المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1): «ماء زمزم - تحقيق الكلام في المسائل الثلاث - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٤

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةفي بيان التكليف وما يتصل به

- ‌الأدلة الموجبة العملَ بالظن بشرطه

- ‌المسألة الأولىالاجتهاد والتقليد

- ‌ الإجماع المعتبر

- ‌ طلب رتبة الاجتهاد فرضَ كفاية

- ‌المسألة الثانيةالسنة والبدعة

- ‌ الأشياء الحادثة بعد عصر النبوة نوعان:

- ‌[البحث الأول: البناء على القبور]

- ‌[روايات حديث أبي الهيّاج عن علي]

- ‌ البحث الثانياتخاذ القبور مساجد أو اتخاذ المساجد على القبور

- ‌تنبيهات

- ‌البحث الثالثزيارة القبور

- ‌ الحكمة في استحباب زيارة القبور:

- ‌ هل تُزار قبور الكفّار

- ‌ كيفية الزيارة:

- ‌ فصلفي زيارة قبور الأنبياء والصالحين

- ‌البحث الرابعالتبرُّك

- ‌1): «ماء زمزم

- ‌ تقبيل اليدين والرجلين

- ‌[مسألة التبرك بالصالحين]

- ‌البحث الخامسالتوسُّل

- ‌ حديث «الصحيحين» في قصة الثلاثة أصحاب الغار

- ‌ الفرق بين التوسّل بالحيّ والميت

- ‌[بحث في اتخاذ ليلتي المولد والمعراج عيدًا]

- ‌المسألة الثالثةالنداء للغائبين والموتى وغيرهم

- ‌ المقام الأولعلم الغيب

- ‌ العلم الخبري بما هو غيب عن جميع الخلق

- ‌ معرفة الأنواء

- ‌ العَرافة

- ‌ الفأل والطِيَرة

- ‌ الطّرْق بالحصى

- ‌ رؤية الإنسيّ للجنيّ وسماعه لكلامه

- ‌[الكلام في حجية الإلهام وهل هو من الإظهار على الغيب

- ‌ المقام الثانيفي تصرُّف بعض بني آدم في الكون

- ‌ المقام الثالثالنداء والطلب

- ‌ الحكم على بعض الأعمال أنه كفر لا يسوغ إلا بعد اجتهادٍ ونَظَر

- ‌ الميزان

- ‌ملحق ــ 5 ــفي معنى التأويل

الفصل: ‌1): «ماء زمزم

ثبوته في الشرع بدليلٍ معتبر. فمَن اعتقد في شيءٍ ما أنه سبب لشيءٍ مما ذُكر؛ فإن كان ثابتًا في الشرع بدليل معتبر، فاعتقاده حق والعمل به هدى، وإن لم يكن ثابتًا في الشرع بدليل معتبر، فاعتقاده والعمل به ضلال مبين.

وأما المقاصد الدنيوية التي تتناولها قُدرة الخلق بالأسباب العادية إذا أُريد تحصيلها بها، فلا يفتقر اعتقاد كون شيء من الأشياء سببًا لها إلى ثبوته شرعًا، وإنما العمل بها يفتقر إلى الإذن الشرعي.

[ص 2] إذا تقرّر ذلك فالتبرّك هو التسبُّبُ لحصول البركة، ولا يكون المقصود به إلا أحد الأمور الثلاثة التي بينّا أن سببها لا يكون إلا شرعيًّا، فهو إذن مفتقِرٌ إلى ثبوته من الشرع بدليل معتبر، فإن ثبت فاعتقاده حق والعمل به هُدى، وإن لم يثبت فاعتقاده والعمل به ضلال مبين.

فأقول: قد ثبت التبرك بأشياء منها:

* ماء زمزم، قال في «الهَدْي» (‌

‌1): «ماء زمزم

، سيّد المياه وأشرفها، وأجلّها قدرًا، وأحبها إلى النفوس، وأغلاها ثمنًا وأنفسها عند الناس، وهو هَزْمَة جبريل وسُقيا إسماعيل. وثبت في «الصحيح»

(2)

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة، وليس له طعام غيره، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إنها طعام طُعْم» . وزاد غير مسلم بإسناده: «وشفاء سُقم»

(3)

.

(1)

يعني «زاد المعاد في هدي خير العباد» لابن قيم الجوزية: (4/ 392 - 393).

(2)

«صحيح مسلم» (2473). وفيه: «

ثلاثين ما بين يوم وليلة». وما في الأصل تبع للهدي.

(3)

أخرجه الطيالسي (459)، والبزار (9/ 361)، والبيهقي:(5/ 147) وغيرهم. وعزاه البيهقي لمسلم، وليست في المطبوع منه، ويؤيده كلام المصنف والحافظ في «المطالب العالية» (1404).

ص: 223

وفي «سنن ابن ماجه»

(1)

من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«ماء زمزم لما شُرِب له» . وقد ضعّف هذا الحديثَ طائفةٌ بعبد الله بن المؤمّل راويه عن محمد بن المنكَدِر.

وقد رُوِّينا عن عبد الله بن المبارك أنه لما حجّ أتى زمزم فقال: اللهم إن ابن أبي الموالِ حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه عن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ماء زمزم لما شُرِب له» ، فإني أشربه لظمأ يوم القيامة

(2)

.

وابن أبي الموالِ ثقة، فالحديث إذًا حسن، وقد صححه بعضُهم، وجعله بعضهم موضوعًا، وكلا القولين فيه مجازفة.

وقد جرّبتُ أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورًا عجيبة، واستشفيتُ به من عدة أمراض، فبرأتُ بإذن الله» اهـ

(3)

.

(1)

(3062). وأخرجه أحمد (14849)، والبيهقي:(5/ 148). وانظر كلام المصنف على الحديث في حواشيه على «الفوائد المجموعة» (ص 113 - 114).

(2)

أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (3833)، وابن عساكر في «تاريخه»:(32/ 436) من رواية سويد بن سعيد عن ابن المبارك، وقد أخطأ في الرواية عنه والمحفوظ ابن المبارك عن ابن المؤمل. انظر «فتح الباري»:(3/ 493) و «التلخيص الحبير» : (2/ 287).

(3)

انتهى كلام ابن القيم في «الهدي» .

ص: 224

* ومنها: القرآن الكريم والأدعية المأثورة، بقراءة المتبرِّك وقراءة متبرَّكٍ به. وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا بكتابة شيء من ذلك. قال في «الهدي»

(1)

: «قال المرُّوذي

(2)

: بلغ أبا عبد الله أني حُمِمتُ، فكتب لي من الحمَّى ورقة

(3)

فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله، محمد

(4)

رسول الله، {قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 69 - 70]، اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل اشفِ صاحبَ هذا الكتاب بحولك وقوّتك وجبروتك إله الحق، آمين.

قال المرُّوذي: وقُرِئ على أبي عبد الله وأنا أسمع: أبو المنذر عمرو بن مجمع حدثنا يونس بن حبان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي أن أعلّق التعويذ؟ فقال: إن كان من كتاب الله، أو كلامٍ عن نبيِّ الله فعلّقه واستشفِ به ما استطعتَ. قلت: أكتب هذه من حمى الرِّبْع: باسم الله وبالله، ومحمد رسول الله

إلى آخره؟ قال: إي نعم.

وذكر أحمد عن عائشة رضي الله عنها وغيرها: أنهم سهّلوا في ذلك.

قال حرب: ولم يشدّد فيه أحمد بن حنبل.

قال أحمد: وكان ابن مسعود يكرهه كراهةً شديدة جدًّا.

وقال أحمد وقد سُئل عن التمائم تُعلَّق بعد نزول البلاء؟ قال: أرجو أن

(1)

(4/ 356 - 358).

(2)

وقع في الأصل تبعًا للهدي: «المروزي» والصواب ما أثبت، وقد نقله ابن القيم أيضًا في «بدائع الفوائد»:(4/ 175 - بتحقيقي).

(3)

كذا. وفي «الهدي» : «رقعة» .

(4)

في «البدائع» : «ومحمد» .

ص: 225

لا يكون به بأس.

قال الخلال: وحدثنا عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي يكتب التعويذ للذي يفزع، وللحمى بعد وقوع البلاء.

[ص 3] ثم ذكر كتابًا آخر، ثم قال: قال الخلال: أنبأنا أبو بكر المرُّوذي أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله تكتب لامرأة قد عَسُر عليها ولدها منذ يومين؟ فقال: قل له يجيء بجامٍ واسعٍ وزعفران، ورأيته يكتب لغير واحد

ثم قال بعد كلام: ورخّص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشُربه، وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه.

ثم قال بعد كلام: كتاب للرعاف: كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكتب على جبهته: {وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ} [هود: 44]. وسمعته يقول: كتبتُها لغير واحد فبرأ، فقال: ولا يجوز كتابتها بدم الراعف كما يفعله الجهّال؛ فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يُكتب به كلام الله تعالى»

(1)

.

قال في «المشكاة»

(2)

: وعن عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامّة من غضبه وعقابه وشرّ عباده، ومن هَمَزات الشياطين وأن يحضرون، فإنها لن تضره» . وكان عبد الله بن عمرو يعلّمها مَن بلغ مِن ولدِه، ومَن لم يبلغ منهم كتبها في صكّ ثم علّقها في عنقه. رواه أبو داود

(1)

انتهى النقل من «زاد المعاد» .

(2)

(2/ 57).

ص: 226

والترمذي

(1)

، وهذا لفظه.

وفي «سنن أبي داود»

(2)

عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أن عبد الله رأى في عنقي خيطًا فقال: ما هذا؟ فقلت: خيطٌ رُقي لي فيه. قالت: فأخذه فقطعه، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«إن الرُّقَى والتمائم والتِّوَلَة شرك» . فقلت: لِمَ تقول هكذا، والله لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي [يرقيني] فإذا رقاها سكنت. فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقى كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«أذْهِبَ الباسَ ربَّ الناس واشفِ أنتَ الشافي لا شفاءَ إلا شفاؤك شفاءً لا يغادرُ سَقَمًا» .

وفيها

(3)

أيضًا: عن عبد الله بن عَمرو قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «ما أبالي ما أتيتُ إن أنا شربتُ ترياقًا، أو تعلّقتُ تميمةً أو قلت الشعرَ مِن قِبَل نفسي» .

وفيها

(4)

أيضًا: عن عيسى بن حمزة قال: دخلت على عبد الله بن عُكَيم

(1)

أبو داود (3893)، والترمذي (3528) ــ وقال: حسن غريب ــ وأحمد (6696)، وانظر الكلام عليه في حاشية المسند:(11/ 296 - 297).

(2)

(3883). وأخرجه أحمد (3615)، وابن ماجه (3530)، وابن حبان (6086)، والحاكم (4/ 240) وصحّحاه. وانظر حاشية المسند:(6/ 110 - 112).

(3)

أي «المشكاة» : (2/ 531). وهو في «سنن أبي داود» (3869)، وأحمد (7081). وإسناده ضعيف، انظر: حاشية «المسند» : (11/ 652). ووقع في الأصل تبعًا للمشكاة: «عبد الله بن عمر» . وهو تصحيف.

(4)

(2/ 531). وهو في «جامع الترمذي» (2072)، وأحمد (18781). قال البوصيريّ في «إتحاف الخيرة»:(4/ 468): «مرسل ضعيف» .

ص: 227

وبه حمرة فقلت: ألا تعلّق تميمة؟ فقال: نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«مَن تعلَّق شيئًا وُكِل إليه»

(1)

.

[ص 4] وفي «المستدرك»

(2)

عن عقبة بن عامر مرفوعًا: «مَن عَلَّق تميمةً فلا أتمَّ الله له، ومن عَلّق وَدَعةً فلا وَدَع الله له» . قال الحاكم: صحيح، وأقرَّه الذهبي.

وفيه

(3)

عن عِمران بن حُصين قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عضدي حَلْقة صَفَر فقال: «ما هذه؟ » قلت: مِن الواهنة. فقال: «فانبذها» . قال الحاكم: صحيح، وأقرّه الذهبي.

وفيه

(4)

عن قيس بن السكن الأسدي، قال: دخل ابن مسعود على امرأةٍ

(5)

، فرأى عليها حرزًا من الحُمرة، فقطعه قطعًا عنيفًا، ثم قال: إن آل عبد الله عن الشرك أغنياء، وقال: كان مما حفظنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن التمائم والرُّقى والتِّوَلَة

(6)

من الشرك. قال: صحيح، وأقرّه الذهبي.

وفيه

(7)

عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زينب امرأة عبد الله أنها

(1)

كتب المصنف بعدها «اقلب» يعني تُكتب الصفحة التي تليها كاملة ثم يعود الكلام إلى سياقه.

(2)

(4/ 216).

(3)

(4/ 216).

(4)

(4/ 217).

(5)

الأصل: «امرأته» . والمثبت من «المستدرك» .

(6)

كذا، وفي «المستدرك» في هذا الموضع والمواضع الأخرى:«والتولية» .

(7)

(4/ 417 - 418).

ص: 228

أصابها حُمْرة في وجهها، فدخلت عليها عجوز فَرَقَتْها في خيط فعلَّقته عليها، فدخل ابن مسعود رضي الله عنه فرآه عليها فقطعه، ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا أن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شِرك. والتِّوَلة ما يهيّج الرجال.

قال: على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي.

وفيه

(1)

عن أم ناجية قالت: دخلتُ على امرأة ابن مسعود زينب أعودها من حمرة ظهرت بوجهها وهي معلقة بحرز؛ فإني لجالسة دخل عبد الله، فلما نظر إلى الحرز أتى جدعًا معارضًا في البيت، فوضع رداءه عليه، ثم حسر

(2)

عن ذراعيه فأتاها، فأخذ الحرز فجذبها حتى كاد وجهها أن يقع على الأرض، فانقطع ثم خرج من البيت فقال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء عن الشرك، ثم خرج فرمى بها خلف الجدار، ثم قال: يا زينب أعندي تعلِّقين! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهي عن الرقى والتمائم والتِّوَلَة. فقالت أم ناجية: يا أبا عبد الرحمن، أما الرقى والتمائم فقد عرفنا، فما التِّوَلَة؟ قال: التِّوَلَة ما يهيِّج النساء.

وفيه

(3)

عن الحسَن قال: سألت أنسًا عن النُّشْرة؟ فقال: ذكروا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها من عمل الشيطان.

قال الحاكم: صحيح، وأقرَّه الذهبي.

(1)

(4/ 216 - 217). وفي إسناده السري بن إسماعيل الكوفي متروك. انظر «الضعفاء» للعقيلي: (2/ 176)، و «الكامل»:(3/ 456 - 457) لابن عدي.

(2)

في المطبوع: «حصر» . وكأن المؤلف أصلحه.

(3)

(4/ 418).

ص: 229

وفيه

(1)

عن بُكير بن عبد الله بن الأشج أن أمّه حدّثته: أنها أرسلت إلى عائشة رضي الله عنها بأخيه مخرمة، وكانت تداوي من قرحة تكون بالصبيان، فلما داوته عائشة وفرغت منه، رأت في رجليه خلخالين جديدين (كذا) فقالت عائشة: أظننتم أن هذين الخلخالين يدفعان عنه شيئًا كتبه الله عليه، لو رأيتهما ما تداوى عندي وما مس عندي، لعمري لخلخالان من فضة أطهر من هذين.

قال الحاكم: صحيح، وأقرّه الذهبي.

وفيه

(2)

عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ليست التميمة ما تعلّق به بعد البلاء، إنما التميمة ما تعلَّق به قبل البلاء.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.

ثم قال: ولعل متوهمًا يتوهّم أنها من الموقوفات على عائشة رضي الله عنها، وليس كذلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ذكر التمائم في أخبار كثيرة، فإذا فسّرت عائشةُ رضي الله عنها التميمة فإنه حديثٌ مسند. اهـ.

أقول: أما الرقى فقد ثبت في «الصحيح» تخصيص النهي بما كان فيه شرك، منه ما في «صحيح مسلم»

(3)

عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنّا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا

(1)

(4/ 217 - 218).

(2)

(4/ 217).

(3)

(2200).

ص: 230

عليَّ رُقاكم، لا بأس بالرُّقَى ما لم يكن فيه شرك».

وأقول: الرُّقى قسمان:

الأول: ما كان فيه تبرّك، فهو بحسب المتبرَّك به، فإن كان من القرآن أو الدعاء وذِكْر الله تعالى فحَسَن. وإن كان مما فيه شرك فهو ممنوع مطلقًا. ويُلحق به ما كان بالعجمية فيُمنَع.

الثاني: ما لم يكن فيه تبرُّك، وإنما هو ألفاظ لا يظهر لتركيبها معنى، أو يظهر لها معنى ليس فيه شيء من التبرّك، وإنما هو على سبيل الخواصّ، جرت العادةُ بتأثيره بدون معرفة السبب، وهذا داخل في الإذن، ولكن لا يَغِبْ عنك أن الرقية لا تكون رقيةً إلا بعد وقوع البلاء، فأما قبله فليست رقية بل يقال لها: تعويذة ونحو ذلك، وهو على أصل المنع إلا ما كان بالقرآن والدعاء، والله أعلم.

[ص 5] وأما التمائم والتِّوَلة فاختلف في تفسيرها أولًا، وفي حمل النهي ثانيًا.

والذي يظهر أنه إذا كان الكتاب بعد وقوع البلاء، وكان المكتوب من القرآن أو الدعاء، فلا بأس به، كما ثبت عن الإمام أحمد وغيره، ولأنّ المحذور إنما هو مظنة الشرك والإعراض عن التوكّل، وهو منتفٍ هاهنا قطعًا؛ لأن الالتجاء إلى القرآن والدعاء هي حقيقة التوكّل، فكيف تكون منافية له؟ !

ومن المنهيّ عنه: الخرزات والعظام والأوتار ونحوها من الأشياء التي يُزْعَم أن لحملها خاصيةً في دفع العين أو شرّ الجنّ أو غير ذلك. وقد ثبت

ص: 231

في «الصحيحين»

(1)

عن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسولًا:«لا تُبقينّ في رقبة بعير قلادةً من وَتَر أو قلادةً إلا قُطِعَت» .

ومثل هذا ــ فيما يظهر ــ التختُّم بأحجارٍ مخصوصة، بزعم أنّ لها خاصة في القبول والمحبّة والهيبة وسعة الرزق، وغير ذلك من دفع العين والجن ونحوه.

فأما ما كان من قبيل الأدوية كالخرزات التي جرت العادةُ أن مَن تختّم بها لم تضرّه لدغ الحية والعقرب، فالظاهر ــ والله أعلم ــ أنه لا بأس بها؛ لأنها نوع من الدواء. وهذا محتاج إلى بسطٍ لم يتيسّر لي الآن، والله أعلم.

نعم تلخيص الكلام فيه أن يقال:

[ص 6] التمائم قسمان: ما يكون طلب الانتفاع به من حيث التبرُّكُ، وما يكون من حيث الخاصية. فما كان من حيث التبرّك، فإن كان فيه شرك فهو ممنوع مطلقًا كالرقية بالشعر، وإلّا بأنْ كان من القرآن أو الدعاء فمذهب الإمام أحمد وغيره جوازه لدفع ما قد وقع من البلاء.

وأما ما يكون طلب الانتفاع به من حيث الخاصية، فإن كانت الخاصية المزعومة أثرًا غير ما يُطْلَب حصولُه في الأدوية، كالخرزات التي يُزعَم أنّ مَن حملها حصل له القبول والهيبة وسعة الرزق وغير ذلك، فهذا ممنوع، وهو من الشرك، لعموم الأحاديث السابقة وغيرها.

وإن كان مما يُطلب حصوله بالأدوية، فإن كان طريق تأثير الضرر

(1)

البخاري (3005)، ومسلم (2115).

ص: 232

معنويًّا كالعين ومسّ الجن، فهو ممنوع قبل وقوع البلاء قطعًا؛ للأحاديث الواردة في ذلك، وأما بعد وقوع البلاء فقياس جواز الرُّقية بما لم يكن فيه تبرّك جوازُه.

وإن كان طريق تأثير الضرر حسّيًّا كلدغ الحية والعقرب ونزف الدم وغيره، فعموم الأمر بالتداوي يتناوله، وليس في حمله قبل حصول الضرر مضرّة؛ لأنه لا يطلب تأثيره من حينئذٍ، وإنما يُدّخَر إلى عند وقوع البلاء كما يُدَّخَر الدواء.

ومن هذا الخرزات التي إذا تختَّم بها الملدوغ سكن عنه الألم، أو من ينزف الدم انقطع. والله أعلم.

* ومنها التبرّك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

ففي قصة الحديبية: «فوالله ما تنخَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم نُخامةً إلا وقعت في كفّ رجل منهم، فدَلَكَ بها جلدَه ووجهَه، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وَضوئه»

(1)

.

وفي «الصحيحين»

(2)

عن جابر قال: أتى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدَ الله بن أُبيّ بعدما أُدْخِل حفرته، فأمر به فأُخْرِج، فوضعه على ركبتيه، فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصَه

الحديث.

وفيهما

(3)

عن أبي جُحيفة قال: رأيت رسولَ الله صلى الله عليه وآله

(1)

أخرجه البخاري (2731، 2732) عن المسور بن مخرمة ومروان.

(2)

البخاري (1350)، ومسلم (2773).

(3)

البخاري (3566)، ومسلم (503/ 250). واللفظ لمسلم.

ص: 233

وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبّة حمراء من أدَم

ورأيتُ الناسَ يبتدِرون ذلك الوضوء، فمن أصاب منه شيئًا تمسّح به، ومن لم يُصب منه أخذ من بَلَلِ يد صاحبه. الحديث.

وفي «الصحيحين»

(1)

عن السائب بن يزيد قال: ذهبَتْ بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي وَجِع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضّأ، فشربتُ من وضوئه. الحديث.

وفي «الصحيحين»

(2)

عن أم سُليم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتيها فيقيل عندها، فتبسط نِطْعًا، فيقيل عليه، وكان كثير العَرَق، فكانت تجمع عرقَه فتجعله في الطيب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«يا أم سليم ما هذا؟ » قالت: عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب. وفي رواية: قالت: يا رسول الله، نرجو بركته لطيبنا. قال:«أصبتِ» .

وفي «صحيح مسلم»

(3)

عن أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت جبّة طيالسة كَسْروانيَّة لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفين بالديباج، وقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت عند عائشة، فلما قُبِضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها.

وفي «الصحيحين»

(4)

عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى

(1)

البخاري (190)، ومسلم (2345).

(2)

البخاري (6281)، ومسلم (2332).

(3)

(2069).

(4)

البخاري (171)، ومسلم (1305).

ص: 234

منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونَحَر نُسكَه، ثم دعا بالحلّاق، وناول الحالق شِقَّه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إيّاه، ثم ناوله الشقَّ الأيسر فقال: احلق، فحلقه، فاعطاه أبا طلحة فقال:«اقسمه بين الناس» . وفي رواياته اختلاف بيَّنها في «الهدي»

(1)

.

[ص 7] وفي «صحيح البخاري»

(2)

عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهَب قال: أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، وكان إذا أصاب الإنسانَ عينٌ أو شيء، بعث إليها مِخْضَبَه، فأخرجَتْ من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت تُمسكه في جُلْجُل من فضة، فخَضْخَضَتْه له فشرب منه. قال: فاطلعتُ في الجُلْجُل فرأيت شعراتٍ حُمرًا.

وفي «صحيح مسلم»

(3)

عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى الغداة جاء خدمُ المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يُؤتَى بإناء إلا غمس يده فيه، فربما جاؤوه في الغداة الباردة، فيغمس يده فيها.

وفي «الصحيحين»

(4)

عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نغسل ابنته فقال: «اغسلنها ثلاثًا، [أو خمسًا]، أو أكثر من ذلك إن رأيتنَّ ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتنَّ فآذِنّني» فلما فرغنا آذنّاه، فألقى علينا حَقْوه فقال:

(1)

«زاد المعاد» : (2/ 247).

(2)

(5896). واللفظ نقله المؤلف من «جامع الأصول» : «4/ 740).

(3)

(2324).

(4)

البخاري (1254)، ومسلم (939). وما بين المعكوفين منهما.

ص: 235