المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌مقدمات تحقيق المتن:

إذا أيقنا أن ما في النسخة هو ما قصده المؤلف وأراده، ولا سيما إذا كان يبني على تلك الرواية حكما خاصا، فهذا قيد شديد يحرم على المحقق أن يتناول النص بتغيير أو تبديل.

وهذه الضروب الثلاثة من النصوص هي أخطر ما يجب فيه الدقة والحرص والتريث، وليس معنى ذلك أن نستهين بغيرها، ولكن معناه أن نبذل لها من اليقظة، ونستشعر لها من الحرص، ما يعادل خطرها البالغ.

ص: 48

‌خطر تحقيق المتن:

عرفت إذن أن التحقيق أمر جليل، وأنه يحتاج من الجهد والعناية إلى أكثر مما يحتاج إليه التأليف. وقديما قال الجاحظ1:"ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفا أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام".

‌مقدمات تحقيق المتن:

هناك مقدمات رئيسية لإقامة النص، فمنها:

1-

التمرس بقراءة النسخة، فإن القراءة الخاطئة لا تنتج إلا خطأ. وبعض الكتابات يحتاج إلى مراس طويل وخبرة خاصة، ولا سيما تلك المخطوطات التي لا يطرد فيها النقص والإعجام، وكذلك تلك المخطوطات التي كتبت بقلم أندلسي أو مغربي، ولهذا الخط صورة الخاصة ونقطه الخاص، بل رسمه الخاص. قال الشيخ نصر الهوريني2: "وكذلك أهل الأندلس يكتبون في غير المصحف

1 الحيوان 1: 79.

2 المطالع النصرية 110.

ص: 48

الألف الحشوية الممالة بالياء، كما يدل له قول القاموس: بنيل بضم الباء وكسر النون جد مسلم بن محمد الشاعر الأندلسي. والأصح أنه ممال. ولكنهم يكتبونه بالياء اصطلاحا".

ولكل كاتب من الكتاب طريقة خاصة تستدعي خبرة خاصة كذلك، فبعضهم يقارب بين رسمي الدال واللام. أو بين رسمي الغين والفاء فلا يفطن للفصل بينهما إلا الخبير. كما أن كثيرًا من الكتاب الأقدمين يكتبون على طريقة خاصة بهم في الرسم الإملائي. وهذا يحتاج إلى خبرة خاصة تكتسب بالمرانة وبالرجوع إلى كتب الرسم. ومن أجمع الكتب في ذلك "المطالع النصرية" للشيخ نصر الهوريني.

والنقط تختلف طرائقة في الكتابة المشرقية والكتابة المغربية؛ ففي الأخيرة تنقط الفاء بنقطة من أسفلها، والقاف بنقطة واحدة من أعلاها.

وفي الكتابات القديمة توضع بعض العلامات لإهمال الحروف، فبعضهم يدل على السين المهملة بنقط ثلاث من أسفلها، إما صفا واحدا وإما صفين، وبعضهم يكتب سينا صغيرة "س" تحت السين، ويكتبون حاء "حـ" تحت الحاء المهملة. ومن الكتاب من يضع فوق المهمل أو تحته همزة صغيرة "ء" ومنهم من يضع خطا أفقيا فوقه "__" ومنهم من يضع رسما أفقيا كالهلال، ومنهم من يضع علامة شبيهة بالرقم "7". وفي بعض الكلمات التي تقرأ بالإهمال والإعجام معا قد ينقط الحرف من أعلى ومن أسفل معا، وذلك مثل "التسميت" و"التشميت" أي تشميت العاطس، يضعون أحيانا فوق السين نقطًا ثلاثًا وتحتها كذلك، وإشارة إلى جواز القراءتين. و"المضمضة" و"المصمصة" تكتب بنقطة فوق الضاد وأخرى تحتها، تجويزًا لوجهي القراءة.

وفي الإعجام -أي الشكل والضبط- يحتاج المحقق كذلك إلى خبرة

ص: 49

خاصة، وهذا هو الذي كان يسميه أبو الأسود "النقط". قال أبو الأسود لكاتبه القيسي:"إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة على أعلاه، وإن ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فمي فجعل النقطة تحت الحرف، فإن أتبعت ذلك شيئًا من غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين".

فهذه طريقة أبي الأسود يراها القارئ في المصاحف العتيقة.

ومما يلحق بالضبط القطعة، أي الهمزة، وهي صورة رأس عين توضع فوق ألف القطع، أو على الواو والياء المصورتين بدلا من الألف أو في موضع ألف قد حذفت صورتها مثل ماء وسماء. وفي الكتابة القديمة كثيرا ما تهمل كتابتها فتلتبس ما بكلمة "ما" وسماء بالفعل "سما". والهمز المكسورة تكتب أحيانا تحت الحرف وتكتب أحيانا فوقه.

والمدة، وهي السحبة التي في آخرها ارتفاع، قد ترد في الكتابة القديمة فيما لم نألفه، نحو "مآ" التي نكتبها ماء بدون مدة.

والشدة، وهي رأس الشين، نجدها في الكتابة القديمة حينا فوق الحرف، وآنا تحته إذا كانت مقرونة بالكسرة. ونجد خلافًا في كتابتها مع الفتحة فأحيانًا توضع الفتحة فوق الشدة، وأحيانًا تكتب الفتحة تحت الشدة هكذا "- ِّ" فيتوهم القارئ أنها كسرة مع الشدة، مع أن وضع الكسرة تحت الشدة وفوق الحرف أمر لا يكاد يوجد في المخطوطات العتيقة. والضمة يضعها المغاربة تحت الشدة، وفي كثير من الكتابات القديمة توضع الشدة على الحرف الأول من الكلمة إذا كان مدغمًا في آخر من نهاية الكلمة السابقة مثل "بل رّان"، "يقول أهلكت مالا لو قنعت به".

والشدة في الكتابة المغربية تكتب كالعدد "7" شديدة التقويس وقد عثرت على مخطوط أندلسي عتيق هو كتاب العققة والبررة لأبي عبيدة، وقد

ص: 50

التزم فيه كاتبه وضع الحركات تحت النقط هكذا "مُضعَة"، أي مضغة.

وفي النسخة المغربية من كتاب المحتسب لابن جني "78 قراءات دار الكتب" وجدت الشدة توضع مشابهة للعدد "7" فوق الحرف للدلالة على الشدة والفتحة ومشابهة للعدد "8" فوقه للدلالة على الشدة والضمة. أما الشدة والكسرة فيعبر عنهما بالرسم "8" لكن تحت الحرف.

وتخفيف الحرف، أي مقابل تشديده، يرمز إليه أحيانا بالحرف "خ" أو بإشارة "خف" إشارة إلى الخفة.

وهناك بعض الإشارات الكتابية، ومنها علامة الإلحاق التي توضع لإثبات بعض الأسقاط خارج سطور الكتاب. وهي في غالب الأمر خط رأسي يرسم بين الكلمتين يعطف بخط أفقي يتجه يمينًا أو يسارًا إلى الجهة التي دون فيها السقط

وبعضهم يمد هذه العلامة حتى تصل إلى الكتابة الملحقة التي يكتب إلى جوارها كلمة "صح"، أو "رجع"، أو "أصل". وبعض النساخ يكتب ما يريد إلحاقه بين الأسطر في صلب الكتاب.

وهناك علامة التمريض، وهي صاد ممدودة "صـ" توضع فوق العبارة التي هي صحيحة في نقلها ولكنها خطأ في ذاتها، وتسمى هذه العلامة أيضا علامة التضبيب.

قال السيوطي في تدريب الراوي1: ويسمى ذلك لكون الحرف مقفلًا بها لا يتجه لقراءة، كضبة الباب يقفل بها".

وعلامة التثليث اللغوي، وهي "ث" توضع فوق الكلمة اقتباسًا من كلمة التثليث. وجدتها في مخطوطة الاشتقاق لابن دريد.

وأحيانًا يوضع الحرف "ض" في وسط الكلام، إشارة إلى وجود بياض في الأصل المنقول عنه. وجدته في نسخة من جمهرة ابن حزم.

1 تدريب الرواي، شرح تقريب النواوي ص156 طبع الحرية سنة 1317.

ص: 51

وكذلك الحرف "ء" رأس العين، إشارة إلى "لعله كذا": وجدته في هامش بعض مخطوطات الجمهرة. وقد يكتب الحرف "ظ" في الهامش أيضًا إشارة إلى كلمة "الظاهر". وتوضع "كـ" في بعض الهوامش إشارة إلى أنه "كذا في الأصل".

وإذا كان هناك خطا ناشئ من زيادة بعض الكلمات فإنهم يشيرون إلى الزيادة بخط بوضع فوق الكلام منعطفا عليه من جانبيه بهذا الوضع " " وأحيانا توضع الزيادة بين دائرتين صغيرتين "ْ ْ" أو بين نصفي دائرة " () " وأحيانا توضع كلمة "لا"، أو "من"، أو "زائدة" فوق أول كلمة من الزيادة ثم كلمة "إلى" فوق آخر كلمة منها.

وفي التقديم والتأخير توضع فوق الكلمتين أو العبارتين "ا" و"ا". وجدت بخط مغلطاي على هامش الاشتقاق "سنة ومائة إحدى" أي سنة إحدى ومائة. أو يوضع الحرفان "خ" و"ق" أي تأخير وتقديم. "م""م" أي مقدم ومؤخر.

وكذلك الأرقام تحتاج إلى خبرة خاصة، وهذه صورة الأرقام التي ترد في بعض المخطوطات القديمة وهي "1، 2، 3، 4، 5، 6". وأحيانا تكتب الاثنان والأربعة والخمسة هكذا.

وهناك رموز واختصارات لبعض الكلمات أو العبارات نجدها في المخطوطات القديمة ولا سيما في كتب الحديث.

وهذا مما سبق به أسلافنا العرب، أو علماء العجم المتأخرون، وقلدهم في ذلك الفرنجة1:

ثنا= حدثنا.

1 انظر المطالع النصرية 200-202 وتدريب الرواي 157-207 وقواعد التحديث للقاسمي.

ص: 52

ثني= حدثني.

نا= حدثنا، أو أخبرنا.

دثنا= حدثنا.

أنا= أنبأنا، أو أخبرنا.

أرنا= أخبرنا، في خط بعض المغاربة.

أخ نا= أخبرنا، في خط بعض المغاربة.

أبنا= أخبرنا.

قثنا= قال حدثنا.

ح= تحويل السند في الحديث.

صلعم= صلى الله عليه وسلم.

ص م= صلى الله عليه وسلم

ع م= عليه السلام. وكتابة هذه الثلاثة مكروهة عند الفقهاء وقد استعملها العجم.

رضي= رضي الله عنه.

المصـ= المصنف بكسر النون.

ص= المصنف بفتح النون، أي المتن.

ش= الشرح.

الشـ= الشارح.

س= سيبويه.

أيضـ= أيضا.

لا يخـ= لا يخفى. للعجم في الكتب العربية.

الظ= الظاهر.

نعم= ممنوع. للعجم في الكتب العربية.

ص: 53

م= معتمد، أو معروف، استعمل الأخيرة صاحب القاموس ومن بعده.

إلخ= إلى آخره.

اهـ= انتهى، أو إلى نهايته.

ع= موضع، استعمله صاحب القاموس ومن بعده.

ج= جمع، استعمله صاحب القاموس ومن بعده.

جج= جمع الجمع، استعمله صاحب القاموس ومن بعده.

د= بلد، استعمله صاحب القاموس ومن بعده.

ح= أبو حنيفة، أو الحلبي.

حج= ابن حجر الهيثمي في كتب الشافعية.

م ر= محمد الرملي.

ع ش= علي الشبراملسي.

ز ي= الزيادي.

ق ل= القليوبي.

شو= خضر الشوبري.

س ل= سلطان المزاحي.

ح ل= الحلبي.

ع ن= العناني.

ح ف= الحفني.

ط= الإطفيحي.

م د= المدابغي.

ص: 54

ع ب= العباب.

س م= ابن أم قاسم العبادي.

ح= حينئذ، في غير كتب الحديث وكتب الحنفية.

ح= الحلبي عند الحنفية.

2-

والثاني من مقدمات التحقيق هو التمرس بأسلوب المؤلف، وأدنى صورة أن يقرأ المحقق المخطوطة المرة تلو المرة، حتى يخبر الاتجاه الأسلوبي للمؤلف، ويتعرف خصائصه ولوازمه، فإن لكل مؤلف خصيصة في أسلوبه، ولازمة من اللوازم اللفظية أو العبارية، كما أن لكل مؤلف أعلامًا خاصة تدور في كتاباته، وحوادث يديرها في أثنائها.

وأعلى صور التمرس بأسلوب المؤلف أن يرجع المحقق إلى أكبر قدر مستطاع من كتب المؤلف، ليزداد خبرة وأسلوبه ويستطيع أن يوجد ترابطًا بين عباراته في هذا الكتاب وذاك. ومعرفة ذلك مما يعين في تحقيق المتن، والتهدي إلى الصواب فيه.

3-

وأمر ثالث، وهو الإلمام بالموضوع الذي يعالجه الكتاب حتى يمكن المحقق أن يفهم النص فهمًا سليمًا يجنبه الوقوع في الخطأ حين يظن الصواب خطأ فيحاول إصلاحه، أي يحاول إفساد الصواب!

وهذا إنما يتحقق بدراسة بعض الكتب التي تعالج الموضوع نفسه أو موضوعًا قريبًا منه، ليستطيع المحقق أن يعيش في الأجواء المطابقة أو المقاربة، حتى يكون على بصيرة نافذة.

4-

فإذا اجتمع لدى المحقق أقصى ما يمكن جمعه من المخطوطات، واستطاع قراءتها قراءة سليمة، وعرف أسلوب المؤلف، وألم إلماما كافيًا

ص: 55

بموضوع الكتاب، استطاع أن يمضي في التحقيق مستعينًا بالمراجع العلمية التي يمكن تصنيفها على الوجه التالي:

أ- كتب المؤلف نفسه مخطوطها ومطبوعها.

ب- الكتب التي لها علاقة مباشرة بالكتاب، كالشروح والمختصرات والتهذيبات. فنسخة الشرح هي من جهة نسخة أخرى من الكتاب. كما أن الشروح تقيد النصوص بضبطها أحيانا، وتتكفل ببيان عوامضها، وهو أمر له قيمته في مكملات التحقيق.

ويليها في ذلك نسخة المختصر أو التهذيب، فإن كلا منهما تلقي ضوءا المخطوطة لتلك في تحقيق النص. ومن البديهي أن يرجع المحقق إلى الأصول المخطوطة لتلك المراجع ما أمكنه ذلك، وألا يعتمد على المطبوعات الخالية من الروح العلمية المحققة.

ج- وهناك ضرب آخر من الكتب التي لها علاقة مباشرة بالكتاب، وهي الكتب التي اعتمدت في تأليفها اعتمادا كبيرا على الكتاب، وهذه كثيرا ما تحتفظ بالنص الأصلي للكتاب الأول. فكتاب عيون الأخبار لابن قتيبة من الكتب التي اعتمدت على كتاب الحيوان للجاحظ، ولا سيما في كلام ابن قتيبة على الحيوان. والكتاب نفسه من الكتب التي اعتمدت على كتاب "البيان والتبيين"، ولا سيما في كتاب الزهد ونصوص الخطب والوصايا.

ولعل السر في ذلك أن الجاحظ كان قد أجاز ابن قتيبة برواية بعض كتبه1.

وكانت حياة ابن قتيبة بين سنتي 213، 286.

د- ويليها الكتب التي استقى منها المؤلف. فإذا تهدى المحقق إلى المنابع التي يستمد منها المؤلف تأليفه كان ذلك معوانا له على إقامة النص. وبعض

1 انظر عيون الأخبار 3: 199، 216، 249.

ص: 56

المؤلفين القدماء ينصون في كتبهم على المصادر التي استقوا منها، كما فعل ابن فارس في مقدمة مقاييس اللغة، وابن منظور في مقدمة لسان العرب، والسيوطي في مقدمة "بعية الوعاة"، وابن حجر في مقدمة "تهذيب التهذيب".

وبعضهم يعتمد اعتمادًا كليًّا على مؤلف آخر، ولكنه لا ينص على الأخذ إلا أحيانًا قليلة، كما فعل التبريزي في نقله معظم شرحه للحماسة عن شرح المرزوقي. والذي يوازن بين الشرحين يسترعي نظره التقارب الشديد بين عبارات التفسير واتجاهاته، ثم لا يرتاب أن التبريزي كان في جمهور شرحه كلا على المرزوقي.

ومن عجب أن التبريزي مع ذلك ينعى على هؤلاء الذين يهملون نسبة أقوال العلم إلى أصحابها، فيقول في تفسير الشطر الثالث من الحماسية 89:"قال المرزوقي: وذكر بعض المتأخرين -يعني ابن جني- ولم ينصفه حيث لم يسمه في كتابه..".

وكما صنع التبريزي ذلك في شرحه للحماسة صنع في شرحه للقصائد العشر، إذا اعتمد اعتمادًا كبيرًا على ابن الأنباري في شرحه للمعلقات.

هـ- الكتب المعاصرة للمؤلف، التي تعالج نفس الموضوع، أو موضوعا قريبا منه.

و المراجع اللغوية، وهي المقياس الأول الذي تسبر به صحة النص، فأحيانا يحكم المحقق العجلان أن في النص تحريفا وما به من بأس، وهو حين يرجع إلى كتب اللغة تفتيه بصواب ما خاله غير الصواب. ولا يكفي لذلك ضرب واحد من المراجع اللغوية.

ويمكننا أن نقسم المراجع اللغوية إلى الضروب التالية:

1-

معاجم الألفاظ، وأعلاها لسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي. ومنها معاجم المفردات الطبية، كالمفردات لابن البيطار، وتذكرة داود الأنطاكي، ومن المعجم الحديثة في ذلك معجم الحيوان للمعلوف، والنبات

ص: 57

لأحمد عيسى. ومنها معاجم المصطلحات العلمية كمفاتيح العلوم للخوارزمي، وكليات أبي البقاء، وأوسعها جميعًا كتاب "كشاف اصطلاحات الفنون".

وقد وضع بعض فضلا المستشرقين معاجم استدركوا بها على المعاجم القديمة، ومنها معجم دوزي المسمى: supplemeut aux dictioonaires arabes ومنها معجمه الخاص بأسماء الملابس: dictionneire detaille nems des des vetements chex les arabes

وهذه المعاجم تفيد في تحقيق النصوص الواردة في الكتب المتأخرة.

2-

معاجم المعاني، وأعلاها المخصص لابن سيده، وفقه اللغة للثعالبي.

3-

معاجم الأسلوب، وأعلاها جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر، والألفاظ الكتابية للهمذاني.

4-

كتب المعربات، ومن أعلاها في القديم المعرب للجواليقي، وشفاء الغليل للخفاجي، وفي الحديث كتاب الألفاظ الفارسية المعربة لأدى شير.

5-

معاجم اللغات التي تمت بصلة وثيقة إلى العربية كالفارسية والعبرية والسريانية.

ز- المراجع النحوية، وهي كثيرة، وأعلى المتداول منها وأجمعها همع الهوامع للسيوطي، وحاشية الصبان على الأشموني.

ح- المراجع العلمية الخاصة، وهذه لا يمكن حصرها، ولكل كتاب يكون موضع التحقيق مراجع شتى يتطلبها. فكانت الأدب يحتاج إلى مراجع الأدب والتاريخ على اختلاف ضروبها والعلوم الدينية، وكذلك إلى مراجع الشعر من الدواوين وكتب النقد القديم والبلاغة ومراجع البلدان وغيره. وكتاب التاريخ يفتقر إلى كتب الأدب والعلوم الدينية ومراجع البلدان. وهكذا.

فنحن نجد أن نتج الثقافة الإسلامية العربية متواشج الأنساب، متداخل

ص: 58

الأسباب. وحذق المحقق وسعة اطلاعه يهديانه إلى اختيار المراجع التي يتطلبها الكتاب.

وأذكر أنني قبل تحقيقي لكتاب الحيوان هالني تنوع المعارف التي يشملها هذا الكتاب، ووجدت أني لو خبطت على غير هدى لم أتمكن من إقامة نصه على الوجه الذي أبتغي، فوضعت لنفسي منهجا بعد قراءتي للكتاب سبع مرات، منها ست مرات اقتضاها معارضتي لكل مخطوط على حدة، وفي المرة السابعة كنت أقرؤه لتنسيق فقاره وتبويب فصوله، فكنت بذلك واعيا لكثير مما ورد فيه، فلجأت إلى مكتبتي أتصفح ما أحسب أن له علاقة بالكتاب وأقيد في أوراق ما أجده معينا للتصحيح، حتى استوى لي من ذلك قد صالح من مادة التحقيق والتعليق؛ ولكن ذلك لم يغني عن الرجوع إلى مصادر أخرى غير التي حسبت، فكانت عدة المراجع التي اقتبست منها نصوصا للتحقيق والتعليق نحو 290 كتابا عدا المراجع التي لم أقتبس منها نصوصا، وهي لا تقل عن هذه في عدتها.

والذي أريد أن أقوله، أن تحقيق النصوص محتاج إلى مصابرة وإلى يقظة علمية، وسخاء في الجهد الذي لا يضن عل الكلمة الواحدة بيوم واحد أو أيام معدودات.

ص: 59

التصحيف والتحريف:

وهما أكبر آفة منيت بها الآثار العلمية، فلا يكاد كتاب منها يسلم من ذلك. وبعض العلماء الأقدمين يفرقون بين مدلول الكلمتين. فالعسكري، وهو الحسن بن عبد الله بن سعيد "293-382"- وهو من أقدم من ألف في هذا الفن يضع حدا فاصلا بينهما. ويقول في صدر كتابه1. "شرحت في كتابي هذا الألفاظ والأسماء المشكلة التي تتشابه في صورة الخط فيقع فيها التصحيف، ويدخلها التحريف".

ويقول أيضا2: "فأما معنى قولهم الصحفي والتصحيف فقد قال الخليل: إن الصحفي الذي يروى الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف. وقال غيره: أصل هذا أن قوما كانوا قد أخذوا العلم عن الصحف من غير أن يلقوا فيه العلماء، فكان يقع فيما يروونه التغيير فيقال عنده: قد صحفوا، أي رددوه عن الصحف، وهم مصحفون، والمصدر التصحيف".

وجاء في جمهرة ابن دريد3: "أن الماء يؤنه أنا: صبه. وفي الكلام للقمان بن عاد: أن ماء واغله. أي صب ماء واغله. وكان ابن الكلبي يقول: أز ماء، ويزعم أن أن تصحيف".

فهذه النصوص تجعل كل تغير في الكلام ينشأ من تشابه صور الخط تصحيفًا ويقول العسكري4 في قول ابن أحمر الذي روى على هذا الوجه:

1 التصحيف والتحريف ص1.

2 التصحيف والتحريف ص13.

3 الجمهرة 1: 22.

4 ص77.

ص: 60

فلا تصلي بمطروق إذا ما

سرى بالقوم أصبح مستكينا

إنما هو "إذا ما سرى في الحي". ثم يقول: "وهذا من التحريف لا من التصحيف". وفي كتابه أيضا1: "سأل أبو زيد الأخفش فقال: كيف تقول يوم التروية أتهمز؟ قال: نعم. قال: ولم؟ قال: لأني أقول: روأت في الأمر. قال: أخطأت، إنما هو ترويت من الماء غير مهموز. قال الشيخ -أي العسكري: وهذا من التبديل لا من التصحيف". يريد أنه من التحريف؛ لأنه ليس ناشئًا من تشابه الحروف في النقط، بل هو تغيير الياء بالهمز.

ثم إننا نجد السيوطي "849-911" في المزهر2 يعقد فصلا في التصحيف والتحريف، لم يفصل بينهما فصلا دقيقا، فلم يكن هناك ضابط دقيق عنده لما يسمى تحريفا وما يسمى تصحيفا. وكذلك نجد بعض المؤلفين الأقدمين لا يفرقون بين التحري والتصحيف، يجعلونهما مترادفين.

أما ابن حجر في شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر3 فيفرق بين النوعين فرقا واضحا. قال: "إن كانت المخالفة بتغيير حرف من حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرف".

فهو يجعل التصحيف خاصا بالاقتباس في نقط الحروف المتشابهة في الشكل كالباء والتاء والثاء، والجيم والحاء والخاء، والدال والذال، والراء والزاي، والسين والشين، والصاد والضاد، والطاء والظاء. فإن صور تلك الحروف واحدة، لا يفرق بعضها عن بعض في الكتابة الحديثة إلا النقط أو مقدارها.

وأما التحريف فهو خاص بتغيير شكل الحروف ورسمها كالدال والراء،

1 ص88.

2 ج2 ص353-394.

3 شرح نخبة الفكر 22.

ص: 61

والدال واللام، والنون والزاي في الحروف المتقاربة الصورة، والميم والقاف، واللام والعين في الحروف المتباعدة الصورة.

ومن التصحيف الناجم عن سوء القراءة ما جاء في سير النبلاء للذهبي في ترجمة عبد الرازق بن همام في حديث روى عنه مصحفًا "النار جبار". قال الذهبي: أظنها تصحفت عليهم، فإن النار تكتب "النير" على الإمالة بياء، على هيئة "البئر"، فوقع التصحيف.

وصواب نص هذا الحديث: "البئر جبار"، أي هدر، "إذا سقط إنسان فيها فهلك فدمه هدر".

ومن التصحيف والتحريف ما يكون نتاجًا لخطأ السمع لا لخطأ القراءة، كأن يملي المملي كلمة "ثابت" فيسمعها الكاتب ويكتبها "نابت"، أو"احتجم" فيسمعها الكاتب ويكتبها "احتجب". ومن هذا ما جاء في قول الراجز1:

كأن في ريقه لما ابتسم

بلقاءة في الخيل عن طفل متم

إنما هي "بلقاء تنفي الخيل".

ومنه ما ورد في الطبعة الأولى من الصحاح في مادة "سلت قال: "وسلته مائة سوط، أي جلدته، مثل جلدته". وصوابها "حلته" كما في مخطوطات الصحاح واللسان ومادة "حلت" من الصحاح نفسه، وفيه: "قال الأصمعي: حلته مائة سوط: جلدته".

ومما اجتمع فيه تصحيف الخط وتصحيف السمع ما جاء في الإصابة لابن حجر في ترجمة "فرات بن ثعلبة البهراني"، إذ وقع في بعض نسخ كتاب

1 التصحيف ص176.

ص: 62

ابن منده "النحراني" قال ابن حجر: "النجراني وقع في النسخ المعتمدة من كتاب ابن مندرة بنون وجيم، والصواب بموحدة ثم مهملة -يعني البحراني- فوقع فيه تصحيفان: خطي وسمعي. أما الخطي فهذا. وأما السمعي فإنه بالهاء لا بالحاء".

وفي ذلك يروون هذه الطريقة عن كيسان مستملى أبي عبيدة1: أنه كان يكتب غير ما يسمع، ثم ينقل عن ذلك غير ما كتبه في أول الأمر، ثم يحفظ غير ما كتب، ثم يحدث غير ما حفظ.

ومنه ما يكون من خطأ في الفهم كقول السيوطي2: "كحديث الزهري عن سفيان الثوري". وهو خطأ غريب، فإن الزهري أقدم كثيرًا من الثوري، ولم يذكر أحد أنه روى عنه. والصواب:"كحديث أبي شهاب عن سفيان الثوري"، فالتبس على السيوطي أبو شهاب الحناط بابن شهاب الزهري، والذي يروى عن سفيان إنما هو أبو شهاب الحناط، واسمه عبد ربه ابن نافع الكناني. وأما ابن شهاب الزهري فهو محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبد الله بن شهاب.

ومن ذلك ما ذكره الجاحظ في البيان3: "قال يونس بن حبيب: ما جاءنا من أحد من روائع الكلم ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، جاء في حاشية قديمة من إحدى نسخة تعليقا على ذلك:

"هذا مما صحفه الجاحظ وأخطأ فيه، لأن يونس إنما قال: عن البتي، وهو عثمان البتي، فلما لم يذكر عثمان التبس البتي فصحفه الجاحظ النبي، ثم جعل مكان النبي الرسول. وكان النتي من الفصحاء".

والبتي هذا هو عثمان بن مسلم البصري البتي.

1 بغية الوعاة ص382.

2 الباعث الحثيث75.

3 البيان 2: 18.

ص: 63

كتب التصحيف والتحريف:

ومن أقدم كتب التصحيف والتحريف ما صنعه أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري 293-382 وقد طبع نحو نصفه بمصر سنة 1326 ثم طبع كاملا بتحقيق الأستاذ عبد العزيز أحمد سنة 1383. وما صنعه الحافظ علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385 ذكره ابن الصلاح والنووي وابن حجر والسيوطي.

ومما يصح أن يجعل بين كتب التصحيف والتحريف كتاب التنبيهات على أغاليط الرواة، لعلي بن حمزة البصري المتوفى سنة 375 وإن كان لم يسم كتابه بما يدل على ذلك.

تاريخه:

وتاريخ التصحيف والتحريف قديم جدًّا، وقد وقع فيه جماعة من الفضلاء من أئمة اللغة وأئمة الحديث حتى قال الإمام أحمد بن حنبل:"ومن يعرى من الخطأ والتصحيف1".

ففي كتاب الله قرأ عثمان بن أبي شيبة: "جعل السفينة في رجل أخيه"2 وقرأ أيضا: "ألم. تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل"3، وكان حمزة الزيات القارئ يتلو القرآن من المصاحف، فقرأ يومًا وأبوه يسمع:"ألم. ذلك الكتاب لا زيت فيه"، فقال أبوه: دع المصحف وتلقن من أفواه الرجال4!

وفي الحديث صحف بعضهم: "صلاة في إثر صلاة كتاب في عليين" فقال "كناز في غلس". وصحف آخر: "يا أبا عمير، ما فعل النغير"، فقال "ما فعل البعير"5.

1 المزهر 2: 353.

2 العسكري ص12.

3 المزهر 2: 369.

4 العسكري 12-13.

5 الباعث الحثيث 193.

ص: 64

وقد ورد كثير من ذلك في اللغة والشعر والأعلام مما يطول الحديث فيه. وقد عمت هذه البلوى حتى قالوا: لا تأخذوا القرآن من مصحفي، ولا العلم من صحفي1. وكما كانوا يهجون الصحفيين كانوا يمدحون من لا يعتمد على الصحف في علمه. وفي ذلك يقول أبو نواس في رثاء خلف الأحمر:

لا يهم الحاء في القراءة بالخا

ولا يأخذ إسناده عن الصحف1

ولخشية التصحيف نجد بعض المؤلفين يلجئون إلى مخالفة المعروف في اللغة ليتوقوا وقوع غيرهم في الخطأ. جاء في صحاح الجوهري ص685 في مادة "سعتر""السعتر: نبت، وبعضهم يكتبه بالصاد في كتب الطب لئلا يلتبس بالشعير".

كتب المؤتلف والمختلف:

وكان من الطبيعي أن تقاوم هذه الآفة العلمية بما يقضي عليها أو يخفف من حدتها، فلجأ العلماء إلى تأليف الكتب التي تبحث في المؤتلف والمختلف، فمنها ما هو في أسماء الرجال. وقد ألف في ذلك الدارقطني المتوفى سنة 285، وأحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463، وابن ماكولا المتوفى سنة 487، وابن نقطة الحنبلي المتوفى سنة 629، والذهبي المتوفى سنة 748 في كتابه المشتبه.

ومنها ما هو في أسماء الشعراء، وقد ألف فيه الحسن بن بشر الآمدي المتوفى سنة 307.

ومنها ما هو في أسماء القبائل، وقد ألف فيه محمد بن حبيب المتوفى سنة 215.

وغير ذلك كثير.

1 العسكري 9.

ص: 65

معالجة النصوص:

ترجيح الروايات:

تجلب إلينا مخطوطات المؤلف الواحد صورا شتى من الروايات، وفي كثير من الأحيان نجد بعض النسخ قد انفردت بزيادات لا نجدها في النسخ الأخرى فهذه الزيادات مما ينبغي أن يوضع تحت الفحص والخبرة ليحكم المحقق بمدى صحتها وانطباقها على سياق النسخة وأسلوب المؤلف. ولينظر فيها طويلا فقد تكون نتيجة لخطأ الناسخ، فبعض المسرفين من النساخ يمزج صلب الأصل الذي نقل عنه بالحواشي التي أضيفت عليه من قبل القراء أو المالكين.

وقد عثرت في أثناء تحقيق لكتاب الحيوان على عبارة مقحمة في نسختين من أصول الحيوان1، وهذا نصها:"كنت بعجت بطن عقرب إذ كنت بمصر فوجدت فيه أكثر من سبعين عقارب صغار كل واحدة نحو أرزة. حرره أبو بكر السروكني". فالأسلوب ليس للجاحظ، والجاحظ لم يدخل مصر وعبارة "حرره أبو بكر السروكني" شاهد بأن العبارة مقحمة بلا ريب.

وأما العبارات الأصيلة التي تزيد بها بعض النسخ على الأخرى، ويؤيدها الفحص، فهي جديرة بالإثبات.

والعبارات المعتلة التي تحمل الخطأ النحوي مرجوعة، أجدر بالإثبات منها عبارة النسخة التي لا تحمل هذا الخطأ. كما أن التي تحمل الخطأ اللغوي أو يستحيل معها المعنى، أو ينعكس، أو يستغلق فهمه، هي رواية مرجوحة، أحق منها بالإثبات رواية النسخة السالمة من هذه العيوب.

وهذا كله في النسخ الثانوية. أما النسخ العادية فإن المحقق حرى أن يثبت

1 حواشي الحيوان 4: 170.

ص: 66

ما ورد فيها على علاته، خطأ كان أو صوابًا، على أن ينبه في الحواشي على صواب ما رآه خطأ، حرصًا على أمانة الأداء.

تصحيح الأخطاء:

سبق في الفصل الماضي أن المحقق قد يجد في تخالف روايات النسخ ما يعينه على استخراج الصواب من نصوصها، فيختار من بينها ما يراه مقيمًا للنص مؤديًا إلى حسن فهمه والأمانة تقتضيه أن يشير في الحواشي إلى النصوص التي عالجها لينتزع من بينها الصواب، وألا يغفل الإشارة إلى جميع الروايات الأخرى التي قد يجد القارئ فيها وجهًا أصوب من الوجه الذي ارتآه.

وقد يقتضيه التحقيق أن يلفق بين روايتين تحمل كل منهما نصف الصواب ونصف الخطأ فهو جدير أن يثبت من ذلك ما يراه، على ألا يغفل الإشارة إلى الروايات كلها، ففي ذلك الأمانة وإشراك القارئ في تحملها.

وقد يقع القارئ على عدة عبارات كلها محرف، فإذا أراد تقويمها فلا بد أن يتقيد بمقاربة الصور الحرفية التي تقلبت فيها العبارة في النسخ، بحيث لا يخرج عن مجموعها بقدر الإمكان.

فتصحيح "ليط به" و"ليطبه" إلى "لبط به" بمعنى صرع، تقويم صحيح وتصحيح "النقيف" و"النقنق" بـ"النقنف" بمعنى صقع الجبل الذي كأنه جدار مبني مستو تصحيح

قويم أيضًا. وكذلك تصحيح "العصراء""بالقصواء" اسم ناقة.

وهو في هذه الأحوال كلها جميعا لا بد له أن يستعين بالمراجع التي سبقت الإشارة إلى أنواعها في "مقدمات تحقيق المتن".

1 انظر 56-59.

ص: 67

نموذج لتصحيح بعض التحريفات:

وهي بعض التحريفات التي ظهرت لي في إثناء التحقيقات في كتب شتى

1-

"احتراز" المودة = اجترار المودة -أي اجتلابها

2-

"استحقاق غموض" = استخفاء وغموض

3-

"استقضيت" = استغضبت

4-

"اعزترحي" = اعر نزمي -أي تقبضي وتجمعي

5-

وقعة "البسر" = وقعة البشر

6-

"التعويد" والإحجام = التعريد والإحجام

7-

"التمور والبيور" = النمور والببور -جمع نمر وببر

8-

"تنبيه" به = شبيه به

9-

"ثمر صبجاني" = تمر صيحاني -هو نوع من التمر

10-

"ثوب" العنكبوت = ثوى العنكبوت -أي بيتها

11-

"جاء فرواب = حافر وأب -وهو الشديد

12-

"الجاري" = الحبارى -ضرب من الطير

13-

"العيافة و"الجزو" =العيافة والحزو -الحازي: العراف

14-

"جموسة النياق" = حموشة الساق -أي ذقتها

15-

"الحياة والعبث" = الحيا والغيث

16-

"خردل" = قرزل -اسم فرس

17-

عثر في فضل "خطابه" = عثر في فضل خطامه

18-

"خلق" الحرص = حاق الحرص - أي شدته

19-

"الدغلول" الفوائل = الدغلول الغوائل

ص: 68

20-

"ذاتية" من بطن الدماغ = دانية من بطن الدماغ

21-

"رجبية الشوق" = رحيبة الشدق -أي واسعته

22-

الكلب "الزيتي" = الكلب الزشني -نوع قصير القوائم

23-

"سرورًا" = شرودًا

24-

ناس من "السلطان" = ناس من السلطاء -جمع سليط

25-

"سول القتال" = شوك القتاد

26-

"ظرف الشمام" = طرف الثمام

27-

عقيل بن "علقة" = عقيل بن علفة -شاعر مشهور

28-

"الغبار" والدود = النبار والدود -جمع نبر، وهو القراد

29-

آكل "كالجنائب" = آكل للخبائث

30-

الكلاب "كل البقر" = الكلاب على البقر -مثل مشهور

31-

ليس "يخاف" = ليس بخائن

32-

"مالكا لدبا" = مال كالدبا -الدبا: صغار الجراد

33-

متون "اكيات" = متون الحيات

34-

"النافص بقواه" = الناقص لقواه

35-

"نجوع" الناس له = بخوع الناس به -أي خضوعهم

36-

النجوم و"الوجوم" = النجوم والرجوم

37-

لم "يتحرك" = لم يتحول

38-

"يخبر النظم" = يجبر العظم

39-

"يرضعن" الصعاب = يرضن الصعاب

40-

"يغشى" الضراء = يمشي الضراء -أي يسير مستخفيا

41-

"يجب له" خاطري = يجيله خاطري

ص: 69

دراسة تحليلية لنشوء بعض هذه التحريفات:

1-

سقطت نقطة الجيم من "اجترار" ثم زاد الناسخ نقطة على الراء الأخيرة لتصير كلمة مألوفة، وهي "احتراز".

2-

تقاربت نقطتا "استخفاء" فصارت "استحقاء" ثم اقتربت الهمزة واستعلت فوق واو "وغموض" فأشبهت نقطتي القاف فقرئت "استحقاق".

3-

كتبت غين "استغضبت" مقاربة للقاف في استدارتها، وانضم إلى نقطتها السكون فزاد قربها من القافن وزيدت نقطة إلى نقطة الباء من أسفل فصارت إلى ذاك التحريف.

4-

صغرت فتح راء "اعر نزمي" فصارت كالنقطة، وتقاربت نقطتا النون والزاء فانقلبت النون تاء، وفتح رأس الميم فأشبهت الحاء.

6، 36- تضخم رأس الراء فأشبه الواو.

9-

انضم السكون إلى نقطتي التاء في الكلمة الأولى، وتباعدت نقطتا الياء في الثانية.

10-

كتب رأس الياء من "ثوى" صغير فقاب في ضموره رسم الباء.

11-

حورت كسرة "حافر" فصارت همزة، أو زيدت همزة لتباعد ما بين "حا: و"في".

12-

ضمرت سن الباء من "الحبارى" فصارت "الجاري".

16-

عظم أعلى القاف فأشبه الخاء، والتصقت نقطة الزاي برأسها فزادت من شبهها بالدال.

18-

قربت القاف من "حا" فقرئت "حلق"، ثم زيدت النقطة، لأن الحرص خلق من الأخلاق.

19-

وكذلك اقتراب واو "الدغاول" سهل أن تقرأ "الدغلول".

24-

جعلت "السلطاء" لغرابتها "السلطان".

ص: 70

30-

اجتمع طرفا العين في "على" واتصلت بها الفتحة فأشبهت رأس الكاف، واضمحل نتوء الياء فصارت "كل".

32-

اتصلت لام "مال" بالكاف بعدها.

33-

ضمر رأس الحاء من "الحيات" وعظمت فتحة الحاء فأشبهت رأس الكاف.

35-

عدم الاتزان في وضع نقط الحروف، فاتجه ما حقه اليمين إلى اليسار وما حقه اليسار إلى اليمين.

38-

تأكل رأس عين "العظيم" فأصبح شبيها بالنقطة.

39-

التصق سكون الضاد من "يرضن" بوصلتها فصارت "يرضعن".

40-

كتب رأس الميم من "يمشي" مرتفعًا، ثم ضمر السكون فأشبه النقطة فقرئت "يغشى".

ومن أندر وأقدم ما عثرت عليه من تعليل التصحيف ما جاء في شرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري1 عند الكلام على بيت الأعشى:

قالت قتيلة ما له

قد جلت شيبا شواته

قال: أنشده أبو الخطاب الأخفش "شواته"، فقال له أبو عمرو بن العلاء: صحفت، وذلك أن الراء كبرت فظننتها واوا، إنما هي "سراته"؛ وسراة كل شيء: أعلاه. فقال أبو الخطاب: كذا سمعته. قال أبو عبيدة: فلم نزل دهرا نظن أن أبا الخطاب صحف، حتى قدم أعرابي محرم2 فقال:"اقشعرت شواتي"، يريد جلدة رأسه. فعلمنا أن أبا عمرو وأبا الخطاب أصابا جميعا.

1 ص316-317.

2 محرم: فصيح لم يخالط أهل الحضر.

ص: 71

الزيادة والحذف:

وهما أخطر ما تتعرض له النصوص، والقول ما سبق: أن النسخة العالية يجب أن تؤدي كما هي دون زيادة أو نقص، أو تغيير أو تبديل.

على أننا نلمح في مذاهب الأقدمين اتجاها يرمي إلى أن يلحق بالكتاب ما هو ضروري متعين لإقامة النص، وفي نوع خطير من النصوص، وهو نصوص الحديث. قال ابن كثير1:"وإذا سقط من السند أو المتن ما هو معلوم فلا بأس بإلحاقه، وكذلك إذا ندرس بعض الكتاب فلا بأس بتجديده على الصواب". فقد يكون في النص نحو "عبد الله مسعود" فلا ريب أن ذلك يكون سهوا من المؤلف، فإثبات [بن] لا ضير فيه ولا إخلال بالأمانة. وقد يكون في نص المتن نحو "بني الإسلام على خمس" فلا جرم أن صوابه "على خمس" فإلحاق "على" ليس فيه عدوان على الكتاب ولا على صاحبه. وكذا إذا كان المتن "بني الإسلام على على خمس" كان المحقق في كُلٍّ أن يحذف الحرف الزائد على أن ينبه على المحذوف. والأولى في حالة الزيادة أن تميز بوضعها بين جزأي العلامة الطباعية الحديثة [] ، أو أن ينبه في الحواشي على أنهما مما أخل به أصل الكتاب.

وأما النسخ الثانوية فكذلك، لا يزاد فيها ولا يحذف منها إلا ما هو ضروري متعين، ولا سيما إذا وجد المحقق دعامة له في مراجع التحقيق التي سبق الكلام عليها.

ومن البديهي أن يعمد المحقق إلى إثبات أكمل النصوص وأوفاها، وألا

1 في الباعث الحثيث ص163.

ص: 72

يغفل من ذلك إلا ما ينضح أنه زيادة مقحمة لا تمت إلى الأصل بسبب. ومع هذا فالواجب عليه أن ينبه على ذلك أيضًا.

وأما الزيادة الخارجية التي يقصد بها التوضيح أو إشباع الكلام فلا يصح أن يكون في منهج أداء النص، وللمحقق أن يشير في الحاشية إلى ذلك الضرب من الزيادة، فما هو إلا ضوء جانبي يعين على تجلية الصورة وتضويئها، وليس من حقيقة الصورة في شيء.

التغيير والتبديل:

لا ريب إن إحداثهما في النسخة العالية يخرج بالمحقق عن سبيل الأمانة العلمية ولا سيما التغيير الذي ليس وراء هـ إلا تحسين الأسلوب، أو تنميق العبارة، أو رفع مستواها في نظر المحقق، فهذه تعد جناية علمية صارخة غذا قرنها صاحبها بعد التنبيه على الأصل، وهو أيضا انحراف جائر عما ينبغي، إذا قرن ذلك بالتنبيه.

ومن مذاهب أداء النصوص قديما وحديثا ألا يلجأ المحقق إلى أي تغيير أو تبديل كان إلا ما تقتضيه الضرورة الملحة ويحتمه النص، مما هو واضح وضوح الشمس، متعين لذى النظرة الأولى، أو يكون المؤلف قد نص على إجازة إصلاح أخطائه1. ومع ذلك فلا بد لصاحب هذا المذهب من التنبيه على صورة الأصل.

وأما النسخ الثانوية فإن استخدام مراجع التحقيق مما يعين على توجيه نصوصها وتصحيح أخطائها التي جلبتها أقلام النساخ على تطاول الزمان.

وليكن ذلك كله في أضيق نطاق تتطلبه ظروف النص، مع التنبيه على الأصل أيضا.

1 انظر هذه الإجازة النادرة في عيون الأثر 2: 341.

ص: 73

الضبط:

إن أداء الضبط جزء من أداء النص، ففي بعض الكتب القديمة نجد أن النص قد قيدت كلماته بضبط خاص، فهذا الضبط له حرمته وأمانته، وواجب المحققق أن يؤديه كما وجده في النسخة الأم، وألا يغير هذا الضبط ولا يبدله ففي ذلك عدوان على المؤلف؟.

وقد سبق في مقدمات تحقيق المتن1، أن للأقدمين طريقة خاصة في الضبط ومن الطبيعي أن يترجم المحقق هذا الضبط بنظيره في الطريقة الحديثة. فالشدة والفتحة القديمة "- ِّ" لا بد أن تترجم بالشدة والفتحة الجديدة "-َّ" وهكذا.

وكثيرا ما يرد بعض الكلمات موجها بضبطين، وهذا ينبغي أن يؤدي كما ورد في النسخة، وإذا تعذر أداؤه بالمطبعة فليؤد بالعبارة في الحاشية.

وأما الكتب التي خلت بعض كلماتها من الضبط، وأراد المحقق أن يضبطها فإنه حرى أن يستأنس بطريقة المؤلف فلا يضبطها ضبطًا مخالفًا لما ارتضاه المؤلف في نظير الكلمة التي ضبطها المؤلف. فإذا ضبط المؤلف كلمة "ضنّ" مثلا في كثير من مواضع كتابه بكسر الضاد. وأهمل ضبطها في موضع، وأردنا أن نضبطه، وجب أن نجاري ضبطه الأول، مع أن من المعروف أن الكلمة تقال أيضا بفتح الضاد. ومثلها كلمة "المعدلة" غذا وردت في معظم مواضعها بكسر الدال وأهملت في موضع وأردنا ضبطه، فينبغي أن نضبطها بكسر الدال وننبه على اللغة الأخرى.

وأما الكلمة التي لم يرد لها نظير في الضبط فإننا نختار لضبطها أعلى اللغات وندع اللغة النازلة، وإذا اتفقت لغات في العلو وأمكن أداؤها معا فليكن ذلك ومما يجب أن يتنبه له المحقق ألا يضبط ضبطا يؤدي إلى خلاف مراد المؤلف، فبعض المؤلفين يتعمد سرد عبارة خاطئة لينبه على تصحيحها فيما بعد،

1 انظر ص48-52.

ص: 74

فضبط هذه العبارة الخاطئة ضبطًا صوابًا يعد في هذه الحالة خطأ؛ لأن المؤلف لم يرد الصواب في تلك الحالة.

ومهما يكن فإن الضبط يحتاج إلى الدقة والحرص والتريث، كما يحتاج إلى قدركبير من التحرز عن الانسياق إلى المألوف. فقد ترد كلمة "الكهول" بمعنى بيت العنكبوت، فيضبطها الضابط خطأ بالكهول، "العلب" بمعنى الوسم والتأثير، تضبط "العُلْب" إلى نحو ذلك، مما تسوق الألفة إليه. والألفة من أخطر البواعث على الخطأ.

ومن ذلك أعلام الناس، يجدر بالمحقق ألا يضبطها إلا بعد الرجوع إلى مصادر الضبط ككتب الرجال، والمؤتلف والمختلف، والمعاجم اللغوية، فإن انسياق المحقق وراء المألوف يوقعه في كثير من الخطأ، إذ يلتبس المصغر بالمكبر، والمخفف بالمثقل، والمعجم بالمهمل. ومثل ذلك أعلام البلدان والقبائل ونحوها.

التعليق:

لا ريب أن الكتب القديمة، بما تضمنت من معارف قديمة، محتاجة إلى توضيح يخفف ما بها من غموض، ويحمل إلى القارئ الثقة بما يقرأ والاطمئنان إليه.

ومن هنا كان من المستحسن ألا يترك المحقق الكتاب غفلا عن التعليقات الضرورية التي تجعله مطمئنًا إلى النص، واثقًا من الجهد الذي بذله المحقق في تفهم النص وتقدير صحته.

ولكن بعض المحققين يسرفون في هذه التعليقات بما يخرج عن هذا الغرض العلمي إلى حشد المعارف القريبة والبعيدة من موضوع الكتاب، وهذا الأمر إن أعجب بعض العلماء فإنه حرى ألا يعدب جمهرتهم. لذلك لم يكن بد من الاقتصاد في التعليق كما سبق القول.

ومما يقتضيه التعليق ربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض، وقد ترد إشارة لاحقة إلى لفظة سابقة في الكتاب، فمن المستحسن كذلك أن يشير المحقق إلى

ص: 75

الصفحات الماضية، وهو إن استطاع التنبيه في الصفحات السابقة إلى ما سيأتي في اللاحقة، جلب بذلك إلى القارئ كثيرًا من الفائدة وأضاء الكتاب بعضه ببعض.

ويقتضي التعليق أيضًا التعريف بالأعلام الغامضة أو المشتبهة، وكذلك بالبلدان التي تحتاج إلى تحقيق لفظي أو بلداني.

وقتضي أيضًا توضيح الإشارات التاريخية والأدبية والدينية وغيرها. التي تستعصى معرفتها على خاصة الفقراء، ويقتضي كذلك في آي الذكر الحكيم بيان السورة ورقم الآية، والأقرب لأمانة الأداء أن يكون ذلك في حواشي الكتاب لا في أثنائه، لما يترتب على جعلها في أثناء الكتاب من مخالفة الأصل وتشوية صورته.

وفي حديث الرسول يشار كذلك إلى تخريجها من الكتب الستة وغيرها مما أمكن التخريج.

وكذلك الأشعار والأرجاز وأقوال العرب الشاهدة، يشار إلى الدواوين والكتب الأصيلة التي ورد فيها ذلك.

وقد أصبح النهج العلمي الحديث يقتضي المحقق أن يشير عند اقتباس نصوص في التعليق، إلى المواد التي استقى منها، وذلك بأن يذكر الكتاب ومؤلفه والجزء والصفحة التي وجد فيها النص.

وكان شبه ذلك قديما. قال أبو عبيد: من شكر العلم أن يستفيد الشيء، فإذا ذكرت لك قلت: خفي علي كذلك ولم يكن لي به علم حتى أفادوني فلان فيه كذا وكذا. فهذا شكر العلم!

قال السيوطي1: "ولذلك لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفا إلا معزوا إلى قائله من العلماء، مبينا كتابه الذي ذكره فيه".

1 في المزهر 2: 319.

ص: 76

المكملات الحديثة:

لم يكن هم الناشر القديم إلا أن يعمل على إكثار نسخ المخطوطة، بأن يسوقها إلى المطبعة لتنسخ المئين منها والآلاف، إلا فريقا من هؤلاء الناشرين أخذوا أنفسهم بالعناية بفنهم فراعوا الأمانة والدقة، واتجهو إلى حسن الإخراج وتوضيح النص بالقدر الذي كانو يحسنونه.

ولقد كان لجمهرة العلماء المستشرقين فضل عظيم في تأسيس "المدرسة الطباعية الأولى" للتحقيق والنشر. وقلت "الطباعية" لأني أعلم أن تحقيق النصوص ليس فنا غريبا مستحدثا، وإنما هو عربي أصيل قديم، وضعت أصوله أسلافنا العرب منذ زاولوا العلم وروايته، من الحديث والشعر والأدب وسائر فنون الثقافة؛ وكان نشاطهم في ذلك ظاهرًا ملء السمع والبصر.

وقد أدى إلينا المستشرقون هذه الأمانة الفنية نقلًا عن العرب، ظهر لهم روائع النشر أمثال النقائض، وديوان الأعشى، وكامل المبرد، وشرح المفضليات. ثم كان أكبر وسيط عربي في نقل هذا الفن عن المستشرقين، هو المرحوم العلامة "أحمد زكي باشا" الذي لم يقتصر جهده على أن ينقل هذا الفن فحسب، بل أشاع معه كذلك استعمال علامات الترقيم الحديثة التي كان لها أثر بعيد في توضيح النصوص وتيسير قراءتها وضبط مدلوها. وأشاع معها كذلك ضروبًا من المكملات الحديثة للنشر العلمي، من أظهرها:

1-

العناية بتقديم النص ووصف مخطوطاته.

2-

العناية بالإخراج الطباعي.

3-

صنع الفهارس الحديثة.

4-

الاستدراكات والتذييلات.

ص: 77

1-

تقديم النص:

1-

ويقتضي ذلك التعريف بالمؤلف، وبيان عصره وما يتصل بذلك من تاريخ. وقد كان الناشرون القدماء يعنون بهذا بعض العناية، وربما اقتصر جهدهم على نقل نص من كتاب معين يتضمن هذه الترجمة. وكثيرًا ما وضعوا تلك الترجمة في صفحة العنوان أو في صفحة الخاتمة.

2-

ويقتضي كذلك عرض دراسة خاصة بالكتاب وموضوعه وعلاقته بغيره من الكتب التي تمت إليه بسبب من الأسباب.

3-

وتقديم دراسة فاحصة لمخطوطات الكتاب، مقرونة بالتحقيق العلمي الذي يؤدي إلى صحة نسبة الكتاب والاطمئنان إلى متنه. وجدير بالمحقق أن يشرك القارئ معه بأن يصف له النسخ التي عول عليها، وصفًا دقيقًا يتناول خطها، وورقها، وحجمها، ومدادها، وتاريخها، وما تحمله من إجازات وتمليكات، ويتناول كذلك كل ما يلقي الضوء على قيمتها التاريخية، وهو إن قرن ذلك بتقديم بعض نماذج مصورة لها كان ذلك أجدر به وأولى.

وقد جرت العادة أن يصور في ذلك وجه الكتاب وبعض صفحاته، ولا سيما صفحته الأولى والأخيرة؛ لأنها أدق الصفحات في التعبير عن تقدير المخطوطات.

ومن المستحسن ألا يقدم كل أولئك إلى المطبعة إلا بعد الفراغ من طبع نص الكتاب، وذلك لتيسير الإشارة من المقدمة إلى ذلك النص، وليتمكن المحقق من تتميم دراسته على ضوء النسخة الأخيرة التي تخرجها المطبعة.

ص: 78

2-

العناية بالإخراج الطباعي:

ويتناول ذلك القول في إعداد الكتاب للطبع، ومعالجة تجارب الطبع معالجة دقيقة.

إعداد الكتاب للطبع:

وهي ناحية خطيرة من نواحي النشر، إذ إن لهذا الإعداد أثره البالغ في ضبط العمل وإتقانه، فالأصل المعد للنشر يجب أن يكون دقيقًا مراجعًا تمام المراجعة، مراعي في كتابه الوضوح والتنسيق الكامل. ويكون ذلك:

1-

بكتابة النسخة بعد التحقيق والمراجعة، بالخط الواضح الذي لا لبس فيها ولا إبهام.

2-

وأن يكون مستوفيًا لعلامات الترقيم التي سيأتي الكلام عليها.

3-

وأن يزود بالأرقام التي يحتاج إليها الباحث.

5-

وأن يتجنب الناشر التعقيدات الطباعية.

علامات الترقيم:

وهي العلامات المطبعية الحديثة التي تفصل بين الجمل والعبارات، أو تدل على معنى الاستفهام أو التعجب وما يحمل عليهما. وهي مقتبسة من نظام الطباعة الأوربي، وإذا استرجعنا التاريخ وجدنا أن لها أصلا في الكتابة العربية، فالنقطة قديمة عند العرب وكانت ترسم مجوفة هكذا. وكان يضعها الناسخ قديما لتفصل بين الأحاديث النبوية. وكان قارئ النسخة على

ص: 79

الشيخ أو معارضها على النسخ يضع نقطة أخرى مصمتة داخل هذه الدائرة ليدل بذلك على أنه انتهى في مراجعته إلى هذا الموضع.

قال ابن الصلاح: وينبغي أن يحمل بين كل حديثين دائرة. وممن بلغنا عنه ذلك أبو الزناد، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم الحربي، وابن جرير الطبري.

قال ابن كثير1: "قد رأيته في خط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

قال الخطيب البغدادي: "وينبغي أن يترك الدائرة غفلا فإذا قابلها نقط فيها نقطة".

وللترقيم منزلة كبيرة في تيسير فهم النصوص وتعيين معانيها، فرب فصلة يؤدي فقدها إلى عكس المعنى المراد، أو زيادتها إلى عكسه أيضًا، ولكنها إذا وضعت موضعها صح المعنى واستنار، وزال

ما به من الإبهام.

مثال ذلك: "وكان صعصعة بن ناجية، جد الفرزدق، بن غالب عظيم القدر في الجاهلية". فوضع فصلة بعد الفرزدق يوهم أو لا أن "ناجية" هو جد الفرزدق، ويوهم ثانيا أن "غالبا" والد ناجية؛ وكلاهما خطأ تاريخي، فإن الفرزدق هو ابن غالب بن صعصعة.

ومنها علامات التنصيص: (" ") ، التي تفصل بين الكلام المقتبس وغيره فلا يختلط عبارة المقتبسات بغيرها، واستعمالها يحتاج إلى حذر، إذ لا بد أن يتيقن المحقق مقدار الكلام الذي يوضع بين العلامتين، لئلا يضيف إلى الكلام ما ليس منه ويحذف ما يجب أن يكون فيه.

ومن ذلك الأقواس: () ، التي تستمعل في إبراز بعض الكلمات وإظهارها. ومنها علامة التكملة الحديثة [] ، وكاد المحققون جميعًا أن يتفقوا على تصويرها بالصورة السابقة؛ وقلة نادرة منهم يضعون التكملة بين علامات

1 الباعث ص151.

ص: 80

أخرى كالنجوم: **، أو الأقواس المعتادة:" ". والأولى بالناشر أن يلتزم العرف الغالب.

تنظيم الفقار والحواشي:

وكان القدماء لا يعنون بتنظيم الفقار إلا بقدر يسير، فكان بعضهم يضع خطًّا فوق أول كلمة من الفقرة، وبعضم يميز تلك الكلمة بأن يكتبها بمداد مخالف، أو يكتبها بخط كبير.

ولكن جرى العرف الآن على أن تبدأ الفقرة بسطر جديد يترك بعض الفراغ في أوله تنبيها إلى انتقال الكلام.

وأما الحواشي والتعليقات فلم يكن لها نظام عند الأقدمين، إذ كانت توضع أحيانًا بين الأسطر، أو في جوانب الصفحة.

وأما المحدثون فاتبعوا في ذلك طرقًا:

1-

الأولى أن تعزل الحواشي في أسفل الصفحة بحرف مخالف.

2-

الثانية أن تلحق الحواشي جميعها بنهاية الكتاب، ويكتفي بإدراج الإشارات إلى اختلاف النسخ في حواشي صلب الكتاب.

3-

والثالثة أن يلحق الضربان جميعًا -أي التعليقات وذكر اختلاف النسخ بنهاية الكتاب.

وحجة أصحاب الطريقتين الأخيرتين ألا يشغل القارئ بغير نص الكتاب، لئلا يتأثر برأي المحقق أو وجهة نظره.

أما أنا أستحسن أن يكون كل أولئك في أسفل كل صفحة، تيسيرا للدارس الذي ينبغي أن يكون ناقدا لا متأثرا برأي غيره أو وجهة نظره، فإن

ص: 81

المفروض في أغلب قراء الكتب المحققة أنهم في درجة عالية من التبصر، وفي طبقة رفيعة من تحرر الفكر.

ويستحسن كذلك أن تبتدئ كل حاشية بسطر مستقل.

الأرقام:

وقد استحدث فيها أنواع ثلاثة:

1-

أرقام صفحات الأصل المعتمد، وتوضع في أحد جانبي الصفحة على أن يعين بدؤها في صلت الكتاب بوضع علامة خاصة كخط مائل "/ " أو رأسي "ا " أو نجم "*". ويقصد بتلك الأرقام التيسير على القارئ أن يرجع بنفسه إلى المخطوطة عند الحاجة.

2-

أرقام الطبعات السابقة. وقد جرى الناشرون الذين يحققون كتبا سبق نشرها من قبل، أن يشيروا إلى أرقام الطبعات السابقة التي كثر تداولها، كما صنعت دار الكتب في نشرتها لكتاب الأغاني، إذ أشارت إلى أرقام طبعة بولاق ابتداء من الجزء الثاني، فاقتراح الأب أنطون صالجاني. وذلك لأن كثيرًا من الأبحاث الجليلة قد اعتمدت على تلك الطبعات القديمة، فوضع تلك الأرقام يسهل على القارئ أن يهتدي إلى تلك النصوص في ثوبها الجديد أو القديم.

3-

أرقام الأسطر، وتوضع على جانب آخر غير الجانب الذي وضعت عليه الأرقام السابقة. وفائدة هذه الأرقام غير خفية عند اقتباس النصوص أو الرجوع إليها. وقد جرى العرف على النظام الخماسي، بأن تكتب الأعداد ممثلة في "5، 10، 15، 20، 25".

ص: 82

التعقيدات الطباعية:

والأمر في كل ما سبق راجع إلى ذوق الناشر وحذقة وترفقه بالقارئ الذي ينفر من التعقيدات الطباعية التي لا تفهم إلا بالعسر؛ فلا ريب أن للطباعة معاظلات كمعاظلات الكلام، تؤلم القارئ كما تؤلم تلك السامع.

ومن ذلك ما جرى عليه بعض فضلاء الناشرين من أن هذا التغيير الطباعي:

معناه أن الكلمة "نعم" وضعت في المتن عن نسخة: "م" وإن كانت ساقطة من نسخة: "ن".

وأن هذا التغيير الطباعي معناه أن كلمة "تكاد" ناقصة من نسخة: "ن"، ومأخوذة من:"م، ب".

ولا ريب أن استعمال هذه التغييرات يخرج بالقارئ عن تفهم النص إلى محاولة حل هذه الرموز.

ومما عثرت عليه من تعقيد الأرقام ما صنعه أحد ناشري أخبار أبي تمام من الإشارة إلى الأرقام بحروف تحاكي الحروف الرومانية المستعملة في الترقيم، فالحرف "ا"= 1، و"هـ"= 5، و"ي"= 10، و"ن"= 50، و"ق"= 100، و"ث"= 500، و"غ"= 1000. ومعنى ذلك أن الرقم 896 يترجم بهذه الحروف "اهـ ق ي ق ق ق ث". وليست هذه الطريقة بمحتاجة إلى تعليق، وليست إلا انسياق نائما وراء بعض الأروبيين الذين يرمزون للواحد بالحرف:" I" وللخمسة بالحرف: "V"، وللعشرة بالحرف:"X"، وللخمسين بالحرف:"L"، وللمائة بالحرف:"C". فالرقم 187 عندهم =

ص: 83

CLXXXVII، والرقم 19= XIX، والرقم 20= XX.

واستعمال هذه التعقيدات العددية لا ينجم منه إلا كد الذهن وصرفه عن نشاطه؛ إلى ما فيه من الخروج على المألوف، وهو استعمال الأعداد الهندية في أعلى الصفحات أحيانًا، وفي أسفلها حينًا.

معالجة تجارب الطبع:

ومن مارس فن النشر وجد أنه يجب أن يباشر بنفسه معظم الخطوات الطباعية، ووجد أن معالجة التجارب فن يحتاج إلى مزاولة طويلة متنبهة إلى مزلات التصحيح. ومن أخطر تلك المزلات:

1-

الإلف، المصحح الذي يقرأ التجربة بالإلف، كما يقرأ الصحف والكتب الخفيفة لا بد أن يخطئ كثيرًا؛ لأنه لا يقرأ بعينه كلها وإنما يقرأ بفكرة وعينه معًا، فيجوز الخطأ عليه جوازًا وهو ليس يدري به.

وعلاج ذلك أن يقرأ المصحح حروف الكلمة حرفًا حرفًا ولا يقرأها دفعة واحدة، فإذا انتهى من الكلمة الأولى بدأ في قراءة الثانية على النحو السالف.

2-

انتقال النظر عند جامع الحروف، وهذا يحدث بوضوح في الجمل المتشابهة النهايات، كما في هاتين العبارتين:

"وللحمام من الفضيلة والفخر أن الحمام الواحد يباع بخمسمائة دينار، ولو أردنا أن نحقق الخبر بأن برذونا أو فرسا بيع بخمسمائة دينار، لما قدرنا عليه إلا في حديث السمر".

ينتقل نظر الجامع من "بخمسمائة دينار" الأولى إلى ما بعد "بخمسمائة دينار" الثانية، فيجعل بعدها "لما قدرنا عليه". فإذا لم يتيقظ المصحح وقع في مثل ما وقع فيه الطابع. لذلك كان من المستحسن أن تكون المقابلة الأولى

ص: 84

مزدوجة، أي يقابلها المصحح مع غيره من القراء الأمناء.

3-

تكرار النظر، وهو أن يجمع العبارة مرتين. مثال ذلك "البغش: المطر الضعيف، ويقال له "الضعيف، ويقال له: "الرذاذ". أصل العبارة "الغبش: المطر الخفيف الضعيف، ويقال له الرذاذ".

والأمر في هذا مثله في سابقه.

4-

الثقة بحروف الطباعة، فقد ترد التاء ثاء خفيفة النقطة الثالثة لا يفطن لها إلا الخبير، أو ترد الحاء منقوطة بنقطة خفيفة من أعلاها فيظنها المصحح بعض هنات الطبع فيهملها، وكثيرا ما يلتبس السكون بالضمة، والضمة بالسكون، والشدة ذات الفتحة بالشدة ذات الكسرة، بعامل الانطماس.

وعلاج ذلك أن يستعمل المصحح الشك في كل موجب للربية، ويتداركه قبل استفحاله، وألا يقر من الحروف إلا ما هو واضح تمام الوضوح، ظاهر كل الظهور، فإن الحرف المريض في التجربة يكون في أغلب الأمر مريضا بعد الطبع.

ويستحسن أن يستعان في مراجعة التجربة الأخيرة بعين أخرى غير عين المحقق، لأن القارئ الغريب أيقظ نظرا، وأدق انتباها.

ص: 85

3-

صنع الفهارس الحديثة:

وللفهارس المقام الأول بين هذه المكملات، إذ بدونها تكون دراسة الكتب -ولا سيما القديمة منها- عسيرة كل العسر. فالفهارس تفتش ما في باطنها من خفيات يصعب التهدى إليها، كما أنها معيار توزن به صحة نصوصها، بمقابلة ما فيها من نظائر قد تكشف عن خطأ المحقق أو سهوه.

وقد أصبح عصرنا الحديث المعقد في حاجة ملحة إلى اختزال الوقت وإنفاق كل دقيقة منه في الأمر النافع.

وللفهارس سابقة قديمة عند العرب في كتب الرجال والتراجم والبلدان ومعاجم اللغة، ولكن لإخواننا المستشرقين فصل التوسع في هذا التنويع الحديث، فقد عرفنا عنهم فهارس الأعلام والقبائل والبلدان والشعر والأيام والأمثال والكتب.

وقد اقتبسنا نحن هذه الأنواع، وزدنا فيها ضروبا أخرى كثيرة.

فمما ابتدعه محقق الحيوان "فهرس أنواع الحيوان" وقد بلغ عدد صفحاته نحو مائة صفحة، وظهر هذا الفهرس مرتبا ترتيبا علميا دقيقا على هذا الوضع:

1-

تسمية الحيوان وبيان جنسه وأنواعه وأشباهه.

2-

الكلام في أعضائه وتطوراته وألوانه.

3-

بيان طعامه وشرابه، وسلاحه، وصوته، وصنعته، ونفعه وضرره.

4-

الكلام في تناسله، وطباعه، وتعليمه، وأمراضه، وعمره.

5-

بيان موطنه، وأثر الطبيعة فيه، وعلاقته بغيره من الحيوان.

فيستطيع الباحث أن يستخرج معارف كل حيوان منظمة على هذا النسق المرتب

ص: 86

ومنها في كتاب الحيوان أيضًا "فهرس المعارف العامة" التي لا تدخل تحت العنوانات المألوفة في الفهارس، وقد بلغ نحو ثلاثين صفحة.

ومنها فيه أيضا "فهرس المباحث الكلامية" التي تتعلق بعلم الكلام.

وفي كتاب البيان والتبيين: "فهرس البيان والبلاغة" وكذلك "فهرس الحضارة"، ويشمل نظم العرب الاجتماعية والسياسية والمالية والخلقية والتعليمية.

وفي كتاب مقاييس اللغة "فهرس ما فات المعاجم المتداولة"، أو انفرد به ابن فارس".

وفي شرح المفضليات "فهرس الأوصاف" و"فهرس التشبيهات".

وابتدع الأستاذ محب الدين الخطيب في نشر كتاب "الميسر والقداح""فهرس ما في متن الكتاب من لغات الميسر والقداح وصفاتهما وأدواتهما".

كما صنع الأب انستاس ماري الكرملي في نشر "الإكليل" فهرس المعمرين، والفهرس العمراني. وله فهارس أخرى طريفة في نشر "نخب الذخائر". وكذلك ابتدع الأستاذ محمد عبد الغني حسن في نشر "حلية الفرسان" 11 فهرسا تتعلق بالخيل.

وصنع الأستاذ كوركيس عواد في نشر "الديارات للشابستي" فهرسا عمرانيا طريفا.

ولغير هؤلاء من إخواننا المحققين العرب جهود أخرى موفقة في الفهارس قد يضيق بسردها هذه المقام.

وإنما ذكرت هذا كله لأسجل هذه الاتجاهات العلمية الحديثة التي تحاول أن تبحث الكنوز وتقلبها المرة تلو المرة، لتعثر على ما يفيد العلم والتاريخ الحضاري.

وأكثرت من عرض ذلك أيضا لأقول: إن لكل كتاب منهجا خاصا

ص: 87

في فهرسته دون التقيد بالطرق العامة للفهارس، وهي الطرق التقليدية القديمة، أي التي كانت حديثة بالأمس، إذ إن الفهارس ما وضعت إلا لتمكين القارئ من أن ينتفع بالكتاب غاية الانتفاع.

طرق صنع الفهارس:

أمثل الطرق لصنع الفهارس طريقتان:

1-

طريقة الجذاذات، يكتب فيها ما يراد فهرسته، ثم يرتب ترتيبًا هجائيًّا على أوائل الكلمات ثم ثوانيها ثم ثوالثها وهكذا.

ويهيأ لفرز هذه الجذاذات صندوق خاص، مقسم إلى بيوت صغيرة يحمل كل بيت منها اسم حرف من حروف الهجاء.

ولهذه الطريقة عيبان:

أولهما: احتمال فقد بعض الجذاذات.

والثاني: أنها عمل أشبه ما يكن بالعمل الآلي.

2-

طريقة الدفتر المفهرس، الذي يخصص لكل حرف من الحروف أوراقًا خاصة، ويخصص سطر منها أو أكثر لكل مادة من مواد ذلك الحرف بحسب ما يتوقعه المفهرس.

وهذه الطريقة أضبط من سالفتها، إذ تكون مواد الفهرس تحت المراقبة الدقيقة والمقارنة المستمرة. ولكنها لا تستغنى عن الطريقة الأولى ولا سيما في الفهارس الكبيرة، إذ يضطر المفهرس إلى كتابة جذاذات للترتيب فحسب، بعد أن يضع على كل جذاذة رقما مطابقا للرقم الذي وضعه في الدفتر إزاء كلمتها؛ ليجعله دليلا له في كتابة الفهرس بعد ترتيبه.

ص: 88

استخراج الفهارس:

تحتاج الفهارس إلى تمهيدات في النسخة التي ترصد للفهارس، بأن يضع المفهرس علامة على ما يريد فهرسته من الكلمات. وبعض المفهرسين يميز كل نوع من أنواع ما يراد فهرسته بلون خاص، أو يضع بإزائه رمزًا يدل على نوعه مثل:"ق" للقبائل، و"ع" للعلم و"ح" للحديث و"م" للمثل، و"ك" للكتاب، وهكذا. فإذا انتهى من تسجيل الكلمة في الجذاذة أو في الدفتر صنع علامة أخرى تفيد أنه قد فرغ من كتابتها؛ ذلك لأن المفهرس جدير أن يسلك السبيل التي تجلب إليه الطمأنينة أن عمله قد سار على دقة بالغة في الاستيعاب، إذ إن فقد كلمة أو رقم صفحة يسلب الفهرس قيمته.

ترتيب الفهارس:

ويشمل:

أ- ترتيب كل فهرس في نطاقه نفسه.

ب- ترتيبه مع غيره من الفهارس.

أ- أما الأول فمن اليسير أن نجري هذا الترتيب بوساطة صنع مجموعات مرتبة على الثواني ثم الثوالث وهكذا. وينضبط هذا العمل باستعمال "صندوق الجذاذات".

وترتييب "آي الذكر الحكيم" جرى كثير من المحققين فيه على اتباع السورة ورقم الآية، فبعضهم مع ذلك يرتب السور على حسب ورودها في الكتاب العزيز، وبعضهم يرتب السور على حسب حروف الهجاء. وقد جريت على ذلك في كثير من منشوراتي، ولكن وجدت في تجربتي الطويلة أن في ذلك شيئًا من الصعوبة، وأنه لا يجدي الباحث كثيرًا، ولا سيما إذا كان بحثه عن

ص: 89

آية يجهل سورتها مع علمه بلا ريب ببعض ألفاظها، فاهتديت بعون الله إلى طريقة ميسرة للتهدي إلى آيات الكتاب بترتيبها في نطاق المواد اللغوية، اعتمادا على بروز بعض كلمات الآية:

مثال ذلك:

أرب: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} ص5.

بتل: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} ص10.

ترب: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} ص15.

ثوب: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ص20.

وهكذا1.

ومثل هذا يقال في ترتيب "الأحاديث النبوية" التي ينبغي أن ترتب حسب المواد اللغوية أيضا.

وترتيب "الأعلام والبلدان والقبائل" ونحوها ليس فيه شيء من العسر إلا في مراعاة "الإحالات". وذلك فيما إذا ورد العلم مرة باسمه، وأخرى بكنيته أو لقبه، فتحول أرقام كل من الأخيرين إلى "الاسم" لأنه هو المعتمد في الترتيب. وينبه المفهرس القارئ إلى ذلك.

وأما الكنى والألقاب التي لم يرد لها اسم ترد إليه فإنها توضع كما هي في ترتيبها.

وبعض المفهرسين يعبر كلمة "ابن" و "أبو" و "ذو" فيضعها في الألف والذال، وبعضهم يهمل ذلك فيرتب ما أضيفت إليه فقط، فابن الحسن في الحاء

1 انظر فهرس القرآن الكريم الملحق بشرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري ص106-107.

ص: 90

وأبو اليسر في الياء، وذو الإصبع في الألف. وبعضهم يهمل "ابن" و"أبو" فقط ويحمل "ذو" في الذال. وهذا النظام الأخير هو الذي ارتضيته في فهارس وهو النظام الغالب بين المفهرسين. والأمر كله لا يعدو الجري على نظام خاص.

وأما ترتيب "الشعر" فإنه متنوع الضروب:

وأقل صورة لترتيبة أن يرتب على القوافي من الهمزة إلى الياء ثم الألف اللينة في آخرها، ثم ترتب كل قافية على أربعة أقسام: الساكنة، ثم المفتوحة، ثم المضمومة، ثم المكسورة، ويضاف إلى آخر كل قسم من هذه الأقسام ما يمكن أن يختم المادة بالهاء الساكنة ثم المضمومة ثم المفتوحة ثم المكسورة.

وقد يضم إلى هذا الترتيب ترتيب آخر، وهو ترتيب البحور الستة عشر، وقد يضم إليها ترتيب ثالث هو صاحب الشعر، وفي كل ترتب الصفحات في كل قافية على حدة.

أما أنا فقد سرت في معظم كتبي الأخيرة على نهج خاص في الترتيب قصدت به التيسير والضبط، إذ سرت على طريقة ميسرة، ملغيا ترتيب البحور، لجهل كثير من الناس بها أو بتطبيقها، وهي طريقة شبيهة بالعروضية، فأجعل ترتيب كل مجموعة من القوافي على النسق التالي:

فَعلُ - مفَعَّلُ - فَعَلُ - فاعل - فعال وأفعال - فعول وفعيل

مثل أهل - المعول - سبل - عواذل - الخيال وأمثال - تقول وسليل.

وتفسيرها من علم القافية -وهو ما لم نقصده- أن ترتب على أنواع القوافي التالية:

المتواتر. المتدارك. المتكاوس أو المتراكب. المؤسسة، المردوفة بألف. المردوفة بواو أو ياء وجعلت كل المشطورات من السريع والمنسرح والرجز فهرسا واحدا سميته

ص: 91

"فهرس الأرجاز"؛ وذلك لصعوبة التمييز بين هذه البحور والثلاثة؛ ولأن أرجاز العرب جاءت على هذه البحور جميعًا.

وقد يعتري المفهرس بعض الصعوبات التي تحتاج إلى إعمال الفكر. وأذكر أنني حين قمت بفهرس الأعلام لكتاب "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم راعني كثرة الأعلام التي لو ذكرت جمعيها لظهر الكتاب في ثلاثة أضعافه على الأقل، فهو كثيرا ما يذكر أبناء رجل بتجاوز عددهم العشرة والعشرين والثلاثين يسردهم سردا، ولا سيما أبناء الخلفاء والأمراء والولاة. فنظرت في ذلك طويلا وبحثت عن طريقة معقولة تجمع بين الإيجاز والاستيعاب. فأغفلت ذكر أبناء الخلفاء والأمراء ونحوهم حيث يذكر آباؤهم، مكتفيا بذكر أرقام هؤلاء الآباء في تلك الحالة بين قوسين:() إشارة مني إلى أنه الموضع الذي ذكر فيه أبناؤهم. أما إذا ذكر الأبناء وحدهم في موضع آخر فإن أرقامهم تثبت في ووضع موضع الإنسان بين قوسين أيضا: () بيانا؛ لأنه الموضع المهم1.

وهكذا لن يعدم شيء من تلك الصعوبات حلا يتيحه إعمال الفكر، والتحرر من إسار التقليد، مادام العمل في حدود الدقة والضبط، والحرص الصادق على إفادة الباحث من أيسر طريق.

ب- وأما ترتيب الفهرس من غيره من الفهارس فإن المنهج المنطقي يقتضي تقديم أهم الفهارس وأشدها مساسا بموضوع الكتاب. فإن كل الكتاب كتاب تراجم وتاريخ قدم فيه فهارس الأعلام، أو كتاب أمثال قدم فهرس الأمثال، أو قبائل قد فهرس القبائل وهكذا. ثم تساق بعده سائر الفهارس مرتبة حسب ترتيبها المألوف.

1 انظر مقدمة جمهرة أنساب العرب ص18.

ص: 92

4-

الاستدارك والتذييل:

ولا يعدو الأمر مهمًا أجهد المحقق نفسه وفكره في إخراج الكتاب، أن تفوته بعض التحقيقات أو التوضيحات، أو يزل فكره أو قلمه زلة تقتضي المعالجة. ففي باب الاستدراك والتذليل الذي يلحق غالبا بنهاية الكتاب، مجال واسع لتدارك ما فات محقق الكتاب أو شارحه، أو مازل فيه فكرة أو قلمه، وبعض الناشرين لا يحل هذا الأمر محله من العناية، ليسدل ثوب الجلال على كتابه، فيزعم لنفسه بتركه هذا الاستدراك أن كتابه قد سلم من الخطأ فكان بذلك كالنعامة، إذ تخفي رأسها زاعمة أن أحدا لن يراها لأنها لا تراه!

إن الخطأ في معالجة النصوص أمر مشترك بين العلماء جميعا، لا إثم ولا حوب ولكن كتما الخطأ فيه الإثم، والتقصير في أداء الأمانة. ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل!

وأما بعد، فهذا ما أدته إلى الدراسة الباحثة، وهدتني إليه تجارب الأعوام الطوال، ولعل في هذا ما يمنحني العذر في أن أسوق الحديث أحيانا عن عملي وعن تجربتي، في زمان أربي على الثلاثين عاما1. والحديث عن النفس مملول مطرح، ولكنه إذا أريد به في الأول والآخر خدمة العلم ورعاية الفن، فارقته مسحة الإملال، وأوشك أن يكون سائغا مقبولا.

1 وأستطيع أقول الآن: إنه أربي على الأربعين عاما، فإن بين هذه الطبعة وسابقتها نحو عشرة أعوام.

ص: 93

نماذج لبعض المخطوطات:

ص: 94