الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملحق في تحرير مذهب المالكية في حكم صوم الست من شوال
1 -
كلام الإِمام مالك، وشرح الزرقاني:
سبق في صفحة (32) إيراد عبارة الإِمام مالك في الموطأ، بروايتي يحيى الليثي (206 - 207، ط. الشعب)، والقعنبي (230).
وفيما يلي إعادتها مع شرح الزرقاني لها 2/ 190 خارج الأقواس:
(قال يحيى: وسمعت مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان أنه لم ير أحدًا من أهل العلم والفقه)، والاجتهاد (يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف) الذين لم أدركهم، كالصحابة، وكبار التابعين (وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يُلحِق) بضم الياء وكسر الحاء (برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة) بالرفع، فاعل
"يلحق"(والجفاء) الغلظ والفظاظة (لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك).
قال مطرف: فإنما كره صيامها لذلك، فأما من صامها رغبة لما جاء فيها، فلا كراهة.
وفي مسلم والسنن عن أبي أيوب مرفوعًا: "مَن صام رمضان ثمَّ أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر"، قال عياض: لأنَّ الحسنة بعشرة، والستة تمام السنة، كما رواه النسائي.
قال شيوخنا: إنما كره مالك صومها مخافة أن يُلحق الجهلةُ برمضان غيره. أما صومها على ما أراده الشرع فلا يكره.
وقيل: لم يبلغه الحديث، أو لم يثبت عنده، أو وجد العمل على خلافه.
ويحتمل أنه كره وصل صومها بيوم الفطر، فلو صامها أثناء الشهر فلا كراهة، وهو ظاهر قوله:"ستة أيام بعد الفطر من رمضان".
وقال أبو عمر [ابن عبد البر]: كان مالك متحفظًا كثير الاحتياط في الدين، والصيام عمل بر، فلم يره من ذلك خوفًا على الجهلة كما أوضحه. (انتهى).
ووجه كونه لم يثبت عنده -وإن كان في مسلم- أنَّ فيه
سعد بن سعيد، ضعَّفه أحمد بن حنبل، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن سعد: ثقة قليل الحديث، وقال ابن عيينة وغيره: إنه موقوف على أبي أيوب، أي: وهو مما يمكن قوله رأيًا، إذ الحسنة بعشرة. فله علَّتان: الاختلاف في رواية، والوقف. (انتهى).
وقد عثرت على عبارة للحسن البصري قد يفهم منها عدم قوله بالاستحباب، وهي ما جاء في سنن الترمذي (1/ 146، ط. استانبول): أنَّ الحسن البصري كان إذا ذُكر عنده صيام ستة أيام من شوال فيقول: والله لقد رضي الله بصيام هذا الشهر عن السنة كلها.
وقد يكون المقصود الإِشارة إلى فضل رمضان وأنَّه وحده كصيام السنة. والله أعلم.
2 -
عبارة ابن رشد الحفيد، المتوفى سنة 595 هـ:
قال ابن رشد في بداية المجتهد 1/ 308:
وأما الست من شوال فإنه ثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر"، إلَّا أنَّ مالكًا كره ذلك: إما مخافة أن يُلحِق الناس برمضان ما ليس من رمضان، وإما لأنه لم يبلغه الحديث، أو لم يصح عنده وهو الأظهر.
3 -
عبارة ابن شاس، المتوفى عام 616 هـ:
قال ابن شاس في عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (1/ 369، ط. دار الغرب):
وورد في الصحيح صيام ستَّة أيام من شوال، إلَّا أن مالكًا اتقى أن يُلحِق الجاهل بالفرائض ما ليس منها -على أصله في كراهية التحديد- واستحب صيامها في غير ذلك الوقت، لحصول المقصود به من تضاعف أيامها وأيام رمضان حتى تبلغ عدة العام، كما قال صلى الله عليه وسلم:"صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، صيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام سنة".
ومحمل تعيين محلها في شوال عقيب الصوم على التخفيف في حق المكلف لاعتياد الصيام، لا لتخصيص حكمها بذلك الوقت، فلا جرم لو فعلها في عشر ذي الحجة -مع ما روي من فضل الصيام فيه- لكان أحسن، لحصول المقصود، مع حيازة فضل الأيام المذكورة، والسلامة مما اتَّقاه مالك رضي الله عنه.
4 -
عبارة القرافي، المتوفى عام 684 هـ:
قال القرافي في الذخيرة (2/ 530، ط. دار الغرب):
وفي مسلم: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كأنما صام الدهر كله"، واستحب مالك صيامها في غيره خوفًا من إلحاقها برمضان عند الجهَّال. وإنما عينها الشرع من شوال للخفَّة على المكلف بسبب قربه من الصوم، وإلَّا فالمقصود حاصل في
غيره، فيشرع التأخير جمعًا بين مصلحتين.
ومعنى قوله: "فكأنما صام الدهر" أنَّ الحسنة بعشرة، فالشهر بعشرة أشهر، والسِّتة بستين كمال السَّنة، فإذا تكرر ذلك في السنين فكأنَّما صام الدهر.
سؤال: يشترط في التشبيه، المساواة أو المقاربة، وهاهنا ليس كذلك؛ لأنَّ هذا الصوم عشر صوم الدهر، والأجر على قدر العمل، ولا مقاربة بين عشر الشيء وكله.
جوابه: معناه: فكأنما صام الدهر أنْ لو كان من غير هذه الأمة، فإن شهرنا بعشرة أشهر لمن كان قبلنا، والسِّتة بشهرين لمن كان قبلنا، فقد حصلت المساواة من كل وجه.
تنبيه:
هذا الأجر مختلف الأجر، فخمسة أسداسه أعظم أجرًا؛ لكونه من باب الواجب، وسدسه ثواب النفل.
فائدة:
إنما قال "بستٍّ" بالتذكير، ولم يقل "بستة" رعيًا للأصل، فوجب تأنيث المذكر في العدد، لأنَّ العرب تغلِّب الليالي على الأيام لسبقها، فتقول: لعشر مضين من الشهر.
5 -
عبارة الدردير، المتوفى عام 1201 هـ:
قال الدردير في شرحه لكتاب أقرب المسائل "الشرح الصغير"(1/ 692، ط. دار المعارف):
وكُرِه تعيين الثلاثة البيض الثلاثة عشر وتالياه، فرارًا من التحديد، كستة من شوال إن وصلها بالعيد مظهرًا لها، لا إن فرَّقها، أو أخَّرها، أوصامها في نفسه خفية، فلا يكره؛ لانتفاء علَّة اعتقاد الوجوب.
وجاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير للدردير:
اعلم أنَّ الكراهة مقيدة بخمسة أمور تؤخذ من عبارة الشارح [الدردير]، والمجموع [للعلَّامة الأمير]، فإن انتفى قيد منها فلا كراهة، وعلى هذا يُحمل الحديث، وهي:
1 -
أن يوصلها في نفسها،
2 -
وبالعيد،
3 -
مظهرًا لها،
4 -
مقتدًى به،
5 -
معتقدًا سُنِّيَّتها لرمضان، كالرواتب البعدية.
6 -
عبارة الدسوقي، المتوفى عام 1230 هـ:
قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير للدردير لمختصر خليل (1/ 517، ط. عيسى البابي)، بعد أن استعرض عبارة الدردير المذكورة أعلاه، والأمور الخمسة التي تتقيَّد بها الكراهة وأن انتفاء قيد منها تنتفي به الكراهة:
وبحث فيه شيخنا [العدوي صاحب الحاشية على الخرشي] بأنَّ قضيته أنه لو انتفى الاقتداء به لم يكره ولو خيف عليه اعتقاد الوجوب، وليس كذلك. وقضيته أيضًا أنه لو انتفى إظهارها لم يكره ولو كان
يعتقد سنِّيَّة اتِّصالها، وليس كذلك، بل متى أظهرها كره فعلها، اعتقد سنِّيَّة اتِّصالها أو لا، وكذا إن اعتقد سنِّيَّته كره فعلها، أظهرها أو لا .. فكان الأولى أن يقال: فيكره لمقتدى به، ولمن خاف عليه اعتقاد وجوبها إن صامها متَّصلة برمضان متتابعة وأظهرها، أو كان يعتقد سنِّيَّة اتِّصالها، فتأمَّل.
* * *