المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ثامنا فضل قيام الليل] - تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام

[عبد الله بن صالح القصير]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام]

- ‌[الفصل الأول أحكام الصيام]

- ‌[أولا حقيقة الصيام وحكمه]

- ‌[ثانيا من حكم فرضية الصيام]

- ‌[ثالثا فضائل الصيام]

- ‌[رابعا خصائص شهر رمضان]

- ‌[خامسا أحكام تتعلق بالصيام]

- ‌[صوم المسافر]

- ‌[صوم المريض]

- ‌[صوم الكبير]

- ‌[صوم المرأة]

- ‌[سادسا أمور يفطر بها الصائم]

- ‌[الأكل والشرب]

- ‌[الجماع ومقدماته]

- ‌[إنزال المني في اليقظة]

- ‌[إخراج الدم من الجسد]

- ‌[القيء]

- ‌[سابعا أمور لا يفطر بها الصائم]

- ‌[ثامنا فضل قيام الليل]

- ‌[تاسعا فضل قيام رمضان]

- ‌[عاشرا فضل ليلة القدر]

- ‌[الفصل الثاني في مهمات من أحكام زكاة الفطر]

- ‌[معنى زكاة الفطر]

- ‌[تاريخ مشروعيتها والدليل عليها]

- ‌[حكمها]

- ‌[حكمة مشروعيتها]

- ‌[على من تجب الفطرة]

- ‌[أنواع الأطعمة التي تخرج منها زكاة الفطر]

- ‌[المقدار الواجب في الفطرة]

- ‌[وقت إخراج الزكاة]

- ‌[لمن تعطى صدقة الفطر]

- ‌[إخراج قيمة زكاة الفطر]

- ‌[نقل زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلد آخر]

الفصل: ‌[ثامنا فضل قيام الليل]

[ثامنا فضل قيام الليل]

ثامنا: فضل قيام الليل قيام الليل سنة مؤكدة، وقربة معظمة في سائر العام، فقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة بالحث عليه، والتوجيه إليه، والترغيب فيه، ببيان عظيم شأنه وجزيل الثواب عليه، وأنه شأن أولياء الله، وخاصة من عباده الذين قال الله في مدحهم والثناء عليهم:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ - لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64](1) .

فقد مدح الله أهل الإيمان والتقوى، بجميل الخصال وجليل الأعمال، ومن أخص ذلك قيام الليل، قال تعالى:{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ - تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 15 - 17](2) ووصفهم في موضع آخر بقوله:

(1) سورة يونس، الآيات: 62 -64.

(2)

سورة السجدة، الآيات: 15 -17.

ص: 49

{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا - وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 64 - 65] إلى أن قال: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا - خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 75 - 76](1) .

وفي ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل، وكريم عائدته ما لا يخفى، وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم، والفوز بالجنة وما فيها من النعيم المقيم، وجوار الرب الكريم، جعلنا الله ممن فاز بذلك. قال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ - فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54 - 55](2) .

وقد وصف المتقين في سورة الذاريات، بجملة صفات - منها قيام الليل - فازوا بها بفسيح الجنات، فقال سبحانه:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ - آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ - كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 15 - 17](3) .

فصلاة الليل لها شأن عظيم في تثبيت الإيمان، والإعانة على جليل الأعمال، وما فيه صلاح الأحوال والمال، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ - قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 1 - 2] إلى قوله:

(1) سورة الفرقان، الآيات: 64 -76.

(2)

سورة القمر، الآيات: 54 -55.

(3)

سورة الذاريات، الآيات: 15 -17.

ص: 50

{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا - إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 5 - 6](1) .

وثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة - يعني الفريضة - صلاة الليل» (2) وفي حديث عمرو بن عبسة قال صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» (3) .

ولأبي داود عنه رضي الله عنه قال: أيُّ الليل أسمع؟ - يعني أحرى بإجابة الدعاء - قال صلى الله عليه وسلم: «جوف الليل الآخر فصَلِّ ما شئت، فإن الصلاة فيه مشهودة مكتوبة» (4) .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين

(1) سورة المزمل، الآيات: 1-6.

(2)

جزء من حديث أخرجه مسلم برقم (1163) في الصيام، باب: "فضل صوم المحرم، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أخرجه الترمذي برقم (3579) . واللفظ له. وأخرجه النسائي مطولا (1 / 279، 280) رقم (571) . وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (1 / 434) . وأخرجه أبو داود مطولا بلفظ مختلف (1277)، وأخرجه مسلم أيضا مطولا بلفظ مختلف (832) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1 / 257) رقم (624) . وصححه الأرناؤوط في جامع الأصول (5 / 258) رقم (3338) .

(4)

أخرجه أبو داود (1277) .

ص: 51

يبقى ثلث الليل الآخر. فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» (1) .

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه، وهي كل ليلة» (2) .

وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تعار من الليل - يعني استيقظ يلهج بذكر الله - فقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته» (3) .

وأخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفا، يرى ظاهرها من

(1) أخرجه البخاري برقم (7494) في التوحيد، باب:"قول الله تعالى:} يريدون أن يبدلوا كلام الله {". ومسلم برقم (758) 6، 24، في صلاة المسافرين وقصرها، باب:"الترغيب في الدعاء والذكر في أخر الليل والإجابة فيه".

(2)

أخرجه مسلم برقم (757) في صلاة المسافرين وقصرها، باب:"في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء".

(3)

أخرجه البخاري برقم (1154) في التهجد، باب:"فضل من تعار من الليل فصلى".

ص: 52

من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» (1) .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» (2) . قال أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17](3) .

وجاء في السنة الصحيحة، ما يفيد أن قيام الليل من أسباب النجاة من الفتن، والسلامة من دخول النار. ففي البخاري وغيره عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال:«سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟» (4) . وفي ذلك تنبيه

(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5 / 343) وصححه ابن حبان (641) . وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو عند الحاكم (1 / 321) وصححه ووافقه الذهبي وحسنه المنذري، وشاهد آخر من حديث علي عند الترمذي (1985) و (2529) .

(2)

أخرجه البخاري برقم (2344) في بدء الخلق باب: (ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة". ومسلم برقم (2824) أول كتاب الجنة.

(3)

سورة السجدة، الآية:17.

(4)

أخرجه البخاري برقم (7069) في الفتن، باب: إلا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه".

ص: 53

على أثر الصلاة بالليل في الوقاية من الفتن.

وفي قصة رؤيا ابن عمر قال: "فرأيت كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية، كطي البئر، وإذا لها قرنان يعني كقرني البئر وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر. فقال: لم ترع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا» (1) .

وأخرج الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم» (2) .

فتلخص مما سبق أن قيام الليل:

أ) من أسباب ولاية الله ومحبته.

ب) ومن أسباب ذهاب الخوف والحزن، وتوالي البشارات

(1) جزء من حديث أخرجه البخاري برقم (1121، 1122) في التهجد، باب:"فضل قيام الليل". ومسلم برقم (2479) في فضائل الصحابة، باب "من فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما".

(2)

أخرجه الحاكم (1 / 308) وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي، وحسنه العراقي.

ص: 54

بألوان التكريم والأجر العظيم.

ج) وأنه من سمات الصالحين، في كل زمان ومكان.

د) وهو من أعظم الأمور المعينة على مصالح الدنيا والآخرة، ومن أسباب تحصيلها والفوز بأعلى مطالبها.

هـ) وأن صلاة الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة وقربة إلى الرب ومكفرة للسيئات.

و) وأنه من أسباب إجابة الدعاء، والفوز بالمطلوب المحبوب، والسلام من المكروه والمرهوب، ومغفرة سائر الذنوب.

ز) وأنه نجاة من الفتن، وعصمة من الهلكة، ومنهاة عن الإثم.

ح) وأنه من موجبات النجاة من النار، والفوز بأعالي الجنان.

ص: 55