المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المرتبة الرابعة قول مطلق الصحابي - إجمال الإصابة في أقوال الصحابة

[صلاح الدين العلائي]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة الْمُؤلف

- ‌الطّرف الاول قَول الصَّحَابِيّ اذا اشْتهر بَينهم جَمِيعًا وَلم ينكروه

- ‌تَرْجِيح

- ‌ادلة الاقوال الْمُتَقَدّمَة

- ‌مَرَاتِب الْإِجْمَاع السكوتي

- ‌الطّرف الثَّانِي قَول الصَّحَابِيّ إِذا طلع عَلَيْهِ غَيره وَلم يعلم انتشاره بَينهم جمعيهم

- ‌الطّرف الثَّالِث قَول الصَّحَابِيّ إِذا لم يشْتَهر وَلم يُخَالِفهُ غَيره

- ‌الْمقَام الأول

- ‌الْمقَام الثَّانِي

- ‌أَدِلَّة الْأَقْوَال الْمُتَقَدّمَة

- ‌الْمرتبَة الأولى اتِّفَاق الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة

- ‌الْمرتبَة الثَّانِيَة اتِّفَاق أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما

- ‌الْمرتبَة الثَّالِثَة فِي قَوْله كل وَاحِد من الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة إِذا انْفَرد

- ‌الْمرتبَة الرَّابِعَة قَول مُطلق الصَّحَابِيّ

- ‌الْمرتبَة الْخَامِسَة قَول الصَّحَابِيّ إِذا خَالف الْقيَاس

- ‌قَول الصَّحَابِيّ إِذا اعتضد بِالْقِيَاسِ

- ‌الطّرف الرَّابِع أَن يخْتَلف الصَّحَابَة فِي الحكم على قَوْلَيْنِ فَأكْثر

- ‌قَول الصَّحَابِيّ الْمُخَالف للْحَدِيث

- ‌الْقسم الأول التَّخْصِيص بقول الصَّحَابِيّ

- ‌فَائِدَة نذنب بهَا مَا تقدم

الفصل: ‌المرتبة الرابعة قول مطلق الصحابي

وَكَانَ عمر رضي الله عنه يَقُول أعوذ بِاللَّه من معضلة لَيْسَ لَهَا أَبُو حسن يَعْنِي عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَقَالَ عبد الله بن أبي يزِيد كَانَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما إِذا سُئِلَ عَن شَيْء وَكَانَ فِي كتاب الله قَالَ بِهِ فَإِن لم يكن فِي كتاب الله وَكَانَ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَيْء قَالَ بِهِ فَإِن لم يكن عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيهِ شَيْء قَالَ بِمَا قَالَ بِهِ أَبُو بكر وَعمر رضي الله عنهما

وَقَالَ عِكْرِمَة كَانَ ابْن عَبَّاس إِذا بلغه شَيْء تكلم بِهِ عَليّ رضي الله عنه من فتيا أَو قَضَاء لم يتجاوزه إِلَى غَيره والْآثَار فِي هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة وَفِيمَا ذكر مِنْهَا كِفَايَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

‌الْمرتبَة الرَّابِعَة قَول مُطلق الصَّحَابِيّ

وَاحْتج الْقَائِلُونَ بِأَن قَول مُطلق الصَّحَابَة حجَّة بِوُجُوه كَثِيرَة وغالبها لَا يسلم من الِاعْتِرَاض

الْوَجْه الأول قَوْله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر} وَهُوَ خطاب مشافهة يخْتَص بالصحابة فِيمَا يأمرون بِهِ وَينْهَوْنَ عَنهُ فَيكون كل مَا أمروا بِهِ مَعْرُوفا وَمَا

ص: 56

نهوا عَنهُ مُنْكرا فَيكون الْأَخْذ بقَوْلهمْ أَو مَذْهَبهم وَاجِبا لِأَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَاجِب الْقبُول وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَاجِب الِامْتِثَال

وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن الْخطاب وَإِن كَانَ مشافهة فَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى جَمِيع الْأمة إِلَى آخر الزَّمَان فَلَا يخْتَص بالصحابة وَإِن سلم اختصاصهم فَهُوَ إِنَّمَا يدل على أَن إِجْمَاعهم حجَّة لَا على أَن قَول الْوَاحِد أَو مذهبَة حجَّة

وَيُمكن الْجَواب عَن هَذَا الثَّانِي بِأَن وَصفهم بذلك أَعم من أَن يكون ذَلِك صدر من الْجَمِيع أَو من وَاحِد مِنْهُم فتندرج هَذِه الصُّورَة فِي الْآيَة لَا سِيمَا والاتفاق على أَن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لَا يتَوَقَّف على إِجْمَاع الْكل على فعله بل كل وَاحِد مُخَاطب بِالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بمفرده وَيجب عَلَيْهِ الْقيام بِهِ وَإِن لم يساعده غَيره وَأما الِاعْتِرَاض الأول فَهُوَ قوي

الْوَجْه الثَّانِي ثَنَاء الله تَعَالَى عَلَيْهِم كَقَوْلِه تَعَالَى {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} وَقَوله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ} وَمن كَانَ مرضيا عَنهُ كَيفَ لَا يقْتَدى بِفِعْلِهِ وَيتبع فِي قَوْله

ص: 57

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه} الْآيَة وَكَذَلِكَ قَوْله النَّبِي صلى الله عليه وسلم خير النَّاس قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ الحَدِيث

وَقَوله صلى الله عليه وسلم إِن الله اختارني وَاخْتَارَ لي أصحابا فجعلهم وزراء وأنصارا الحَدِيث وَإِسْنَاده حسن إِلَى غير ذَلِك من الْأَحَادِيث المشبهة لَهُ

وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن مَضْمُون الْجَمِيع الثَّنَاء عَلَيْهِم ووصفهم بِمَا اختصهم الله بِهِ من الْكَرَامَة وَلَا يلْزم أَن تكون أَقْوَالهم حجَّة بل يحْتَاج ذَلِك إِلَى دَلِيل يَخُصُّهُ

الْوَجْه الثَّالِث قَوْله صلى الله عليه وسلم أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ وَهَذَا مِمَّا أطبق عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وأئمة الْأُصُول على ذكره إِمَّا للإحتجاج بِهِ وَإِمَّا من جِهَة من يَقُول بذلك ثمَّ يعْتَرض على وَجه دلَالَته وَكَأن الحَدِيث صَحَّ وَلَا بُد

وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ لم يخرج فِي الْكتب السِّتَّة وَلَا فِي المسانيد الْكِبَار وَقد رُوِيَ من طرق فِي كلهَا مقَال

أَحدهَا مَا روى نعيم بن حَمَّاد عَن عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي عَن أَبِيه عَن سعيد بن الْمسيب عَن عمر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَأَلت رَبِّي فِيمَا اخْتلفت فِيهِ أَصْحَابِي من بعدِي فَأوحى الله إِلَيّ يَا مُحَمَّد إِن أَصْحَابك عِنْدِي بِمَنْزِلَة النُّجُوم فِي السَّمَاء بَعْضهَا أَضْوَأ من بعض فَمن أَخذ بِشَيْء مِمَّا هم عَلَيْهِ فَهُوَ عِنْدِي على هدى

ص: 58

وَعبد الرَّحِيم بن زيد هَذَا قَالَ فِيهِ يحيى بن معِين كَذَّاب وَقَالَ مرّة لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ أَبُو زرْعَة واهي الحَدِيث وَقَالَ البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم تَرَكُوهُ وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره مَتْرُوك وَقَالَ الْجوزجَاني لَيْسَ بِثِقَة وَالْكل متفقون على نَحْو هَذَا فِيهِ فَلَا عِبْرَة بِهَذَا الطَّرِيق

وَثَانِيها مَا روى عبد بن حميد أَخْبرنِي أَحْمد بن يُونُس ثَنَا أَبُو شهَاب عَن حَمْزَة بن أبي حَمْزَة الْجَزرِي عَن نَافِع عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مثل أَصْحَابِي مثل النُّجُوم يهتدى بهَا فَأَيهمْ أَخَذْتُم بقوله اهْتَدَيْتُمْ وَحَمْزَة الْجَزرِي هَذَا قَالَ فِيهِ ابْن معِين لَا يُسَاوِي فلسًا وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك وَقَالَ ابْن عدي عَامَّة رواياته مَوْضُوعَة وَثَالِثهَا

رَوَاهُ عبد الله بن روح الْمَدَائِنِي ثَنَا سَلام بن سُلَيْمَان ثَنَا الْحَارِث ابْن غصين عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل أَصْحَابِي فِي أمتِي مثل النُّجُوم بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ وَهَذَا السَّنَد أمثل من اللَّذين قبله فَإِن سَلام بن سُلَيْمَان هَذَا وثقة الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن مزِيد وَلَكِن قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ الْعقيلِيّ وَفِي حَدِيثه مَنَاكِير وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي هُوَ عِنْدِي مُنكر الحَدِيث وَعَامة مَا يرويهِ حسان إِلَّا أَنه لَا يُتَابع عَلَيْهِ

قلت وَشَيْخه الْحَارِث بن غصين لم أجد من ذكره بتوثيق وَلَا جرح فَهُوَ مَجْهُول ثمَّ الحَدِيث شَاذ بِمرَّة لكَونه من رِوَايَة الْأَعْمَش وَهُوَ مِمَّن يجمع حَدِيثه وَلم يجىء إِلَّا من هَذِه الطَّرِيق وَلَا يحْتَمل من راوية الِانْفِرَاد بِمثلِهِ فَهُوَ شَاذ أَو مُنكر كَمَا هُوَ مُقَرر فِي مَوْضِعه

ص: 59

وَرَابِعهَا مَا رَوَاهُ عَمْرو بن هَاشم البروقي عَن سُلَيْمَان بن أبي كَرِيمَة عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مهما أُوتِيتُمْ من كتاب الله فَالْعَمَل بِهِ وَلَا عذر لأحد فِي تَركه فَإِن لم يكن فِي كتاب الله فَسنة مني مَاضِيَة فَإِن لم يكن سنة مني فَمَا قَالَ أَصْحَابِي إِن أَصْحَابِي بِمَنْزِلَة النُّجُوم فِي السَّمَاء فأيما أَخَذْتُم بِهِ اهْتَدَيْتُمْ وَاخْتِلَاف أَصْحَابِي لكم رَحْمَة وجويبر هُوَ ابْن سعيد الْمُفَسّر مُتَّفق على ضعفه أَيْضا قَالَ فِيهِ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك وَقَالَ النَّسَائِيّ والداقطني مَتْرُوك وَقَالَ الْجوزجَاني لَا يسْتَقلّ بِهِ

قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث مَتنه مَشْهُور وَأَسَانِيده ضَعِيفَة لم يثبت فِي هَذَا إِسْنَاد

قلت وَفِي كَلَام عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ مَا يَقْتَضِي تقويته وَلَكِن الِاعْتِمَاد على أسانيده وَهِي واهية كلهَا بَينا مَعَ نَص جمَاعَة من الْأَئِمَّة على أَنه لم يثبت مِنْهَا شَيْء

وَوجه الدّلَالَة مِنْهُ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم جعل الِاقْتِدَاء لَازِما للاهتداء بِأَيّ وَاحِد مِنْهُم كَانَ وَذَلِكَ يدل على أَنه حجَّة وَإِلَّا لفرق بَين الْمُصِيب وَغير الْمُصِيب فَإِن الِاقْتِدَاء بِغَيْر الْمُصِيب لَيْسَ اهتداء

وَبِهَذَا التَّقْرِير يخرج الْجَواب عَمَّن يَقُول إِنَّمَا دلّ الحَدِيث على أَن الِاقْتِدَاء بهم موصل إِلَى الله تَعَالَى وَهَذَا أَمر مجمع عَلَيْهِ فِي حَقهم وَحقّ غَيرهم من الْمُجْتَهدين وَكلهمْ طرق إِلَى الله تَعَالَى وَإِن تفاوتت مَرَاتِبهمْ فَكَمَا أَن قَول غَيرهم لَيْسَ بِحجَّة كَذَلِك قَوْلهم وَفَائِدَة التَّنْصِيص عَلَيْهِم التشريف وَأَنَّهُمْ أولى بذلك من غَيرهم وَلَا يلْزم من كَون تقليدهم هِدَايَة أَن يكون مدْركا

ص: 60

للمجتهدين إِذا سلم عَن الْمعَارض

وَيُجَاب عَن هَذَا أَيْضا بِأَن تَرْتِيب الحكم على الْوَصْف الْمُشْتَقّ يشْعر بالعلية فَيظْهر اخْتِصَاص هَذَا حكم بالصحابة رضي الله عنهم وَحِينَئِذٍ فَلَا يرد مَا ذَكرُوهُ وَيلْزم أَن يكون ذَلِك لحجيته لَا لكَوْنهم مجتهدين فَقَط وترتيب هَذَا الحكم على هَذَا الْوَصْف يَقْتَضِي سلبه عَن غَيرهم لفَوَات الْوَصْف الْمُرَتّب عَلَيْهِم فيهم

وَاعْترض عَلَيْهِ أَيْضا بِأَنَّهُ لَا دَلِيل فِيهِ على الْعُمُوم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الاهتداء فِي كل مَا يَقْتَدِي بِهِ وعَلى هَذَا فَيمكن حمله على الِاقْتِدَاء بهم فِيمَا يَرْوُونَهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيَكْفِي ذَلِك فِي مَدْلُول اللَّفْظ

وَجَوَابه مَا تقدم أَيْضا من أَن تَرْتِيب الحكم على الْوَصْف يشْعر بعليته لذَلِك الحكم فَيلْزم فِي كل اقْتِدَاء لَا سِيمَا مَعَ عُمُوم لفظ أَي الَّذِي هُوَ شَامِل لكل الصَّحَابَة وَأما الْحمل على الرِّوَايَة فضعيف لِأَن ذَلِك لَا يُسمى اقْتِدَاء

وَالَّذِي يتَوَجَّه على دلَالَة الحَدِيث أَن الْخطاب فِيهِ مشافهة فَلَا بُد وَأَن يكون من عاصر النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَاخِلا فِي ذَلِك وَحِينَئِذٍ فَيكون الْخطاب للعوام من الصَّحَابَة وَيكون لفظ أَصْحَابِي لَيْسَ على عُمُومه بل خَاصّا بالمجتهدين

ص: 61

وَالْفُقَهَاء مِنْهُم كَمَا قَالَه العالمي من الْحَنَفِيَّة وَهُوَ قوي

وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا تنصيصه صلى الله عليه وسلم على تفَاوت مَرَاتِبهمْ فِي الْعُلُوم كالحديث الَّذِي أخرجه التِّرْمِذِيّ عَن أنس رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أرأف أمتِي بأمتي أَبُو بكر وأشدها فِي دين الله عمر وأصدقهم حَيَاء عُثْمَان وأقضاهم عَليّ وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل وأفرضهم زيد بن ثَابت وأقرؤهم أبي بن كَعْب وَلكُل قوم أَمِين وَأمين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح رضي الله عنهم وَإِسْنَاده حسن وَقد أعل بَعضهم لصححه

وَكَذَلِكَ تنصيصه صلى الله عليه وسلم على أَخذ الْقُرْآن من أَرْبَعَة عبد الله بن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ

وَعند التِّرْمِذِيّ أَيْضا أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر واهتدوا بِهَدي عمار وتمسكوا بِعَهْد ابْن أم عبد يَعْنِي عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنهم

وبهذه الطَّرِيق أَعنِي تَخْصِيص القَوْل بذلك بالمجتهدين من الصَّحَابَة يحصل الِانْفِصَال عَن كثير من الاعتراضات الْوَارِد فَظَاهر كَلَام أَحْمد بن حَنْبَل يَقْتَضِيهِ فَإِنَّهُ لم يَأْخُذ بِحَدِيث عَمْرو بن سَلمَة الْجرْمِي فِي إِمَامَته قومه وَهُوَ صبي وَأَشَارَ إِلَى أَنهم أَعْرَاب فِي باديتهم فَلم يحْتَج بفعلهم

الْوَجْه الرَّابِع من أَدِلَّة الْقَائِلين بِأَن مَذْهَب الصَّحَابِيّ حجَّة ادِّعَاء

ص: 62

الْإِجْمَاع فِي ذَلِك من جِهَة أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بَايع عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه بِشَرْط الِاقْتِدَاء بالشيخين بَعْدَمَا ذكر الْكتاب وَالسّنة أَولا فَقبل ذَلِك مِنْهُ وَكَانَ بِمحضر الصَّحَابَة وَلم ينكروا عَلَيْهِ فَكَانَ إِجْمَاعًا

وَاعْترض عَلَيْهِ بَان المُرَاد بِهِ الِاقْتِدَاء بهما فِي سيرتهما وعدلهما وَنَحْو ذَلِك لَا على أَن قَوْلهمَا حجَّة يلْزم اتباعها لِأَن مَذْهَب الصَّحَابِيّ لَيْسَ حجَّة على صَحَابِيّ آخر اتِّفَاقًا لَا سِيمَا فِي الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بَعضهم مَعَ بعض

وَيدل لهَذَا الْحمل أَيْضا أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لما عرض ذَلِك أَولا على عَليّ رضي الله عنه لم يقبل وَقبل مِنْهُ عُثْمَان فَالْقَوْل بذلك على الإحتجاج يَقْتَضِي تخطئة أَحدهمَا لِأَن اتِّبَاع مَذْهَب الصَّحَابِيّ إِمَّا وَاجِب أَو محرم وَفِي كل مِنْهُمَا لَا يخْتَص بِبَعْض الآخذين بِهِ دون بعض بل هُوَ على عُمُوم النَّاس وَإِذا تعذر الْحمل على ذَلِك حمل على مَا تقدم هَكَذَا ذكره جمَاعَة من الْأُصُولِيِّينَ

وَلَا يُوجد فِي شَيْء من كتب الحَدِيث مُسْند مُعْتَمد أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عرض ذَلِك أَولا على عَليّ فَلم يقبله ثمَّ عرضه على عُثْمَان فَقبله بل الَّذِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ وَجَمِيع كتب السّير أَن عبد الرحمن بن عَوْف أَخذ الْعَهْد على كل من عُثْمَان وَعلي رضي الله عنهما لَئِن ولي ليعدلن وَلَئِن أَمر عَلَيْهِ الآخر ليسمعن وليطعين ثمَّ بعد ذَلِك بَايع عُثْمَان رضي الله عنه

وَالَّذِي ذكره رُوِيَ من طَرِيق سُفْيَان بن وَكِيع عَن قبيصَة عَن أبي بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم عَن أبي وَائِل قَالَ قلت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَيفَ بايعتم عُثْمَان وتركتم عليا قَالَ مَا ذَنبي بدأت بعلي فَقلت أُبَايِعك على كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم وسيرة أبي بكر وَعمر فَقَالَ فِيمَا اسْتَطَعْت ثمَّ عرضت ذَلِك على عُثْمَان فَقَالَ نعم رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد ابْن حَنْبَل فِي زيادات مُسْند أَبِيه وسُفْيَان بن وَكِيع ضَعِيف تكلم فِيهِ جمَاعَة وَقَالَ فِيهِ ابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن عدي إِن وراقه أَدخل عَلَيْهِ أَحَادِيث

ص: 63

واهية فَحدث بهَا وَقَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ مُتَّهم بِالْكَذِبِ وَالَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره هُوَ الصَّحِيح

نعم قرينَة السِّيَاق تشعر بِأَن المُرَاد بالسيرة مَا كَانَا عَلَيْهِ من الْعدْل والإنصاف وَالْقُوَّة فِي دين الله وَنَحْو ذَلِك

وَبعد الِانْفِصَال عَن كل مَا يعرض على هَذَا الْوَجْه وَتَسْلِيم أَن المُرَاد بالسيرة عُمُوم أقوالهما وأفعالهما لَا ينتهض دَلِيلا إِلَّا لمن يَقُول بِأَن الْحجَّة فِي قَول أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما خَاصَّة وَأَن ذَلِك لَازم لسَائِر الصَّحَابَة أما الإحتجاج بِهِ على حجية قَول جَمِيع الصَّحَابَة فَلَا لما تقدم

الْوَجْه الْخَامِس أَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم خضروا التَّنْزِيل وفهموا كَلَام الرَّسُول الله صلى الله عليه وسلم واطلعوا على قَرَائِن القضايا وَمَا خرج عَلَيْهِ الْكَلَام من الْأَسْبَاب والمحامل الَّتِي لَا تدْرك إِلَّا بالحضور وخصهم الله تَعَالَى بالفهم الثاقب وحدة القرائح وَحسن التَّصَرُّف لما جعل الله فيهم من الخشية والزهد والورع إِلَى غير ذَلِك من المناقب الجليلة فهم أعرف بالتأويل وَأعلم بالمقاصد فيغلب على الظَّن مصادفة أَقْوَالهم وأفعالهم الصَّوَاب أَو الْقرب مِنْهُ والبعد عَن الْخَطَأ هَذَا مَا لَا ريب فِيهِ فَيتَعَيَّن الْمصير إِلَى أَقْوَالهم وَلَا يَعْنِي كَونه مدْركا إِلَّا ذَلِك

ص: 64

وَأما الِاعْتِرَاض بِعَدَمِ عصمتهم وَجَوَاز الْخَطَأ عَلَيْهِم وَمَا يقْضِي إِلَيْهِ

ص: 65

الإحتجاج بقَوْلهمْ من التَّعَارُض لاخْتِلَاف أَقْوَالهم فِي الحكم الْوَاحِد فَسَيَأْتِي الْجَواب عَنهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

الْوَجْه السَّادِس وَهُوَ الْمُعْتَمد أَن التَّابِعين أَجمعُوا على اتِّبَاع الصَّحَابَة فِيمَا ورد عَنْهُم وَالْأَخْذ بقَوْلهمْ والفتيا بِهِ من غير نَكِير من أحد مِنْهُم وَكَانُوا من أهل الإجتهاد أَيْضا

قَالَ مَسْرُوق وجدت علم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم انْتهى إِلَى سِتَّة عمر وَعلي وَأبي بن كَعْب وَزيد بن ثَابت وَأبي الدَّرْدَاء وَعبد الله بن مَسْعُود وَقَالَ أَيْضا كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم سِتَّة عمر وَعلي وَعبد الله وَأبي وَزيد وَأَبُو مُوسَى يَعْنِي الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنهم

وَقَالَ الشّعبِيّ كَانَ الْعلم يُؤْخَذ عَن سِتَّة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ عمر وَعلي وعبد الله يَعْنِي ابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت يشبه بَعضهم بَعْضًا وَكَانَ يقتبس بَعضهم من بعض وَكَانَ عَليّ وَأَبُو مُوسَى وَأبي بن كَعْب يشبه علم بَعضهم بَعْضًا وَكَانَ يقتبس بَعضهم من بعض

وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ لم يكن من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم أحد لَهُ أَصْحَاب 4 يقومُونَ بقوله فِي الْفِقْه إِلَّا ثَلَاثَة عبد الله بن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنهم ثمَّ ذكر أَصْحَاب كل وَاحِد مِنْهُم من

ص: 66

التَّابِعين الَّذين كَانُوا يفتون النَّاس بقول ذَلِك الصَّحَابِيّ

وَمن أمعن النّظر فِي كتب الْآثَار وجد التَّابِعين لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الرُّجُوع إِلَى أَقْوَال الصَّحَابِيّ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ كتاب وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع ثمَّ هَذَا مَشْهُور أَيْضا فِي كل عصر لَا يَخْلُو عَنهُ مستدل بهَا أَو ذَاكر لأقوالهم فِي كتبه

وَلَا يُقَال فَيكون الْمُخَالف فِي ذَلِك خارقا للْإِجْمَاع لما تقدم أَن مُخَالفَة الْإِجْمَاع الاستدلالي والظني لَا يقْدَح وَمَا نَحن فِيهِ من ذَلِك وَالله ولي التَّوْفِيق

وَاحْتج الْقَائِلُونَ بِأَن مَذْهَب الصَّحَابِيّ لَيْسَ بِحجَّة بِوُجُوه

الْوَجْه الأول قَوْله تَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} . . الْآيَة وَالرَّدّ إِلَى مَذَاهِب الصَّحَابِيّ يكون تركأ لهَذَا الْوَاجِب

ص: 67

وَجَوَابه أَن الرَّد إِلَى الله وَالرَّسُول إِنَّمَا يكون إِذا كَانَ الحكم الْمَطْلُوب مَوْجُودا فِي الْكتاب أَو السّنة وَحِينَئِذٍ مَتى عدل عَنْهُمَا كَانَ تركا للْوَاجِب فَأَما إِذا لم يُوجد ذَلِك فِي الْكتاب وَلَا فِي السّنة مَنْصُوصا عَلَيْهِ فَلَا يكون فِي الرُّجُوع إِلَى أَقْوَال الصَّحَابَة ترك للْوَاجِب وَالْقَوْل بِاتِّبَاع مَذْهَب الصَّحَابِيّ مَشْرُوط بِعَدَمِ معارضته للْكتاب أَو السّنة إِلَّا فِي تَخْصِيص أَو حمل على أحد المحملين على مَا فِي ذَلِك من الْخلاف كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَأَيْضًا إِذا كَانَ الرُّجُوع إِلَى أَقْوَال الصَّحَابَة مدلولا عَلَيْهِ بالنسة كَمَا تقدم أَو باستنباط من ثَنَاء الله عَلَيْهِم فِي الْكتاب وتفضيلهم لَا يكون الرَّد إِلَيْهِم منافيا لمدلول الْآيَة

وَإِلَى هَذَا يرشد قَول إمامنا الشَّافِعِي فِيمَا روينَا عَنهُ من طَرِيق عبد الله ابْن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ قَالَ سَمِعت مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رحمه الله بِبَيْت الْمُقَدّس يَقُول سلوني عَم شِئْتُم أخْبركُم بِهِ عَن كتاب الله وَسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فَقلت إِن هَذَا لجريء مَا تَقول أصلحك اله فِي الْمحرم يقتل الزنبور فَقَالَ نعم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} وَحدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن ربعي عَن حُذَيْفَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر رضي الله عنهما

وَحدثنَا سُفْيَان عَن مسعر عَن قيس بن مُسلم عَن طَارق بن شهَاب أَن عمر رضي الله عنهما أَمر الْمحرم بقتل الزنبور (أهـ)

ص: 68

فَهَذِهِ الْحِكَايَة تدل على رُجُوع الشَّافِعِي رحمه الله إِلَى قَول الصَّحَابِيّ وَأَنه أَخذ ذَلِك من الْكتاب وَالسّنة

وَهَذَا أَيْضا كَمَا يُقَال فِي الْقيَاس إِنَّه غير منَاف للْكتاب وَالسّنة لدلالتهما على الْعَمَل بِهِ

الْوَجْه الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} قَالُوا وَذَلِكَ يُنَافِي جَوَاز التَّقْلِيد

وَجَوَابه منع دلَالَة الْآيَة على الِاجْتِهَاد وَالْمَنْع من التَّقْلِيد كَمَا هُوَ مَبْسُوط فِي كتب الْأُصُول وَلَئِن سلم ذَلِك فَلَا نسلم أَن الْأَخْذ بقول الصَّحَابِيّ يكون على وَجه التَّقْلِيد لَهُ بل ذَلِك على أَنه مدرك من مدارك الشَّرْع يجب على الْمُجْتَهد الْأَخْذ بِهِ كَمَا فِي النَّص وَالْقِيَاس وَغَيرهمَا من المدارك وكما أَن الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ إِذا كَانَ دَالا على الْأَخْذ بِالْقِيَاسِ لَا يكون منافيا للأخذ بِالنَّصِّ لكَون الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ إِنَّمَا هُوَ بعد فقدان النَّص فَكَذَلِك الْأَخْذ بقول الصَّحَابِيّ فَإِنَّهُ أَيْضا مقدم على الْقيَاس عِنْد الْقَائِلين بِهِ فَلَا يكون الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ منافيا لحجيته

الْوَجْه الثَّالِث قَالُوا أَجمعت الصَّحَابَة على جَوَاز مُخَالفَة بَعضهم بَعْضًا حَتَّى لم يُنكر أحد من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين على من خَالفه وَقد تقدم نبذة من ذَلِك فَلَو كَانَ مَذْهَب الصَّحَابِيّ حجَّة لما كَانَ كَذَلِك ولكان يُنكر كل مِنْهُم على من خَالفه

وَجَوَابه أَنه غير دَال على صُورَة النزاع فَإِن صورته أَن قَوْلهم أَو مَذْهَبهم هَل هُوَ حجَّة على من بعدهمْ من التَّابِعين الْمُجْتَهدين وَمن بعدهمْ أم لَا فَأَما كَون الْوَاحِد من مجتهدي الصَّحَابَة يكون قَوْله حجَّة على مثله مِنْهُم فَلَيْسَ مَحل النزاع

ص: 69

الْوَجْه الرَّابِع أَن الصَّحَابِيّ من أهل الإجتهاد وَالْخَطَأ جَائِز عَلَيْهِ لكَونه غير مَعْصُوم وفَاقا وَقد وجد من أَفْرَاد مِنْهُم أَقْوَال على خلاف مَا ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يكن الْأَخْذ بقوله وَاجِبا كَغَيْرِهِ من الْمُجْتَهدين وكما لَا يجب على غَيره من مجتهدي الصَّحَابَة الْأَخْذ بقوله أَيْضا

وَجَوَابه أَنه لَا يلْزم من عدم وجوب الْعَمَل بقول الصَّحَابِيّ على صَحَابِيّ مثله وَبقول التَّابِعِيّ على تَابِعِيّ مثله عدم وجوب الْعَمَل بقول الصَّحَابِيّ على التَّابِعِيّ وَمن بعده لِأَن فِي تِلْكَ الصُّورَة التَّسَاوِي مَوْجُود وَفِي هَذَا الَّذِي هُوَ مَحل النزاع التَّفَاوُت مَوْجُود فِي الْفَضِيلَة والرتبة والتأييد للإصابة وَالْعلم بالناسخ والمنسوخ والمخصص المقالي والحالي وَمَعْرِفَة مَقَاصِد الْكَلَام وسياقه وسباقه وَسبب النُّزُول إِلَى غير ذَلِك كَمَا تقدم فَلَا يَصح قِيَاس إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ على الْأُخْرَى مَعَ ظُهُور الْفرق

الْوَجْه الْخَامِس أَن الصَّحَابَة رضي الله عنهم اخْتلفُوا فِي مسَائِل الْحَرَام وَزوج وأبوين وَزَوْجَة وأبوين وَأم وجد وَأُخْت إِلَى غير ذَلِك من الْمسَائِل الْكَبِيرَة فَلَو كَانَ مَذْهَب الصَّحَابِيّ حجَّة لزم أَن تكون حجج الله تَعَالَى مُخْتَلفَة متناقضة وَلم يكن اتِّبَاع التَّابِع للْبَعْض أولى من اتِّبَاع الآخر

وَجَوَابه أَن اخْتِلَاف مَذَاهِب الصَّحَابَة لَا يُخرجهَا عَن كَونهَا حجَجًا كَمَا فِي تعَارض الْخَبَرَيْنِ من أَخْبَار الْآحَاد وَنَحْوهَا كالقياس فَإِن وجد مُرَجّح من خَارج عمل بِهِ وَإِلَّا كَانَ الْوَقْف أَو التَّخْيِير كَمَا عرف فِي مَوْضِعه فَكَذَلِك هُنَا

الْوَجْه السَّادِس أَن التَّابِعِيّ الْمُجْتَهد مُتَمَكن من إِدْرَاك الحكم

ص: 70

بطريقة وَلَا يجوز لَهُ التَّقْلِيد فِيهِ كَمَا فِي مسَائِل أصُول الدّين

وَجَوَابه مَا تقدم من منع كَون ذَلِك تقليدا عِنْد الْقَائِلين باتباعه بل إِثْبَات الحكم بِهِ بطريقة كَمَا فِي إثْبَاته بِخَبَر الْوَاحِد وَالْقِيَاس

وَالْفرق بَين مسَائِل أصُول الدّين وَهَذِه ظَاهر لِأَن مسَائِل الْفُرُوع يعْمل فِيهَا بِالظَّنِّ بِخِلَاف أصُول الدّين

الْوَجْه السَّابِع أَن الصَّحَابِيّ يجوز عَلَيْهِ الْخَطَأ والسهو وَلم تثبت عصمته فَلَا حجَّة فِي قَوْله مَعَ جَوَاز ذَلِك عَلَيْهِ وَقد كَانَ الْوَاحِد رُبمَا يجْتَهد ثمَّ يتَبَيَّن لَهُ الحكم عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِخِلَاف قَوْله كَمَا قَالَ ابْن عمر رضي الله عنهما كُنَّا نخابر وَلَا نرى بذلك بَأْسا حَتَّى روى لنا رَافع بن خديج أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم نهى عَنْهَا فتركناها

وَجَوَابه أَنه لَا يلْزم من عدم الْعِصْمَة وَجَوَاز الْخَطَأ ترك الْأَخْذ بقوله كَمَا أَن الْمُجْتَهد من الْعلمَاء بعد الصَّحَابَة من الْعلمَاء غير مَعْصُوم وَيجب على الْعَاميّ تَقْلِيده وَالْخَطَأ فيهم بمخالفة مَا فِيهِ نَص نَادِر جدا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَقْوَالهم وأفعالهم مَعَ مَا قدمنَا من اطلاعهم على مَقَاصِد الشَّرِيعَة واختصاصهم بِالسَّبقِ والأفضلية وَكَانَ الحكم فيهم الْأَغْلَب من أَحْوَالهم دون النَّار وَأَيْضًا فَمَا ثَبت فِيهِ نَص عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يُعَارض قَول الصَّحَابِيّ فَلَا يكون ذَلِك مَحل النزاع كَمَا أَنه لَا يحْتَج من أفعالهم بِمَا وَقع فِي الْفِتَن مِمَّا لَا فَائِدَة فِي ذكره

ص: 71

الْوَجْه الثَّامِن أَن الْقيَاس أصل من أصُول الدّين وَحجَّة من الْحجَج الشَّرْعِيَّة وَالْعَمَل بِهِ عِنْد عدم النَّص وَاجِب فَلَا يتْرك لقَوْل الصَّحَابِيّ وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث معَاذ الْمَشْهُور وَقَوله للنَّبِي صلى الله عليه وسلم إِنَّه يجْتَهد رَأْيه بعد الْكتاب وَالسّنة وَأقرهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَجَوَابه أَنه لَا يلْزم من كَون الْقيَاس حجَّة إِلَّا تتقدم عَلَيْهِ غَيره من الْحجَج كَمَا أَن الْإِجْمَاع يتَقَدَّم عَلَيْهِ بل وَكَذَلِكَ على النَّص ويتضمن الْإِجْمَاع وجود نَص نَاسخ لذَلِك أَو مؤول لَهُ وَإِنَّمَا لم يذكر معَاذ رضي الله عنه قَول الصَّحَابِيّ لِأَن قَول غَيره لَيْسَ حجَّة عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَة فِي ذكره حِينَئِذٍ

ص: 72