المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[رابعا خصائص شهر رمضان] - تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام

[عبد الله بن صالح القصير]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام]

- ‌[الفصل الأول أحكام الصيام]

- ‌[أولا حقيقة الصيام وحكمه]

- ‌[ثانيا من حكم فرضية الصيام]

- ‌[ثالثا فضائل الصيام]

- ‌[رابعا خصائص شهر رمضان]

- ‌[خامسا أحكام تتعلق بالصيام]

- ‌[صوم المسافر]

- ‌[صوم المريض]

- ‌[صوم الكبير]

- ‌[صوم المرأة]

- ‌[سادسا أمور يفطر بها الصائم]

- ‌[الأكل والشرب]

- ‌[الجماع ومقدماته]

- ‌[إنزال المني في اليقظة]

- ‌[إخراج الدم من الجسد]

- ‌[القيء]

- ‌[سابعا أمور لا يفطر بها الصائم]

- ‌[ثامنا فضل قيام الليل]

- ‌[تاسعا فضل قيام رمضان]

- ‌[عاشرا فضل ليلة القدر]

- ‌[الفصل الثاني في مهمات من أحكام زكاة الفطر]

- ‌[معنى زكاة الفطر]

- ‌[تاريخ مشروعيتها والدليل عليها]

- ‌[حكمها]

- ‌[حكمة مشروعيتها]

- ‌[على من تجب الفطرة]

- ‌[أنواع الأطعمة التي تخرج منها زكاة الفطر]

- ‌[المقدار الواجب في الفطرة]

- ‌[وقت إخراج الزكاة]

- ‌[لمن تعطى صدقة الفطر]

- ‌[إخراج قيمة زكاة الفطر]

- ‌[نقل زكاة الفطر من بلد الشخص إلى بلد آخر]

الفصل: ‌[رابعا خصائص شهر رمضان]

[رابعا خصائص شهر رمضان]

رابعا: خصائص شهر رمضان لما كان للصوم تلك الفضائل العظيمة والعواقب الكريمة؛ التي سبقت الإشارة إلى طرف منها، فرضه الله على عباده شهرا في السنة، وكتبه عليهم كما كتبه على الذين من قبلهم، كما قال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183](1) .

فجعل سبحانه صيام رمضان فريضة على كل مسلم ومسلمة، بشروطه المعتبرة، التي جاء بها الكتاب والسنة، فدل على أنه عبادة لا غنى للخلق عن التعبد بها، لما يترتب على أدائها من جليل المنافع وطيب العواقب، وما يحدثه من خير في النفوس، وقوة في الحق، وهجر للمنكر، وإعراض عن الباطل.

ومما اختص الله به شهر رمضان، ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة» (2) . رواه

(1) سورة البقرة الآية: 183.

(2)

أخرجه البخاري برقم (1898) في الصوم. باب: "هل يقال رمضان أو شهر رمضان. . . . . ". واللفظ له. عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجه مسلم برقم (1080) في الصيام، باب:"فضل رمضان" بلفظ: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" عن أبي هريرة.

ص: 23

البخاري.

وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين» (1) .

ولا يخفى ما في ذلك من تبشير المؤمنين بكثرة الأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة، وما يتيسر لهم من أسباب الإعانة عليها والمضاعفة لها، وما جعله الله في رمضان من دواعي الزهد في المعاصي والإعراض عنها، وضعف كيد الشياطين وعدم تمكنهم مما يريدون.

ومن فضائل صوم رمضان، ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (2) . فمن صام الشهر مؤمنا بفرضيته محتسبا لثوابه وأجره عند ربه، مجتهدا في تحري سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيه فليبشر بالمغفرة.

وإذا كان ثواب الصيام يضاعف بلا اعتياد عدد معين، بل يؤتى الصائم أجره بغير حساب، فإن نفس عمل الصائم يضاعف في

(1) أخرجه البخاري برقم (1899) في الصوم، باب:"هل يقال: رمضان أو شهر رمضان. . .؟ ". ومسلم برقم (760) في صلاة المسافرين، باب:"الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح".

(2)

سبق تخريجه ص (9) .

ص: 24

رمضان، كما في حديث سلمان المرفوع وفيه:«من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة، كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه» (1) . فيجتمع للعبد في رمضان مضاعفة العمل ومضاعفة الجزاء عليه. {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان: 57](2) .

ومن فضائل رمضان، أن الملائكة تطلب من الله للصائمين ستر الذنوب ومحوها، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصوام:" وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا "(3) رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة.

والملائكة خلق أطهار كرام؛ جديرون بأن يقبل الله دعاءهم، ويغفر لمن استغفروا له، والعباد خطاؤون محتاجون إلى التوبة والمغفرة كما في الحديث القدسي الصحيح، يقول الله تعالى:

(1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه برقم (1887) وانظر الدر المنثور للسيوطي (1 / 184) . وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد. قال أحمد بن حنبل ليس بالقوي، وقال ابن معين ضعيف.

(2)

سورة الدخان، الآية:57.

(3)

جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2 / 292) . قال أحمد شاكر (7904) : إسناده ضعيف. لأن فيه هشام بن أبي هشام وهو ضعيف؛ بل متفق على ضعفه. قال البخاري في الصغير (194) : يتكلمون فيه، وصرح بضعفه في الكبير (4 / 2 / 199) ، وترجم له ابن سعد (7 / 2 / 37) وضعفه. وقال أبو زرعة. ضعيف الحديث.

ص: 25

«يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم» (1) . فإذا اجتمع للمؤمن استغفاره لنفسه واستغفار الملائكة له، فما أحراه بالفوز بأعلى المطالب وأكرم الغايات.

وهو شهر المواساة والإحسان، والله يحب المحسنين؛ وقد وعدهم بالمغفرة والجنة والفلاح.

والإحسان أعلى مراتب الإيمان، فلا تسأل عن منزلة من اتصف به في الجنة وما يلقاه من النعيم وألوان التكريم، {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات: 16] (2) .

ويتيسر في هذا الشهر المبارك إطعام الطعام وتفطير الصوام، وذلك من أسباب مغفرة الذنوب وعتق الرقاب من النار، ومضاعفة الأجور، وورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا. نسأل الله بمنه وجوده أن يوردنا إياه.

وإطعام الطعام من أسباب دخول الجنة دار السلام، ورمضان شهر تتوفر فيه للمسلمين أسباب الرحمة وموجبات المغفرة، ومقتضيات العتق من النار، فما أجزل العطايا من المولى الكريم

(1) أخرجه مسلم برقم (2577) في البر والصلة، باب:"تحريم الظلم" عن أبي ذر رضي الله عنه.

(2)

سورة الذاريات، الآية:16.

ص: 26

الغفار.

وهو شهر الذكر والدعاء وقد قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10](1) وقال سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35](2) وقال سبحانه: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56](3) وقد قال تعالى في ثنايا آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186](4) مما يدل على الارتباط بين الصيام والدعاء.

وفي شهر رمضان ليلة القدر التي قال الله في شأنها: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (5) قال أهل العلم معنى ذلك: أن العمل فيها خير وأفضل من العمل في ألف شهر وهي ما يقارب ثلاثا وثمانين سنة خالية منها، وكفى بذلك تنويها بفضلها وشرفها، وعظم شأن العمل فيها لمن وفق لقيامها نسأل الله تعالى أن يوفقنا على الدوام لذلك بمنِّه وجوده.

وجاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيمانا

(1) سورة الجمعة، الآية:10.

(2)

سورة الأحزاب، الآية:35.

(3)

سورة الأعراف، الآية:56.

(4)

سورة البقرة، الآية:186.

(5)

سورة القدر، الآية:3.

ص: 27

واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (1) . وهذا من فضائل قيامها، وكفى به ربحا وفوزا.

ومن خصائصه، فضل الصدقة فيه عنها في غيره، ففي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم «سئل: أي الصدقة أفضل؟ قال: " صدقة في رمضان» (2) .

وثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن. وكان جبرائيل يلقاه كل ليلة من شهر رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة» . ورواه أحمد، وزاد:«ولا يسأل شيئا إلا أعطاه» (3) . والجود: سعة العطاء بالصدقة وغيرها.

وفي زيادة جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان اغتنام لشرف الزمان، ومضاعفة العمل فيه والأجر عليه، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم كما في

(1) أخرجه البخاري برقم (37) في الإيمان، باب:"تطوع قيام رمضان من الإيمان". ومسلم برقم (759) في صلاة المسافرين، باب:"الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح". من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه الترمذي برقم (663) والبيهقي (4 / 306) وانظر: إرواء الغليل للألباني (3 / 353) .

(3)

أخرجه البخاري برقم (6) في بدء الوحي، باب:"5". ومسلم برقم (2308) في الفضائل، باب:"كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير".

ص: 28

حديث سلمان أنه قال في رمضان: «من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه» (1) . ولأن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا والوقاية من النار، ففي الحديث الصحيح:«الصوم جنة» (2) . أي: وقاية من النار. وفي الصحيح أيضا قال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة» (3) .

ومن خصائص رمضان، أن العمرة فيه تعدل حجة، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«عمرة في رمضان تعدل حجة» (4) . وفي رواية: «حجة معي» .

(1) سبق تخريجه ص (25) .

(2)

سبق تخريجه ص (10) .

(3)

جزء من حديث أخرجه البخاري برقم (1417) . في الزكاة، باب:"اتقوا النار ولو بشق تمرة. . . . ". ومسلم برقم (1016) - 68. في الزكاة، باب: "الحث على الصدقة".

(4)

أخرجه البخاري برقم (1782) في الحج، باب:"عمرة في رمضان". ومسلم برقم (1256) في الحج، باب:"فضل العمرة في رمضان". من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

وقوله "حجة معي". أخرجها البخاري برقم (1863) ومسلم. برقم (1256) - 222.

وقد روي الحديث أيضا عن جابر رضي الله عنه أخرجه البخاري معلقا (1863) . ووصله الإمام أحمد (3 / 353، 361، 397) وابن ماجه برقم (2995) ورجاله ثقات.

ص: 29

ومن خصائصه، أنه شهر القرآن:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185](1) فللقرآن فيه شأن في إصلاح القلوب والهداية للتي هي أقوم لمن تلاه وتدبره وسأل الله به، وكم جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من بيان لفضل تلاوة القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم:«الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» (2) . وقوله صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأهله يوم القيامة» (3) . وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما» (4) وقوله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القران وعلّمه» (5) . وكلها أحاديث صحيحة،

(1) سورة البقرة، الآية:185.

(2)

جزء من حديث أخرجه مسلم برقم (798) - 244 في صلاة المسافرين وقصرها، باب:"فضل الماهر بالقرآن والذي ينتفع به". من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

أخرجه مسلم برقم (804) - 252. في صلاة المسافرين وقصرها، باب: "فضل قراءة القرآن وسورة البقرة". عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.

(4)

أخرجه مسلم برقم (817) في صلاة المسافرين وقصرها، باب:"فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه". عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(5)

أخرجه البخاري برقم (5027) في فضائل القرآن، باب:"خيركم من تعلم القرآن". قال الحافظ في الفتح (8 / 693) : ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره. جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي، ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، [فصلت: 33] . والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها: تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع، وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام، كما قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا [الأنعام: 157] .

فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون المقرئ أفضل من الفقيه؟ . قلنا: لا، لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس، لأنهم كانوا أهل اللسان، فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدريها من بعدهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سجية، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك، لا من كان قارئا أو مقرئا محضا لا يفهم شيئا من معاني ما يقرَؤهُ أو يقرئه.

ص: 30

متضمنة لأعظم البشارات لتالي القرآن عن تفكر وتدبر، فكيف إذا كان في رمضان؟

جعلنا الله من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.

ص: 31