاستحواذ الكلي والجزئي وقطع منفعة الغير ولو قليلا فيضرب هذا بهذا والناس اعداء بعضهم لبعض وقلوبهم متنافرة فيغرى هذا بذاك وذاك بهذا ومن الناس من سمى هذا الديوان ديوان الفتنة.
ومنها الزيادة الفاحشة في صرف المعاملة والنقص في وزنها وعيارها وذلك أن حضرة الباشا ابقى دار الضرب على ذمته وجعل خاله ناظرا عليها وقرر لنفسه عليها في كل شهر خمسمائة كيس بعد أن كان شهريتها أيام نظارة المحروقي خمسين كيس في كل شهر ونقصوا وزن القروش نحو
النصف عن القرش المعتاد وزادوا في خلطه حتى لا يكون فيه مقدار ربعه من الفضة الخالصة ويصرف بأربعين نصفا وكذلك المحبوب نقصوا من عياره ووزنه ولما كان الناس يتساهلون في صرف المحبوب والريال الفرانسة ويقبضونها في خلاص الحقوق من المماطلين والمفلسين وفي المبيعات الكاسدة بالزيادة لضيق المعايش حتى وصل صرف الريال إلى مائتين وخمسين نصفا والمحبوب إلى مائتين وثمانين ثم زاد الحال في التساهل في الناس بالزيادة أيضا عن ذلك فينادي الحاكم بمنع الزيادة ويمشي الحال أياما قليلة ويعود لما كان أو ازيد فتحصل المناداة أيضا ويعقبونها بالتشديد والتنكيل بمن يفعل ذلك ويقبض عليه اعوان الحاكم ويحبس ويضرب ويغرمونه غرامة وربما مثلوا به وخرموا انفه وصلبوه على حانوته وعلقوا الريال في انفه ردعا لغيره وفي اثناء ذلك إذا بالمناداة بان يكون صرف الريال بمائتين وسبعين والمحبوب بثلثمائة وعشرة فاستمع وتعجب من هذه الاحكام الغريبة التي لم يطرق سمع سامع مثلها هذا مع عدم الفضة العديدة في أيدي الناس فيدور الشخص بالقرش وهو ينادي على صرفه بنقض أربعة انصاف نصف يوم حتى يصرفه بقطع افرنجية منها ما هو باثنى عشر أو خمسة وعشرين أو خمسة فقط أو يشترى من يريد الصرف شيئا من الزيات أو الخضري أو الجزار ويبقى عنده الكسور الباقية يعده بغلاقها فيعود إليه مرارا حتى يتحصل عنده غلاقها وليس هو فقط بل أمثاله كثير وسبب شحة الفضة العددية أنه يضرب منها كل يوم بالضربخانة الوف مؤلفة يأخذها التجار بزيادة مائة نصف في كل ألف يرسلونها إلى بلاد الشام والروم ويعوضون بدلها في الضربخانة الفرانسة والذهب لأنها تصرف في تلك البلاد بأقل مما تصرف به في مصر وزاد الحال بعد هذا التاريخ حتى استقر على صرف الألف مائتين وتقرر ذلك في حساب الميري فيدفع الصارف ثلاثين قرشا عنها ألف ومائتان ويأخذ الفا فقط والفرانسة والمحبوب بحسابه المتعارف بذلك الحساب والأمر لله وحده.
وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر.
فلم يمت من مشاهير الفقهاء من له شهرة ولا ذكر.
وأما الأمراء فقد تقدم ذكرهم.
وما وقع لهم ومقتلهم اجمالا فأغنى عن التكرار فالله يرحمنا أجمعين.
ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين وألف.
وما تجدد بها من الحوادث فكان ابتداء المحرم بالرؤية يوم الخميس في عاشره وصل كثير من كبار العسكر الذين تخلفوا بالمويلح فحضر منهم حسين بك دالي باشا وغيره فوصلوا إلى قبة النصر جهة العادلية ودخلت عساكرهم المدينة شيئا فشيئا وهم في اسوأ حال من الجوع وتغير الألوان وكآبة المنظر والسحن ودوابهم وجمالهم في غاية العي ويدخلون إلى المدينة في كل يوم ثم دخل أكابرهم إلى بيوتهم وقد سخط عليهم الباشا ومنع أن لا يأتيه منهم أحد ولا يراه وكأنهم كانوا قادرين على النصرة والغلبة وفرطوا في ذلك ويلومنهم على الانهزام والرجوع وطفقوا يتهم بعضهم البعض في الانهزام فتقول الخيالة سبب هزيمتنا القرابة وتقول القرابة بالعكس ولقد قال لي: بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع اين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبا وصحبتنا صناديق المسكرات ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين والقوم إذا دخل الوقت اذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة اذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط الشاربين الخمور التاركين للصلاة والآكلين الربا القاتلين الأنفس المستحلين المحرمات وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر فوجدوهم غلفا غير مختونين.
ولما وصلوا بدرا واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف وبها خيار الناس وبها أهل العلم والصلحاء نهبوهم وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم فكانوا يفعلون فيهم ويبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون: هؤلاء الكفار الخوارج حتى اتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته فقال له: حتى تبيت معي هذه الليلة وأعطيها لك من الغد.
وفيه خرج العسكر المجرد إلى السويس وكبيرهم بونا بارته الخازندار ليذهب لمحافظة الينبع صحبة طوسون باشا.
وفيه وصل جماعة من الانكليز وصحبتهم هدية إلى الباشا وفيها طيور ببغا هندية خضر الألوان وملونة وريالات فرانسة نقود معبأة في براميل وحديد وآلات ومجيئهم وحضورهم في طلب أخذ الغلال وفي كل يوم تساق المراكب المشحونة بالغلال إلى بحري وكلما وردت مراكب سيرت إلى بحري حتى شحت الغلال وغلا سعرها وارتفعت من السواحل والرقع ولا يكاد يباع إلا مادون الويبة وكان سعر الأردب من أربعمائة نصف إلى ألف ومائتين والفول كذلك وربما كان سعره ازيد من القمح لقلته فانه هاف زرعه في هذه السنة ولم يتحصل من رميه إلا نحو التقاوى وحصل للناس في هذه الأيام شدة بسبب ذلك ثم بعد قليل وردت غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالسواحل والرقع.
وفي منتصفه حضر رجل نصراني من جبل الدروز وتوصل إلى الباشا وعرفه أنه يحسن الصناعة بدار الضرب ويوفر عليه كثيرا من المصاريف وأنها بها نحو الخمسمائة صانع وأن يقوم بالعمل بأربعين شخصا لا غير وأنه يصنع آلات وعدد الضرب القروش وغيرها ولا تحتاج إلى وقود نيران ولا كثير من العمل فصدق الباشا قوله أمر بأن يفرد له مكان ويضم إليه ما يحتاجه من الرجال والحدادين والصناع ليعمل لصناعته العدد والآلات التي يحتاجها وشرع في اشغاله واستمر على ذلك شهورا.
وفيه التفت الباشا إلى خدمة الضربخانة وافنديتها وطمعت نفسه في
مصادرتهم وأخذ الأموال لما يرى عليهم من التجمل في الملابس والمراكب لأن من طبعه داء الحسد والشره والطمع والتطلع لما في أيدي الناس وأرزاقهم فكان ينظر إليهم ويرمقهم وهم يغدون ويروحون إلى الضربخانة هو وأولادهم راكبون البغال والرهوانات المجملة وحولهم الخدم والاتباع فيسأل عنهم ويستخبر عن أحوالهم ودورهم ومصارفهم وقد اتفق أنه رأى شخصا خرج آخر الصناع وهو راكب رهوانا وحوله ثلاثة من الخدم فسأل عنه فقيل له: إن هذا البواب الذي يغلق باب الضربخانة بعد خروج الناس منها ويفتحه لهم في الصباح فسأل عن مرتبه في كل يوم فعرفوا أن له في كل يومين قرشين لا غير فقال: إن هذا المرتب له لا يكفي خدمة الذين هم حوله فكيف بمصرف داره وعليق دوابه وجميع لوازمه مما ينفقه ويحتاجه في تجملاته وملابسه وملابس أهله وعياله أن هؤلاء الناس كلهم سراق وكل ما هم فيه من السرقة والاختلاس ولا بد من إخراج الأموال التي اختلسوها وجمعوها وتناجى في ذلك مع العلم غالي وقرنائه ثم طلب أولا إسمعيل أفندي ليلا وهو ألأفندي الكبير وقال له: عرفني خيانة فلان النصراني وفلان اليهودي المورد فقال: لا اعلم على أحد منهم خيانة وهذا شيء يدخل بالميزان ويخرج بالميزان ثم صرفه وأحضر النصراني وقال له: عرفني بخيانة إسمعيل أفندي وأولاده والمداد وإبراهيم أفندي الخضراوي الختام وغيره فلم يرد على ما قاله إسمعيل أفندي ثم أحضر الحاج سالم الجواهرجي وهدده فلم يزد على قول الجماعة شيئا فقال: الجميع شركاء لبعضهم البعض متفقون على خيانتي ثم أمر بحبس الحاج سالم وأحضر شخصا آخر من الجواهرجية يسمى صالح الدنف والبسه فروة وجعله في خدمة الحاج سالم ثم ركب الباشا إلى بيت الأزبكية وطلب إسمعيل أفندي ليلا هو وأولاده فأحضرهم بجماعة من العسكر في صورة هائلة وهددهم بالقتل وأمر بإحضار المشاعلي فأحضروه وأوقدوا المشاعل وسعت المتكلمون في العفو عنهم من القتل وقرروا عليهم مبلغا عظيما من الأكياس التزموا بدفعها خوفا من
القتل ففرضوا على الحاج سالم بمفرده سبعمائة وخمسين كيسا وعلى إبراهيم المداد مائتي كيس وعلى أحمد أفندي الوزان مائتي كيس وعلى أولاد الشيخ السحيمي مائتي كيس لأن لهم بها آلات ختم ووظائف يستغلون أجرتها وأخذ الجماعة في تحصيل ما فرض عليهم فشرعوا في بيع أمتعتهم وجهات إيرادهم ورهنوا وتداينوا بالربا وحولت عليهم الحوالات لطف الله بنا وبهم.
واستهل شهر صفر الخير بيوم الجمعة سنة 1227
في سابعه يوم الخميس حضر السيد محمد المحروقي إلى مصر ووصل من طريق القصير ثم ركب بحر النيل ولم يحضر الشيخ المهدي بل تخلف عنه بقنا وقوص لبعض اغراضه.
وفيه ألبس الباشا صالح أغا السلحدار خلعة وجعله سر عسكر التجريدة المتوجهة على طريق البر إلى الحجاز وكذلك البس باقي الكشاف.
وفي يوم الأحد عاشره ورد قابجي وعلى يده مرسوم ببشارة مولود ولد للسلطان محمود وتسمى بمراد وصحبته أيضا مقرر للباشا على ولاية مصر فضربوا مدافع لوروده وطلع إلى القلعة في موكب وقرئت المراسيم وعملوا شكنا ومدافع تضرب في الأوقات الخمسة سبعة أيام من القلعة والازبكية وبولاق والجيزة.
واستهل شهر ربيع الأول سنة 1227
فيه حضر إبراهيم بك ابن الباشا من الجهة القبلية.
وفي منتصفه حضر أحمد أغا لاظ الذي كان أمير بقنا وقوص وباقي الكشاف بعد أن راكوا جميع البلاد القبلية والأراضي وفرضوا عليها الأموال على كل فدان سبعة ريالات وهو شيء كثير جدا واخصوا جميع الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والبر والصدقة بالصعيد ومصر فبلغت ستمائة ألف فدان أشاعوا بأنهم يطلقون للمرصد على المساجد خاصة نصف المفروض وهو ثلاثة ريال ونصف فضجت أصحاب الرزق
وحضر الكثير منهم يستغيثون بالمشايخ فركبوا إلى الباشا وتكلموا معه في شأن ذلك وقالوا: له: هذا يترتب عليه خراب المساجد فقال: وأين المساجد العامرة الذي لم يرضى بذلك يرفع يده وأنا اعمر المساجد المتخربة وارتب لها ما يكفيها ولم يفد كلامهم فائدة فنزلوا إلى بيوتهم.
وفي أواخره انتقل السيد عمر مكرم النقيب من دمياط إلى طندتا وسكن بها.
وسبب ذلك أنه لما طالت إقامته بدمياط وهو ينتظر الفرج وقد أبطأ عليه وهو ينتقل من المكان الذي هو فيه إلى مكان آخر على شاطيء البحر وتشاغل بعمارة خان أنشأه هناك والحرس ملازمون له فلم يزل حتى ورد عليه صديق أفندي قاضى العسكر فكلمه بأن يتشفع له عند الباشا في انتقاله إلى طندتا ففعل واجاب الباشا إلى ذلك.
واستهل شهر ربيع الآخر سنة 1227
في رابعه وصل الحجاج المغاربة ووصل أيضا مولاي إبراهيم ابن السلطان سليمان سلطان المغرب! وسبب تأخرهم إلى هذا الوقت أنهم اتوا من طريق الشام وهلك الكثير من فقرائهم المشاة وأخبروا أنهم قضوا مناسكهم وحجوا وزاروا المدينة واكرمهم الوهابية إكراما زائدا وذهبوا ورجعوا من غير طريق العسكر.
وفي عاشره حضر تامر كاشف ومحو بك وعبد الله أغا وهم الذين كانوا حضروا إلى المويلح بعد الهزيمة فأقاموا به مدة ثم ذهبوا إلى ينبع البحر عند طوسون باشا ثم حضروا في هذه الأيام باستدعاء الباشا وكان محو بك في مركب من مراكب الباشا الكبار التي انشأها فانكسر على شعب وهلك من عسكره أشخاص ونجا هو بمن بقي معه وأخبروا عنه أنه كان أول من تقدم في البحر هو وحسين بك فقتل من عسكرهما الكثير من دون البقية الذين استعجلوا الفرار.
وفيه خرجت أوراق الفرضة على نسق العام الأول عن أربع سنوات
مال وفائظ ومضاف وبراني ورزق واوسية واستقر طلبها في دفعة واحدة ويؤخذ من أصل حسابها الغلال من الاجران بحساب ثمانية ريال كل أردب ويجمع غلال كل إقليم في نواحي عيونها لتساق إلى الإسكندرية وتباع على الإفرنج فشخت الغلال وغلا سعرها مع كون الفلاح لا يقدر على رفع غلته المتحصلة له من زراعة أرضه التي غرم عليها المغارم بطول السنة بل تؤخذ منه قهرا مع الاجحاف في الثمن والكيل بحيث يكال الأردب أردبا ونصفا ثم يلزمونه بأجره حملها للمحل المعد لذلك ويلزم أيضا باجرة المعادي وبعض البلاد يطلق له الأذن بدفع المطلوب بالثمن والبعض النصف غلال والنصف الآخر دراهم حسب رسم المعلم غالي وأوامره واذنه فإنه هو المرخص في الأمر والنهي فيبيع المأذون له غلته بأقصى قيمة بمرأي من المسكين الآخر الذي لم تسعده الأقدار وحضر الكثير من الفلاحين وازدحموا بباب المعلم غالي وتركوا بيادرهم وتعطلوا عن الدراس.
وفي ليلة الإثنين خامس عشره ذهب الباشا إلى قصر شبرا وسافر تلك الليلة إلى ثغر الإسكندرية ورجع ابنه إبراهيم بك إلى الجهة القبلية وكذلك أحمد أغا لاظ لتحرير وقبض الأموال.
وفيه ورد خبر بأن العسكر القبلي ذهبوا خلف الأمراء القبليين الفارين إلى خلف ابريم وضيقوا عليهم الطرق وماتت خيولهم وجمالهم وتفرق عنهم خدمهم واضمحل حالهم وحضر عدة من مماليكهم وأجنادهم إلى ناحية أسوان بأمان من الأتراك فقبضوا عليهم وقتلوهم عن آخرهم وفعلوا قبل ذلك بغيرهم كذلك.
وفي أواخره سافر عدة من عسكر المغاربة إلى الينبع ووصل جملة كبيرة من عسكر الاروام إلى الإسكندرية فصرف عليهم الباشا علائف وحضروا إلى مصر وانتظموا في سلك من بها ويعين منهم للسفر من يعين.
وفيه وقعت حادثة بخط الجامع الأزهر وهو أنه من مدة سابفة من
قبل العام الماضي كان يقع بالخطة ونواحيها من الدور والحوانيت سرقات وضياع أمتعة وتكرر ذلك حتى ضج الناس وكثر لغطهم وضاع تخمينهم فمن قائل أنه مسترعيات يدخلون من نواحي السور ويتفرقون في الخطة ويفعلون ما يفعلون ومنهم من يقول: إن ذلك فعل طائفة من العسكر الذين يقال لهم: الحيطة في بلادهم إلى غير ذلك ثم في تاريخه سرق من بيت امرأة رومية صندوق ومتاع فاتهمت أشخاصا من العميان المجاورين بزاويتهم تجاه مدرسة الجوهرية الملاصقة للأزهر فقبض عليهم الآغا وقررهم فأنكروا وقالوا: لسنا سارقين وإنما سمعنا فلانا وسموه وهو محمد ابن ابى القاسم الدرقاوي المغربي المنفصل عن مشيخة رواق المغاربة ومعه اخوته وآخرون ونعرفه بصوته وهم يتذاكرون في ذلك ونحن نسمعهم فلما تحققوا ذلك وشاع بين الناس والأشياخ ذهب بعضهم إلى ابى القاسم وخاطبوه وكلموه سرا وخوفوه من العاقبة وكان المذكور جعل نفسه مريضا ومنقطعا في داره فغالطهم فقالوا له: نحن قصدنا بخطابك التستر على أهل الخرقة المنتسبين إلى الأزهر في العمل بالشريعة وأخذ العلم أو ما علمت ما قد جرى في العام السابق من حادثة الزغل وغير ذلك فلم يزالوا به حتى وعدهم أنه يتكلم مع أولاده ويفحصون على ذلك بنباهتهم ونجابتهم.
وفي اليوم الثالث وقيل الثاني أرسل أبو القاسم المذكور فأحضر السيد أحمد الذي يقال له: جندي المطبخ وابن أخيه وهما اللذان يتعاطيان الحسبة والأحكام بخط الأزهر ويتكلمان على الباعة والخضرية والجزارين الكائنين بالخطة فلما حضرا عنده عاهدهما وحلفهما بأن يسترا عليه وعلى أولاده ولا يفضحاهم ويبعدا عنهم القضية وأخبرها بان ولده لم يزل يتفحص بفطانته حتى عرف السارق ووجد بعض الأمتعة ثم فتح خزانة بمجلسه واخرج منها أمتعة فسألوه عن الصندوق فقال: هو باق عند من هو عنده ولا يمكن إحضاره في النهار فإذا كان آخر الليل انتظروا ولدي
محمد هذا عند جامع الفكهاني بالعقادين الرومي وهو يأتيكم بالصندوق مع سارقه فاقبضوا عليه واتركوا أولادي ولا تذكروهم ولا تتعرضوا لهم فقالوا: له: كذلك وحضر الجندي وابن أخيه في الوقت الذي وعدهم به وصحبتهما أشخاص من أتباع الشرطة ووقفوا في انتظاره عند جامع الفكهاني فحضر إليهم وصحبته شخص صرماتي فقالا لهم: مكانكم حتى نأتيكم ثم طلعا إلى ربع بعطفة الانماطيين ورجعا في الحال بالصندوق حامله الصرماتي على رأسه فقبضوا على ذلك الصرماتي وأخذوه بالصندوق إلى بيت الآغا فعاقبوه بالضرب وهو يقول: أنا لست وحدي وشركائي ابن ابى القاسم وأخواه وآخر يسمى شلاطة وابن عبد الرحيم الجميع خمسة أشخاص فذهب الآغا وأخبر كتخدا بك فأمره بطلب أولاد أبي القاسم فأرسل إليه ورقة يطلبهم فأجابه بأن أولاده حاضرون عنده بالأزهر من طلبة العلم وليسوا بسارقين فبالاختصار أخذهم الآغا وأحضر ذلك الصرماتي معهم لأجل المحاققة فلم يزل يذكر لابن أبي القاسم ما كانوا عليه في سرحاتهم القديمة والجديدة ويقول له: أما كنا كذا وكذا وفعلنا ما هو كذا في ليلة كذا واقتسمنا ما هو كذا وكذا ويقيم عليه ادلة وقرائن وامارات ويقول له: أنت رئيسنا وكبيرنا في ذلك كله ولا نمشي إلى ناحية ولا سرحة إلا بإشارتك فعند ذلك لم يسع ابن أبي القاسم الانكار واقر واعترف هو واخوته وحبسوا سوية وأما شلاطة ورفيقه فإنهما تغيبا وهربا واختفيا وشاعت القضية في المدينة وكثر القال والقيل في الأزهر ونواحيه وتذكروا قضية الدراهم الزغل التي ظهرت قبل تاريخه وتذكروا اقوالا أخرى واجتمع كثير من الذين سرق لهم فمنهم رجل يبيع السمن أخذ من مخزنه عدة مواعين سمن وصينية الفطاطري التي يعمل عليها الكنافة وامتعة وفروش وجدت في ثلاثة أماكن وخاتم ياقوت ذكروا أنه بيع بجملة دنانير وعقد لؤلؤ وغير ذلك واستمروا أياما والناس يذهبون إلى الآغا ويذكرون ما سرق لهم ويسالهم فيقرون بأشياء دون أشياء ويذكرون ضياع أشياء
تصرفوا فيها وباعوا وأكلوا بثمنها ثم اتفق الحال على المرافعة في المحكمة الكبيرة فذهبوا بالجميع واجتمع العالم الكثير من الناس وأصحاب السرقات وغيرهم نساء ورجالا وادعوا هؤلاء الأشخاص المقبوض عليهم فأحضروا بعض ما ادعوا به عليهم وقالوا: أخذنا ولم يقولوا سرقنا وبرا محمد بن ابي القاسم اخويه وقال: أنهما لم يكونا معنا في شيء من هذا وحصل الاختلاف في ئبوت القطع بلفظ أخذنا وقد حضرت دعوى أخرى مثل هذه على رجل صباغ ثم أن القاضي كتب اعلاما للكتخدا بك بصورة الواقع وفوض الأمر إليه فأمر بهم إلى بولاق وانزلوهم عند القبطان وصحبتهم ابوهم ابو القاسم فأقاموا أياما ثم أن كتخدا بك أمر بقطع أيدي الثلاثة وهم محمد بن ابي القاسم الدرقاوي ورفيقة الصرماني والصباغ الذي ثبتت عليه السرقة في الحادثة الأخرى فقطعوا أيدي الثلاثة في بيت القبطان ثم انزلوهم في م مركب وصحبتهم ابوهم ابو القاسم وولداه الآخران اللذان لم تقطع أيديهما وسفروهم إلى الاسكندرية وذلك في منتصف شهر جمادى الأولى من السنة.
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الخميس سنة 1227
فيه حضر الثلاثة أشخاص المقطوعين الايدي وذلك أنهم لما وصلوا إلى الاسكندرية وكان الباشا هناك تشفع فيهم المتشفعون عنده قائلين أنه جرى عليهم الحد بالقطع فلا حاجة إلى نفيهم وتغريبهم فأمر بنفي ابي القاسم وولديه الصغيرين إلى ابي قير ورجع ولده الآخر م مع رفيقه الصرماتي والصباغ إلى مصر فحضروا إليها وذهبوا إلى دورهم وأما ابن ابي القاسم فذهب إلى داره وسلم على والدته ونزل إلى السوق يطوف على أصحابه ويسلم عليهم وهو يتألم مما حصل في نفسه ولا يظهر ذلك لشدة وقاحته وجمودة صدغه وغلاظة وجهه بل يظهر التجلد وعدم المبالاة بما وقع له من النكل وكسوف البال ومر في السوق والأطفال حوله وخلفه وإمامه يتفرجون عليه ويقولون: انظروا الحرامي وهو لا يبالي بهم ولا يلتفت
إليهم حتى قيل أنه ذهب إلى مسجد خرب بالباطنية ودعا إليه غلام يهواه بناحية الدرب الاحمر فجلس معه حصة من النهار ثم فارقه وذهب إلى داره واشتد به الالم لأن الذي باشر قطع يده لم يحسن القطع فمات في اليوم الثالث.
وفي هذا الشهر وما قبله وردت عساكر كثيرة من الاتراك وعينوا للسفر وخرجوا إلى مخيم العرضى خارج بابي النصر والفتوح فكانوا يخرجون مساء ويدخلون في الصباح ويقع منهم ما يقع من أخذ الدواب وخطف بعض النساء والأولاد كعادتهم.
وفي ليلة الخميس ثاني عشرينه حضر الباشا من الاسكندرية ليلا وصحبته حسن باشا إلى القصر بشبرا وطلع في صبحها إلى القلعة وضربوا لقدومه مدافع من الابراج فكان مدة غيبته في هذه المدة شهرين وسبعة أيام واجتهد فيها عمارة سور المدينة وابراجها وحصنها وتحصينها عظيما وجعل بها جبجانات وبارودا ومدافع وآلات حرب ولم تزل العمارة مستمرة بعد خروجه منها على الرسم الذي رسمه لهم وأخذ جميع ما ورد عليه من مراكب التجار من البضائع على ذمته ثم باعه للمتسببين بما احب من الثمن وورد من ناحية بلاد الافرنج كثير من البن الافرنجي وحبه اخضر وجرمه أكبر من حب البن اليمني الذي ياتي إلى مصر في مراكب الحجاز وأخذه في جملة ما أخذ في معاوضة الغلال ورماه على باعة البن بمصر بثلاثة وعشرين فرانسة القنطار والتجار يبيعونه بالزيادة ويخلطونه مع البن اليمني وفي ابتداء وروده كان يباع رخيصا لأنه دون البن اليمني في الطعم واللذة في شربه وتعاطيه وبينهما فرق ظاهر يدركه صاحب الكيف البتة.
وفيه وصل مرسوم صحبة قابجي من الديار الرومية مضمونه وكالة دار السعادة باسم كتخدا بك وعزل عثمان أغا الوكيل تابع سعيد أغا فعمل الباشا ديوانا يوم الأحد وقريء المرسوم وخلع على كتخدا بك خلعة الوكالة وخلعة أخرى باستمراره في الكتخدائية على عادته وركب في مركب.
إلى داره فلما استقر في ذلك أرسل في ثاني يوم فأحضر الكتبة من بيت عثمان أغا وامرهم بعمل حسابه من ابتداء سنة 1221 لغاية تاريخه فشرعوا في ذلك وأصبح عثمان أغا المذكور مسلوب النعمة بالنسبة لما كان فيه ويطالب بما دخل في طرفه وانتزعت منه بلاد الوكالة وتعلقات الحرمين وأوقافهما وغير ذلك.
وفي يوم الخميس غايبته وصل صالح قوج ومحو بك وسليمان أغا وخليل أغا من ناحية الينبع على طريق القصير من الجهة القبلية وذهبوا إلى دورهم.
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1227
في ثالثه طلع الجماعة الواصلون إلى القلعة وسلموا على الباشا وخاطره منحرف منهم ومتكدر عليهم لأنه طلبهم للحضور مجردين بدون عساكرهم ليتشاور معهم فحضروا بجملة عساكرهم وقد كان ثبت عنده أنهم هم الذين كانوا سببا للهزيمة لمخالفتهم على ابنه واضطراب رأيهم وتقصيرهم في نفقات العساكر ومبادرتهم للهرب والهزيمة عند اللقاء ونزولهم بخاصتهم إلى المراكب وما حصل بينهم وبين ابنه طوسون باشا من المكالمات فلم يزالوا مقيمين في بيوتهم ببولاق ومصر والأمر بينهم وبين الباشا على السكوت نحو العشرين يوما وأمرهم في ارتجاج واضطراب وعساكرهم مجتمعة حولهم ثم أن الباشا أمر بقطع خرجهم وعلائفهم فعند ذلك تحققوا منه المقاطعة.
وفي رابع عشرينه أرسل إليهم علائفهم المنكسرة وقدرها ألف وثمانمائة كيس جميعها ريالات فرانسة وأمر بحملها على الجمال ووجه إليهم بالسفر فشرعوا في بيع بلادهم وتعلقاتهم وضاق ذرعهم وندر طبعهم إلى الغاية وعسر عليهم مفارقة أرض مصر وماصاروا فيه من التنعم والرفاهية والسيادة والإمارة والتصرف في الأحكام والمساكن العظيمة والزوجات والسرارى والخدم والعبيد والجورى فإن لأقل منهم له البنتان والثلاثة من بيوت
الأمراء ونسائهم اللاتي قتلت أزواجهن على أيديهم وظنوا أن البلاد صفت لهم حتى أن النساء المترفهات ذوات البيوت والإيرادات والالتزامات صرن يعرضن أنفسهن عليهم ليحتمين فيهم بعد أن كن يعفنهم ويأنفن من ذكرهم فضلا عن قربهم.
وفيه ورد أغا قابجي من دار السلطنة وعلى يده مرسوم بالبشارة بمولود ولد للسلطان فعملوا ديوانا يوم الأحد رابع عشرينه وطلع الأغا المذكور في موكب إلى القلعة وقرئ ذلك المرسوم وصحبته الأمراء وضربوا شنكا ومدافع واستمروا على ذلك ثلاثة أيام في وقت كل آذان كأيام الأعياد.
وفي يوم الثلاثاء مات أحمد بك وهو من عظماء الارنؤد وأركانهم وكان عندما بلغه قطع خرج المذكورين أرسل إلى الباشا يقول له: اقطع خرجي واعطني علوفة عساكري وأسافر مع أخواني فمنعه الباشا واظهر الرأفة به فتغير طبعه وزاد قهره وتمرض جسمه فأرسل إليه الباشا حكيمه فسقاه شربه وفصده فمات من ليلته فخرجوا بجنازته من بولاق ودفنوه بالقرافة الصغرى وخرج إمامه صالح أغا وسليمان أغا وطاهر أغا وهم راكبون إمامه وطوائف الانؤد عدد كبير مشاة حوله.
وإستهل شهر شعبان بيوم الأحد سنة 1227
في رابعه يوم الأربعاء الموافق لسابع مسرى القبطي أو في النيل المبارك ادرعه ونزل الباشا في صبح الخميس في جم غفير وعدة وافرة من العساكر وكسر السد بحضرته وحضرة القاضى وجرى الماء في الخليج ومنع المراكب من دخولها الخليج.
وفي منتصفه سافر سليمان أغا ومحو بك بعد أن قضوا أشغالهم وباعوا تعلقاتهم وقبضوا علائفهم.
وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر صالح أغا قوج وصحبته نحو المائتين ممن اختارهم من عساكره الارنؤدية وتفرق عنه الباقون وانضموا
إلى حسن باشا وأخيه عابدين بك وغيرهما.
وفي يوم الجمعة برزت خيام الباشا خارج باب النصر وعزم على الخروج والسفر بنفسه إلى الحجاز وقد اطمان خاطره عندما سافر الجماعة المذكورين لأنه لما قطع خرجهم ورواتبهم وامرهم بالسفر جمعوا عساكرهم إليهم وخيولهم وأخذوا الدور والبيوت ببولاق وسكنوها وصارت لهم صورة هائلة وكثرت القالة وتخوف الباشا منهم وتحذرونبه على خاصته وسفاشيته وغيرهم بالملازمة والمبيت بالقلعة وغير ذلك.
وفي يوم السبت حادي عشرينه اجتمعت العساكر وانجر الموكب من باكر النهار فكان أولهم طوائف الدلاة ثم العساكر وأكابرهم وحسن باشا واخوه عابدين بك وهو ماش على أقدامه في طوائفه إمام الباشا ثم الباشا وكتخدا بك واغواتهم الصقلية وطوائفهم وخلفهم الطبلخانات وعند ركوبه من القلعة ضربوا عدة مدافع فكان مدة مرورهم نحو خمس ساعات وجروا إمام الموكب ثمانية عشر مدفعا وثلاث قنابر.
واستهل شهر رمضان بيوم الإثنين سنة 1227
في رابع عشرينه وردت هجانة مبشرون باستيلاء الأتراك على عقبة الصفراء والجديدة من غير حرب بالمخادعة والمصالحة مع العرب وتدبير شريف مكة ولم يجدوا بها أحدا من الوهابيين فعندما وصلت هذه البشارة ضربوا مدافع كثيرة تلك الليلة من القلعة وظهر فيهم الفرح والسرور.
وفي تلك الليلة حضر أحمد أغا لاظ حاكم قنا ونواحيها وكان من خبره أنه لما وصلت إليه الجماعة الذين سافروا في الشهر الماضي وهم صالح أغا وسليمان أغا ومحو بك ومن معهم واجتمعوا على المذكور وبثوا شكواهم واسروا نجواهم واضمروا في نفوسهم أنهم إذا وصلوا إلى مصر ووجدوا الباشا منحرفا منهم أو أمرهم بالخروج والعود إلى الحجاز امتنعوا عليه وخالفوه وأن قطع خرجهم وأعطاهم علائفهم بارزوه ونابذوه وحاربوه واتفق أحمد أغا المذكور معهم على ذلك وأنه متى حصل هدا المذكور
أرسلوا إليه فيأتيهم على الفور بعسكره وجنده وينضم إليه الكثير من المقيمين بمصر من طوائف الارنؤد كعابدين بك وحسن باشا وغيرهم بعساكرهم لاتحاد الجنسية فلما حصل وصول المذكورين وقطع الباشا راتبهم وخرجهم وأعطاهم علائفهم المنكسرة وأمرهم بالسفر أرسلوا لأحمد أغا لاظ المذكور بالحضور بحكم اتفاقهم معه فتقاعس واحب أن يبدي لنفسه عذرا في شقاقه مع الباشا فأرسل إليه مكتوبا يقول له فيه: إن كنت قطعت خرج أخواني وعزمت على سفرهم من مصر وإخراجهم منها فاقطع أيضا خرجي ودعني أسافر معهم فأخفى الباشا تلك المكاتبة وأخر عود الرسول ويقال له: الخجا لعلمه بما ضمروه فيما بينهم حتى أعطى للمذكورين علائفهم على الكامل ودفع لصالح أغا كل عاما طلبه واده حتى أنه كان انشأ مسجدا بساحل بولاق بجوار داره وبنى له منارة ظريفة واشترى له عقارا وأمكنه وقفها على مصالح ذلك المسجد وشعائره فدفع له الباشا جميع ما صرفه عليه وثمن العقار وغيره ولم يترك لهم مطالبة يحتجون بها في التأخير وأعطى الكثير من رواتبهم لحسن باشا وعابدين بك أخيه فمالوا عنهم وفارقهم الكثير من عساكرهم وانضموا إلى أجناسهم المقيمين عند حسن باشا وأخيه فرتبوا لهم العلائف معهم وأكثرهم مستوطنون ومتزوجون بل ومتناسلون ويصعب عليهم مفارقة الوطن وما صاروا فيه من التنعم ولا يهون بمطلق الحال استبدال النعيم بالجحيم ويعملون عاقبة ما هم صائرون إليه لأنه فيما بلغنا أن من سافر منهم إلى بلاده قبض عليه حاكمها وأخذ منه ما معه من المال الذي جمعه من مصر وما معه من المتاع وأودعه السجن ويفرض عليه قدرا فلا يطلقه حتى يقوم بدفعه على ظن أن يكون أودع شيئا عند غيره فيشتري نفسه به أو يشتريه أقاربه أو يرسل إلى مصر مراسلة لعشيرته وأقاربه فتأخذهم عليه الغيرة فيرسلون له ما فرض عليه ويفتدونه وإلا فيموت بالسجن أو يطلق مجردا أو يرجع إلى حالته التي كان عليها في السابق من الخدم الممتهنة والاحتطاب من الجبل والتكسب بالصنائع الدنيئة ببيع
الإسقاط والكروش والمؤاجرة في حمل الأمتعة ونحو ذلك فلذلك يختارون الإقامة ويتركون مخاديمهم خصوصا والخسة من طباعهم هذا والباشا يستحث صالح أغا ورفقاءه في الرحيل حيث لم يبق له عذر في التأخير فعندما نزلوا في المراكب وانحدروا في النيل أحضر الباشا الخاجا المذكور وهو عبارة عن ألأفندي المخصوص بكتابة سره وإيراده ومصرفه وأعطاه جواب الرسالة مضمونها تطمينه وتأمينه ويذكر له أنه صعب عليه وتأثر من طلبه المقاطعة وطلبه المفارقة وعدد له أسباب انحرافه عن صالح أغا ورفقائه وما استوجبوا به ما حصل لهم من الإخراج والابعاد وأما هو فلم يحصل منه ما يوجب ذلك وأنه باق على ما يعهده من المودة والمحبة فان كان ولا بد من قصده سفره! فهو لا يمنعه من ذلك فيأتي بجميع أتباعه ويتوجه بالسلامة أينما شاء والأبان صرف عن نفسه هذا الهاجس فليحضر في القنجة في قلة ويترك وطاقه وأتباعه ليواجهه ويتحدث معه في مشورته وانتظام أموره التي لا يتحملها هذا الكتاب ويعود إلى محل ولايته وحكمه مكرما فراج عليه ذلك التمويه وركن إلى زخرف القول وظن أن الباشا لا يصله بمكروه ولا يواجهه بقبيح من القول فضلا عن الفعل لأنه كان عظيما فيهم ومن الرؤساء المعدودين صاحب همة وشهامة واقدام جسورا في الحروب والخطوب وهو الذي مهد البلاد القبلية وأخلاها من الأجناد المصرية فلما خلت الديار منهم واستقر هو بقنا وقوص وهو مطلق أغا قوج بالاسيوطية ثم أن الباشا وجه صالح أغا إلى الحجاز وقلد ابنه إبراهيم باشا ولاية الصعيد فكان يناقض عليه أحمد أغا المذكور في أفعاله ويمانعه التعدي على أطيان الناس وأرزاق الأوقاف والمساجد ويحل عقد ابراماته فيرسل إلى أبيه بالأخبار فيحقد ذلك في نفسه ويظهر خلافه ويتغافل وأحمد أغا المذكور على جليته وخلوص نيته فلما وصلته الرسالة اعتقد صدقه وبادر بالحضور في قلة من أتباعه حسب إشارته وطلع إلى القلعة ليلة السبت وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فعبر عند الباشا وسلم عليه فحادثه وعاتبه ونقم
عليه أشياء وهو يجاوبه ويرادده حتى ظهر عليه الغيظ فقام كتخدا بك وإبراهيم أغا فأخذاه وخرجا من عند الباشا ودخلا إلى مجلس إبراهيم أغا وجلسوا يتحدثون وصار الكتخدا وإبراهيم أغا يلطفان معه القول وأشارا عليه بأن يستمر معهما إلى وقت السحور وسكون حدة الباشا فيدخلون إليه ويتسحرون معه فأجالهم إلى رأيهم وأمر من كان بصحبته من العسكر وهم نحو الخمسين بالنزول إلى محلهم فامتنع كبيرهم وقال: لا نذهب ونتركك وحيدا فقال الكتخدا: وما الذي يصيبه وهو همشري ومن بلدي وأن أصيب بشيء كنت أنا قبله فعند ذلك نزلوا وفارقواه وبقي عنده من لا يستغنى عنه في الخدمة آتاه من يستدعيه إلى الباشا فلما كان خارج المجلس قبضوا عليه وأخذوا سيفه وسلاحه ونزلوا به إلى تحت سلم الركوب وأشعل الضوى المشعل واداروا كتافه ورموا رقبته ورفعوه في الحال وغسلوه وكفنوه ودفنوه وذلك في سادس ساعة من الليل وأصبح الخبر شائعا في المدينة وأحضر الباشا الخجا وطولب بالتعريف عن أمواله وودائعه وعين في الحال باشجاويش ليذهب إلى قناويختم على داره ويضبط ماله من الغلال والأموال وطلبت الودائع ممن هي عنده التي استدلوا عليها بالأوراق فظهر له ودائع في عدة أماكن وصناديق مال وغير ذلك ولم يتعرض لمنزله ولا لحريمه.
واستهل شهر شوال بيوم الأربعاء سنة 1227
في رابعه يوم السبت قدم قابجي من إسلامبول وعلى يده مقرر للباشا بولاية مصر على السنة الجديدة ومعه فروة لخصوص الباشا فلما وصل إلى بولاق فنزل كتخدا بك لملاقاته فركب في موكب جليل وخلفه النوبة التركية وشق من وسط البلد وصعد إلى القلعة وحضر الأشياخ وأكابر دولتهم وقرئ المرسوم بحضرة الجميع فلما انقضى الديوان ضربوا عدة مدافع من القلعة.
وفيه البس شيخ السادات ابن أخيه سيدي أحمد خلعة وتاجا وجعله
وكيلا عنه في نقابة الأشراف واركبه فرسا بعباءة ومشى إمامه أيضا الجاويشية المختصين بنقيب الأشراف وأمره بأن يذهب إلى الباشا ويقابله ليخلع عليه وأرسل صحبته محمد أفندي فقال مبارك وأشار إليه محمد أفندي بان يخلع عليه فروة فقال الباشا: إن عمه جعله نائبا عنه ووكيلا له فليس له عندي تلبيس لأنه لم يتقلد بالأصالة من عندي فقام ونزل من غير شيء إلى داره بجوار المشهد الحسيني.
وفي يوم الخميس ثالث وعشرينه سافر مصطفى بك دالي باشا بجميع الدلاة وغيرهم من العسكر إلى الحجاز وحصل للناس في هذا الشهر عدة كربات منها وهو أعظمها عدم وجود الماء العذب وذلك في وقت النيل وجريان الخليج من وسط المدينة حتى كاد الناس يموتون عطشا وذلك بسبب أخذهم الحمير للسخره والرجال لخدمة العسكر المسافرين وغلو ثمن القرب التي تشترى لنقل الماء فإن الباشا أخذ جميع القرب الموجودة بالوكالة عند الخليلية وما كان بغيرها أيضا حتى أرسل إلى القدس والخليل فأحضر جميع ما كان بهما وبلغت الغاية في غلو الأثمان حتى بيعت القربة الواحدة التي كان ثمنها مائة وخمسين نصفا بألف وخمسمائة نصف يأخذون أيضا الجمال التي تنقل الماء بالروايا إلى الاسبلة والصهاريج وغيرهما من الخليج فامتنع الجمع عن السراح والخروج واحتاج العسكر أيضا إلى الماء فوقفوا بالطرق يرصدون مرور السقائين وغيرهم من الفقراء والذين ينقلون الماء بالبلاليص والجرار على رؤوسهم فيوجد على كل موردة من الموارد عدة من العسكر وهم واقفون بالأسلحة ينتظرون من يستقى من السقائين أو غيرهم فكان الخدم والنساء والفقراء والبنات والصبيان ينقلون بطول النهار والليل بالأوعية الكبيرة والصغيرة على رؤوسهم بمقدار ما يكفيهم للشرب وبيعت القربة الواحدة بخمسة عشر نصف فضة وأكثر وشح وجود اللحم وغلافي الثمن زيادة على سعره المستمر حتى بيع بثمانية عشر نصف فضة كل رطل هذا أن وجد والجاموسي الجفيط بأربعة عشر وطلبوا للسفر
طائفة من القبانية ومن الخبازين ومن أرباب الصنائع والحرف وشددوا عليهم الطلب في أواخر الشهر فتغيبوا وهربوا فسمرت بيوتهم وحوانيتهم وكذلك الببازون والفرانون بالطوابين والأفران حتى عدم الخبز من الأسواق ولم يجد أصحاب البيوت فرنا يخبزون فيه عجينهم فمن الناس القادرين على الوقود من يخبز عجينه في داره أو عند جاره الذي يكون عنده فرن أو عند بعض الفرانين الذي تكون فرنه بداخل عطفة مستورة خفية أو ليلا من الخوف من العسس والمرصدين لهم وكذلك عدم وجود التبن بسبب رصد العسكر في الطرق لأخذ ما يأتي به الفلاحون من الأرياف فيخطفونه قبل وصوله إلى المدينة وحصل بسبب هذه الأحوال المذكورة شبكات ومشاجرات وضرب وقتل وتجريح أبدان ولولا خوف العسكر من الباشا وشدته عليهم حتى بالقتل إذا وصلت الشكوى إليه لحصل أكثر من ذلك.
واستهل شهر ذي القعدة بيوم الجمعة سنة 1227
في سابعه يوم الخميس سافر الباشا هجانا إلى السويس وصحبته حسن باشا.
وفي يوم الجمعة خامس عشره وصل مبشرون من ناحية الحجاز وهم أتراك على الهجن والخبر عنهم أن عساكرهم وصلوا إلى المدينة المنورة ونزلوا بفنائها.
وفي يوم الأحد سابع عشره رجع الباشا من ناحي السويس إلى مصر.
وفيه وردت أخبار لطائفة الفرنساوية وقنصلهم المقيمين بمصر بأن بونابارته وعساكر الفرنساوية زحفوا في جمع عظيم على بلاد المسكوب ووقع بينهم حروب عظيمة فكانت الهزيمة على المسكوب وانكسروا كسرة قوية وكتبوا بذلك أوراقا الصقوها بحيطان دوائرهم وحاراتهم ولما حضر الباشا طلع إليه القنصل وأخبره بتلك الأخبار واطلعه على الكتب الواردة من بلادهم.
وفي ليلة الثلاثاء عدى الباشا إلى بر الجزيرة وأمر بخروج العساكر إلى البر الغربي وعدى أيضا كتخدا بك بسبب أن عربان أولاد علي نزلوا بناحية الفيوم بجمع عظيم وأكلوا الزروعات فخرج إليهم حسن أغا الشماشرجي فوزن نفسه معهم فرأى أنه لا يقاومهم لكثرتهم فحضر إلى مصر وأخبر الباشا وتحرك الباشا للخروج إليهم ثم بعقيبه أرسل لهم وخادعهم فحضر إليه عظماؤهم فأخذ منهم رهائن وخلع عليهم وكساهم وأعطاهم راحتهم وعين لهم جهات وشرط عليهم أن لا يتعدوها ثم رجع وعدى إلى بر مصر في ليلة الخميس حادي عشرينه.
وفي سادس عشرينه نهب العرب القافلة القادمة من السويس بحمل بضائع التجار وغيرهم وقتلوا العسكر الذين بصحبتهم وخفارتهم وأخذوا الجمال بأحمالها وذهبوا بها لناحية الوادي والجمال المذكورة على ملك الباشا وأتباعه لأنهم صيروا لهم جمالا واعدوها لحمل البضائع ويأخذون أجرتها لأنفسهم بدلا عن جمال العرب وذلك من جملة الأمور التي احتكروها طمعا وحسدا في كل شيء ولم ينج من الجمال إلا البعض الذين سبقوهم وهم لكتخدا بك فحنق لذلك الباشا وأرسل في الحال مراسلات إلى سليمان باشا محافظ عكا يعلمه بذلك ويلزمه بإحضارها ويتوعده أن ضاع منها عقال بعير والذي ذهب بالمراسلة إبراهيم أفندي المهردار.
واستهل شهر ذي الحجة بيوم السبت سنة 1227
في عاشره يوم الأضحى وردت هجانة من ناحية الحجاز وعلى يدهم البشائر بالاستيلاء على قلعة المدينة المنورة ونزول المتولي بها على حكمهم وأن القاصد الذي أتت بشائره وصل إلى السويس وصحبته مفاتيح المدينة فحصل للباشا بذلك سرور عظيم وضربوا مدافع وشنكا بعد مدافع العيد وانتشرت المبشرون على بيوت الأعيان لأجل أخذ البقاشيش.
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل القادمون إلى العادلية فعملوا لقدومهم شنكا عظيما وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وبولاق والجيزة
وخارج قبة العزب حيث العرضي المعد للسفر وأيضا ضربوا بنادق كثيرة متتابعة من جميع الجهات حتى من اسطحة البيوت الساكنين بها واستمر ذلك أكثر من ساعتين فلكيتين فكان شيئا مهولا مزعجا أشيع في الناس دخول الواصلين في موكب واختلفت رواياتهم وخرج الباشا إلى ناحية العادلية فاصطف الناس على مساطب الدكاكين والسقائف للفرجة فلما كان قريب الغروب دخل طائفة من العسكر وصحبتهم بعض أشخاص راكبين على الهجن وفي يد أحدهم كيس اخضر وبيد الآخر كيس أحمر بداخلهما المكاتبات والمفاتيح وعاد الباشا من ليلته وصعد إلى القلعة هذا والمدافع والشنك يعمل في كل وقت من الأوقات الخمسة وفي الليل وفي صبح يوم الأربعاء شق الأغا والوالي وأغات التبديل وإمامهم المناداة على الناس بتزيين الأسواق وما فيها من الحوانيت والدور ووقود القناديل والتعاليق ويسهرون ثلاث ليال بأيامها أو لها يوم الخميس وآخرها يوم السبت الذي هو خامس عشره واخرجوا وطاقات وخياما إلى خارج بابي النصر والفتوح وخرج الباشا في ثاني يوم إلى ناحية العادلية وهو ليلة يوم الزينة وعملوا حراقات ونفوطا وسواريخ ومدافع من كل ناحية مدة أيام الزينة وكتبت البشائر إلى جميع النواحي وانعم الباشا بامريات ومناصب على عشرين شخصا من خواصه وعين لطيف بك أغات المفتاح للتوجه إلى دار السلطنة بالبشائر والمفاتيح صحبته وسافر في صبح يوم الزينة على طريق البر وتعين خلافه أيضا للسفر بالبشائر إلى البلاد الرومية والشامية والاساكل الإسلامية مثل بلاد الأناضول والرومنلي ورودس وسلانيك وازمير وكريت وغيرها.
وفي أواخره وردت الأخبار المترادفة بوقوع الطاعون الكثير بإسلامبول فأشار الحكماء على الباشا بعمل كورنتينة بالإسكندرية على قاعدة اصطلاح الإفرنج ببلادهم فلا يدعون أحدا من المسافرين الواردين في المراكب من الديار الرومية يصعد إلى البر إلا بعد مضي أربعين يوما من
وروده وإذا مات بالمركب أحد في أثناء المدة استأنفوا الأربعين.
وفيه وشى بعض اليهود على الحاج سالم الجواهرجي المباشر لا يراد الذهب والفضة إلى الضربخانة وانعزل عنها كما ذكر في وسط السنة وذلك عند ورود الرجل النصراني الدرزي الشامي بأنه كان في أيام مباشرته للإيراد يضرب لنفسه دنانير خارجة عن حساب الميري خاصة به فامر الباشا بإثبات ذلك وتحقيقه فحصل كلام كثير والحاج سالم يجحد ذلك وينكره فقال له: أيوب تابعك الذي كان ينزل آخر النهار بالخرج على حماره في كل يوم بحجة الانصاف العددية التي يفرقها على الصيارف بالمدينة وأكثر ما في الخرج خاص بك فأحضروا أيوب المذكور وطلبوه للشهادة فقال: لا اشهد بما لا اعلم ولم يحصل هذا مطلقا ولا يجوز لي ولا يخلصني من الله أن اتهم الرجل بالباطل فقال اليهودي: هذا رفيقه وصاحبه وخادمه ولا يمكنه أنه يخبر ويقر إلا إذا خوف وعوقب وإذا ثبت قولي فأنه يطلع عليه ستة آلاف كيس فلما سمع الباشا قول اليهودي ستة آلاف كيس أمر بحبس الحاج سالم ثم أحضروا اخوته والحاج أيوب وسجنوهم وضربوهم والباشا يطلب ستة آلاف كيس كما قال اليهودي: واستمروا على ذلك أياما وذلك الحبس عند قرأ علي بجوار بيت الحريم بالازبكية وسبب خصومة شمعون اليهودي مع الحاج سالم أنهم احتجوا على اليهودي بأشياء وقرروا عليه غرامة أيضا فطلب من الحاج سالم المساعدة وقال له: ساعدني كما ساعدتك في غرامتك فقال الحاج سالم: انك لم تساعدني بمال من عندك بل هو من حسابي معك فقال اليهودي: ألست كنت أدارى عليك فيما تفعله واتسع الكلام بينهما وحضرة الباشا وأعوانه مترقبون لحادث يستخرجون به الأموال بأي وجه كان ويتقولون ويوقعون بين هذا وهذا والناس أعداء لبعضهم البعض تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ثم أن السيد محمد المحروقي خاطب الباشا في شأن الحاج سالم وحلف له أن الغرامة الأولى تأخر عليه منها ثلثمائة كيس استدانها من الأوربيين ودفعها وهي
باقية عليه إلى الآن ومطلوبة منه وذلك بعد أن باع أملاكه وحصة التزامه فإذا كان لا بد من تغريمه ثانيا فإننا نمهل أصحاب الديون ونقوم بدفع الثلمائة كيس المطلوبة للمداينين وندفعها للخزينة فأجابه لذلك وأمر بالإفراج عن الحاج سالم واخوته ومن معه فدفعوا القرا على المتولي سجنهم وعقوبتهم سبعة أكياس.
وفيه اشتد الأمر على إسمعيل أفندي امين عيار الضربخانة وأولاده بالطلب من أرباب الحوالات مثل دالي باشا وخلافه وضيق العسكر المعينون عليهم منافسهم ولازموا دورهم ولم يجدوا شافعا ولادافعا ولارافعا فباعوا أملاكهم وعقاراتهم وفراشهم ومصاغ حريمهم وأوانيهم وملابسهم وكان الباشا أخذ من إسماعيل أفندي المذكور داره آلتي بالقلعة عندما انتقل إلى القلعة فأمره بإخلائها ففعل ونزل إلى دار بحارة الروم بالقرب من دار ابنه محمد أفندي فاتخذ الباشا دار إسمعيل أفندي دارا لحريمه وأسكنهم بها لأنها دار عظيمة جليلة عمرها المذكور وصرف عليها في الأيام الخالية أموالا جمة فلما استولى عليها الباشا اسكن بها حريمه وجواريه وسراريه ولما قرر عليه غرامته اسقط عنه منها عشرين كيسا لا غير وجعلها في ثمن داره المذكورة وذلك لا يقوم بثمن رخامها فقط فلما اشتد الحال بإسمعيل أفندي أشار عليه بعض المتشفعين بأن يكتب له عرضحال ويطلع به إلى الباشا صحبة المعلم غالي كبير الأقباط المباشرين ففعل ودخل معه المعلم غالي إلى الباشا فعندما رآه مقبلا صحبة المذكور أشار إليه بالرجوع ولم يدعه يتكلم فرجع بقهره ونزل إلى داره فمرض وتوفي بعد أيام إلى رحمة الله تعالى ومات قبله ولده حسن أفندي وبقي جميع الطلب على ولده محمد أفندي فحصل له مشقة زائدة وباع أثاث بيته وأوانيه وكتبه التي اقتناها وحصلها بالشراء والاستكتاب فباعها بأبخس الأثمان على الصحافين وغيرهم وطال عليه الحال وانقضت مواعيد المداينين له فطالبوه وكربوه فتداين من غيرهم بالربا والزيادة وهكذا والله يحسن لنا وله العاقبة.
وفيه قدم إلى الإسكندرية قليون من بلاد الإنكليز فيه بضائع وأشياء للباشا ومنها خمسون ألف كيس نقودا ثمن غلال وخيول يأخذونها من مصر إلى بلادهم فطفقوا يطلبون لهم الخيول من أربابها فيقيسون طولها وعرضها وقوائمها بالأشبار فإن وجدوا ما يوافق غرضهم ومطلوبهم في القياس والقيافة أخذوه ولو بأغلى ثمن وإلا تركوه.
وفيه أيضا أرسل الباشا لجميع كشاف الوجه القبلي بحجز جميع الغلال والحجر عليها لطرفه فلا يدعون أحدا يبيع ولا يشتري شيئا منها ولا يسافر بشيء منها في مركب مطلقا ثم طلبوا ما عند أهل البلاد من الغلال حتى ما هو مدخر في دورهم للقوت فأخذوه أيضا ثم زادوا في الأمر حتى صاروا يكبسون الدور ويأخذون من الغلال قل أو كثر ولا يدفعون له ثمنا بل يقولون لهم: نحسب لكم ثمنه من مال السنة القابلة ويشحنون بذلك جميع مراكب الباشا التي استجدها وأعدها لنقل الغلال ثم يسيرون بها إلى بحري فتنقل إلى مراكب الإفرنج بحساب مائة قرش عن كل أردب وانقضت السنة ولم تنقض حوادثها بل استمر ما حدث بها كالتي قبلها وزيادة.
فمنها ما أحاط به علمنا وذكرنا بعضه ومنها ما لم يحط به علمنا أو أحاط ونسيناه بحدوث غيره قبل التثبت ومنها أن الباشا عمل ترسخانه عظيمة بساحل بولاق واتخذ عدة مراكب بالإسكندرية لخصوص جلب الأخشاب المتنوعة وكذلك الحطب الرومي من أماكنها على ذمته ويبيعه على الحطابين بما حدده عليهم من الثمن ويحمل في المراكب المختصة به باجرة محددة أيضا ويأتي إلى ديوان الكمرك ببولاق فيؤخذ كركه أي مكسه وهو راجع إليه أيضا إلى أن استقر سعر القنطار الواحد من الحطب بثلثمائة وخمسة عشر نصف فضة واجرة حمله من بولاق إلى مصر ثلاثة عشر نصف وأجرة تكسيره مثل ذلك فيكون مجموع ذلك ثلثمائة وأربعين نصف فضة القنطار وقد اشتريناه قبل استيلاء هذه الدولة بثلاثين نصفا وأجرة حمله في المركب
عشرة أنصاف وأجرته من بولاق إلى مصر ثلاثة أنصاف وتكسيره كذلك فيكون مجموع ذلك ستة وأربعين نصفا وكذلك فعل في أنواع الأخشاب الكرسنة والحديد والرصاص والقصدير وجميع المجلوبات واستمر ينشىء في المراكب الكبار والصغار التي تسرح في النيل من قبلي إلى بحري ومن بحري إلى قبلي ولا يبطل الإنشاء والأعمال والعمل على الدوام وكل ذلك على ذمته ومرمتها وعمارتها ولوازمها وملاحوها بأجرتهم على طرفه لابالضمان كما كان في السابق ولهم قومة ومباشرون متقيدون بذلك الليل والنهار.
ومنها وهي من الحوادث الغريبة التي لم يتفق في هذه الإعصار مثلها أن في أواخر ربيع الآخر احترق بحر النيل وجف بحر بولاق وكثرت فيه الرمال وعلت فوق بعضها حتى صارت مثل التلول وانحسر الماء حتى كان الناس يمشون إلى قريب انبابة بمداساتهم وكذلك بحر مصر القديمة بقي مخاضا وفقدت أهل القاهرة الماء الحلو واشتد بالناس العطش بسبب ذلك وبسبب تسخير السقائين ونادى الأغا والوالي على أن يكون حمل القربة للمكان البعيد بإثني عشر نصف فضة واستهل شهر بشنس القبطي فزد النيل في أوله في ليلة واحدة نحو ذراع ثم كان يزيد في كل يوم وليلة مثل دفعات أواخر أبيب ومسرى وجرى بحر بولاق ومصر القديمة وغطى الرمال وسارت فيه المراكب الكبار منحدرة ومقلعة وغرقت المقافيء مثل البطيخ والخيار والعبد اللاوى وما كان مزروعا بالسواحل وهو شيء كثير جدا واستمرت الزيادة نحو عشرين يوما حتى تغير وأبيض وكاد يحمر وداخل الناس من ذلك وهم عظيم من هذه الزيادة آلتي في غير وقتها حتى اعتقدوا أنه يوفي أذرع الوفاء قبل نزول النقطة ولم يعهد مثل ذلك وكان ذلك رحمة من الله بعبيده الفقراء العطاش ثم أنى طالعت في تاريخ الحافظ المقريزي المسمى بالسلوك في دول الملوك فذكر مثل هذه النادرة في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة ولما ترادفت هذه الزيادات خرج الوالي إلى قنطرة
السد وجمع الفعلة للعمل في سد فم الخليج ونادى على نزح الخليج وتنظيفه وكسح أوساخه وقطع أرضه ثم وقفت الزيادة بل نقص قليلا وزاد في أوان الزيادة على العادة وأوفى أذرعه في أيامه المعتادة فسبحان الفعال.
ومنها شحة الغلال وخلو السواحل منها فلا يجد الناس إلا ما بقي بأيدي فلاحي الجهات البحرية القريبة فيحملونه على الحمير إلى العرصات والرقع ويبيعونه على الناس كل أردب بأربعة وعشرين قرشا خلاف المكس والكلف واستفر مكس الأردب الواحد أربعة وثلاثين ونصف فضة وأجرته إذا كان من طريق البحر من المنوفية أو نحوها مائة نصف واقل وأكثر وأجرته من بولاق إلى مصر خمسة وعشرون نصفا.
ومنها أنه لما انتظم له ملك بلاد الصعيد ولم يبق له فيه منازع وقلد إمارته لابنه إبراهيم باشا ورسم بان يضبط جميع أطيان بلاد الصعيد حتى الرزق الاحباسية المرصدة على المساجد والخيرات الكائنة بمصر وغيرها وأوقاف سلاطين مصر المتقدمين وخيراتهم ومساجدهم ومكاتبهم وصهاريجهم ووظائف المدرسين والمقرئين وغير ذلك ففعل ذلك وراك الأراضي بأسرها وشاع أنه جعل على كل فدان من أراضى الرزق والأوقاف ثلاثة ريالات لا غير وعلى كل باقي فدادين الأطيان ثمانية ريالات خلاف النبارى وهو مزارع الذرة فجعل على كل عود من عيدان القطوة سبعة ريالات فرضي أصحاب الرزق والأطيان بهذا التنظيم وظنوا استمراره فإن الكثير من المرتزقة ما كان يحصل له من مزارعي رزقته مقدار ما يحصل له على هذا الحساب.
ومنها أنه رسم له بالحجر على جميع حصص الالتزام فلم يبق لأربابها شيئا إلا ما ندر وهو شىء قليل جدا واحتج في ذلك باستيلاء الأمراء المصريين عليها عندما خرجوا من مصر وأقاموا بالبلاد القبلية فوضعوا أيديهم على ذلك وأنه حاربهم وطردهم وقتلهم وورث ما كان بأيديهم بحق أو باطل وسموه المضبوط وأما ما كان بأيدي أربابه أيام استيلاء المصريين وهم الملتزمون القانطون بالبلاد القبلية أو بمصر ممن يراعى جانبه فإنه إذا
عرض حاله وطلب أذنا في التصرف وأخبر بأنه كان مفروجا عنه أيام استيلاء المصريين واثبت ذلك بالكشف من الروزنامه وغيرها فأما أن يؤذن له في التصرف أو يقال له: نعوضك بدلها من البلاد البحرية ويسوف وتتمادى الأيام أو يحيل ذلك على ابنه إبراهيم باشا ويقول: أنا لا علقه لي في البلاد القبلية والأمر فيها لإبراهيم باشا وإذا ذهب لإبراهيم باشا يقول له: أنا أعطيك الفائظ فان رضي أعطاه شيئا نزرا ووعده بالإعطاء وأن لم يرض قال له: هات لي أذنا من أفندينا وكل منهما أما مرتحل أو مسافر أو احدهما حاضر والآخر غائب فيصير صاحب الحاجة كالجملة المعترضة بين الشارط والمشروط وأمثال ذلك كثير.
ومنها الاستيلاء على جميع مزارع الأرز بالبحر الغربي والشرقي ورتب لهم مباشرين وكتابا يصرفون عليهم من الكلف والتقاوى والبهائم ويؤخذ ذلك جميعه من حساب الفرض التي قررها على النواحي وعند استغلال الأرز يرفعونها بأيديهم ويسعرونها بما يريدونه ويستوفون المصاريف ومعاليم القومة والمباشرين المعين لهم وأن فضل بعد ذلك شىء أعطوه للمزارع أو أخذوه منه وأعطوه ورقة يحاسب بها في المستقبل وفرض على كل دائرة من دوائر الأرز خمسة أكياس في كل سنة خلاف المقرر القديم وعلى كل عود ثلاثة أكياس فإذا كان وقت الحصاد وزنوه شعيرا على أصحاب الدوائر والمناشر حتى إذا صلح وأبيض حسبوا كلفه من أصل المقرر عليهم فإن زاد لهم شيء أعطوهم به ورقة وحاسبوا بها من قابل وابطل تعامل المزارعين مع التجار الذين كانوا معتادين بالصرف عليهم واستقر الحال إلى أن صار جميعه أصلا وفرعا لديوان الباشا ويباع الموجود على ذمته لأهل الإقاليم المتسببين وغيرهم وهو عن كل أردب مائة قرش بل وزيادة وللإفرنج وبلاد الروم والشام بما لا أدرى.
ومنها أنه حصل بين عبد الله أغا بكتاس الترجمان وبين النصراني الدرزي منافسة وهو الذي حضر من جبل الدروز ويسمى الياس واجتمع
بمصر على من أوصله إلى الباشا وهو بكتاش وخلافه وعرفوه عن صناعته وأنه يعمل آلات بأسهل مما يصنعه صناع الضربخانه ويوفر على الباشا كذا وكذا من الأموال التي تذهب في الدواليب والكلف وما يأخذه المباشرون من المكاسب لأنفسهم وافرد له بقعة خاصة به بجانب الضربخانة وأمر بحضور ما يطلبه إليه من الحديد والصناع واستمر على ذلك شهورا ولما تمم الآلة صنع قروشا وضربها ناقصة في الوزن والعيار وجعل كتابتها على نسق القروش الرومية ووزن القرش درهمان وربع وفيه من الفضة الخالصة الربع بل أقل والثلاثة أرباع نحاس وكان المرتب في الأموال من النحاس في كل يوم قنطارين فضوعف إلى ستة قناطير حتى غلا سعر النحاس والأواني المتخذة منه فبلغ سعر الرطل النحاس المستعمل مائة وأربعين نصف فضة بعد أن كان سعره في الأزمان السابقة أربعة عشر نصفا والفراضة سبعة أنصاف أو أقل ثم زاد الطلب للضربخانة إلى عشرة قناطير في كل يوم والمباشر لذلك كله بكتاش أفندي ثم أن بكتاش أفندي المذكور انحرف على ذلك الدرزي وذلك بإغراء المعاير وحصل بينهما مناقشة بين يدي الباشا والمعلم غالي بينهم وانحط الأمر في ذلك المجلس على منع الدرزي من مباشرة العمل ورتب له الباشا أربعة أكياس لمصرفه في كل شهر ومنعوا أيضا من كان معه من نصارى الشوام من الطلوع الضربخانة واستمر بكتاش أفندي ناظرا عليها ودقق على أرباب الوظائف والخدم ليأخذ بذلك وجاهة عند مخدومه ثم أن الباشا بعد أيام أمر بنفي الدرزي من مصر وجميع أهله وأولاده وانقضى أمره بعد أن تعلموا تلك الصناعة منه وفي تلك المدة بلغ ايراد الضربخانه لخزينة الباشا في كل شهر آلفا وخمسمائة كيس وكان الذي يرد منها في زمن المصريين ثلاثين كيسا في كل شهر أو أقل من ذلك فلما التزم بها السيد أحمد المحروقي أوصلها إلى خمسين واستمرت على ابنه السيد محمد كذلك مدة فانتبذ لها محمد أفندي طبل المعروف بناظر المهمات وزاد عليها ثلاثين كيسا وبقيت تحت نظارة المحروقي بذلك القدر ثم أن الباشا عزل
السيد محمد المحروقي عنها وأبقاها على ذمته وقيد خاله في نظارتها ولم يزل الباشا يلعب هذه الملاعيب حتى بلغت هذا المبلغ المستمر وربما تزيد وذلك خلاف الغرامات والمصادرات لأربابها ثم وشى له عبد الله أغا بكتاش بأنه يزيد في وزن القروش وينقص منه عن القدر المحدود فإذا حسب القدر المنقوص وعمل معدله في مدة نظارته تحصل منه مقدار عظيم من الأكياس فلما نوقش في ذلك قال: هذا الأمر يسئل فيه صاحب العيار فأحضروه وأحضروا محمد أفندي ابن إسمعيل أفندي بدفتره وتحاققوا في الحساب فسقط منهم خمسة أكياس لم تدخل الحساب فقالوا: أين ذهبت هذه الخمسة أكياس فطفقوا ينظرون إلى بعضهم فقال المورد: الحق أن هذه الخمسة أكياس من حساب محمد أفندي ومطلوبة له وتجاوز عنها لفلان اليهودي المورد من مدة سابقة فالتفت الباشا إلى محمد أفندي وقال له: لأي شيء تجاوزت لليهودي عن هذا القدر فقال لعلمي: إنه خلي ليس عنده شيء فأخذتني الرافة عليه وتركت مطالبته حتى يحصل له اليسار فقال: كيف تنعم بمالي على اليهودي فقال: إنه من حسابي فقال: ومن أين كان لك ذلك وأمر به فبطحوه وضربوه بالعصي ثم أقاموه وأضافوا الخمسة أكياس على باقي الغرامة المطلوبة منه التي هو متحير في تحصيلها ولو بالإستدانة من الربويين كما قال القائل: شكوت جلوس إنسان ثقيل فجأوني بمن هو منه أثقل فكنت كمن شكا الطاعون يوما فزادوه على الطاعون دمل ومحمد أفندي هذا من وجهاء الناس وخيارهم يفعل به هذه الفعال ثم انحط الحال مع بكتاش أفندي على أن فرض عليه ستمائة كيس يقوم بدفعها فقال: ويعفوني أفندينا من نظارة الضربخانة فلم يجبه إلى ذلك واستمر في تلك الخدمة مكرها خائفا من عواقبها.
ومنها أن الريال الفرانسه بلغ في مصارفته من الفضة العددية إلى مائتين وثمانين نصفا بل وزيادة خمسة أنصاف فنودى عليه بنقص عشرة وشددوا في ذلك وبعد أيام نودى بنقص عشرة أخرى فخسر الناس حصة من أموالهم
ثم أن ذلك القرش الذي يضاف إليه من الفضة ربع درهم ووزن الريال تسعة دراهم فضة فيكون الريال الواحد بما يضاف إليه من النحاس على هذا الحساب ستة وثلاثين قرشا يخرج منها ثمن الريال ستة قروش ونصف وكلفة الشغل في الجملة قرش أو قرشان يبقى بعد ذلك سبعة وعشرون قرشا ونصف وهو المكسب في الريال الواحد وهو من جملة سلب الأموال لأن صاحب الريال إذا أراد صرفه أخذ بدله ستة قروش ونصفا وفيها من الفضة درهم ونصف وثمن وهي بدل التسعة دراهم التي هي وزن الريال ثم زيد في الطنبور نعمة وهي الحجر على الفضة العددية فلا يصرفون شيئا منها للصيارف ولا لغيرهم إلا بالفرط وهو أربعة قروش على كل ألف فيعطي للضربخانة تسعة وعشرون قرشا زلاقط! وبأخذ ألف فضة عنها خمسة وعشرون قرشا ثم زادوا بعد ذلك في الفرط فجعلوه خمسة قروش فيعطي الفا ومائتين ويأخذ بدلها الفا فانظر إلى هذه الزيادة والرذالة وكذا السفالة.
ومنها استمرار غلاء الأسعر في كل شيء وخصوصا في الأقوات التي لا يستغني عنها الغني والفقير في كل وقت بسبب الإحداثات والمكوس التي ترتب على كل شيء ومنها المأكولات كاللحم والسمن والعسل والسكر وغير ذلك مثل الخصارات وإبطال جميع المذابح خلاف مذبح الحسينية والتزم به المحتسب بمبلغ عظيم مع كفاية لحم الباشا وأكابر دولته بالثمن القليل ويوزع الباقي على الجزارين بالسعر الأعلى الذي يخرج منه ثمن لحوم الدولة من غير ثمن فينزل الجزار بما يكون معه من الغنمة أو الإثنين الجفيط إلى بيت أو عطفة مستورة فتزدحم عليه المتبعون له والمنتظرون إليه ويقع بينهم من المضاربة والمشاجرة ما لا يوصف وثمن الرطل اثنا عشر نصفا وقد يزيد على ذلك ولا ينقص عن الاثنى عشر وكذلك الخضروات التي كانت تباع جزافا تباع بأقصى القيمة حتى أن الخس مثلا الذي كان يباع كل عشرة أعداد بنصف واحد صارت الواحدة تباع بنصف وقس على ذلك باقي الخضروات وأن الباشا لما وضع يده على الأراضي القريبة وأنشأ
السواقي تجاه القصر والبساتين بناحية شبرا وحرث الأراضي الخرس وزرع فيها أنواع الخضراوات واجرى عليها المياه وقيد لخدمتها المرابعين أيضا والمزارعين بالمؤاجرة والمباشر على ذلك كله ذو الفقار كتخدا وعندما يبدو صلاح البقول والخضراوات يبيعها المتسببين فيها بأغلى ثمن وهم يبيعونها على الناس بما احبوا وشاع بين الناس اضافة ذلك إلى الباشا فيقولون: كرنب الباشا ولفت الباشا وملوخية الباشا وفجل الباشا وقرنبيط الباشا وزرع أيضا بستانه من أنواع الزهور العجيبة المنظر المتنوعة الأشكال من الاحمر والاصفر والازرق والملون اتوا بنقائلها من بلاد الروم فنتجت وافلحت وليس لها الاحسن المنظر فقط ولا رائحة لها أصلا.
ومنها أن ديوانا المكس ببولاق الذي يعبرون عنه بالكمرك لم يزل يتزايد فيه المتزايدون حتى أوصلوه إلى ألف وخمسمائة كيس في السنة وكان في زمن المصريين يؤدى من يلتزمه ثلاثين كيسا مع محاباة الكثير من الناس والعفو عن كثير من البضائع لمن ينسب إلى الأمراء وأصحاب الوجاهة من أهل العلم وغيرهم فلايتعرضون له ولو تحامى في بعض اتباعهم ولو بالكذب ويعاملون غيرهم بالرفق مع التجاوز الكثير ولا ينبشون المتاع ولارباط الشيء المحزوم بل على الصندوق أو المحزوم قدر يسير معلوم فلما ارتفع أمره إلى هذه المقادير صاروا لا يعفون عن شئ مطلقا ولايسامحون أحدا ولو كان عظيما من العلماء أو من غيرهم وكان من عادة التجار إذا بعثوا إلى شركائهم محزوما من الاقمشة الرخيصة مثل العاتكي والنابلسي جعلوا بداخل طيها أشياء من الاقمشة الغالية في الثمن المقصبات الحلبي والكشميري والهندي ونحو ذلك فتندرج معها في قلة الكمرك وفي هذا الأوان يحلون رباط المحزوم ويفتحون الصناديق وينبشون المتاع ويهتكون ستره ويحصون عدده ويأخذون عشره أي من كل عشرة واحدا أو ثمنه كما يبيعه التاجر غاليا أو رخيصا حتى البوابيج والاخفاف والمسوت التي تجلب من الروم يفتحون صناديقها ويعدونها بالواحد ويأخذون
عشورها علينا أو ثمنا ويفعل ذلك أيضا متولي كمرك الاسكندرية ودمياط وإسلامبول والشام فبذلك غلت أسعار البضائع من كل شئ لفحش هذه الأمور وخصوصا في الاقمشة الشامية والحلبية والرومية المنسوجة من القطن والحرير والصوف فإن عليها بمفردها مكوسا فاحشة قبل نسجها وكان الدرهم الحرير في السابق بنصف فضة فصار الآن بخمسة عشر نصفا وما يضاف إليه من الاصباغ وكلف الصناع والمكوس المذكورة فبذلك بلغ الغية في غلو الثمن فيباع الثوب الواحد من القماش الشامي المسمى بالالاجة الذي كانت قيمته في السابق مائتي نصف فضة بألفين فضة مع ما يضاف إليه من ربح البائع وطمع التاجر والنعل الرومي الذي كان يباع بستين نصفا صار يباع بأربعمائة نصف والذراع الواحد من الجوخ الذي كان يباع بمائة نصف فضة بلغ في الثمن إلى ألف نصف فضة وهكذا مما يستقصى تتبعه ولاتستقصى مفرداته ويتولى هذه الكمارك كل من يزايد فيها من أي ملة كان من نصارى القبط أو الشوام والاروام ومن يدعى الإسلام وهم الاقل في الأشياء الدون والمتولي الآن في ديوان كمرك بولاق شخص نصراني رومي يسمى كرابيت من طرف طاهر باشا لأنه مختص بايراده واعوان كرابيت من جنسه وعنده قواسة اتراك يحجزون متاع الناس ويقبضون على المسلمين ويسجنونهم ويضربونهم حتى يدفعوا ما عليهم وإذا عثروا بشخص اخفى عنهم شيئا حبسوه وضربوه وسبوه ونكلوا به والزموه بغرامة مجازاة لفعله والعجب أن بضائع المسلمين يؤخذ عشرها يعني من العشرة واحد وبضائع الافرنج والنصارى ومن ينتسب إليهم يؤخذ عليها من المائة اثنان ونصف وكذلك احدث عدة أشياء واحتكارات في كثير من البضائع مثل السكر الذي يأتي من ناحية الصعيد وزيادات في المكوس القديمة خلاف المحدثات وذلك أن من كان بطالا أو كاسد الصنعة أو قليل الكسب أو خامل الذكر فيعمل فكرته في شيء مهمل مغفول عنه ويسعى إلى الحضرة بواسطة المتقربين أو بعرضحال يقول فيه: إن الداعي للحضرة يطلب
الالتزام بالصنف الفلاني ويقوم للخزينه العامرة بكذا من الأكياس في كل سنة فإذا فعل تنبه المشار إليه فيعد بالانجاز ويؤخر أياما فتتسامع المتكالبون على أمثال ذلك فيزيدون على الطالب حتى تستقر الزيادة على شخص أما هو وخلافه ويقيد اسمه بدفتر الروزنامة ويفعل بعد ذلك الملتزم ما يريده وما يقرره على ذلك الصنف ويتخذ له اعوانا وخدمة واتباعا يتولون استخلاص المقررات ويجعلون لأنفسهم أقدار خارجة عن الذي يأخذه كبيرهم والذي تولى كبر ذلك وفتح بابه نصارى الاروام والارمن فتراسوا بذلك وعلت اسافلهم ولبسوا الملابس الفاخرة وركبوا البغال والرهوانات وأخذوا بيوت الأعيان التي بمصر القديمة وعمروها وزخرفوها وعملوا فيها بساتين وجنائن وذلك خلاف البيوت التي لهم بداخل المدينة ويركب الواحد منهم وحوله وإمامه عدة من الخدم والقواسة يطردون الناس من إمامه وخلفه ولم يدعوا شيئا خارجا عن المكس حتى الفحم الذي يجلب من الصعيد والحطب السنط والرتم وحطب الذرة الذي كان يباع منه كل مائة حزمة بمائة نصف فلما احتكروه صار يباع كل مائة حزمة بألف ومائتي نصف وبسبب ذلك تشحطت أشياء كثيرة وغلت أثمانها مثل الجبس والجبر وكل ماكان يحتاج للوقود حتى الخبازين في الافران فاننا ادكنا الاردب من الجبس بثمانية عشر نصف فضة والآن بمائتين وأربعين نصفا وكذلك ادركنا القنطار من الجير بعشرة انصاف والآن بمائة وعشرين والحال في الزيادة.
ومنها أن الباشا شرع في عمارة قصر العيني وكان قد تلاشى وخربته العسكر وأخذت اخشابه ولم يبق فيه إلا الجدران فشرع في انشائة وتعميرة وتجديده على هذه الصورة التي هو عليها الآن على وضع الابنية الرومية.
ومنها أنه هدم سراية القلعة وما اشتملت عليه من الأماكن فهدم المجالس التي كانت بها والدواوين وديوان قايتباي وهو المقعد المواجه للداخل إلى الحوش علو الكلار الذي به الاعمدة وديوان الغوري الكبير وما اشتمل عليه من المجالس التي كانت تجلس بها الافندية والقلفاوات أيام الدواوين
وشرع في بنائها على وضع آخر واصطلاح رومي وأقاموا أكثر الابنية من الاخشاب ويبنون الاعالي قبل بناء السفل واسيع أنهم وجدا مخبأت بها ذخائر الملوك مصر الأقدمين.
ومنها أن الباشا أرسل لقطع الاشجار المحتاج إليها في عمل المراكب مثل التوت والنبق من جميع البلاد القبلية والبحرية فانبث المعينون لذلك في البلاد فلم يبقوا من ذلك إلا القليل لمصانعة أصحابه بالرشا والبراطيل حتى يتركوا لهم ما يتركون فيجتمع بترسخانة الاخشاب لصناعة المراكب مع ما ينضم إليها من الاخشاب الرومية شيء عظيم جدا يتعدب منه الناظر من كثرته وكلما نقص منه شيء في العمل اجتمع خلافه أكثر منه.
ومنها أن أحمد أغا اخا كتخدا بك لما تقلد وكالة دار السعادة ونظارة الحرمين انضم إليه اباليس الكتبة لتحرير الايراد والمصرف وحصروا الاحكار المقررة على الأماكن والاطيان التي اجرها النظار السابقون لمداد الطويلة وجعلوا عليها قدرا من المال يقبض في كل سنة لجة وقف أصله على عادة مصر السابقة واللاحقة في استئجار الاوقاف من نظارها والاطيان والأماكن المستاجرة من أوقاف الحرمين وتوابعها كالدشيشة والخاصكية والمحمدية والمرادية وغير ذلك كثير جدا ففتحوا هذا الباب وتسلطوا على الناس في طلب ما بايديهم من السندات والحج التأجرات فإذا اطلعوا عليها فلايخلو أما أن تكون المدة قد انقضت ومضت أو بقي منها بقية من السنين فإن كان بقي منها بقية زادوا في الاجرة المؤجلة التي هي الحكر مثلها أو مثليها بحسب حال المحل ورواجه وأن كانت المدة قد انقضت ومضت استولوا على حين المحل وضبطوه وجددوا له تاجرا وزادوا في حكره ويكون ذلك لمصلحة جسيمة وعلى كلتا الحاللاين لا بد من التغريم والمصالحات الجوانية والبرانية للكتاب والمباشرين والخدم والمعينين ثم المرافعة إلى القاضي ودفع المحاصيل والرسوم والتسجيل وكتابة السندات التي يأخذها واضع اليد.
ومنها التحجير على الاجراء والمعمرين المستعملين في الابنية والعمائر مثل البنائين والنجارين والنشارين الخراطين والزامهم في عمائر الدولة بمصر وغيرها بالاجارة والتسخير واختفى الكثير منهم وابطل صناعته واغلق من له حانوت حانوته فيطلبه كبير حرفته الملزم بإحضاره عند معمار باشا فاما أنه يلازم الشغل أو يفتدي نفسه أو يقيم بدلا عنه ويدفع له الاجرة من عنده فترك الكثير صناعته واغلق حانوته وتكسب بحرفة أخرى فتعطل بذلك احتياجات الناس في التعمير والبناء بحيث أن من أراد أن يبني له كانونا أو مزودا لدابته تحير في أمره وأقام أياما في تحصيل البناء وما يحتاجه من الطين والجير والقصر مل وكان الباشا اشترى ألف حمار وعملوا لها مزابل واعدوها لنقل اتربة عمائر وشيل القصرمل من مستوقدات الحمامات بالمدينةوبولاق ونودي في المدينة بمنع الناس كافة عن أخذ شئ من القصرمل فكان الذي تلزمه الضرورة لشيء منها أن كان قليلا أخذه كالسرقة في الليل من المستوقد بأغلى ثمن وأن كان كثيرا لا يأخذه إلا بفرمان بالأذن من كتخدا بك بعد أن كان شيئا مبتذلا وليس له قيمة ينقلونه إذا كثر بالمستوقدات إلى الكيمان بالأجرة وأن احتاجه الناس في ابنيتهم أما نقلوه على حميرهم أو نقله خدمة المشتوفد بأجرتهم كل فردين بنصف واقل وازيد ونحو ذلك كما إذا اضاع لإنسان مفتاح خشب لا يجد نجارا يصنع له مفتاحا آخر إلا خفية ويطلب ثمنه خمسة عشر نصف فضة وكان من عادة المفتاح نصف فضة أن كان كبير أو نصف نصف أن كان صغيرا.
ومنها أن الذي التزم بعمل البارود قرر على نفسه مائتي كيس أو احتكر جميع لوازمه مثل الفحم وحطب الترمس والذرة والكبريت فقرر كل صنف من ذلك قدرا من الأكياس وابطل الذين كانوا يعملون في السباخ بالكيمان ويستخرجون منه ملح البارود ثم يؤخذ منهم عبيطا إلى المعمل فيكررونه حتى يخرج ملحا أبيض يصلح للعمل وهي صناعة قذرة ممتهنة فابطلهم منها وبنى احواضا بدلا عن الصناديق وجعلها متسعة وطلاها بالخافقي وعمل ساقية واجرى الماء منها إلى تلك الأحواض واوقف
العمال لذلك بالاجرة يعملون في السباخ المذكور.
ومنها شحة الحطب الرومي في هذه السنة وإذا ورد منه شيء حجزه الباشا لاحتياجاته فلايرى الناس منه شيئا فكان الحطابة يبيعون بدله خشب الاشجار المقطوعة من القطر المصري وافضلها السنط فيباع منه الحملة بثلثمائة نصف فضة واجرة حملها عشرة وتكسيرها عشرة وعز وجود الفحم أيضا حتى بيعت الاقة بعشرين نصفا وذلك لانقطاع الجالب إلا ما ياتي قليلا من ناحية الصعيد مع العسكر يتسببون فيه ويبيعونه بأغلى ثمن كل حصيرة باثني عشر قرشا وهي دون القنطار وكانت تباع في السابق بستين نصفا وهي قرش ونصف غير ذلك أمور واحداثات واتبداعات لا يمكن استقصاؤها ولم يصل الينا خبرها إذ لا يصل الينا إلا ما تعلقت به اللوازم والاحتياجات الكلية وقد يستدل بالبعض على الكل وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فمات الشيخ الإمام العلامة والنحرير الفهامة الفقيه الاصولي النحوي شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشافعي الازهري الشهير بالشرقاوي شيخ الجامع الأزهر ولد ببلدة تسمى الطويلة بشرقية بلبيس بالقرب من القرن في حدود الخمسين بعد المائة وتربى بالقرين فلما ترعرع وحفظ القرآن قدم إلى الجامع الأزهر وسمع الكثير من الشهابين الملوي والجوهري والحفني وأخيه يوسف الدمنهوري والبليدي وعطية الاجهوري ومحمد الفارسي وعلي المنسفيسي الشهير بالصعيدي وعمر الطحلاوي وسمع الموطأ فقط على علي بن العربي الشهير بالسقاط وبآخره تلقن بالسلوك والطريقة على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولازمه وحضر معنا في اذكاره وجمعياته ودرس الدروس بالجامع الأزهر وبمدرسة السنانية بالصنادقية وبرواق الجبرت والطيبرسية وافتى في مذهبه وتميز في الالقاء والتحرير وله مؤلفات داله على سعة فضله من ذلك حاشيته على التحرير وشرح نظم يحيى العمريطي وشرح العقائد المشرقية والمتن له أيضا وشرح مختصر في العقائد
والفقه والتصوف مشهور في بلاد داغستان وشرح رسالة عبد الفتاح العادلي في العقائد ومختصر الشمائل وشرحه له ورسالة في لا اله إلا الله ورسالة في مسئلة أصولية في جمع الجوامع وشرح الحكم والوصايا الكردية في التصوف وشرح ورد سحر للبكري ومختصر المغني في النحو وغير ذلك ولما أراد السلوك في طريق الخلوتيه ولقنه الشيخ الحفني الاسم الأول حصل له وله اختلال في عقله ومكث بالمارستان أياما ثم شفى ولازم الاقراء والافادة ثم تلقن من شيخنا الشيخ محمود الكردي وقطع الأسماء عليه والبسه التاج وواظب على مجالسته وكان في قلة من خشونة العيش وضيق المعيشة فلا يطبخ في داره إلا نادرا وبعض معارفه يواسونه ويرسلون إليه الصحفة من الطعام أو يدعونه ليأكل معهم ولما عرفه الناس واشتهر ذكره فواصله بعض تجار الشوام وغيرهم بالزكوات والهدايا والصلات فراج حاله وتجمل بالملابس وكبر تاجه ولما توفي الشيخ الكردي كان المترجم من جملة خلفائه وضم إليه أشخاصا من الطلبة والمجاورين الذين يحضرون في درسه يأتون إليه كل ليلة عشاء يذكرون معه ويعمل لهم في بعض الاحيان ثريدا ويذهب بهم إلى بعض البيوت في مياتم الموتى وليالي السبح والجمع المعتادة ومعهم منشدون ومولهون ومن يقرا الاعشار عند ختم المجلس فياكلون العشاء ويسهرون حصة من الليل في الذكر والانشاد والتوله وينادون في انشادهم بقولهم يابكرى مدد يا حفني مدد يا شرقاوي مدد ثم ياتون إليهم بالطارى وهو الطعام بعد انقضاء المجلس ثم يعطونهم أيضا دراهم ثم اشترى له دار بحارة كتامة المسماة بالعينية وساعده في ثمنها بعض من يعاشره من المياسير وترك الذهاب إلى البيوت إلا في النادر واستمر على حالته حتى مات الشيخ أحمد العروسي فتولى بعده مشيخة الجامع الأزهر فزاد في تكبير عمامته وتعظيمها حتى كان يضرب بعظمها المثل وكانت تعارضت فيه وفي الشيخ مصطفى الصاوي ثم حصل الاتفاق على المترجم وأن الشيخ الصاوي يستمر في وظيفة التدريس بالمدرسة
الصلاحية المجاورة لضريح الإمام الشافعي بعد صلاة العصر وهي من وظائف مشيخة الجامع ولما تولاها الشيخ العروسي تعدى على الوظيفة المذكورة والشيخ محمد المصيلحي الضرير وكان يرى في نفسه أنه احق بالمشيخة من العروسي فلم ينازعه فيها حسما للشر فلما مات المصيلحي تنزه عنها العروسي واجلس فيها الصاوي وحضر درسه في أول ابتدائه لكونه من خواص تلامذته فلما مات العروسي وتولى المترجم المشيخة اتفقوا على بقاء الصاوي في الوظيفة ومضى على ذلك اشهر ثم أن المجتمعين على الشرقاوي وسوسوا له وحرضوه على أخذ الوظيفة وأن مشيخته لاتتم إلا بها وكان مطواعا فكلم في ذلك الشيخ محمد ابن الجوهري وأيوب بك الدفتردار ووافقاه على ذلك واغتر بهما وذهب بجماعته ومن انضم إليهم وهم كثيرون وقرا بها درسا فلم يحتمل الصاوي ذلك وتشاور مع ذوي الرأي والمكايد من رفقائه كالشيخ بدوي الهيتمي واضرابه فبيتوا امرهم وذهب الشيخ مصطفى إلى رضوان كتخدا إبراهيم بك الكبير وله به صداقة ومعاملة ومقارضه فسامحه في مبلغ كان عليه له فعند ذلك اهتم رضوان كتخدا المذكور وحضر عند الشرقاوي وتكلم معه وافحمة ثم اجتمعوا في ثاني يوم ببيت الشرقاوي وحضر الصاوي وعزوته وباقي الجماعة فقال الشرقاوي: اشهدوا ياجماعة أن هذه الوظيفة استحقاقي وأنا نزلت عنها إلى الشيخ مصطفى الصاوي فقال له: الصاوي ارجع أما الآن فلا ولا جميلة لك الآن في ذلك وباكته بكلام كثير وبانفاذه لرأي من حوله وغير ذلك وانفض المجلس على منعه من الوظيفة واستمرار الصاوي فيها إلى أن مات فعادت إلى المترجم عند ذلك من غير منازع فواظب الاقراء فيها مدة وطالب سدنة الضريح بمعلومها فماطلوه فتشاجر معهم وسبهم فشكوه للمعاضدين لهم وهم أهل المكايد من الفقهاء وغيرهم وتعصبوا عليه وانهوا إلى الباشا وضموا إلى ذلك أشياء حتى اغروا عليه صدره واتفقوا على عزله من المشيخة ثم انحط الأمر على أن يلزم داره ولا يخرج
منها ولا يتداخل في شيء من الأشياء فكان ذلك أياما ثم عفا عنه الباشا بشفاعة القاضي فركب وقابله ولكن لم يعد إلى القراءة في الوظيفة بل استناب فيها بعض الفقهاء وهو الشيخ محمد الشبراويني ولما حضرت الفرنساوية إلى مصر في سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف ورتبوا ديوانا لاجراء الاحكام بين المسلمين جعلوا المترجم رئيس الديوان وانتفع في أيامهم بما يتحصل إليه من المعلوم المرتب له عن ذلك وقضايا وشفاعات لبعض الأجناد المصرية وجعالات على ذلك واستيلاء على تركات ودائع خرجت أربابها في حادثة الفرنساوية وهلكوا واتسعت عليه الدنيا وزاد طمعه فيا واشترى دار ابن بيرة بظاهر الأزهر وهي دار واسعة من مساكن الأمراء الاقدمين وزوجته بنت الشيخ علي الزغفراني هي التي تدبر أمره وتحرز كل ما يأتيه ويجمعه ولا يروح ولا يغدو إلا عن أمرها ومشورتها وهي أم سيدي علي الموجود الآن وكانت قبل زواجه بها في قلة من العيش فلما كثرت عليه الدنيا اشترت الاملاك والعقار والحمامات والحوانيت بما يغل ايراده مبلغا في كل شهر له صورة وعمل مهما لزواج ابنه المذكور في أيام محمد باشا خسروسنة سبع عشرة ومائتين وألف ودعا إليه الباشا وعيان الوقت فاجتمع إليه شيء كثير من الهدايا ولما حضر إليه الباشا انعم على ابنه بأربعة أكياس عنها ثمانون ألف درهم وذلك خلاف البقاشيش واتفق للمترجم في أيام الأمراء المصرية أن طائفة المجاورين بالأزهر من الشرقاويين يقطنون بمدرسة الطيبرسية بباب الأزهر وعمل لهم المترجم خزائن برواق معمر فوقع بينهم وبين المجاورين بها مشاجرة فضربوا نقيب الرواق فتعصب لهم الشيخ إبراهيم السجيني شيخ الرواق على الشرقاويين ومنعوهم من الطيبرسية وخزائنها وقهروا المترجم وطائفته فتوسط بامراة عمياء فقيهة تحضر عنده في درسه إلى عديلة هانم ابنة إبراهيم بك فكلمت زوجها إبراهيم بك المعروف بالوالي بأن يبني له مكانا خاصا بطائفته فأجابه إلى ذلك وأخذ سكنا إمام الجامع المجاور لمدرسة الجوهرية من غير ثمن وأضاف
إليه قطعة أخرى وانشأ ذلك رواقا خاصا بهم ونقل إليه الاحجار والعامود والرخام الذي بوسطة من جامع الملك الظاهر بيبرس خارج الحسينية وهو تحت نظر الشيخ إبراهيم السجيني ليكون ذلك نكاية له نظير تعصبه عليه وعمل به قوائم وخزائن واشترى له غلال من جريات السون واضافها إلى اخباز الجامع وادخلها في دفتره يستلمها خباز الجامع ويصرفها خبز قرصه لأهل ذلك الرواق في كل يوم ووزعها على الانفار الذين اختارهم من أهل بلاده ومما اتفق للمترجم أن بخارج باب البرقية خانكاه انشأتها خوند طغاي الناصرية بالصحراء على يمنة السالك إلى وهدة الجبانة المعروفة الآن بالبستان وكان الناظر عليها شخص من شهود المحكمة يقال له ابن الشاهيني: فلما مات تقرر في نظيرها المترجم واستولى على جهات ايرادها فلما ولج الفرنساوية أراضي مصر واحدثوا القلاع فوق التلول والأماكن المستعلية حوالي المدينة هدموا منارة هذه الخانكاه وبعض الحوائط الشمالية وتركوها على ذلك فلما ارتحلوا عن أرض مصر بقيت على وضعها في التخرب وكانت ساقيتها تجاه بابها في علوة يصعد إليها بمزلقان ويجري الماء منها إلى الخانكاه على حائط مبنى وبه قنطرة يمر من تحتها المارون وتحت الساقية حوض لسقي الدواب وقد ادركنا ذلك وشاهدنا دوران الثور في الساقية ثم أن المترجم ابطل تلك الساقية وبنى مكانها زاوية وعمل لنفسه بها مدفنا وعقد عليه قبة وجعل تحتها مقصورة بداخلها تابوت عال مربع وعلى اركانه عساكر فضة وبنى بجانبها قصرا ملاصقا لها يحتوي على اروقة ومساكن ومطبخ وكلار وذهبت الساقية في ضمن ذلك وجعلها بئر وعليه خرزة يملؤن منها بالدلو ونسيت تلك الساقية وانطمست معالمها وكأنها لم تكن وقد ذكر هذه الخانكاه العلامة المقريزي في خططه عند ذكر الخوانك لابأس بإيراد ما نصه للمناسبة فقال خانكاه: أم انوك هذه الخانكا خارج باب البرقية بالصحراء انشأتها الخاتون طغاي تجاه تربة الأمير طاشتمر الساقي فجاءت من اجل المباني وجعلت بها صوفية وقراء ووقفت عليها
الأوقاف الكثيرة وقررت لكل جارية من جواريها مرتبا يقوم بها ثم ترجمها بقوله طغاي الخوندة الكبرى زوج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وام ابنه الأمير آنوك كانت من جملة امائه فأعتقها وتزوجها ويقال: إنها اخت الأمير آفبغا عبد الواحد وكانت بديعة الحسن باهرة الجمال من السعادة مالم يره غيرها من نساء ملوك الترك بمصر وتنعمت في ملاذ ما وصل سواها لمثلها ولم يدم السلطان على محبة امرأة سواها وصارت خوندة بعد ابنة توكاي اكبر نسائه حتى من ابنه الأمير تنكز وحج بها القاضي كريم الدين الكبير واحتفل بامرها وحمل لها البقول في محايرطين على ظهور الجمال وأخذ لها الابقار الحلابة فسارت معها طول الطريق لأجل اللبن الطري والجبن وكان يقلي لها الجبن في الغداء والعشاء وناهيك بمن وصل إلى مداومة البقل والجبن واللبن في كل يوم بطريق الحج فما عساه يكون بعد ذلك وكان القاضي كريم الدين وأمير مجلس وعدة من الأمراء يترجلون عند النزول ويسيرون بين يدي محفتها ويقبلون الأرض لها كما يفعلون بالسلطان ثم حج بها الأمير بشتاك في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وكان الأمير تنكز إذا جهز من دمشق تقدمة للسلطان لأبدان يكون لخوند طغاي منها جزء وافر فلما مات السلطان الملك الناصر استمرت عظمتها من بعده إلى أن ماتت في شهر شوال سنة تسع وأربعين وسبعمائة أيام الوباء عن ألف جارية وثمانين خصيا وأموال كثيرة جدا وكانت عفيفة طاهرة كثيرة الخير والصدقات والمعروف جهزت سائر جواريها وجعلت على قبر ابنها بقبة المدرسة الناصرية بين القصرين قراء ووقفت على ذلك وقفا وجعلت من جملته خبزا يفرق على الفقراء ودفنت بهذه الخانكاه وهي من اعمر الأماكن إلى يومنا هذا انتهى كلامه.
يقول الحقير: إني دخلت هذه الخانكاه في أواخر القرن الماضي فوجدت بها روحانية لطيفة وبها مساكن وسكان قاطنون بها وفيهم أصحاب الوظائف مثل المؤذن والوقاد والكناس والملاء ودخلت إلى مدفن الواقفة وعلى قبرها
تركيبة من الرخام الأبيض وعند رأسها ختمة شريفة كبيرة على كرسي بخط جليل وهي مذهبة وعليها اسم الواقفة رحمها الله تعالى فلوان الشيخ المترجم عمر هذه الخانكاه بدل هذا الذي ارتكبه من تخريبها لكان له بذلك منقبة وذكر حسن في حياته وبعد مماته وبالله التوفيق وللمترجم طبقات جمعها في تراجم الفقهاء الشافعية المتقدمين والمتأخرين من أهل عصره ومن قبلهم من أهل القرن الثاني عشر نقل تراجم المقتدمين من طبقات السبكي والاسنوى وأما المتأخرون فنقلهم من تاريخنا هذا بالحرف الواحد واظن أن ذلك آخر تأليفاته وعمل تاريخا قبله مختصرا في نحو أربعة كراريس عند قدوم الوزير يوسف باشا إلى مصر وخروج الفرنساوية منها واهداه إليه عدد في ملوك مصر وذكر في آخره خروج الفرنسيس ودخول العثمانية في نحو ورقتين وهو في غاية البرود وغلط فيه غلطات منها أنه ذكر الاشرف شعبان ابن الأمير حسن بن الناصر محمد بن قلاوون فجعله ابن السلطان حسن ونحو ذلك ولم يزل المترجم حتى تعلل ومات في يوم الخميس ثاني شهر شوال من السنة وصلى عليه بالأزهر في جمع كثير ودفن بمدفنه الذي بناه لنفسه كما ذكر ووضعوا له تابوته المذكور عمامة كبيرة اكبر من طبيزيته التي كان يلبسها في حياته بكثير وعموها بشاش اخضر وعصبوها بشال كشميري أحمر ووقف شخص عند باب مقصورته وبيده مقرعة يدعو الناس لزيارته ويأخذ منهم دراهم ثم أن زوجته وابنها ومن يلوذ بهم ابتدعوا له مولدا وعيدا في أيام مولد العفيفي وكتبوا بذلك فرمانا من الباشا ونادى به تابع الشرطة بأسواق المدينة على الناس بالاجتماع والحضور لذلك المولد وكتبوا أوراقا ورسائل للأعيان وأصحاب المظاهر وغيرهم بالحضور وذبحوا ذبائح وأحضروا طباخين وفراشين مدوا اسمطة بها أنواع الاطعمة والحلاوات والمحمرات والخشافات لمن حضر من الفقهاء والمشايخ والأعيان وأرباب الاشارير والبدع ونصبوا قالبة تلك القبة صواري علقوا بها قناديل وبيارق وشراريب حمرا وصفرا يلوحها
الريح واجتمع حول ذلك من غوغاء الناس وعملوا قهاوي وبياعين الحلو والمخللات والترمس المملح والفول المقلي ودهسوا ما بتلك البقعة من قبور الاموات واوقدوا بها النيران وصبوا عليها والقاذورات مع مايلحقهم من البول والغائط وأما ضجة الاوباش والأولاد وصراخهم وفرقعتهم بالبارود وصياحهم وضجيجهم فقد شاهدنا به ما كنا نسمعه من عفاريت الترب وضرب المثل بهم فهم اقبح منهم فإن العفاريت الحقيقية لم نر لهم أفعالا مثل هذه.
ولما مات الشيخ المترجم ومضى على موته ثلاثة أيام اجتمع المشايخ في يوم الأحد خامسه وطلعوا إلى القعلة ودخلوا إلى الباشا وذكروا له موت المترجم ويستأذنوه فيمن يجعلونه شيخا على الأزهر فقال لهم الباشا: اعملوا رأيكم واختاروا شخصا يكون خاليا عن الاغراض وأنا اقلده ذلك فقاموا من مجلسه ونزلوا إلى بيوتهم واختلفت آراؤهم فالبعض اختار الشيخ المهدي والبعض ذكر الشيخ محمد الشنواني وأما الشيخ محمد الأمير فانه امتنع من ذلك وكذلك ابن الشيخ العروسي والشيخ الشنواني المذكور منعزل عنهم وليس له درس بالأزهر ويقرأ دروسه بجامع الفاكهاني الذي في العقادين وبيده وظائف خدم الجامع وعند فراغه من الدروس يغير ثيابه ويكنس المسجد ويغسل القناديل ويعمرها بالزيت والفتائل حتى يكنس المراحيض فلما بلغه أنهم ذكروه تغيب ثم أن الباشا أمر القاضي وهو بهجة أفندي بأن يجمع المشايخ عنده ويتفقوا على شخص يجتمع رأيهم عليه بالشرط المذكور فأرسل إليهم القاضي وجمعهم وذلك في يوم الثلاثاء سابعه وحضر فقهاء الشافعية مثل القويسني والفضالي وكثير من المجاورين والشوام والمغاربة فسأل القاضي هل بقي أحد فقالوا: لم يكن أحد غائبا عن الحضور إلا ابن العروسي والهيثمي والشنواني فأرسلوا إليهم فحضر العروسي والهيثمي فقال: واين الشنواني فلا بد من حضوره فأرسلوا رسولا فغاب ورجع وبيده ورقة ويقول الرسول: إنه له ثلاثة
ايام غائبا عن داره وترك هذه الورقة عند أهله وقال: إن طلبوني اعطوهم هذه الورقة فأخذها القاضي وقرأها جهارا يقول فيها: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم لحضرة شيخ الإسلام اننا نزلنا عن المشيخة للشيخ بدوي الهيثمي إلى آخر ما قال فعندما سمع الحاضرون ذلك القول قاموا قومة وأكثرهم طائفة الشوام وقال بعضهم: هو لم يثبت له مشيخة حتى أنه ينزل عنها لغيره وقال: كبارهم من المدرسين لا يكون شيخا إلا من يدرس العلوم ويفيد الطلبة وزادوا في اللغط فقال القاضي: ومن الذي ترضونه فقالوا: نرضى الشيخ المهدي وكذلك قال البقية: وقاموا وصافحوه وقراوا الفاتحة وكتب القاضي اعلاما إلى الباشا بما يحصل وانفض الجمع وركب الشيخ المهدي إلى بيته في كبكبة وحوله وخلفه المشايخ وطوائف المجاورين وشربوا الشربات واقبلت عليه الناس للتهنئة وانتظر جواب الاعلام بقية ذلك اليوم فلم يأت الجواب ومضى اليوم الثاني والمدبرون يدبرون شغلهم وأحضروا الشيخ الشنواني من المكان الذي كان متغيبا فيه بمصر القديمة وتمموا شغلهم وأحضروا السيد منصور اليافاوي المنفصل عن مشيخة الشوام ليلا ليعيدوه إلى مشيخة الشوام ويمنعوا الشيخ قاسما المتولي فعالة ولطائفته الذين تطاولوا في مجلس القاضي بالكلام وجمعوا بقية المشايخ آخر الليل وركبوا في الصباح إلى القلعة فقابلوا الباشا فخلع على الشيخ محمد الشنواني فروة سمور وجعله شيخا على الأزهر وكذلك على السيد منصور اليافاوي ليكون شيخا على رواق الشوام كما كان في السابق ثم نزلوا وركبوا وصحبتهم آغات الينكجرية بهيئة الموكب وعلى راسه المجوزة الكبيرة وإمامه الملازمون بالبراقع والريش على روؤسهم وما زالوا سائرين حتى دخلوا حارة خوشقدم فنزلوا بدار ابن الزليجي لأن دار ذات الشيخ الشنواني صغيرة وضيقة لا تسع ذلك الجمع والذي انزله في ذلك المنزل السيد محمد المحروقي وقام له بجميع الاحتياجات وأرسل من الليل الطباخين
والفراشين والاغنام والأرز والحطب والسمن والعسل والسكر والقهوة واوقف عبيده وخدمه لخدمة القادمين للسلام والتهنئة ومناولة القهوة والشربات والبخور وماء الورد وازدحمت الناس عليه واتوا أفواجا إليه وكان ذك يوم الثلاثاء رابع عشره ووصل الخبر إلى الشيخ المهدي ومن معه وحصل لهم كسوف وبطلت مشيخته ولما كان يوم الجمعة حضر الشيخ الجديد إلى الأزهر وصلى الجمعة وحضر باقي المشايخ وعملوا الختم للشيخ الشرقاوي وحصل ازدحام عظيم وخصوصا للتفرج على الشيخ الجديد وكأنه لم يكن طول دهره بينهم ولايلتفتون إليه وبعد فراغ الختم انشد المنشد قصيدة يرثي بها المتوفي من نظم الشيخ عبد الله العدوي المعروف بالقاضي وانفض الجمع.
ومات الأستاذ المكرم بقية السلف الصالحين ونتيجة الخلف المعتقد الشيخ محمد المنكى ابا السعود ابن الشيخ محمد جلال بن الشيخ محمد أفندي المكنى بأبي المكارم بن السيد عبد المنعم بن السيد محمد المكنى بأبي السرور صاحب الترجمة بن السيد القطب الملقب بابي السرور البكري الصديقي العمري من جهة الام تولى خلافة سجادتهم في سنة سبع عشرة ومائتين وألف عندما عزل ابن عمه السيد خليل البكري ولم تكن الخلافة في فرعهم بل كانت في أولاد الشيخ أحمد بن عبد المنعم وآخرهم السيد خليل المذكور فلما حضرت العثمانية إلى مصر واستقر في ولايتها محمد باشا خسروا سعي في السيد خليل الكارهون له وانهوا إليه فيه ورموه بالقبائح ومنها تداخله في الفرنسيس وامتزاجه بهم وعزلوه من نقابة الاشراف وردت للسيد عمر مكرم ولم يكتفوا بذلك وذكروا أنه لا يصلح لخلافة البكرية فقال الباشا: وهل موجود في أولادهم خلافة قالوا: نعم وذكروا المترجم فيمن ذكروه وأنه قد طعن في السن وفقير من المال فقال الباشا: الفقر لا ينفي النسب وأمر له بفرس وسرج وعباءة كعادة مركوبهم فأحضروه هـ والبسوه التاج والفرجية وخلع عليه الباشا فروة سمور وأنعم
عليه بخمسة أكياس وأن يأخذ له فائظا في بعض الاقطاعات ويعفى من الحلوان وسكن بدار جهة باب الخرق وراج أمره واشتهر ذكره من حينئذ وسار سيرا حسنا مقرونا بالكمال جاريا على نسق نظامهم بحسب الحال ويتحاكم لديه خلفاء الطرائق الصورية وأصحاب الاشاير البدعية كالاحمدية الرفاعية والبرهامية والقادرية فيفصل قوانينهم العادية وينتقل في أوائل شهر ربيع الأول إلى داره بالازبكية بدرب عبد الحق فيعمل هناك وليمة المولد النبوي على العادة وكذلك مولد المعراج في شهر رجب بزاوية الدشطوطي خارج باب العدوى ولم يزل على حالته وطريقته مع انكسار النفس إلى أن ضعفت قواه وتعلل ولازم الفراش فعند ذلك طلب الشيخ الشنواني وباقي المشايخ وعرفهم أن مرضه الذي هو به مرض الموت لأنه بلغ التسعين وزيادة وأنه عهد بالخلافة على سجادتهم لولده السيد محمد لأنه بالغ رشيد والتمس منهم بأن يركبوا معه من الغد ويطلعوا إلى القلعة ويقابلوا به الباشا فأجابوه إلى ذلك وركبوا من الغد صحبته إلى القعلة فخلع عليه الباشا فروة سمور ونزل على داره بالازبكية بدرب عبد الحق وتوفي المترجم في أواخر شهر شوال من السنة وحضروا بجنازته إلى الأزهر فصلوا عليه وذهبوا به إلى القرافة ودفن بمشهد اسلافهم رحمه الله تعالى.
ومات الأجل المكرم المذهب في نفسه النادرة في ابناء جنسه محمد أفندي الودنلي الذي عرف بناظر المهمات ويعرف أيضا بطبل أي الاعرج لأنه كان به عرج قدم إلى مصر في أيام قدوم الوزير يوسف باشا وولاه محمد باشا خسرو كشوفية اسيوط ثم رجع إلى مصر في ولاية محمد علي باشا فجعله ناظرا على مهمات الدولة وسكن ببيت سليمان أفندي ميسوا بعطفة أبي كلبة بناحية الدرب الاحمر فتقيد بعمل الخيام والسروج واليرقات ولوازم الحروب فضاقت عليه الدار فاشترى بيت ابن الدالي باللبودية بالقرب من قنطرة عمر شاه وهي دار واسعة عظيمة متخربة هي
وما حولها من الدور والرباع والحوانيت فعمرها وسكن بها ورتب بها ورشات أرباب الأشغال والصنائع والمهمات المتعلقة بالدولة كسبك المدافع والجلل والقنابر والمكاحل والعربات وغير ذلك من الخيام والسروج ومصاريف طوائف العساكر الطبجية والعربجية والرماة وعمر ماحول تلك الدار من الرباع والحوانيت والمسجد الذي بجواره ومكتبا لاقراء الأطفال ورتب تدريسا في المسجد المذكور بعد العصر وقرر فيه السيد أحمد الطحطاوي الحنفي ومعه عشرة من الطلبة ورتب لهم ألف عثماني تصرف لهم من الروزنامة وللأطفال وكسوتهم خلاف ذلك ويشتري في عيد الاضحى جواميس وكباشا يذبح منها ويفرق على الفقراء والموظفين ويرسل إلى أصحابه عدة كباش في عيد الاضحية إلى بيوتهم الكبش والكبشين على قدر مقاديرهم ويرسل في كل ليلة من ليالي رمضان عدة قصاع مملوءة بالثريد واللحم إلى الفقراء بالجامع الأزهر واتفق أن الباشا قصد تعمير المجراة والسواقي التي تنقل الماء من النيل إلى القلعة وكانت قد تهدمت وتخربت وتلاشت وبطل عملها مدة سنين فأحضروا المعمارجية فهولوا عليه أمرها وأخبروه أنها تحتاج خمسمائة كيس تنفق في عمارتها فعرض ذلك على المترجم فقال له: أنا اعمرها بمائة كيس قال: كيف تقول قال: بل بثمانين كيسا والتزم بذلك ثم شرع في عمارتها حتى اتمها على ماهي عليه الآن واهدى إليه رجال دولتهم عدة انوار معونة له فعمر أيضا سواقيها وادارها وجرى فيها الماء إلى القلعة ونواحيها وانتفع بها أهل تلك الجهات ورخص الماء وكثر في تلك الاخطاط وكانوا قاسوا شدة من عدم الماء عدة سنين ومما عد من مناقبه أن القلقات المقيدين بالمراكز وأبواب المدينة كانوا يأخذون من الواردين والداخلين والخارجين والمسافرين من الفلاحين وغيرهم ومعهم أشياء أو أحمال ولو حطبا أو برسيما أو تبنا أو سرجينا دراهم على كل شيء ولو امراة فقيرة معها أو على رأسها مقطف من رجيع البهائم تبيعه في الشارع وتقتات بثمنه فيحجزونها ولا يدعونها تمر حتى تدفع لهم
نصف فضة ثم يأخذون أيضا من ذلك الشيء ويأخذون على كل حمل حمار أو بغل أو جمل نصف فضة وإذا اشترى شخص من ساحل بولاق أو مصر القديمة اردب غلة أو حملة حطب لعياله أخذ منه المتقيدون عند قنطرة الليمون فإذا خلص منهم استقبله الكائنون بالباب الحديد وهكذا سائر الطرق التي يدخل منها المارة إلى المدينة ويخرجون مثل باب النصر وباب الفتوح وباب الشعرية وباب العدوى وطرق الازبكية وباب القرافة والبرقية وطرق مصر القديمة فسعى المترجم بإبطال ذلك وتكلم مع الباشا وعرفه تضرر الناس وخصوصا الفقراء وهؤلاء المتقيدون لهم علائف يقبضونها من الباشا كغيرهم وهذا قدر زائد فرخص له في ابطال هذا الأمر وكتب له بيورلدى بمنع هؤلاء المركوزين عن أخذ شيء من الناس جملة كافية وقيد بكل مركز شخصا من اتباعه لمراقبتهم واشاع ذلك في الناس فانكفوا وامتنعوا عن أخذ شيءمن عامة الناس وكانوا يجمعون من ذلك مقادير من الفضة العددية يتقاسمونها آخر النهار وذلك خلاف ما يأخذونه من الأشياء المحمولة كالجبن والزبد والخيار والقثاء وأنواع البطيخ والفاكهة والبرسيم والاحطاب والخضارات وغير ذلك ومن مناقبه أيضا أن الجاويشية والقواسة الاتراك المختصين بخدمة الباشا والكتخدا كان من عوائدهم القبيحة أنهم في كل يوم جمعة يلبسون احسن ملابسهم وينتشرون بالمدينة ويطوفون على بيوت الأعيان وأرباب المظاهر وأصحاب المناصب ويأخذون منهم البقاشيش ويسمونها الجمعية فما هو إلا أن يصطبح أحد من ذكر ويجلس مجلسه إلا واثنان أو ثلاثة عابرون عليه من غير استئذان فيقفون قبالته وبأيديهم العصي المفضضة فيعطيهم القرشين أو الثلاثة بحسب منصبه ومقامه فإذا ذهبوا وانصرفوا حضر إليه خلافهم وهكذا ولا يرون في ذلك ثقلا ولا رذالة بل يرون أن ذلك من اللازمات الواجبة فلا يكفي أحد المقصودين الخمسون قرشا أو أقل أو أكثر في ذلك اليوم تذهب سبهللا فكان منهم من ينقطع في حريمه ذلك اليوم أو يتوارى ويتغيب عن منزله
يخرجونه بعد ذلك ويبردخونه ويصبغونه بأنواع الاصباغ ويضعونه في مكبس كبير يقال له التخت: صنعه لذلك وعند ذلك يتم عمله فكان الناس يذهبون للتفرج على ذلك لغرابته عندهم ثم حضر إليه شخص فرنساوي واشار عليه بإشارات في تغيير المدقات وافسد العمل واشتغل هو بكثرة المهمات فتكاسل عن اعادتها ثانيا وبطل ذلك وكان مع كثرة اشغاله ومصاريفه ليس كاتب بل يكتب ويحسب لنفسه وبين يديه عدة دفاتر لكل شيء دفتر مخصوص ولا يشغله شيء عن شيء ولما اتسعت دائرته وكثرت حاشيته واجتمعت فيه عدة مناصب مضافة لنظر المهمات مثل معمل البارود وقاعة الفضة ومدابغ الجلود وغير ذلك فكان كتخدا بك يحقد عليه في الباطن لأمور بينهما حتى قيل أن نفسه طمحت في الكتخدائية فكان يتصدر في الأمور والقضايا ويرافع ويدافع ويهزل مع الباشا ويضاحكه ويرادده ويدخل عليه من غير استئذان فلم يزل الكتخدا يلقي فيه الدسائس ويعمل معدل الاشغال التي تحت نظره ويعرف الباشا بما يتوفر من ذلك حتى نزعه من نظارة جميع المهمات وقلدها صالح كتخدا الرزاز.
ومما نقمه عليه أن الكتخدا حضر لزيارة المشهد الحسيني في عصرية يوم من رمضان ثم ركب متوجها إلى داره قبيل الغروب فصادف في طريقه عدة قصاع كبار مغطاءة تحملها الرجال فسأل عنها فعرفوه أن المترجم يرسلها في كل ليلة من ليالي رمضان إلى فقراء الجامع الأزهر وبها الثريد واللحم فامتعض من ذلك وعرف الباشا أنه يؤلف الناس ويتوادد إليهم بأموالك ونحو ذلك واستمر المترجم بطالا نحو السنتين ولم يتضعضع ولم يظهر عليه تغير ونظامه ومطبخه على حاله وطعامه مبذول وراتبه جار وفي تلك المدة اشتغل بمطالعة الكتب والممارسة والمدارسة وعانى الحسابيات وصناعة التقويم حتى مهر في ذلك وعمل الدستور السنوي وما يشتمل عليه من تقويم الكواكب السيارة وتداخل التواريخ والاهلة والاجتماعات
والاستقبالات وطوالع التحاويل والنصبات ويصنع بيده أيضا الصنائع الفائقة مثل الظروف التي تاتي من بلاد الهند والافرنج والروم ويضع فيها الكتبة محاربهم واقلامهم فيصنعها أولا من الخشب الرقيق والقرطاس المقوم المتلاصق ويصبغها وينقشها بأنواع الليق ويعيد على النقوشات بالسندروس المحلول ويضعها في صندوق من الزجاج صنعه لخصوص تلك الأشياء والقبورات وجفاف دهانها بحرارة الشمس المحجوب بالزجاج عن الهواء والغبار وعند تمامها تكون في غاية الحسن والظرافة والبهجة بحيث ر يشك من يراها بأنها من صناعة الهند أو الافرنج المتقنين الصناعة وكان كلما سمع بشخص ذي معرفة لصناعة من الصنائع أو المعارف اجتهد في تحصيلها وتلقيها عنه بأي وجه كان ولو ببذل الرغائب واعد بمنزله أماكن لأشخاص من أرباب المعارف ينزلهم فيها ويجري عليهم النفقات والكساوي حتى يجتني ثمار معارفهم وصنائعهم ويجتمع عنده في كل ليلة جمعة جماعة من القراء التي مسكانهم قريبة من داره فيذكر الله معهم حصة من الليل ثم يفرق فيهم دراهم ولما طال به الاهمال وفتور الأحوال والباشا قليل الإقامة بمصر وأكثر أيامه غائب عنها فحسن بباله الرحلة من مصر إلى الديار الرومية ويذهب إلى بلاده فأستاذن الباشا عند وداعه وهو متوجه إلى ناحية قبلي فأذن له وأخذ في أسباب السفر فأرسل الكتخدا إلى الباشا ودس إليه كلاما فأرسل بمنعه ويرتب له خروجا لمطبخه فتعوق عن السفر على غير خاطره وفي أوائل السنة حضرت إليه والدته وابنته وزوجها فانزلهم في دار تجاه داره واجرى عليهم ما يحتاجون إليه من النفقة فاتفق أن صهره المذكور حلف يمينا بالطلاق الثلاث وحنث فيه ففرق بينه وبين ابنته وطرده فشكاه إلى كتخدا بك فكلمه في شانه فلم يقبل وقال: لا يجوز أن حلل المحرم لاجلك واستمر صهره يتردد على الكتخدا ويلقي ما يلقيه في حقه من النميمة ويذكر له عنه في حقه ما يزيده غيضا وكراهة ويقول له: إنه يجمع اناسا في كل ليلة جمعة يقرأون ويدعون عليك وعلى
مخدومك وذكر له أنه يقول لكم: إن قصده السفر إلى بلده وإنما قصده السفر إلى إسلامبول ليجتمع على مخدومه الأول لكونه تولى قبودان باشا ورياسة الدونانمة ويقول: عندما اكون بدار السلطنة افعل وافعل وأخبرهم بحقيقة هؤلاء وافاعيلهم وانقض عليهم امرهم وذكر له أيضا أنه استخرج من احكام النجوم التي يعانيها أن الباشا يحصل له نكبة بعد مدة عربيه ويحصل ما يحصل من الفتن فيريد الخروج من مصر قبل وقوع ذلك ونحو ذلك فلما رجع الباشا من سفرته توسل المنرجم بالكتخدا في أن يأخذ له اذنا من الباشا بالسفر وهو لا يعلم سريرته ففاوض الباشا في ذلك والقى إليه ما القاه حتى اوغر صدره منه ثم رد عليه بقوله إني أستاذنت الباشا فلم يسهل به مفارقتك وقال: إن كان عن ضيق في المعيشة فأطلق له في كل شهر كيسين عنها أربعون ألف نصف فضة فلما قال له ذلك قال: أنا لا يكفيني هذا المقدار فان كان فيطلق لي خمسة أكياس فقال: لم يرض بأزيد مما ذكرته لك وكل ذلك مخادعة من الكتخدا ليحقق ما حشده في صدر مخدومه وما زال يتردد في طلب الاذن حتى اذن له واضمر له القتل بعد خروجه من مصر فعند ذلك باع داره وما استجده حولها والبستان خارج قناطر السباع وما زاد عن حاجته من الأشياء والامتعة واشترى عبيدا وجواري وقضى لوازمه وسافر إلى رشيد فعندما مضى من نزوله يومان أو ثلاثة كتبوا إلى خليل بك حاكم الاسكندرية مرسوما بقتله فبلغه خبر ذلك وهو بثغر رشيد فلم يصدقه وقال: اي ذنب استوجب به القتل ولو أراد قتلي ما الذي يمنعه منه وأنا عنده بمصر وأنا سافرت بإذنه وودعته وقبلت يديه وطرفه وأخذت خاطره وهو مبشوش معى كعادته فلما حصل بالاسكندرية واستقر بالسفينة ومضى أيام وهم ينتظرون اعتدال الريح والاذن من الحاكم بالاقلاع ووصل المرسوم إلى خليل بك فأرسل إليه في وقت يدعوه ليتغدى معه في رأس التين ونظر إلى خليل بك وهو واقف في انتظاره على بعد منه فوق علوة فاجاب وخرج