الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ)
[3420]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) الْبَلْخِيُّ الْمَعْرُوفُ بِخَطٍّ (حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ رَبَّ جبرائيل وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مُبْدِعَهُمَا وَمُخْتَرِعَهُمَا
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى رَبَّ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَظَائِرِهِ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ عَظِيمِ الْمَرْتَبَةِ وَكَبِيرِ الشَّأْنِ دُونَ مَا يُسْتَحْقَرُ ويستصغر فيقال له سبحانه وتعالى رب السماوات وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَرَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ رَبُّ النَّاسِ مَلِكُ النَّاسِ إِلَهُ النَّاسِ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَكُلُّ ذَلِكَ وَشَبَهُهُ وَصْفٌ لَهُ سُبْحَانَهُ بِدَلَائِلِ الْعَظَمَةِ وَعَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ ذَلِكَ فِيمَا يُحْتَقَرُ وَيُسْتَصْغَرُ فَلَا يُقَالُ رَبُّ الْحَشَرَاتِ وَخَالِقُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَشِبْهُ ذَلِكَ عَلَى الْإِفْرَادِ وَإِنَّمَا يُقَالُ خَالِقُ الْمَخْلُوقَاتِ وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ هَذِهِ فِي الْعُمُومِ انْتَهَى عَالَمَ الْغَيْبِ والشهادة أي بما غاب وظهر عند غَيْرُهُ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أَيْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي أَيَّامِ الدُّنْيَا اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فيه أي تبتني عليه كقوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم من الحق بيان لما بِإِذْنِكَ أَيْ بِتَوْفِيقِكَ وَتَيْسِيرِكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجة وبن حبان
32 -
بَاب مِنْهُ [3421] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ) هُوَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ أَبُو سَلَمَةَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ وَالْمَاجِشُونِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أبيض الوجه مورده لفظ أعجمي قاله النَّوَوِيُّ وَقَالَ فِي الْمَعْنَى بِفَتْحِ جِيمٍ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبِنُونٍ وَهُوَ مُعَرَّبُ ما كون أَيْ شَبَهُ الْقَمَرِ سُمِّيَ بِهِ لِحُمْرَةِ وجنتيه يوسف الماجشون وفي بعضها بن الْمَاجِشُونِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ لَقَبُ يَعْقُوبَ وَجَرَى عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَخِيهِ وَلِذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ وَفِي بَعْضِهَا ابْنُهُ انْتَهَى (أَخْبَرَنِي أَبِي) أَيْ يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ وَالتَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو يُوسُفَ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ وَجَّهْتُ إِلَخْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الْآتِيَةِ إِذَا قَامَ إلى الصلاة المكتوبة وفيها ويقول حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَجَّهْتُ إِلَخْ وَجَّهْتُ وَجْهِي بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ تَوَجَّهْتُ بِالْعِبَادَةِ بِمَعْنَى أَخْلَصْتُ عِبَادَتِي لِلَّهِ وَقِيلَ صَرَفْتُ وَجْهِي وَعَمَلِي وَنِيَّتِي أَوْ أَخْلَصْتُ وِجْهَتِي وَقَصْدِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَيْ إِلَى الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَهُمَا حَنِيفًا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ وَجَّهْتُ أَيْ مَائِلًا إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ ثَابِتًا عَلَيْهِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَنِيفُ الْمَائِلُ إِلَى الْإِسْلَامِ الثَّابِتُ عَلَيْهِ وَالْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَأَصْلُ الْحَنَفِ الْمَيْلُ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيَانٌ لِلْحَنِيفِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ وَالْمُشْرِكُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ كَافِرٍ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ وَصَنَمٍ وَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزِنْدِيقٍ وَغَيْرِهِمْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي النُّسُكُ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ وَكُلُّ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ فِيهِمَا وَإِسْكَانُهُمَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَتْحِ يَاءِ مَحْيَايَ وَإِسْكَانِ مَمَاتِي لِلَّهِ أَيْ هُوَ خَالِقُهُمَا وَمُقَدِّرُهُمَا وَقِيلَ طَاعَاتُ الْحَيَاةِ وَالْخَيْرَاتُ الْمُضَافَةُ إِلَى الْمَمَاتِ كَالْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ حَيَاتِي وَمَوْتِي لِلَّهِ لَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهِ فِيهَا أَوْ مَا أَنَا عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ فِي حَيَاتِي وَمَا أَمُوتُ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللَّهِ (رَبِّ الْعَالَمِينَ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَيْ مَالِكِهِمْ
وَمُرَبِّيهِمْ وَهُمْ مَا سِوَى اللَّهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ أَيْ بِالتَّوْحِيدِ الْكَامِلِ الشَّامِلِ لِلْإِخْلَاصِ قَوْلًا وَاعْتِقَادًا وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِي أُخْرَى لَهُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ أَخْبَرَنَا شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بن أبي حمزة قال قال لي بن المنكدر وبن أَبِي فَرْوَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِذَا قُلْتَ أَنْتَ فَقُلْ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي قَوْلَهُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ إِنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ إِنَّمَا يَقُولُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وهو وهم منشوء تَوَهُّمُ أَنَّ مَعْنَى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أَنِّي أَوَّلُ شَخْصٍ اتَّصَفَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ بَيَانُ الْمُسَارَعَةِ فِي الِامْتِثَالِ لِمَا أُمِرَ بِهِ
وَنَظِيرُهُ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أول العابدين وقال موسى (وأنا أول المؤمنين) وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَوْلِهِ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلُهُ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى إِرَادَةِ الشَّخْصِ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ وَقُولِي إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي إِلَى قَوْلِهِ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى
أللهم أي يالله وَالْمِيمُ بَدَلٌ عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ وَلِذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي الشِّعْرِ أَنْتَ الْمَلِكُ أَيِ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَنَا عَبْدُكَ أَيْ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّكَ مَالِكِي وَمُدَبِّرِي وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِيَّ ظَلَمْتُ نَفْسِي أَيِ اعْتَرَفْتُ بِالتَّقْصِيرِ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ أَدَبًا كَمَا قَالَ آدَمُ وَحَوَّاءُ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ من الخاسرين إِنَّهُ بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفَّارُ الْغَفُورُ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ أَيْ أَرْشِدْنِي لِأَكْمَلِهَا وَأَفْضَلِهَا وَوَفِّقْنِي لِلتَّخَلُّقِ بِهَا وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا أَيْ قَبِيحَهَا تَبَارَكْتَ أَيِ اسْتَحْقَقْتَ الثَّنَاءَ وَقِيلَ ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَكَ وَقِيلَ جِئْتَ بِالْبَرَكَاتِ أَوْ تَكَاثَرَ خَيْرُكَ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ لِلدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ وَتَعَالَيْتَ أَيِ ارْتَفَعَتْ عَظَمَتُكَ وَظَهَرَ قَهْرُكَ وَقُدْرَتُكَ عَلَى مَنْ فِي الْكَوْنَيْنِ وَقِيلَ أَيْ عَنْ مُشَابَهَةِ كُلِّ شَيْءٍ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتَ فِي تَقْدِيمِ الْجَارِّ إِشَارَةً إِلَى التَّخْصِيصِ وَلَكَ أَسْلَمْتُ أَيْ لَكَ ذَلَلْتُ وَانْقَدْتُ أَوْ لَكَ أَخْلَصْتُ وَجْهِي خَشَعَ أَيْ خَضَعَ وَتَوَاضَعَ أَوْ سَكَنَ لَكَ سَمْعِي فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مِنْكَ وَبَصَرِي فَلَا يَنْظُرُ إِلَّا بِكَ وَإِلَيْكَ وَتَخْصِيصُهُمَا مِنْ بَيْنِ الْحَوَاسِّ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْآفَاتِ بِهِمَا فَإِذَا خَشَعَتَا قَلَّتِ الْوَسَاوِسُ قَالَهُ بن الملك ومخي قال بن رَسْلَانَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدِّمَاغُ وَأَصْلُهُ الْوَدَكُ الَّذِي فِي الْعَظْمِ وَخَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ مُخُّهُ وَعَظْمِي وَعَصَبِي فَلَا يَقُومَانِ وَلَا يَتَحَرَّكَانِ إِلَّا بِكَ فِي طَاعَتِكَ وَهُنَّ عُمُدُ الْحَيَوَانِ وَأَطْنَابُهُ وَاللَّحْمُ وَالشَّحْمُ غَادٍ وَرَائِحٌ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أي من
الرُّكُوعِ (قَالَ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الْآتِيَةِ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ وَرَفْعِهَا وَالنَّصْبُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِعِظَمِهِ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ سَجَدَ وَجْهِي أَيْ خَضَعَ وَذَلَّ وَانْقَادَ فَصَوَّرَهُ زَادَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فَأَحْسَنَ صُوَرَهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أَيِ الْمُصَوِّرِينَ وَالْمُقَدِّرِينَ فَإِنَّهُ الْخَالِقُ الْحَقِيقِيُّ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يُوجِدُ صُوَرًا مُمَوَّهَةً لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْخَلْقِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وصنعته والله خلقكم وما تعملون ثُمَّ يَكُونُ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ مَا قَدَّمْتُ مِنْ سَيِّئَةٍ وَمَا أَخَّرْتُ مِنْ عَمَلٍ أَيْ جَمِيعَ مَا فُرِّطَ مِنِّي قَالَهُ الطِّيبِيُّ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا أَخَّرْتُ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ قَبْلَ الذَّنْبِ مُحَالٌ كَذَا قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ
قَالَ الْأَسْنَوِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُحَالُ إِنَّمَا هُوَ طَلَبُ مَغْفِرَتِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَأَمَّا الطَّلَبُ قَبْلَ الْوُقُوعِ أَنْ يَغْفِرَ إِذَا وَقَعَ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَيْ جَمِيعَ الذُّنُوبِ لِأَنَّهَا إِمَّا سِرٌّ أَوْ عَلَنٌ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قدم من شاء بالتوفيق إلى مقدمات السَّابِقِينَ وَأَخَّرَ مَنْ شَاءَ عَنْ مَرَاتِبِهِمْ وَقِيلَ قَدَّمَ مَنْ أَحَبَّ مِنْ أَوْلِيَائِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ عَبِيدِهِ وَأَخَّرَ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ وَلَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود والنسائي مطولا وبن ماجة مختصرا وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
[3422]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ) هُوَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ (حَدَّثَنِي عَمِّي) هُوَ يَعْقُوبُ الْمَاجِشُونِ وَالِدُ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ قَوْلُهُ لَبَّيْكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ يُقَالُ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ إِلْبَابًا أَيْ أَقَامَ بِهِ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَّيْنَ فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ
مَعْنَاهُ مُسَاعَدَةً لِأَمْرِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ وَمُتَابَعَةً لِدِينِكَ بَعْدَ مُتَابَعَةٍ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَدْحِهِ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ كُلَّ مُحْدَثَاتِ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ سَوَاءٌ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فَذَكَرَهَا مِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُضَافُ الشَّرُّ إِلَيْكَ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يُقَالُ يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَيَا رَبَّ الشَّرِّ وَنَحْوِ هَذَا وَإِنْ كَانَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَوْ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ الشَّرُّ فِي الْعُمُومِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّرَّ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَمِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكَ فَإِنَّكَ خَلَقْتُهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ أَيِ الْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إِلَيْكَ وَتَوْفِيقِي بِكَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعَصَبِي الْعَصَبُ طُنُبُ الْمَفَاصِلِ وَهُوَ أَلْطَفُ مِنَ الْعَظْمِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا اللَّهُ
وَالْمُرَادُ الِاعْتِنَاءُ فِي تَكْثِيرِ الْحَمْدِ مَا أَسْرَرْتُ أَيْ أَخْفَيْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ أَيْ جَاوَزْتُ الْحَدَّ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَيْ مِنْ ذُنُوبِي وَإِسْرَافِي فِي أُمُورِي وَغَيْرِ ذَلِكَ (أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ) أَيْ تُقَدِّمُ مَنْ شِئْتَ بِطَاعَتِكَ وَغَيْرِهَا وَتُؤَخِّرُ مَنْ شِئْتَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُكَ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ
[3423]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ) بْنِ دَاوُدَ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَبُو أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ الْهَاشِمِيُّ الْفَقِيهُ ثِقَةٌ جَلِيلٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَصْلُحُ للخلافة من العاشرة
قوله لا منجا مِنْكَ وَلَا مَلْجَأَ إِلَّا إِلَيْكَ يَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ بَابِ انْتِظَارِ الْفَرَجِ
قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا
الْحَدِيثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ حَتَّى فِي النَّافِلَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ كَثِيرِينَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِفْتَاحِ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالدُّعَاءِ قبل السلام انتهى
قلت القول الراجع الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْعَمَلِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ هَذَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَقُولُهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ
قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُفَصَّلًا فِي بَابِ مَا يَقُولُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ (سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يُوسُفَ (فَقَالَ هَذَا عِنْدَنَا مِثْلُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ) يَعْنِي أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَحَادِيثِ سَنَدًا وَأَقْوَاهَا مِثْلُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ
اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ قَالَ الحافظ بن الصَّلَاحِ فِي مُقَدِّمَتِهِ رُوِّينَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَرُوِّينَا نَحْوَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَرُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا