المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فماذا بعد الحق إلا الضلال) - تعدد الزوجات بين حقائق التنزيل وافتراءات التضليل

[محمود محمد غريب]

الفصل: ‌(فماذا بعد الحق إلا الضلال)

* ‌

(فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ)

يأتي الدكتور شحرور ويحاول فرض هواه على تفسير الآيات.

يقول: لموضوع تعدد الزوجات كمٌّ وكيف.

الكم: هو العدد الذي حدَّدته الآية.

أما الكيف، فلكي تربط جواب الشرط بالشرط يعني تربط بين (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ) بالشرط الذي هو (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى)

يقول: فقد قيَّد القرآن الزوجة الثانية حتى الرابعة بأن تكون من الأرامل ذوات اليتامى، وأن يتزوج الرجال الأرامل ذوات اليتامى ويأخذهن مع أولادهنَّ.

ثم يقول: فإذا أخذ الرجل ثلاثة أرامل وأطفالهن فيمكن أن نفهم قوله تعالى

(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) أي فإن خفتم ألا تعدلوا بين أولادكم ومن أولاد الزوجات الأرامل.

ولا يغيب عن القارئ الفارق بين التفسير وبين الأهواء - أعني أهواء الذين لا يعلمون.

فقد حذَّر شحرور من جعل البكر زوجة ثانية وهو حكم بلا دليل.

وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بكر، وكانت زوجة ثانية، وتزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه أم كلثوم بنت الإمام علي رضي الله عنه وهي بِكْرٌ، وكانت زوجة ثانية، وما زال التعدد بالأرامل وبغير الأرامل سنَّةً مباحة إلى يوم الناس هذا.

حرّم شحرور أن تكون البكر زوجة ثانية - كما قلنا - وحرّم أن تكون الأرملة بدون يتامى زوجة ثانية، وحرّم أن تكون المطلقة ذات الأطفال زوجة ثانية لأنهم

ص: 36

ليسوا يتامى فهو يحرم التعدُّد بغير الأرملة ذات اليتامى.

وكل هذا تحريم بلا دليل ولا أصل شرعي.

والذي يشرع للعباد هو الله وحده. والنبي صلى الله عليه وسلم مُبلغ عن الله.

إن الربط بين الشرط وجوابه - في الآية الكريم إن خفت ألا تعدلوا في اليتامى فتزوجوا غيرهن وهو المفهوم من قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}

ومرة ثانية يدخل شحرور في قضية شرعية ويصدر فيها حكماً بلا دليل أو أثارة من علم.

وأي قيمة أو حتى حاجة للدليل الشرعي ما دام الدكتور المهندس شحرور يُفتي؟!!

يقول: وقد أعطى الله - سبحانه - تسهيلات بالنسبة للراغب في الزواج من أرملة ذات يتامى.

ما هي هذه التسهيلات؟

يقول: أعفاهم من الصداق في قوله تعالى: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} - سبحان الله - أين مراد الله من الآية ومراد الدكتور شحرور؟!!

إن الله يعتب على الوصي أن يستغل من تحت يده من اليتامى فيتزوج بهن بدون مهر.

وشحرور يجعل المخالفة رشداً، والجريمة تشريعاً يجعل الزواج بالأرامل ذات اليتامى بدون مهر. {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} ويجعله كذلك بدون عدل بين

ص: 37

الزوجات، لأن العدل المطلوب عند شحرور هو العدل بين أطفالك وبين اليتامى أبناء الأرامل اللاتي سيتزوج بهن.

وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أرامل ودفع لهن المهر.

وعدل بينهن في المبيت وفي العيش.

مع أن الله قد عافى النبي صلى الله عليه وسلم وحده من الصداق.

ومن العدل في المبيت بين الزوجات.

ومع ذلك التزم بالصداق والعدل.

أما المعافاة من الصداق فلقوله تعالى عن المرأة التي وهبت نفسها للنبي {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فالزواج بلا مهر أمر خاص للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف جعله شحرور تشريعاً عاماً؟!

وقد عافاه الله من القسمة بين نسائه في المبيت ومع ذلك ظلَّ ملتزماً حتى مرض موته {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} مع أن الله عافاه من حتمية القسمة إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم التزم بها حتى مرض موته.

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: وكان النبي في مرض موته يطاف به محمولاً على بيوت أزواجه إلى أن استأذنهنَّ أنْ يقيم في بيت عائشة فأذنَّ له.

وكان يُقرع بين نسائه في السفر فأيتهنَّ خرجت قرعتها "سهمها" خرج بها معه

هذا وكما قلنا إن الله قد عافاه من القسمة.

ومع ذلك التزم لأن العدل طبيعته. هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فمن أين أتى المهندس شحرور بهذا التشريع؟!

من أين أتى بزواج بلا مهر ولا عدل بين الأزواج؟!

لأن العدل عنده بين أولادك وبين اليتامى!!

ص: 38