المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(أ) قالوا لم يأت نهى عن ذلك بدليل صحيح؛ فيبقى الأمر على البراءة الأصلية - إرشاد العابد في حكم مكث الجنب والحائض والنفساء في المساجد

[شريف مراد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول مقدمة

- ‌1- تعريف الجنابة:

- ‌2- تعريف الحيض:

- ‌3 - تعريف النِّفاَس:

- ‌4 - التسوية بين الحائض والنُفساء في الأحكام:

- ‌5 - الفرق بين دخول المسجد والمكث فيه:

- ‌6 - الفرق بين الحائض والجنب في الأحكام:

- ‌ وضوء الحائض لا يصح بخلف الجنب فإنه يستحب أحياناً:

- ‌الخلاصة:

- ‌الفصل الثاني أقوال من أجاز للحائض المكث في المسجد والجواب عنها

- ‌(أ) قالوا لم يأت نهى عن ذلك بدليل صحيح؛ فيبقى الأمر على البراءة الأصلية

- ‌(ب) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن لا يَنْجُسُ

- ‌(ج) : كان أهل الصُفّة يبيتون في المسجد

- ‌(د) : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه السيدة عائشة رضي الله عنها في الحجّ إلا من الطواف بالبيت فقط

- ‌(هـ) : إنّ الأحاديث المانعة من دخول الحائض المسجد إمّا باطلة أو غير مشهورة

- ‌(و) : إنّ الآية في قوله تعالى {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} قال فيها على رضي الله عنه: إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم

- ‌(ز) : قد نُقل عن الإمام أحمد: أنّه يجوز للجنب والحائض أن يمكث في المسجد إذا توضأ

- ‌الفصل الثالث: أقوال الفقهاء

- ‌أولاً: الحنابلة

- ‌ثانياً: الشافعية

- ‌ثالثاً: المالكية

- ‌رابعاً: الأحناف:

- ‌الفصل الرابع: شبهات وردود عليها

- ‌أولاً:

- ‌ثانياً:

- ‌ثالثاً:فهم ونقل خاطيء لكلام الشوكاني:

- ‌الفصل الخامس: فتاوى العلماء

- ‌فتوى شيخ الإسلام تقى الدين بن تيمية:

- ‌فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين

- ‌الفصل السادس صيانة المساجد عن الروائح الكريهة والنجاسة

- ‌أولاً: ما ورد في الرائحة:

- ‌ثانياً: ما ورد في النجاسة:

- ‌ثالثاً: ما ورد في صيانتها من أي قذر وإن لم يكن نجساً:

- ‌فهرس المراجع مرتبة هجائياً

الفصل: ‌(أ) قالوا لم يأت نهى عن ذلك بدليل صحيح؛ فيبقى الأمر على البراءة الأصلية

‌الفصل الثاني أقوال من أجاز للحائض المكث في المسجد والجواب عنها

(أ) قالوا لم يأت نهى عن ذلك بدليل صحيح؛ فيبقى الأمر على البراءة الأصلية

.

الجواب عن ذلك:

بل ورد النهي عن ذلك، ولقد استدل العلماء القائلون بعدم جواز مكث الحائض في المسجد بالآية 43 من سورة النساء، وبثلاثة أحاديث: حديثين متفق على صحتهما،والثالث مختلف في صحته.

أولاً: الآية 43 من سورة النساء:

قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) .

1-

من تفسير شيخ المفسرين ابن جرير الطبري:

قال رحمه الله: تأويل هذه الآية على قولين:

الأول: لا تقربوا نفس الصلاة وأنتم سكارى. ثم ذكر من قال من السلف بهذا القول.

الثاني: لا تقربوا مواضع الصلاة وأنتم سكارى. ثم ذكر من قال من السلف بهذا القول. ومنهم أثر عبد الله بن عباس، ولكنه أثر ضعيف لوجود أبى جعفر الرازي في إسناده، إلا انه ورد عن غير ابن عباس أيضاً وبأسانيد أخرى كثيرة (1) ، انظرها في تفسير الطبري.

(1) كما سيأتي عند نقل كلام ابن كثير.

ص: 9

ثمّ قال رحمه الله: " وأولى القولين بالتأويل لذلك تأويل من تأوله {ولا جنباً إلا عابري سبيل} : إلا مجتازي طريق فيه. وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله: {وإن كنتم مرضي أو على سفرٍٍ أو جاءَ أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النسآء فلم تَجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً} ، فكان معلوماً بذلك أن قوله {ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} لو كان معنياً به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله {وإن كنتم مرضي أو على سفرٍٍ} معنى مفهوم، وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك، وإن كان ذلك كذلك فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضاً جنباً حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل. والعابر السبيل المجتازه مراً وقطعاً ". أ. هـ

فها هو شيخ المفسرين الطبري يقول بأن الصحيح في معنى الآية: لا تقربوا المساجد وأنتم جنباً حتى تغتسلوا إلا أن تعبروها مجتازين- يعنى من غير مكث فيها.

2 -

من تفسير الحافظ ابن كثير:

قال رحمه الله تعالى: " ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن:

1 -

فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يدرى معه المصلى ما يقول.

2 -

وعن قربان محالّها التي هي المساجد للجنب إلا أن يكون مجتازاً من باب إلى باب من غير مكث وقد كان هذا قبل تحريم الخمر."

ص: 10

ثمّ أورد بعد ذلك أثر ابن عباس المذكور آنفاً برواية ابن أبى حاتم ولكن في سندها أيضاً أبى جعفر الرازي، ثمّ قال ابن كثير:" قال - يعنى ابن أبى حاتم - وروى عن عبد الله بن مسعود وأنس وأبى عبيدة وسعيد ابن المسيب والضحاك وعطاء ومجاهد ومسروق وإبراهيم النخعي وزيد بن أسلم وأبى مالك وعمرو بن دينار والحكم بن عتبة وعكرمة والحسن البصري ويحي بن سعيد الأنصاري وابن شهاب وقتادة نحو ذلك، وقال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا أبو صالح حدثني الليث حدثنا يزيد بن أبى حبيب عن قول الله عز وجل {ولا جنباً إلا عابري سبيل} إنّ رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم فيردون الماء ولا يجدون ممراً إلا في المسجد فأنزل الله: {ولا جنباً إلا عابري سبيل} . ويشهد لصحة ما قاله يزيد بن أبى حبيب رحمه الله (1) ما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"سدوا كل خوخة في المسجد،إلا خوخة أبى بكر". وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم علماً منه أنّ أبا بكر رضي الله عنه سيلى الأمر بعده (2) ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيراً للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا بابه رضي الله عنه".

وقال: " وبهذه الآية احتج كثير من الأئمة على أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد وجوز له المرور وكذا الحائض والنفساء أيضاً في معناه، إلا أن بعضهم قال يحرم مرورهما لإحتمال التلويث، ومنهم من قال إن أمنت كل واحدة منهما التلويث في حال المرور جاز لهما المرور وإلا فلا ".

فانظر رحمك الله كيف قال: المرور، أمّا عند حكم المكث فيصرح بالتحريم، وإذا أمنت التلويث فإنه يجوز لها المرور فقط.

(1) هذه الرواية فيها احتمال إرسال؛ ولذلك استشهد ابن كثير لصحتها بحديث آخر صحيح في صحيح البخاري.

(2)

كذا قال رحمه الله.

ص: 11

ثمّ حكى بعد ذلك قول الطبري السابق نقله واختيار الطبري لتأويل الآية، ثم قال ابن كثير:

" وهذا الذي نصره - يعنى الطبري -هو قول الجمهور، وهو الظاهر من الآية، وكأنه تعالى نهى عن:

1 -

تعاطى الصلاة على هيئة ناقصة تناقض مقصودها.

2 -

وعن الدخول إلى محلها على هيئة ناقصة وهى الجنابة المباعدة للصلاة ولمحلها أيضاً، والله أعلم."

وقال "وقوله عز وجل {حتى تغتسلوا} دليل لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة: أبوحنيفة ومالك والشافعي أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمم إن عدم الماء أو لم يقدر على استعماله بطريقة، وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى سعيد بن منصور في سننه بسند صحيح أنّ الصحابة كانوا يفعلون ذلك. "

فائدة:

أوضح ابن كثير أن تفسير آية {ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ولا

} أي لا تقربوا مواضع الصلاة وأنه قول الجمهور، وفي ذلك رد على من قال أن المقصود حقيقة الصلاة وأنه قول أكثر المفسرين! (1)

نعم من الصحيح أنه قول بعض المفسرين بلا شك، ولكن الجمهور على خلاف ذلك، وقد عرفت قول الجهبذين الطبري وابن كثير.

3 -

ومن تفسير مفاتح الغيب لفخر الدين الرازي:

بعد أن نقل الرازي الاختلاف في تأويل الآية، قال إن أصحاب الشافعي انتصروا لقوله بوجوه منها:

الأول: أنّه سبحانه وتعالى قال: {لا تقربوا الصلاة} والقرب والبعد لا يصحان على نفس الصلاة على سبيل الحقيقة، إنّما يصحان على المسجد.

الثاني: أنّا لو حملناه على ما قلنا لكان الاستثناء صحيحاً، أمّا لو حملناه على ما قلتم لم يكن صحيحاً لأن من لم يكن عابر سبيل وقد عجز عن استعمال الماء بسبب المرض الشديد؛ فإنّه يجوز له الصلاة بالتيمم، وإذا كان كذلك كان حمل الآية على ذلك أولى.

(1) قال ذلك فخر الدين الرازي، ونقله بعد ذلك بعض المعاصرين.

ص: 12

الثالث: أنّا إذا حملنا عابر السبيل على الجنب المسافر فهذا إن كان واجداً للماء لم يجز له القرب من الصلاة البتّة فحينئذ يحتاج إلى إضمار هذا الاستثناء في الآية، وإن لم يكن واجداً للماء لم يجز له الصلاة إلا مع التيمم فيفتقر إلى إضمار هذا الشرط في الآية، وأمّا على ما قلناه فإنّا لا نفتقر إلى إضمار شيء في الآية؛ فكان قولنا أولى.

الرابع: أن الله تعالى ذكر حكم السفر وعدم الماء وجواز التيمم بعد هذا، فلا يجوز حمل هذا على حكم مذكور في آية بعد هذه الآية. والذي يؤكده أن القرّاء استحبوا الوقف عند قوله {حتى تغتسلوا} ثمّ يستأنف قوله {وإن كنتم مرضي} لأنّه حكم آخر. وأمّا إذا حملت الآية على ما ذكرنا لم نحتج فيه إلى هذه الإلحاقات، فكان ما قلناه أولى.

وقال الرازي أيضاً: قيل للذي يجب عليه الغسل جنب لأنّه يجتنب الصلاة والمسجد وقراءة القرآن حتى يتطهر.

4 -

وقال القاضي أبو بكر بن العربي في" أحكام القرآن":

المسألة الحادية عشرة: ثبت عن عطاء بن يسار أنه قال: كان رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تصيبهم الجنابة فيتوضئون ويأتون المسجد يتحدثون فيه. وربما أغتر بهذا جاهل فظنَّ أنَّ اللبث للجنب في المسجد جائز. وهذا لا حجة فيه، فإن كل موضع وضع للعبادة وأكرم عن النجاسة الظاهرة كيف يدخله من لا يرضي لتلك العبادة، ولا يصح له أن يتلبس بها؟

5 -

وقال الشوكاني في تفسيره" فتح القدير":

ص: 13

يمكن أن يقال: أن بعض قيود النهى أعنى (لا تقربوا) وهو قوله (وأنتم سكارى) يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقي وبعض قيود النهى وهو قوله (إلا عابري سبيل) يدل على أن المراد مواضع الصلاة ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدالّ عليه ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد، وهما لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى، ولا تقربوا مواضع الصلاة حال كونكم جنباً إلا حال عبوركم في المسجد من جانب إلى جانب.

ثمّ حكى قول الطبري وقول ابن كثير وهو قول الجمهور كما سبق.

توضيح:

بالرغم من أن هذه الآية في حق الجنب إلا إنها أيضاً في حق الحائض كما قال المفسرون، وذلك لأن الحائض حدثها أغلظ من حدث الجنب، فكل ما ينطبق حكماً على الجنب ينطبق على الحائض، وليس كل ما ينطبق حكماً على الحائض ينطبق على الجنب، لأن الحائض حدثها أغلظ كما سبق.

ثانياً: الأحاديث:

الحديث الأول:

حديث رواه الجماعة: عن أمّ عطية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{لتخرج العواتق ذوات الخدور-أو العواتق وذوات الخدور - والحيض فيشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى} . (1)

من فقه الحديث:

- ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث: "باب: اعتزال الحيض المصلى "

- وقال الإمام النووي (في شرحه لصحيح مسلم 6/179) : "فيه منع الحيض من المصلى، واختلف أصحابنا في هذا المنع، فقال الجمهور: هو منع تنزيه لا تحريم وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما لم يحرم لأنّه ليس مسجداً. وحكى أبو جعفر الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنّه قال يحرم المكث في المصلى على الحائض كما يحرم مكثها في المسجد لأنّه موضع للصلاة فأشبه المسجد والصواب الأول. "

(1) خ351،971،974،980،981،1652،م،ن، ت 537،د 1125،هـ 1308

ص: 14

- وقال الحافظ (الفتح 1/505 -ح 324- عند تبويب البخاري: " باب: شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلنّ المصلى ") قال: " حمل الجمهور الأمر المذكور على الندب لأن المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحيّض من دخوله ".

فانظر - رحمك الله - كيف رخص لها في حضور مجالس العلم ومواطن الخير، أمّا المسجد فلا، حتى وإن كان فيه مواطن الخير للنصوص الواردة في ذلك.

- وقد وقع في رواية لأبى داود ح 1126 [قالت أم عطية: والحيّض يكنّ خلف الناس فيُكَبرن مع الناس] . وفي هذه الرواية رد على من قال يعتزل الحيّض المصلى أي: يعتزلن الصلاة، حيث أن هذه الرواية توضح أن الحيّض لم يكنّ مع باقي النساء، وإنّما خلفهنّ.

فائدة: اختلف العلماء في الحكم على مصلى العيد:

1 -

فمنهم من اعتبره كالمسجد في الأحكام، ولذلك قال بتحريم دخول الحائض فيه.

2 -

ومنهم من اعتبره ليس بمسجد وليس له أحكامه؛ فقال بكراهة دخول الحائض فيه.

الخلاصة:

قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر العسقلاني عند شرح هذا الحديث بتحريم المسجد على الحائض، وهو واضح من قول الأول (لم يحرم لأنّه ليس مسجداً) ، أي لو كان مسجداَ لحرم. ومن قول الثاني (لأن المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحيّض من دخوله) ، أي لو كان المصلى مسجداً لامتنع الحيض من دخوله.

الحديث الثاني:

حديث رواه الجماعة إلا البخاري:

{عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة - وفي رواية الثوب - من المسجد، قالت: إنى حائض.فقال: إنّ حيضتك ليست في يدك. - وفي رواية فناولته -} . وهذه الألفاظ كلها عند مسلم. (1)

من فقه الحديث:

(1) حم2/70،6/45،101،106،10،12،114،173،179،214،229،245،م1/45، د 1/60،ت1/134وقال حسن صحيح،ن1/120،158،هـ1/207،مي1/197، 247.

ص: 15

- قال الترمذي بعد روايته للحديث في سننه: " حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو قول عامّة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك: بأنّ لا بأس أن تتناول الحائض شيئاً من المسجد ".

وهذا يوضح أن الحديث عنده يَخُص تناول الحائض شيئاً من المسجد بدون مكث فيه.

- وقال الشوكاني (نيل الأوطار 1/227) : " استدلوا به على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة تعرض لها إذا لم يكن على جسدها نجاسة ".

(فانظر رحمك الله كيف قال جواز الدخول ولم يقل جواز المكث كما بينّا في المقدمة) .

- وقال أيضاً: "وعليه المشهور من مذاهب العلماء أنّها لا تدخل لا مقيمة ولا عابرة لقوله صلى الله عليه وسلم: [لا أحل المسجد لحائض ولا جنب] ،قالوا: ولأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة ".

وقال أيضاً: " وقد ذهب إلى جواز دخول الحائض المسجد وأنّها لا تمنع إلا مخافة ما يكون منها: زيد بن ثابت، وحكاه الخطّابي عن: مالك والشافعي وأحمد وأهل الظاهر ". - فانظر رحمك الله كيف قال جواز الدخول ولم يقل جواز المكث -.

وقال أيضاً: " ومنع من دخولها: سفيان وأصحاب الرأي، وهو المشهور من مذهب مالك ".

الحديث الثالث:

حديث اختلف أهل العلم في تصحيحه وتضعيفه. رواه أبو داود ح 232، والبيهقي 2 /442 -443 ح 4323،4324 (1) .

قال أبو داود حدثنا مُسدد قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا أَفْلَتْ بن خَليفة قال حدثتني جَسْرة بنت دِجاجة قالت سمعت عائشة تقول:

(1) وقد ورد في ذلك أيضاً حديث أم سلمة مرفوعاً رواه ابن ماجه والطبراني، لكن في إسناده أبو الخطّاب الهجري وهو ضعيف، وقال أبو زرعة حديث عائشة أصح من حديث أم سلمة. ولذا أعرضت عن ذكره.وانظر نصب الراية للزيلعي 1/194، 195.

ص: 16

{جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد. ثمّ دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن ينزل فيهم رخصة. فخرج إليهم بعد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإنّى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب}

- وقد بوّب البيهقي لهذا بقوله: " باب الجنب يمرّ في المسجد مارّاً ولا يقيم فيه ". وقال بعد روايته للحديث: وهذا إن صحّ فمحمول في الجنب على المكث فيه دون العبور بدليل الكتاب. (1)

وهذا الحديث هو أوضح حديث في هذا الباب، ولكن ضعّفه بعض أهل العلم بسبب ضعف راويين من رواته وهما: أفلت بن خليفة، وجسرة بنت دِجاجة، لكن رد هذا التضعيف آخرون، وبيان ذلك:-

أولاً: أفلت بن خليفة العامري: (2)

قال ابن حزم: أفلت مجهول الحال، وقال الخطابي: قد ضعفوا هذا الحديث وقالوا أفلت راويه مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه.

وقد ردّ ذلك جماعة من الحُفّاظ منهم الحافظ المنذري في تهذيب السنن، حيث علّق على كلام الخطابي قائلاً:" وفيما قاله نظر، فإنه أفلت بن خليفة العامري ويقال الذهلي وكنيته أبو حسان حديثه في الكوفيين، وروى عنه سفيان بن سعيد الثوري وعبد الواحد بن زياد، وقال الإمام أحمد: ما أرى به بأساً، وسأل عنه أبو حاتم الرازي فقال شيخ، وحكى البخاري أنّه سمع من جسرة بنت دجاجة. ". انتهى كلام المنذري.

- وقال الدارقطني: صالح وروى عنه الثقات.

- ووثقه ابن حبّان.

- وقال في الكشاف: صدوق.

(1) يقصد الآية 43 من سورة النساء، وقد تقدمت.

(2)

تجد ترجمته في: تهذيب الكمال 1/120، الكاشف 1/137، الجرح والتعديل 2/346، الثقات 86/88،ميزان الاعتدال - أثناء ترجمة جسرة بنت دجاجة -،تهذيب التهذيب برقم 587، تقريب التهذيب.

ص: 17

ثانياً: جَسْرة بنت دِجاجة: (1)

- قال الإمام البخاري في تاريخه الكبير: عندها عجائب.

- قال الحافظ في تهذيب التهذيب: " قال العجلي: ثقة تابعية، ذكرها ابن حبّان في الثقات، وقال البخاري: عندها عجائب، وقال أبو الحسن بن القطّان: هذا القول لا يكفي لمن يسقط كل ما رَوَتْ، كأنّه يُعرِّض بابن حزم لأنّه زعم أنّ حديثها باطل." أ. هـ ملخصاً

- وقال ابن حبّان في الثقات: " تروى عن عائشة، روى عنها أفلت ".

الحكم على الحديث:

(أ) من ضعّف الحديث:

قال ابن حزم: باطل

وقال أبو محمد عبد الحق: لا يثبت من جهة إسناده.

وقال الخطابي: ضعّفوا هذا الحديث.

وقال البيهقي: هذا إن صح.

وضعّفه من المُعَاصرين: الشيخ الألباني. (2)

(ب) من صحّحَّ الحديث:

- قال الشوكاني (3) : "الحديث صحيح

وقال أبو زرعة: حديث عائشة أصح من حديث أم سلمة، وضعّف ابن حزم هذا الحديث، وقال الخطابي ضعّفوا هذا الحديث

وليس ذلك بسديد

الحديث إمّا حسن أو صحيح، وجَزْم ابن حزم بالبطلان مجازفة وكثيراً ما يقع في مثلها

(1) ترجمتها في: تهذيب الكمال3/1680،تهذيب التهذيب8848 والكاشف3/66،خلاصة3/377،أعلام النساء1/160،لسان الميزان7/189،الميزان1/399،المشتبه510،سؤالات البرقاني رقم 69،تراجم الأخبار 1/240. وقد روى البخاري هذا الحديث في التاريخ الكبير بزيادة (إلا لمحمد وآل محمد) ،ثم قال البخاري: وجسرة عندها عجائب.ثم ذكر بعد ذلك حديث (سدوا هذه الأبواب إلا باب أبى بكر) . فكأن البخاري يقول الثابت لفظ (باب أبى بكر) وليس لفظ (لمحمد وآل محمد) ، وقد وجدت كلاماً يؤيد ذلك لأبى محمد العيني في البناية شرح الهداية 1 / 636. .

(2)

في إرواء الغليل، تمام المنّة، ضعيف سنن أبى داود، ضعيف سنن ابن ماجه.ولم يزد فضيلته على كلام مَن سبقوه مِن الذين ضعّفوا الحديث.

(3)

نيل الأوطار 1/229

ص: 18

وقال ابن سيد الناس: ولعمري إنّ التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته، ووجود شواهد له من خارج فلا حجة لأبى محمد بن حزم في رده، ولا حاجة بنا إلى تصحيح ما رواه في ذلك لأن هذا الحديث كاف في الرد ".

- وقال: " قال الحافظ: وأمّا قول ابن الرفعة في أواخر شروط الصلاة: إنّ أفلت متروك. فمردود؛ لأنّه لم يقله أحد من أئمة الحديث ". أ. هـ (1)

- وقال الحافظ الزيلعي (2) : " هو حديث حسن ".

- وقال أيضاً: " قال ابن القطّان: قال أبو محمد عبد الحقّ في حديث جسرة هذا، أنه لم يثبت من جهة إسناده ولم يبين ضعفه، ولست أقول إنّه حديث صحيح وإنّما أقول إنّه حسن ".

- وهذا الحديث رواه أبو داود وسكت عليه ولم يضعّفه، فهو حسن على الأقل عنده.

- كما صححه أيضاً إمام الائمة ابن خزيمة، حيث رواه في المجلد الثاني من صحيحه.

- وقال الإمام الزركشي (3) : قد صح الحديث المتقدم، وحسّنه ابن القطّان وغيره.

وقد أورد الحافظ ابن حجر هذا الحديث في تهذيب التهذيب، وكذا في تلخيص الحبير، ثمّ نقل كلام من ضعّفه، ثمّ أعقبه برد ابن القطّان وابن حبّان، فكأنّه يميل إلى رأيهما فيصححه أو يحسّنه على الأقل.

- قلت: ولعلّ حجّة من ضعّف الحديث قول الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب في جسرة: مقبولة. وهذا يعنى عند الحافظ إذا توبعت وإلا فلينة، وهى لم تُتابع فيكون الحديث ضعيفاً.

ولكننا نلاحظ أنّ الحافظ قد نقل أيضاً القول بأنّها ثقة عن العجلي وابن حبّان. بلّ إنّه أعقب كلام الإمام البخاري بقول ابن القطّان في الدفاع عن جسرة، وقال الحافظ أنّ ابن القطّان هنا يُعرّض بابن حزم.

(1) بتصرف يسير تحرزاً عن تكرار ما سبق من كلام المنذري والحافظ في التهذيب.

(2)

نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية 1/194

(3)

إعلام الساجد في أحكام المساجد ص223 ط. دار الكتب العلمية.

ص: 19

ولعل ذلك لأن الجرح فيها غير مُفسر فلم يقبله ابن القطان إلا إذا تبين السبب، وذلك كما قال الإمام الذهبي (1) : قول أبى بكر بن الجعابى (عنده عجائب) عبارة محتملة للتليين فلا تُقبَل إلا مُفسّرة. وانظر تهذيب التهذيب وتلخيص الحبير.

هذا مع ملاحظة أن ابن القطّان ليس من المتساهلين في التعديل، بلّ إن الإمام الذهبي قال عنه (2) :انّه تعنت في أماكن من كتابه بيان الوهم والإيهام، وقال الحافظ ابن حجر (3) : ابن القطّان يتبع ابن حزم في إطلاق التجهيل على من لا يطّلعون على حاله.

أمّا مجرد تضعيف الحديث لمجرد أن الحافظ قال في التقريب أن جسرة (مقبولة) فهذا مردود بتوثيق الأئمة لها كما سبق.وقد قال الشيخ الألباني (4) : أبو الجعفاء

وثقه ابن معين والدارقطنى وروى عنه جماعة من الثقات فلا يلتفت بعد هذا إلى قول الحافظ فيه (مقبول) يعنى لين الحديث عند التفرد، فكيف هذا مع توثيق الإمامين المذكورين إيّاه؟!

وقال الشيخ مقبل بن هادى الوادعي (5) : إن الحافظ ربما يحكم على رجل بأنّه (مقبول) أي لا يحتج بحديثه إلا في الشواهد والمتابعات، ويكون قد وثقه معتبر.

** وبذلك يكون من صحّحّ الحديث أو حسّنه:

ابن خزيمة، وأبو داود، والمنذري، وابن القطّان، وابن سيد الناس، والزيلعي، والشوكاني. بالإضافة إلى الموقف المذكور للحافظ ابن حجر.

وأرى، والله أعلم: أن الحديث حسن، وأقول كما قال ابن القطان " ولست أقول إنّه حديث صحيح وإنّما أقول إنّه حسن ". مع ملاحظة أن صحة هذا الحديث أو ضعفه ليس هو الفيصل في الحكم على المسألة لوجود أدلة أخرى سبق بيانها.

ومن أدلة المجوزين:

(1) سير أعلام النُبلاء 10 / 634

(2)

سير أعلام النُبلاء 22 / 307

(3)

لسان الميزان 1 / 235 ط. دار الفكر

(4)

إرواء الغليل 6 / 347

(5)

إتحاف النبيل - المقدمة ص 5 ط. مكتبة ابن تيمية

ص: 20