الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين، وصوره وجعل نسله من سلالة من ماء مهين، نحمده ونثني عليه الخير كله، ونشكره على مزيد فضله وآلائه التي عجز اللسان عن تعدادها، وكلَّت الأقلام عن كتابتها وسطرها، هو كما أثنى على نفسه له الحمد والشكر على الخير والشر والنفع والضر.
ونصلي ونسلم على من أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فيقول العبد الضعيف القاصر محمد باي بن محمد عبد القادر: بعد أن فرغت من كتابي الذي موضوعه "قبيلة فلان في الماضي والحاضر ومالها من العلوم والمعرفة والمآثر"، واطَّلع عليه جماعة من العلماء والمؤرخين وغيرهم، وقرظوه بأقلامهم، وأبدوا فيه رأيهم السديد، وأول من وضع له تقديماً الدكتور محمد عمر فلاتة رئيس قسم التربية بالجامعة الإسلامية والمشرف على مكتبة أهل الحديث بالمدينة المنورة والذي اقترح مشكوراً تخصيص كتاب عن الفُلَاّنين بالجزائر يتضمن الآتي:
• التعريف بالجزائر.
• توزع الفُلَاّن بالجزائر.
• عددهم التقريبي.
• الأفخاذ والبطون (إن وجدت).
• القبائل المنصهرة مع القبيلة.
• العادات والتقاليد في الآتي: الطعام، اللباس، الأعياد والاحتفالات، السكن (الأبنية)، التداوي، الضيافة، الزي واللباس، الزواج والطلاق، الألعاب والفنون.
• المذاهب الدينية.
• المدارس العلمية.
• المدارس التعليمية: طرق التدريس، الأوقاف (الحبوس)، المساجد، تراجم القراء، تراجم العلماء، تراجم القضاة، الفهارس.
أقول: إنني سأعمل جاهداً في تحقيق رغبته في بعض الفقرات وكما قيل "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، ولكن مع هذا فإنني لا ألتزم بالترتيب على الرد، وكما هي عادتي في الكتابين السابقين "قبيلة فلان في الماضي والحاضر"، و"الرحلة العلية في منطقة توات"، فقد قلت في الصفحة (4): وإنني معترف بأن ما جمعته في هذه المجموعة إنما هو قليل من كثير، ونقطة من بحر، وغيض من فيض، وإنني غير ملتزم بالترتيب ولا بالتقديم والتأخير، بل كلما تحصلت على معلوم ألحقته، غير مبال بأنه يحق له أن يتقدم أو يتأخر.
وعلم الأنساب بحسب ما ذكرت في مقدمة كتاب "قبيلة فُلَاّن"، قد عرف عند الناس قديماً قبل مجيء الإسلام. وثبت أنهم كانوا يتنافسون فيه، فلما جاء الإسلام أقرهم عليه، فصار مرغباً فيه، كتاباً وسنةً وإجماعاً، ووردت عدة أحاديث وأقوال في الاعتناء به وتعلمه. وهكذا فقد ألَّف المؤرخون فيه في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي عن شعوب وقبائل وبطون وأفخاذ يجمعها نسب واحد، وذلك لما علموا من الحاجة إليه واستجابة للضروريات التي تفرضها العوامل الطبيعية والاجتماعية. وقد كتبوا فيه وألفوا من القرن الثاني للهجرة إلى يومنا هذا، وقد ألفت فيه تآليف
عديدة لا يمكن حصرها، والمقصود منها هو التنقيب عن الحقيقة والحفاظ على النسب نظراً لما لهذا العلم من مزايا فقد حث عليه صلى الله عليه وسلم بقوله:"تعلموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم". ونصه: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِيسَى الثَّقَفِيِّ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصلُوا بهِ أَرْحَامَكُمْ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ"(1).
فهذا الحديث والآية المتقدمة يدلان على وجوب صلة الرحم، وأن الرحم التي تجب صلته لا بد من معرفته، ومعرفته تكون عن طريق تعلم الأنساب، والعناية بها، ونقلها إلى الأجيال ليتواصل الترابط والتراحم بينهم.
وأدلة وجوب صلة الرحم، وحرمة قطعها كثيرة، قال تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (2). قال المفسرون: اتقوا الله في أمره ونهيه في حقوق الرحم التي هي أخص من حقوق الإنسانية بأن تصلوا الأرحام التي أمركم بوصلها وتحذروا ما نهاكم عنه من قطعها.
وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الله خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاقْرَءُوا إِنْ شئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} أ. هـ.
(1) رواه الترمذي.
(2)
سورة النساء، آية 1.
وأما الإجماع فلم يثبت عن أحد من أئمة المسلمين إنكاره، ولقد شهد الصادق المصدوق لخليفته أبي بكر الصديق بأنه أعلم الناس بالأنساب.
ودينن1 - كما هو معلوم- دين المساواة والمحبة والأخوة والوئام بين جميع الأجناس، لا يفرِّق بين عربي ولا عجمي. يدل على ذلك ما ذكر القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1)، قال رحمه الله: وفي هذه الآية ما يدلك على أن التقوى هي المراعى عند الله تعالى وعند رسوله دون الحسب والنسب. وقرئ (أن) بالفتح. كأنه قيل: لم لا يتفاخر بالأنساب؟ قيل: لأن كرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم وقال عليه الصلاة والسلام لثابت بن قيس رضي الله عنه:"انظر في وجوه القوم" فنظر، فقال:"ما رأيت؟ " قال: رأيت أبيض وأسود وأحمر، فقال:"فإئك لا تفضلهم إلا بالتقوى"(2).
وقد روى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم خطب بمكة فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلَانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى الله وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى الله وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ الله آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، قَالَ الله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (3).
(1) سورة الحجر ات، آية:13.
(2)
الجامع للقرطبي 16/ 341.
(3)
سنن الترمذي، حديث رقم 3193.