الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الْحَزَنِ وَقِيلَ هُوَ بِالْآتِي وَالْحَزَنُ بِالْمَاضِي وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَالْعَجْزِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَالْكَسَلِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالسِّينِ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْعَجْزُ هُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَالتَّسْوِيفُ بِهِ
أَمَّا الْكَسَلُ فَهُوَ عَدَمُ انْبِعَاثِ النَّفْسِ لِلْخَيْرِ وَقِلَّةُ الرَّغْبَةِ مَعَ إِمْكَانِهِ انْتَهَى
وَالْبُخْلِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَهُوَ ضِدُّ السَّخَاوَةِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ أَصْلِ الضَّلَعِ هُوَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الِاعْوِجَاجُ يُقَالُ ضَلَعَ بِفَتْحِ اللَّامِ يَضْلَعُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ثِقَلُ الدَّيْنِ وَشِدَّتُهُ وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجِدُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَفَاءً وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْمُطَالَبَةِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ مَا دَخَلَ هَمُّ الدَّيْنِ قَلْبًا إِلَّا أَذْهَبَ مِنَ الْعَقْلِ مَا لَا يَعُودُ إِلَيْهِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ غَلَبَةِ الرِّجَالِ أَيْ شِدَّةِ تَسَلُّطِهِمْ كَاسْتِيلَاءِ الرَّعَاعِ هَرَجًا وَمَرَجًا
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الرَّذَائِلِ ثَلَاثَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ وَبَدَنِيَّةٌ وَخَارِجِيَّةٌ فَالْأُولَى بِحَسَبِ الْقُوَى الَّتِي لِلْإِنْسَانِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْعَقْلِيَّةُ وَالْغَضَبِيَّةُ وَالشَّهْوَانِيَّةُ فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْلِيَّةِ وَالْجُبْنُ بِالْغَضَبِيَّةِ وَالْبُخْلُ بِالشَّهْوَانِيَّةِ وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ بِالْبَدَنِيَّةِ وَالثَّانِي يَكُونُ عِنْدَ سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَتَمَامِ الْآلَاتِ وَالْقُوَى وَالْأَوَّلُ عِنْدَ نُقْصَانِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ وَالضَّلَعُ وَالْغَلَبَةُ بِالْخَارِجِيَّةِ فَالْأَوَّلُ مَائِيٌّ وَالثَّانِي جَاهِيٌّ وَالدُّعَاءُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
[3485]
قَوْلُهُ وَالْهَرَمِ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنْ كِبَرِ سِنٍّ يُؤَدِّي إِلَى تَسَاقُطِ بَعْضِ الْقُوَى وَضَعْفِهَا وَالْجُبْنِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ عَدَمِ الْإِقْدَامِ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ أَيِ الدَّجَّالِ يَعْنِي مِنَ ابْتِلَائِهِ وَامْتِحَانِهِ وَيَأْتِي وَجْهُ تَلْقِيبِ الدَّجَّالِ بِالْمَسِيحِ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ
2 -
(بَاب مَا جَاءَ فِي عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ)
[3486]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَثَّامٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنُ عَلِيٍّ) بْنِ هُجَيْرٍ بِجِيمٍ مُصَغَّرًا
الْعَامِرِيُّ الْكِلَابِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ
قَوْلُهُ (يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ بِيَدِهِ) وَفِي رواية أبي داود قال بن قُدَامَةَ بِيَمِينِهِ وَأَبُو قُدَامَةَ هَذَا هُوَ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ
وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْأَنَامِلِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ يُسَيْرَةَ الذي أشار إليه الترمذي بأن الأنامل مسؤولات مُسْتَنْطَقَاتٌ يَعْنِي أَنَّهُنَّ يَشْهَدْنَ بِذَلِكَ فَكَانَ عَقْدُهُنَّ بِالتَّسْبِيحِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَوْلَى مِنَ السُّبْحَةِ وَالْحَصَى وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ صَفِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا الْحَدِيثَ
أَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ص 211 ج 2 هَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى وَكَذَا بِالسُّبْحَةِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ لِتَقْرِيرِهِ صلى الله عليه وسلم للمرتين عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ إِنْكَارِهِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ وَقَدْ وَرَدَتْ بِذَلِكَ آثَارٌ فَفِي جُزْءِ هِلَالٍ الْحَفَّارِ مِنْ طَرِيقِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي صَفِيَّةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُوضَعُ لَهُ نِطْعٌ وَيُجَاءُ بِزِنْبِيلٍ فِيهِ حَصًى فَيُسَبِّحُ بِهِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ يُرْفَعُ فَإِذَا صَلَّى أُتِيَ بِهِ فَيُسَبِّحُ حَتَّى يمسح
وأخرجه الإمام أحمد في الزهد
وأخرج بن سَعْدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يُسَبِّحُ بِالْحَصَى
وَقَالَ بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ امْرَأَةٍ خَدَمَتْهُ عَنْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَبِّحُ بِخَيْطٍ معقود فيها
وأخرج عبد الله بن الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَيْطٌ فِيهِ أَلْفُ عُقْدَةٍ فَلَا يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قال لأبي الدرداء نوى عن الْعَجْوَةِ فِي كِيسٍ فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ أخرجها واحدة يسبح بهن حتى ينفذهن
وأخرج بن سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ بِالنَّوَى الْمَجْمُوعِ
وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ طَرِيقِ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ بِنْتِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهَا عَنْ جَدِّهَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا نِعْمَ الْمُذَكِّرُ السُّبْحَةُ
وَقَدْ سَاقَ السُّيُوطِيُّ آثَارًا فِي الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمِنْحَةُ فِي السُّبْحَةِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كِتَابِهِ الْمَجْمُوعِ فِي الفتاوى وقال في آخره ولو يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ وَلَا مِنَ الْخَلَفِ الْمَنْعُ مِنْ جَوَازِ عَدِّ الذِّكْرِ بِالسُّبْحَةِ بَلْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَعُدُّونَهُ بِهَا وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ الترمذي وأقر
هـ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ يُسَيْرَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي أَحَادِيثَ شَتَّى
[3487]
قَوْلُهُ (عَادَ) مِنَ الْعِيَادَةِ (رَجُلًا) أَيْ مَرِيضًا (قَدْ جُهِدَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَهَدَ الْمَرَضُ فُلَانًا هَزَّلَهُ (مِثْلُ فَرْخٍ) هُوَ وَلَدُ الطَّيْرِ أَيْ مِثْلُهُ فِي كَثْرَةِ النَّحَافَةِ وَقِلَّةِ الْقُوَّةِ أَمَا كُنْتَ تَدْعُو أَمَا كُنْتَ تَسْأَلُ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَا النَّافِيَةِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ (مَا كُنْتَ مُعَاقَبِي بِهِ) مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ شَرْطِيَّةٌ إِنَّكَ لَا تُطِيقُهُ أَيْ فِي الدُّنْيَا أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ وَفِيهِ فَضْلُ الدُّعَاءِ بِاللَّهُمِ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَفِيهِ جَوَازُ التعجب يقول سُبْحَانَ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَتْ نَظَائِرُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَفِيهِ كَرَاهَةُ تَمَنِّي الْبَلَاءِ لِئَلَّا يَتَضَجَّرَ مِنْهُ وَيَسْخَطَهُ وَرُبَّمَا شَكَا
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا الْعِبَادَةُ وَالْعَافِيَةُ وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ وَالْمَغْفِرَةُ
وَقِيلَ الْحَسَنَةُ نِعَمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا مُنَاسَبَةَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا بِالْبَابِ فَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ بَابٌ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ فَسَقَطَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
73 -
باب [3489] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُشَمِيُّ
قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى أَيِ الْهِدَايَةَ وَالتَّقْوَى
قَالَ الطِّيبِيُّ أَطْلَقَ الْهُدَى وَالتُّقَى لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَدَى إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكُلَّ مَا يَجِبُ أَنْ يُتَّقَى مِنْهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَرَذَائِلِ الأخلاق وطلب العفاف والغنى تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ انْتَهَى الْعَفَافَ وَالْغِنَى الْعَفَافُ وَالْعِفَّةُ هُوَ التَّنَزُّهُ عَمَّا لَا يُبَاحُ وَالْكَفُّ عنه والغنى ها هنا غِنَى النَّفْسِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنِ النَّاسِ وَعَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن ماجة
4 -
باب [3490] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ) الشَّامِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ربيعة) بن يزيد الدمشقي وقيل بن يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ (يَقُولُ) اسْمُ كَانَ بِحَذْفِ إِنْ أَيْ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ إِذْ فِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ كَمَا سَبَقَ إِمَّا الْإِضَافَةُ إِلَى الْمَفْعُولِ فَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَحَبَّتِكَ لِلْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ
وَإِمَّا الْإِضَافَةُ إِلَى الْفَاعِلِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ أَيْضًا كَمَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ حَبِّبْنَا إِلَى أَهْلِهَا وَحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إِلَيْنَا
وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ مِنْ سُؤَالِ حُبِّ
الْمَسَاكِينِ فَمُحْتَمَلٌ وَالْعَمَلَ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي الَّذِي يُبَلِّغُنِي بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ يُوَصِّلُنِي وَيُحَصِّلُ لِي حُبَّكَ يَحْتَمِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَيْ حُبِّي إِيَّاكَ مِنْ نَفْسِي وَمَالِي أَيْ مِنْ حُبِّهِمَا حَتَّى أُوثِرَهُ عَلَيْهِمَا وَمِنَ الماء البارد أعاد من ها هنا لِيَدُلَّ عَلَى اسْتِقْلَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي كَوْنِهِ مَحْبُوبًا وَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَإِنَّهُ يُعْدَلُ بِالرُّوحِ (قَالَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (إِذَا ذَكَرَ دَاوُدَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (يُحَدِّثُ عَنْهُ) أَيْ يَحْكِي عَنْهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ يُحَدِّثُ يُرْوَى مَرْفُوعًا جَزَاءً لِلشَّرْطِ إِذَا كَانَ مَاضِيًا وَالْجَزَاءُ مضارعا يسوغ فيه الوجهان انتهى قال القارىء وَمُرَادُهُ أَنَّ الرَّفْعَ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ قِيلَ إِنَّ إِذَا يَجْزِمُ كَمَا ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْجَازِمَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَاضِيًا وَالْجَزَاءُ مُضَارِعًا يَسُوغُ فِيهِ الْوَجْهَانِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ جَازِمًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ رِوَايَةً لَكِنْ لَوْ وَرَدَ لَهُ وَجْهٌ فِي الدِّرَايَةِ (كَانَ) أَيْ دَاوُدَ (أَعْبَدَ الْبَشَرِ) أَيْ فِي زَمَانِهِ كَذَا قَيَّدَ الطِّيبِيُّ
قَالَ الْقَارِئُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِطْلَاقِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْأَعْبَدِيَّةِ الْأَعْلَمِيَّةُ فَضْلًا عَنِ الْأَفْضَلِيَّةِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ
5 -
باب [3491] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ خُمَاشَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ أَيْ لِأَنَّهُ لَا سَعَادَةَ لِلْقَلْبِ وَلَا لَذَّةَ وَلَا نَعِيمَ وَلَا صَلَاحَ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ اللَّهُمَّ مَا رَزَقَتْنِي مِمَّا أُحِبُّ أَيِ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أُحِبُّهَا مِنْ صِحَّةِ الْبَدَنِ وَقُوَّتِهِ وَأَمْتِعَةِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْأَوْلَادِ وَالْفَرَاغِ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي أَيْ عُدَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ أَيْ بِأَنْ
أَصْرِفَهُ فِيمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ مِنَ الزَّيِّ بِمَعْنَى الْقَبْضِ وَالْجَمْعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ
أَيِ اطْوِهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى
أَيْ وَمَا قَبَضْتَهُ وَنَحَّيْتَهُ عَنِّي أَيْ بِأَنْ مَنَعْتَنِي وَلَمْ تُعْطِنِي مِمَّا أُحِبُّ أَيْ مِمَّا أَشْتَهِيهِ مِنَ المال والجاه والأولاد وأمثال ذَلِكَ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي أَيْ سَبَبَ فَرَاغِ خَاطِرِي فِيمَا تُحِبُّ أَيْ مِنَ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ وَالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ
قَالَ الْقَاضِي يَعْنِي مَا صَرَفْتَ عَنِّي مِنْ مَحَابِّي فَنَحِّهِ عَنْ قَلْبِي وَاجْعَلْهُ سَبَبًا لِفَرَاغِي لِطَاعَتِكَ وَلَا تَشْغَلْ بِهِ قَلْبِي فَيُشْغَلَ عَنْ عِبَادَتِكَ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ اجْعَلْ مَا نَحَّيْتَهُ عَنِّي مِنْ مَحَابِّي عَوْنًا لِي عَلَى شُغْلِي بِمَحَابِّكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرَاغَ خِلَافُ الشغل فإذا ذوي عَنْهُ الدُّنْيَا لِيَتَفَرَّغَ بِمَحَابِّ رَبِّهِ كَانَ ذَلِكَ الْفَرَاغُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِطَاعَةِ اللَّهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَوْلُهُ (اسْمُهُ عُمَيْرُ) بِالتَّصْغِيرِ (بن يَزِيدَ بْنِ خُمَاشَةَ) بِضَمِّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَخِفَّةِ ميم وإعجام شين
6 -
باب [3492] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ) الْعَبْسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ لَمْ يُصِبِ الْأَزْدِيُّ فِي تَضْعِيفِهِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ شُتَيْرِ) بِضَمِّ الشين المعجمة وفتح الفوقية مصغرا (بن شَكَلٍ) بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَكَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَبِاللَّامِ الْعَبْسِيِّ بموحدة الكوفي ثقة من الثالثة (من أَبِيهِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ) الْعَبْسِيِّ الْكُوفِيِّ صَحَابِيٌّ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ
قَوْلُهُ (عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا) أَيْ مَا يُتَعَوَّذُ بِهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْعَوْذُ وَالْمَعَاذُ وَالتَّعْوِيذُ بِمَعْنًى (أَتَعَوَّذُ بِهِ) أَيْ لِخَاصَّةِ نَفْسِي (قَالَ فَأَخَذَ بِكَفِّي) كَانَ أَخْذُهُ صلى الله عليه وسلم كَفَّهُ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ بِالتَّعْلِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمُصَافَحَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي أَيْ حَتَّى لَا أَسْمَعَ بِهِ مَا تَكْرَهُهُ وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي أَيْ حَتَّى لَا أَرَى شَيْئًا لَا تَرْضَاهُ وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي أَيْ حَتَّى لَا أَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِينِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي أَيْ حَتَّى لَا أَعْتَقِدَ اعْتِقَادًا فَاسِدًا ولا يكون
فِيهِ نَحْوَ أَحَدٍ حِقْدٌ وَحَسَدٌ وَتَصْمِيمُ فِعْلٍ مَذْمُومٍ أَبَدًا وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي وَهُوَ أَنْ يغلب عليه حتى يقع في الزنى أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ (يَعْنِي فَرْجَهُ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِقَوْلِهِ مَنِيِّي أَيْ يُرِيدُ شَرَّ فَرْجِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وأقره
7 -
باب [3494] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلِّمُهُمْ) أَيْ أَصْحَابَهُ أَوْ أَهْلَ بَيْتِهِ (هَذَا الدُّعَاءَ) أَيِ الَّذِي يَأْتِي
قَالَ النووي ذهب طاؤس إِلَى وُجُوبِهِ وَأَمَرَ ابْنَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ حِينَ لَمْ يَدْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِيهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مَخْلَصَ مِنْ عَذَابِهَا إِلَّا بِالِالْتِجَاءِ إِلَى بَارِئِهَا وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ اسْتِعَاذَةٌ لِلْأُمَّةِ أَوْ تَعْلِيمٌ لَهُمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُعَذَّبُونَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ أَيْ عَلَى تقدير لقبه قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفِتْنَةُ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ وَقَالَ عِيَاضٌ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْعُرْفِ لِكَشْفِ مَا يَكْرَهُ والمسيح يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مَرْيَمَ عليه السلام لَكِنْ إِذَا أُرِيدَ الدَّجَّالُ قيدوبه
وَاخْتُلِفَ فِي تَلْقِيبِ الدَّجَّالِ بِذَلِكَ قِيلَ لِأَنَّهُ ممسوع الْعَيْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ خُلِقَ مَمْسُوحًا لَا عَيْنَ فِيهِ وَلَا حَاجِبَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الْأَرْضَ إِذَا خَرَجَ
وَأَمَّا عِيسَى فَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ وَقِيلَ لِأَنَّ زَكَرِيَّا مَسَحَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ ذَا عَاهَةٍ إلا بريء وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْضَ بِسِيَاحَتِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ رِجْلَهُ كَانَتْ لَا أَخْمَصَ لَهَا وَقِيلَ لليسه الْمُسُوحَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ هذا تعميم بعد تخصيص قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِتْنَةُ الْمَحْيَا مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مدة حياته من الافتتان بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ
وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَيَكُونُ المراد بفتنة المحيا على هذا ما قيل ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ وَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَلَا يَكُونُ مَعَ هَذَا الْوَجْهِ مُتَكَرِّرًا مَعَ قَوْلِهِ عَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ الْعَذَابَ مُرَتَّبٌ عن الفتنة والسبب غير المسيب انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
[3495]
قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ أَيْ فِتْنَةٍ تُؤَدِّي إِلَى النَّارِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِفِتْنَةِ النَّارِ سُؤَالُ الْخَزَنَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ وَعَذَابِ النَّارِ أَيْ مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَهُمُ الْكُفَّارُ فَإِنَّهُمْ هُمُ الْمُعَذَّبُونَ وَأَمَّا الْمُوَحِّدُونَ فَإِنَّهُمْ مُؤَدَّبُونَ وَمُهَذَّبُونَ بِالنَّارِ لَا مُعَذَّبُونَ بِهَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَهُوَ ضَرْبُ مَنْ لَمْ يُوَفَّقْ لِلْجَوَابِ بِمَقَامِعَ مِنَ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعَذَابِ
وَالْمُرَادُ بِالْقَبْرِ الْبَرْزَخُ وَالتَّعْبِيرُ بِهِ لِلْغَالِبِ أَوْ كُلُّ مَا اسْتَقَرَّ أَجْزَاؤُهُ فِيهِ فهو قبره وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ أَيِ التَّحَيُّرِ فِي جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَهِيَ الْبَطَرُ وَالطُّغْيَانُ وَتَحْصِيلُ الْمَالِ مِنَ الْحَرَامِ وَصَرْفُهُ فِي الْعِصْيَانِ وَالتَّفَاخُرُ بِالْمَالِ وَالْجَاهِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَهِيَ الْحَسَدُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَالطَّمَعُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَالتَّذَلُّلُ بِمَا يُدَنِّسُ الْعِرْضَ وَيَثْلِمُ الدِّينَ وَعَدَمُ الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِتْنَةُ الْغِنَى الْحِرْصُ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَالْحُبُّ عَلَى أَنْ يَكْسِبَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ وَاجِبَاتِ إِنْفَاقِهِ وَحُقُوقِهِ وَفِتْنَةُ الْفَقْرِ يُرَادُ بِهِ الْفَقْرُ الَّذِي لَا يَصْحَبُهُ صَبْرٌ وَلَا وَرَعٌ حَتَّى يَتَوَرَّطَ صَاحِبُهُ بِسَبَبِهِ فِيمَا لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ وَلَا يُبَالِي بِسَبَبِ فَاقَتِهِ عَلَى أَيِّ حَرَامٍ وَثَبَ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ أَيْ أَزِلْهَا عَنِّي وَالْبَرَدِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ حَبُّ الْغَمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا مُبَالَغَةً لِأَنَّ مَا غُسِلَ بِالثَّلَاثَةِ أَنْقَى مِمَّا غُسِلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ فَسَأَلَ بِأَنْ يُطَهِّرَهُ التَّطْهِيرَ الْأَعْلَى الْمُوجِبَ لِجَنَّةِ الْمَأْوَى وَالْمُرَادُ طَهِّرْنِي بِأَنْوَاعِ مَغْفِرَتِكَ وَأَنْقِ مِنَ الْإِنْقَاءِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ نَقِّ مِنَ التَّنْقِيَةِ مِنَ الدَّنَسِ أَيِ الْوَسَخِ وَبَاعِدْ أَيْ أَبْعِدْ وَعَبَّرَ بِالْمُفَاعَلَةِ مُبَالَغَةً وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاعَدَةِ مُحَرَّمًا مَا حَصَلَ مِنْهَا وَالْعِصْمَةُ عَمَّا سَيَأْتِي مِنْهَا وَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُبَاعَدَةِ إِنَّمَا هِيَ فِي الزَّمَانِ والمكان وموقع التشبيه أن النقاء الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مُسْتَحِيلٌ فَكَأَنَّهُ
أَرَادَ أَنْ لَا يَبْقَى لَهَا مِنْهُ اقْتِرَابٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْمَأْثَمِ أَيْ مِمَّا يَأْثَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ أَوْ مِمَّا فِيهِ إِثْمٌ أَوْ مِمَّا يُوجِبُ الْإِثْمَ أَوِ الْإِثْمِ نَفْسِهِ وَالْمَغْرَمِ هُوَ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ يُرِيدُ بِهِ مَغْرَمَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَقِيلَ الْمَغْرَمُ كَالْغُرْمِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَيُرِيدُ بِهِ مَا اسْتُدِينَ فِيمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ أَوْ فِيمَا يَجُوزُ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فَأَمَّا دَيْنٌ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ فَلَا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ
قَالَهُ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة
[3496]
قوله (حدثنا هارون) هو بن إسحاق الهمداني (أخبرنا عبده) هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ قَوْلُهُ وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى الْمُرَادُ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى هُنَا جَمَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَهُوَ اسْمٌ جَاءَ عَلَى فَعِيلٍ وَمَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ كَالصَّدِيقِ وَالْخَلِيطِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ
وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَمْعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَحَسُنَ أولئك رفيقا كَذَا قَالَ الْجَزَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ
فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ
قَالَ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُطَّلِبِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ والشهداء إِلَى قَوْلِهِ رَفِيقًا
قَالَ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
8 -
بَاب [3493] قوله أللهم إني أعوذ بك بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ إِلَخْ يَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَحَادِيثَ شَتَّى فِي بَابِ دُعَاءِ الْوِتْرِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
9 -
(باب [3497] قَوْلُهُ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ)
الْمُرَادُ بِالْمَسْأَلَةِ الدُّعَاءُ قَالَ الْعُلَمَاءُ عَزْمُ الْمَسْأَلَةِ الشِّدَّةُ فِي طَلَبِهَا وَالْحَزْمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فِي الطَّلَبِ وَلَا تَعْلِيقٍ عَلَى مَشِيئَةٍ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَةِ
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْجَزْمِ فِي الطَّلَبِ وَكَرَاهَةُ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ كَرَاهَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ اسْتِعْمَالُ الْمَشِيئَةِ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْإِكْرَاهُ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ
وَقِيلَ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظِ صُورَةَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْمَطْلُوبِ وَالْمَطْلُوبِ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنَ الْإِكْرَاهِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ وَهُمَا بِمَعْنًى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود
0 -
باب [3498] قَوْلُهُ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَخْ قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ نُزُولِ الرَّبِّ تبارك وتعالى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شرحه
[3499]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) بْنِ أَيُّوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ أَبُو يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ الْقَصْرِيُّ الْمُعَلِّمُ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ) أَيْ أَوْفَقُ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ رُوِيَ بِالرَّفْعِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ مَرْفُوعًا أَيْ دُعَاءُ جَوْفِ اللَّيْلِ أَسْمَعُ وَرُوِيَ بِنَصْبِ جَوْفٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي جَوْفِهِ الْآخِرُ صِفَةُ جَوْفُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْإِعْرَابِ قِيلَ وَالْجَوْفُ الْآخِرُ هُوَ وَسْطُ النِّصْفِ الْآخِرِ مِنَ اللَّيْلِ بِسُكُونِ السِّينِ لَا بِالتَّحْرِيكِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ عَطْفٌ عَلَى جوف تابع له في الإعراب
1 -
باب [3501] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ) بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ
قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَبَقِيَّةَ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ وَعَبْدُ اللَّهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ زِيَادٍ) الْحِمْصِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرابعة
قوله نشهدك من الإشهاد أن نَجْعَلُكَ شَاهِدًا عَلَى إِقْرَارِنَا بِوَحْدَانِيِّتِكَ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ إِقْرَارٌ
لِلشَّهَادَةِ وَتَأْكِيدٌ لَهَا وَتَجْدِيدٌ لَهَا فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ وَعَرْضٌ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَمَلَائِكَتَكَ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَيْ مَخْلُوقَاتِكَ تَعْمِيمٌ آخَرُ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ أَيْ مِنْ ذنب قال القارىء اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِمَّا هُوَ جَوَابٌ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَيِ الَّذِي قَالَ فِيهِ ذَلِكَ الذِّكْرَ تَقْدِيرُهُ مَا قَالَ قَائِلٌ هَذَا الدُّعَاءَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ
أَوْ يُقَدَّرُ نَفْيٌ أَيْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا هَذِهِ الْحَالَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ الْجَسِيمَةِ فَعَلَى هَذَا مَنْ فِي مَنْ قَالَ بِمَعْنَى مَا النَّافِيَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا زائدة انتهى
قلت كون إلا ها هنا زَائِدَةً هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ زَائِدَةً مِنْ ذَنْبٍ أَيْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ وَاسْتَثْنَى الْكَبَائِرَ وَكَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْإِطْلَاقُ لِلتَّرْغِيبِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي في عمل اليوم والليلة
2 -
باب [3500] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عُمَرَ الْهِلَالِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ أَبُو عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو أُمَيَّةَ الْكُوفِيُّ سَكَنَ الرَّيَّ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الدُّعَاءِ فِي اللَّيْلِ إِلَّا أَنَّهُ سَمَّى أَبَاهُ فِيهِ عُمَرَ وَقَالَ فِي التقريب صدوق يخطىء مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي السَّلِيلِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ اسْمُهُ ضُرَيْبٌ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وفتح الراء المهملة آخره موحدة مصغرا بن نُقَيْرٍ بِنُونٍ وَقَافٍ مُصَغَّرًا الْقَيْسِيِّ الْجُرَيْرِيِّ بِضَمِّ الجيم مصغرا ثقة الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي أَوْ مَا لَا يَلِيقُ أَوْ إِنْ وَقَعَ وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي أَيْ وَسِّعْ لِي فِي مَسْكَنِي فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ ضِيقَ مَرَافِقِ الدَّارِ يُضَيِّقُ الصَّدْرَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ وَيَشْغَلُ الْبَالَ وَيَغُمُّ الرُّوحَ أَوِ الْمُرَادُ الْقَبْرُ فَإِنَّهُ الدَّارُ الْحَقِيقِيَّةُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسِّعْ لِي فِي رَأْيِي أَيِ اجْعَلْ رَأْيِي وَاسِعًا لَا
ضِيقَ فِيهِ وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي أَيِ اجْعَلْهُ مُبَارَكًا مَحْفُوفًا بِالْخَيْرِ وَوَفِّقْنِي لِلرِّضَا بِالْمَقْسُومِ مِنْهُ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِغَيْرِهِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهَلْ تَرَاهُنَّ أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةَ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ تَرَكْنَ شَيْئًا أَيْ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
قَوْلُهُ (اسْمُهُ ضُرَيْبُ بْنُ نُقَيْرٍ) أَيْ بِالْقَافِ (وَيُقَالُ نُفَيْرٍ) أَيْ بِالْفَاءِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وأخرجه النسائي وبن السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَسَمِعْتُهُ يَدْعُو يَقُولُ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي إِلَخْ قال في الأذكار إسناده صحيح
3 -
باب [3502] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) الْغَافِقِيُّ (عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ) التُّجِيبِيِّ أَبِي عُمَرَ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ فَقِيهٌ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ (قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقد تتصل ما بقل فَيُقَالُ قَلَّمَا جِئْتُكُ وَتَكُونُ مَا كَافَّةً عَنْ عَمَلِ الرَّفْعِ فَلَا اقْتِضَاءَ لِلْفَاعِلِ وَتُسْتَعْمَلُ قَلَّمَا لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا النَّفْيُ الصِّرْفُ وَالثَّانِي إِثْبَاتُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا أَيِ اجْعَلْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ أَيْ مِنْ خَوْفِكَ مَا أَيْ قَسْمًا وَنَصِيبًا يَحُولُ مِنْ حَالَ يَحُولُ حَيْلُولَةً أَيْ يَحْجُبُ وَيَمْنَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا امْتَلَأَ مِنَ الْخَوْفِ أَحْجَمَتِ الْأَعْضَاءُ عَنِ الْمَعَاصِي وَمِنْ طَاعَتِكَ أَيْ بِإِعْطَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالتَّوْفِيقِ لَهَا مَا تُبَلِّغُنَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ تُوَصِّلُنَا أَنْتَ بِهِ جَنَّتَكَ أَيْ مَعَ شُمُولِنَا بِرَحْمَتِكَ وَلَيْسَتِ الطَّاعَةُ وَحْدَهَا مُبَلِّغَةً وَمِنَ الْيَقِينِ أَيِ الْيَقِينِ بِكَ وَبِأَنْ لَا مَرَدَّ لِقَضَائِكَ وَبِأَنَّهُ لَا يُصِيبُنَا إِلَّا مَا كَتَبْتَهُ عَلَيْنَا وَبِأَنَّ مَا قَدَّرْتَهُ لَا يَخْلُو عَنْ حِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَزِيدِ الْمَثُوبَةِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ أَيْ تُسَهِّلُ أَنْتَ بِذَلِكَ الْيَقِينِ مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ يَقِينًا أن
مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا مَثُوبَاتُ الْأُخْرَى لَا يَغْتَمُّ بِمَا أَصَابَهُ وَلَا يَحْزَنُ بِمَا نَابَهُ وَمَتِّعْنَا مِنَ التَّمْتِيعِ أَيِ اجْعَلْنَا مُتَمَتِّعِينَ وَمُنْتَفِعِينَ بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا أَيْ بِأَنْ نَسْتَعْمِلَهَا فِي طَاعَتِكَ
قَالَ بن الْمَلَكِ التَّمَتُّعُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ إِبْقَاؤُهُمَا صَحِيحَيْنِ إِلَى الْمَوْتِ مَا أَحْيَيْتَنَا أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِنَا
وَإِنَّمَا خَصَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ بِالتَّمْتِيعِ مِنَ الْحَوَاسِّ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْمُوَصِّلَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ إِنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ طَرِيقِهِمَا
لِأَنَّ الْبَرَاهِينَ إِنَّمَا تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنَ الْآيَاتِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ السَّمْعِ أَوْ مِنَ الْآيَاتِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ فَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْبَصَرِ فَسَأَلَ التَّمْتِيعَ بِهِمَا حَذَرًا مِنَ الِانْخِرَاطِ فِي سِلْكِ الَّذِينَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً وَلَمَّا حَصَلَتِ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَوَّلَيْنِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعِبَادَةُ فَسَأَلَ الْقُوَّةَ لِيَتَمَكَّنَ بِهَا مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ قُوَّةُ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالْحَوَاسِّ أَوْ جَمِيعِهَا فَيَكُونُ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَاجْعَلْهُ أَيِ الْمَذْكُورَ مِنَ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُوَّةِ الْوَارِثَ أَيِ الْبَاقِيَ مِنَّا أَيْ بِأَنْ يَبْقَى إِلَى الْمَوْتِ
قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ اجْعَلْهُ لِلْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْجَعْلُ أَيِ اجْعَلِ الجعل وعلى هذا الوارث مفعول أول ومنا مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيِ اجْعَلِ الْوَارِثَ مِنْ نَسْلِنَا لَا كَلَالَةً خَارِجَةً مِنَّا وَالْكَلَالَةُ قَرَابَةٌ لَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ الْوِلَادَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ قَدْ يُضْمَرُ وَلَكِنْ لَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنَ اللَّفْظِ وَلَا يَنْسَاقُ الذِّهْنُ إِلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالثَّانِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِلتَّمَتُّعِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ مَتِّعْنَا وَالْمَعْنَى اجْعَلْ تَمَتُّعَنَا بِهَا بَاقِيًا مَأْثُورًا فِيمَنْ بَعْدَنَا لِأَنَّ وَارِثَ الْمَرْءِ لَا يَكُونُ إِلَّا الَّذِي يَبْقَى بَعْدَهُ فالمفعول الثاني الوارث وهو الْمَعْنَى يُشْبِهُ سُؤَالَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَى نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين وَقِيلَ مَعْنَى وِرَاثَتِهِ دَوَامُهُ إِلَى يَوْمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ إِنَّمَا يَكُونُ بَاقِيًا فِي الدُّنْيَا وَالثَّالِثُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُوَى بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَمِثْلُ هَذَا شَائِعٌ فِي الْعِبَارَاتِ لَا كَثِيرَ تَكَلُّفٍ فِيهَا وَإِنَّمَا التَّكَلُّفُ فِيمَا قِيلَ إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ وَيَدُلُّ عَلَى ذلك على وُجُودُ الْحُكْمِ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ تَقَارَبَا فِي مَعْنَيَيْهِمَا فَإِنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى الْآخَرِ وَالْمَعْنَى بِوِرَاثَتِهَا لُزُومُهَا إِلَى مَوْتِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ مَنْ يَلْزَمُ إِلَى مَوْتِهِ انْتَهَى (وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا) بِالْهَمْزِ بَعْدَ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ إِدْرَاكَ ثَأْرِنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا أَيْ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَلَا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ تَعَدَّى فِي طَلَبِ ثَأْرِهِ فَأَخَذَ بِهِ غَيْرَ الْجَانِي كَمَا كَانَ مَعْهُودًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَرْجِعَ ظَالِمِينَ بَعْدَ أَنْ كُنَّا مَظْلُومِينَ وَأَصْلُ الثَّأْرِ الْحِقْدُ وَالْغَضَبُ يقال ثَأَرْتُ الْقَتِيلَ وَبِالْقَتِيلِ أَيْ قَتَلْتُ قَاتِلَهُ وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا أَيْ لَا تُصِبْنَا بِمَا يُنْقِصُ دِينَنَا مِنَ اعْتِقَادِ السُّوءِ وَأَكْلِ الْحَرَامِ وَالْفَتْرَةِ فِي الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا أَيْ لَا تَجْعَلْ طَلَبَ الْمَالِ وَالْجَاهِ أَكْبَرَ
قَصْدِنَا أَوْ حُزْنِنَا بَلِ اجْعَلْ أَكْبَرَ قَصْدِنَا أَوْ حُزْنِنَا مَصْرُوفًا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ أَنَّ قَلِيلًا مِنَ الْهَمِّ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي أَمْرِ الْمَعَاشِ مُرَخَّصٌ فِيهِ بَلْ مُسْتَحَبٌّ بَلْ وَاجِبٌ وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا أَيْ غَايَةَ عِلْمِنَا أَيْ لَا تَجْعَلْنَا حَيْثُ لَا نَعْلَمُ وَلَا نَتَفَكَّرُ إِلَّا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا
بَلِ اجْعَلْنَا مُتَفَكِّرِينَ فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ مُتَفَحِّصِينَ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِالدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْمَبْلَغُ الْغَايَةُ الَّتِي يَبْلُغُهُ الْمَاشِي وَالْمُحَاسِبُ فَيَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا أَيْ لَا تَجْعَلْنَا مَغْلُوبِينَ لِلْكُفَّارِ وَالظَّلَمَةِ أَوْ لَا تَجْعَلِ الظَّالِمِينَ عَلَيْنَا حَاكِمِينَ فَإِنَّ الظَّالِمَ لَا يَرْحَمُ الرَّعِيَّةَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ
[3503]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) النَّبِيلُ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ) الْعَدَوِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ مَيْمُونٌ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ) بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثالثة
قوله اللهم إني أعوذ بك من الْهَمِّ وَالْكَسَلِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا الْزَمْهُنَّ أَيْ هَذِهِ الكلمات
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرج أحمد في مسنده بنحوه
4 -
باب [3504] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ) هُوَ الْأَعْوَرُ
قَوْلُهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَيِ الصَّغَائِرَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ أَيِ الْكَبَائِرَ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ فَعَلَى هذا كلمة إن للشرط والواو للموصل وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ
جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً مَعْطُوفَةً عَلَى السَّابِقَةِ وَجَزَاؤُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ إِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ إِنْ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُثَقَّلَةِ فَالْجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى الْعَلِيُّ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْحُكْمِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ عَلَا يَعْلُو الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي جَاوَزَ قَدْرُهُ وَجَلَّ عَنْ حُدُودِ الْعُقُولِ حَتَّى لَا تُتَصَوَّرَ الْإِحَاطَةُ بِكُنْهِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَالْعِظَمُ فِي صِفَاتِ الْأَجْسَامِ كِبَرُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ والله تعالى جل قدره من ذَلِكَ الْحَلِيمُ أَيِ الَّذِي لَا يَعْجَلُ بِالْعُقُوبَةِ (الكريم) هو الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه وهو الكريم المطلق
4 -
باب قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ) هُوَ الْأَعْوَرُ
قَوْلُهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَيِ الصَّغَائِرَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ أَيِ الْكَبَائِرَ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ فَعَلَى هذا كلمة إن للشرط والواو للموصل وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً مَعْطُوفَةً عَلَى السَّابِقَةِ وَجَزَاؤُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ إِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ إِنْ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُثَقَّلَةِ فَالْجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى الْعَلِيُّ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْحُكْمِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ عَلَا يَعْلُو الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي جَاوَزَ قَدْرُهُ وَجَلَّ عَنْ حُدُودِ الْعُقُولِ حَتَّى لَا تُتَصَوَّرَ الْإِحَاطَةُ بِكُنْهِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَالْعِظَمُ فِي صِفَاتِ الْأَجْسَامِ كِبَرُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ وَاللَّهُ تَعَالَى جَلَّ قدره من ذَلِكَ الْحَلِيمُ أَيِ الَّذِي لَا يَعْجَلُ بِالْعُقُوبَةِ (الكريم) هو الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه وهو الكريم المطلق
5 -
باب [3505] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الضَّبِّيُّ الْفِرْيَابِيُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْمَدَنِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ قَالَ بن حِبَّانَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَحَابِيٍّ مِنَ السَّادِسَةِ
قَوْلُهُ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ أَيْ دُعَاءُ صَاحِبِ الْحُوتِ وَهُوَ يُونُسُ عليه الصلاة والسلام إِذْ دَعَا أَيْ رَبَّهُ وَهُوَ ظَرْفُ دَعْوَةُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ فَإِنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ لَمْ يَدْعُ بِهَا أَيْ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ أَوْ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي شَيْءٍ أَيْ مِنَ الْحَاجَاتِ وَالتَّقْدِيرِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا إِلَخْ
وَحَدِيثُ سَعْدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَزَادَ فِي طَرِيقٍ عِنْدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ كَانَتْ لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً فَقَالَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين كذا في الترغيب
6 -
باب [3506] قوله (أخبرنا عبد الأعلى) هو بن عَبْدِ الْأَعْلَى (عَنْ سَعِيدِ) بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) اسْمُهُ نُفَيْعٌ الصَّائِغُ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مِنَ الثَّانِيَةِ
قَوْلُهُ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَشْهَرَ أَسْمَائِهِ سبحانه وتعالى اللَّهُ لِإِضَافَةِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ اسْمُهُ الْأَعْظَمُ
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ وَعَلَيْهِ يُنْسَبُ كُلُّ اسْمٍ له فيقال الرؤوف وَالْكَرِيمُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُقَالُ من أسماء الرؤوف أَوِ الْكَرِيمِ اللَّهُ
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ لِأَسْمَائِهِ سبحانه وتعالى فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرُ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ
فَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَارِ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ
كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ
قُلْتُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وصححه بن حبان من حديث بن مَسْعُودٍ وَمِائَةٌ غَيْرَ وَاحِدَةٍ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي لَفْظِ وَاحِدَةٍ فَفِي بَعْضِهَا بِالتَّأْنِيثِ كَمَا هُنَا وَفِي بَعْضِهَا بِالتَّذْكِيرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ خَرَجَ التَّأْنِيثُ عَلَى إِرَادَةِ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ بَلْ أَنَّثَ الِاسْمَ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ الْكَلِمَةُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ فسمي الاسم كلمة
وقال بن مَالِكٍ أَنَّثَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّسْمِيَةِ أَوِ الصِّفَةِ أَوِ الْكَلِمَةِ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ غَيْرَ وَاحِدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ أَنْ يَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ جَمْعًا بَيْنَ جِهَتَيِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ أَوْ دَفْعًا لِلتَّصْحِيفِ الْخَطِّيِّ وَالسَّمْعِيِّ مَنْ أَحْصَاهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَنْ حَفِظَهَا
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ وَهَذَا اللَّفْظُ يُفَسِّرُ مَعْنَى قَوْلِهِ أَحْصَاهَا فَالْإِحْصَاءُ هُوَ الْحِفْظُ وَقِيلَ أَحْصَاهَا قَرَأَهَا كَلِمَةً كَلِمَةً كَأَنَّهُ يَعُدُّهَا وَقِيلَ أَحْصَاهَا عَلِمَهَا وَتَدَبَّرَ مَعَانِيَهَا وَاطَّلَعَ عَلَى حَقَائِقِهَا وَقِيلَ أَطَاقَ الْقِيَامَ بِحَقِّهَا وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُطَابِقُ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَقَدْ فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْحِفْظِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنَاهُ حَفِظَهَا وهذا هو الأظهر لثبوته نصا في الخير
وَقَالَ فِي الْأَذْكَارِ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ذَكَرَ الْجَزَاءَ بِلَفْظِ الْمَاضِي تَحْقِيقًا لَهُ لِأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة والحاكم في مستدركه وبن حِبَّانَ
[3507]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ) الْجُوزَجَانِيُّ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ
قَوْلِهِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الِاسْمُ الْمَعْدُودُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ أَسْمَائِهِ هو الله لا غيره من هو وإله وَالْجُمْلَةُ تُفِيدُ الْحَصْرَ وَالتَّحْقِيقَ لِإِلَهِيَّتِهِ وَنَفْيَ مَا عَدَاهُ عَنْهَا قَالَ الطِّيبِيُّ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ إِمَّا بَيَانٌ لِكَمِّيَّةِ تِلْكَ الْأَعْدَادِ أَرْقَامًا هِيَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا وَذَكَرَ الضَّمِيرَ
نَظَرًا إِلَى الْخَبَرِ وَإِمَّا بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْإِحْصَاءِ فِي قَوْلِهِ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ
فَإِنَّهُ كَيْفَ يُحْصِي فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسَمَّى الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِلَّهِ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ ولله الأسماء الحسنى سُئِلَ وَمَا تِلْكَ الْأَسْمَاءُ فَأُجِيبَ هُوَ اللَّهُ أَوْ لَمَّا قِيلَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ سُئِلَ كَيْفَ أَحْصَاهَا فَأَجَابَ قُلْ هُوَ اللَّهُ
فَعَلَى هَذَا الضَّمِيرُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مُبْتَدَأٌ وَاللَّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ
وَقَوْلُهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ وَالْمَوْصُولُ مَعَ الصِّلَةِ صِفَةُ اللَّهِ انْتَهَى
وَاللَّهُ عَلَمٌ دَالٌّ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ دَلَالَةً جَامِعَةً لِجَمِيعِ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الْآتِيَةِ (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) هُمَا اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ مِثْلَ نَدْمَانَ وَنَدِيمٍ وَهُمَا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَرَحْمَانُ أَبْلَغُ مِنْ رَحِيمٍ وَالرَّحْمَنُ خَاصٌّ لِلَّهِ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يوصف
وَالرَّحِيمُ يُوصَفُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقَالُ رجل رحيم ولا يقال رحمن الْمَلِكُ أَيْ ذُو الْمُلْكِ التَّامِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاعِ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِكَذَا إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الصِّفَاتِ وَقِيلَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْأَشْيَاءِ بِالْإِيجَادِ وَالْإِفْنَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ كَالْخَالِقِ الْقُدُّوسُ أَيِ الطَّاهِرُ الْمُنَزَّهُ مِنَ الْعُيُوبِ وَفَعُّولٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ السَّلَامُ مَصْدَرٌ نُعِتَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ قِيلَ سَلَامَتُهُ مِمَّا يَلْحَقُ الْخَلْقَ مِنَ الْعَيْبِ وَالْفَنَاءِ
وَالسَّلَامُ فِي الْأَصْلِ السَّلَامَةُ يُقَالُ سَلِمَ يَسْلَمُ سَلَامَةً وَسَلَامًا
وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَنَّةِ دَارُ السَّلَامِ لِأَنَّهَا دَارُ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُسَلِّمُ عِبَادَهُ عَنِ الْمَهَالِكِ الْمُؤْمِنُ أَيِ الَّذِي يَصْدُقُ عِبَادَهُ وَعْدَهُ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ أَوْ يُؤَمِّنُهُمْ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِهِ فَهُوَ مِنَ الْأَمَانِ وَالْأَمْنُ ضِدُّ الْخَوْفِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ الْمُهَيْمِنُ الرَّقِيبُ الْمُبَالِغُ فِي الْمُرَاقَبَةِ وَالْحِفْظِ وَمِنْهُ هَيْمَنَ الطَّائِرُ إِذَا نَشَرَ جَنَاحَهُ عَلَى فِرَاخِهِ صِيَانَةً لَهَا وقيل الشاهد أي العالم الذي لا يعرب عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَقِيلَ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبْتِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ومهيمنا عليه أَيْ شَاهِدًا وَقِيلَ الْقَائِمُ بِأُمُورِ الْخَلْقِ وَقِيلَ أَصْلُهُ مُؤَيْمِنٌ أُبْدِلَتِ الْهَاءُ مِنَ الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْتَعِلٌ مِنَ الْأَمَانَةِ بِمَعْنَى الْأَمِينِ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الْعَزِيزُ أَيِ الْغَالِبُ الْقَوِيُّ الَّذِي لَا يُغْلَبُ
وَالْعِزَّةُ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ وَالْغَلَبَةُ تَقُولُ عَزَّ يَعِزُّ بِالْكَسْرِ إِذَا صَارَ عَزِيزًا وَعَزَّ يعز بالفتح إذا اشتد الجبار معناه الَّذِي يَقْهَرُ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ يُقَالُ جَبَرَ الْخَلْقَ وَأَجْبَرَهُمْ فَأَجْبَرَ أَكْثَرُ وَقِيلَ هُوَ الْعَالِي فَوْقَ خَلْقِهِ وَفَعَّالٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ نَخْلَةٌ جَبَّارَةٌ وَهِيَ الْعَظِيمَةُ الَّتِي تُفَوِّتُ يَدَ الْمُتَنَاوِلِ الْمُتَكَبِّرُ أَيِ الْعَظِيمُ ذُو الْكِبْرِيَاءِ وَقِيلَ الْمُتَعَالِي عَنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ وَقِيلَ الْمُتَكَبِّرُ عَلَى عُتَاةِ خَلْقِهِ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلتَّفَرُّدِ وَالتَّخْصِيصِ لَا تَاءُ التَّعَاطِي وَالتَّكَلُّفِ
وَالْكِبْرِيَاءُ الْعَظَمَةُ وَالْمُلْكُ وَقِيلَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ وَكَمَالِ الْوُجُودِ وَلَا يُوصَفُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ وَهُوَ الْعَظَمَةُ الْخَالِقُ أَيِ الَّذِي أَوْجَدَ الْأَشْيَاءَ جَمِيعَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً وَأَصْلُ الْخَلْقِ التَّقْدِيرُ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِ مَا مِنْهُ وُجُودُهَا وَبِاعْتِبَارِ الْإِيجَادِ عَلَى وَفْقِ التَّقْدِيرِ خَالِقٌ البارىء أَيِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ لَا عَنْ مِثَالٍ وَلِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنَ الِاخْتِصَاصِ بِخَلْقِ الْحَيَوَانِ مَا لَيْسَ لَهَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَلَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَيُقَالُ بَرَأَ اللَّهُ النَّسَمَةَ وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ الْمُصَوِّرُ أَيِ الَّذِي صَوَّرَ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ وَرَتَّبَهَا فَأَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا صُورَةً خَاصَّةً وَهَيْئَةً مُنْفَرِدَةً يَتَمَيَّزُ بِهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا وَكَثْرَتِهَا الْغَفَّارُ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ الْغَفَّارُ الْغَفُورُ وَهُمَا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُمَا السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ وَعُيُوبِهِمُ الْمُتَجَاوِزُ عَنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ وَأَصْلُ الْغَفْرِ التَّغْطِيَةُ يُقَالُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ غَفْرًا وَغُفْرَانًا وَمَغْفِرَةً وَالْمَغْفِرَةُ إِلْبَاسُ اللَّهِ تَعَالَى الْعَفْوَ الْمُذْنِبِينَ الْقَهَّارُ أَيِ الْغَالِبُ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ يُقَالُ قَهَرَهُ يَقْهَرُهُ قَهْرًا فَهُوَ قَاهِرٌ وَقَهَّارٌ لِلْمُبَالَغَةِ الْوَهَّابُ الْهِبَةُ العطية
الْخَالِيَةُ عَنِ الْأَعْوَاضِ وَالْأَغْرَاضِ فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا الرَّزَّاقُ أَيِ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْزَاقَ وَأَعْطَى الْخَلَائِقَ أَرْزَاقَهَا وَأَوْصَلَهَا إِلَيْهِمْ وَالْأَرْزَاقُ نَوْعَانِ ظَاهِرَةٌ لَلْأَبَدَانِ كَالْأَقْوَاتِ وَبَاطِنَةٌ لِلْقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ كَالْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ الْفَتَّاحُ أَيِ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ وَالرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ يُقَالُ فَتَحَ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إِذَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا الْفَاتِحُ وَالْحَاكِمُ وَالْفَتَّاحُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ الْعَلِيمُ أَيِ الْعَالِمُ الْمُحِيطُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا عَلَى أَتَمِّ الْإِمْكَانِ وَفَعِيلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ الْقَابِضُ أَيِ الَّذِي يُمْسِكُ الرِّزْقَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ عَنِ الْعِبَادِ بِلُطْفِهِ وَحِكْمَتِهِ وَيَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ عِنْدَ الْمَمَاتِ الْبَاسِطُ أَيِ الَّذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ وَيُوَسِّعُهُ عَلَيْهِمْ بِجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ وَيَبْسُطُ الْأَرْوَاحَ فِي الْأَجْسَادِ عِنْدَ الْحَيَاةِ الْخَافِضُ أَيِ الَّذِي يَخْفِضُ الْجَبَّارِينَ وَالْفَرَاعِنَةَ أَيْ يُضْعِفُهُمْ وَيُهِينُهُمْ وَيَخْفِضُ كُلَّ شَيْءٍ يُرِيدُ خَفْضَهُ وَالْخَفْضُ ضِدُّ الرَّفْعِ الرَّافِعُ أَيِ الَّذِي يَرْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِسْعَادِ وَأَوْلِيَاءَهُ بِالتَّقْرِيبِ وَهُوَ ضِدُّ الْخَفْضِ الْمُعِزُّ الَّذِي يَهَبُ الْعِزَّ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُذِلُّ الَّذِي يُلْحِقُ الذُّلَّ بِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَنْفِي عَنْهُ أَنْوَاعَ الْعِزِّ جَمِيعَهَا السَّمِيعُ الْمُدْرِكُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ الْبَصِيرُ الْمُدْرِكُ لِكُلِّ مبصر الحكم أي الحاكم الذي لاراد لِقَضَائِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ الْعَدْلُ أَيِ الَّذِي لَا يَمِيلُ بِهِ الْهَوَى فَيَجُورُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الْعَادِلِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُسَمَّى نَفْسَهُ عَدْلًا اللَّطِيفُ أَيِ الَّذِي اجْتَمَعَ لَهُ الرِّفْقُ فِي الْفِعْلِ وَالْعِلْمُ بِدَقَائِقِ الْمَصَالِحِ وَإِيصَالُهَا إِلَى مَنْ قَدَّرَهَا لَهُ مِنْ خَلْقِهِ يُقَالُ لَطَفَ بِهِ وَلَهُ بِالْفَتْحِ يَلْطُفُ لُطْفًا إِذَا رَفَقَ بِهِ فَأَمَّا لَطُفَ بِالضَّمِّ يَلْطُفُ فَمَعْنَاهُ صَغُرَ وَدَقَّ الْخَبِيرُ أَيِ الْعَالِمُ بِبَوَاطِنِ الأشياء من الخبرة وهي العلم بالخفايا الباطنة الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَسْتَخِفُّهُ شَيْءٌ مِنْ عِصْيَانِ الْعِبَادِ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لكل شيء مقدار فَهُوَ مُنْتَهٍ إِلَيْهِ الْعَظِيمُ أَيِ الَّذِي جَاوَزَ قَدْرُهُ وَجَلَّ عَنْ حُدُودِ الْعُقُولِ حَتَّى لَا تُتَصَوَّرَ الْإِحَاطَةُ بِكُنْهِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَالْعِظَمُ فِي صِفَاتِ الْأَجْسَامِ كِبَرُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ وَاللَّهُ تَعَالَى جَلَّ قَدْرُهُ عَنْ ذَلِكَ الْغَفُورُ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ الشَّكُورُ الَّذِي يُعْطِي الثَّوَابَ الْجَزِيلَ عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ أَوِ الْمُثْنِي عَلَى عِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ الْعَلِيُّ فَعِيلٌ مِنَ الْعُلُوِّ وَهُوَ الْبَالِغُ فِي عُلُوِّ الرُّتْبَةِ بِحَيْثُ لَا رُتْبَةَ إِلَّا وَهِيَ مُنْحَطَّةٌ عَنْ رُتْبَتِهِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الَّذِي عَلَا عَنِ الْإِدْرَاكِ ذَاتُهُ وَكَبُرَ عَنِ التَّصَوُّرِ صِفَاتُهُ الْكَبِيرُ وَضِدُّهُ الصَّغِيرُ يُسْتَعْمَلَانِ بِاعْتِبَارِ مَقَادِيرِ الْأَجْسَامِ بِاعْتِبَارِ الرُّتَبِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا إِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَكْمَلُ الْمَوْجُودَاتِ وَأَشْرَفُهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ غَنِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمَا سِوَاهُ حَادِثٌ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ فِي الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ بِالِاتِّفَاقِ
وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَبِيرٌ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْحَوَاسِّ وَإِدْرَاكِ الْعُقُولِ الْحَفِيظُ أَيِ الْبَالِغُ فِي الْحِفْظِ يَحْفَظُ الْمَوْجُودَاتِ مِنَ الزَّوَالِ
وَالِاخْتِلَالِ مُدَّةَ مَا شَاءَ الْمُقِيتُ أَيِ الْحَفِيظُ وَقِيلَ الْمُقْتَدِرُ وَقِيلَ الَّذِي يُعْطِي أَقْوَاتَ الْخَلَائِقِ وَهُوَ مِنْ أَقَاتَهُ يُقِيتُهُ إِذَا أَعْطَاهُ قُوتَهُ وَهِيَ لُغَةٌ فِي قَاتَهُ يَقُوتُهُ وَأَقَاتَهُ أَيْضًا إِذَا حَفِظَهُ الْحَسِيبُ أَيِ الْكَافِي فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ مِنْ أَحَسَبَنِي الشَّيْءُ إِذَا كَفَانِي وَأَحْسَبْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ أَعْطَيْتُهُ مَا يُرْضِيهِ حَتَّى يَقُولَ حَسْبِي وَقِيلَ إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحُسْبَانِ أَيْ هُوَ الْمُحَاسِبُ لِلْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ الْجَلِيلُ أَيِ الْمَوْصُوفُ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ وَالْحَاوِي جَمِيعَهَا هُوَ الْجَلِيلُ الْمُطْلَقُ الْكَرِيمُ أَيْ كَثِيرُ الْجُودِ وَالْعَطَاءِ الَّذِي لَا يَنْفَدُ عَطَاؤُهُ وَلَا تَفْنَى خَزَائِنُهُ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُطْلَقُ الرَّقِيبُ أَيِ الْحَافِظُ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ الْمُجِيبُ أَيِ الَّذِي يُقَابِلُ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ بِالْقَبُولِ وَالْعَطَاءِ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَجَابَ يُجِيبُ الْوَاسِعُ أَيِ الَّذِي وَسِعَ غِنَاهُ كُلَّ فَقِيرٍ وَرَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ يُقَالُ وَسِعَهُ الشَّيْءُ يَسَعُهُ سَعَةً فَهُوَ وَاسِعٌ وَوَسُعَ بِالضَّمِّ وَسَاعَةً فَهُوَ وَسِيعٌ وَالْوُسْعُ وَالسَّعَةُ الْجِدَةُ وَالطَّاقَةُ الْحَكِيمُ أَيِ الْحَاكِمُ بِمَعْنَى الْقَاضِي فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ هُوَ الَّذِي يُحْكِمُ الْأَشْيَاءَ وَيُتْقِنُهَا فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ وَقِيلَ الْحَكِيمُ ذُو الْحِكْمَةِ وَالْحِكْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ أَفْضَلِ الْأَشْيَاءِ بِأَفْضَلِ الْعُلُومِ وَيُقَالُ لِمَنْ يُحْسِنُ دَقَائِقَ الصِّنَاعَاتِ وَيُتْقِنُهَا حَكِيمٌ الْوَدُودُ هُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ الود المحبة يُقَالُ وَدِدْتُ الرَّجُلَ أَوَدُّهُ وُدًّا إِذَا أَحْبَبْتُهُ فَاللَّهُ تَعَالَى مَوْدُودٌ أَيْ مَحْبُوبٌ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ أَوْ هُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ أَنَّهُ يُحِبُّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَرْضَى عَنْهُمْ الْمَجِيدُ هُوَ مُبَالَغَةُ الْمَاجِدِ مِنَ الْمَجْدِ وَهُوَ سَعَةُ الْكَرَمِ فَهُوَ الَّذِي لَا تُدْرَكُ سَعَةُ كَرَمِهِ الْبَاعِثُ أَيِ الَّذِي يَبْعَثُ الْخَلْقَ أَيْ يُحْيِيهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ أَيْ بَاعِثُ الرُّسُلِ إِلَى الْأُمَمِ الشَّهِيدُ أَيِ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَالشَّاهِدُ الْحَاضِرُ وَفَعِيلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي فَاعِلٍ فَإِذَا اعْتُبِرَ الْعِلْمُ مُطْلَقًا فَهُوَ الْعَلِيمُ وَإِذَا أُضِيفَ إلى الأمور الباطنة فهو الخير وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فَهُوَ الشَّهِيدُ وَقَدْ يُعْتَبَرُ مَعَ هَذَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا عَلِمَ الْحَقُّ أَيِ الْمَوْجُودُ حَقِيقَةً الْمُتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَإِلَهِيَّتُهُ وَالْحَقُّ ضِدُّ الْبَاطِلِ الْوَكِيلُ أَيِ الْقَائِمُ بِأُمُورِ عِبَادِهِ الْمُتَكَفِّلُ بِمَصَالِحِهِمْ الْقَوِيُّ أَيْ ذُو الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الْبَالِغَةِ إِلَى الْكَمَالِ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ ضَعْفٌ الْمَتِينُ أَيِ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ فِي أَفْعَالِهِ مَشَقَّةٌ وَلَا كُلْفَةٌ وَلَا تَعَبٌ وَالْمَتَانَةُ الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَالِغُ الْقُدْرَةِ تَامُّهَا قَوِيٌّ وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَدِيدُ الْقُوَّةِ مَتِينٌ (الْوَلِيُّ) أَيِ النَّاصِرُ وَقِيلَ الْمُتَوَلِّي لِأُمُورِ الْعَالَمِ وَالْخَلَائِقِ الْقَائِمُ بِهَا وَقِيلَ الْمُحِبُّ لِأَوْلِيَائِهِ (الْحَمِيدُ) أَيِ الْمَحْمُودُ الْمُسْتَحِقُّ لِلثَّنَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ (الْمُحْصِي) أَيِ الَّذِي أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ بِعِلْمِهِ وَأَحَاطَ بِهِ فَلَا يَفُوتُهُ دَقِيقٌ مِنْهَا وَلَا جليل والإحصاء العد والحفظ المبدىء أَيِ الَّذِي أَنْشَأَ الْأَشْيَاءَ وَاخْتَرَعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَابِقِ مِثَالٍ الْمُعِيدُ أَيِ الَّذِي يُعِيدُ الخلق
بَعْدَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَمَاتِ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ الْمَمَاتِ إِلَى الْحَيَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُحْيِي أَيْ مُعْطِي الْحَيَاةِ (الْمُمِيتُ) أَيْ خَالِقُ الْمَوْتِ وَمُسَلِّطُهُ عَلَى مَنْ شَاءَ الْحَيُّ أَيِ الدَّائِمُ الْبَقَاءِ الْقَيُّومُ أَيِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ وَالْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ الْوَاجِدُ بِالْجِيمِ أَيِ الْغَنِيُّ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ وَقَدْ وَجَدَ يَجِدُ جِدَةً أَيِ اسْتَغْنَى غِنًى لَا فَقْرَ بَعْدَهُ وَقِيلَ الَّذِي يَجِدُ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ وَيَطْلُبُهُ وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ الْمَاجِدُ بِمَعْنَى الْمَجِيدِ لَكِنِ الْمَجِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ الْوَاحِدُ أَيِ الْفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ آخر (الصمد) هو السيد الذي انتهى إله السُّؤْدُدُ وَقِيلَ هُوَ الدَّائِمُ الْبَاقِي وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَقِيلَ الَّذِي يَصْمُدُ فِي الْحَوَائِجِ إِلَيْهِ أَيْ يُقْصَدُ الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ مَعْنَاهُمَا ذُو الْقُدْرَةِ إِلَّا أَنَّ الْمُقْتَدِرَ أَبْلَغُ فِي الْبِنَاءِ مِنْ مَعْنَى التَّكَلُّفِ وَالِاكْتِسَابِ فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنِ امْتَنَعَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً لَكِنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى مُبَالَغَةً (الْمُقَدِّمُ) أَيِ الَّذِي يُقَدِّمُ الْأَشْيَاءَ وَيَضَعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا فَمَنِ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ قَدَّمَهُ الْمُؤَخِّرُ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْأَشْيَاءَ فَيَضَعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ ضِدُّ الْمُقَدِّمِ الْأَوَّلُ أَيِ الَّذِي لَا بِدَايَةَ لِأَوَّلِيَّتِهِ الْآخِرُ أَيِ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلِيقَتِهِ وَلَا نِهَايَةَ لِآخِرِيَّتِهِ الظَّاهِرُ أَيِ الَّذِي ظَهَرَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَا عَلَيْهِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي عُرِفَ بِطُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ الْعَقْلِيِّ بِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ آثَارِ أَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ الْبَاطِنُ أَيِ الْمُحْتَجِبُ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلَائِقِ وَأَوْهَامِهِمْ فَلَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِ وَهْمٌ الْوَالِي أَيْ مَالَكِ الْأَشْيَاءِ جَمِيعِهَا الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا الْمُتَعَالِي الَّذِي جَلَّ عَنْ إِفْكِ الْمُفْتَرِينَ وَعَلَا شَأْنُهُ وَقِيلَ جَلَّ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ وَثَنَاءٍ وَهُوَ مُتَفَاعِلٌ مِنَ الْعُلُوِّ الْبَرُّ أَيِ الْعَطُوفُ عَلَى عِبَادِهِ بِبِرِّهِ وَلُطْفِهِ وَالْبِرُّ بِالْكَسْرِ الْإِحْسَانُ التَّوَّابُ الَّذِي يَقْبَلُ تَوْبَةَ عِبَادِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى الْمُنْتَقِمُ أَيِ الْمُبَالِغُ فِي الْعُقُوبَةِ لِمَنْ يَشَاءُ وَهُوَ مُفْتَعِلٌ مِنْ نَقَمَ يَنْقِمُ إِذَا بَلَغَتْ بِهِ الْكَرَاهَةُ حَدَّ السُّخْطِ الْعَفُوُّ فَعُولٌ مِنَ الْعَفْوِ وَهُوَ الَّذِي يَمْحُو السَّيِّئَاتِ وَيَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعَاصِي وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْغَفُورِ لِأَنَّ الْغُفْرَانَ يُنْبِئُ عَنِ السَّتْرِ وَالْعَفْوُ يُنْبِئُ عَنِ الْمَحْوِ وَأَصْلُ الْعَفْوِ الْمَحْوُ وَالطَّمْسُ وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ يُقَالُ عَفَا يَعْفُو عَفْوًا فهو عاف وعفو الرؤوف أَيْ ذُو الرَّأْفَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الرَّحْمَةِ مَالِكُ الْمُلْكِ أَيِ الَّذِي تَنْفُذُ مَشِيئَتُهُ فِي مُلْكِهِ يُجْرِي الْأُمُورَ فِيهِ عَلَى مَا يَشَاءُ أَوِ الَّذِي لَهُ التَّصَرُّفُ الْمُطْلَقُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَيْ ذُو الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَذُو الْإِكْرَامِ لِأَوْلِيَائِهِ بِإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ الْمُقْسِطُ أَيِ الْعَادِلُ يُقَالُ أَقْسَطَ يُقْسِطُ فَهُوَ مُقْسِطٌ إِذَا عَدَلَ وَقَسَطَ يَقْسِطُ فَهُوَ قَاسِطٌ إِذَا جَارَ فَكَأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي أَقْسَطَ لِلسَّلْبِ كَمَا يُقَالُ شَكَا إِلَيْهِ فَأَشْكَاهُ الْجَامِعُ أَيِ الَّذِي يَجْمَعُ الْخَلَائِقَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ وَقِيلَ هُوَ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَالْمُتَبَايِنَاتِ وَالْمُتَضَادَّاتِ فِي الْوُجُودِ الْغَنِيُّ أَيِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ فِي شَيْءٍ وَكُلُّ أَحَدٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ وَلَا يُشَارِكُ اللَّهَ فِيهِ غَيْرُهُ
الْمُغْنِي أَيِ الَّذِي يُغْنِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْمَانِعُ أَيِ الَّذِي يَمْنَعُ عَنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ وَيَحُوطُهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ
وَقِيلَ يَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ مِنْ خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ وَيُعْطِيهِ مَا يُرِيدُ الضَّارُّ أَيِ الَّذِي يَضُرُّ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ حَيْثُ هُوَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا خَيْرِهَا وَشَرِّهَا وَنَفْعِهَا وَضُرِّهَا النَّافِعُ أَيِ الَّذِي يُوصِلُ النَّفْعَ إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ حَيْثُ هُوَ خَالِقُ النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ النُّورُ أَيِ الَّذِي يُبْصِرُ بِنُورِهِ ذُو الْعَمَايَةِ وَيَرْشُدُ بِهُدَاهُ ذُو الْغَوَايَةِ وَقِيلَ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي بِهِ كُلُّ ظُهُورٍ فَالظَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ يُسَمَّى نُورًا الْهَادِي أَيِ الَّذِي بَصَّرَ عِبَادَهُ وَعَرَّفَهُمْ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهِ حَتَّى أَقَرُّوا بِرُبُوبِيَّتِهِ وَهَدَى كُلَّ مَخْلُوقٍ إِلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي بَقَائِهِ وَدَوَامِ وُجُودِهِ الْبَدِيعُ أَيِ الْخَالِقُ الْمُخْتَرِعُ لَا عَنْ مِثَالٍ سَابِقٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ يُقَالُ أَبْدَعَ فَهُوَ مُبْدِعٌ الْبَاقِي أَيِ الدَّائِمُ الْوُجُودِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْفَنَاءَ الْوَارِثُ أَيِ الَّذِي يَرِثُ الْخَلَائِقَ وَيَبْقَى بعد فنائم الرَّشِيدُ أَيِ الَّذِي أَرْشَدَ الْخَلْقَ إِلَى مَصَالِحِهِمْ أَيْ هَدَاهُمْ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ وقبل هُوَ الَّذِي تَنْسَاقُ تَدْبِيرَاتُهُ إِلَى غَايَاتِهَا عَلَى سُنَنِ السَّدَادِ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةِ مُشِيرٍ وَلَا تَسْدِيدِ مُسَدِّدٍ الصَّبُورُ أَيِ الَّذِي لَا يُعَاجِلُ الْعُصَاةَ بِالِانْتِقَامِ وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْحَلِيمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُذْنِبَ لَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ فِي صِفَةِ الصَّبُورِ كَمَا يَأْمَنُهَا فِي صِفَةِ الْحَلِيمِ
قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ
قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ) صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ صَفْوَانُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ النَّصِيبِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنِ الْوَلِيدِ أَيْضًا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى الْوَلِيدِ ثُمَّ ذكر الحافظ الاختلاف وبسط الكلام ها هنا (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أبي هريرة عن النبي وَلَا نَعْلَمُ فِي كَبِيرِ شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ ذِكْرَ الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ) الْمُرَادُ بِكَبِيرِ شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَيْ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَرْدِ الْأَسْمَاءِ هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَمَشَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ بِصِيغَةِ الِاسْمِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ كَذَلِكَ
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ التَّعَيُّنَ مُدْرَجٌ لِخُلُوِّ أَكْثَرِ الروايات عنه ونقله عبد العزيز اليخشبي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ
قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ تَخْرِيجِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ عن
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِسِيَاقِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالْعِلَّةُ فِيهِ عِنْدَهُمَا تَفَرُّدُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلِيدَ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ بِشْرِ بْنِ شُعَيْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ شُعَيْبٍ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ بِشْرًا وَعَلِيًّا وَأَبَا الْيَمَانِ رَوَوْهُ عَنْ شُعَيْبٍ بِدُونِ سِيَاقِ الْأَسْمَاءِ فرواية أبي السيمان عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَرِوَايَةُ عَلِيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَرِوَايَةُ بِشْرٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَلَيْسَتِ الْعِلَّةُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ تَفَرُّدَ الْوَلِيدِ فَقَطْ بَلِ الِاخْتِلَافُ فِيهِ وَالِاضْطِرَابُ وَتَدْلِيسُهُ وَاحْتِمَالُ الْإِدْرَاجِ (وَقَدْ رَوَى آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا إِلَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ الطَّرِيقُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ رَوَاهَا الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَيُّوبَ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهَا زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ وَقَالَ مَحْفُوظٌ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَاكِمُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ثِقَةٌ قَالَ الْحَافِظُ بَلْ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وهاه البخاري ومسلم وبن مَعِينٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النقل انتهى
[3509]
قوله (حدثنا زيد بن حباب) العكلي (أن حميد المكي مولى بن عَلْقَمَةَ) فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ
وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا
قَوْلُهُ إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ الرِّيَاضُ جَمْعُ الرَّوْضَةِ وَهِيَ أَرْضٌ مُخْضَرَّةٌ بِأَنْوَاعِ النَّبَاتِ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ مرغزار فَارْتَعُوا فِي الْقَامُوسِ
رَتَعَ كَمَنَعَ رَتْعًا وَرُتُوعًا وَرِتَاعًا بِالْكَسْرِ أَكَلَ وَشَرِبَ مَا شَاءَ فِي خِصْبٍ وَسَعَةٍ أَوْ هُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ رَغَدًا فِي الرِّيفِ قَالَ الْمَسَاجِدُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي حِلَقُ الذِّكْرِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ حِلَقَ الذِّكْرِ تَصْدُقُ بِالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فَهِيَ
أَعَمُّ وَخُصَّتِ الْمَسَاجِدُ هُنَا لِأَنَّهَا أَفْضَلُ وَجَعَلَ الْمَسَاجِدَ رِيَاضَ الْجَنَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ سَبَبٌ لِلْحُصُولِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ قُلْتُ وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ والحمد الله إِلَخْ وُضِعَ الرَّتْعُ مَوْضِعَ الْقَوْلِ لِرِعَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ سَبَبٌ لِنَيْلِ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَالرَّتْعُ هُنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَرْتَعْ وَهُوَ أَنْ يَتَّسِعَ فِي أَكْلِ الْفَوَاكِهِ وَالْمُسْتَلَذَّاتِ وَالْخُرُوجُ إِلَى التَّنَزُّهِ فِي الْأَرْيَافِ وَالْمِيَاهِ كَمَا هُوَ عَادَةُ النَّاسِ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الرِّيَاضِ ثُمَّ اتَّسَعَ وَاسْتُعْمِلَ فِي الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَتَلْخِيصِ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا مَرَرْتُمْ بِالْمَسَاجِدِ فَقُولُوا هَذَا الْقَوْلَ
قَالَهُ الطِّيبِيُّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ حُمَيْدٌ الْمَكِّيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ
[3510]
قَوْلُهُ حِلَقُ الذِّكْرِ أَيْ هِيَ حِلَقُ الذِّكْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحِلَقُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ الْحَلْقَةِ مثل قصعة وقصع ومر الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ مُسْتَدِيرُونَ كَحَلْقَةِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَالتَّحَلُّقُ تَفَعُّلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُ الْحَلْقَةِ حَلَقٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ الْوَاحِدَ حَلَقَةٌ بِالتَّحْرِيكِ وَالْجَمْعَ حَلَقٌ بِالْفَتْحِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ كُلُّهُمْ يُجِيزُهُ عَلَى ضَعْفِهِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ
7 -
بَاب مِنْهُ [3511] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمِ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيُّ (عَنْ ثَابِتٍ) الْبُنَانِيِّ (عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ) هُوَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ إِنَّا لِلَّهِ أَيْ مِلْكًا وَخَلْقًا وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أَيْ فِي الْآخِرَةِ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الِاحْتِسَابُ مِنَ الْحَسَبِ كَالِاعْتِدَادِ مِنَ الْعَدِّ وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ يَنْوِي بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ احْتَسِبْ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْتَدَّ عَمَلَهُ فَجُعِلَ فِي حَالِ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ وَالْحِسْبَةُ اسْمٌ مِنَ الِاحْتِسَابِ كَالْعِدَّةِ مِنَ الِاعْتِدَادِ وهو لاحتساب فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَعِنْدَ الْمَكْرُوهَاتِ هُوَ الْبِدَارُ إِلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَتَحْصِيلِهِ بِالتَّسْلِيمِ وَالصَّبْرِ وَبِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقِيَامِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْسُومِ فِيهَا طَلَبًا لِلثَّوَابِ الْمَرْجُوِّ مِنْهَا فَأْجُرْنِي بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَبِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ آجَرَهُ يُؤْجِرُهُ إِذَا أَثَابَهُ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَالْجَزَاءَ وَكَذَلِكَ أَجَرَهُ يَأْجُرُهُ وَالْأَمْرُ مِنْهُمَا آجِرْنِي وَأَبْدِلْنِي مِنْهَا أَيْ مِنْ مُصِيبَتِي خَيْرًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَبْدِلْنِي (فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سَلَمَةَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ دَنَا مَوْتُهُ يُقَالُ حَضَرَ فُلَانٌ وَاحْتُضِرَ إِذَا دَنَا مَوْتُهُ (قَالَ اللَّهُمَّ اخلف في أهلي خيرا مني) يقال خَلَفَ اللَّهُ لَكَ خَلَفًا بِخَيْرٍ وَأَخْلَفَ عَلَيْكَ خَيْرًا أَيْ أَبْدَلَكَ بِمَا ذَهَبَ مِنْكَ وَعَوَّضَكَ عَنْهُ وَقِيلَ إِذَا ذَهَبَ لِلرَّجُلِ مَا يَخْلُفُهُ مِثْلُ الْمَالِ وَالْوَلَدِ قِيلَ أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ وَعَلَيْكَ وَإِذَا ذَهَبَ لَهُ مَا لَا يَخْلُفُهُ غَالِبًا كَالْأَبِ وَالْأُمِّ قِيلَ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَقَدْ يُقَالُ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ إِذَا مَاتَ لَكَ مَيِّتٌ أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْكَ وَأَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَيْ أَبْدَلَكَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَلَمَّا قُبِضَ) أَيْ قُبِضَ رُوحُهُ وَمَاتَ
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ (وَأَبُو سَلَمَةَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ) بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الرَّضَاعَةِ وبن عَمَّتِهِ بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مِنَ السابقين شهدا بَدْرًا وَمَاتَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ أُحُدٍ فَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعده بزوجته أم سلمة
88 -
باب [3512] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى) بْنِ دِينَارٍ الْمَرْوَزِيُّ (أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى) السِّينَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ (حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ) اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ
قَوْلُهُ سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْعَافِيَةُ أَنْ تَسْلَمَ مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْبَلَايَا وَهِيَ الصِّحَّةُ وَضِدُّ الْمَرَضِ وَالْمُعَافَاةُ هِيَ أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنَ النَّاسِ وَيُعَافِيَهُمْ مِنْكَ أَيْ يُغْنِيَكَ عَنْهُمْ وَيُغْنِيهِمْ عَنْكَ وَيَصْرِفَ أَذَاهُمْ عَنْكَ وَأَذَاكَ عَنْهُمْ وَقِيلَ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْعَفْوِ وهو أن يعفوا عَنِ النَّاسِ وَيَعْفُوَهُمْ عَنْهُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْعَافِيَةُ دِفَاعُ اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ عَافَاهُ اللَّهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ مُعَافَاةً وَعَافِيَةً وَهَبَ لَهُ العافية من العلل والبلاء كأعفاء (فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ فَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ (ثُمَّ أَتَاهُ يَوْمَ الثالث) وفي رواية بن مَاجَهْ ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ أَيْ فُزْتَ بِمُرَادِكَ وَظَفِرْتَ بِمَقْصُودِكَ وَفِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ تَكْرِيرِهِ لِلسَّائِلِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حِينَ أَنْ يَأْتِيَهُ لِلسُّؤَالِ عَنْ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ فَأَفَادَ هَذَا أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْعِيَةِ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا إِلَخْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ يَشْمَلُ أُمُورَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
فَكَانَ ذَلِكَ كَالْبَيَانِ لِعُمُومِ بَرَكَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ بِالْعَافِيَةِ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْفَلَاحَ الَّذِي هُوَ الْمَقْصِدُ الْأَسْنَى وَالْمَطْلُوبُ الْأَكْبَرُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ (إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ) وَهُوَ ضَعِيفٌ
[3513]
قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) الْأَسْلَمِيِّ الْمَرْوَزِيِّ قَوْلُهُ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ عَلِمْتُ
جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ (أَيُّ لَيْلَةٍ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ) وَالْجُمْلَةُ سَدَّتْ مَسَدِّ الْمَفْعُولَيْنِ لِعَلِمْتُ تَعْلِيقًا قِيلَ الْقِيَاسُ أَيَّةُ لَيْلَةٍ فَذَكَّرَ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ كَمَا ذَكَّرَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ بِاعْتِبَارِ الْكَلَامِ وَاللَّفْظِ (مَا أَقُولُ) مُتَعَلِّقٌ بِأَرَأَيْتَ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ مَا أَقُولُ فِيهَا جَوَابُ الشَّرْطِ وَكَانَ حَقُّ الْجَوَابِ أَنْ يُؤْتَى بِالْفَاءِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وتعقب عليه القارىء بِأَنَّ دَعْوَى السُّقُوطِ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَقَدْ جَاءَ حَذْفُ الْفَاءِ عَلَى الْقِلَّةِ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ أَيْ كَثِيرُ الْعَفْوِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ
[3514]
قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ) الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ الْكُوفِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ نَوْفَلِ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ
قَوْلُهُ (أسْأَلُهُ اللَّهَ) أَيِ أَطْلُبُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ بِالدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ بَعْدَ تَكْرِيرِ الْعَبَّاسِ سُؤَالَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ شَيْئًا يَسْأَلُ اللَّهَ بِهِ دَلِيلٌ جَلِيٌّ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَدْعِيَةِ وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْعَافِيَةِ أَنَّهَا دِفَاعُ اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ فَالدَّاعِي بِهَا قَدْ سَأَلَ رَبَّهُ دِفَاعَهُ عَنْ كُلِّ مَا يَنْوِيهِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْزِلُ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ وَيَرَى لَهُ مِنَ الْحَقِّ مَا يَرَى الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ فَفِي تَخْصِيصِهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَقَصْرِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ تَحْرِيكٌ لِهِمَمِ الرَّاغِبِينَ عَلَى مُلَازَمَتِهِ وَأَنْ يَجْعَلُوهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ سبحانه وتعالى وَيَسْتَدْفِعُونَ بِهِ فِي كُلِّ مَا يُهِمُّهُمْ ثُمَّ كَلَّمَهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قَدْ صَارَ عُدَّةً لِدَفْعِ كُلِّ ضُرٍّ وَجَلْبِ كُلِّ خَيْرٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا
قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي عِدَّةِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ لَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم دعاءه بِالْعَافِيَةِ وَوَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم لفظا ومعنى من تحو من
خَمْسِينَ طَرِيقًا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ وَرِجَالٍ بَعْضُهَا رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا
9 -
(باب [3516] قَوْلُهُ اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي)
أَيِ اجْعَلْ أَمْرِي خَيْرًا وَأَلْهِمْنِي فِعْلَهُ وَاخْتَرْ لِي أَصْلَحَ الْأَمْرَيْنِ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَنْفَلٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالْفَاءِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ (وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ بن حِبَّانَ كَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ وَفِي قِلَّتِهِ مَنَاكِيرُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ كَانَ بِهِ خَبَلٌ (وَيُقَالُ لَهُ زَنْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرَفِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ
[3517]
قَوْلُهُ (أخبرنا يحيى) هو بن أَبِي كَثِيرٍ الطَّائِيُّ (أَنَّ زَيْدَ بْنَ سَلَّامِ) بْنِ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيَّ (أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ) اسْمُهُ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ) اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ صَحَابِيٌّ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عند أَبُو سَلَّامٍ
قَوْلُهُ الْوُضُوءُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ
وفي الحديث جُرَيٍّ النَّهْدِيِّ الْآتِي الطُّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ
قَالَ النَّوَوِيُّ
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ
فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ يَنْتَهِي تَضْعِيفُهُ إِلَى نِصْفِ أَجْرِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْخَطَايَا وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ إِلَّا أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ فَصَارَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِيمَانِ فِي مَعْنَى الشَّطْرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ هُنَا الصَّلَاةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ اللَّهُ ليضيع إيمانكم وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَصَارَتْ كَالشَّطْرِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي الشَّطْرِ أَنْ يَكُونَ نِصْفًا حَقِيقِيًّا وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَانْقِيَادٌ بِالظَّاهِرِ وَهُمَا شَطْرَانِ لِلْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةُ مُتَضَمِّنَةٌ الصَّلَاةَ فَهِيَ انْقِيَادٌ فِي الظَّاهِرِ انْتَهَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ مَعْنَاهُ عِظَمُ أَجْرِهَا وَأَنَّهُ يَمْلَأُ الْمِيزَانِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وَزْنِ الْإِيمَانِ وَثِقَلِ الْمَوَازِينِ وَخِفَّتِهَا تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُمَا بالتاء المشاة مِنْ فَوْقُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ يَجُوزُ يَمْلَآنِ بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ جَمِيعًا
قَالَ الطِّيبِيُّ فَالْأَوَّلُ أَيْ تَمْلَآنِ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي فِيهَا ضَمِيرُ الْجُمْلَةِ أَيِ الْجُمْلَةِ الشَّامِلَةِ لَهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِفْرَادُ بِتَقْدِيرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ ثَوَابُهُمَا جِسْمًا لَمَلَآ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَبَبُ عِظَمِ فَضْلِهِمَا مَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيهِ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ
وَالتَّفْوِيضِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْمَعَاصِي وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَتَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ
كَمَا أَنَّ النُّورَ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ أَجْرُهَا نُورًا لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا سَبَبُ لِإِشْرَاقِ أَنْوَارِ الْمَعَارِفِ وَانْشِرَاحِ الْقَلْبِ وَمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ لِفَرَاغِ الْقَلْبِ فِيهَا وَإِقْبَالِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بالصبر والصلاة وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ نُورًا ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِهِ الْبَهَاءُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ مَعْنَاهُ يُفْزَعُ إِلَيْهَا كَمَا يُفْزَعُ إِلَى الْبَرَاهِينِ كَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا سُئِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ كَانَتْ صَدَقَاتُهُ بَرَاهِينَ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ تَصَدَّقْتُ بِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوسَمَ الْمُتَصَدِّقُ بِسِيمَا يُعْرَفُ بِهَا فَيَكُونُ بُرْهَانًا لَهُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الصَّدَقَةُ حُجَّةٌ عَلَى إِيمَانِ فَاعِلِهَا فَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا لِكَوْنِهِ لَا يَعْتَقِدُهَا فَمَنْ تَصَدَّقَ اسْتَدَلَّ بِصَدَقَتِهِ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ مَعْنَاهُ الصَّبْرُ الْمَحْبُوبُ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّبْرُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَالصَّبْرُ أَيْضًا عَلَى النَّائِبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّبْرَ الْمَحْمُودَ لَا يَزَالُ صَاحِبُهُ مُسْتَضِيئًا مُهْتَدِيًا مُسْتَمِرًّا عَلَى الصَّوَابِ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ الصَّبْرُ هُوَ الثَّبَاتُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ أَيْ تَنْتَفِعُ بِهِ إِنْ تَلَوْتَهُ
وَعَمِلْتَ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكَ كُلُّ الناس يغدو أي يصبح فبايع نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا أَيْ كُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى بِنَفْسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ فَيُعْتِقُهَا مِنَ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلشَّيْطَانِ وَالْهَوَى بِاتِّبَاعِهِمَا فَيُوبِقُهَا أَيْ يُهْلِكُهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ والنسائي
0 -
باب [3518] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ) بْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ (عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَبَلِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمَعَافِرِيُّ
قَوْلُهُ التَّسْبِيحُ نِصْفُ الْمِيزَانِ أَيْ ثَوَابُهُ بَعْدَ تَجَسُّمِهِ يَمْلَأُ نِصْفَ الْمِيزَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ إِحْدَى كِفَّتَيْهِ الْمَوْضُوعَةُ لِوَضْعِ الْحَسَنَاتِ فِيهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يَمْلَؤُهُ أَيِ الْمِيزَانَ أَوْ نِصْفَهُ وَهُوَ أَظْهَرُ لأن ذكار تَنْحَصِرُ فِي نَوْعَيْنِ التَّنْزِيهِ وَالتَّحْمِيدِ
قَالَ الطِّيبِيُّ فَيَكُونُ الْحَمْدُ نِصْفَهُ الْآخَرَ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ وَيُلَائِمُهُ حَدِيثُ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ وَيَحْتَمِلُ تَفْضِيلَ الْحَمْدِ بِأَنَّهُ يَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَحْدَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى التَّنْزِيهِ ضِمْنًا لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْكَمَالِ مُتَضَمِّنٌ نَفْيَ النُّقْصَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَيْسَ لَهَا دُونَ اللَّهِ حِجَابٌ فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ التَّحْمِيدَ وَالتَّنْزِيهَ وَلِذَا صَارَتْ مُوجِبَةً لِلْقُرْبِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى تَخْلُصَ بِضَمِّ اللَّامِ إِلَيْهِ أَيْ تصل عنده وتنتهي إلى محل القبول بالمراد بِهَذَا وَأَمْثَالِهِ سُرْعَةُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ وَكَثْرَةُ الْأَجْرِ وَالْإِثَابَةِ
وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
قَوْلُهُ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ وَهُوَ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ
[3519]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (عَنْ جُرَيٍّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ تصغير جرو بن كُلَيْبٍ النَّهْدِيِّ الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ
مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ
قَوْلُهُ عَدَّهُنَّ أَيِ الْخِصَالَ الْآتِيَةَ فَهُوَ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فسواهن سبع سماوات وَالْمُفَسَّرُ هُنَا قَوْلُهُ التَّسْبِيحُ إِلَخْ فِي يَدِي أَيْ أَخَذَ أَصَابِعَ يَدِي وَجَعَلَ يَعْقِدُهَا فِي الْكَفِّ خَمْسَ مَرَّاتٍ عَلَى عَدِّ الْخِصَالِ لِمَزِيدِ التَّفْهِيمِ وَالِاسْتِحْضَارِ أَوْ فِي يَدِهِ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ فَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ أَوِ الْمُصِيبَةِ
أَوِ الصَّوْمُ صَبْرٌ عَنِ الْحَلْقِ وَالْفَرْجِ فَبَقِيَ نِصْفُهُ الْآخَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَنْ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالطُّهُورُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ نِصْفُ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ تَطْهِيرُ السِّرِّ عَنْ دَنَسِ الشِّرْكِ فَمَنْ طَهَّرَ جَوَارِحَهُ فَقَدْ طَهَّرَ ظَاهِرَهُ وَهُوَ آتٍ بِنِصْفِ الْإِيمَانِ فَإِنْ طَهُرَ بَاطِنُهُ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ جُرَيٍّ النهدي
1 -
باب [3520] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ) الْجَزَرِيُّ الْهَاشِمِيُّ (عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ) التَّمِيمِيِّ الْمِنْقَرِيِّ (عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنِ) بْنِ قَيْسٍ التَّمِيمِيِّ الْمِنْقَرِيِّ
قَوْلُهُ كَالَّذِي تَقُولُ بِالْفَوْقِيَّةِ أَيْ كَالْحَمْدِ الَّذِي تَحْمَدُ بِهِ نَفْسَكَ وَخَيْرًا مِمَّا نَقُولُ بِالنُّونِ أَيْ وَخَيْرًا مِمَّا نَحْمَدُكَ بِهِ مِنَ الْمَحَامِدِ (اللَّهُمَّ لَكَ) أَيْ لَا لِغَيْرِكَ وَنُسُكِي أَيْ وَسَائِرُ عِبَادَاتِي أَوْ تَقَرُّبِي بِالذَّبْحِ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ وَمَا آتِيهِ فِي حَيَاتِي وَمَا أَمُوتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِلَيْكَ مَآبِي أَيْ مَرْجِعِي
وَلَكَ رَبِّ أَيْ يَا رَبِّ تُرَاثِي بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَبِالرَّاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ هُوَ مَا يُخَلِّفُهُ الْإِنْسَانُ لِوَرَثَتِهِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَأَنَّ مَا يُخَلِّفُهُ صَدَقَةٌ لِلَّهِ وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ أَيْ حَدِيثِ النَّفْسِ بِمَا لَا يَنْبَغِي وَشَتَاتِ الْأَمْرِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ تَفَرُّقِهِ وَعَدَمِ انْضِبَاطِهِ وَذَلِكَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِمَنْ لَا تَنْضَبِطُ لَهُ الْأُمُورُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّ فِيهِ قَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ وَهُوَ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ لَمَّا كَبِرَ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ مَا لَيْسَ من حديثه فحدث به
2 -
(باب [3521] قَوْلُهُ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ)
أَيْ عَلَى دُعَاءٍ يَجْمَعُ كُلَّ مَا دَعَوْتُ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ الْكَثِيرِ وَعَلَيْكَ الْبَلَاغُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَلَاغُ مَا يُتَبَلَّغُ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَحَدِيثُ فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِكَ أَيْ لَا كِفَايَةَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا شَيْءَ أَجْمَعُ وَلَا أَنْفَعُ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَحَّ عَنْهُ مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْكَثِيرُ الطَّيِّبُ وَصَحَّ عَنْهُ مِنَ التَّعَوُّذِ مِمَّا يَنْبَغِي التَّعَوُّذُ مِنْهُ الْكَثِيرُ الطَّيِّبُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا قَدْ سَأَلَهُ مِنْ رَبِّهِ
وَلَمْ يَبْقَ شَرٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا وَقَدِ اسْتَعَاذَ رَبَّهُ مِنْهُ فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ عز وجل مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَهُ مِنْهُ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَعَاذَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ جَاءَ فِي دُعَائِهِ بِمَا لَا يَحْتَاجُ بَعْدُ إِلَى غَيْرِهِ وَسَأَلَهُ الْخَيْرَ عَلَى
اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَاسْتَعَاذَ مِنَ الشَّرِّ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَحَظِيَ بِالْعَمَلِ بِإِرْشَادِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَامِعِ وَالدُّعَاءِ النَّافِعِ انْتَهَى
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطبراني في الكبير
3 -
باب [3522] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى (أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ) الْعَنْبَرِيُّ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ أَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ) اسْمُهُ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ
قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ
قَوْلُهُ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْ الرحمن مِنْ أَبْوَابِ الْقَدَرِ (قَالَتْ) أَيْ أُمُّ سَلَمَةَ (مَا لِأَكْثَرِ دُعَائِكَ) أَيْ مَا السَّبَبُ فِي إكثارك هذا الدعاء (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ أَيْ فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَقَامَ قَلْبَهُ وَثَبَّتَهُ عَلَى دِينِهِ وَطَاعَتِهِ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ أَيْ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَمَالَ قَلْبَهُ وَصَرَفَهُ عَنْ دِينِهِ وطاعته (فتلا معاذ) أي بن مُعَاذٍ الْمَذْكُورُ
قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ النَّوَّاسِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الْقَدَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا أَحَادِيثُ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد
4 -
باب [3523] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ) بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا الْفَزَارِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ وَكُنْيَةُ أَبِيهِ أَبُو لَيْلَى وَيُقَالُ أَبُو خَالِدٍ مَتْرُوكٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ وَاتَّهَمَهُ بن مَعِينٍ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيُّ
قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَامُ اللَّيْلَ مِنَ الْأَرَقِ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ شَكَا وَالْأَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنْ أَجْلِ السَّهَرِ وَهُوَ مُفَارَقَةُ الرَّجُلِ النَّوْمَ مِنْ وَسْوَاسٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِذَا أَوَيْتَ بِالْقَصْرِ وَمَا أَظَلَّتْ أَيْ وَمَا أَوْقَعَتْ ظِلَّهَا عَلَيْهِ وَمَا أَقَلَّتْ أَيْ حَمَلَتْ وَرَفَعَتْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا أَضَلَّتْ أَيْ وَمَا أَضَلَّتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَمَا هُنَا بِمَعْنَى مَنْ
وَفِيمَا قَبْلُ غَلَبَ فِيهَا غَيْرُ الْعَاقِلِ ويمكن أن ما هنا للمشا كلة كُنْ لِي جَارًا مِنَ اسْتَجَرْتُ فُلَانًا فَأَجَارَنِي وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عليه أَيْ كُنْ لِي مُعِينًا وَمَانِعًا وَمُجِيرًا وَحَافِظًا أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ أَنْ يَفْرُطَ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ أَوْ لِئَلَّا يَفْرُطَ أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْرُطَ يُقَالُ فَرَطَ عَلَيْهِ أَيْ عَدَا عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَبْغِيَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ يَظْلِمَ عَلَيَّ أَحَدٌ عَزَّ جَارُكَ أَيْ غَلَبَ مُسْتَجِيرُكَ وَصَارَ عَزِيزًا وَجَلَّ أَيْ عَظُمَ ثَنَاؤُكَ يَحْتَمِلُ إِضَافَتَهُ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُثْنِي غَيْرَهُ أَوْ ذَاتَهُ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ الخ) والحديث أخرجه الطبراني وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ
[3528]
قَوْلُهُ إِذَا فَزِعَ بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ خَافَ فِي النَّوْمِ أَيْ فِي حَالِ النَّوْمِ أَوْ عِنْدَ إِرَادَتِهِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ أَيِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ الْفَاضِلَةِ وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ وَآيَاتُ كُتُبِهِ وَعِقَابِهِ أَيْ عَذَابِهِ شَرِّ عِبَادِهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَنَحْوِهِمَا وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ أَيْ نَزَغَاتِهِمْ وَخَطَرَاتِهِمْ وَوَسَاوِسِهِمْ وَإِلْقَائِهِمُ الْفِتْنَةَ وَالْعَقَائِدَ الْفَاسِدَةَ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ وَأَنْ يَحْضُرُونِ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَإِبْقَاءِ الْكَسْرَةِ دَلِيلًا عَلَيْهَا أَيْ وَمِنْ أَنْ يَحْضُرُونِي فِي أُمُورِي كَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَحْضُرُونَ بِسُوءٍ فَإِنَّهَا أَيِ الْهَمَزَاتِ لَنْ تَضُرَّهُ أَيْ إِذَا دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَزَعَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ (يُلَقِّنُهَا) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَهُوَ مِنَ التَّلْقِينِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُعَلِّمُهَا مِنَ التَّعْلِيمِ (مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ) أَيْ لِيَتَعَوَّذَ بِهَا (فِي صَكٍّ) أَيْ فِي وَرَقَةٍ (ثُمَّ عَلَّقَهَا) أَيْ عَلَّقَ الْوَرَقَةَ الَّتِي هِيَ فِيهَا (فِي عُنُقِهِ) أَيْ فِي رَقَبَةِ وَلَدِهِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللَّمَعَاتِ هَذَا هُوَ السَّنَدُ فِي مَا يُعَلَّقُ فِي أَعْنَاقِ الصِّبْيَانِ مِنَ التَّعْوِيذَاتِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْحِرْزِ وَالتَّمَائِمِ مِمَّا كَانَ مِنْ رُسُومِ الْجَاهِلِيَّةِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى
قُلْتُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي تَعْلِيقِ التَّعْوِيذَاتِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ التَّعْلِيقِ مِنْ أَبْوَابِ الطِّبِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صحيح الإسناد وليس عنده تخصيصها بالنوم
9 -
باب [3530] قوله (حدثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (عن عمر بْنِ مُرَّةَ) الْجَمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ (قُلْتُ لَهُ) أَيْ لِأَبِي وَائِلٍ وَهَذَا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ (قَالَ نَعَمْ) أَيْ قَالَ أَبُو وَائِلٍ نَعَمْ قَدْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (وَرَفَعَهُ) أَيْ رفع بن مَسْعُودٍ الْحَدِيثَ يَعْنِي رَوَاهُ مَرْفُوعًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ لَا أَحَدَ أَغْيَرُ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ الْغَيْرَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهِيَ الْأَنَفَةُ وَالْحَمِيَّةُ
قَالَ النَّحَّاسُ هُوَ أَنْ يَحْمِيَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَغَيْرَهَا مِنْ قَرَابَتِهِ وَيَمْنَعَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ أَوْ يَرَاهُنَّ غَيْرُ ذِي مَحْرَمٍ وَالْغَيُورُ ضِدُّ الدَّيُّوثِ وَالْقُنْدُعُ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا الدَّيُّوثُ هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّينَ وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَيْ أَنَّ غَيْرَتَهُ مَنْعُهُ وَتَحْرِيمُهُ وَلَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْفَوَاحِشَ وتواعد عَلَيْهَا وَصَفَهُ صلى الله عليه وسلم بِالْغَيْرَةِ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرَتِهِ أَنْ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَلِذَلِكَ أَيْ لِأَجْلِ الْغَيْرَةِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ بن جَرِيرٍ إِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْفَوَاحِشِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَسَاقَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ الْمُرَادُ سِرُّ الْفَوَاحِشِ وَعَلَانِيَتُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ وساق عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَرَوْنَ بالزنى بَأْسًا فِي السِّرِّ وَيَسْتَقْبِحُونَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَحَرَّمَ الله الزنى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ مَا ظَهَرَ نِكَاحُ الْأُمَّهَاتِ وَمَا بطن الزنى ثم اختار بن جَرِيرٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ وَلَيْسَ مَا رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ بِمَدْفُوعٍ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ انْتَهَى وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ يَجُوزُ فِي أَحَبُّ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَهُوَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ الْمَدْحُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُهُ وَحُبُّ اللَّهِ الْمَدْحَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْقَلُ مِنْ حُبِّ الْمَدْحِ وَإِنَّمَا الرَّبُّ أَحَبَّ الطَّاعَاتِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَدْحُهُ لِيُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَفِعَ الْمُكَلَّفُ لَا لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِالْمَدْحِ
وَنَحْنُ نُحِبُّ الْمَدْحَ لِنَنْتَفِعَ وَيَرْتَفِعَ قَدْرُنَا فِي قَوْمِنَا
فَظَهَرَ مِنْ غَلَطِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُمْ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْمَدْحَ فَكَيْفَ لَا نُحِبُّهُ نَحْنُ فَافْهَمْ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَجْلِ حُبِّهِ الْمَدْحَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ
00 -
باب [3531] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) اسْمُهُ مَرْثَدُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ السَّهْمِيِّ قَوْلُهُ (أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي) أَيْ عَقِبَ التَّشَهُّدِ كَمَا قَيَّدَهُ
بعض علمائنا قاله القارىء
قُلْتُ وَإِلَى هَذَا احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ بَابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ حديث أبي بكر هذا
وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَحَلِّهِ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ مَوْطِنَيْنِ السُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ لِأَنَّهُمَا أُمِرَ فِيهِمَا بِالدُّعَاءِ ظَلَمْتُ نَفْسِي أَيْ بِمُلَابَسَةِ مَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ أَوْ يَنْقُصُ الْحَظَّ وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْرَى عَنْ تَقْصِيرٍ وَلَوْ كَانَ صِدِّيقًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فِيهِ إِقْرَارٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْتِجْلَابٌ لِلْمَغْفِرَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أنفسهم الْآيَةَ فَأَثْنَى عَلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ وَفِي ضِمْنِ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لَوَّحَ بِالْأَمْرِ بِهِ كَمَا قِيلَ إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى فَاعِلِهِ فَهُوَ آمِرٌ بِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ ذَمَّ فَاعِلَهُ فَهُوَ نَاهٍ عَنْهُ مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ التَّنْكِيرُ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ غُفْرَانٌ عَظِيمٌ لَا يُدْرَكُ كُنْهُهُ وَوَصْفُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِهِ سبحانه وتعالى مُرِيدًا لِذَلِكَ لِأَنَّ الْعِظَمَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُحِيطُ بِهِ وَصْفٌ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ هُمَا صِفَتَانِ ذُكِرَتَا خَتْمًا لِلْكَلَامِ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فَالْغَفُورُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ اغْفِرْ لِي
وَالرَّحِيمُ مُقَابِلُ ارْحَمْنِي وَهِيَ مُقَابَلَةٌ مُرَتَّبَةٌ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة
01 -
[3524] قَوْلُهُ (عَنِ الرُّحَيْلِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا (بْنِ مُعَاوِيَةَ) بْنِ حُدَيْجٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ الْجُعْفِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الرَّقَاشِيِّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ أَبَانٍ قَوْلُهُ (إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ) أَيْ أَصَابَهُ كَرْبٌ وَشِدَّةٌ (يَا حَيُّ) أَيِ الدَّائِمُ الْبَقَاءِ (يَا قَيُّومُ) أَيِ الْمَبَالِغُ فِي الْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ (بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) أَيْ أَطْلُبُ الْإِغَاثَةَ وَأَطْلُبُ الْإِعَانَةَ
قَوْلُهُ (وَبِإِسْنَادِهِ) أَيْ بِإِسْنَادِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (أَلِظُّوا بياذا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) أَيِ الْزَمُوهُ وَاثْبُتُوا عَلَيْهِ وَأَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّلَفُّظِ بِهِ فِي دُعَائِكُمْ يُقَالُ أَلَظَّ بِالشَّيْءِ يُلِظُّ إِلْظَاظًا إِذَا لَزِمَهُ وَثَابَرَ عَلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
[3525]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلٌ) هو بن إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيُّ (عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ) بْنِ دِينَارٍ الْبَصْرِيِّ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ ألظوا بياذا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ هُوَ الطويل [3527] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنِ الْجُرَيْرِيِّ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ (عَنْ أَبِي الورد) هو بن ثُمَامَةَ بْنُ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيُّ الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ اللَّجْلَاجِ) الْعَامِرِيِّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (يَقُولُ) بَدَلٌ أَوْ حَالٌ (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُؤَالُ امْتِحَانٍ (دَعْوَةٌ) أَيْ مُسْتَجَابَةٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَوْ هُوَ دَعْوَةٌ أَوْ مَسْأَلَةُ دَعْوَةٍ (أَرْجُو بِهَا الْخَيْرَ) وفي المشكاة أرجو بها خيرا قال القارىء أَيْ أَسْأَلُهُ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً فَيَحْصُلُ مَطْلُوبِي مِنْهَا وَلَمَّا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ خَيْرًا فَكَانَ غَرَضُهُ الْمَالَ الْكَثِيرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَرَكَ خيرا فرده صلى الله عيله وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ إِنَّ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ إِلَخْ وَأَشَارَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النار وأدخل الجنة فقد فاز انتهى قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الرَّجُلَ حَمَلَ النِّعْمَةَ عَلَى النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْفَانِيَةِ وَتَمَامُهَا عَلَى مُدَّعَاهُ فِي دُعَائِهِ فَرَدَّهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ ودله على أنه لَا نِعْمَةَ إِلَّا النِّعْمَةُ الْبَاقِيَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ (فَإِنَّ من تمام النعمة دخول الجنة) أي ابتداء (والفوز) أي الْخَلَاصَ وَالنَّجَاةَ (مِنَ
النَّارِ) أَيْ وَلَوِ انْتِهَاءً (وَسَمِعَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (ياذا الجلال والإكرام) أي ياذا الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْإِكْرَامِ لِأَوْلِيَائِهِ (قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ) أَيْ مَا تُرِيدُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أن استفتاح الدعاء بقوله الداعي ياذا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَكُونُ سَبَبًا فِي الْإِجَابَةِ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَلَاءَ) أَيْ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (فَاسْأَلْهُ الْعَافِيَةَ) أَيْ فَإِنَّهَا أَوْسَعُ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْبَلَاءِ وَمَحَلُّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا مَنْعَ مِنْ سُؤَالِ الصَّبْرِ بَلْ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صبرا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد
02 -
باب [3526] قَوْلُهُ (مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ) أَيْ لِيَنَامَ (طاهرا) أي متوضأ (يَذْكُرُ اللَّهَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ) بِضَمِّ النُّونِ يَعْنِي حَتَّى يَنَامَ (لَمْ يَنْقَلِبْ) من الانقلاب وفي بعض النصح لَمْ يَتَقَلَّبْ مِنَ التَّقَلُّبِ وَالْمُرَادُ مِنَ الِانْقِلَابِ هُنَا الِاسْتِيقَاظُ وَالِانْتِبَاهُ
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَيُقَالُ بِالْمُهْمَلَةِ وَتَقْدِيمِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ السُّلَفِيِّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْكَلَاعِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ نَزَلَ حِمْصَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
3 -
باب [3529] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ) الْأَلْهَانِيِّ (عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الشَّامِيِّ قِيلَ اسْمُهُ أَخْضَرُ وَقِيلَ النُّعْمَانُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (فَأَلْقَى) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو (إِلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (صَحِيفَةً أَيْ كِتَابًا (هَذَا) أَيِ الَّذِي أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ (اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) إِلَى قَوْلِهِ (وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ بَعْدَ بَابِ الدُّعَاءِ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى (وَأَنْ أَقْتَرِفَ) أَيْ أَكْتَسِبَ وَأَعْمَلَ (أَوْ أَجُرَّهُ) مِنَ الْجَرِّ وَالضَّمِيرُ المنصوب راجع إلى قوله سوء
[3533]
قَوْلُهُ (فَضَرَبَهَا) أَيْ أَغْصَانَ الشَّجَرَةِ (فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ) أَيْ تَسَاقَطَ (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ كُلُّهَا بِالنَّصْبِ عَلَى اسْمِ إِنَّ وَخَبَرُهَا قَوْلُهُ (لَتُسَاقِطُ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ (مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ) أي المتكلم بهذه الكلمات (كما تساقط أوراق الشَّجَرَةِ هَذِهِ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ وَمِنْ بَابِ التَّفَاعُلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تُسَاقِطُ ذُنُوبَ الْعَبْدِ فَتَتَسَاقَطُ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَا نَعْرِفُ لِلْأَعْمَشِ سَمَاعًا مِنْ أَنَسٍ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصحيح