الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتن:
كيف وصلت إلينا الثقافة العربية
؟
…
كيف وصلت إلينا الثقافة العربية:
كانت الرواية الشفوية أول محاولة لنشر العلم، والرواية هي الطريقة البدائية للعلم عند جميع الشعوب، ولكن الرواية العربية اقتربت منذ اللحظة الأولى بالحرص البالغ، والدقة الكاملة والأمانة. كان هذا أساسها على الأقل؛ لأن الدين يدعو إلى ذلك؛ ولأن كثيرًا من نصوص الكتاب، وكثيرًا من النصوص السنة كان شاهدًا من شواهد التشريع، وآية من آيات الفتوى، فالتزم القوم الأمانة والحرص فيها حين يروون كلام الله وكلام الرسول، بل حين يروون أشعار الجاهليين والإسلاميين وأيامهم ووقائعهم إلى حد ما.
وكانت الكتابة شيئًا جديدًا، فالعرب كانوا قومًا أميين لم تنتشر الكتابة بينهم إلا بدعوة الإسلام وبصنع الإسلام، ففي أعقاب غزوة بدر كان من طرق مفاداة أسرى المشركين أن يعلم الأسير عشرة من المسلمين الكتابة، فكان "زيد بن ثابت" كاتب رسول الله أحد هؤلاء الذين علمهم الأسرى، تعلمها في جماعة من الأنصار الذين لم يكن فيهم من يحسن الكتابة، كما ذكر المقريزي1. وكان "أبي بن كعب" أول أنصار كتب للرسول، و"عبد الله بن سعد بن أبي سرح" أو من كتب له من قريش، وكان عدة من كتب لرسول الله زهاء أربعين كاتبا تكفل ابن سيد الناس2 بذكر أسماؤهم، وفي صدرهم الخلفاء الأربعة الراشدون.
1 إمتاع الأسماع 1: 101.
2 عيون الأثر: 315-316.
أول نص مكتوب:
كان هؤلاء الكتاب يكتبون وحي القرآن، ولحق رسول الله بالرفيق الأعلى
وقد كتبوا القرآن كله، لم يكتبوا من الحديث إلا قليلًا، استجابة لما ورد في حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، فمن كتب عني شيئًا سوى القرآن فليمحه". رواه مسلم في صحيحه.
والحكمة في هذا ظاهرة، وهي الخشية من أن يختلط الوحي بحديث الرسول في أثناء نزول الكتاب، فصدر هذا الأمر محافظة على هذا الغرض الكريم، وكان بلا ريب موقتا بنزول القرآن. على أن المحققين من المحدثين يرون أن هذا الحديث قد نسخ بأحاديث أخرى تبيح الكتابة1:
منها ما رواه البخاري ومسلم أن أبا شاه اليمني2 التمس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام الفتح فقال: "اكتبوا لأبي شاه".
وروى أبو داود والحاكم وغيرها عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت يا رسول الله، إني أسمع منك الشيء فأكتبه؟ قال: نعم قال: في الغضب والرضا؟ قال: "نعم، فإني لا أقول فيهما إلا حقا".
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب.
وروى الترمذي ظن أبي هريرة قال: كان رجل الأنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه فشكا
1 الباعث الحثيث 147-149.
ويقال إنه كلبي، ويقال إنه فارسي وهاؤه أصلية ومعناه الملك. الإصابة 601 من باب الكنى.