الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين الحديث القدسي وبين القرآن، وأن التفرقة بين القرآن وبين الحديث القدسي وإن كانت لا تخلو من تيسير لضبط
تعريف الحديث القدسي
، فالاشتغال بها قبل ضبط التعريف يعد في صناعة التأليف تطوحًا عن الأهم، فحملني هذا وذاك على تحقيق معنى الحديث القدسي وتعريفه بحد جامع مانع بعد جلب التعاريف التي سبقوا بها.
تعريف الحديث القدسي:
الحديث القدسي ويسمى الحديث الرباني والحديث الإلهي.
قال السيد الجرجاني في كتاب التعريفات: «الحديث القدسي هو من حيث المعنى من عند الله، ومن حيث اللفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ما أخبر الله تعالى به نبيه بإلهام أو بالمنام فأخبر عليه الصلاة والسلام عن ذلك المعنى بعبارات نفسه. أ. هـ.
وفي الإتقان للسيوطي في النوع السادس عشر «قال الجويني: الحديث القدسي كلام من الله منزل على النبي صلى الله عليه وسلم غير ملتزم تبليغه بلفظ معين، بل المقصود المعنى، فقد تكون العبارة من جبريل» أ. هـ.
وقال ابن حجر الهيثمي في شرح الأربعين النووية عند الكلام على الحديث الرابع والعشرين: «الأحاديث القدسية ما نقل إلينا آحادًا عن النبي صلى الله عليه وسلم مع إسناده لها عن ربه فهي من كلامه فتضاف إليه وهو الأغلب، ونسبتها إليه حينئذٍ نسبة إنشاء؛ لأنه المتكلم به أولاً، وقد تضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المخبر بها عن الله» .
وقال علي القاري في شرح الأربعين النووية عند الكلام على الحديث الرابع والعشرين: «القدسي إخبار الله نبيه معنى لفظ بإلهام أو بالمنام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بعبارته عن معنى ذلك الكلام» أ. هـ. وهو قريب من كلام السيد الجرجاني.
وهذه التعاريف تقتضي أن اللفظ في الحديث القدسي غير معين وإنما هو إلقاء
المعنى في قلب النبي صلى الله عليه وسلم دون تعيين لفظ، أي: بواسطة الملك أو بالإلهام.
وتقتضي أن كل ما حكي في الأحاديث من أقوال منسوبة إلى الله تعالى تعتبر حديثًا قدسيًا، فيدخل فيه ما يجري من حكاية محاورات ومقالات فيها كلام الله تعالى مع بعض عباده.
وفي شرح جمع الجوامع للمحلي عند تعريف {المص} [الأعراف: 1] بقوله: «القرآن اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه المتعبد بتلاوته» .
قال المحلي: «فخرج بالمنزل على محمد صلى الله عليه وسلم عن ان يسمى قرآنًا الأحاديث غير الربانية، وخرج بالإعجاز الأحاديث الربانية» أ. هـ. وهذا يتضمن تعريف الحديث الرباني، أي: القدسي، ويؤخذ منه أنه موحى بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لفظه ليس للإعجاز ولا متعبدًا بتلاوته، فاقتضى أن لفظ الحديث القدسي موحى به بعينه، وإذا لم يكن لنا طريق إلى معرفة كون الكلام الذي يحكى به قول من الله تعالى في الأحاديث النبوية أهو عين ما أوحي بلفظه، أم هو كلام يرادفه؟ ! تعين علينا أن نتوسمه من صيغة حكاية راويه.
وكلام المحلي والطيبي يزيدان بالتصريح بأن لفظ الحديث القدسي موحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه؛ ولكنه يجوز أن يروى بلفظ آخر مساوٍ للفظه في أداء المعنى المراد، على نحو ما ذكروا في رواية حديث النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى وجوازها في قول الأكثر، فاختلاف عباراتهم في تحديد الحديث القدسي يزيد بعضها على بعض لكن بعضها يكمل بعضًا ويتممه، فالتخالف بينها من قبيل التداخل.
والذي أستخلصه من مجموع كلامهم وحمل بعضه على بعض للجمع بينه أن نقول: الحديث القدسي: «هو كلام من الله تعالى صادر منه في الدنيا، غير مخاطب به معين، موحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بألفاظ معينة غير مقصود بها الإعجاز ولا التعبد بتلاوتها، ليبلغها إلى الناس، مع تفويض التصرف في ألفاظها بما يؤدي المقصود» .
فقولنا: «كلام من الله» جنس شامل لكل لفظ يتضمن مراد الله، فشمل القرآن وما يحكى من أقوال تصدر من الله زجرًا للكفار أو الشياطين.
وخرج بقولنا: «صادر في الدنيا» ما هو إخبار من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أقوال تصدر من الله يوم القيامة أو صدرت منه قبل إهباط آدم إلى الأرض، أو إخبار عن
أعمال الله دون أقواله.
كقوله في حديث البخاري عن أبي هريرة: «تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يُخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته، بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة» ، فهذه الرواية ليس فيها حكاية عن قول الله تعالى فلا تعد حديثًا قدسيًا، ووقع في رواية النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال:«أيما عبدٍ من عبادي خرج مجاهدً في سبيل الله ابتغاء مرضاتي ضمنت له أن أرجعه بما أصاب من أجرٍ أو غنيمة» . الحديث، ففي هذه الرواية يكون حديثًا قدسيًا.
وخرج بقولنا: «موحى به إلى رسوله» ما يحكى من أقوال تصدر من الله تعالى خطابًا لغير محمد صلى الله عليه وسلم كقوله في الحديث: «بينما أيوب يغتسل عريانًا خرَّ عليه جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب» الحديث.
وقولنا: «موحى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» يشمل أنواع الوحي سواء كان بواسطة جبريل أو بالمنام أو بالإلهام كما يؤخذ من عبارة الجويني والطيبي، وأما الذي يؤخذ من كلام السيد الجرجاني وعلي القاري وكلام أبي البقاء في الكليات عند الكلام على القرآن، فهو أن الحديث القدسي لا يوحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل، بل بالإلهام أو المنام.
وبقولنا: «غير مقصود بها الإعجاز ولا التعبد بتلاوتها» خرج القرآن.
وقولنا: «ليبلغها إلى الناس» أي أن يقترن الإخبار بذلك الكلام بقرينة تدل على أن المقصود إعلام الناس به، وهذه جهة شبه بين الحديث القدسي وبين القرآن، وخرج بذلك ما يحكى من أقوال الله تعالى للملائكة أو في أثناء القصص ونحوها كما في الموطأ:«يتعاقبون فيهم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» إلى قوله: «فيقول لهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي» الحديث، وكما في حديث ابن عباس في صحيح البخاري في قصة سؤال موسى عليه السلام مع الخضر؛ إذ عاتب الله موسى على قوله: إني لا أعلم أحدًا أعلم مني، فقال الله تعالى: بلى عبدنا الخضر بمجمع البحرين، فسأل موسى السبيل إلى لُقياه.
وقولنا: «مع تفويض التصرف في ألفاظها» أي: التفويض إلى النبي صلى الله عليه وسلم -