المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني في تحريم رواية الحديث الكذب عنه صلى الله عليه وسلم - تحذير الخواص من أكاذيب القصاص

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الْفَصْل الأول فِي سِيَاق الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي تَعْظِيم الْكَذِب على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالتَّشْدِيد فِيهِ والتغليظ فِي الْوَعيد عَلَيْهِ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي تَحْرِيم رِوَايَة الحَدِيث الْكَذِب عَنهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث فِي توفّي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كَثْرَة الحَدِيث مَخَافَة من النسْيَان وَالدُّخُول فِي حَدِيث الْوَعيد

- ‌الْفَصْل الرَّابِع فِي بَيَان أَنه لَا يجوز لأحد رِوَايَة حَدِيث حَتَّى يعرضه على شيخ من عُلَمَاء الحَدِيث ويجيزه بروايته لاحْتِمَال أَن يكون ذَلِك الحَدِيث لَا أصل لَهُ فَيدْخل فِي حَدِيث من كذب عَليّ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي بَيَان أَن من أقدم على رِوَايَة الْأَحَادِيث الْبَاطِلَة يسْتَحق الضَّرْب بالسياط ويهدد بِمَا هُوَ أَكثر من ذَلِك ويزجر ويهجر وَلَا يسلم عَلَيْهِ ويغتاب فِي الله ويستعدى عَلَيْهِ عِنْد الْحَاكِم وَيحكم عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ من رِوَايَة ذَلِك وَيشْهد عَلَيْهِ

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِيمَن رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام مُنْكرا لما رُوِيَ عَنهُ من الأباطيل

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي انكار الْعلمَاء قَدِيما على الْقصاص مَا رَوَوْهُ من الأباطيل وسفه الْقصاص عَلَيْهِم وَقيام الْعَامَّة مَعَ الْقصاص بِالْجَهْلِ وَاحْتِمَال الْعلمَاء ذَلِك فِي الله

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي بَيَان أَن الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة كَثِيرَة وَلَا يميزها الا النَّاقِد الْمُجْتَهد فِي الحَدِيث

- ‌الْفَصْل ال تَاسِع فِي تَلْخِيص الْكتاب الَّذِي أَلفه الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ وَسَماهُ الْبَاعِث على الْخَلَاص من حوادث الْقصاص

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي زيادات فَاتَت الْحَافِظ زين الدّين الْعِرَاقِيّ فِي كِتَابه فاستدركتها هُنَا

الفصل: ‌الفصل الثاني في تحريم رواية الحديث الكذب عنه صلى الله عليه وسلم

‌الْفَصْل الثَّانِي فِي تَحْرِيم رِوَايَة الحَدِيث الْكَذِب عَنهُ صلى الله عليه وسلم

98 -

أخرج مُسلم فِي مُقَدّمَة كِتَابه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن مَاجَه عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ

من حدث عني حَدِيثا وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين

99 -

2 وَأخرج مُسلم فِي الْمُقدمَة وَابْن مَاجَه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ

من حدث عني حَدِيثا وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين

100 -

3 وَأخرج ابْن مَاجَه عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ

من روى عني حَدِيثا وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين

ص: 66

101 -

4 وَأخرج ابْن شاهين فِي جُزْء مَا قرب سَنَده عَن أنس عَن النَّبِي قَالَ

من كذب فِي حَدِيث جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مَعَ الخاسرين

102 -

5 وَأخرج الْبَزَّار وَابْن عدي عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

من كذب عَليّ فِي رِوَايَة حَدِيث فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

103 -

6 وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن أنس قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول

وَالَّذِي نفس أبي الْقَاسِم بِيَدِهِ لَا يروي عني أحد مَا لم أَقَله الا تبوأ مَقْعَده من النَّار

104 -

7 وَأخرج أَحْمد وَابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

اتَّقوا الحَدِيث عني الا مَا علمْتُم فان من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

ص: 67

105 -

8 وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول

من حدث عني حَدِيثا كذبا مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه سَأَلت عبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَبَا مُحَمَّد يَعْنِي الدَّارمِيّ عَن حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم

من حدث عني حَدِيثا وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين قلت لَهُ من روى حَدِيثا وَهُوَ يعلم أَن اسناده خطأ فَهُوَ دَاخل فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو اذا روى النَّاس حَدِيثا مُرْسلا فأسنده بَعضهم أَو قلب اسناده يكون قد دخل فِي هَذَا الحَدِيث

ص: 68

فَقَالَ لَا انما معنى هَذَا الحَدِيث اذا روى الرجل حَدِيثا وَلَا يعرف لذَلِك الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أصل فَحدث بِهِ فَأَخَاف أَن يكون قد دخل فِي هَذَا الحَدِيث

وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم تحرم رِوَايَة الحَدِيث الْمَوْضُوع على من عرف كَونه مَوْضُوعا أَو غلب على ظَنّه وَضعه فَمن روى حَدِيثا علم أَو ظن وَضعه وَلم يبين حَال رِوَايَته وَضعه فَهُوَ دَاخل فِي هَذَا الْوَعيد مندرج فِي جملَة الْكَاذِبين على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لقَوْله صلى الله عليه وسلم

من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين

ص: 69

قَالَ وَلَا فرق فِي تَحْرِيم الْكَذِب عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بَين مَا كَانَ فِي الْأَحْكَام وَمَا لَا حكم فِيهِ كاالترغيب والترهيب والمواعظ وَغير ذَلِك وَكله حرَام من أكبر الْكَبَائِر وأقبح القبائح بِإِجْمَاع الْمُسلمين الَّذين يعْتد بهم فِي الاجماع الى أَن قَالَ وَقد أجمع أهل الْحل وَالْعقد على تَحْرِيم الْكَذِب على آحَاد النَّاس فَكيف بِمن قَوْله شرع وَكَلَامه وَحي وَالْكذب عَلَيْهِ كذب على الله تَعَالَى قَالَ تَعَالَى {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} انْتهى

وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي شرح مُسلم فِي حَدِيث

من حدث عني حَدِيثا يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين

وَكَيف لَا يكون كَاذِبًا وَهُوَ دَاخل تَحت حد الْكَاذِب وَكَلَامه دَاخل تَحت حد الْكَذِب

ص: 70

قَالَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ هُوَ دَاخل فِي وَعِيد لحَدِيث فِيمَن كذب على النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَقَالَ أَبُو عبد الله الْحَاكِم هَذَا وَعِيد للمحدث اذا حدث بِمَا يعلم أَنه كذب وان لم يكن هُوَ الْكَاذِب انْتهى

106 -

9 وَقَالَ ابْن عدي فِي الْكَامِل حَدثنَا يحيى بن زَكَرِيَّا حيويه قَالَ

وجدت فِي كتاب لأبي سعيد الْفرْيَابِيّ قَالَ قَالَ

ص: 71

الْمُزنِيّ قَالَ الشَّافِعِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

حدثوا عَن بني اسرائيل وَلَا حرج وَحَدثُوا عني وَلَا تكذبوا عَليّ قَالَ مَعْنَاهُ أَن الحَدِيث عَن بني اسرائيل اذا حدثت

ص: 72

بِهِ فأديته على مَا سمعته حَقًا كَانَ أَو غير حق لم يكن عَلَيْك حرج والْحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يَنْبَغِي أَن يحدث بِهِ الا عَن ثِقَة وَقد قَالَ

من حدث حَدِيثا وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين

قَالَ اذا حدثت بِالْحَدِيثِ فَيكون عنْدك كذبا ثمَّ تحدث بِهِ فَأَنت أحد الْكَاذِبين فِي المأثم

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن الصّلاح فِي عُلُوم الحَدِيث

لَا تحل رِوَايَة الحَدِيث الْمَوْضُوع لأحد علم حَاله فِي أَي معنى كَانَ الا مَقْرُونا بِبَيَان وَضعه بِخِلَاف غَيره من الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي يحْتَمل صدقهَا فِي الْبَاطِن حَيْثُ جَازَ رِوَايَتهَا فِي التَّرْغِيب والترهيب

وَقَالَ بعد ذَلِك يجوز عِنْد أهل الحَدِيث وَغَيرهم التساهل فِي الْأَسَانِيد وَرِوَايَة مَا سوى الْمَوْضُوع من أَنْوَاع الْأَحَادِيث الضعيفة من غير اهتمام بِبَيَان ضعفها فِيمَا سوى صِفَات الله تَعَالَى وَأَحْكَام الشَّرِيعَة من الْحَلَال وَالْحرَام وَغَيرهمَا وَذَلِكَ

ص: 73

كالمواعظ والقصص وفضائل الْأَعْمَال وَسَائِر فنون التَّرْغِيب والترهيب وَسَائِر مَا لاتعلق لَهُ بِالْأَحْكَامِ والعقائد انْتهى

وَقد أطبق على ذَلِك عُلَمَاء الحَدِيث فجزموا بِأَنَّهُ لَا تحل رِوَايَة الْمَوْضُوع فِي أَي معنى كَانَ الا مَقْرُونا بِبَيَان وَضعه بِخِلَاف الضَّعِيف فانه تجوز رِوَايَته فِي غير الْأَحْكَام والعقائد وَمِمَّنْ جزم بذلك شيخ الاسلام محيى الدّين النَّوَوِيّ فِي كِتَابيه الارشاد والتقريب وقاضي الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة فى المنهل الروى

ص: 74

وَالطِّيبِي فِي الْخُلَاصَة وَشَيخ الاسلام سراج الدّين البُلْقِينِيّ فِي محَاسِن الِاصْطِلَاح وحافظ عصره الشَّيْخ زيد الدّين أَبُو الْفضل عبد الرَّحِيم الْعِرَاقِيّ فِي ألفيته وَشَرحهَا وَعبارَة الألفية

(وَكَيف كَانَ لم يجيزوا ذكره

لعالم مَا لم يبين أمره)

وَقَالَ بعد ذَلِك

(وسهلوا فِي غير مَوْضُوع رووا

من غير تَبْيِين لضعف وَرَأَوا)

ص: 75

وَقَالَ الامام بدر الدّين الزَّرْكَشِيّ فِي نُكْتَة على مُخْتَصر ابْن الصّلاح

حكم الحَدِيث الْمَوْضُوع أَنه لَا تحل رِوَايَته الا لقصد بَيَان حَال رَاوِيه لقَوْله صلى الله عليه وسلم

من حدث عني بِحَدِيث وَهُوَ يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين

قَالَ وَأما الضَّعِيف فَيجوز بِشُرُوط

أَحدهَا أَن لَا يكون فِي الْأَحْكَام والعقائد ذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة والأذكار وَغَيرهمَا من كتبه

الثَّانِي أَن يكون لَهُ أصل شَاهد لذَلِك ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي شرح الالمام

ص: 76

الثَّالِث أَن لَا يعْتَقد ثُبُوت مَا فِيهِ

ثمَّ قَالَ فَإِن قيل لم جوزتم الْعَمَل بالضعيف مَعَ الشَّاهِد الْقوي وَلم تجوزوه بالموضوع مَعَ الشَّاهِد

قُلْنَا لِأَن الضَّعِيف لَهُ أصل فِي السّنة وَهُوَ غير مَقْطُوع بكذبة وَلَا أصل للموضوع أصلا فشاهده كالبناء على المَاء أَو على جرف هار انْتهى

وَقَالَ حَافظ الْعَصْر قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَبُو الْفضل ابْن حجر فِي شرح النخبة

ص: 77

اتَّفقُوا على تَحْرِيم رِوَايَة الْمَوْضُوع الا مَقْرُونا ببيانه لقَوْله صلى الله عليه وسلم من حدث عني بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين وَقَالَ فِي نُكْتَة على ابْن الصّلاح

كفى بِهَذِهِ الْجُمْلَة وعيدا شَدِيدا فِي حق من روى الحَدِيث وَهُوَ يظنّ أَنه كذب فضلا عَن أَن يتَحَقَّق ذَلِك وَلَا يُبينهُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جعل الْمُحدث بذلك مشاركا لكاذبه فِي وَضعه

وَقَالَ مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه

أعلم أَن الْوَاجِب على كل أحد عرف التَّمْيِيز بَين صَحِيح الرِّوَايَات وسقيمها وثقات الناقلين لَهَا من المتهمين أَن لَا يروي الا مَا عرف صِحَة مخارجه والستارة فِي ناقله وَأَن يَنْفِي مِنْهَا مَا كَانَ من أهل التهم والمعاندين من أهل الْبدع

قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر وَكَلَامه مُوَافق لما دلّ عَلَيْهِ الحَدِيث الْمَذْكُور انْتهى

وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمدْخل

ص: 78

من علم

يكون بعده من الْكَذَّابين الَّذين يقصدون وضع الْأَحَادِيث عَلَيْهِ فأعلمهم أَن موعد الْكَاذِب عَلَيْهِ النَّار وَقد شدد فِي ذَلِك وَبَين أَن الْكَاذِب عَلَيْهِ فِي النَّار تعمد الْكَذِب أم لم يتَعَمَّد فِي قَوْله فِيمَا رَوَاهُ ابْن عمر أَن الَّذِي يكذب عَليّ يبْنى لَهُ بَيت فِي النَّار

وَقد زَاد تشديدا بقوله فِيمَا رَوَاهُ عُثْمَان بن عَفَّان

من قَالَ عَليّ مَا لم أقل فَإِنَّهُ اذا فعله غير متعمد للكذب اسْتوْجبَ هَذَا الْوَعيد من الْمُصْطَفى ثمَّ بَين صلى الله عليه وسلم أَن الْكَذِب عَلَيْهِ لَيْسَ كالكذب فِيمَا بَين النَّاس فِي الاثم والعقوبة فِي قَوْله فِيمَا رَوَاهُ سعيد بن زيد

ان كذبا عَليّ لَيْسَ ككذب على أحد

قَالَ ثمَّ الْعجب من جمَاعَة جهلوا الْآثَار وأقاويل الصَّحَابَة

ص: 79

وَالتَّابِعِينَ فتوهموا بجهلهم أَن الْأَحَادِيث المروية عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كلهَا صَحِيحَة وأنكروا الْجرْح وَالتَّعْدِيل جملَة وَاحِدَة جهلا مِنْهُم

قَالَ وَفِي قَوْله صلى الله عليه وسلم

وسترجعون الى قوم يحبونَ الحَدِيث عني فَمن قَالَ عَليّ مَا لم أقل فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار

أَخْبَار عَن كل مَا نَحن فِيهِ فِي زَمَاننَا هَذَا وانذار لما علم أَنه كَائِن فِي أمته من الدجالين

قَالَ وَفِي قَوْله صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ عبد الله بن الزبير

من حدث عني كذبا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَعِيد للمحدث اذا حدث بِمَا يعلم أَنه كذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

ص: 80

وان لم يكن هُوَ الْكَاذِب فِي رِوَايَته انْتهى

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات

لَا يجوز ذكر الموضوعات الا فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل الا اذا بَين حَال وَاضعه فَأَما فِي الْمُنْتَقى والتخريج فَذكره قَبِيح الا أَن يتَكَلَّم عَلَيْهِ

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي مُقَدّمَة كتاب الضُّعَفَاء والمتروكين توعد صلى الله عليه وسلم بالنَّار من كذب عَلَيْهِ بعد أمره بالتبليغ عَنهُ فَفِي ذَلِك دَلِيل على أَنه انما أَمر أَن يبلغ عَنهُ الصَّحِيح دون السقيم وَالْحق دون الْبَاطِل لَا أَن يبلغ عَنهُ جَمِيع مَا رُوِيَ عَنهُ لِأَنَّهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم

كفى بِالْمَرْءِ اثما أَن يحدث بِكُل مَا سمع أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَمن حدث بِجَمِيعِ مَا سمع من الْأَخْبَار المروية عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلم يُمَيّز بَين صحيحها وسقيمها

ص: 81

وحقها من باطلها بتاء الاثم وَخيف عَلَيْهِ أَن يدْخل فِي جملَة الْكَاذِبين على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِحكم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه مِنْهُم فِي قَوْله من روى عني حَدِيثا يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَاذِبين فَظَاهر هَذَا الْخَبَر دَال على أَن كل من روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَدِيثا وَهُوَ شَاك فِيهِ أصحيح هُوَ أَو غير صَحِيح يكون كَأحد الْكَاذِبين لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ

من حدث عني حَدِيثا وَهُوَ يرى أَنه كذب

وَلم يقل وَهُوَ يستيقن أَنه كذب

وللتحرز من مثل ذَلِك كَانَ الْخُلَفَاء الراشدون وَالصَّحَابَة المنتخبون رضوَان الله عَلَيْهِم يَتَّقُونَ كَثْرَة الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ويتشددون فِي ذَلِك مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَعبد الله بن مَسْعُود والمقداد بن

ص: 82

الْأسود وَأَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وثوبان مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَزيد بن أَرقم وَأنس بن مَالك وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعمْرَان بن حُصَيْن وَأَبُو هُرَيْرَة وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو قَتَادَة وصهيب وقرظة بن كَعْب وَغَيرهم

وَكَانَ أَبُو بكر وَعمر يطالبان من روى هما حَدِيثا عَن

ص: 83

رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمعاه مِنْهُ بِإِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ ويتوعدانه فِي ذَلِك

وَكَانَ عَليّ بن أبي طَالب يسْتَحْلف عَلَيْهِ

وَكَانَ عبد الله بن مَسْعُود يتَغَيَّر عِنْد ذكر الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وتنتفخ أوداجه ويسيل عرقه وتدمع عَيناهُ وَيَقُول أَو قَرِيبا من هَذَا أَو نَحْو هَذَا أَو شبه هَذَا كل ذَلِك خوفًا من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان أَو السَّهْو وَالنِّسْيَان واحتياطا للدّين وحفظا للشريعة وحسما لطمع طامع أَو زيغ زائغ أَن يجترئ فيحكي عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا لم يقلهُ أَو يدْخل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ وليقتدي بهم من يسمع مِنْهُم وَيَأْخُذ عَنْهُم فيقفو أَثَرهم ويسلك طريقهم فاتبعهم على ذَلِك جمَاعَة من صالحي التَّابِعين واقتفوا آثَارهم وَاتبعُوا سبيلهم فِي الذب عَن السّنَن والبحث عَن رواتها

ص: 84

والتوقي فِي أَدَائِهَا مِنْهُم سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَعلي بن الْحُسَيْن وَعَمْرو بن عبد الْعَزِيز وطاووس ابْن كيسَان وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَأَبُو الزِّنَاد وَسعد

ص: 85

ابْن ابراهيم وعامر الشّعبِيّ وابراهيم النَّخعِيّ وشرحبيل ابْن السمط وَعقبَة بن نَافِع الفِهري وَمُحَمّد بن سِيرِين

ص: 86

وَأنس بن سِيرِين وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَسليمَان التَّيْمِيّ وَعبد الله عون وَيُونُس

ص: 87

ابْن عبيد وَالْحكم بن عتيبة وحبِيب بن أبي ثَابت وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وَغَيرهم

وسلك مسلكهم وحذا حذوهم فِي ذَلِك طوائف الخالفين بعدهمْ مِنْهُم مَالك بن أنس وَشعْبَة بن الْحجَّاج

ص: 88

وسُفْيَان الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن زيد ووهيب بن خَالِد وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وزائدة وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة

ثمَّ ذكر خلائق من الْأَئِمَّة الى أَن قَالَ حَتَّى كَانَ فِي

ص: 89

عصرنا هَذَا فتأملت أَحْوَال طالبي الْعلم وكاتبي الْأَحَادِيث فوجدتهم على الضِّدّ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ من قدمت ذكره من الْأَئِمَّة الا من وَفقه الله تَعَالَى مِنْهُم للصَّوَاب وَرَأَيْت أَكثر طالبيه فِي هَذَا الزَّمَان وَالْغَالِب على إرادتهم وَالظَّاهِر من شهواتهم كتب الْغَرِيب وَسَمَاع الْمُنكر حَتَّى صَار الْمَشْهُور عِنْد أَكْثَرهم غَرِيبا وَالْمَعْرُوف عِنْدهم مُنْكرا وخلطوا الصَّحِيح بالسقيم وَالْحق بِالْبَاطِلِ وَذَلِكَ لعدم معرفتهم بأحوال الروَاة ومحلهم ونقصان علمهمْ بالتمييز وزهدهم فِي تعلم ذَلِك والبحث عَنهُ وَطَلَبه من مظانه الى أَن قَالَ وَقد أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بِمَا يكون بعده فِي أمته من الرِّوَايَات الكاذبة وَالْأَحَادِيث الْبَاطِلَة فَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلم باجتناب رواتها وحذر مِنْهُم وَنهى عَن اسْتِمَاع أَحَادِيثهم وَعَن قبُول أخبارهم

107 -

10 فَقَالَ صلى الله عليه وسلم

سَيكون فِي آخر الزَّمَان أنَاس من أمتِي يحدثونكم بِمَا لَا تسمعوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم فإياكم وإياهم أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة

ص: 90

108 -

11 ثمَّ أخرج الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدِهِ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

يكون فِي آخر الزَّمَان دجالون كذابون يأتونكم من الْأَحَادِيث بِمَا لم تسمعوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم فإياكم واياهم لَا يضلونكم وَلَا يفتنونكم

109 -

12 وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول

ان بَين يَدي السَّاعَة كَذَّابين فاحذروهم

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فحذرنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْكَذَّابين ونهانا عَن قبُول رواياتهم وأمرنا باتقاء الرِّوَايَة عَنهُ صلى الله عليه وسلم الا مَا علمنَا صِحَّته

110 -

13 ثمَّ أخرج بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

اتَّقوا الحَدِيث عني الا مَا علمْتُم

ص: 91