المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1).النوع الأول: الصحيح - إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق صلى الله عليه وسلم - جـ ١

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌شكر وتقدير

- ‌الإِمام النووي، رحمه الله

- ‌اسمه ونسبه ولقبه:

- ‌مولده واشتغاله بالعلم:

- ‌أبرز شيوخه وتلامذته:

- ‌أبرز شيوخه في الفقه وأصوله:

- ‌أبرز تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌اشتغاله بالتدريس والتأليف:

- ‌مؤلفاته في الحديث وعلومه ومكان وجودها ومن شرحها وعلق عليها:

- ‌1 - شرح صحيح مسلم:

- ‌2 - رياض الصالحين:

- ‌3 - الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار:

- ‌4 - الأربعين:

- ‌5 - الإِشارات إلى بيان الأسماء المبهمات

- ‌6 - إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق صلى الله عليه وسلم

- ‌7 - التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير:

- ‌8 - الخلاصة في أحاديث الأحكام

- ‌9 - شرح البخاري:

- ‌10 - شرح سنن أبي داود:

- ‌11 - الإِملاء على حديث الأعمال بالنيات:

- ‌12 - جامع السنة:

- ‌عقيدته:

- ‌وفاته:

- ‌اسمه ونسبه ولقبه:

- ‌بدء اشتغاله بالعلم:

- ‌أبرز شيوخه وتلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌ذكر مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌توطئة

- ‌سبب اختياري الموضوع

- ‌وصف شامل لكتاب الإِرشاد ومنهج المؤلف فيه ومقارنة بين كتابيه: "الإِرشاد" و"التقريب

- ‌تحقيق اسم الكتاب

- ‌توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف

- ‌مقارنة نموذجية بين كتاب الإِرشاد وبين المختصرات الأخرى لمقدمة ابن الصلاح

- ‌1 - إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - المنهل الروي في علوم الحديث النبوي، لبدر بن جماعة (ت 733):

- ‌3 - الخلاصة في أصول الحديث، للطيبي (ت 743):

- ‌4 - اختصار علوم الحديث، لابن كثير (ت 774):

- ‌5 - المقنع في علوم الحديث، لأبي حفص بن الملقن (ت 804):

- ‌وصف نسخ خطية للكتاب

- ‌طريقتي في تحقيق هذا الكتاب

- ‌(1).النوع الأول: الصحيح

الفصل: ‌(1).النوع الأول: الصحيح

بسم الله الرحمن الرحيم (أ)

قال العلماء: الحديث ثلاثة أقسام، صحيح وحسن وضعيف ‌

(1).

النوع الأول: الصحيح

وفيه مسائل:

الأولى في حده: وهو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله ولم يكن شاذًا ولا معللًا (2).

(أ) البسملة ساقطة من (هـ).

(1)

هكذا قسمه الخطابي في معالمه وتبعه فيه ابن الصلاح. معالم السنن 1/ 11، مقدمة ابن الصلاح، ص 10؛ التقييد والإِيضاح، ص 19.

وهذا التقسيم بالنظر لما استقر اتفاقهم بعد الاختلاف عليه وإلا فمنهم - كما سيأتي في نوع الحسن - من يدرج الحسن في الصحيح لاشتراكهما في الاحتجاج، بل نقل ابن تيمية إجماعهم إلا الترمذي خاصة عليه. أو بالنظر لأنه لم يقع في مجموع كلامهم التقسيم لأكثر من ثلاثة. وخصت الثلاثة بالتقسيم لشمولها لما عداها. فتاوي ابن تيمية 18/ 23؛ فتح المغيث 1/ 16 - 17؛ تدريب الراوي 1/ 62.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 10؛ والتقييد والإِيضاح، ص 20؛ وفتح المغيث 1/ 17؛ وتدريب الراوي 1/ 63؛ واختصار علوم الحديث، ص 21؛ قواعد التحديث، ص 79؛ نزهة النظر، ص 29، ولفظه: بنقل عدل تام الضبط. اهـ. والمراد بقوله: ولم يكن معللًا. أي معللًا بعلة قادحة لأنه قال في تعريف المعلل: هو الحديث الذي اطلع الحافظ فيه على علة غامضة قادحة منه. وسيأتي الكلام على العلة في باب المعلّ.

ص: 110

وإذا (أ) قيل في حديث: إنه صحيح فمعناه ما ذكرنا. ولا يلزم أن يكون مقطوعًا به في نفس الأمر (1)، وكذا (ب) إذا قيل: أنه غير صحيح. فمعناه (ج) لم يصح إسناده على (د) الوجه المعتبر لا أنه كذب في نفس الأمر (2). وتتفاوت درجات الصحيح بحسب قوة شروطه (3).

المسألة الثانية: المختار أنه لا يجزم في إسناد بأنه أصح الأسانيد على الإِطلاق لعسر ذلك (4).

(أ) في (هـ): فإذا.

(ب) في (هـ) و (ص): وكذلك.

(ج) في (هـ): أنه لم يصح.

(د) في (ك): على هذا الوجه.

(1)

سأفصل القول في هذه المسألة في سابع المسائل على قوله: قال الشيخ: فما اتفقا عليه أو انفرد به أحدهما فجميعه مقطوع بصحته

إلخ، ص 132.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 11؛ وفتح المغيث 1/ 21؛ والتدريب 1/ 76؛ وتوضيح الأفكار 1/ 28.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 11؛ ونزهة النظر، ص 29؛ وفتح المغيث 1/ 22؛ توضيح الأفكار 1/ 29؛ وقواعد التحديث، ص 80.

(4)

اختلف العلماء في مسألة الجزم في إسناد بأنه أصح الأسانيد على ثلاثة أقوال. الأول: يجوز مطلقًا وإليه ذهب ابن معين وابن المديني، وإسحاق وأحمد والبخاري وغيرهم. وبه قال ابن حجر في النكت حيث قال: وليس الخوض فيه يمتنع لأن الرواة قد ضبطوا وعرفت أحوالهم وتفاريق مراتبهم فأمكن الاطلاع على الترجيح بينهم. وسبب الاختلاف في ذلك إنما هو من جهة أن كل من رجح إسنادًا كانت أوصاف رجال ذلك الإِسناد عنده أقوى من غيره بحسب اطلاعه، فاختلفت أقوالهم لاختلاف اجتهادهم.

قلت: وإليه يشير تعليل المصنف حيث قال: لعسر ذلك. ولم يقل: لاستحالته. والثاني: لا يجوز مطلقًا وبه قال ابن الصلاح وعلله السخاوي بقوله: لأن تفاوت مراتب الصحيح مترتب على تمكن الإسناد من شروط الصحة وبغير وجود أعلى =

ص: 111

وقال أحمد (1) بن حنبل وإسحاق بن راهوية: أصحها الزهري (2) عن سالم (أ)(3)

(أ) على هامش (ص): هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

= درجات القبول من الضبط والعدالة ونحوهما في كل فرد فرد من رواة الإِسناد من ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة الموجودين في عصره إذ لا يعلم أو يظن أن هذا الراوي حاز أعلى الصفات حتى يوازي بينه وبين كل فرد فرد من جميع من عاصره. اهـ.

قلت: وإليه ميل المصنف كما هو ظاهر من كلامه.

والثالث: قول الحاكم: ينبغي تخصيص القول في أصح الأسانيد بصحابي أو بلد مخصوص، بأن يقال: أصح إسناد فلان أو الفلانيين كذا ولا يعمم. وقال العلامة أحمد شاكر رحمه الله: وإليه انتهى التحقيق في أصح الأسانيد. معرفة علوم الحديث، ص 54؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 12؛ النكت 1/ 32؛ فتح المغيث 1/ 21، 22؛ التدريب 1/ 76 - 83؛ توضيح الأفكار 1/ 28؛ قواعد التحديث، ص 81؛ مسند أحمد بتعليق أحمد شاكر 1/ 138؛ الباعث الحثيث، ص 23؛ وشرح ألفية السيوطي، ص 6.

(1)

هو شيخ الإِسلام وسيد المسلمين في عصره الحافظ الحجة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي، ولد سنة أربع وستين ومائة. وقال أبو زرعة: كان أحمد يحفظ ألف ألف حديث، ذاكرته على الأبواب. توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 431؛ وتاريخ بغداد 4/ 442؛ ومناقب الإِمام أحمد.

(2)

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب القرشي الزهري أبو بكر الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه مات سنة خمس وعشرين ومائة. روى له الجماعة. التقريب 2/ 207؛ تذكرة الحفاظ 1/ 108.

(3)

هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي أبو عمر أو أبو عبد الله المدني أحد الفقهاء السبعة وكان ثبتًا عابدًا فاضلًا، كان يشبه بأبيه في الهدى والسمت، مات سنة ست ومائة على الصحيح. روى له الجماعة.

انظر: وفيات الأعيان 4/ 177؛ وتذكرة الحفاظ 1/ 88.

ص: 112

عن أبيه (أ)(1).

وقال علي (2) بن المديني وعمرو (3) بن علي الفلاس وغيرهما: أصحهما محمد (4) بن سيرين عن عبيده (ب)(5) عن علي (6) رضي الله عنه.

(أ) على هامش (ت): أي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(ب) على هامش (ت): هو السلماني.

(1)

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب المدني أبو عبد الرحمان العدوي الفقيه أحد الأعلام في العلم والعمل شهد الخندق وهو من أهل بيعة الرضوان وممن كان يصلح للخلافة ومناقبه جمة أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بالصلاح. الإِصابة 1/ 347؛ تذكرة الحفاظ 1/ 37.

(2)

هو حافظ العصر وقدوة أرباب هذا الشأن أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر السعدي مولاهم المديني ثم البصري صاحب التصانيف ولد سنة إحدى وستين ومائة، كان علمًا في الناس في معرفة الحديث والعلل. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 438؛ وتاريخ بغداد 11/ 458.

(3)

هو عمرو بن علي بن بحر بن كنيز بنون وزاي أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة حافظ، مات سنة تسع وأربعين ومائتين. روى له الجماعة. انظر: تاريخ بغداد 12/ 207؛ وتذكرة الحفاظ 2/ 487.

(4)

هو محمد بن سيرين الأنصاري، أبو بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة ثبت عابد كبير القدر، كان لا يرى الرواية بالمعنى. مات سنة عشر ومائة. روى له الجماعة.

انظر: وفيات الأعيان 4/ 181؛ تذكرة الحفاظ 1/ 77.

(5)

هو عبيدة بن عمرو السلماني بسكون اللام، ويقال: بفتحها المرادي أبو عمرو الكوفي، تابعي كبير مخضرم ثقة ثبت، كان شريح إذا أشكل عليه شيء سأله. مات سنة سبعين على الصحيح. روى له الجماعة.

انظر: تذكرة الطالب، ص 327؛ وتذكرة الحفاظ 1/ 50.

(6)

هو علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته من السابقين الأولين، المرجح أنه أول من أسلم وهو أحد =

ص: 113

وقال يحيى (1) بن معين: أصحها الأعمش (2) عن إبراهيم (3) النخعي عن علقمة (4)(ك) عن عبد الله بن مسعود.

وقال أبو بكر (5) بن أبي شيبة: أصحها الزهري عن علي بن (6)

= العشرة، مات في رمضان سنة أربعين وهو يومئذ أفضل الأحياء من بني آدم بإجماع أهل السنة.

انظر: مشاهير علماء الأمصار، ص 6؛ وتذكرة الحفاظ 1/ 10.

(1)

هو الإِمام الفرد سيد الحفاظ أبو زكريا يحيى بن معين المرّي مولاهم البغدادي. قال ابن المديني: لا نعلم أحدًا من لدن آدم عليه السلام كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. وقال أحمد: هو أعلمنا بالرجال، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 429.

(2)

هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي الأعمش، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس. مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة.

انظر: وفيات الأعيان 2/ 400؛ وتذكرة الحفاظ 1/ 154.

(3)

هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه، ثقة إلا أنه يرسل كثيرًا. مات سنة ست وتسعين وهو ابن خمسين أو نحوها، روى له الجماعة.

انظر: وفيات الأعيان 1/ 25؛ وتذكرة الحفاظ 1/ 73.

(4)

هو علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، ثقة ثبت، فقيه عابد. مات بعد الستين وقيل: بعد السبعين. روى له الجماعة.

انظر: البداية 8/ 217؛ تذكرة الحفاظ 1/ 48.

(5)

هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي الأصل أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي ثقة حافظ، صاحب تصانيف، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين روى له الجماعة إلا الترمذي. التقريب 1/ 445؛ تذكرة الحفاظ 2/ 432.

(6)

هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين، ثقة ثبت عابد، فقيه فاضل مشهور. قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشيًا أفضل منه. مات سنة ثلاث وتسعين وقيل: غير ذلك. روى له الجماعة.

انظر: وفيات الأعيان 3/ 266؛ تذكرة الحفاظ 1/ 74.

ص: 114

الحسين عن أبيه (1) عن علي.

وقال أبو عبد الله البخاري (2): أصحها مالك (3) عن نافع (4) عن ابن عمر.

قال الإِمام أبو منصور (5) عبد القاهر التميمي: فعلى هذا أصحها

(1) هو حسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته حفظ عنه واستشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله ست وخمسون سنة. الإِصابة 1/ 332؛ وتجريد أسماء الصحابة 1/ 131.

(2)

هو إمام الدينا وجبل الحفظ محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي، أبو عبد الله البخاري، صاحب أصح الكتب بعد كتاب الله. مات سنة ست وخمسين ومائتين وله إثنان وستون سنة.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 555؛ وتاريخ بغداد 2/ 4.

(3)

هو رأس المتقين الإِمام مالك بن أنس بن أبي، عامر الأصبحي وكنيته أبو عبد الله من سادات أتباع التابعين وجلة الفقهاء والصالحين، صاحب الموطأ. مات سنة تسع وسبعين ومائة.

انظر: مشاهير علماء الأمصار، ص 140؛ ووفيات الأعيان 4/ 135.

(4)

هو نافع أبو عبد الله العدوي المدني مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه مشهور. مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك. روى له الجماعة.

انظر: وفيات الأعيان 5/ 367؛ وتذكرة الحفاظ 1/ 99.

(5)

هو الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي التميمي، الفقيه الشافعي، أحد الأئمة في الأصول والفروع، وكان ماهرًا في فنون كثيرة من العلوم منها علم الحساب والفرائض، وصنف ودرس سبعة عشر علمًا. توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة. البداية 12/ 44؛ وفيات الأعيان 3/ 203.

قد اكتفى المصنف بذكر خمسة أسانيد فقط، وقد جمع أبو عبد الله الحاكم وابن حجر وأحمد شاكر رحمهم الله جميع الأسانيد نص العلماء على أصحيتها. فراجعها إن شئت في معرفة علوم الحديث، ص 53 - 56؛ النكت 1/ 36 - 51؛ الباعث الحثيث، ص 22، 24؛ وشرح ألفية السيوطي، ص 5 - 9.

ص: 115

الشافعي (1) عن مالك بن نافع عن ابن عمر. لإِجماع أهل الحديث على أن الشافعي (أ) أجل (2) أصحاب مالك رضي الله عنهم أجمعين.

الثالثة: أول من صنف الصحيح المجرد (3) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ثم أبو الحسين مسلم (4) بن الحجاج القشيري، وكتاباهما أصح الكتب بعد القرآن العزيز باتفاق العلماء.

وأما قول إمامنا أبي عبد الله الشافعي: ما أعلم في الأرض كتابًا في

(أ) على هامش ت: وأحمد بن حنبل أجل أصحاب الشافعي.

(1)

هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب المطلبي أبو عبد الله الشافعي المكي، نزيل مصر. رأس الطبقة التاسعة وهو المجدد لأمر الدين على رأس المائتين. مات سنة 204، وله أربع وخمسون سنة.

انظر: وفيات الأعيان 4/ 163؛ وتذكرة الحفاظ 1/ 361؛ والبداية 10/ 251.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 12؛ واختصار علوم الحديث، ص 23؛ والنكت 1/ 52؛ وفتح المغيث 1/ 22؛ والتدريب 1/ 78؛ وقواعد التحديث، ص 80.

(3)

قول المصنف: (الصحيح المجرد) قاله زيادة على ابن الصلاح احترازًا عما اعترض به عليه من: أن الموطأ صنف قبله في الصحيح. فإنه وإن كان قد ألف قبل صحيح البخاري لكنه لم يتمحض للصحيح المجرد. بل حواه مع غيره كالبلاغات والمراسيل والمقاطيع وأشباهها على سبيل الاحتجاج بها بخلاف ما يقع في صحيح البخاري. من ذلك: مقدمة الفتح، ص 10، فتح المغيث 1/ 27؛ التدريب 1/ 90.

(4)

هو الإِمام حجة الإِسلام عالم بالفقه، صاحب التصانيف والصحيح أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ولد سنة أربع ومائتين وتوفي سنة إحدى وستين ومائتين.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 588؛ ووفيات الأعيان 5/ 194.

ص: 116

العلم أكثر صوابًا من كتاب (1) مالك فقاله قبل وجود الكتابين (2).

ثم إن كتاب البخاري أصح (3) الكتابين صحيحًا وأكثرهما فوائد.

وقال أبو علي الحافظ النيسابوري (4) وبعض (5) شيوخ المغرب:

(1) هذه العبارة ذكرها ابن حجر في النكت فقال: ما بعد كتاب الله عز وجل أصح من كتاب مالك. ثم أسنده الحافظ إلى هارون بن سعيد الأيلي فقال: سمعت الشافعي يقول: ما بعد كتاب الله تعالى أنفع من موطأ مالك. النكت 1/ 69 - 71، وجاءت هذه العبارة في تذكرة الحفاظ ومقدمة الفتح. قال الشافعي: ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابًا من موطأ مالك. تذكرة الحفاظ 1/ 208؛ مقدمة الفتح، ص 10، وأنت تلاحظ الفرق بين هذه العبارات المتقدمة.

(2)

قال ابن حجر: وإطلاق الشافعي على الموطأ أفضلية الصحة كان بالنسبة إلى الجوامع الموجودة في زمنه كجامع سفيان الثوري ومصنف حماد بن سلمة وغير ذلك وهو تفضيل مسلم لا نزاع فيه إذ لم يصنف كتابا البخاري ومسلم إذ ذاك لأن البخاري كان عمره عند وفاة الشافعي عشر سنين. وهو لم يبدأ بالتصنيف بعد ومسلم كانت ولادته في نفس السنة التي توفي فيها الشافعي على الصحيح. مقدمة الفتح، ص 9.

(3)

انظر: مقدمة شرح صحيح مسلم للنووي، ص 14؛ ومقدمة الفتح، ص 10؛ والمنهل الروي (1/ أ) والمراد بأصحية كتابه على كتاب مسلم، أصحية ما أسنده في صحيحه دون التعاليق والتراجم وأقوال الصحابة والتابعين. فتح المغيث 1/ 27؛ التدريب 1/ 91؛ توضيح الأفكار 1/ 40.

(4)

هو الإِمام محدث الإِسلام الحسين بن علي بن يزيد بن داود النيسابوري أحد جهابذة الحديث. قال: أبو عبد الله الحاكم: هو واحد عصره في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف توفي سنة تسع وأربعين وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 902؛ البداية 11/ 236.

(5)

هو أبو محمد بن حزم كما حكى القاضي عياض في إكمال المعلم عن أبي مروان الطيني قال: كان بعض شيوخي يفضل صحيح مسلم عن صحيح البخاري.

قال ابن حجر: وعندي أن ابن حزم هذا هو شيخ أبي مروان الطيني الذي =

ص: 117

مسلم أصح والصواب الأول (1).

قلت (أ): واختص مسلم بفائدة: وهو أنه يجمع طرق الحديث في مكان واحد.

(أ) في هـ وص: قال المصنف.

= أبهمه القاضي عياض، كما في فهرسة أبي محمد القاسم بن القاسم التجيبي.

وقال مسلمة بن قاسم القرطبي في تاريخه: لم يصنع أحد مثل مسلم.

وقول أبي علي النيسابوري من المشارقة كما ذكره الذهبي: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم.

ولكن ليس في هذه الأقوال ما يقتضي التصريح بأن كتاب أصح من كتاب البخاري، بخلاف ما يقتضيه إطلاق المصنف هنا، لأن معنى كلام ابن حزم كما في فهرسة أبي محمد القاسم التجيبي: كان أبو محمد بن حزم يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري لأنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث السرد. اهـ.

ومعنى قول مسلمة بن قاسم: لم يصنع أحد

الخ. فهذا محمول على حسن الوضع وجودة الترتيب. ومقتضي كلام أبي علي نفي الأصحية من غير كتاب مسلم عليه، أما إثباتها له فلا لأن إطلاقه يحتمل أن يريد ذلك ويحتمل أن يريد المساواة. والله أعلم.

انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (1/ 3/ ب)؛ مقدمة الفتح 11 - 13؛ تذكرة الحفاظ 3/ 902؛ فتح المغيث 1/ 28؛ تدريب الراوي 1/ 4؛ توضيح الأفكار 1/ 45 - 48. وفيه: إن قول القائل: ما تحت أديم السماء أعلم من فلان. يفيد عرفًا أنه أعلم الناس مطلقًا وأنه لا يساويه أحد في ذلك.

وأما في اللغة فيحتمل توجه النفي إلى الزيادة، أعني زيادة إنسان عليه في العلم، لا نفي المساوي له فيه. والحقيقة العرفية مقدمة سيما في مقام المدح والمبالغة بقوله: تحت أديم السماء.

(1)

عزى ابن جماعة، هذا القول إلى الجمهور.

انظر: المنهل الروي (1/ أ).

ص: 118

ثم إنهما لم يستوعبا الصحيح ولا التزما (1) ذلك. بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه (2)(أ).

قال الحافظ أبو عبد الله ابن الأخرم (3): لا يفوتهما من الصحيح إلا قليل (4)

(أ) في ص: لم يستوعبا. بحذف الضمير.

(1)

خلافًا لما عليه الدارقطني والحاكم حيث صنفا الإِلزامات والتتبع والمستدرك على الصحيحين. وخلافًا لما قاله ابن حبان حيث قال: ينبغي أن يناقش البخاري ومسلم في تركهما إخراج أحاديث هي من شرطهما.

انظر: قول ابن حبان في مقدمة مستدرك الحاكم، ص 1 - 2. وفي فتح المغيث 1/ 31.

(2)

قال أبو أحمد بن عدي: سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول: سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح حتى لا يطول. اهـ.

وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه. مقدمة الفتح، ص 7؛ صحيح مسلم مع النووي 4/ 122؛ مقدمة شرح مسلم للنووي، ص 16؛ فتح المغيث 1/ 3؛ تدريب الراوي 1/ 98؛ توضيح الأفكار 1/ 50؛ المنهل الروي (1/ ب).

(3)

هو الإِمام الكبير الحافظ أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني النيسابوري ابن الأخرم، سمع خلائق لكنه ما رحل ولا سمع إلا بنيسابور قال الحاكم: كان صدر أهل الحديث ببلدنا بعد ابن الشرقي. مات سنة أربع وأربعين وثلاث مائة. تذكرة الحفاظ 3/ 864؛ شذرات الذهب 2/ 368.

(4)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 16؛ فتح المغيث 1/ 31؛ التدريب 1/ 99؛ توضيح الأفكار 1/ 54، وقال ابن حجر: والذي يظهر لي من كلامه - أعني ابن الأخرم - أنه غير مريد للكتابيين وإنما أراد مدح الرجلين بكثرة الاطلاع والمعرفة. أو نقول: سلمنا أن المراد الكتابان لكن المراد من قوله: (مما يثبت من الحديث) الثبوت على شرطهما مطلقًا.

انظر: النكت 1/ 87 - 88 بمعناه.

ص: 119

والصحيح قول غيره: أنه فاتهما كثير (1)، وتدل عليه المشاهدة.

قلت (ب): والصواب قول من قال: لا يخرج عن الكتب الخمسة التي هي أصول الإِسلام من الصحيح إلا اليسير (2)، وهي الصحيحان وسنن أبي (3) داود والترمذي (4) والنسائي (5)، والله (أ) أعلم.

الرابعة: جملة ما في صحيح البخاري سبعة آلاف حديث ومائتان

(أ) كلمة: قلت: ساقطة من هـ وص.

(ب) والله أعلم. ساقط من ت.

(1)

قاله ابن الصلاح، ص 16.

انظر أيضًا: فتح المغيث 1/ 32؛ التدريب 1/ 99؛ توضيح الأفكار 1/ 54.

(2)

قال ابن حجر: مراد النووي من أحاديث الأحكام خاصة، أما غير الأحكام فليس بقليل. النكت 1/ 88؛ توضيح الأفكار 1/ 55.

(3)

هو الإِمام الثبت سيد الحفاظ سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني، صاحب السنن، قال الصاغاني: لين لأبي داؤد الحديث كما لين لداود الحديد. ولد سنة إثنتين ومائتين وتوفي سنة خمس وسبعين ومائتين.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 591؛ ووفيات الأعيان 2/ 404.

(4)

هو الإِمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي، مصنف الجامع، لم يكن بعد البخاري بخراسان مثله في العلم والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمى وبقي ضريرًا سنتين. مات سنة تع وسبعين ومائتين.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 623؛ ووفيات الأعيان 4/ 278.

(5)

هو الحافظ الإِمام شيخ الإِسلام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني القاضي صاحب السنن، قال الدارقطني: النسائي مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. توفي سنة ثلاث وثلاثمائة.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 698؛ ووفيات الأعيان 1/ 77.

ص: 120

وخمسة وسبعون حديثًا بالأحاديث المكررة (1). وبإسقاط المكرر: أربعة آلاف

وصحيح مسلم أيضًا نحو أربعة آلاف بإسقاط (2) المكرر. والله أعلم.

(1) يخالف إطلاق ابن الصلاح هذا القول تقييده له في شرح البخاري له "بالمسندة" ولفظه: جملة ما في صحيح البخاري من الأحاديث المسندة بالمكرر. فذكر العدة سواء. فأخرج بقوله: المسندة. الأحاديث المعلقة وما أورده في التراجم والمتابعة وبيان الاختلاف بغير إسناد مؤصل. مقدمة الفتح، ص 465. واستدرك الحافظ على قائلي هذا القول بقوله: إن جميع أحاديث البخاري بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات على ما حررته وأتقنته سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثًا، فقد زاد على ما ذكره مائة حديث وإثنان وعشرون حديثًا، على أنني لا أدعي العصمة ولا السلامة من السهو. مقدمة الفتح، ص 468؛ فتح المغيث 1/ 34؛ التدريب 1/ 103؛ وتوضيح الأفكار 1/ 60، تعليق أحمد شاكر على اختصار علوم الحديث، ص 25. قلت: ويستدرك على الحافظ بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي لصحيح البخاري، فإن عدد أحاديث البخاري بلغ فيه إلى سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة وستون حديثًا.

انظر: صحيح البخاري المطبوع بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله.

(2)

كذا قاله ابن الصلاح في مقدمته وتبعه أكثر من اختصر كتابه منهم النووي رحمه الله في كتابه هذا وخالفهم ابن حجر رحمه الله وحمل قولهم على التقليد والاسترواح وأثبت أن جميع ما في صحيح البخاري من المتون الموصولة بلا تكرير على التحرير ألفا حديث وستمائة حديث وحديثان.

ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يوصلها في موضع آخر من الجامع مائة وتسعة وخمسون حديثًا، فجميع ذلك ألفا حديث وسبعمائة وأحد وستون حديثًا. مقدمة ابن الصلاح، ص 16؛ مقدمة الفتح، ص 477؛ فتح المغيث 1/ 34؛ التدريب 1/ 103؛ الباعث الحثيث، ص 25.

هذا ما يتعلق بصحيح البخاري، وأما ما يتعلق بصحيح مسلم فيخالف ما قاله ابن الصلاح وغيره ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي لصحيح مسلم، فإنه أثبت أن جميع ما فيه من المتون بلا تكرير ثلاثة آلاف وثلاثة وثلاثون حديثًا.

انظر: صحيح مسلم المطبوع بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله.

ص: 121

ثم إن الزيادة في الصحيح على ما فيهما يعرف من كتب (أ) السنن المعتمدة (1) كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وأبي بكر (2) بن خزيمة والدارقطني (3) والحاكم (4) أبي عبد الله وأبي (5) حاتم ابن حبان وأبي بكر (6) البيهقي وغيرهم منصوصًا على صحته فيها (ب).

(أ) في (ص): كتاب. وهو خطأ.

(ب) كلمة: فيها. ساقطة من (ص).

(1)

قاله ابن الصلاح بناء على اختياره الآتي ذكره: أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار لتعذر الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد. مقدمة ابن الصلاح، ص 23 وأشار إليه العراقي في التقييد والإِيضاح، ص 28.

(2)

هو الحافظ إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، ولد سنة 223، له مؤلفات منها كتاب التوحيد والصحيح توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 2/ 72؛ البداية 11/ 149.

(3)

هو الحافظ الإِمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني المتوفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة صاحب التصانيف منها السنن وهو المراد هنا. كان إمام زمانه مطلقًا. تذكرة الحفاظ 3/ 991؛ وتاريخ بغداد 12/ 34؛ اللباب 1/ 483.

(4)

هو الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه الضبعي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع، صاحب التصانيف، منها المستدرك على الصحيحين، عرف بهذا أكثر من سائر تصانيفه وهو المقصود هنا. توفي سنة خمس وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1039؛ تاريخ بغداد 5/ 473.

(5)

هو الحافظ الإِمام أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التيمي كان من فطاحل المحدثين، صاحب التصانيف منها الصحيح وهو المقصود هنا، مات سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 920؛ اللباب 1/ 15.

(6)

هو الإِمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسرو جردي البيهقي، صاحب التصانيف الممتعة منها السنن الكبرى، وهو المراد هنا. توفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ودفن ببيهق وهي ناحية من أعمال نيسابور على يومين منها، وخسرو جرد هي أم تلك الناحية. تذكرة الحفاظ 3/ 1132؛ اللباب 1/ 202.

ص: 122

ولا يكفي في صحته كونه موجودًا في شيء منها إلا في كتاب من شرط أنه لا يأتي إلا بالصحيح ككتاب ابن خزيمة والكتب المخرجة على الصحيحين ككتابي أبوي (أ) بكر الإِسماعيلي (1) والبرقاني (2) وكتاب أبي عوانة الاسفرائيني (3) وغيرها (4)(ب).

واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بضبط الزايد من الصحيح على ما في الصحيحين (ب) فجمعه في كتابه المستدرك ذكر ما ليس (5) في واحد من الصحيحين مما رآه على شرطهما أو شرط أحدهما، أو أدى اجتهاده إلى

(أ) في (هـ): أبي. وهو خطأ.

(ب) في (ك) و (هـ): وغيرهما. وهو خطأ.

(1)

هو الإِمام الحافظ الثبت شيخ الإِسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإِسماعيلي نسبة إلى جماعة اسمهم إسماعيل، الجرجاني كبير الشافعية بناحيته من تصانيفه المستخرج على صحيح البخاري وهو المقصود هنا. مات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 947؛ البداية 11/ 298؛ اللباب 1/ 58.

(2)

هو الإِمام الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني الشافعي شيخ بغداد صنف التصانيف وخرج على الصحيحين وهو المراد هنا، مات ببغداد سنة خمس وعشرين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1039؛ تاريخ بغداد 5/ 373؛ اللباب 1/ 140.

(3)

هو الإِمام الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفرائيني صاحب الصحيح المستخرج على صحيح مسلم وقد كان من الحفاظ المكثرين والأئمة المشهورين، توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 779؛ البداية 11/ 159؛ اللباب 1/ 55.

(4)

ما قاله المصنف غير مسلّم له. انظر للتفصيل لزامًا، ص 126؛ هامش رقم (3).

(5)

بل ذكر أحاديث توجد في الصحيحين أو أحدهما.

ص: 123

صحته، ومعنى كونه على شرطهما أنهما أخرجا لرواته في صحيحهما (1)، والحاكم رحمه الله متساهل (2) في التصحيح معروف عند أهل العلم بذلك، والمشاهدة تدل عليه، فينبغي أن يقال: ما صححه ولم نجد لغيره من المعتمدين فيه تصحيحًا ولا تضعيفًا حكمنا بأنه حسن (3) يحتج به إلا أن تظهر علة تضعفه. ويقاربه (4) في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان. والله أعلم.

(1) من حكم لشخص بمجرد رواية البخاري ومسلم عنه في صحيحهما بأنه من شرط الصحيحين فقد غفل وأخطأ، بل ذلك متوقف على النظر في كيفية روايتهما عنه وعلى أي وجه اعتمدا عليه، كما هو حالهما في روايتهما عن عكرمة وسماك وهشيم والزهري، فتنبه.

(2)

قد فصل الحافظ بن حجر والمعلمي القول في الحاكم ومستدركه فراجعه لزامًا فإنه مهم جدًا. النكت 1/ 103؛ التنكيل 1/ 457.

(3)

وعليه مشى بدر بن جماعة أيضًا في المنهل الروي (2/ ب)، لكن الموجود في مقدمة ابن الصلاح:(إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به. اهـ.). وظاهر كلام ابن الصلاح عدم الحصر في أحدهما وأنه جعل ما لم يكن مردودًا من أحاديثه دائرًا بين الصحة والحسن احتياطًا، وحينئذ فلم يتحكم بغير دليل. نعم جرسده باب التصحيح إلى عدم تمييز أحدهما من الآخر لاشتراكهما كما صرح به في الحجية. مقدمة ابن الصلاح، ص 18؛ فتح المغيث 1/ 36؛ وقال السيوطي: والعجب من المصنف كيف وافق ابن الصلاح هنا مع مخالفته له في المسألة المبني عليها. كما سيأتي. التدريب 1/ 107، قلت: أي ما يأتي في مسألة إمكان تصحيح الحديث وعدمه في هذه الأعصار، ص 134 - 135.

(4)

يقصد بأن ابن حبان يقارب الحاكم في التساهل فالحاكم أشد تساهلًا منه وليس المقصود به ترجيح كتاب المستدرك على صحيح ابن حبان كما فهم البلقيني واعترض به على ابن الصلاح. قال الحازمي: ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم. التقييد والإِيضاح، ص 30؛ ومحاسن الاصطلاح، ص 94؛ فتح المغيث 1/ 37؛ التدريب 1/ 108؛ شروط الأئمة الخمسة، ص 37.

ص: 124

الخامسة: الكتب المخرجة على الصحيحين (1) لم يلتزم فيها موافقتهما (أ) في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى. وكذا ما رواه البيهقي في السنن والبغوي (2) في شرح السنة وغيرهما وقالوا فيه: رواه البخاري ومسلم أو أحدهما وقع فيه أيضًا تفاوت في اللفظ وفي بعضه في المعنى، فمرادهم أن البخاري ومسلمًا أخرجا أصله. فليس لأحد أن ينقل منها حديثًا ويقول: هو هكذا (ب) في الصحيحين إلا أن يقابله بالصحيحين أو يكون صاحب الكتاب قال: أخرجاه بلفظه (3).

وهذا بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين، فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين، لكن الجمع بين الصحيحين للحميدي (4) يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث وهي صحيحة

(أ) في (ك) و (هـ) و (ت): موافقتها. بصيغة الواحد والتصحيح من (ص).

(ب) في (ص) و (هـ): هو كذا.

(1)

أشار إلى الكتب المخرجة على الصحيحين لأن الكلام متصل بهما وإلا فقد خرج الأئمة على غيرهما أيضًا. فح المغيث 1/ 39؛ التدريب 1/ 116؛ توضيح الأفكار 1/ 69.

(2)

هو الإِمام الحافظ أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء الشافعي صاحب "معالم التنزيل" و"شرح السنة" و"التهذيب" و"المصابيح" وغير ذلك، توفي بمدينة مرو الروذ سنة ست عشرة وخمسمائة. تذكرة الحفاظ 4/ 1257؛ البداية 12/ 193.

(3)

فتح المغيث 1/ 40؛ التدريب 1/ 113؛ توضيح الأفكار 1/ 71.

(4)

هو الإِمام الثبت الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن حميد الحميدي الأزدي الأندلسي الميورقي الظاهري، كان مكثرًا أديبًا ماهرًا عفيفًا نزهًا، مات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 4/ 1218؛ البداية 12/ 152، اللباب 1/ 392.

ص: 125

فربما غفل من لا يميز فنقل بعض تلك الزيادة عن الصحيحين فيغلط في إضافته إليهما (1).

وللكتب المخرجة على الصحيحين فايدتان (2).

علو الإِسناد والزيادة في قدر الصحيح، فإنّ تلك الزيادات (أ) صحيحة (3) لإِخراجها بإسناد الصحيح (والله أعلم)(ب).

قلت: وفائدة ثالثة وهي زيادة قوة الحديث بكثرة الطرق. والله أعلم.

السادسة: ما روياه (ج) في الصحيحين بالإِسناد المتصل فهو المحكوم

(أ) في (هـ): الزيادة بصيغة الواحد.

(ب) ما بين المعقوفين زيادة من (هـ) و (ص). وهي ساقطة من (ك) و (ت).

(ج) كذا في (ت) و (ص) وفي (ك): رواه. وفي (هـ): رويناه.

(1)

فتح المغيث 1/ 41؛ التدريب 1/ 113؛ توضيح الأفكار 1/ 76؛ والنكت 1/ 92، وقد أطنب الحافظ في الكلام على الجمع بين الصحيحين للحميدي، فأجاد وأفاد. فراجعه لزامًا وكل من تكلم عن الجمع بعده فهو عيال عليه.

(2)

لو قال ابن الصلاح: إن هاتين من فوائد المستخرجات. كان أحسن. فإن فيها غير هاتين الفائدتين. كما ذكر المصنف نفسه هنا وفي مقدمة شرح مسلم فائدة ثالثة. وأشار إليها العراقي وأوصل الحافظ بن حجر هذه الفوائد إلى عشرة ونقلها عنه الصنعاني كلها والسيوطي أكثرها وزاد عليها السخاوي في نكته فأوصلها إلى نحو العشرين. التقييد والإِيضاح، ص 32؛ النكت 1/ 111؛ توضيح الأفكار 1/ 71؛ التدريب 1/ 115؛ فتح المغيث 1/ 41.

(3)

يجب أن يقيد هذا الكلام بشرط ثبوت الصفات المشترطة في الصحة للرواة الذين بين المخرج والرواق الذي اجتمعا فيه. وبه يستقيم الكلام لأن المستخرج لم يلتزم الصحة في ذلك وإنما جُلّ قصده العلو كما يظهر من مستخرج الإِسماعيلي وغيره. فتح المغيث 1/ 40؛ التدريب 1/ 15.

ص: 126

بصحته بلا شك (1) وهو مراد البخاري بقوله: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح (2). ومراد العلماء بقولهم: جميع ما فيهما صحيح.

وأما ما حذف من (أ) مبتدأ إسناده (3) واحد فأكثر فهذا وقع كثير (4) منه في تراجم أبواب البخاري ووقع في مسلم منه قليل (5) جدًا، منه قوله في التيمم (6).

(أ) كلمة: من. ساقطة من (ص).

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 20؛ التدريب 1/ 117.

(2)

ذكر ابن حجر هذا القول مسندًا في المقدمة، ص 7.

(3)

وهو المعلق لأن الحذف وقع في أول الإِسناد. مقدمة الفتح، ص 17؛ فتح المغيث 1/ 54؛ تدريب الراوي 1/ 117؛ توضيح الأفكار 1/ 134.

(4)

جملة ما في صحيح البخاري من التعاليق واحد وأربعون وثلاثمائة وألف حديث، وأكثرها مكرر مخرج في الكتاب أصول متونه وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب ولو من طريق أخرى إلا مائة وستون حديثًا. ولكن وصلها ابن حجر في تأليف لطيف سماه التوفيق، وقد جمعها كلها في كتاب مستقل وتكلم فيه بشكل مفصل على كل حديث وسماه "تغليق التعليق" توجد له نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإِسلامية برقم 1103. مقدمة الفتح، ص 469؛ التدريب 1/ 117.

(5)

قال النووي: الصحيح أن التعاليق الواردة في صحيح مسلم عددها اثنا عشر. اهـ. وكل حديث منها رواه متصلًا ثم عقبه بقوله: ورواه فلان. غير حديث أبي الجهيم فإنه لم يصله. يعني ليس في صحيح مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يصله إلا حديث أبي الجهيم. مقدمة شرح مسلم، ص 18؛ التقييد والإِيضاح، ص 33؛ فتح المغيث 1/ 52؛ التدريب 1/ 117؛ توضيح الأفكار 1/ 137.

(6)

صحيح مسلم مع النووي، كتاب الحيض، باب التيمم 4/ 63.

ص: 127

: وروى الليث بن سعد (1).

قال الشيخ: ينبغي أن نقول ما كان من هذا بصيغة الجزم، فهو حكم منه بصحته عن المضاف إليه (2). مثاله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا قال ابن عباس كذا، قال مجاهد (3) كذا، قال عفان (4) كذا، أو روى فلان كذا أو فعل كذا، وما أشبهه. فلن يستجيز إطلاق هذه العبارة إلا في صحيح. وأما ما لا جزم فيه، كروى (5) عن النبي صلى الله

(1) هو الإِمام المشهور الحجة الليث بن سعد بن عبد الرحمان الفهمي أبو الحارث فقيه مصر، توفي سنة خمس وسبعين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 224؛ البداية 10/ 166.

(2)

أي إلى من علق عنه لأنه لا يجوز الجزم بذلك إلا فيما صح اتفاقًا من محققي المحدثين، مع عدم التزام كونه على شرطهما. لكن يبقى النظر فيمن أبرز من رجال ذلك الحديث فمنه ما يلتحق بشرطهما ومنه ما لا يلتحق والذي لا يلتحق بشرطهما فقد يكون صحيحًا على شرط غيرهما، وقد يكون حسنًا على شرط غيرهما، وقد يكون حسنًا صالحًا للحجة، وقد يكون ضعيفًا من جهة انقطاع يسير في إسناده لا من جهة قدح في رجاله. مقدمة الفتح، ص 17؛ مقدمة شرح مسلم، ص 19؛ المنهل الروي، ص 52؛ التبصرة والتذكرة 1/ 73؛ فتح المغيث 1/ 53؛ التدريب 1/ 117.

(3)

هو الإِمام مجاهد بن جبر أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي المقرئ المفسر الحافظ كان أحد أوعية العلم. توفي سنة ثلاث ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 92؛ البداية 9/ 224.

(4)

أبو عثمان الأنصاري مولاهم عفان بن مسلم البصري الصفار محدث بغداد ولد بعد الثلاثين ومائة. قال يحيى بن معين: أصحاب الحديث خمسة: مالك وابن جريج والثوري وشعبة وعفان. توفي سنة عشرين ومائتين. تذكرة الحفاظ 1/ 379؛ شذرات الذهب 2/ 47.

(5)

أي بصيغة البناء للمجهول.

ص: 128

عليه وسلم كذا أو ذكر عنه أو يذكر أو يقال، أو يروى عن أبي هريرة (1)، أو عن سعيد (2) بن المسيب، أو ابن المبارك (3) أو يذكر عنه، أو يحكى عنه، وما أشبهه، فهذا كله ليس فيه حكم بصحته (4) عن المضاف إليه ومع هذا فإيراده في أثناء الصحيح يشعر بصحة أصله (5) إيناسًا يركن إليه والله أعلم.

(1) هو الإِمام الحافظ الفقيه أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الرحمان بن صخر على الأشهر وكان اسمه في الجاهلية عبد شمس كان من أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع، روى عنه ثمانمائة نفس أو أكثر. توفي سنة ثمان وخمسين. الإِصابة 4/ 202؛ تذكرة الحفاظ 1/ 32.

(2)

هو الإِمام شيخ الإِسلام فقيه المدينة أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي أجل التابعين ولد لسنتين مضتا من خلافته عمرو سمع منه شيئًا وهو يخطب كان واسع العلم فقيه النفس وافر الحرمة متين الديانة قوّالًا بالحق، توفي سنة أربع وتسعين على الصحيح. تذكرة الحفاظ 1/ 54؛ شذرات الذهب 1/ 102.

(3)

هو الإِمام الحافظ العلامة شيخ الإِسلام فخر المجاهدين قدوة الزاهدين أبو عبد الرحمان عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم المروزي دون العلم في الأبواب والفقه وفي الغزو والزهد والرقائق وغير ذلك، مات سنة إحدى وثمانين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 274؛ شذرات الذهب 1/ 295.

(4)

قال ابن الصلاح إشارة إلى أن صيغة التمريض تستعمل في الصحيح كما تستعمل في الضعيف. وبه يبطل قول من اعترض على ابن الصلاح: بأنه حصر صيغة التمريض في الضعيف، كما ذكره العراقي. ولذا قال ابن حجر: صيغة التمريض لا تستفاد منها الصحة إلى من علق عنه لكن فيه ما هو صحيح وفيه ما ليس بصحيح.

التقييد والإِيضاح، ص 35؛ مقدمة الفتح، ص 18؛ مقدمة شرح مسلم، ص 19؛ المنهل الروي، ص 52؛ اختصار علوم الحديث، ص 34؛ فتح المغيث 1/ 53؛ التدريب 1/ 120؛ توضيح الأفكار 1/ 139.

(5)

المنهل الروي، ص 52؛ التبصرة والتذكرة 1/ 73؛ فتح المغيث 1/ 53؛ التدريب 1/ 121؛ توضيح الأفكار 1/ 140. =

ص: 129

السابعة: الصحيح أقسام: أعلاها ما رواه البخاري ومسلم (1)، الثاني ما انفرد (أ) به البخاري (2) عن مسلم. الثالث: عكسه. الرابع: صحيح على شرطهما (3) لم يخرجاه. الخامس: صحيح على شرط البخاري. السادس: صحيح على شرط مسلم. السابع: صحيح عند غيرهما ليس على شرط واحد منهما (4).

وإذا قالوا في حديث: هذا صحيح متفق عليه أو على صحته. فمرادهم اتفق البخاري ومسلم على روايته (ب)، لا يعنون اتفاق الأمة.

قال الشيخ رحمه الله لكن اتفاق الأمة حاصل من ذلك لأنها

(أ) كذا في (ك) و (ت). وفي (ص) و (هـ): تفرد.

(ب) كذا في (ك) و (ت) وفي (هـ) و (ص): إخراجه.

= وحمل ابن الصلاح قول البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح.

وقول الأئمة في الحكم بصحته. على أن المراد مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب. دون التراجم ونحوها. مقدمة ابن الصلاح، ص 22.

(1)

أي بإسناده ومتنه معًا. كذا عند جمهور المحدثين. توضيح الأفكار 1/ 87، لا يقال: أصحها ما رواه الكتب الستة، لأن من لم يشترط في كتابه الصحة لا يزيد تخريجه للحديث قوة. نعم ما اتفق الستة على توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه وإن اتفق عليه الشيخان. التقييد والإِيضاح، ص 41.

(2)

قال السخاوي: لأن شرطه أضيق. وقال السيوطي: وجه تأخره عما اتفقا عليه، اختلاف العلماء أيهما أرجح. فتح المغيث 1/ 43؛ التدريب 1/ 122.

(3)

يراد به رواتهما مع باقي شروط الصحيح. نزهة النظر، ص 31. وتأخر عما أخرجه أحدهما لتلقي الأمة بالقبول لكل من الصحيحين.

فتح المغيث 1/ 43؛ التدريب 1/ 123.

(4)

هذا التفاوت هو الأصل، أما لو رجح قسم على ما فوقه بأمور أخرى تقتضي الترجيح فإنه يقدم على ما فوقه إذ قد يعرض للموفق ما يجعله فائقًا. نزهة النظر، ص 33؛ فتح المغيث 1/ 43.

ص: 130

اتفقت على تلقي ما روياه أو أحدهما بالقبول، سوى أحرف يسيرة تكلم (1) عليها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره (2) وهي معروفة.

قلت: وقد أجاب عن تلك (3) الأحرف آخرون.

(1) وكذا ما لم يقع التجاذب بين مدلولي الحديث مما وقع في صحيحي البخاري ومسلم حيث لا ترجيح، لأنه يستحيل أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر. وهو احتراز حسن. مقدمة الفتح، ص 341؛ نزهة النظر، ص 26؛ التدريب 1/ 133.

(2)

وكأبي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني الجياني في كتابه تقييد المهمل في جزء العلل منه.

انظر: تقييد المهمل من الجزء السابع (114/ ب) إلى نهاية الجزء العاشر (/ 190)؛ وكتاب الدارقطني معروف بالإِلزامات والتتبع وهو مطبوع. والأحاديث التي انتقدت على البخاري ومسلم بلغت مائتي حديث وعشرة أحاديث، انفرد البخاري منها بتخريج ثمانية وسبعين حديثًا. وانفرد مسلم منها بتخريج مائة حديث. والذي اشتركا في تخريجه هو إثنان وثلاثون حديثًا. مقدمة الفتح، ص 12 و 346، قلت: وقد أجاب ابن حجر عن هذه الاستدراكات كلها حديثًا حديثًا في مقدمة الفتح، ص 348؛ والنووي في شرح مسلم في مواضعها.

(3)

هذا القول موافق لما قاله المصنف في شرح البخاري حيث قال: قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها، وذلك الطعن بني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدًا مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك. انتهى كلامه كما نقله الحافظ في المقدمة، ص 346.

وقال في مقدمة شرح مسلم: وقد أجيب عن كل ذلك أو أكثره، ص 27. قال ابن حجر: سيظهر من سياقها والبحث فيها على التفصيل أنها ليست كلها كما قال النووي في شرح البخاري. بل قوله في شرح مسلم: وقد أجيب عن كل ذلك أو أكثره.

هو الصواب، فإن منها ما الجواب عنه غير منتهض. مقدمة الفتح، ص 346.

ص: 131

قال الشيخ: فما اتفقا (1) عليه أو انفرد به أحدهما فجميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني (2) حاصل به، لأن الأمة أجمعت (أ) عليه وهي

(أ) كذا في جميع النسخ وفي (ك): اجتمعت.

(1)

أي البخاري ومسلم.

(2)

اختلفوا في الحديث الصحيح: هل يوجب العلم اليقيني أو الظن؟ وهي مسألة دقيقة تحتاج إلى تحقيق، وقد تكلم أحمد شاكر رحمه الله على هذه المسألة في الباعث الحثيث. كلامًا جيدًا مفيدًا فأنقله هنا برمته:

فأما الحديث المتواتر لفظًا أو معنى فإنه قطعي الثبوت، لا خلاف في هذا بين أهل العلم.

وأما غيره من الصحيح، فذهب بعضهم إلى أنه لا يفيد القطع، بل هو ظني الثبوت، وهو الذي رجحه النووي في التقريب. وذهب غيرهم إلى أنه يفيد العلم اليقيني. وهو مذهب داود الظاهري، والحسين بن علي الكرابيسي والحارث بن أسد المحاسبي وحكاه ابن خويز منداد عن مالك. وهو الذي اختاره، وذهب إليه ابن حزم، قال في الأحكام: أن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معًا. ثم أطال في الاحتجاج له والرد على مخالفيه في بحث نفيس (ج 1 ص 119، 137).

واختار ابن الصلاح: أن ما أخرجه الشيخان في صحيحهما أو رواه أحدهما: مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به. واستثنى من ذلك أحاديث قليلة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره وهي معروفة عند أهل هذا الشأن.

هكذا قال في كتابه "علوم الحديث" ونقل مثله العراقي في شرحه على ابن الصلاح عن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي وأبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف، ونقله البلقيني عن أبي إسحاق وأبي حامد الإِسفرائينيين، والقاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق الشيرازي من الشافعية وعن السرخسي من الحنفية، وعن القاضي عبد الوهاب من المالكية، وعن أبي يعلي وأبي الخطاب وابن الزاغوني من الحنابلة، وعن أكثر أهل العلم من الأشعرية، وعن أهل الحديث قاطبة، وهو الذي اختاره الحافظ ابن حجر وابن كثير. =

ص: 132

معصومة في إجماعها من الخطأ خلافًا لمن قال: لا يفيد إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليها العمل بالظن (1).

وهذا الذي اختاره الشيخ خلاف الذي اختاره المحققون (2)

= والحق الذي ترجحه الأدلة الصحيحة ما ذهب إليه ابن حزم ومن قال بقوله من أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي، سواء كان في أحد الصحيحين أم في غيرهما. وهذا العلم اليقيني علم نظري برهاني، لا يحصل إلا للعالم المتبحر في الحديث العارف بأحوال الرواة والعلل. وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البلقيني ممن سبق ذكرهم وأنهم لم يريدوا بقولهم ما أراد ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين بذلك.

وهذا العلم اليقيني النظري يبدو ظاهرًا لكل من تبحر في علم من العلوم وتيقنت نفسه بنظرياته، واطمأن قلبه إليها. وإنما الهدى هدى الله.

قلت: وبه قال ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، وقد فصل الشيخ ناصر الدين الألباني هذا القول في كتيب له المسمى (وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين) فراجعه.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 24؛ فتاوى ابن تيمية 18/ 48؛ مختصر الصواعق المرسلة 2/ 470، 473، 475، 476، 480، 487، 496، 504.

اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث، ص 35؛ شروط الأئمة الستة، ص 13؛ النكت 1/ 165، وقال: لو اقتصر ابن الصلاح على قوله: العلم النظري لكان أليق منه، ص 174؛ التدريب 1/ 132؛ إرشاد الفحول، ص 50؛ قواعد التحديث، ص 85.

(1)

قال ابن حجر: وما قيل من أنهم إنما اتفقوا على وجوب العمل به لا على صحته ممنوع، لأنهم اتفقوا على وجوب العمل بكل ما صح ولو لم يخرجه الشيخان، فلم تكن للصحيحين في هذا مزية، والإِجماع حاصل على أن لهما مزية فيما يرجع إلى نفس الصحة. نزهة النظر، ص 27؛ النكت 1/ 166؛ التدريب 1/ 133.

(2)

قلت: هذا الذي حكاه النووي عن المحققين ليس بمتجه كما تقدم قريبًا أما عن الأكثرين فنعم. وقال ابن حجر: وخالف ابن الصلاح في ذلك من ظن أن =

ص: 133

والأكثرون والله أعلم.

الثامنة: قال الشيخ رحمه الله: إذا وجدنا فيما يروي من الأجزاء (1) وغيرها حديثًا صحيح الإِسناد ولم نجد لأحد من الأئمة المعتمدين نصًا على صحته فلا نحكم بصحته (2).

فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الإِسناد. فآل (أ): الأمر في معرفة الصحيح والحسن إلى ما نص على صحته (ب) أئمة الحديث في تصانيفهم المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها التغيير (3).

(أ) في (ص): فإن. بدل فآل.

(ب) كذا في جميع النسخ وفي (هـ): نص عليه.

= الجمهور على خلاف قوله لكونه لم يقف إلا على تصانيف من خالف في ذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي وابن عقيل وغيرهم. النكت 1/ 168، 171؛ التدريب 1/ 133.

(1)

قال الدهلوي: الجزء في اصطلاح المحدثين تأليف الأحاديث المروية عن رجل واحد من الصحابة التابعين وغيرهم، كجزء حديث أبي بكر رضي الله عنه وجزء حديث مالك وقس عليها. أو عن موضوع واحد على سبيل البسط والاستقصاء، مثل جزء رفع اليدين في الصلاة للبخاري وجزء القراءة خلف الإِمام، له أيضًا. العجالة النافعة، ص 48، وهامش التدريب 1/ 142.

(2)

بل ولا بحسنه أيضًا كما يدل عليه قول ابن الصلاح: فآل الأمر إذًا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم. اهـ. مقدمة ابن الصلاح، ص 13.

(3)

اقتصر ابن الصلاح في التصحيح والتحسين على ما نص عليه الأئمة في تصانيفهم المعتمدة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف محتجًا بأنه ما من إسناد إلا وفي روايته من اعتمد على ما في كتابه عريًا عن الضبط والاتقان. انتهى ملخصًا من مقدمة ابن الصلاح، ص 13. =

ص: 134

وهذا الذي قاله الشيخ رحمه الله: فيه احتمال ظاهر، وينبغي أن يجوز التصحيح لمن تمكن في معرفة ذلك ولا فرق في إدراك ذلك بين أهل الأعصار بل معرفته في هذه الأعصار أمكن لتيسر طرقه (1). والله أعلم.

التاسعة: من أراد العمل أو الاحتجاج بحديث من كتاب فطريقه أن يأخذه (أ) من نسخة معتمدة قد قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة متعددة

(أ) كلمة: 5. ساقطة من (ك).

= قال السخاوي: لعل ابن الصلاح اختار حسم المادة لئلا يتطرق إليه بعض المتشبهين ممن يزاحم في الوثوب على الكتب التي لا يهتدي للكشف منها والوظائف التي لا تبرأ ذمته بمباشرتها، فتح المغيث 1/ 44 قلت: قد يقبل ما قاله لكنه لا ينهض دليلًا على التعذر.

وقيل: إن الحامل، لابن الصلاح على ذلك، أن المستدرك للحاكم كتاب كبير جدًا يصفو له منه صحيح كثير، وهو مع حرصه على جمع الصحيح غزير الحفظ كثير الاطلاع واسع الرواية، فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرائط الصحة ولم يخرجه. وإليه أشار ابن جماعة بقوله: أنه لو صح لما أهمله أئمة الأعصار المتقدمة لشدة فحصهم واجتهادهم.

التدريب 1/ 147؛ المنهل الروي، ص 51.

قلت: وهذا أيضًا لا ينهض دليلًا على التعذر.

(1)

خالف ابن الصلاح في هذه المسألة كل من جاء بعده، وقالوا: يجوز التصحيح للمتبحر في هذا الشأن بطرقه التي تظهر له.

وقال العراقي: ما رجحه النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث. اهـ. التقييد والإِيضاح، ص 23؛ التبصرة والتذكرة 1/ 67؛ المنهل الروي، ص 51؛ فتح المغيث 1/ 44؛ التدريب 1/ 143؛ اختصار الحديث، ص 28؛ محاسن الاصطلاح، ص 89.

وقد رد الحافظ على ابن الصلاح في هذا الرأي من خمسة أوجه فراجعه لزامًا فإنه كلام علمي لم يسبق إليه. النكت 1/ 56؛ توضيح الأفكار 1/ 117.

ص: 135

مروية بروايات متنوعة ليحصل له مع اشتهار هذه الكتب الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول كذا قال (أ) الشيخ رحمه الله هنا (1)، وهذا محمول على الاستحباب ولا يشترط (2) تعداد النسخ وتنوع الروايات، فإن الأصل الصحيح تحصله به الثقة (3) وسيأتي هذا مبسوطًا في آخر النوع الرابع والعشرين (4). إن شاء تعالى. والله أعلم (ب).

(أ) كذا في جميع النسخ وفي (ت): قاله.

(ب) والله أعلم، موجودة في (ك) و (ت) وساقطة من (ص) و (هـ).

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 25.

(2)

استدل العراقي لرأي النووي هذا بقول ابن الصلاح في نوع الحسن عند الكلام عن سنن الترمذي أن نسخه تختلف في قوله: حسن أو حسن صحيح ونحو ذلك. قال: فينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه. قال العراقي: فقوله: ينبغي. هنا يعطي عدم اشتراط. وقال ابن حجر: ليس بين كلاميه مناقضة، لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضًا، ومثل الصنعاني له بحديث: إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد.

قلت: وكلام العراقي في شرح الألفية يؤمي إلى ضعف ما قاله هنا، ولهذا قال السخاوي وزكريا الأنصاري: قد يفرق بين المقامين بمزيد الاحتياط للعمل والاحتجاج دون الرواية. التقييد والإِيضاح، ص 43؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 32؛ النكت 1/ 179؛ وتوضيح الأفكار 1/ 152؛ التبصير والتذكرة 1/ 28؛ فتح المغيث 1/ 59؛ فتح الباقي 1/ 82.

(3)

المنهل الروي، ص 53؛ فتح المغيث 1/ 59؛ التدريب 1/ 150؛ توضيح الأفكار 1/ 151.

(4)

ص 421.

ص: 136

النوع الثاني:

الحسن وفيه مسائل:

الأولى في حده، قال أبو سليمان الخطابي (1) رحمه الله: الحديث عند أهله ثلاثة أقسام. صحيح وحسن وضعيف فالحسن ما عرف مخرجه (أ) واشتهر رجاله وعليه مدار أكثر الحديث (2) وهو الذي يقبله أكثر العلماء وتستعمله (ب) عامة الفقهاء (3) هذا كلام الخطابي.

(أ) على هامش (ك) و (ص): قوله: عرف مخرجه: احتراز من المرسل والمنقطع. حاشية.

(ب) كذا في جميع النسخ. وفي (هـ): واستعمله.

(1)

هو الإِمام العلامة المحدث الرحال حمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي صاحب التصانيف، قال اسمي الذي سميت به "حمد" ولكن الناس كتبوه "أحمد" فتركته عليه. توفي سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1018؛ البداية 11/ 324.

(2)

لأن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح، فتح المغيث 1/ 78؛ التدريب 1/ 154، قال ابن جماعة: فالمدلس إذا لم يبين والمنقطع ونحوه مما لم يعرف مخرجه. المنهل الروي، ص 53.

(3)

معالم السنن للخطابي 1/ 11.

قال ابن جماعة: في هذا التعريف نظر، لأن الصحيح أو أكثره كذلك فيدخل الصحيح في حد الحسن وكذلك يرد على هذا التعريف ضعيف عرف مخرجه واشتهر رجاله. المنهل الروي، ص 53 - 54. الخلاصة، ص 39؛ الاقتراح، ص 163.

قلت: يتوجه هذا الاعتراض على الخطابي أن لو كان عرف الحسن فقط أما وقد =

ص: 137

وقال أبو عيسى الترمذي: إنه يريد بالحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم، ولا يكون حديثًا شاذًا، ويروي من غير وجه نحوه (1).

= عرف الصحيح أولًا ثم عرف الحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله: عرف مخرجه واشتهر رجاله، ما لم يبلغ درجة الصحيح، ويتعين حمل الاشتهار فيه على المتوسط وأن إطلاق الشهرة في عرفهم دل على خلاف ما فهم من الضعيف. الاقتراح، ص 165؛ الخلاصة، ص 40؛ فتح المغيث 1/ 63؛ توضيح الأفكار 1/ 155.

(1)

سنن الترمذي 5/ 51؛ شرح علل الترمذي 1/ 340.

أورد ابن جماعة على هذا التعريف من ناحيتين:

أولًا: يدخل في هذا التعريف الصحيح لأن حاله كذلك.

ثانيًا: يخرج من هذا الحد، الفرد من الحسن فإنه لم يرو من وجه آخر المنهل الروي، ص 53، ويجاب عن الأول: أن الترمذي ميز بين الحسن والصحيح، حيث شرط في رجال الحسن أن يكونوا غير متهمين بالكذب وهو دليل على كونهم نازلين عن رجال الصحيح، لأن الثقة الحافظ لا يوصف عادة في عرف المحدثين بأنه غير متهم بالكذب فقط، بل يوصف بالعدالة والضبط، وقول الترمذي: ويروى من غير وجه، قرينة قوية على مراده في صفات رجال الحسن، وإلا لو حملنا صفة رجاله على صفة رجال الصحيح للزم من زيادة هذا القيد أن يكون الحسن أقوى من الصحيح والمعلوم خلافه، لأنه لم يشترط في الصحيح مجيئه من غير وجه. توضيح الأفكار 1/ 160؛ شرح الترمذي لابن سيد الناس (5/ أ)؛ التدريب 1/ 155؛ حاشية نور الدين عثر على مقدمة ابن الصلاح، ص 27.

ويجاب عن الثاني: أن الترمذي لم يعرف الحسن مطلقًا وإنما عرف بنوع خاص منه وقع في كتابه. وهو ما يقول فيه: حسن من غير صفة أخرى، وذلك أنه يقول في بعض الأحاديث، حسن، وفي بعضها: صحيح، وفي بعضها: غريب، وفي بعضها: حسن صحيح، وفي بعضها: حسن غريب، وفي بعضها: صحيح غريب، وفي بعضها: حسن صحيح غريب، وتعريفه إنما وقع على الأول فقط. وعبارته ترشد إلى ذلك حيث قال في آخر كتابه: وما قلنا في كتابنا: حديث حسن فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا. إذ كل حديث يروى لا يكون راويه متهمًا بكذب، ويروى من غير وجه نحو ذلك، ولا يكون شاذًا، فهو عندنا "حديث حسن". =

ص: 138

وقال بعض (1) المتأخرين: الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحسن ويصلح للعمل به.

قال الشيخ (2) رحمه الله: وكل هذا مستبهم. وقد اتضح لي من كلام الأئمة: أن الحسن قسمان.

= وقال محمد إبراهيم الوزير: وغرض الترمذي إفهام مراده لا التحديد المنطقي فلا اعتراض عليه بمناقشات أهل الحدود. نزهة النظر، ص 33؛ شرح الترمذي لابن سيد الناس (5/ أ). تدريب الراوي 1/ 155؛ فتح المغيث 1/ 66؛ توضيح الأفكار 1/ 161؛ حاشية نور الدين عتر على المقدمة، ص 27؛ النكت 1/ 182.

(1)

أراد به ابن الجوزي، انظر: الموضوعات له 1/ 35.

أورد ابن جماعة على هذا الحد أيضًا من وجهين:

أولًا: قال: هذا الحد يتوقف على معرفة الضعف القريب المحتمل وهو أمر مجهول.

ثانيًا: قال: هذا الحد يستلزم الدور، لأنه عرفه بصلاحيته للعمل به وذلك يتوقف على معرفة كونه حسنًا. المنهل الروي، ص 54؛ فتح المغيث 1/ 66؛ الاقتراح، ص 168.

أجاب الطيبي عن الاعتراض الأول حيث قال: هذا القول مبني على أن معرفة الحسن موقوفة على معرفة الصحيح والضعيف، لأن الحسن وسط بينهما، فقوله: قريب أي قريب مخرجه إلى الصحيح لكون رجاله مستورين فالضعيف هو الذي بعد عن الصحيح مخرجه واحتمل الصدق والكذب. الخلاصة، ص 41؛ التدريب 1/ 157.

وأجيب عن الإِيراد الثاني، أن قول ابن الجوزي: ويعمل به. ليس من تمام الحد، بل زائد عليه لإِفادة أنه يجب العمل بالحسن كالصحيح، ويدل على ذلك أنه فصله من الحد حيث قال: ما فيه ضعف قريب محتمل فهو الحديث الحسن ويصلح البناء عليه والعمل به. وعلى هذا فيندفع الدور. الخلاصة، ص 41؛ التدريب 1/ 157.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 27.

ص: 139

أحدهما: أنه الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور (1) لم تتحقق أهليته، وليس مغفلًا كثير الخطأ، فيما يرويه، ولا ظهر منه (أ) تعمد (*) الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث قد عرف بأن (ب) روى مثله (2) أو نحوه (3) من وجه آخر.

القسم الثاني: أن يكون راويه (ج) من المشهورين بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإِتقان، إلا أنه يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به منكرًا (4). وعلى القسم الأول ينزل كلام الترمذي، وعلى الثاني كلام الخطابي. فذكر كل واحد ما رآه مشكلًا فحسب. ولا بد في القسمين من (د) سلامته من الشذوذ (5)

(أ) كذا في (ك) و (ت) وفي (ص) و (هـ): فيه.

(ب) في جميع النسخ: بأن. وفي (هـ): أو.

(ج) كذا في (ت) و (ص). وفي (ك) و (هـ): رواية. وهو تحريف.

(د) في جميع النسخ: من. وفي (هـ): عن.

(1)

المستور: هو الذي لم تتحقق عدالته ولا جرحه، أو من روى عنه اثنان فصاعدًا ولم يوثق فهو مجهول الحال، وهو المستور. أو الذي لم ينقل فيه جرح ولا تعديل أو نقلا لكن لم يترجح أحدهما. فتح المغيث 1/ 300؛ وتوضيح الأفكار 1/ 163.

(2)

المثل: هو ما يساوي حديثًا آخر في لفظه أو معناه. توضيح الأفكار 1/ 163.

(3)

النحو: هو ما يقارب حديثًا آخر في معناه. المصدر السابق آنفًا.

(4)

هو ما رواه الضعيف مخالفًا الثقات. أو هو رواية من فحش غلطه أو كثرت غفلته أو ظهر فسقه فحديثه منكر - على رأي من لا يشترط في المنكر قيد المخالفة. نزهة النظر، ص 35؛ اجتناء الثمر، ص 22.

(5)

الشذوذ: هو رواية الثقة مخالفًا لمن هو أرجح منه. نزهة النظر، ص 35؛ اجتناء الثمر، ص 33.

(*) لو قال المصنف: ولم يتهم بالكذب. لكان أولى. فتدبر.

ص: 140

والتعليل (1). والله أعلم.

الثانية: الحسن وإن كان دون الصحيح على ما تقدم من حديهما. فهو كالصحيح في أنه يحتج (2) به. ولهذا لم تفرده طائفة (3) من أهل الحديث، بل جعلوه مندرجًا في نوع الصحيح وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله في تصرفاته (4) وفي تسميته (5) كتاب الترمذي الجامع

(1) المعلل هو: ما فيه علة خفية قادحة كأن يكون، مرويًا على سبيل التوهم ويطلع عليه بالقرائن، وتحصل معرفته بكثرة التتبع وجمع الطرق. نزهة النظر، ص 45؛ اجتناء الثمر، ص 33، وقد استشكل ابن جماعة على القسم الأول من تعريف ابن الصلاح بالحديث الضعيف والمنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور وروى مثله أو نحوه من وجه آخر.

وعلى القسم الثاني بالحديث المتصل الذي اشتهر راويه بما ذكر فإنه كذلك وليس بحسن في الاصطلاح. المنهل الروي، ص 54؛ التدريب 1/ 159، وقد أطال الطيبي في الرد على هذين الاعتراضين فراجعه. الخلاصة، ص 42.

(2)

المنهل الروي، ص 54؛ الخلاصة، ص 43؛ الباعث الحثيث، ص 37؛ فتح المغيث 1/ 68، قال ابن حجر: لم أر من تعرض لتحرير المراد بالحديث الحسن الذي اتفقوا فيه على الاحتجاج به، والذي يظهر لي أن دعوى الاتفاق إنما تصح على الأول - الحسن لذاته - دون الثاني - الحسن لغيره - وعليه يتنزل قول ابن الصلاح: أن كثيرًا من أهل الحديث لا يفرق بين الحسن والصحيح.

وكذا قوله: إن الحسن إذا جاء من طرق ارتقى إلى الصحة. النكت 1/ 199؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 36، 31.

(3)

المراد به الحميدي والذهلي شيخا البخاري وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحهما النكت 1/ 274؛ التدريب 1/ 160.

(4)

أي في مستدركه.

(5)

انظر: مقدمة شرح الترمذي لابن سيد الناس (5/ ب): ومقدمة تحفة الأحوذي ص 181.

وانظر: نحوه عن يوسف بن أحمد في شرح الإِمام (5/ ب).

ص: 141

الصحيح. وأطلق الخطيب (1) أبو بكر الحافظ البغدادي اسم الصحيح (2) على كتاب الترمذي والنسائي. وذكر الحافظ أبو الطاهر السلفي (3) الكتب الخمسة وهي الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، وقال: اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب (4) وهذا تساهل (5) لأن فيها ما صرحوا بأنه ضعيف أو منكر أو شبهه. والترمذي مصرح (أ) في كتابه

(أ) في جميع النسخ بصيغة الفاعل، وفي ص: يصرح. بصيغة المضارع.

(1)

هو الحافظ الكبير الإِمام محدث الشام والعراق أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد البغدادي، صاحب التصانيف. مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 135؛ والبداية 12/ 101.

(2)

انظر: مقدمة شرح الترمذي لابن سيد الناس (5/ ب) ومقدمة التحفة، ص 181؛ وشرح النسائي للسيوطي 1/ 5.

(3)

هو الحافظ العلامة شيخ الإِسلام أبو طاهر عماد الدين أو صدر الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم سلفة الأصبهاني الجروأني. مات سنة ست وسبعين وخمسمائة. تذكرة الحفاظ 4/ 1298؛ وفيات الأعيان 1/ 105؛ البداية 12/ 307.

(4)

قال البلقيني: قال السلفي هذا القول في شرح مقدمة معالم السنن له. محاسن الاصطلاح، ص 116.

وانظر: قول السلفي في مقدمة شرح الترمذي لابن سيد الناس (5/ ب)، وقال: وهذا محمولٌ منه على ما لم يصرح بضعفه فيها مخرجه وغيره. وفي التقييد والإِيضاح، ص 62؛ وفتح المغيث 1/ 83؛ والتدريب 1/ 165؛ وشرح النسائي للسيوطي 1/ 5.

(5)

وقال ابن حجر: ينبغي أن تحمل أقوال هؤلاء الأعلام على عدم التفريق عندهم بين الصحيح والحسن فإنما هو مقتضى كلامهم، وذلك لأن الكتب الثلاثة مشتملة على الأنواع الثلاثة من الحديث، لكن الصحيح والحسن فيه أكثر من الضعيف المردود، فحكموا للجميع بالصحة، بمقتضى الغلبة فلو كانوا ممن يرى التفرقة بين الصحيح والحسن لكانوا في حكمهم ذلك مخالفين للواقع لأن الصحيح الذي فيه، أقل من مجموع الحسن والضعيف فلا يعتذر عنهم بأنهم أرادوا الغالب، فاقتضى توجيه كلامهم أن يقال: إنهم لا يرون التفرقة بين الصحيح والحسن ليصح ما ادعوه من التسمية. النكت 1/ 273، 282.

ص: 142

بانقسامه إلى صحيح وحسن وضعيف (1). وكذلك (أ) صرح أبو داود بانقسام (ب) كتابه إلى هذه الأقسام (2) كما سيأتي (3). إن شاء الله تعالى.

قلت: ومراد السلفي أن معظم الكتب (ج) الثلاثة سوى الصحيحين يحتج به (4) والله أعلم (د) ..

الثالثة: قولهم: هذا حديث حسن الإِسناد أو صحيح الإِسناد. دون قولهم: حديث حسن أو حديث صحيح. لأنه قد يصح أو يحسن إسناده، ولا يصح ولا يحسن (هـ) لكونه شاذًا أو معللًا (5)، إلا أن المصنف المعتمد عليه إذا اقتصر على قوله: صحيح الإِسناد أو حسنه ولم يقدح فيه، فالظاهر من حاله حكمه بصحته وحسنه: لأن الأصل والظاهر السلامة من القدح (6).

(أ) في ك: كذا.

(ب) كذا في جميع النسخ، وفي هـ: بانقسامه إلى هذه. أي بإسقاط: كتابه. وزيادة: 5. في آخر انقسام.

(ج) في (ص): الكتاب. بصيغة الواحد.

(د) والله أعلم

ساقط من (ك) و (ص) و (هـ).

(هـ) كلمة: ولا يحسن ساقطة من (ك).

(1)

انظره: في أبواب سنن الترمذي.

(2)

لم ينص على هذا صراحة وإنما هو مفهوم كلامه في رسالته إلى أهل مكة، ص 27. وفي مقدمة ابن الصلاح، ص 33؛ واختصار علوم الحديث، ص 41.

(3)

ص 149.

(4)

النكت 1/ 282؛ المنهل الروي، ص 54؛ وشرح النسائي للسيوطي 1/ 5، قول النووي هذا يوافقه ما نقلته قبل قليل عن ابن حجر رحمه الله في تأويل قول السلفي رحمه الله.

(5)

المنهل الروي، ص 54؛ الخلاصة، ص 43؛ فتح المغيث 1/ 87؛ اختصار علوم الحديث، ص 43؛ التدريب 1/ 161.

(6)

فتح المغيث 1/ 87؛ النكت 1/ 268، وفيه: فإذا كان قولهم: صحيح الإِسناد يحتمل وجود العلة وعدمها، ولم يتحقق العدم، فكيف يحكم له بالصحة. ثم =

ص: 143

الرابعة: قول الترمذي وغيره (1): هذا حديث حسن صحيح، فيه إشكال لاختلاف حديهما فكيف يجتمعان؟ .

وجوابه: أنه محمول على أنه روى بإسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن (2).

قال الشيخ رحمه الله: ويحتمل أن يكون المراد بالحسن معناه اللغوي، وهوما تميل إليه النفس وتستحسنه (3).

الخامسة: قسم أبو محمد البغوي أحاديث كتابه المصابيح (4) إلى صحاح وحسان مريدًا بالصحاح ما في الصحيحين أو أحدهما، وبالحسان ما في سنن أبي داود والترمذي أو شبههما. وهذا اصطلاح لا يعرف

= قال: والذي يظهر، أن من عرف من حاله أنه لا يصف الحديث دائمًا وغالبًا إلا بالتقييد، فيحتمل أن يقال في حقه، ما قال المصنف.

وأما من عرف من حاله بالاستقراء، التفرقة يحمل إطلاقه على الإِسناد والمتن معًا. وتقييده على الإِسناد فقط. انتهى.

(1)

أراد به - البخاري. النكت 1/ 269.

(2)

المنهل الروي، ص 55؛ الخلاصة، ص 44؛ اختصار علوم الحديث، ص 43؛ نزهة النظر، ص 33؛ فتح المغيث 1/ 90؛ التدريب 1/ 161.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 35، ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر مرفوعًا: تعلموا العلم فإن تعلمه ذلك لله خشية، الحديث بطوله، وقال: هذا حديث حسن جدًا ولكنِ ليس له إسناد قوي، فأراد بالحسن حسن اللفظ قطعًا لأن في سنده كذابًا. ومتروكًا.

أما إطلاقه على أحاديث مروية في صفة جهنم والحدود والقصاص فباعتبار ما فيه من الوعيد والزجر بالأساليب البديعة. جامع بيان العلم 1/ 55؛ محاسن الاصطلاح، ص 114؛ التقييد والإِيضاح، ص 60؛ التدريب 1/ 162. وقال ابن حجر: وأيضًا يحتمل أن تردد أئمة الحديث في حال ناقله اقتضى للمجتهد أن لا يصفه بأحد الوصفين، فكأنه قال: حسن عند قوم وصحيح عند قوم. النكت 1/ 271؛ نزهة النظر، ص 33؛ التدريب 1/ 164.

(4)

انظر: المصابيح 1/ 2؛ طبعة بولاق 1294 هـ.

ص: 144

ولا هو صحيح. فقد تقدم أن هذه الكتب فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنكر فكيف يجعل كلها حسانًا (1).

السادسة: إذا كان راوي الحديث متأخرًا عن درجة الحافظ الضابط وهو مشهور بالصدق والستر فروى حديثه من غير (2) وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين فيرتفع حديثه من درجة الحسن إلى درجة (3) الصحيح، كحديث محمد (4) بن عمرو عن أبي سلمة (5) عن أبي هريرة رضي الله

(1) المنهل الروي، ص 54؛ التقريب 1/ 165؛ التقييد والإِيضاح، ص 55؛ الخلاصة، ص 43؛ محاسن الاصطلاح، ص 111.

وقد انتصر للبغوي الحافظ ابن حجر والسخاوي والتاج التبريزي: بأنه يقول في قسم الحسان تارة: هذا صحيح وهذا ضعيف حسب ما يظهر له فإرادته بالحسان أحاديث السنن اصطلاح خاص له، إذ لو أراد به الاصطلاح العام ما نوعه.

وقال البلقيني والعراقي: إن البغوي لا يبين الصحيح من الحسن فيما أورده من السنن بل يسكت، ويبين الغريب والضعيف غالبًا، وإن في السنن أحاديث صحيحة ليست في الصحيحين، وباصطلاحه هذا تخرج عن ذلك لمرتبة الحسن وهو غير مراد. النكت 1/ 241؛ فتح المغيث 1/ 82؛ محاسن الاصطلاح، ص 111؛ التقييد والإِيضاح، ص 55؛ التدريب 1/ 165.

(2)

أي نحو طريقه الموصوفة بالحسن عند التساوي أو الرجحان ولو من وجه واحد، وليس بلازم أن يتعدد طرقه. فتح المغيث 1/ 71؛ التدريب 1/ 175.

(3)

معنى قوله: يرتفع حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح. أنه ملحق في القوة به لا أنه عينه، وإليه أشار ابن الصلاح بقوله: التحق بدرجة الصحيح فلا يرد عليه ما قال بدر ابن جماعة: فيه نظر، لأن حد الصحيح المتقدم لا يشمله، فكيف يسمى صحيحًا، مقدمة ابن الصلاح، ص 32؛ الخلاصة، ص 44؛ فتح المغيث 1/ 68؛ فتح الباقي 1/ 90.

(4)

محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، مات سنة خمس وأربعين ومائة. روى له الجماعة. التقريب 2/ 196؛ الجرح والتعديل 8/ 30 - 31.

(5)

أبو سلمة ابن عبد الرحمان بن عوف الزهري، المدني، قيل: اسمه عبد الله وقيل: =

ص: 145

عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلوة (1).

فمحمد بن عمرو مشهور بالصدق والصيانة، وليس من أهل الاتقان فحديثه إذًا لم يتابع حسن. فلما روى حديثه هذا من أوجه (أ) أُخر انجبر عدم اتقانه فصار صحيحًا.

السابعة: قد يقال: نجد أحاديث محكومًا بضعفها مع أنها مروية من وجوه كثيرة (2) كحديث الأذنان من الرأس (3) وكراهة (ب) الماء

(أ) في (ص) و (هـ): من وجه آخر: أي بصيغة الواحد.

(ب) في (ص): كراهية.

= إسماعيل، ثقة مكثر. مات سنة أربع وتسعين. روى له الجماعة. التقريب 2/ 430؛ التهذيب 12/ 115.

(1)

أخرجه البخاري في الجمعة 2/ 374، (ح) رقم 887؛ ومسلم مع النووي 3/ 143؛ في الطهارة باب السواك؛ وأبو داود في الطهارة 1/ 40 (ح رقم 46) كلهم من طريق الأعرج.

وأخرجه الإِمام أحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة في السند 2/ 259، وهو مروي عن أم حبيبة رضي الله عنها كما في مسند أبي يعلى.

انظر: مجمع الزوائد 2/ 97؛ وزوائد أبي يعلى للهيثمي (ج 1/ 22/ ب) ورواه مسدد وابن أبي شيبة عن ابن الزبير رضي الله عنهما.

انظر: المطالب العالية 1/ 107؛ ومصنف ابن أبي شيبة 1/ 169.

(2)

عن أبي أمامة وأبي هريرة وابن عمرو وابن عباس وعائشة وأبي موسى وأنس وسمرة بن جندب وعبد الله بن زيد رضي الله عنهم.

انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 47؛ وسنن الترمذي 1/ 53.

(3)

أخرجه أبو داود في الطهارة 1/ 93 (ح رقم 133)؛ والترمذي في الطهارة، 1/ 53 (ح رقم 37)؛ وابن ماجه في الطهارة 1/ 252 (ح رقم 444) كلهم من طريق أبي أمامة رضي الله عنه. ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن زيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أيضًا. =

ص: 146

المشمس (1) فهلا انجبر (2) بعضها ببعض فصارت حسانًا كما تقدم في حده. والجواب أنه ليس كل ضعف يزول بمجيء الحديث من وجوه، بل ما كان

= وأخرجه الدارقطني في الطهارة بطرق متعددة عن ابن عمرو وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وأبي موسى وأبي أمامة وأنس رضي الله عنهم.

انظر: السنن 1/ 97 - 104.

وقد استقصى طرق هذا الحديث الشيخ الألباني وأطال النفس في الكلام عليه وصححه، وكذا تكلم عليه الشيخ أحمد محمد شاكر وحكم عليه بالصحة.

انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ 47 - 57؛ وتعليق أحمد شاكر على سنن الترمذي 1/ 54 - 55.

(1)

أخرجه العقيلي في الضعفاء مرفوعًا 2/ 176، وقال: ليس في الماء المشمس شيء يصح مسند، إنما يروي فيه شيء عن عمر رضي الله عنه.

وأخرجه ابن عدي في الكامل من طريق خالد بن إسماعيل مرفوعًا، وقال: كان يضع الحديث على ثقات المسلمين وقال: ورواه وهب بن وهب أبو البختري وهو شر منه.

انظر: 3/ 912.

وأخرجه الدارقطني من طريق عمرو بن محمد الأعسم مرفوعًا وقال: هو منكر الحديث، وأخرجه من طريق خالد بن إسماعيل وقال: هو متروك. ورواه موقوفًا على عمر رضي الله عنه وسكت عنه.

انظر: السنن 1/ 38 - 39؛ والعلل الواردة في الأحاديث النبوية (ج 4/ 45/ ب) مصورًا عن دار الكتب المصرية بالجامعة الإِسلامية برقم 221؛ ورواه البيهقي من طريق خالد بن إسماعيل وذكر في الحديث كلام الأئمة المذكورين.

انظر: السنن له 1/ 6، وقد استقصى الحافظ ابن حجر والشيخ الألباني طرق هذا الحديث مرفوعًا وموقوفًا وتكلما عليه كلامًا نفيسًا سيما الشيخ الألباني.

فانظر: التلخيص الحبير 1/ 20 - 22؛ ورواه الغليل 1/ 50 - 54.

(2)

كلام المصنف مسلم في كراهة الماء المشمس أما في حديث: الأذنان

الخ فلا، وقد تقدم الكلام عليهما آنفًا.

ص: 147

ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر (1) لدلالة ذلك على عدم اختلال ضبطه (2)، وكذا إذا كان الضعف لكونه مرسلًا زال بمجيئه من وجه آخر إما مسندًا وإما مرسلًا (3) كما سيأتي (4) في بابه إن شاء الله تعالى ووجهه ما ذكرناه.

وأما إذا كان الضعف لكون الراوي متهمًا بالكذب أو فاسقًا فلا ينجبر ذلك بمجيئه من وجه آخر (5).

الثامنة: كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن وهو الذي شهره (6) وأكثر من ذكره في جامعه. ويوجد في كلام بعض مشايخه وطبقتهم كأحمد (7) بن حنبل والبخاري وغيرهما. ونص الدارقطني في سننه على كثير من ذلك. وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله حسن أو حسن

(1) بشرط أن لا يكون العاضد منحطًا عن الأصل. فتح المغيث 1/ 70.

(2)

قال ابن حجر: لم يذكر ابن الصلاح للجابر ضابطًا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرًا، أولا.

والتحرير فيه أن يقال: أنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد فحيث بستوي الاحتمال فيهما، فهو الذي يصلح لأن ينجبر، وحيث يقوى جانب الرد فهو الذي لا ينجبر. النكت 1/ 206.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 31، 49؛ المنهل الروي، ص 55؛ فتح المغيث 1/ 71؛ التدريب 1/ 177.

(4)

في مبحث المرسل، ص 170.

(5)

المنهل الروي، ص 55؛ الخلاصة، ص 44؛ محاسن الاصطلاح، ص 107؛ فتح المغيث 1/ 71؛ التدريب 1/ 177.

(6)

المراد بها شهرة نسبيته وإلا فقد اعترض على هذا القول بأن يعقوب بن شيبة تلميذ ابن المديني في مسنده وأبا علي الطوسي شيخ أبي حاتم الرازي في كتابه الأحكام أكثرا من قولهما: حسن صحيح. وأجاب البلقيني عن هذا: بأنه لم يشتهر ذلك كاشتهاره عن الترمذي؛ محاسن الاصطلاح، ص 109.

(7)

هذا الكلام جاء على قاعدة اللف والنشر غير المرتب، فإن الإِمام البخاري من كبار مشايخ الترمذي كما لا يخفي على من له أدنى عناية بسننه. وأما الإِمام أحمد بن حنبل فليس هو من مشايخه ولا هو رآه، بل هو من طبقة مشايخه.

ص: 148

صحيح، ونحو ذلك. فينبغي أن تصحح أصلك (أ) به بجماعة أصول وتعتمد ما اتفقت عليه (1).

ومن مظان (2) الحسن سنن أبي داود. روينا عنه أنه قال: ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه (3) وفي رواية ما معناه: أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه فيه (4) قال: وما كان في كتابي فيه (ب) وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح (5)، وبعضها أصح من بعض (6).

قال الشيخ: فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مطلقًا ولم: ينص على صحته أحد ممن (ج) يميز بين الحسن، والصحيح حكمنا بأنه من الحسن (7) عند أبي داود.

(أ) في (ك): به أصلك.

(ب) في (ك): منه.

(ج) في (ك): من يميز.

(1)

مثلًا انظر: من سنن الدارقطني 1/ 36، 40، 48، 49، 50، 56.

(2)

المنهل الروي، ص 55؛ التدريب 1/ 167.

(3)

المظان جمع مظنة، بكسر الظاء المعجمة، وهي مفعلة من الظن، بمعنى العلم، أي موضع ومعدن.

انظر: الصحاح 6/ 2160؛ والقاموس 4/ 245. مادة: ظن.

(4)

المنهل الروي، ص 55؛ اختصار علوم الحديث، ص 41؛ فتح المغيث 1/ 75؛ التدريب 1/ 167؛ توضيح الأفكار 1/ 197.

(5)

رسالة أبي داود إلى أهل مكة، ص 22 - 23.

(6)

أي صالح للحجة. النكت 1/ 239؛ التدريب 1/ 167؛ توضيح الأفكار 1/ 197؛ النقد الصحيح للعلائي، ص 23، نيل الأوطار 1/ 350.

وقال الشاه ولي الله الدهلوي: صالح للعمل. الإِنصاف، ص 31 للدهلوي.

(7)

رسالة أبي داود إلى أهل مكة، ص 27؛ والانصاف للدهلوي، ص 31.

قال ابن حجر يفهم من قول أبي داود: "وما كان في كتابي منه وهن شديد فقد بينته" أن الذي يكون فيه وهن غير شديد، أنه لا يبينه. ومن هنا يتبين أن قول =

ص: 149

وقد يكون في بعضه ما ليس حسنًا عند غيره ولا داخلًا في حد الحسن (1).

التاسعة: كتب المسانيد (2) كمسند أبي داود الطيالسي (3)

= ابن الصلاح: "ما وجدناه في كتابه مطلقًا ولم ينص على صحته أحد ممن يميز بين الحسن والصحيح حكمنا بأنه من الحسن عند أبي داود"؛ غير صحيح، بل الذي أطلقه ولم يتكلم فيه شيئًا فهو على أقسام.

1 -

صحيح متفق عليه أو على شرط الشيخين.

2 -

حسن لذاته.

3 -

حسن لغيره. وهذان القسمان يكثُران في كتابه.

4 -

ومنه ما هو ضعيف لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبًا.

وكيف لا يكون كذا، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء، مثل ابن لهيعة وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل وموسى بن وردان وغيرهم في الاحتجاج، ويسكت عنها، فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم، ويتابعه في الاحتجاج بهم. النكت 1/ 231 - 234.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 33.

(2)

المسانيد: يجوز فيه إثبات الياء وحذفها والأولى حذفها، وقد صنف البلقيني في هذه المسألة مصنفًا؛ محاسن الاصطلاح، ص 112.

وهي الكتب الحديثية التي صنفها مؤلفوها على مسانيد أسماء الصحابة بمعنى أنهم جمعوا أحاديث كل صحابي على حدة.

وترتب على نسق حروف المعجم، وقد يكون على السابقة في الإِسلام أو على القبائل أو البلدان أو غير ذلك. وأسهلها تناولًا ترتيبها على الحروف. وقد يطلق السند عند المحدثين على كتاب مرتب على الأبواب أو الحروف أو الكلمات لا على الصحابة. وذلك لأن أحاديثه مسندة ومرفوعة. مثل مسند بقي ابن مخلد الأندلسي، فإنه مرتب على أبواب الفقه؛ وكتب المسانيد كثيرة تبلغ مائة أو تزيد. الرسالة المستطرفة، ص 40، 55، 56؛ العجالة النافعة، ص 46.

(3)

هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي الأصل الطيالسي مولى آل الزبير البصري أحد الأعلام الحفاظ صاحب المسند، مات سنة أربع ومائتين. تذكرة الحفاظ 1/ 351؛ شذرات الذهب 2/ 12.

ص: 150

وعبيد الله (أ) بن موسى (1) وأحمد بن حنبل وأسحق بن راهويه وعبد (ب)(2) بن حميد وأبي يعلي الموصلي (3) والحسن (4) بن سفيان وأبي بكر البزار (5) وأشباهها، لا تلحق بالكتب الخمسة، وهي الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وما جرى مجراها (6) في الاحتجاج (7) بها

(أ) في (ك): عبد الله بالتكبير.

(ب) كذا في ت وهـ. وفي ك وص: عبد الله.

(1)

هو الحافظ الثبت أبو محمد عبيد الله بن موسى العبسي مولاهم الكوفي المقرئ العابد من كبار علماء الشيعة. مات سنة ثلاث عشرة ومائتين. تذكرة الحفاظ 1/ 354؛ شذرات الذهب 2/ 29.

(2)

هو الإمام الحافظ الكبير أبو محمد عبد بن حميد بن نصر الكشي مصنف المسند الكبير والتفسير، وغير ذلك، اسمه عبد الحميد، فخفف، مات سنة تسع وأربعين ومائتين، تذكرة الحفاظ 2/ 534؛ شذرات الذهب 2/ 120.

(3)

هو الحافظ الثقة محدث الجزيرة أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي الموصلي صاحب المسند الكبير - مات سنة سبع وثلاث مائة. تذكرة الحفاظ 2/ 707؛ شذرات الذهب 2/ 250.

(4)

هو الحافظ الإمام الحسن بن سفيان بن عامر أبو العباس النسوي الشيباني شيخ خراسان، صاحب المسند الكبير، والأربعين. مات سنة ثلاث وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 2/ 703؛ البداية 11/ 124.

(5)

هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير المعلل، مات سنة إثنتين وتسعين ومائتين. تذكرة الحفاظ 2/ 653؛ شذرات الذهب 2/ 209.

(6)

أي من الكتب المبوبة على الأبواب الفقهية؛ المنهل الروي، ص 55.

(7)

مقدمة ابن الصلاح، ص 34. وظاهر كلام ابن الصلاح، أن الأحاديث التي في الكتب الخمسة وغيرها من الكتب المبوبة يحتج بجميعها وليس كذلك ولم ير له سلف في ذلك فإن فيها شيئًا كثيرًا لا يصلح للاحتجاج به حتى ولا للاستشهاد به وليست الأحاديث الزائدة في مسند أحمد على ما في الصحيحين بأكثر ضعفًا من الأحاديث الزائدة على الصحيحين من سنن أبي داود والترمذي، فعليه في إطلاق ذلك من التعقب ما لا يخفى؛ النكت 1/ 243؛ فتح المغيث 1/ 86.

ص: 151

والركون إلى ما فيها، لأن عادتهم في هذه المسانيد أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رواه (أ) من حديثه صحيحًا كان أو ضعيفًا، ولا يعتنون فيها بالصحيح بخلاف أصحاب الكتب المصنفة على الأبواب (1)، والله أعلم (ب).

(أ) في (ص) و (هـ): رواه.

(ب) والله أعلم. ساقط من (ص) و (هـ).

(1)

قلت: هذا ظاهر من أصل الوضع بلا شك لكن جماعة من المصنفين في كل من المصنَفَّين خالف أصل موضوعه فانحط وارتفع، فإن بعض من صنف على الأبواب أخرج الأحاديث الموضوعة والباطلة. وبعض من صنف على المسانيد والتراجم أخرج أصح ما وجد من حديث كل صحابي.

وقد نازع ابن حجر صراحة وشيخه البلقيني إشارة ابن الصلاح في ذكره لمسند الإِمام أحمد ضمن هذه المسانيد وجعله أنزل مرتبة من كتب السنن وأثبت ابن حجر: أنه أرفع مرتبة وأقل أحاديث ضعيفة من كتب السنن واستدل عليه بأمور عديدة.

ويرى العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن شرط الإمام أحمد في مسنده أجود من شرط أبي داود وغيره من أصحاب السنن وأنه نزه مسنده عن أحاديث جماعة يروي عنهم أهل السنن، كأبي داود وغيره، المدخل إلى معرفة الإِكليل، ص 7 - 8؛ النكت 1/ 243 - 244؛ التوسل والوسيلة، ص 82؛ طبعة دار العروبة؛ محاسن الاصطلاح، ص 112؛ فتح المغيث 1/ 85؛ التدريب 1/ 172.

ص: 152

النوع الثالث: الضعيف

وهو ما لم يجتمع فيه شروط الصحيح (1) ولا شروط الحسن المتقدمة.

وأطنب أبو حاتم ابن حبان في تقسيمه فبلغ به خمسين قسمًا إلا واحدًا (2). وما ذكرناه ضابط جامع فلا حاجة بعده إلى تنويعه، وتتفاوت درجاته في الضعف بحسب بعده من شروط الصحيح كما اختلفت (أ) درجات الصحيح (3).

ثم منه ما له لقب خاص، كالموضوع (4) والمقلوب (4) والشاذ (4) والمعلل (4) والمضطرب (4) والمرسل (4) والمنقطع (4) والمعضل (4) وغيرها. وسنعقد في كل واحد منها نوعًا والله أعلم.

(أ) في (ك): اختلف. بصيغة التذكير.

(1)

يفهم من قول المصنف أن الحديث حيث تنعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفًا، وليس كذلك بل إذا انعدمت فيه صفة من صفات الصحيح يسمى حسنًا، فلو اقتصر على الحسن لكان أولى، لأن ما لم يجمع صفة الحسن فهو عن صفات الصحيح أبعد، ولذلك لو عبر كما قال ابن حجر: هو حديث لم تجتمع فيه صفات القبول، لكان أجود وأبعد من هذا الإِيراد.

التبصرة والتذكرة 1/ 112؛ النكت 1/ 286؛ فتح المغيث 1/ 93؛ التدريب 1/ 179؛ توضيح الأفكار 1/ 246.

(2)

أي تسعة وأربعين نوعًا. مقدمة ابن الصلاح، ص 37؛ فتح المغيث 1/ 96؛ التبصرة والتذكرة 1/ 116، قال ابن حجر: لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك. النكت 1/ 86؛ فتح المغيث 1/ 96؛ توضيح الأفكار 1/ 253.

(3)

المنهل الروي، ص 56؛ الخلاصة، ص 44؛ التدريب 1/ 179 - 180.

(4)

ستأتي تعاريف هذه الأنواع في أماكنها.

ص: 153

النوع الرابع: معرفة المسند

قال الخطيب: المسند عند أهل الحديث ما اتصل إسناده من راويه (أ) إلى منتهاه. وأكثر ما يستعمل فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم (1).

وذكر أبو عمر (2) ابن عبد البر: أنه ما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.

قال: ويكون متصلًا: كمالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويكون منقطعًا: كمالك عن الزهري عن ابن (ب) عباس عن النبي

(أ) في (ك) و (هـ): رواية. وهو تحريف.

(ب) لفظ: ابن: ساقط من (ك).

(1)

الكفاية، ص 21، وحينئذ فلا فرق عند الخطيب بين المسند والمتصل إلا من جهة أن استعمال المتصل في المرفوع والموقوف على حد سواء بخلاف المسند فاستعماله في المرفوع أكثر دون الموقوف.

ثم إن في كلام الخطيب أشعارًا باستعمال المسند قليلًا في المقطوع بل وفي قول التابعي، وصريح كلام الأئمة يأباه. النكت 1/ 300؛ فتح المغيث 1/ 100؛ والتدريب 1/ 182؛ توضيح الأفكار 1/ 259.

(2)

هو الإمام شيخ الإسلام حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري، ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وطلب الحديث قبل مولد الخطيب بأعوام، مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1128؛ شذرات الذهب 3/ 314.

ص: 154

صلى الله عليه وسلم لأن الزهري لم يسمع ابن عباس (1).

وحكى أبو عمر عن قوم: إن المسند لا يقع إلا على ما اتصل مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم (2). وبهذا قطع الحاكم أبو عبد الله في معرفة علوم الحديث (3). فهذه ثلاثة أقوال في حده والله أعلم.

(1) التمهيد 1/ 21 - 23، وصرح ابن عبد البر أن المسند والمرفوع شيء واحد فيلزم على قوله أن يتحد المرسل والمسند. قال ابن حجر: وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المرسل والمسند فيقولون: أسند فلان وأرسله فلان.

وأما الحاكم وغيره ففرقوا بين المسند والمتصل والمرفوع، بأن المرفوع ينظر فيه إلى حال المتن مع قطع النظر عن الإِسناد فحيث تصح إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مرفوعًا، سواء اتصل سنده أم لا.

ومقابله المتصل فإنه ينظر فيه إلى حال الإسناد مع قطع النظر عن المتن، سواء كان مرفوعًا أو موقوفًا.

وأما المسند ينظر فيه إلى الحالين معًا فيجتمع في شرطًا الاتصال والرفع، فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق فكل مسند مرفوع وكل مسند متصل ولا عكس فيهما. النكت 1/ 300؛ فتح المغيث 1/ 99؛ التدريب 1/ 182؛ توضيح الأفكار 1/ 259.

(2)

التمهيد 1/ 25.

(3)

معرفة علوم الحديث، ص 302.

وجزم ابن حجر بما قاله الحاكم، وقال: والذي يظهر من كلام أئمة الحديث وتصرفهم: أن المسند: هو ما أضاف من سمع النبي صلى الله عليه وسلم إليه بسند ظاهره الاتصال، فمن سمع أعم من أن يكون صحابيًا أو تحمل في كفره وأسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

لكنه يخرج من لم يسمع، كالمرسل والمعضل، وما كان بلا سند، قال: وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع وتحصل السلامة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك. النكت 1/ 302؛ نزهة النظر، ص 57؛ فتح المغيث 1/ 100؛ التدريب 1/ 183؛ توضيح الأفكار 1/ 255.

ص: 155

النوع الخامس: معرفة المتصل (1)، ويسمى أيضًا الموصول

وهو ما اتصل إسناده فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه (2) سواء كان مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو موقوفًا على غيره (3). والله أعلم.

(1) ويقال له: المؤتصل بالفك والهمزة.

انظر: رسالة الشافعي، ص 464، فقرة 1275؛ والنكت 1/ 303؛ وفتح المغيث 1/ 102.

(2)

التمهيد 1/ 23؛ المنهل الروي، ص 57؛ الخلاصة، ص 46؛ اختصار علوم الحديث، ص 45؛ فتح المغيث 1/ 102؛ والتدريب 1/ 183.

وقال صاحب المنهل الروي: ومن يرى الرواية بالإِجازة يقول: هو ما اتصل سنده بإجازة كل راو له ممن فوقه إلى منتهاه، ص 57.

قلت: ومن يرى الرواية بالإجازة هم الجمهور منهم الحسن البصري ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي ومحمد بن إسماعيل البخاري والخطيب وابن مندة وغيرهم.

وقد توسع الخطيب في الكفاية في تعداد أسماء كثيرين من الأئمة فارجع إليه. الكفاية، ص 313؛ الالماع، ص 92؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 136 - 137.

(3)

هكذا أطلق المصنف فهو يشمل أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم وصرح به في التقريب حيث قال: أو موقوفًا على من كان. وهكذا أطلقه ابن كثير أيضًا.

وقال العراقي: إنما يمتنع اسم المتصل في المقطوع في حالة الإطلاق، أما مع التقييد فجائز بل واقع في كلامهم، كقولهم: هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري أو إلى مالك ونحو ذلك. المنهل الروي، ص 57؛ التدريب 1/ 183؛ اختصار علوم الحديث، ص 45؛ التبصرة والتذكرة 1/ 122؛ فتح المغيث 1/ 102.

ص: 156

النوع السادس: المرفوع

وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، ولا يقع مطلقه على غيره. ويدخل فيه متصل الإسناد ومنقطعه (2)، هذا هو المشهور.

وقال الخطيب الحافظ: المرفوع ما أخبر به الصحابي عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعله (3) فخصه بالصحابي (4).

(1) أي من قوله أو فعله أو تقريره: المنهل الروي، ص 57.

(2)

مقدمة شرح مسلم، ص 29؛ المنهل الروي، ص 57؛ اختصار علوم الحديث، ص 45؛ فتح الباقي 1/ 116؛ تدريب الراوي 1/ 183؛ توضيح الأفكار 1/ 254؛ فتح المغيث 1/ 98، وقال: ويدخل فيه قول المصنفين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تأخروا، ويدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل والمعلق لعدم اشتراط الاتصال ويخرج منه الموقوف والمقطوع لاشتراط الإضافة المخصوصة، أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقال ابن الصلاح: ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عني بالمرفوع المتصل. مقدمة ابن الصلاح، ص 41.

(3)

الكفاية، ص 21؛ اختصار علوم الحديث، ص 45؛ فتح المغيث 1/ 98؛ تدريب الراوي 1/ 184.

(4)

قال ابن حجر: يجوز أن يكون ذكر الخطيب الصحابي على سبيل المثال أو الغالب لكون غالب ما يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو من إضافة الصحابة لا أنه ذكره على سبيل التقييد فلا يخرج حينئذ عن الأول. ويتأيد بكون الرفع إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد. انتهى. النكت 1/ 304؛ فتح المغيث 1/ 98؛ تدريب الراوي 1/ 184؛ فتح الباقي 1/ 117.

ص: 157

النوع السابع: الموقوف

وهو ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم أو نحوهما (1). وينقسم إلى متصل ومنقطع (2) كالمرفوع، وقد استعمل مقيدًا في غير الصحابة فيقال حديث كذا وقفه فلان على عطاء (3) أو طاؤس (4) ونحو هذا. وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تسمية الموقوف بالأثر والمضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) بالخبر.

(1) أي إذا خلا عن قرينة تدل على أن حكم ذلك الرفع. فتح المغيث 1/ 103؛ النكت 1/ 305؛ فتح الباقي 1/ 123؛ توضيح الأفكار 1/ 261.

(2)

مقدمة شرح مسلم، ص 29؛ المنهل الروي، ص 57؛ اختصار علو الحديث، ص 45؛ فتح المغيث 1/ 103؛ التبصرة والتذكرة 1/ 123؛ التدريب 1/ 184؛ نزهة النظر، ص 57؛ توضيح الأفكار 1/ 261.

(3)

هو الإمام العلم القدوة أبو محمد عطاء بن أبي رباح القرشي مولاهم المكي مفتي أهل مكة ومحدثهم كان أسود مفلفلًا فصيحًا كثير العلم من مولدي الجند، قال الأوزاعي: مات عطاء يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس مات سنة أربع عشرة ومائة على الأصح، تذكرة الحفاظ 1/ 98؛ البداية 9/ 306؛ وفيات الأعيان 3/ 261.

(4)

هو الإمام العلم أبو عبد الرحمان طاؤس بن كيسان اليماني الجندي من الأبناء سمع طائفة من الصحابة وكان رأسًا في العلم والعمل قال ابن عباس رضي الله عنه: إني لأظن طاؤسًا من أهل الجنة مات سنة ست ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 90؛ وفيات الأعيان 2/ 509.

(5)

ويوجد هذا في كلام الشافعي رحمه الله أيضًا حيث قال في الرسالة، ص 218. وأما القياس فإنما أخذناه استدلالًا بالكتاب والسنة والآثار. وفي ص 508، وجهة العلم بعد، الكتاب والسنة والإجماع والآثار.

ص: 158

قلت (أ): وأهل الحديث يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف (1). والله أعلم.

فروع

أحدها: قول الصحابي: كنا نفعل كذا أو نقول كذا إن لم يضفه إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو موقوف (2) وإن أضافه، فالصحيح الذي عليه الاعتماد والعمل أنه مرفوع وبهذا قطع الحاكم أبو عبد الله (3) والجماهير.

وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي: هو موقوف. والصواب الأول، لأن ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم اطلع عليه وقررهم، وتقريره كقوله وفعله، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يسكت عن منكر يطلع (4) عليه.

(أ) في (ص) و (هـ): قال الشيخ محيي الدين المصنف رحمه الله.

(1)

مقدمة شرح مسلم، ص 29؛ المنهل الروي، ص 57؛ اختصار علوم الحديث، ص 45؛ فتح المغيث 1/ 104؛ التدريب 1/ 184؛ فتح الباقي 1/ 123.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 43؛ مقدمة شرح مسلم، ص 30؛ معرفة علوم الحديث، ص 22؛ الكفاية، ص 423؛ الخلاصة، ص 47؛ فتح المغيث 1/ 113؛ التبصرة والتذكرة 1/ 128؛ التدريب 1/ 186؛ المنهل الروي، ص 58.

(3)

معرفة علوم الحديث، ص 22.

(4)

مقدمة شرح مسلم، ص 30؛ معرفة علوم الحديث، ص 22؛ المنهل الروي، ص 57؛ التبصرة والتذكرة 1/ 132؛ جامع الأصول 1/ 95؛ الكفاية، ص 422؛ فتح المغيث 1/ 114؛ التدريب 1/ 185؛ توضيح الأفكار 1/ 273.

ص: 159

وكذا قول الصحابي: كنا لا نرى (1) بأسًا بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو بين أظهرنا.

أو كان يقال أو يفعل أو يقولون أو يفعلون كذا في حياته صلى الله عليه وسلم فكله مرفوع.

وقال الحاكم والخطيب في قول المغيرة (2): كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير (3): إن هذا يتوهم أنه مرفوع وليس هو مرفوعًا بل موقوف (4)

(1) هو مشتق من الرأي فيحتمل أن يكون تنصيصًا أو استنباطًا فلهذا ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قولهم: كنا نقول أو نفعل. توضيح الأفكار 1/ 180؛ فتح المغيث 1/ 115.

(2)

هو الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي أبو عيسى أو أبو محمد، كان يقال له: مغيرة الرأي، شهد اليمامة وفتوح الشام والعراق وكان من دهاة العرب. مات سنة خمسين. الإِصابة 3/ 452؛ وتجريد أسماء الصحابة 2/ 91.

(3)

أخرجه الحاكم من طريق محمد بن سيرين عن المغيرة بن شعبة. في معرفة علوم الحديث، ص 19؛ والبخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن مالك بن المنتصر، ص 378.

والخطيب من طريق عمر بن سويد ومحمد بن مالك بن المنتصر جميعًا عن أنس رضي الله عنه. الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع 1/ 161.

(4)

معرفة علوم الحديث، ص 19؛ الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع 1/ 161، ولكن لم يتعرض فيه لقوله: موقوفًا.

قلت: وبقولهما قال ابن الوزير في توضيح الأفكار 1/ 273؛ وذكره السخاوي في فتح المغيث 1/ 117، وقال: ويحتمل أن الحاكم ترجح عنده احتمال قرع الباب بعده صلى الله عليه وسلم بأن الاستئذان في حياته كان ببلال أو برباح أو بغيرهما، وربما كان بإعلام المرء بنفسه ولم يجئ في خبر صريح الاستئذان عليه بالقرع، وإن فائدة ذكر القرع مع كونه بعده ما تضمنه من استمرارهم على مزيد =

ص: 160

قال الشيخ (1): ليس كما قالا بل هو مرفوع وهو بالرفع أولى لكونه أحرى (أ) باطلاعه صلى الله عليه وسلم عليه. قال: ومراد الحاكم أنه ليس بمرفوع لفظًا (2) وإن كان مرفوعًا من حيث المعنى (3).

الفرع الثاني: قول الصحابي: أمرنا بكذا أو نهينا (ب) عن كذا مرفوع عند أهل الحديث وأكثر أهل العلم (4).

(أ) في (هـ): أولى.

(ب) في (هـ): ونهينا.

= الأدب بعده إذ حرمته ميتًا كحرمته حيًا وإذا كان كذلك فهو موقوف مطلقًا. انتهى. فتأمل.

(1)

انظر: معناه في مقدمة ابن الصلاح، ص 44، وقال ما معناه: الحاكم معترف بكون غير المضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل المرفوع فهو هنا أولى لكونه أحرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم. انتهى.

انظر: المنهل الروي، ص 58؛ التبصرة والتذكرة 1/ 132؛ التدريب 1/ 186؛ توضيح الأفكار 1/ 278.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 44؛ المنهل الروي، ص 58؛ التبصرة والتذكرة 1/ 132؛ فتح المغيث 1/ 116.

(3)

انظر: المراجع السابقة.

(4)

إذ هو المتبادر إلى الذهن من الإطلاق لأن سنّة النبي صلى الله عليه وسلم أصل وسنة غيره تبع لسنته، وكذلك الأمر والنهي لا ينصرف بظاهره إلا لمن هو إليه وهو الشارع عليه السلام وأمر غيره تبع له فحمل كلامهم على الأصل أولى، خصوصًا والظاهر أن مقصود الصحابة بيان الشرع والشرع يتلقى من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ولا يصح أن يريد أمر الكتاب لكون ما في الكتاب مشهورًا عند الناس ولا الإجماع لأن المتكلم بهذا من أهل الإجماع ويستحيل أمره نفسه، ولا القياس إذ لا أمر فيه فتعين أن الآمر هو الرسول صلى الله عليه وسلم دون غيره. فتح المغيث 1/ 109؛ الأم 1/ 27؛ الكفاية، ص 421؛ التدريب 1/ 188؛ توضيح الأفكار 1/ 267.

ص: 161

وقال فريق: منهم أبو بكر الإِسماعيلي: ليس هو بمرفوع (1)، والصحيح (2) الأول وكذا قول الصحابي: من السنة كذا. فالصحيح أنه مرفوع (3).

وكذا قول أنس (4): أمر بلال (5) أن يشفع الأذان ويوتر الإِقامة (6)،

(1) ينبغي أن يقيد هذا الخلاف بما إذا كان المأمور به يحتمل الاجتهاد. أما إذا كان مما لا مجال للاجتهاد فيه كحديث أمر بلال رضي الله عنه أن يشفع الأذان، فهو محمول على الرفع قطعًا. معرفة علوم الحديث، ص 21؛ الخلاصة، ص 46؛ فتح المغيث 1/ 108؛ التدريب 1/ 190؛ توضيح الأفكار 1/ 268.

(2)

مقدمة شرح مسلم، ص 30؛ معرفة علوم الحديث، ص 22؛ الكفاية، ص 421؛ جامع الأصول 1/ 94؛ اختصار علوم الحديث، ص 46؛ المنهل الروي، ص 58؛ فتح المغيث 1/ 109؛ التدريب 1/ 188؛ توضيح الأفكار 1/ 265.

(3)

انظر: الهامش رقم 4 ص 161.

(4)

هو الصحابي المشهور أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي المدني خادم النبي صلى الله عليه وسلم وله صحبة طويلة وحديث كثير وعمر دهرًا ولازم النبي صلى الله عليه وسلم منذ هاجر إلى أن مات. مات سنة اثنتين وقيل: ثلاث وتسعين، الإصابة 1/ 71؛ تذكرة الحفاظ 1/ 44.

(5)

هو الصحابي المشهور بلال بن رباح المؤذن وهو ابن حمامة وهي أمه أبو عبد الله مولى أبي بكر الصديق من السابقين الأولين، شهد بدرًا أو المشاهد، مات بالشام سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة وقيل: سنة عشرين وله بضع وستون سنة. الإصابة 1/ 165؛ وتجريد أسماء الصحابة 1/ 56.

(6)

أخرجه البخاري برقم (ح 607)، تحت باب الإقامة واحدة إلا قوله قد قامت الصلاة 1/ 83، مع الفتح.

وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الأقامة (ح رقم 378)، 1/ 286.

وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب في الإقامة 1/ 349، (ح رقم 508) ، والترمذي في كتاب الصلوة، باب ما جاء في إفراد الإقامة 1/ 369 =

ص: 162

وما أشبه ذلك فكله مرفوع، ولا فرق بين قول الصحابي ذلك في حياته صلى الله عليه وسلم وبعده (1). والله أعلم.

الثالث: من المرفوع، الأحاديث التي يقال فيها عند ذكر الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به أو ينميه (2) أو رواية (أ). كحديث الأعرج (3) عن أبي هريرة رواية: تقاتلون قومًا صغار الأعين (4).

(أ) في (ص): راويه: وهو تحريف.

= (ح رقم 193)، والنسائي في كتاب الصلوة "باب تثنية الأذان" 2/ 3.

وابن ماجه في كتاب الأذان (باب إفراد الإقامة)(ح رقم 729 - 730)، 1/ 241؛ والإمام أحمد في المسند 3/ 103 - 189.

والدارمي في كتاب الصلوة باب الأذان مثنى مثنى والإقامة مفردة 1/ 270، كلهم من طريق أبي قلابة عن أنس قال أمر بلال

إلخ الحديث.

(1)

المنهل الروي، ص 58؛ جامع الأصول 1/ 95؛ التدريب 1/ 190؛ فتح المغيث 1/ 107.

وقال: لكنه في الزمن النبوي في أمرنا أبعد عن الاحتمال فيما يظهر.

(2)

قال السخاوي: الاصطلاح في هذه اللفظة موافق للغة، قال أهلها: نميت الحديت إلى غيري نميًا، إذا أسندته ورفعته. فتح المغيث 1/ 120؛ القاموس المحيط 4/ 397، مادة (ن م ي).

(3)

هو عبد الرحمان بن هرمز الأعرج أبو داود المدني مولى ربيعة بن الحارث ثقة ثبت عالم مات سنة سبع عشرة ومائة، روى له الجماعة. التقريب 1/ 501؛ تذكرة الحفاظ 1/ 97.

(4)

الحديث أخرجه مسلم في الفتن رقم 2912، 4/ 2233.

وأبو داود في كتاب الملاحم (ح رقم 4304)، 4/ 486.

وابن ماجه في الفتن (ح رقم 4097)، 2/ 1372.

والإِمام أحمد في المسند 2/ 239.

ص: 163

وحديث الأعرج أيضًا عن أبي هريرة يبلغ به: الناس تبع لقريش (1).

فكل هذا وشبهه كناية عن رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه عند أهل العلم حكم المرفوع صريحًا (2).

وإذا قيل عن التابعي: يرفعه، فهو أيضًا مرفوع لكنه مرفوع (أ) مرسل (3).

الرابع: قول من قال تفسير الصحابي حديث مرفوع. هو في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحوه (4)

(أ) كلمة: مرفوع، ساقطة من (هـ).

(1)

الحديث أخرجه البخاري في المناقب (ح رقم 3495)، 6/ 526.

ومسلم في كتاب الإِمارة (ح رقم 1818)، 3/ 1451.

(2)

مقدمة شرح مسلم، ص 31؛ المنهل الروي، ص 58؛ اختصار علوم الحديث، ص 47؛ التبصرة والتذكرة 1/ 133؛ الخلاصة، ص 46؛ فتح المغيث 1/ 120؛ التدريب 1/ 192؛ الكفاية، ص 416، وقال: ولا يختلف أهل العلم أن الحكم في هذه الأخبار وفيما صرح برفعه سواء في وجوب القبول والتزام العمل. انتهى.

(3)

المنهل الروي، ص 58؛ التبصرة والتذكرة 1/ 136؛ فتح المغيث 1/ 121؛ التدريب 1/ 192.

(4)

القائل بهذا هو الحاكم في المستدرك حيث أطلق قوله: ليعلم طالب الحديث أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند. انتهى، ما في المستدرك. وخصص هذا القول في علوم الحديث له فأورد حديث جابر رضي الله عنه في قصة اليهود، وقال: فهذا وأشباهه مسند ليس بموقوف، فإن الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا فإنه حديث مسند. انتهى. =

ص: 164

كقول جابر (1) رضي الله عنه: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته (أ) من دبرها في قبلها، جاء الولد أحول. فأنزل الله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (2). الآية (3).

فأما غيره من تفاسيرهم فهو موقوف (4)، والله أعلم (ب).

(أ) في (هـ): امرأة.

(ب) والله أعلم، ساقط من (ك).

= قال السيوطي: فاعتمد الناس تخصيصه. المستدرك 2/ 258؛ كتاب التفسير، معرفة علوم الحديث، ص 20؛ التدريب 1/ 193.

(1)

هو الصحابي الشهير جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي له ولأبيه صحبة. غزا تسع عشرة غزوة، ومات بالمدينة بعد السبعين وهو ابن أربع وتسعين سنة. الإصابة 1/ 213؛ تذكرة الحفاظ 1/ 43.

(2)

الحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير (ح رقم 4528)، 8/ 8.

ومسلم في النكاح (ح رقم 1435)، 2/ 1058.

والحاكم في معرفة علوم الحديث، ص 20.

(3)

سورة البقرة: الآية 223.

(4)

معرفة علوم الحديث، ص 20؛ المنهل الروي، ص 58؛ التبصرة والتذكرة 1/ 132؛ اختصار علوم الحديث، ص 47؛ فتح المغيث 1/ 118؛ والتدريب 1/ 192؛ توضيح الأفكار 1/ 281؛ النكت 2/ 323، وقال فيه بعد ذكر الخلاف: والحق أن ضابط ما يخبره الصحابي إن كان مما لا مجال فيه للاجتهاد ولا منقول عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية كالملاحم والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص فهذه أشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع، انتهى.

ص: 165

النوع الثامن: المقطوع

وجمعه المقاطع والمقاطيع. وهو ما (أ) جاء عن التابعين موقوفًا (1) عليهم من أقوالهم أو أفعالهم. واستعمله الإمام الشافعي ثم أبو القاسم الطبراني (2) في المنقطع (3) وهو الذي في إسناده انقطاع. والله أعلم.

(أ) في (هـ): مما.

(1)

الجامع الآداب الراوي وأخلاق السامع 2/ 191؛ المنهل الروي، ص 59؛ التبصرة والتذكرة 1/ 124؛ التدريب 1/ 194؛ البحر الذي زخر (215/ أ)؛ النكت الوفية (97/ ب)؛ نزهة النظر، ص 57؛ توضيح الأفكار 1/ 265؛ فتح المغيث 1/ 105، وقال: حيث لا توجد قرينة للرفع فيه ليخرج ما هو بحسب اللفظ قول تابعي ويحكم بالرفع قرينة. انتهى.

(2)

هو الحافظ الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني مسند الدنيا، ولد 260 وتوفي 360 وقد استكمل مائة عام وعشرة أشهر. تذكرة الحفاظ 3/ 912؛ معجم البلدان 4/ 18؛ شذرات الذهب 3/ 40.

(3)

المنهل الروي، ص 59؛ التدريب 1/ 194، وقال: إلا أن الشافعي استعمل ذلك قبل استقرار الاصطلاح، كما قال في بعض الأحاديث: حسن. وهو على شرط الشيخين. انتهى.

النكت 2/ 307؛ اختصار علوم الحديث، ص 49؛ البحر الذي زخر (215/ ب)؛ فتح المغيث 1/ 105؛ توضيح الأفكار 1/ 265؛ وذكر الزركشي والعراقي في هذا الباب أبا بكر الحميدي وأبا الحسن الدارقطني، وقد ذكر الخطيب قول الحميدي بسنده.

انظر: الكفاية، ص 24؛ النكت للزركشي (64/ أ)؛ التبصرة والتذكرة 1/ 124.

ص: 166

النوع التاسع: المرسل (1)

اتفق أهل العلم من المحدثين وغيرهم، أن قول التابعي (2) الكبير (3) الذي لقى كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا، يسمى مرسلًا.

(1) جمعه مراسيل بإثبات الياء، وحذفها أيضًا وأصله مأخوذ من الإطلاق، وعدم المنع كقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} (سورة مريم: الآية 83). فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده براو معروف. أو من قولهم: ناقة مرسال، أي سريعة السيرة فكأن المرسل أسرع فيه عجلًا فحذف بعض إسناده.

أو من قولهم: جاء القوم أرسالًا، أي متفرقين. لأن بعض الإِسناد منقطع من بقيته؛ جامع التحصيل، ص 14؛ النكت 2/ 334؛ فتح المغيث 1/ 128.

(2)

جامع التحصيل، ص 24؛ النكت 2/ 334؛ التمهيد 1/ 19؛ الخلاصة، ص 65؛ فتح المغيث 1/ 129؛ التدريب 1/ 195؛ توضيح الأفكار 1/ 284. وقال ابن حجر والسخاوي والسيوطي والصنعاني: يرد على تخصيص المرسل بالتابعي ما سمعه بعض الناس حال كفره من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فهو تابعي اتفاقًا وحديثه ليس بمرسل بل موصول لا خلاف في الاحتجاج به كالتنوخي رسول هرقل، وقد دخل في حد المرسل، فلا بد من زيادة قيد في الحد بأن يقال: هو ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره. النكت 2/ 337؛ فتح المغيث 1/ 129؛ التدريب 1/ 196؛ توضيح الأفكار 1/ 283.

قلت: ويستشكل على ما قالوه رواية محمد بن أبي بكر فهو صحابي ورواياته تعد في المراسيل وتعريفه لا يشملها.

(3)

قال ابن حجر: هذا خلاف ما عليه جمهور المحدثين فإني لم أر تقييده بالكبير =

ص: 167

أما إذا انقطع الإِسناد قبل التابعي، فكان في الرواة من لم يسمعه ممن فوقه، فاختلفوا في تسميته مرسلًا. فقال الحاكم وغيره من أهل الحديث: لا يسمى مرسلًا (1).

قالوا: والمرسل مختص بالتابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فإن كان الساقط واحدًا، سمي منقطعًا، وإن كان إثنين فأكثر، سمي معضلًا ومنقطعًا أيضًا. والمعروف في الفقه وأصوله (2): إن كل ذلك يسمى مرسلًا، وبه قطع الخطيب (3)، وقال: إلا أن أكثر ما يوصف بالإِرسال من حيث الاستعمال رواية (أ) التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

(أ) في (هـ): ما رواه التابعي.

= صريحًا عن أحد منهم، لكن نقله ابن عبد البر عن قوم، نعم قيد الشافعي المرسل الذي يقبل إذا اعتضد بأن يكون من رواية التابعي الكبير ولا يلزم من ذلك أنه لا يسمى ما رواه التابعي الصغير مرسلًا، بل هو مصرح بتسميته رواية من دون كبار التابعين مرسلة وذلك في قوله: ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلالة ظاهرة. النكت 2/ 334؛ التمهيد 1/ 20؛ الرسالة، ص 462، فقرة 1265؛ ص 467، فقرة 1284.

(1)

معرفة علوم الحديث، ص 25، 26، 27 أول مبحث المنقطع وخالف قوله هذا في المدخل إلى الإِكليل فقال: المرسل هو قول التابعي أو تابع التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم قرن أو قرنان ولا يذكر فيه سماعه من الذي سمعه.

انظر: ص 18، بتحقيق روبسون.

(2)

المستصفى 1/ 169؛ أحكام الأحكام للآمدي 1/ 299؛ كتاب المجموع 1/ 103.

(3)

الكفاية، ص 21؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 48؛ الخلاصة، ص 66؛ فتح المغيث 1/ 131، وقال: وممن أطلق المرسل على المنقطع من أئمتنا، أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ثم الدارقطني ثم البيهقي.

ص: 168

قلت: وهذا الاختلاف إنما هو في العبارة والاصطلاح.

وأما إذا قال الزهري وأبو حازم (1) ويحيى (2) بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمشهور عند من خص (3) المرسل بالتابعين: أنه مرسل، كما إذا قاله التابعي الكبير.

وحكى ابن عبد البر: أن قومًا لا يسمونه مرسلًا، بل يسمونه منقطعًا، لكون أكثر روايتهم عن التابعين (4).

وأما إذا قيل في الإِسناد: فلان عن رجل عن فلان، أو نحوه، فقال الحاكم: لا يسمى مرسلًا، بل منقطعًا (5).

(1) هو الإمام أبو حازم سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني الأعرج القاص الواعظ الزاهد، أحد الأعلام عالم المدينة، لم يكن في زمانه أحد مثله، مات سنة أربعين ومائة، تذكرة الحفاظ 1/ 133؛ البداية 1/ 75، قلت: ولم يقيد ابن الصلاح ولا المصنف أبا حازم بشيء يميزه به فلهذا اعترض عليه البلقيني بأن أبا حازم ليس من صغار التابعين فإنه سمع من الحسن بن علي رضي الله عنهما ظنا منه أن ابن الصلاح أراد أبا حازم الأشجعي، وليس كذلك فإنه إنما أراد به أبا حازم سلمة بن دينار المخزومي الأعرج وهو لم يسمع من الصحابة إلا من سهل بن سعد وأبي أمامة ابن سهل، وقرينة الحال دالة على أنه المراد ولو لم يكن من القرائن إلا تقديم الزهري عليه في الذكر لأن أبا حازم الأشجعي في منزلة شيوخ الزهري، محاسن الاصطلاح، ص 135؛ النكت 2/ 348؛ توضيح الأفكار 1/ 285.

(2)

هو الإِمام شيخ الإِسلام أبو سعيد يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري النجاري المدني قاضي المدينة ثم قاضي القضاة للمنصور. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 137؛ شذرات الذهب 3/ 212.

(3)

قائله هو أبو عبد الله الحاكم كما تقدم قريبًا. معرفة علوم الحديث، ص 25.

(4)

التمهيد 1/ 21.

(5)

معرفة علوم الحديث، ص 18.

ص: 169

وقال بعض (1) المعتبرين من أصحاب أصول الفقه: يسمى مرسلًا. والله أعلم.

ثم إن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف (2)، إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر مسندًا أو مرسلًا، أرسله من أخذ عن غير رجال الأول، فإن صح مخرجه كان صحيحًا واحتج به (3)، ولهذا احتج الشافعي

(1) المدخل في علم الحديث، ص 18؛ الكفاية، ص 384؛ المجموع 1/ 103؛ مقدمة شرح مسلم، ص 30؛ فتح المغيث 1/ 131.

(2)

وبه قال جماهير المحدثين في كل الأمصار، والشافعي وسائر أهل الفقه منهم سعيد بن المسيب وابن سيرين وحكاه عنهم الإِمام مسلم في مقدمة صحيحه، فقال: والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة. انتهى.

وكذا حكاه ابن عبد البر عن جماعة أصحاب الحديث.

وقال الغزالي: وهو المختار وحجتهم: أن العلماء قد أجمعوا على طلب عدالة المخبر والانقطاع في الأثر علة تمنع من وجوب العمل به وسواء عارضه خبر متصل أم لا، فالراوي المحذوف يحتمل أن يكون تابعيًا لعدم تقيدهم بالرواية عن الصحابة، ثم يحتمل أن يكون ضعيفًا لعدم تقيدهم في الرواية بالثقات وعلى تقدير كونه ثقة يحتمل أن يكون روى عن تابعي أيضًا، وهلم جرا إلى ستة أو سبعة فهو أكثر ما وجد من رواية. بعض التابعين عن بعض، وكل هؤلاء مجهولون عينًا فإذا كان المجهول المسمى لا تقبل روايته فالمجهول حالًا وعينًا أولى. النكت 2/ 339؛ الكفاية، ص 387؛ مقدمة صحيح مسلم = / 132؛ التمهيد مقدمة 1/ 5؛ كتاب المراسيل لابن أبي حاتم الرازي، ص 3 - 7؛ جامع التحصيل القول العاشر من ص 48؛ المدخل في علوم الحديث، ص 18؛ فتح المغيث 1/ 135؛ التدريب 1/ 198؛ المجموع 1/ 103؛ الكفاية، ص 384؛ المستصفى 1/ 169.

(3)

وخصه الشافعي بكبار التابعين في الرسالة، وقال: فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم منهم واحدًا يقبل مرسله. انتهى ملخصًا. الرسالة، ص 462 - 465.

ص: 170

بمراسيل سعيد (أ) بن المسيب فإنها وجدت مسانيد من وجوه (ب) أخر، ولا يختص ذلك عنده بمرسل (ج) ابن المسيب.

فإن قيل: إذا روى مثله مسندًا كان العمل بالمسند (1)(د)، فلا فائدة في المرسل بكل حال.

فالجواب: إن بالمسند يتبين صحة المرسل، وأنه مما يحتج به.

قلت: فيكون في المسألة حديثان صحيحان، حتى لو عارضهما حديث صحيح جاء من طريق واحد وتعذر الجمع رجحناهما (2) عليه وعملنا بهما دونه.

(أ) لفظ: سعيد. ساقط من (هـ).

(ب) في هامش (ص): وجه.

(ج) في (ص) و (هـ): بمراسيل.

(د) في (هـ): بالمسند دون المرسل.

(1)

هذا الاعتراض إنما يأتي إذا كان المسند بمفرده صالحًا للحجة، أما إذا كان مما يفتقر إلى اعتضاد فلا، إذ كل منهما اعتضد بالآخر وصار به حجة. النكت 2/ 354 - 355؛ فتح المغيث 1/ 143.

(2)

قال السخاوي: إذا المسند دليل برأسه والمرسل يعتضد بالمسند ويصير دليلًا آخر، وربما يكون المسند حسنًا فيرتقي بالمرسل عن هذه المرتبة إذ كل منهما اعتضد بالآخر وصار به حجة.

وقال ابن حجر: الظاهر أن المراد بالمسند الذي يأتي من وجه آخر ليعضد المرسل ليس هو المسند الذي يحتج به على انفراده بل هو الذي يكون فيه مانع من الاحتجاج به على انفراده مع صلاحيته للمتابعة فإذا وافقه مرسل لم يمنع من الاحتجاج به إلا إرساله عضد كل منهما الآخر وتبين أن فائدة مجيء هذا المسند لا يستلزم أن يقع المرسل لغوًا. فتح المغيث 1/ 143؛ النكت 2/ 354 - 355؛ كتاب المجموع 1/ 106.

ص: 171

وهذا الذي ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو الذي استقر عليه مذهب جماهير (1) المحدثين وتداولوه في تصانيفهم وحكاه (2) ابن عبد البر عن (أ) جماعة أصحاب الحديث، وأورد مسلم في مقدمة صحيحه عن بعض العلماء على نفسه إيرادًا. قال فيه: المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة (3)، ولم ينكره مسلم عليه بل أجاب عنه فقد وافقه عليه.

وكلام الشيخ في كتابه (4) يوهم أن هذا الكلام لمسلم، وليس هو كذلك، بل هو على ما ذكرته.

وقال مالك وأبو حنيفة (5) وأصحابهما وطائفة من العلماء: يحتج به (6). والله أعلم هذا كله في غير مرسل الصحابة.

(أ) في (هـ): في جماعة.

(1)

انظر: في الصفحة 170، التعليق الثاني.

(2)

التمهيد 1/ 5، وإليك نصه: وقال سائر أهل الفقه وجماعة أصحاب الحديث في كل الأمصار فيما علمت: الانقطاع في الأثر علة تمنع من وجوب العمل به، وسواء عارضه خبر متصل أم لا، وقالوا: إذا اتصل خبر وعارضه خبر منقطع لم يعرج على المنقطع مع المتصل وكان المصير إلى المتصل دونه انتهى. ثم ساق أدلتهم.

انظر: ص 6.

(3)

مقدمة صحيح مسلم 1/ 132.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 49.

(5)

هو الإمام القدوة فقيه العراق وإمام أهل الرأي أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا التيمي مولاهم الكوفي، ولد سنة ثمانين وتوفي سنة خمسين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 168؛ شذرات الذهب 1/ 227؛ البداية 1/ 106.

(6)

وعليه جماعة من المحدثين والإِمام أحمد في رواية حكاها النووي وابن كثير وحكاه النووي عن كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم، ونقله الغزالي عن الجماهير وقال =

ص: 172

أما مرسلهم (1) وهو ما رواه ابن عباس (2)،

= أبو داود في رسالته: وأما المراسيل فقد كان أكثر العلماء يحتجون بها فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حتى جاء الشافعي رحمه الله فتكلم في ذلك وتابعه عليه أحمد وغيره. انتهى. ونقله الصنعاني عن الزيدية ما عدا المؤيد بالله أحمد بن حسين الهاروني، قال: فإنه صرح بأنه لا يقبل المراسيل. وقيده الخطيب وابن عبد البر وغيرهما ذلك بما إذا لم يكن مرسله ممن لا يحترز ويرسل عن غير الثقات، فإن كان فلا خلاف في رده. واعتلوا بأن من أسند لك فقد أحالك على البحث عن أحوال من سماه لك، ومن أرسل مع علمه ودينه وثقته فقد قطع لك على صحته وكفاك النظر، وقال ابن عبد البر: هذا أصل المذهب، ثم أني تأملت كتب المناظرين والمختلفين من المتفقهين وأصحاب الأثر من أصحابنا وغيرهم فلم أر أحدًا منهم يقنع من خصمه، إذا احتج عليه بمرسل، ولا يقبل عنه في ذلك خبرًا مقطوعًا، وكلهم عند تحصيل المناظرة، يطالب خصمه بالاتصال في الأخبار.

ثم قال: ولم نشاهد نحن مناظرة بين مالكي يقبله وبين حنفي يذهب في ذلك مذهبه، ويلزم على أصل مذهبهما في ذلك قبول كل واحد منهما من صاحبه المرسل إذا أرسله ثقة عدل رضي ما لم يعترضه من الأصول ما يدفعه. وبالله التوفيق. التمهيد 1/ 7.

انظر: كتاب المجموع 1/ 103؛ اختصار علوم الحديث، ص 48؛ المستصفى 1/ 169؛ رسالة أبي داود، ص 24؛ توضيح الأفكار 1/ 289؛ الكفاية، ص 384؛ التمهيد 1/ 3؛ التدريب 1/ 198؛ فتح المغيث 1/ 133؛ جامع التحصيل، ص 28.

(1)

في وصفه بالإرسال تجوز لما عرف قبل هذا أنه ليس المرسل عند المحدثين إلا ما سلف رسمه: أنه قول التابعي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضيح الأفكار 1/ 317.

(2)

هو الإِمام البحر عالم العصر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو العباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه ولد بالشعب قبل الهجرة بثلاث، مات بالطائف سنة ثمان وستين. الإِصابة 2/ 330؛ تذكرة الحفاظ 1/ 40.

ص: 173

وابن (1) الزبير وشبههما (أ) من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يسمعوه منه فحكمه حكم (2) المتصل، لأن الظاهر روايتهم ذلك (ب) عن الصحابة والصحابة كلهم عدول.

قلت: وحكى الخطيب وغيره عن بعض العلماء أنه لا يحتج به كمرسل غيرهم إلا أن يقول: لا أروي إلا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي لأنه قد يروي عن غير صحابي (3)، وهذا مذهب الأستاذ أبي (4) إسحاق الاسفرائيني الشافعي.

(أ) في (هـ): نحوهما.

(ب) كلمة: ذلك، ساقطة من (ص) و (هـ).

(1)

هو الصحابي البطل عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي رضي الله عنه، حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، ولد عام الهجرة، قتله الحجاج سنة ثلاث وسبعين. الإِصابة 2/ 309؛ وتجريد أسماء الصحابة 1/ 311.

(2)

هذا قول أكثر المحدثين والفقهاء.

انظر الكفاية، ص 385؛ كتاب المجموع 1/ 106؛ جامع التحصيل، ص 32؛ النكت 2/ 358؛ فتح المغيث 1/ 146؛ التدريب 1/ 207.

(3)

انظر: الكفاية، ص 385، وهو لم يعزه إلى أحد، قلت: وهو مذهب القاضي أبو بكر الباقلاني وابن برهان والغزالي وابن الأثير، ومن المحدثين أبو الحسن ابن القطان، قالوا: لا لأجل الشك في عدالتهم بل لأجل أنهم قد يروون عن التابعين، نعم إذا عرف بصريح خبره أو بعادته أنه لا يروي إلا عن صحابي قبل مرسله. المستصفى 1/ 171؛ جامع الأصول 1/ 118؛ بيان الوهم والإيهام (ج 1/ ورقة 142)؛ جامع التحصيل، ص 31؛ النكت 2/ 337 - 338؛ فتح المغيث 1/ 146؛ التدريب 1/ 207.

(4)

هو الإِمام الأصولي الفقيه الشافعي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الاسفرائيني المشهور، توفي بنيسابور يوم عاشوراء سنة ثماني عشرة وأربعمائة. شذرات الذهب 3/ 209؛ معجم البلدان 1/ 178.

ص: 174

والصواب: المشهور: أنه يحتج به مطلقًا، لأن روايتهم عن غير الصحابة نادرة (1) وإذا رووها بينوها، والله أعلم.

فرع ألحقته يحتاج إليه. اشتهر عند فقهاء أصحابنا أن مرسل سعيد بن المسيب حجة عند الشافعي، حتى أن كثيرًا (2) منهم لا يعرفون غير ذلك، وليس الأمر على ذلك، وإنما قال الشافعي رحمه الله في مختصر المزني (3): وإرسال سعيد بن المسيب عندنا حسن (4)، فذكر صاحب (5)

(1) وقد سردها العراقي: فأجاد وأفاد، وقال ابن حجر: وقد تتبعت روايات الصحابة رضي الله عنهم عن التابعين وليس فيها من رواية صحابي عن تابعي ضعيف في الأحكام شيء يثبت فهذا يدل على ندور أخذهم عن من يضعف من التابعين، وقال العلائي: إن القدر الذي رواه بعض الصحابة عن التابعين نزر يسير جدًا، وأكثره كلمات عنهم أو حكايات ونحو ذلك.

وقال السخاوي: الذي يرويه الصحابة عن التابعين، غالبه بل عامته إنما هو من الإِسرائيليات وما أشبهها من الحكايات وكذا الموقوفات.

وقال الصنعاني: هذا لا يتم إلا في روايات صغار الصحابة أما كبارهم فأخذهم عن التابعين مستبعد جدًا.

انظر: التقييد والإِيضاح، ص 76 - 79؛ النكت 2/ 358؛ جامع التحصيل، ص 32؛ فتح المغيث 1/ 146؛ توضيح الأفكار 1/ 318؛ التدريب 1/ 207؛ الباعث الحثيث، ص 49.

(2)

انظر: المجموع 1/ 104.

(3)

المزني: بضم الميم وفتح الزاي وفي آخرها نون. هو الفقيه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المصري صاحب الشافعي، كان زاهدًا عالمًا مجتهدًا محجاجًا غواصًا على المعاني الدقيقة صنف كتبًا كثيرة منها هذا المختصر. توفي سنة أربع وستين ومائتين. وفيات الأعيان 1/ 217؛ شذرات الذهب 2/ 148.

(4)

انظر: مختصر المزني في آخر كتاب الأم 8/ 176، (باب بيع اللحم بالحيوان).

(5)

هو الفقيه الإِمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي شيخ الشافعية ومدرس النظامية ببغداد كان ورعًا كبير القدر معظمًا محترمًا إما ما في الفقه والأصول، والحديث وفنون كثيرة، له المصنفات الكثيرة كالمهذب =

ص: 175

المهذب وغيره من أصحابنا في أصول الفقه في معنى كلامه وجهين لأصحابه.

منهم من قال: مراسيله حجة لأنها فتشت فوجدت مسانيد (1).

ومنهم من قال: ليست بحجة عنده بل هي كغيرها على ما نذكره. وإنما رجح الشافعي به، والترجيح بالمرسل صحيح (2).

وحكى الخطيب أبو بكر هذين الوجهين لأصحاب الشافعي، ثم قال: الصحيح من القولين عندنا الثاني، لأن في (أ) مراسيل سعيد ما لم يوجد مسندًا بحال من وجه يصح، وقد جعل الشافعي لمراسيل كبار التابعين مزية على غيرهم كما استحسن مرسل سعيد (3).

وروى البيهقي في مناقبه (4) بإسناده عن الشافعي كلامًا طويلًا، حاصله أنه يقبل مرسل التابعي إذا أسنده حافظ غيره أو أرسله من أخذ عن غير رجال الأول أو كان يوافق قول بعض الصحابة، أو أفتى عوام أهل العلم بمعناه (5).

(أ) كلمة: في ساقطة من (ك).

= واللمع وغيرهما. توفي سنة ست وسبعين وأربعمائة. البداية 12/ 124؛ شذرات الذهب 3/ 349.

(1)

انظر: جامع التحصيل، ص 34.

(2)

اللمع لأبي إسحاق الشيرازي، ص 41، مطبعة الحلبي بمصر سنة 1377 هـ.

(3)

انظر: الكفاية، ص 404 - 405.

(4)

انظر: مناقب الشافعي 2/ 31.

(5)

وبقية كلام الشافعي وهو الشق الخامس: أن يكون المرسل إذا سمي من روى عنه لم يسم مجهولًا ولا مرغوبًا عن الرواية عنه.

والشق السادس: أن يكون المرسل إذا شرك أحدًا من الحفاظ في حديث لم يخالفه =

ص: 176

ثم قال البيهقي: فالشافعي (أ) يقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكدها، فإن لم ينضم إليها ما يؤكدها لم يقبلها، سواء كان مرسل ابن المسيب أو غيره. قال: وقد ذكرنا مراسيل لابن المسيب لم يقل بها الشافعي حين لم ينضم إليها ما يؤكدها، ومراسيل لغيره قال بها حين انضم إليها ما يؤكدها (1).

قال: وزيادة ابن المسيب على غيره في هذا أنه أصح التابعين إرسالًا فيما زعم الحفاظ (2)، فهذا كلام الخطيب والبيهقي وإليهما المنتهى في التحقيق ومحلهما من العلم.

ثم بنصوص الشافعي ومذهبه وطريقته معروف.

وأما قول الإمام أبي بكر القفال المروزي (3) في أول شرح التلخيص: قال الشافعي في الرهن الصغير: مرسل ابن المسيب عندنا

(أ) في (ك): قال الشافعي. ي وهو خطأ.

= فإن خالفه وجد حديثه أنقص: كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه. انظر: الرسالة، ص 462 - 463، فقرة 1271 - 1272.

(1)

مناقب الشافعي 2/ 32، وبمعناه في معرفة السنن والآثار 1/ 30 من المكتبة الآصفية بالهند، وفي المدخل إلى دلائل النبوة، (ص 6/ أ) كلاهما له.

(2)

مناقب الشافعي 2/ 32.

(3)

هو الإِمام العلامة عبد الله بن أحمد بن عبد الله أبو بكر القفال المروزي كان أحد أركان مذهب الشافعي، عاش تسعين سنة ومات سنة سبع عشرة وأربعمائة، وفيات الأعيان 3/ 46؛ شذرات الذهب 3/ 207؛ معجم البلدان 5/ 116؛ وطبقات الشافعية 3/ 198.

ص: 177

حجة (1). فهو محمول على ما ذكره البيهقي والخطيب (2) والله أعلم.

(1) انظر: قول الشافعي في الرهن الصغير في الأم 3/ 188، وإليك قوله بنصه. قال: فكيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعًا، ولم تقبلوه عن غيره؟ قلنا: لا نحفظ أن ابن المسيب روى منقطعًا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ولا أثره عن أحد فيما عرفناه عنه إلا ثقة معروف، فمن كان بمثل حاله، قبلنا منقطعه، ورأينا غيره يسمى المجهول ويسمى من يرغب عن الرواية عنه ويرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن بعض من لم يلحق من أصحابه المستنكر الذي لا يوجد له شيء يسدده، ففرقنا بينهم لافتراق أحاديثهم ولم نحاب أحدًا، ولكنا قلنا في ذلك بالدلالة البينة على ما وصفناه من صحة روايته. انتهى.

(2)

قال العلائي: وقد تأول الخطيب والبيهقي قول الشافعي، واختاره النووي، وفي كل ذلك نظر، لقول الشافعي رحمه الله: وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع سعيد بن المسيب. فإن هذا ظاهر في استثنائه مراسيله من بين جميع المراسيل وأنها تقبل بمجردها، ويعتضد ذلك بنصه الذي نقله المزني عنه في المختصر أيضًا، ولو كان أراد بذلك ما إذا اعتضدت بشيء من هذه الوجوه لم يكن لاستثناء مراسيل سعيد وحده فائدة، بل مراسيل غيره كذلك، إذا اعتضدت.

وكذلك قال غير الشافعي في مراسيل ابن المسيب، وهو عبد الله بن عمر رضي الله عنه، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس وأحمد ويحيى بن معين، فهذا كله يعضد أن مراد الشافعي رحمه الله بكلامه استثناء مراسيل ابن المسيب وقبولها مطلقًا من غير أن يعتضد بشيء وقول الخطيب: أن الشافعي لم يقل ببعضها، لا يرد ذلك، إلا إذا صرح برده لكونه مرسلًا، إذ يجوز أن يكون تركه لمعارض راجح عليه، كما في الحديث المسند إذا عارضه ما يرجح عليه. وقوله: إنه لم يوجد بعضها مسندًا. لا يرد أيضًا، لأن الحكم إنما ترتب في قبول ما أرسله على اعتبار غالب مراسيله والبحث عنها وعلى ما عرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة مشهور، أو من هو من الصحابة وهو الغالب.

قال: ولا يختص ذلك بابن المسيب، بل الذي يظهر ولا بد أن من كان مثل ابن المسيب وعرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن عدل مشهور فمراسيله يحتج بها وإن لم تعتضد، والقول بقصر هذا الحكم على ابن المسيب ظاهرية محضة ولا وجه له. قال: وهذا القول أعدل المذاهب وبه يحصل الجمع بين الأدلة. جامع =

ص: 178

وبسطنا الكلام في هذا النوع لكونه وقع في الكتاب مختصرًا، مع أنه من أجل الأبواب، فإنه أحكام محضة ويكثر استعماله بخلاف غيره، والله أعلم.

= التحصيل، ص 44 - 47 و 96؛ مناقب الشافعي 2/ 31؛ ومعرفة السنن والآثار (ج 1/ 30)؛ والمدخل إلى دلائل النبوة (5/ ب)؛ مختصر المزني في آخر كتاب الأم 8/ 176؛ الكفاية، ص 404 - 405؛ كتاب المجموع 1/ 104؛ النكت 2/ 342.

فائدة: قال السخاوي: المرسل مراتب - أعلاها، ما أرسله صحابي ثبت سماعه، ثم صحابي له رؤية فقط ولم يثبت سماعه، ثم المخضرم، ثم المتقن كسعيد بن المسيب، ويليها من كان يتحرى في شيوخه كالشعبي ومجاهد ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد كالحسن. فتح المغيث 1/ 148؛ قواعد التحديث، ص 144.

ص: 179

النوع العاشر: المنقطع

الصحيح الذي ذهب إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم والخطيب (1) وابن عبد البر (2) وغيرهما من المحدثين: أن المنقطع، ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان الانقطاع (3)، إلا أن أكثر ما يوصف، بالانقطاع (أ) في الاستعمال، رواية (ب) من دون التابعي عن الصحابي كمالك عن ابن عمر (4).

وقد تقدم (5) عن الحاكم، أن المنقطع ما اختل فيه قبل الوصول إلى

(أ) في (ك): الانقطاع. بدون الباء الجارة.

(ب) في (ص): راويه. وهو تحريف.

(1)

الكفاية، ص 21.

(2)

التمهيد 1/ 21، وقال: المنقطع عندي كل ما لا يتصل سواء كان يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره. انتهى.

(3)

أي سواء كان الساقط منه واحد أو اثنين فصاعدًا، وسواء كان هذا الساقط من موضع واحد أو أكثر، وسواء كان على جهة التوالي أولًا، وسواء يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى غيره، أي فيدخل فيه المرسل والمعضل والمعلق والموقوف على الصحابي، فتح المغيث 1/ 149 - 150.

(4)

الكفاية، ص 21، ونص كلامه: المنقطع مثل المرسل إلا أن هذه العبارة تستعمل غالبًا في رواية من دون التابعي عن الصحابة مثل أن يروي مالك بن أنس عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. انتهى.

(5)

أي في بحث المرسل، ص 168.

ص: 180

التابعي (1) رجل، سواء كان محذوفًا أو مذكورًا مبهمًا، كرجل (2) وشيخ ونحوه (3) وحكى الخطيب عن بعض (4) العلماء أنه ما روى عن التابعي أو من دونه موقوفًا عليه من قوله أو فعله (5). وهذا غريب (6)

(1) قال العراقي: قول الحاكم: قبل الوصول إلى التابعي. ليس بجيد، فإنه لو سقط التابعي كان منقطعًا أيضًا، فالأولى أن يعبر: بقبل الصحابي. ووافقه عليه محمد بن إبراهيم الوزير. التبصرة والتذكرة 1/ 159؛ توضيح الأفكار 1/ 324. وقال السخاوي: بين الحاكم، أن المنقطع على ثلاثة أنواع، فأولها رواية أبي العلاء بن الشخير عن رجلين من بني حنظلة عن شداد بن أوس الصحابي. وثانيهما، ما أتى فيه الإِبهام في بعض الروايات مع كونه مسمى في رواية أخرى. والثالث، ما في سنده قبل الوصول إلى التابعي الذي هو محل الإِرسال راو لم يسمع من الذي فوقه، وذكر له مثالًا فيه قبل التابعي الذي هو محل الإرسال راو لم يسمع من الذي فوقه، وذكر له مثالًا فيه قبل التابعي سقط من موضعين، فظهر أنه لم يحصر المنقطع في الساقط قبل الوصول إلى التابعي، بل جعله نوعًا منه وهو كذلك بلا شك. فتح المغيث 1/ 150.

(2)

قلت: كلام الحاكم ليس على إطلاقه كما قال المصنف، بل فيه تفصيل، وهو أنه كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو يسمى منقطعًا، وإن روى من طريق مبهمة وطريق مفسرة، فلا يسمى منقطعًا لمكان الطريق المفسرة. ولكن لم يسلم هذا القول للحاكم، بل رد عليه العلائي والعراقي وابن حجر ومحمد بن إبراهيم بن الوزير، وقالوا: بل هو متصل في إسناده مجهول.

وقال السخاوي: لكن ليس ذلك على إطلاقه، بل هو مقيد بأن يكون المبهم صرح بالتحديث ونحوه، لاحتمال أن يكون مدلسًا، وهو ظاهر. جامع التحصيل، ص 108؛ التبصرة والتذكرة 1/ 155؛ النكت 1/ 349؛ توضيح الأفكار 1/ 316؛ فتح المغيث 1/ 144.

(3)

انظر: قول الحاكم في معرفة علوم الحديث، ص 27، 28.

(4)

المراد هنا ببعض العلماء هو الحافظ أبي بكر أحمد بن هارون بن روح البرد يحيى البردعي. التبصرة والتذكرة 1/ 124؛ النكت 2/ 361؛ فتح المغيث 1/ 106.

(5)

الكفاية، ص 21.

(6)

لأن المعروف، أن ذلك مقطوع لا منقطع، كما تقدم. التدريب 1/ 208.

ص: 181

بعيد (1). والله أعلم.

(1) قلت: هذه الأقوال الثلاثة ليس فيها تفريق جيد بين المرسل والمنقطع، وأكثر المحدثين على التغاير بينهما عند إطلاق اسمهما ولذلك، ينبغي أن يعرف المنقطع بحيث يفترق عن المرسل كما فرق بينهما العراقي وابن حجر ومحمد بن إبراهيم الوزير، وخلاصة قولهم: المنقطع هو ما سقط من رواته راو واحد غير الصحابي أو أكثر بشرط عدم التوالي. فبشرط غير الصحابي افترق عن المرسل، وبشرط عدم التوالي امتاز عن المعضل. التبصرة والتذكرة 1/ 158؛ نزهة النظر، ص 42؛ توضيح الأفكار 1/ 324.

ص: 182

النوع الحادي عشر: المعضل

أصحاب الحديث يقولون: أعضله، فهو معضل (1) بفتح الضاد، وهو عبارة عن ما سقط من إسناده اثنان فصاعدًا (2)، كقول مالك وغيره من تابعي التابعين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكقول الشافعي وغيره من أتباع الأتباع: قال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما. ويسمى منقطعًا كما سبق (3) ويسمى مرسلًا عند جماعة كما تقدم (4).

ومن المعضل قول الفقهاء وغيرهم: قال (5) رسول الله صلى الله

(1) المعضل، هو بفتح المعجمة من الرباعي والمتعدي، يقال: أعضل الداء الأطباء، أي أعياهم وغلبهم، وداء عضال هو معي غالب.

انظر: القاموس، مادة (ع ض ل).

وسمي الحديث معضلًا، لأن المحدث الذي حدث الحديث بهذا الطريق فقد أعضله حيث ضيق المجال على من يرويه، وحال بينه وبين معرفة رواته بالجرح والتعديل، وشدد عليه الحال. النكت 2/ 367؛ فتح المغيث 1/ 151؛ توضيح الأفكار 1/ 327.

(2)

لكن بشرط التوالي، أما إذا لم يتوالى فهو منقطع من موضعين.

قال العراقي: لم أجد في كلامهم إطلاق المعضل عليه. التذكرة والتبصرة 1/ 160؛ التقييد والإِيضاح، ص 81؛ فتح المغيث 1/ 152؛ التدريب 1/ 211.

(3)

أي في بحث المنقطع من قول الخطيب وابن عبد البر وغيرهما، ص 180.

(4)

أي في بحث المرسل من قول الخطيب وغيره من أهل الفقه والأصول، ص 168، 169.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 55؛ اختصار علوم الحديث، ص 51.

ص: 183

عليه وسلم. وذكر أبو نصر السجزي (1) الحافظ: قول (أ) الراوي: بلغني (2)، نحو قول مالك: بلغني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للملوك طعامه وكسوته (3). وقال: أصحاب الحديث يسمونه المعضل.

وإذا روى تابع التابعي عن (ب) التابعي حديثًا، وقفه عليه،

(أ) في (هـ): قال الراوي.

(ب) كلمة: عن التابعي. ساقطة من (ص)، و (هـ).

(1)

هو الإمام الحافظ علم السنة أبو نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي البكري السجزي نزيل الحرم ومصر، صاحب الإبانة الكبرى في مسألة القرآن. توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة. المنتظم 8/ 310؛ تذكرة الحفاظ 3/ 118؛ اللباب 3/ 352.

(2)

قد سبق لي أن ذكرت في بحث المنقطع أن قول المحدث: حدثني فلان عن رجل. منقطع عند الحاكم لكون الرجل مبهمًا بشرط ألا يروى من طريق واحدة، فإن روى من طريقين، مبهمة ومفسرة، لا يسمى منقطعًا لمكان الطريق المفسرة، وقلت: هناك: إنّ هذا القول ليس بمسلم للحاكم، بل رد عليه الناس وقالوا: بل هو متصل في إسناده مجهول، ولو لم يكن له طريق آخر، وقال ابن حجر والسخاوي: قول مالك: بلغني عن أبي هريرة رضي الله عنه. يقتضي مبلغًا، قلت: فهو على هذا من قبيل إسناد فيه مجهول. فقول أبي نصر السجزي مردود على مذهب الإمام الحاكم وعلى مذهب غيره. أما على مذهب الحاكم فلورود الحديث المذكور من عدة طرق، كما هو ظاهر من التخريج فيما بعد، وأما على مذهب الجمهور، فلاقتضاء هذا السند مبلغًا، وهو من قبيل إسناد فيه مجهول فخرج الحديث الممثل به بهذا التقرير من ورطة الاعضال، فتأمل.

(3)

وتمام الحديث: بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق.

انظر: الموطأ، باب الأمر بالرفق بالمملوك 3/ 145، مع تنوير الحوالك ومسلم، باب إطعام المملوك مما يأكل 3/ 1284، (ح رقم 1662، ومسند أحمد 2/ 342، 247 كلاهما موصولًا، ومعرفة علوم الحديث، ص 37، متصلًا ومعضلًا.

ص: 184

وهو مرفوع متصل عند ذلك التابعي، فقد جعله الحاكم نوعًا من المعضل (1)، وهذا حسن (أ)، لأن التابعي أعضله فأسقط اثنين، الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

فروع

أحدها: الإسناد المعنعن (3)، وهو الذي فيه فلان عن فلان. ذهب بعض العلماء إلى أنه مرسل (4)، والصحيح الذي عليه العمل وقاله جمهور العلماء المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول وغيرهم، أنه متصل (5). وقد

(أ) في (هـ): هذا أحسن.

(1)

معرفة علوم الحديث، ص 37.

(2)

قال الجوزجاني بسنده إلى عبد الرحمان بن مهدي قال: إن المنقطع عندنا أسوأ حالًا من المرسل والمعضل عندنا أسوأ حالًا من المنقطع. الأباطيل 1/ 12؛ النكت 2/ 368؛ فتح المغيث 1/ 154؛ توضيح الأفكار 1/ 329.

(3)

هو لغة من عنعن الحديث عنعنة، وهو مصدر جعلي مأخوذ من لفظ "عن فلان" كأخذهم حولق وحوقل، من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

واصطلاحًا: إذا رواه بلفظ "عن" من غير بيان للتحديث أو الاخبار أو السماع. فتح المغيث 1/ 155؛ التدريب 1/ 214؛ توضيح الأفكار 1/ 330.

(4)

التبصرة والتذكرة 1/ 164؛ فتح المغيث 1/ 158، وقال: نقله الرامهرمزي في المحدث الفاصل عن بعض المتأخرين من الفقهاء. انتهى.

مقدمة شرح مسلم، ص 32؛ توضيح الأفكار 1/ 335، وقال: نقل عن النووي أنه قال: هذا المذهب مردود بإجماع السلف. انتهى.

(5)

مقدمة صحيح مسلم، ص 130؛ مقدمة شرح مسلم، ص 32؛ التبصرة والتذكرة 1/ 163؛ فتح المغيث 1/ 155؛ التدريب 1/ 214؛ توضيح الأفكار 1/ 330.

ص: 185

أودعه المشترطون (1) للصحيح الذين (أ) لا يقولون بالمرسل (ب) تصانيفهم، وادعى أبو عمرو الداني (2) إجماع أهل النقل عليه (3). وكاد (ج) ابن عبد البر يدعي إجماع أهل الحديث عليه (4). وهذا إذا أمكن لقاء الذين أضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضًا مع براءتهم من التدليس.

(أ) في (ص): الذي.

(ب) في (هـ): المراسيل.

(ج) في (ك): وكان ابن عبد البر.

(1)

في إطلاق هذا القول نظر لأن البخاري (مصنف أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى) لم يودع كتابه شيئًا من هذا لأنه من المعلوم لا يكتفي بإمكان اللقاء بل يشترط ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة، وقد ذكر المصنف نفسه في آخر هذا الفرع مذهب البخاري، فقال: إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة الحديث علي بن المديني والبخاري وغيرهما.

وأما مسلم رحمه الله فلا شك أن هذا مذهبه ولكنه أيضًا لم يودع شيئًا منه في كتابه، كما قال بدر بن جماعة: واكتفى مسلم بثبوت المعاصرة، وهذا مذهبه مع عدم تحقق عمله به في كتابه. وقال المصنف في مقدمة شرح مسلم: وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في صحيحه بهذا المذهب لكونه يجمع طرقًا كثيرة يتعذر معها وجود هذا الحكم الذي جوزه. فما أدرى كيف خالف قوله هنا؟ المنهل الروي (1/ أ)؛ مقدمة شرح مسلم، ص 14.

(2)

هو الإِمام الحافظ شيخ الإِسلام أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمرو الداني القرطبي المقري صاحب التصانيف، عرف بالداني لسكناه بدانية. مات سنة أربع وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1120؛ شذرات الذهب 3/ 272.

(3)

معرفة علوم الحديث، ص 34؛ الكفاية، ص 291؛ اختصار علوم الحديث، ص 52.

(4)

لا حاجة إلى قول المصنف: وكاد. فقد ادعى الإِجماع. فقال في مقدمة التمهيد: أعلم وفقك الله أني تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت في كتب من اشترط =

ص: 186

واختلف (1) في اشتراط ثبوت اللقاء (1) بينهما، وفي اشتراط طول الصحبة. فمنهم من اشترط ثبوت اللقاء فحسب قاله أبو بكر الصيرفي (2) وغيره.

وقال أبو المظفر السمعاني (3): يشترط طول الصحبة بينهما (4).

= الصحيح في النقل منهم، ومن لم يشترطه: فوجدتهم أجمعوا على قبول الإِسناد المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك، إذا جمع شروطًا ثلاثة، وهي:

1 -

عدالة المحدثين في أحوالهم.

2 -

لقاء بعضهم بعضًا مجالسة ومشاهدة.

3 -

أن يكونوا براء من التدليس.

التمهيد 1/ 12؛ التبصرة والتذكرة 1/ 163؛ فتح المغيث 1/ 156؛ التدريب 1/ 215؛ توضيح الأفكار 1/ 330.

(1)

قاله الصيرفي في شرح الرسالة - قلت: وهو مقتضى كلام الشافعي في الرسالة حيث قال: وكان قول الرجل: سمعت فلانًا يقول: سمعت فلانًا وقوله: حدثني فلان عن فلان سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عن من لقي، إلا ما سمع منه، ممن عناه بهذا الطريق قبلنا منه حدثني فلان عن فلان. الرسالة، ص 378، 379.

فذكر أنه إنما قبل العنعنة لما ثبت عنده أن المعنعن غير مدلس، وإنما يقول: عن فيما سمع فأشبه ما ذهب إليه البخاري من أنه إذا ثبت اللقي ولو مرة حملنا عنعنة غير المدلس على السماع مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك وعزاه المصنف إلى المحققين. مقدمة شرح مسلم، ص 32؛ فتح المغيث 1/ 157.

(2)

هو الإِمام الأصولي الفقيه أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي المعروف بالشافعي المعروف بالصيرفي وهي نسبة إلى الصيارفة الذين يبيعون الذهب، له تصانيف في أصول الفقه، وشرح رسالة الشافعي، كان فهمًا عالمًا، مات سنة ثلاثين وثلاثمائة. اللباب 2/ 254؛ شذرات الذهب 2/ 325.

(3)

هو الإِمام فقيه خراسان أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار أحمد التميمي السمعاني الحنفي ثم الشافعي، مات سنة تسع وثمانين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 4/ 1227؛ اللباب 2/ 139.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 60؛ التبصرة والتذكرة 1/ 164؛ التدريب 1/ 215.

ص: 187

وقال أبو عمرو (أ) المقري (1): يكون معروفًا بالرواية عنه (2). وقال (ب) أبو الحسن القابسي (3): إذا أدركوا إدراكًا بينًا (4).

وأنكر (ج) مسلم في خطبة صحيحة على بعض أهل عصره حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء وادعى مسلم بن الحجاج أن هذا الشرط مخترع لم يسبق قائله إليه وإن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديمًا وحديثًا: أنه يكفي لكونهما في عصر واحد وإن لم (د) يأت في خبرٍ قط أنهما اجتمعا (5). وقد رد هذا القول على مسلم (6)، وقيل: أن

(أ) في (ك): أبو بكر.

(ب) في (ص) و (هـ): قال. أي بدون الواو للعطف.

(ج) في (هـ): فأنكر.

(د) كلمة: إن ساقطة من (ك).

(1)

هو أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني.

(2)

انظر: الهامش رقم 4، ص 187.

(3)

هو الحافظ المحدث الفقيه الإِمام علامة المغرب أبو الحسن علي بن محمد بن خلف العافري الفروى القابسي، كان زاهدًا ورعًا معترفًا بفضله حافظًا للحديث والعلل، مات سنة ثلاث وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1079؛ شذرات الذهب 3/ 168.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 60؛ التبصرة والتذكرة 1/ 164؛ مقدمة شرح مسلم، ص 32؛ التدريب 1/ 215.

(5)

مقدمة صحيح مسلم، ص 130؛ الموقظة (33/ ألف من مجموع رقم 1005)؛ التبصرة والتذكرة 1/ 163؛ فتح المغيث 1/ 157؛ التدريب 1/ 115؛ توضيح الأفكار 1/ 331.

(6)

قال السخاوي: ووجهه فيما يظهر، ما علم من تجويز أهل ذلك العصر للإرسال، فلو لم يكن مدلسًا، وحدث بالعنعنة عن بعض من عاصره، لم يدل ذلك على أنه سمع منه، لأنه وإن كان غير مدلس، فقد يحتمل أن يكون أرسل عنه لشيوع =

ص: 188

القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة الحديث على ابن المديني، والبخاري (1) وغيرهما، والله أعلم.

قال الشيخ رحمه الله وكثر في عصرنا وما قاربه استعمال عن في الإِجازة، فإذا قال أحدهم: قرأت على فلان عن فلان، أو نحوه، فاعلم أنه رواه عنه بالإِجازة ولا يخرجه ذلك عن الاتصال (2).

(أ) في (هـ): عن.

(ب) في (ت): وقع هنا طمس.

= الإرسال بينهم، فاشترطوا أنه لقيه وسمع منه لتحمل عنعنته على السماع، لأنه لو لم يحمل حينئذ على السماع، لكان مدلسًا، والفرض السلامة من التدليس، وقال ابن حجر في ترجمة أبي قلابة الجرمي: أنه روى عن جماعة لم يسمع منهم، ولا يعرف له تدليس، وهذا مما يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء وغير مكتف بالمعاصرة. انتهى. فتح المغيث 1/ 157؛ تهذيب التهذيب 5/ 226؛ وللتفصيل.

انظر: النكت 2/ 380؛ وتوضيح الأفكار 1/ 331؛ وقد صنف في هذه المسألة أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد الفهري السبتي كتابًا أسماه (السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الشيخين في الإِسناد المعنعن) فإني لم أر مثله في هذا الباب.

(1)

ادعى ابن كثير في اختصار علوم الحديث، إن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه، لا في أصل الصحة. انتهى. قال ابن حجر أخطأ ابن كثير في هذه الدعوى، بل هذا شرط في أصول الصحة عند البخاري، فقد أكثر من تعليل الأحاديث في تاريخه بمجرد ذلك. اختصار علوم الحديث، ص 52؛ النكت 2/ 380؛ مقدمة الفتح، ص 12؛ فتح المغيث 1/ 157.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 56.

قال السخاوي: وإنما لم يثبت ابن الصلاح الحكم في أنه رواه بالإِجازة، لكونه كان قريبًا من وقت استعمالهم لها كذلك وقبل فشوه، وأما الآن فقد تقرر واشتهر فليجزم به. فتح المغيث 1/ 163؛ قلت سوف يأتي تحقيقه في بحث الإجازة، ص 368، 369.

ص: 189

الفرع الثاني: اختلفوا في قول الراوي: أن فلانًا قال كذا، مثاله مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب قال: كذا، هل هو بمنزلة عن في حمله على الاتصال إذا وجد الشرط (1) الذي تقدم (2)، أم يكون مطلقه (أ) محمولًا على (ب) الانقطاع حتى يتبين السماع في ذلك الخبر من جهة أخرى، فقال أحمد (3) بن حنبل

(أ) كلمة: مطلقه. ساقطة من (ص) و (هـ).

(ب) كلمة: على. مطموسة في (ت).

(1)

أي إذا أمكن لقاء الذين أضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضًا، مع براءتهم من التدليس.

(2)

أي في الفرع الذي قبل هذا في ص 186.

(3)

ذكر الخطيب قولي الإِمام مالك وأحمد، فقال: قال الإِمام أحمد: كان مالك زعموا يرى "عن فلان"، وأن فلانًا سواء.

وقال: قيل لأحمد: أن رجلًا قال: عن عروة أن عائشة قالت: يا رسول الله. وعن عروة عن عائشة: هل هما سواء؟ قال: كيف هذا سواء؟ ليسا بسواء.

قال ابن حجر: قلت: ليس كلام كل منهما على إطلاقه، وذلك يتبين من نص سؤال كل منهما. قال: أما قول مالك، فهو واضح. ثم ساق النص المذكور عن الإِمام أحمد، وقال: فقد ظهر الفرق بين مراد مالك وأحمد. وحاصله أن الراوي إذا قال: عن فلان. فلا فرق أن يضيف إليه القول أو الفعل في اتصال ذلك عند الجمهور بشرطه السابق (يعني اللقاء بين المعنعن وشيخه وبراءته من التدليس). وإذا قال: إن فلانًا. ففيه فرق، وذلك أن ينظر، فإن كان خبرها قولًا لم يتعد لمن لم يدركه، التحقت بحكم "عن" بلا خلاف. كأن يقول التابعي: إن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت. فهو نظير ما لو قال: عن أبي هريرة أنه قال: سمعت كذا.

وإن كان خبرها فعلًا، نظر، إن كان الراوي أدرك ذلك التحقت بحكم "عن" وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها. الكفاية، ص 407؛ النكت 2/ 379؛ التبصرة والتذكرة 1/ 168؛ فتح المغيث 1/ 162؛ التدريب 1/ 217.

ص: 190

ويعقوب (1) بن شيبة وأبو بكر البرديجي (2): مطلقه محمول على الانقطاع (3).

(1) هو الحافظ العلامة أبو يوسف يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عصفور السدوسي البصري، نزيل بغداد صاحب المسند الكبير المعلل، ما صنف مسند أحسن منه لكنه ما أتمه، مات سنة إثنتين وستين ومائتين. تاريخ بغداد 14/ 281؛ تذكرة الحفاظ 2/ 577.

قال ابن الصلاح: قال ابن شيبة: هذا القول في مسنده، فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير. عن ابن الحنفية عن عمار رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه فرد على السلام، وجعله مسندًا موصولًا. وذكر رواية قيس بن سعد لذلك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفية: أن عمار أمر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. فجعله مرسلًا من حيث كونه قال: إن عمارًا فعل، ولم يقل: عن عمار.

قال العراقي: إن ابن الصلاح لم يفهم قصد ابن شيبة. وبيان ذلك، أن يعقوب، لم يجعله مرسلًا من حيث لفظ "أن" وإنما جعله مرسلًا من حيث أنه لم يسند حكاية القصة إلى عمار، وإلا فلو قال: إن عمارًا قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم، لما جعله مرسلًا، فلما أتى به بلفظ "أن عمار مر"، كان محمد بن الحنفية هو الحاكي لقصة لم يدركها، لأنه لم يدرك مرور عمار بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان نقله لذلك مرسلًا. انتهى. وقال ابن حجر والسخاوي بمعناه. مقدمة ابن الصلاح، ص 58؛ التبصرة والتذكرة 1/ 170؛ النكت 2/ 377؛ فتح المغيث 1/ 160؛ التدريب 1/ 217.

(2)

هو الإِمام الحافظ الثبت أبو بكر أحمد بن هارون بن روح البرديجي البردعي نزيل بغداد، مات سنة إحدى وثلاثمائة. تاريخ بغداد 5/ 194؛ تذكرة الحفاظ 2/ 746.

(3)

انظر قول البرديجي في التمهيد 1/ 29، وبقية كلامه: حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من طريق آخر، أو يأتي ما يدل على أنه قد شهده وسمعه. انتهى.

قال السخاوي: لم ينفرد البرديجي بذلك. فقد قال أبو الحسن الحصار: إن فيها اختلافًا، والأولى أن تلحق بالمقطوع، إذ لم يتفقوا على عددها في المسند. انتهى.

قال الذهبي عقب قول البرديجي: أنه قوي. وقال ابن عبد البر بعد ذكر قول البرديجي. هذا عندي لا معنى له. التمهيد 1/ 26؛ فتح المغيث 1/ 16.

ص: 191

وقال مالك (1):

ان وعن سواء، وحكى ابن عبد البر عن جمهور أهل العلم: إن أن وعن سواء، وأنه لا اعتبار بالحروف و (أ) الألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة (2) يعني مع السلامة من التدليس، فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحًا، كان حديث بعضهم عن بعض بأي لفظ (3) ورد محمولًا على الاتصال، حتى يتبين الانقطاع (4)، وهكذا أطلق أبو بكر الصيرفي الشافعي فقال: كل من علم له سماع من إنسان أو لقاء (ب) إنسان فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه (5).

ومن أمثلة غير عن وأن من الحروف قال، كمالك عن نافع قال ابن (ج) عمر، وكذلك فعل أو ذكر أو حدث أو كان يقول: كذا، وما جانس (د) ذلك، فكله محمول على الاتصال وانه تلقاه منه بلا واسطة بينهما، إذ أثبت

(أ) كلمة: (و) ساقطة من (ك).

(ب) في (هـ): لقي. بصيغة المصدر.

(ج) كلمة: ابن ساقطة من (هـ).

(د) في (ك)

أو ما جانس ذلك.

(1)

انظر: الهامش رقم 1، ص 190.

(2)

قال الصنعاني: هذا القيد في غير الأعمى. انتهى. توضيح الأفكار 1/ 337.

(3)

لكن ينبغي تقييده بمن لم يعلم له استعمال خلافه، كالبخاري، فإنه قد يورد عن شيوخه "بقال" ما يرويه في موضع آخر بواسطة عنهم. النكت 2/ 384؛ فتح المغيث 1/ 161.

(4)

التمهيد 1/ 26؛ وبيان الوهم والإِيهام 1/ 96.

(5)

انظر معنى هذا القول في رسالة الشافعي رحمه الله، ص 379، فقرة 132؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 59.

ص: 192

اللقاء وانتفى التدليس (1). قال الشيخ رحمه الله: وهذا الحكم لا أراه يستمر (2) بعد المتقدمين مما (أ) وجد من المصنفين في تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين: قال فلان، ذكر فلان (3). والله أعلم (ب).

الثالث: التعليق الذي يذكره الحميدي (4) في الجمع بين الصحيحين وغيره من المغاربة في أحاديث من صحيح البخاري، قطع إسنادها. وقد استعمله الدارقطني (4). صورته صورة المنقطع، وليس حكمه (5) على

(أ) في (هـ): كما.

(ب) في هامش (ك): بلغ مقابلة.

(1)

التمهيد 1/ 26؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 59؛ التقييد والإيضاح، ص 88؛ فتح المغيث 1/ 191؛ التدريب 1/ 217.

(2)

أي فليس له حكم الاتصال إلا أن كان له من شيخه إجازة، يعني فإنه لا يلزم من كونه سمع عليه أو أخذ عنه أن تكون له منه إجازة. فتح المغيث 1/ 162.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 61؛ التقييد والإِيضاح، ص 89؛ فتح المغيث 1/ 162.

(4)

انظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (ج 1/ 3 / أو 4/ أ) والإِلزامات والتتبع، ص 151، 283.

(5)

وتتمة قول ابن الصلاح: ولا خارجًا ما وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف، وذلك لما عرف من شرطه وحكمه. انتهى.

وقال العراقي: إن ابن الصلاح يحكم بصحتها إلى من علقها عنه إذا ذكره بصيغة الجزم، ولا يظن بالبخاري أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمن جزم به عنه، فأما إذا ذكر فيما أبرز من السند ضعيفًا فإنه ليس صحيحًا عند البخاري. انتهى. وقد تكلم ابن حجر على هذه المسألة بنوع من التفصيل، فقال: المعلق من المرفوعات على قسمين:

أحدهما: ما يوجد في موضع آخر من كتاب البخاري موصولًا.

ثانيهما: ما لا يوجد فيه إلا معلقًا. وهذا الذي لا يوجد فيه إلا معلقًا فإنه على صورتين: =

ص: 193

ما تقدم بيانه في الفائدة السادسة من النوع الأول، ولا التفات إلى الحافظ أبي محمد ابن حزم الظاهري (1)(أ) في رده ما أخرجه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري (2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن (ب) في أمتي أقوام يستحلون الحرير (ج) والخمر

(أ) في (ك): ابن حزم الظاهر.

(ب) في (ص): ليكون.

(ج) في (هـ): الخنزير.

= إما أن يورده بصيغة الجزم، وإما أن يورده بصيغة التمريض.

فالصيغة الأولى يستفاد منها الصحة إلى من علق عنه، لكن يبقى النظر فيمن أبرز من رجال ذلك الحديث، فمنه ما يلتحق بشرطه ومنه ما لا يلتحق، والذي لا يلتحق بشرطه، فقد يكون صحيحًا على شرط غيره، وقد يكون حسنًا صالحًا للحجة، وقد يكون ضعيفًا، لا من جهة قدح في رجاله، بل من جهة انقطاع يسير في إسناده.

والصيغة الثانية: وهي صيغة التمريض، لا تستفاد منها الصحة إلى من علق عنه لكن فيه ما هو صحيح، وفيه ما ليس بصحيح. انتهى ملخصًا.

قلت: وقد مثل ابن حجر لكل ما قال لكن المقام لا يسع لذكره.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 91؛ التقييد والإِيضاح، ص 90؛ مقدمة الفتح، ص 17، 18؛ توضيح الأفكار 1/ 138.

(1)

هو الإِمام الحافظ المجتهد أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري، صاحب التصانيف النافعة، كان عاملًا بعلمه، زاهدًا في الدنيا من تصانيفه المحلى. توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1146؛ شذرات الذهب 3/ 299.

(2)

أبو مالك الأشعري، قيل: اسمه عبيد، أو عبد الله أو عمرو أو كعب بن كعب أو عامر بن الحارث، صحابي، مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة. الإِصابة 4/ 171؛ تحفة الأشراف 9/ 280.

ص: 194

والمعازف (1) حيث قال البخاري: قال هشام (2) بن عمار وساق الإِسناد.

فزعم (3) ابن حزم أنه منقطع بين البخاري وهشام (4)، وأخطأ في ذلك من وجوه (5).

(1) انظر: صحيح البخاري، كتاب الأشربة، باب رقم 6/ حديث رقم 5590، 10/ 51؛ مع الفتح ولفظه: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمان بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري "والله ما كذبني" سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليكونن من أمتي أقوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة.

(2)

هو هشام بن عمار بن نصير أبو الوليد السلمي الدمشقي خطيب المسجد الجامع بها، صدوق مقري، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومائتين على الصحيح، روى له البخاري والأربعة. التقريب 2/ 320؛ الميزان 4/ 302.

(3)

انظر: قوله هذا في كتابه المحلي رقم المسألة 1565، 9/ 59.

(4)

قال ابن حزم بعد ذكر حديث البخاري: وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد، ولا يصح في هذا الباب شيءٌ أبدًا، وكل ما فيه فموضوع. المحلى 9/ 59؛ وقال في كتاب الأحكام: أعلم أن العدل، إذا روي عمن أدركه من العدول، فهو على اللقاء والسماع، سواء قال: أخبرنا أو حدثنا أو عن فلان، أو قال فلان، فكل ذلك محمول على السماع منه. انتهى، فيتعجب من مثله هذا التناقض ورده حديث المعازف ودعواه عدم الاتصال فيه. وقد أطال ابن حجر في شرح هذا الحديث، وفي الكلام على تعليق البخاري إياه وفي الرد على ابن حزم دعواه. ورد عليه ابن القيم أيضًا. الأحكام 1/ 158؛ فتح الباري 10/ 52 - 53؛ إغاثة اللهفان 1/ 260.

(5)

ذكر المصنف هذه الوجوه فقال: أحدها: أنه لا انقطاع في هذا أصلًا من جهة أن البخاري لقي هشامًا وسمع منه، وأنه إذا تحقق اللقاء والسماع مع السلامة من =

ص: 195

والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح (1)، والبخاري قد يفعل ذلك لكون الحديث معروفًا من جهة الثقات عن من علقه عنه أو لكونه ذكره في موضع آخر من كتابه مسندًا متصلًا أو لغير (2) ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع، وهذا الذي ذكرناه في المعلق

= التدليس، حمل ما يرويه عنه على السماع بأي لفظ كان، كما يحمل قول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على سماعه منه إذا لم يظهر خلافه وكذا غير، قال، من الألفاظ.

الثاني: أن هذا الحديث بعينه معروف الاتصال بصريح لفظه من غير جهة البخاري.

الثالث: أنه وإن كان ذلك انقطاعًا، فمثل ذلك في الكتابين غير ملحق بالانقطاع القادح لما عرف من عادتهما وشرطهما وذكرهما ذلك في كتاب موضوع لذكر الصحيح خاصة، فلن يستجيزا فيه الجزم المذكور من غير ثبت وثبوت بخلاف الانقطاع أو الإِرسال الصادر من غيرهما، هذا كله في المعلق بلفظ الجزم

إلخ.

انظر: مقدمة شرح مسلم 1/ 18؛ وأيضًا إغاثة اللهفان 1/ 260.

(1)

قد أخرج أبو داود هذا الحديث موصولًا برقم 3881 كتاب اللباس باب ما جاء في الخز.

انظر: مختصر سنن أبي داود للمنذري 7/ 28، وقال المنذري: أخرجه البخاري تعليقًا وقد استقصى ابن حجر طرق هذا الحديث في الفتح 10/ 52؛ ومقدمة الفتح، ص 59 كتاب الأشربة.

(2)

وهو: أو أن البخاري أسند معناه في الباب، ولو من طريق آخر، فنبه عليه بالتعليق اختصارًا. أو أنه لم يسمعه ممن يثق به بقيد العلو، أو سمعه لكن في حالة المذاكرة، فقصد بذلك الفرق بين ما يأخذه عن مشايخه في حالة المذاكرة أو التحديث احتياطًا.

وأما الأسباب في تعليق ما هو متقاعد عن شرطه، فهو إما كونه في معرض المتابعة، أو الاستشهاد، ولا شك أن المتابعات يتسامح فيها بالنسبة إلى الأصول، وإنما يعلقها، وإن كانت عنده مسموعة لئلا يسوقها مساق الأصول أو أنه نبه به =

ص: 196

الذي أورده أصلًا ومقصودًا لا فيما (أ) أورده في معرض الاستشهاد، فإن الشواهد يحتمل فيها ما ليس من شرط الصحيح، معلقًا كان أو موصولًا.

ثم إن التعليق مستعمل فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر، واستعمله بعضهم في حذف (1) كل الإِسناد، مثاله قال (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا، قال ابن عباس: كذا، روى أبو هريرة كذا، قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: كذا، قال الزهري عن أبي سلمة (3) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا (ب) وهكذا إلى (ج) شيخ

(أ) في (ك): إلا فيما.

(ب) كلمة: كذا، ساقطة من (ك).

(ج) كلمة: إلى. ساقطة من (ص).

= على موضع يوهم تعليل الرواية التي على شرطه، أو غير ذلك. النكت 2/ 385؛ مقدمة الفتح، ص 17، 18؛ تغليق التعليق (3/ أ)؛ التبصرة والتذكرة 1/ 80؛ فتح المغيث 1/ 54؛ توضيح الأفكار 1/ 142.

(1)

حكاه ابن الصلاح وأقره؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 62.

(2)

قال السخاوي: لم يذكره المزي في أطرافه، بل ولا ما اقتصر فيه على الصحابي مع كونه مرفوعًا وكان يلزمه. ثم قال: وهل يلتحق بذلك ما يحذف فيه جميع الإِسناد مع عدم الإِضافة لقائل، كقول البخاري في صحيحه: وكانت أم الدرداء تجلس في الصلاة جلسة الرجل، وكانت فقيهة، وهو عنده في تاريخه الصغير وعند غيره عن مكحول، الظاهر نعم.

وقال السيوطي: لم يذكره أصحاب الأطراف، لأن موضوع كتبهم بيان ما في الأسانيد من اختلاف، أو غيره. فتح المغيث 1/ 55؛ التدريب 1/ 219؛ التبصرة والتذكرة 1/ 75؛ توضيح الأفكار 1/ 135؛ والتاريخ الصغير 1/ 193.

(3)

هو أبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف الزهري.

ص: 197

شيخه. وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فقد قدمنا في الفرع (1) قبل هذا، أنه محمول على السماع (2)، وجعله بعض المتأخرين من أهل المغرب قسمًا ثانيًا من التعليق، وأضاف إليه قول البخاري في مواضع من كتابه: وقال لي فلان، وزادنا فلان، فجعل ذلك من التعليق المتصل من حيث الظاهر، المنفصل من حيث المعنى، وقال: متى قال البخاري: وقال لي أو لنا (3) فاعلم أنه لم يذكره للاحتجاج بل للاستشهاد، والمحدثون يعبرون بهذا اللفظ عما جرى في المناظرات والمذاكرات، وأحاديث المذاكرة قل ما يحتجون (4)

(1) أي في الفرع الثاني حيث قال: فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحًا كان حديث بعضهم عن بعض بأي لفظ ورد، محمولًا على الاتصال، حتى يتبين الانقطاع، ص 192.

(2)

وبه قال ابن الصلاح في المقدمة، ص 63، وصوبه العراقي في التبصرة والتذكرة 1/ 76. وقال ابن حجر: اختلف في مثل هذا، هل يسمى تعليقًا أو لا؟ والصحيح في هذا التفصيل، فإن عرف بالنص أو الاستقراء أن فاعل ذلك مدلس، قضى به، وإلا فتعليق. وقال في الفتح: وقد تقرر عند الحفاظ، أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة المجزم، يكون صحيحًا إلى من علق عنه، ولو لم يكن من شيوخه. انتهى. واختاره السخاوي، وإليه ذهب المزي وابن دقيق العيد.

قلت: فإذا كان هشام بن عمار من مشايخه، فبالأولى يكون السند صحيحًا إليه. تغليق التعليق (3/ أ)؛ نزهة النظر، ص 40؛ فتح الباري 10/ 53؛ تحفة الأشراف 9/ 282؛ فتح المغيث 1/ 57.

(3)

قال الحافظ: لم يصب هذا المغربي في التسوية بين قوله: قال فلان وبين قوله: قال لي فلان. فإن الفرق بينهما ظاهر لا يحتاج إلى دليل، فإن "قال لي" مثل التصريح في السماع، و"قال" المجردة ليست صريحة أصلًا. النكت 2/ 386.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 63؛ المنهل الروي، ص 66.

ص: 198

بها (أ) قال (ب) الشيخ (1) رحمه الله: ما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف (ج) بالبخاري، وهو أبو جعفر (2) بن حمدان النيسابوري، قال: كل ما قال البخاري: قال لي، فهو عرض، ومناولة (3). والله أعلم.

وهذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار والطلاق لاشتراكهما في قطع الاتصال (4) قال الشيخ رحمه الله: ولم أجده مستعملًا فيما سقط وسط اسناده أو آخره، ولا في مثل يروى عن فلان، ويذكر عنه وشبهه مما ليس فيه

(أ) في (هـ): به. وهو خطأ.

(ب) من قوله: قال الشيخ رحمه الله إلى قوله - في قطع الاتصال. ساقط من (ص).

(ج) في (هـ): وأعرف منه.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 63.

(2)

هو الحافظ الزاهد القدوة المجاب الدعوة أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري النيسابوري، توفي قبل ابن خزيمة بأيام سنة إحدى عشرة وثلاثمائة، كان قد صنف الصحيح على شرط مسلم وكان يحيي الليل.

انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 761؛ وشذرات الذهب 2/ 261.

(3)

قال ابن حجر: فيه نظر، فقد رأيت في الصحيح عدة أحاديث، قال فيها البخاري: قال لنا فلان، وأوردها في تصانيفه خارج الجامع بلفظ: "حدثنا ووجدت في الصحيح عكس ذلك. وفيه دليل على أنهما مترادفان.

وقال: والذي تبين لي بالاستقراء من صنيعه أنه لا يعبر في الصحيح بذلك إلا في الأحاديث الموقوفة، أو المستشهد بها فيخرج ذلك حيث يحتاج إليه عن أصل مساق الحديث، ومن تأمل ذلك في كتابه وجده كذلك. النكت 2/ 386.

(4)

واستبعد ابن حجر أخذه من تعليق الجدار، وأنه من الطلاق وغيره أقرب. وفي توضيح الأفكار: ولعل وجهه أن الطرفين أو أحدهما في تعليق الجدار، باقي على حاله غير ساقط بخلاف الحديث. =

ص: 199

جزم (1) بأنه قاله (2). والله أعلم.

الرابع: اختلفوا في الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلًا وبعضهم متصلًا: كحديث لا نكاح إلا بولي (3). رواه إسرائيل (4) بن يونس

= وعكسه البلقيني، فقال: أخذه من تعليق الجدار ظاهر، بخلاف تعليق الطلاق. تغليق التعليق (3/ أ)؛ توضيح الأفكار 1/ 137؛ محاسن الاصطلاح، ص 162؛ فتح المغيث 1/ 55.

(1)

قال المصنف هذا القول تبعًا لابن الصلاح، وإلا فقد استعمله هو نفسه في كتابه رياض الصالحين، عند حديث عائشة رضي الله عنها: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم. اهـ.

وقال ذكره مسلم في صحيحه تعليقًا، فقال: وذكر عن عائشة رضي الله عنها. وذكر المزي - قول البخاري: باب مس الحرير من غير لبس، ويروي فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. في كتابه تحفة الأشراف، وعلم عليه علامة تعليق البخاري.

وكذلك استعمله الحافظ ابن حجر فقسم في مقدمة الفتح تعليقات البخاري إلى قسمين.

الأول: المعلق بصيغة الجزم.

والثاني: ما علقه بصيغة التمريض.

انظر: مقدمة مسلم، ص 6؛ محمد فؤاد عبد الباقي رياض الصالحين، ص 170؛ تحفة الأشراف 1/ 390؛ مقدمة الفتح، ص 17.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 63.

(3)

أخرجه أبو داود 2/ 568؛ باب في الولي (ح رقم 2085).

وابن ماجه 1/ 605؛ باب الأنكاح إلا بولي (ح رقم 1881).

والدارمي 2/ 137، باب النهي عن النكاح بغير ولي. جميعًا من الطريق المذكور موصولًا وقد استقصى ابن حجر في تعداد طرقه وذكر مخرجيه مرسلًا وموصولًا وموقوفًا في التلخيص الحبير 3/ 162.

(4)

إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، الهمداني، أبو يوسف الكوفي، ثقة تكلم فيه بلا حجة، مات سنة ستين ومائة، روى له الجماعة. التقريب 1/ 64؛ الميزان 1/ 208.

ص: 200

في آخرين عن أبي (1) إسحاق عن أبي (2) بردة عن أبي (3) موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا متصلًا.

ورواه سفيان (4) الثوري وشعبة (5) عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا: فحكي الخطيب: أن أكثر أهل الحديث يرون الحكم للمرسل (6) وعن بعضهم أن الحكم للأكثر (7)، وعن

(1) هو عمرو بن عبد الله الهمداني، أبو إسحاق السبيعي، مكثر، عابد، ثقة اختلط بآخره، مات سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة. التقريب 2/ 72؛ الميزان 3/ 270.

(2)

أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل: اسمه عامر، وقيل الحارث ثقة، مات سنة أربع ومائة وقيل غير ذلك وقد جاوز الثمانين، روى له الجماعة. التقريب 2/ 394؛ تذكرة الحفاظ 1/ 95.

(3)

هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار، أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور، أمره عمر ثم عثمان، وأحد الحكمين بصفين، مات سنة خمسين وقيل بعدها. روى له الجماعة. الإِصابة 2/ 359؛ تذكرة الحفاظ 1/ 23.

(4)

هو الإِمام المحدث الفقيه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله مات بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة، كان ثقة حجة، روى له الجماعة. التقريب 1/ 311؛ كتاب الطبقات، ص 168.

(5)

هو الإِمام الأوحد شعبة بن الحجاج، مولى الأشاقر من الأزديكني أبا بسطام، مات في رجب سنة ستين ومائة، ثقة حافظ متقن، روى له الجماعة. التقريب 1/ 351؛ كتاب الطبقات، ص 222.

(6)

لأن سلوك غير الجادة دال على مزيد التحفظ. وقيل: إن الإِرسال نوع قدح في الحديث، فتقديمه وترجيحه من قبيل تقديم الجرح على التعديل. فتح المغيث 1/ 164.

(7)

لأن تطرق السهو والخطأ إلى الأكثر أبعد، مرسلًا كان أو موصولًا، نقله الحاكم عن أئمة الحديث في المدخل، ص 22.

ص: 201

بعضهم الحكم (أ) للأحفظ (1)، فإن كان من أرسله أحفظ ممن وصله، فالحكم لمن أرسله.

ثم لا يقدح ذلك في عدالة الواصل (2) وأهليته (ومنهم (ب) من قال: من أسند حديثًا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم يقدح في عدالته (ج) وأهليته) ومنهم من قال: الحكم من أسنده إذا كان عدلًا ضابطًا، فيقبل خبره، سواء (د) كان المخالف له مثله أو أكثر. قال الخطيب: هذا القول هو الصحيح (3)، وما صححه الخطيب هو الصحيح في الفقه وأصوله (4):

(أ) كلمة: الحكم. ساقطة من (ك).

(ب) ما بين المعقوفين ساقط من (ك).

(ج) كلمة: وأهليته. ساقطة من (هـ).

(د) سقطت صفحة كاملة من (ص)، أي من قوله: سواء كان المخالف - إلى فوله: ثم قد يكون بينهما.

(1)

أي مرسلًا كان، أو موصولًا. فتح المغيث 1/ 165.

(2)

أي من ناحية الضبط والعدالة، حيث لم تكثر المخالفة، وأيضًا لا يقدح في جميع حديثه الذي رواه بسنده، لأن المفروض أنه ثقة، فروايته مقبولة وإن لم يروها غيره، نعم يقدح في الحديث المختلف فيه بلا شك لأنه لو لم يكن كذلك لما رجح إرسال المرسل عليه. الكفاية، ص 411؛ التبصرة والتذكرة 1/ 177؛ فتح المغيث 1/ 166؛ التدريب 1/ 223؛ توضيح الأفكار 1/ 343.

(3)

انظر: الكفاية، ص 411.

(4)

قال ابن حجر: الذي صححه الخطيب، شرطه أن يكون الراوي عدلًا ضابطًا، وأما الفقهاء والأصوليون فيقبلون ذلك مطلقًا، وبين الأمرين فرق كبير.

وقال السخاوي: الظاهر أن محل هذه الأقوال فيما لم يظهر فيه ترجيح كما أشار إليه شيخنا، إلا فالحق حسب الاستقراء من صنيع متقدمي الفن كابن مهدي والقطان وأحمد والبخاري، عدم اطراد حكم كلي، بل ذلك دائر مع الترجيح، فتارة يترجح الوصل، وتارة الإِرسال، وتارة يترجح عدد الذوات على الصفات، =

ص: 202

وسئل البخاري عن حديث: لا نكاح إلا بولي (1). فحكم لمن وصله، وقال: الزيادة من الثقة مقبولة: فقال البخاري: هذا مع أن من أرسله سفيان وشعبة ولهما الدرجة العليا من الحفظ والإِتقان.

ولو وصله واحد في وقت وأرسله (2) هو في وقت آخر، أو رفع

= وتارة العكس، ومن راجع أحكامهم الجزئية، تبين له ذلك وحديث: لا نكاح إلا بولي. لم يحكم له البخاري بالوصل لمجرد أن الواصل معه زيادة، بل لما انضم لذلك من قرائن رجحته، ككون يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى، رووه عن أبي إسحاق موصولًا، ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم، لا سيما وإسرائيل.

فال فيه ابن مهدي: إنه كان يحفظ حديث جده كما يحفظ سورة الحمد. انتهى.

وقال البقاعي: إن المحدثين لا يحكمون في هذه المسألة بحكم مطرد، إنما يدورون في ذلك مع القرائن. انتهى.

وقال الشيخ مقبل: إن الخطيب ذكر في الكفاية للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ إنما هي مأخوذة، من كتب المتكلمين، ثم أنه اختار، أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقًا كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء.

ثم قال الشيخ مقبل: ومن تأمل كتاب تاريخ البخاري تبين له قطعًا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإِسناد، مقبولة، وإليه ذهب الدارقطني، وقد سبق إلى هذا الرد ابن دقيق العيد.

النكت 2/ 398 و 389؛ فتح المغيث 1/ 166؛ النكت الوفية (135/ أ)؛ مقدمة الإِلزامات والتتبع، ص 13، 14؛ التدريب 1/ 222؛ الاقتراح، ص 222؛ توضيح الأفكار 1/ 340.

(1)

انظر: تفصيل الكلام على هذا الحديث وصلًا وإرسالًا في النكاح من سنن الترمذي 3/ 398 - 402 (ح رقم 1101، 1102).

(2)

قال العراقي: الحكم في هذه الحالة على الأصح لوصله ورفعه، لا لإِرساله ووقفه، وأما الأصوليون (كالفخر الرازي وأتباعه) فعندهم أن الاعتبار بما وقع منه أكثر، فإن وقع وصله أو رفعه أكثر من إرساله أو وقفه، فالحكم للوصل والرفع =

ص: 203

الحديث بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على (أ) الصحابي، أو رفعه واحد في وقت ووقفه في وقت (1)، فالحكم في الكل على الأصح لما (2) زاده (ب) الثقة من الرفع والوصل والله أعلم.

(أ) في (ك): عن الصحابي.

(ب) سقط ضميره: هـ. من (هـ).

= وإن كان الإِرسال، أو الوقف أكثر فالحكم له. انتهى.

وقال السخاوي: قد نقل الماوردي عن الشافعي رحمه الله: أنه يحمل الموقوف على مذهب الراوي والمسند على أنه روايته، يعني فلا تعارض حينئذ. وبه قال الخطيب: قال ابن حجر: يختص هذا بأحاديث الأحكام، أما ما لا مجال للرأي فيه، فيحتاج إلى نظر. انتهى. التبصرة والتذكرة 1/ 179؛ فتح المغيث 1/ 168؛ الكفاية، ص 417؛ النكت 2/ 396.

(1)

قال السخاوي إن محل الخلاف إذا اتحد السند، أما إذا اختلف، فلا يقدح أحدهما في الآخر، إذا كان ثقة جزمًا. فتح المغيث 1/ 168.

(2)

قال محمد بن إبراهيم الوزير، بعد ذكر أقوال أهل العلم: قلت: وعندي أن الحكم في هذا لا يستمر، بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال وهو موضع اجتهاد. انتهى. وإليه ذهب ابن دقيق العيد. وراجع، ص 202، التعليق الرابع. توضيح الأفكار 1/ 343؛ الاقتراح، ص 222؛ مقدمة الإِلزامات والتتبع، ص 17.

ص: 204

النوع الثاني عشر: معرفة التدليس (1) وحكم (أ) المدلس

التدليس قسمان:

أحدهما: تدليس الإِسناد، وهو أن يرويه عمن لقيه أو عاصره (2) ما لم يسمعه (ب) منه موهمًا أنه سمعه منه، ولا يقول في ذلك: حدثنا

(أ) وحكم المدلس. ساقط من (هـ).

(ب) في (هـ): ما لم يسمع. أي بدون الضمير.

(1)

مشتق من الدلس (بفتحتين) وهو اختلاط الظلام. كأنه لتغطيته على الواقف عليه أظلم أمره. القاموس 1/ 216؛ مادة: (د ل س)؛ النكت 2/ 40؛ فتح المغيث 1/ 169؛ توضيح الأفكار 1/ 347.

(2)

قيد ابن حجر التدليس بقسم اللقاء وجعل قسم المعاصرة إرسالًا خفيًا قال: والذي يظهر من تصرفات الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقيء فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل قيس بن أبي خازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل المرسل لا من قبيل التدليس. انتهى. أي فلو كان مجرد المعاصرة يكتفي به في التدليس لكان هؤلاء من المدلسين، لأنهم عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم قطعًا. وعليه مشى الخطيب والعلائي وقال: وعليه جمهور العلماء.

ثم قال ابن حجر: والتحقيق فيه التفصيل وهو: أن من ذكر بالتدليس أو الإِرسال، إذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه، فهو تدليس. أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي. أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإِرسال. النكت 2/ 400 و 408 و 409؛ طبقات المدلسين، ص 11؛ الكفاية 384؛ بحث المرسل؛ جامع التحصيل، ص 110؛ التمهيد 1/ 15؛ فتح المغيث 1/ 169؛ التدريب 1/ 224.

ص: 205

ولا أخبرنا وما أشبههما (أ)(1)، بل يقول: قال فلان، أو عن فلان ونحو (2) ذلك.

ثم قد يكون بينهما واحد، وقد يكون أكثر.

قلت: (3)(ب) قال الخطيب: وربما لم يسقط المدلس شيخه لكن يسقط ممن بعده رجلًا ضعيفًا أو صغير السن ليحسن الحديث بذلك، وكان الأعمش والثوري وبقية (4) يفعلون هذا النوع (5).

(أ) في (هـ): وما أشبهه.

(ب) في (ص) و (هـ): وقد قال.

(1)

أي: سمعت فلانًا، أو قال لي فلان، أو ذكر لي، أو حدثني، أو أخبرني من لفظه، أو حدث وأنا أسمع، أو قرى عليه وأنا حاضر، وما يجري مجرى هذه الألفاظ مما لا يحتمل غير السماع وما كان بسبيله. الكفاية، ص 362 - 363.

(2)

أي أن، وذكر كذلك: أخبرنا، في الإِجازة. وحدثنا، في الوجادة. جامع التحصيل، ص 110؛ النكت 2/ 418؛ طبقات المدلسين، ص 11؛ فتح المغيث 1/ 172؛ التدريب 1/ 224.

وقال الخطيب: المدلس إذا قال: أخبرني فلان وهو يرى استعمال ذلك جائزًا في أحاديث الإِجازة والمكاتبة، والمناولة، وجب أن يقبل خبره لأن أقصى حاله أن يكون قوله: أخبرني فلان، إنما هو إجازة مشافهة أو مكاتبة، وكل ذلك مقبول. الكفاية، ص 363.

(3)

الكفاية، ص 364.

(4)

بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي، قال ابن حجر: صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، توفي سنة سبع وتسعين ومائة. ونقل ابن أبي حاتم عن أبي مسهر: أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية. التقريب 1/ 105؛ الجرح والتعديل 2/ 434، ص 435.

(5)

هذا قسم آخر من التدليس، يسمى تدليس التسوية وهو شر أقسامه. والتسوية هي أعم من أن تكون بتدليس أو لم تكن به، بل بإرسال. =

ص: 206

القسم الثاني: تدليس الشيوخ، وهو أن يروي عن شيخ حديثًا سمعه فيسميه (أ) أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف

(أ) في (ص) و (هـ): فيكنيه أو يسميه.

= مثال التسوية التي تدخل في التدليس ما ذكره العراقي عن بقية بن الوليد قال: حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه.

روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدي، فكناه بقية ونسبه إلى قبيلته لكيلا يفطن له، حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يهتدي له.

والتي لا تدخل في التدليس، ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن مالكًا سمع من ثور بن زيد أحاديث عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس، وحذف عكرمة، لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه. فهذا قد سوى الإِسناد بإبقاء من هو عنده ثقة، وحذف من ليس بثقة، فلو كانت التسوية تدليسًا لعد مالك في المدلسين، وقد أنكروا على من عده منهم.

ثم إن من التسوية في اصطلاح المحدثين أن يسقط من السند راو وإن كان ثقة فيكون السند عاليًا مثلًا، فلا تختص التسوية بإسقاط الضعيف. انتهى، ما في النكت ملخصًا.

قلت: ويؤيده قول الخطيب: أو صغير السن.

ونقل البقاعي عن ابن حجر. والتحقيق أن يقال: متى قيل: تدليس التسوية، فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإِسناد، قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث وإن قيل: تسوية بدون لفظ التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم بمن فوقه كما فعل مالك. النكت 2/ 403 - 407؛ التقييد والإِيضاح، ص 96؛ التمهيد 2/ 26؛ النكت الوفية (144/ ب)؛ فتح المغيث 1/ 183؛ التدريب 1/ 224 - 226؛ توضيح الأفكار 1/ 373.

ص: 207

به (أ) كيلا يعرف (1).

أما القسم الأول: فمكروه جدًا، ذمه أكثر العلماء (2)، وكان شعبة

(أ) لفظ: به. ساقط من (ت) و (ك) وموجود في (ص) و (هـ) ومقدمة ابن الصلاح.

(1)

قال ابن حجر كما ذكر عنه البقاعي: يدخل في هذا القسم تدليس التسوية أيضًا بأن يصف شيوخ السند بما لا يعرفون به من غير إسقاط فيكون تسوية الشيوخ. النكت الوفية (143/ ب)؛ التدريب 1/ 228؛ وبقيت أقسام من التدليس:

منه تدليس القطع، وهو أن يحذف الصيغة ويقتصر على قوله: مثلًا الزهري عن أنس.

ومنه: تدليس السكوت، وهو أن يقول: حدثنا أو سمعت، ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عروة أو الأعمش، موهمًا أنه سمع منهما، وليس كذلك.

ومنه: تدليس العطف: وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ له ويعطف عليه شيخًا آخر له، ولا يكون سمع ذلك من الثاني. طبقات المدلسين، ص 11؛ النكت 2/ 403 - 404؛ فتح المغيث 1/ 173؛ توضيح الأفكار 1/ 375؛ الباعث الحثيث، ص 56.

قال ابن حجر: ويلتحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد، كما إذا قال المصري: حدثني فلان بالأندلس وأراد موضعًا بالقرافة، أو قال: بزقاق حلب، وأراد موضعًا بالقاهرة.

أو قال البغدادي: حدثني فلان بما وراء النهر. وأراد نهر دجلة.

أو قال: بالرقة. وأراد بستانًا على شاطئ دجلة. أو قال الدمشقي: حدثني بالكرك، وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق.

وحكمه الكراهة لأنه يدخل في باب التشبع وإيهام الرحلة في طلب الحديث إلا إن كان هناك قرينة تدل على عدم إرادة التكثير فلا كراهة. النكت 2/ 435؛ فتح المغيث 1/ 184؛ وزاد تدليس المتن، قال: وهو المدرج وتعمده حرام؛ توضيح الأفكار 1/ 372؛ التدريب 1/ 231.

(2)

جامع التحصيل، ص 119؛ فتح المغيث 1/ 177؛ التدريب 1/ 228؛ توضيح الأفكار 1/ 373.

ص: 208

من أشدهم ذماله (1)(أ).

ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس، فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحًا (2)، وقالوا: لا تقبل (3) روايته يبين السماع أو لم يبين.

والصحيح التفصيل (4) فيما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع

(أ) لفظ: له. ساقط من (هـ).

(1)

أي أصل التدليس، لا خصوص هذا القسم، حتى قال: التدليس أخو الكذب وقال: إنه أشد من الزنا. وإلى غير ذلك. جامع التحصيل، ص 111؛ فتح المغيث 1/ 177؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 67؛ الكفاية، ص 356؛ التدريب 1/ 228.

(2)

قال العلائي: ينبغي أن ينزل قول من جعل التدليس مقتضيًا لجرح فاعله على من أكثر التدليس عن الضعفاء وأسقط ذكرهم تغطية لحالهم وكذلك من دلس اسم الضعيف حتى لا يعرف. جامع التحصيل، ص 114.

(3)

ورد في حكم قبول رواية صاحب هذا التدليس خمسة أقوال هذا أحدها وقيد بما إذا استكشف فلم يخبر باسم من يروي عنه. الكفاية، ص 361؛ جامع التحصيل، ص 111؛ النكت 2/ 418؛ فتح المغيث 1/ 173.

والثاني: القبول مطلقًا، صرحوا أم لا. الكفاية، ص 361؛ قال: وزعموا أن نهاية أمره أن يكون بمعنى الإِرسال؛ فتح المغيث 1/ 174.

والثالث: وعزاه ابن عبد البر لأكثر أئمة الحديث، وهو من كان لا يدلس إلا عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولًا، وإلا فلا. التمهيد 1/ 17؛ فتح المغيث 1/ 174.

والرابع: إن كان وقوع التدليس منه نادرًا قبلت عنعنته ونحوها وإلا فلا. فتح المغيث 1/ 175.

(4)

هذا خامس الأقوال وهو الصحيح كما صححه المصنف، لأن التدليس ليس كذبًا، وإنما هو تحسين لظاهر الإِسناد وضرب من الإِيهام بلفظ محتمل فإذا صرح =

ص: 209

فحكمه حكم (1) المرسل وأنواعه.

وما رواه بلفظ مبين للاتصال، كسمعت وأخبرنا وحدثنا وأشباهها، فهو مقبول محتج به. وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدًا، كقتادة (2) والأعمش والسفيانين (3)

= قبلوه، واحتجوا به وردوا ما أتى منه باللفظ المحتمل. وممن صححه ابن سعد والخطيب وابن عبد البر وابن الصلاح، والعلائي وابن حجر والسخاوي. الرسالة، ص 380، فقرة 1035؛ طبقات ابن سعد 7/ 313؛ الكفاية، ص 361؛ التمهيد 1/ 13؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 67؛ جامع التحصيل، ص 112؛ النكت 2/ 419؛ فتح المغيث 1/ 175.

(1)

قال ابن حجر: اعترض عليه بأن البزار الحافظ، قال: إن من كان لا يدلس إلا عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولًا. انتهى.

وبذلك صرح أبو الفتح الأزدي وأشار إليه الصيرفي في شرح الرسالة.

وجزم بذلك ابن حبان وابن عبد البر في حق سفيان بن عيينة. وبه قال الدارقطني والعلائي. النكت 1/ 410؛ صحيح ابن حبان 1/ 122؛ التمهيد 1/ 31؛ جامع التحصيل، ص 115؛ طبقات المدلسين، ص 7.

(2)

هو قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري، حافظ ثقة ثبت لكنه مدلس، ورمى بالقدر، ولد أكمه، مات سنة بضع عشرة ومائة. روى له الجماعة. الميزان 3/ 385؛ تقريب التهذيب 2/ 123.

(3)

المراد به سفيان بن سعيد الثوري وسفيان بن عيينة.

أما الثوري فقد تقدمت ترجمته في ص 93.

وأما الثاني فهو سفيان بن عيينة الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي، ثقة فقيه إمام حجة حافظ إلا أنه تغير بآخرة، وكان ربما دلس لكن عن الثقات مات سنة ثمان وتسعين ومائة. التقريب 1/ 312؛ الميزان 2/ 170.

ص: 210

وهشيم (أ)(1) وغيرهم. وهذا لأن التدليس ليس كذبًا (2). ثم الحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين أجراه الشافعي فيمن عرفناه دلس مرة (3). والله أعلم.

قلت: ما كان في الصحيحين (ب) وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين بعن محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى (4). والله أعلم.

(أ) في (هـ): هاشم.

(ب) في (هـ): الصحيح. وهو خطأ.

(1)

هشيم مصغرًا ابن بشير مكبرًا ابن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية بن أبي حازم الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإِرسال الخفي، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة. التقريب 2/ 320؛ الميزان 4/ 306.

(2)

الكفاية، ص 361؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 67؛ جامع التحصيل، ص 112؛ فتح المغيث 1/ 175؛ التدريب 1/ 230.

(3)

انظر الرسالة، ص 379، فقرة 1033 ونصه فيها: ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته. انتهى.

(4)

قال السخاوي: أما لمجيئها من وجه آخر، بالتصريح، أو لكون المعنعن لا يدلس إلا عن ثقة، أو عن بعض شيوخه، أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققين سماع المعنعن لها. انتهى.

وقال السيوطي: وإنما اختار صاحب الصحيح طريق العنعنة على طريق التصريح بالسماع لكونها على شرطه دون تلك. انتهى.

وقال محمد إبراهيم ابن الوزير: يحتمل أن الشيخين لم يعرفا سماع ذلك المدلس الذي رويا عنه، لكن عرفا لحديثه من التوابع ما يدل على صحته مما لو ذكراه لطال، فاختار إسناد الحديث إلى المدلس لجلالته وأمانته وانتفاء تهمة الضعف عن حديثه، ولم يكن في المتابعين الثقات الذين تابعوا المدلس من يماثله ولا يقاربه فضلًا وشهرة مثل أن يكون مدلس الحديث سفيان الثوري والحسن البصري أو نحوهما، ويتابعه على روايته عن شيخه أو عن شيخ شيخه من هو دونه من أهل الصدق ممن هو ليس بمدلس. =

ص: 211

وأما (أ) القسم الثاني: فأمره أخف، وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق معرفة حاله، وتختلف الحال في كراهته بحسب الغرض الحامل عليه فقد يحمله كون شيخه الذي غير سمته (ب)(1) غير ثقة، أو أصغر من الراوي عنه أو متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه. أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب تكرار شخص على صورة واحدة، وتسمح بهذا القسم الخطيب أبو بكر (2) وغيره من المصنفين. والله أعلم.

(أ) كلمة: أما. ساقطة من (هـ).

(ب) في (هـ). اسمه.

= انظر: فتح المغيث 1/ 176؛ التدريب 1/ 230؛ قواعد التحديث، ص 132؛ توضيح الأفكار 1/ 356.

(1)

أي فيدلسه حتى لا يظهر روايته عن الضعفاء، فهو شر هذا القسم وذلك حرام، إلا أن يكون ثقة عند فاعله فهو أسهل. والأصح أنه ليس بجرح. فتح المغيث 1/ 179؛ التدريب 1/ 230.

(2)

قال ابن الصلاح في النوع الثامن والأربعين: والخطيب الحافظ يروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي. والجميع شخص واحد من مشايخه.

وكذلك يروي عن الحسن بن محمد الخلال، وعن الحسن بن أبي طالب وعن أبي محمد الخلال، والجميع عبارة عن واحد.

ويروي أيضًا عن أبي القاسم التنوخي، وعن علي بن المحسن، وعن القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي، وعن علي بن أبي علي المعدل والجميع شخص واحد، وله من ذلك الكثير. مقدمة ابن الصلاح، ص 291 - 292؛ فتح المغيث 1/ 180.

قلت: وهو عمل غير مستحسن لما فيه من صعوبة معرفة الشيخ على من لم يعرفه، وقد لا يفطن له الناظر فيحكم بجهالته.

فائدة = المدلسون مطلقًا على خمس مراتب بينها العلائي وابن حجر ونقل عنهما السخاوي. =

ص: 212

النوع الثالث عشر: معرفة الشّاذ (1)

قال الشافعي رحمه الله: ليس الشاذ أن يروي الثقة ما لا يروي غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس (2).

= الأولى: من لم يوصف بذلك إلا نادرًا كيحيى بن سعيد الأنصاري.

الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لامامته وقلة تدليسه في جنب ما روي، كالثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة.

الثالثة: من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقًا، ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي.

الرابعة: من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل، كبقية بن الوليد.

الخامسة: من ضعف بأمر آخر سوى التدليس فحديثهم مردود، ولو صرحوا بالسماع إلا أن يوثق من كان ضعفه يسيرًا، كابن لهيعة. طبقات المدلسين، ص 7 - 8؛ جامع التحصيل، ص 130؛ فتح المغيث 1/ 184.

(1)

الشاذ هو لغة المنفرد، قال الجوهري: شذ يشذ ويشذ بضم الشين وكسرها، أي انفرد عن الجمهور. مختار الصحاح، ص 332؛ والصحاح 2/ 565، مادة: شذ.

(2)

أخرجه الحاكم عن الشافعي رحمه الله من طريق ابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى، يقول: قال لي الشافعي: ليس الشاذ من الحديث، أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، إنما الشاذ إلى آخر ما ذكر المصنف. معرفة علوم الحديث، ص 119.

وقال ابن حجر: لكن الشافعي صرح بأنه مرجوح، وأن الرواية الراجحة أولى. النكت 2/ 238.

ص: 213

وحكى الحافظ أبو يعلى الخليلي (1) نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز (2)، ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث: أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به شيخ ثقة كان أو غير ثقة، فما كان عن (أ) غير ثقة فمتروك وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به (3).

وقال الحاكم: الشاذ ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع (4).

قال الشيخ رحمه الله: أما ما حكم الشافعي بشذوذه فلا إشكال في (ب) أنه شاذ غير مقبول (5).

(أ) في (هـ): من.

(ب) في (ص) و (هـ): فيه.

(1)

هو القاضي الإِمام أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي (نسبة لجده الأعلى) القزويني، مصنف كتاب الإِرشاد في معرفة المحدثين، من نظر فيه عرف جلالته. مات في آخر سنة ست وأربعين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1123؛ شذرات الذهب 3/ 274.

(2)

الإِرشاد في معرفة المحدثين (7/ ب).

(3)

انظر: الإِرشاد للخليلي (7/ ب).

قال الصنعاني: العجب من قول الخليل: إن أهل الحديث يقولون: إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به. وقد اتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد، أن حديث "إنما الأعمال" ثلث الإِسلام، ومنهم من قال: ربعه.

قلت: قد أسند عنهم الحافظ هذه الحكاية في الفتح وأبان وجه كونه ثلثًا أو ربعًا للإِسلام. انظر: توضيح الأفكار 1/ 381؛ وفتح الباري 1/ 11.

(4)

معرفة علوم الحديث، ص 119. قال الحافظ: أسقط من قول الحاكم قيد لا بد منه، وهو أنه قال: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك. انظر: النكت الوفية (145/ ألف).

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 69؛ اختصار علوم الحديث، ص 58؛ النكت 2/ 456؛ توضيح الأفكار 1/ 379.

ص: 214

وأما قول غيره (1) فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث: إنما الأعمال بالنيات (2).

تفرد به عمر (3) رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، ثم تفرد (4) به عن علقمة محمد (5) بن إبراهيم ثم عنه يحيى (6) بن سعيد.

(1) أي قول الخليلي والحاكم.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، حديث رقم (1)، 1/ 9 مع الفتح. وفي باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة الخ الحديث رقم (54)، 1/ 135 مع الفتح. وفي باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق حديث رقم (2529)، 5/ 160 مع الفتح وفي باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة حديث رقم (3898)، 7/ 226 مع الفتح. وفي باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة فله ما نوى، حديث رقم (5070)، 9/ 115 مع الفتح. وفي باب النية، حديث رقم (6689)، 11/ 572 مع الفتح. جميعًا من الطريق المذكور في الكتاب.

(3)

هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبو حفص العدوي الفاروق وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: لو كان بعدي نبي لكان عمر، واستشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين. الإِصابة 2/ 518؛ تذكرة الحفاظ 1/ 5.

(4)

اختصار علوم الحديث، ص 57؛ التدريب 1/ 234؛ توضيح الأفكار 1/ 38.

(5)

هو محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي أبو عبد الله المدني ثقة له أفراد، مات سنة عشرين ومائة على الصحيح، روى له الجماعة. التقريب 2/ 140؛ تذكرة الحفاظ 1/ 124.

(6)

هو يحيى بن سعيد الأنصاري.

ص: 215

وحديث: النهي عن بيع الولاء وهبته (1) تفرد به عبد الله (2) بن دينار عن ابن عمر، وغير ذلك. فكل هذه الأحاديث مخرجة في الصحيحين،

(1) أخرجه البخاري في كتاب العتق، باب بيع الولاء وهبته، حديث رقم (2535)، 5/ 167)؛ وفي كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه، حديث رقم (6756)، 12/ 42. ومسلم في العتق، باب النهي عن بيع الولاء وهبته، حديث رقم (1506)، 3/ 1145؛ وأبو داود في كتاب الفرائض، باب بيع الولاء وهبته، حديث رقم (2919)، 3/ 334؛ والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الولاء وهبته، حديث رقم (1236)، 3/ 528؛ وابن ماجه في الفرائض، باب النهي عن بيع الولاء وهبته، حديث رقم (2747)، 2/ 918. والموطأ في كتاب العتق والولاء، باب مصير الولاء من أعتق، 3/ 9، مع تنوير الحوالك. كل هؤلاء من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا.

قال الحافظ: قد اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم لما أخرجه في صحيحه: الناس في هذا الحديث عيال عليه، وقال الترمذي بعد تخريجه: حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار رواه عنه سعيد وسفيان ومالك.

قال: الترمذي وروى يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع.

قلت: وصل رواية يحيى بن سليم ابن ماجه، ولم ينفرد به يحيى بن سليم فقد تابعه أبو ضمرة أنس بن عياض ويحيى بن سعيد الأموي كلاهما عن عبيد الله بن عمر، أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريقهما لكن قرن كل منهما: نافعًا بعبد الله بن دينار. فتح الباري 12/ 43؛ الترمذي 3/ 529، تحت حديث رقم (1236)، تعليقًا وابن ماجه (ح رقم 2748)، 2/ 918.

قلت: يحيى بن سليم الطائفي صدوق سيئ الحفظ؛ كما في التقريب 2/ 349.

(2)

هو عبد الله بن دينار العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر، ثقة من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومائة. روى له الجماعة. التقريب 1/ 413؛ تذكرة الحفاظ 1/ 125.

ص: 216

وليس لها إلا إسناد واحد (1) تفرد به ثقة. فهذا وشبهه يبين أن الأمر ليس على إطلاق الخليلي، والحاكم (2)، بل على تفصيل نبينه فنقول: إن كان ما انفرد به الراوي مخالفًا لما رواه من هو أحفظ منه وأضبط (3) كان مفرده شاذًا مردودًا، وإن لم يكن مخالفًا لغيره، فإن كان المنفرد عدلًا حافظًا موثوقًا (أ) بضبطه قبل مفرده، وكان صحيحًا، وإن لم يكن موثوقًا بضبطه لكنه (ب) غير بعيد من درجة الحافظ الضابط، كان حديثه حسنًا.

(أ) في (ك): مؤثقًا.

(ب) في (ص) و (هـ): لكن. أي بدون الضمير.

(1)

قال ابن حجر: هذا القول صحيح في حديث النية لكن بقيدين: أحدهما: الصحة، لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني، وأبو القاسم بن منده وغيرهما. ثانيهما: السياق، لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية كحديث عائشة وأم سلمة عند مسلم: يبعثون على نياتهم. وحديث ابن عباس: لكن جهاد ونية. وإلى غير ذلك مما يتعسر حصره. فتح الباري 1/ 11؛ النكت 2/ 454؛ توضيح الأفكار 1/ 382.

(2)

قال الصنعاني: الرد على قول الخليلي: [إنه يتوقف فيما تفرد به الثقة ولا يحتج به]. بأحاديث الصحيحين معقول. وأما الحاكم، فإنه ليس في كلامه أنه يقبل أو لا يقبل، بل ذكر معناه ولم يذكر حكمه فما أدرى ما وجه إيراد ابن الصلاح لذلك عليه. فليتأمل.

وقال البقاعي: لا يرد على الحاكم اعتراض ابن الصلاح، لأن ما في الصحيح من ذلك مما مثل به الشيخ وما شاكله، لم يقع في قلب أحد من النقاد ضعفه. والظاهر أن كلام الخليلي مقيد بما قيد به الحاكم أو نحو ذلك، وإلا كان كلامه ساقطًا لأنه لم يذكر فيمن اشترط العدد في الصحيح. انتهى.

قلت: وبه قال السخاوي. توضيح الأفكار 1/ 380؛ النكت الوفية (145/ ب)؛ فتح المغيث 1/ 188.

(3)

قال الصنعاني: قوله: أحفظ وأضبط. "على صيغة التفضيل"، يدل على أن المخالف إن كان مثله، لا يكون مردودًا. توضيح الأفكار 1/ 383.

ص: 217

وإن كان بعيدًا من ذلك، كان مفرده شاذًا منكرًا (أ) مردودًا (1). فحصل من هذا أن الشاذ المردود، هو الفرد (ب) المخالف، والفرد الذي ليس في رواية الثقة والضبط ما يجبر تفرده (2). والله أعلم.

(أ) كلمة: منكرًا. ساقطة من (ت). وأثبتناها من باقي النسخ.

(ب) في (هـ): القول المخالف.

(1)

قال السيوطي: وهو بهذا التفسير يجامع المنكر وسيأتي في بحث المنكر ما فيه.

وقال ابن حجر: هذا يعطي أن الشاذ والمنكر عند ابن الصلاح مترادفان والتحقيق خلاف ذلك على ما سنبينه في المنكر، وقد غفل عن هذا التحقيق من سوى بينهما. التدريب 1/ 236؛ النكت 2/ 458؛ النزهة، ص 36؛ فتح المغيث 1/ 190.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 70 - 71.

ص: 218

النوع الرابع عشر: معرفة المنكر (1) من الحديث

قال الحافظ أبو بكر البرديجي: هو الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه (أ) من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه منه، ولا من غيره (2).

فأطلق البرديجي، ولم يفصل، وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو (ب) الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث (3).

والصواب فيه التفصيل الذي ذكرناه في الشاذ، فإنه بمعناه (4). والله أعلم.

(أ) لفظ: متنه. ساقط من (ص).

(ب) في (ص): و. بدل: أو.

(1)

المنكر في اللغة اسم مفعول، فعله: إنكره بمعنى جحدة، أو لم يعرفه، وأنه يقابل المعروف اسم مفعول، فعله: عرفه.

(2)

روى ابن الصلاح هذا القول عن الحافظ أبي بكر البرديجي بلاغًا، فقال: بلغنا عن أبي بكر البرديجي

الخ. مقدمة ابن الصلاح ص 71.

(3)

مقدمة ابن الصلاح ص 72؛ وحاشية نور الدين عتر على المقدمة ص 72. ومنهج النقد في علم الحديث ص 407، فإن فيهما كلامًا جيدًا.

(4)

قاله المصنف تبعًا لابن الصلاح، حيث قال معترضًا على قول البرديجي: فأطلق البرديجي ذلك، ولم يفصل، والصحيح أنه ينقسم ما ينقسم إليه الشاذ. مقدمة ابن الصلاح ص 72.

قلت: كان ينبغي لابن الصلاح أن لا يجعل الشاذ والمنكر نوعًا واحدًا بل هما =

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= نوعان، ولذا رد ابن حجر على قول ابن الصلاح هذا بقوله: نعم هما مشتركان في كون كل واحد منهما على قسمين، ولكنهما مختلفان في مراتب الرواة، فالضعيف إذا انفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن، فهذا أحد قسمي الشاذ. فإن خولف فيما هذه صفته مع ذلك، كان أشد شذوذًا، وربما سماه بعضهم منكرًا، وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط، لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط، فهذا القسم الثاني من الشاذ، وهو المعتمد في تسميته. وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ في بعض دون بعض أو الضعف في مشايخه بشيء لا متابع له ولا شاهد عليه فهذا أحد قسمي المنكر، وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث. فإن خولف في ذلك فهو القسم الثاني، وهو المعتمد على رأي الأكثرين. فبان بهذا فصل المنكر من الشاذ، وأن كلا منهما قسمان يجمعهما مطلق التفرد، أو مع قيد المخالفة، انتهى ما في النكت.

وقال في النزهة بعد نقل ما ذكر هنا: وعرف بهذا أي بما ذكرناه من التقرير الدال على الفرق بين الشاذ والمنكر أن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه، لأن بينهما اجتماعًا في اشتراط المخالفة وافتراقًا في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق والمنكر راويه ضعيف، وقد غفل من سوى بينهما. وذكر مسلم في مقدمة صحيحه ما نصه: وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقهما فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك، كان مهجور الحديث، غير مقبوله ولا مستعمله. انتهى.

قال الحافظ: فالرواة الموصوفون بهذا هم المتروكون. فعلى هذا رواية المتروك عند مسلم تسمى منكرة، وهذا هو المختار. والله أعلم.

النكت 2/ 459؛ النزهة ص 36؛ فتح المغيث 1/ 190؛ النكت الوفية (149/ أ)؛ التدريب 1/ 240؛ توضيح الأفكار 2/ 5؛ مقدمة صحيح مسلم 1/ 56.

ص: 220

النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار (1) والمتابعات والشواهد

هذه أمور يتعرفون بها حال الحديث.

ذكر الحافظ أبو حاتم بن حبان: أن مثال طريق الاعتبار، أن يروي حماد (2) بن سلمة حديثًا لم يتابع عليه عن أيوب (3) عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فينظر (4)، هل روى ذلك

(1) قال ابن حجر: قلت: هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد. وليس كذلك، بل الاعتبار هو: الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد. وعلى هذا فكان حق العبارة، أن يقول: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد.

وما أحسن قول شيخنا في منظومته:

الاعتبار سرك الحديث، هل؟

تابع راو غيره فيما حمل

فهذا سالم من الاعتراض. انتهى.

قلت نقل عنه هذا الكلام السخاوي والصنعاني، وأشار إليه البقاعي والسيوطي. واعتذر السخاوي والبقاعي عن ابن الصلاح، بأنه أراد شرح هذه الألفاظ الثلاثة لوقوعها في كلام الأئمة.

النكت 2/ 465؛ فتح المغيث 1/ 195؛ النكت الوفية (152/ أ)؛ التدريب 1/ 242؛ توضيح الأفكار 2/ 11.

(2)

هو حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة، ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخره، مات سنة سبع وستين ومائة. التقريب 1/ 197؛ الميزان 1/ 590.

(3)

هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، أبو بكر البصري، ثقة حجة ثبت من كبار الفقهاء العباد، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة. التقريب 1/ 89؛ تذكرة الحفاظ 1/ 130.

(4)

هذا النظر، يقال له: الاعتبار.

ص: 221

ثقة (1) غير أيوب عن ابن سيرين، فان وجد، علم أن للخبر أصلًا. وإن (أ) لم يوجد فثقة غير ابن سيرين، رواه عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأي ذلك وجد علم أن للحديث أصلًا. يرجع إليه، وإلا فلا (2).

وأما المتابعة، فمثل أن يروي ذلك الحديث عن أيوب غير حماد، وهي المتابعة التامة (3)، أو يرويه عن ابن سيرين (ب) غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، صحابي (4) غير أبي هريرة، فكل هذا يسمى (4) متابعة، لكن تقصر عن

(أ) في (ك): فإن.

(ب) في (هـ): عن أيوب، وهو خطأ.

(1)

لا يشترط في هذا أن يكون الراوي "ثقة" بل يكفيه أن لا يكون متهمًا بكذب أو ضعف إما لسوء حفظه أو غلطه، وبه قال المصنف نفسه في آخر هذا البحث، وابن الصلاح وأشار إليه العراقي في الفيته والسخاوي والبقاعي حتى قال: أما الذي يظهر من تصرفاتهم فعدم التفرقة بين الواهي وغيره في تسمية كل منهما متابعة، وإن كانت متابعة الواهي لا تفيد المقصود من الحديث وهي الحجية، إذا كانت الطريق الأخرى غير قوية. مقدمة ابن الصلاح، ص 76؛ التبصرة والتذكرة 1/ 203؛ فتح المغيث 1/ 195؛ النكت الوفية (153/ ب).

(2)

قول ابن حبان ذكره ابن الصلاح في المقدمة، ص 74؛ والنووي في التقريب 1/ 242؛ وابن جماعة في المنهل الروي، ص 74؛ والسخاوي في فتح المغيث 1/ 196.

(3)

قال البقاعي: وقد يسمى أي الحديث الذي شورك فيه الشيخ شاهدًا، أي وهي المتابعة القاصرة.

وأما المتابعة التامة وهي متابعة الراوي نفسه عن شيخه، فلا يسمى شاهدًا لأنها هي المتابعة الحقيقية. انتهى.

النكت الوفية (153/ أ)؛ النكت 2/ 466؛ توضيح الأفكار 2/ 13.

(4)

الراجح - كما قال ابن حجر: إن افتراق الشاهد والمتابع بالصحابي فقط، فكلما =

ص: 222

الأول بحسب بعدها منها وتسمى المتابعة شاهدًا (1).

وأما الشاهد، فمثل أن يروي حديث آخر بمعناه (2)، فهذا يسمى شاهدًا ولا يسمى متابعة.

وإذا قالوا في مثل هذا: تفرد به أبو هريرة، وتفرد به عنه ابن سيرين وبه عنه أيوب، وبه عنه حماد، كان فيه إشعار بانتفاء وجوه (أ) المتابعات (3).

وإذا انتفت المتابعات والشواهد فحكمه ما سبق في الشاذ (4).

ثم أعلم أنه يدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج

(أ) في (هـ): وجود المتابعات.

= جاء عن ذلك الصحابي فتابع سواء كان باللفظ أو بالمعنى، أو عن غيره فشاهد كذلك قال: وقد تطلق المتابعة على الشاهد وبالعكس والأمر فيه سهل. نزهة النظر، ص 36؛ النكت 2/ 466؛ النكت الوفية (153/ أ)؛ فتح المغيث 1/ 196؛ توضيح الأفكار 2/ 14.

(1)

قاله الحاكم في المدخل، ص 47.

قلت: لا تسمى كل متابعة شاهدًا بل التي تسمى شاهدًا هي المتابعة القاصرة لا غير. كما تقدم قبل قليل.

(2)

رجح ابن حجر أنه لا اقتصار في التابع على اللفظ ولا في الشاهد على المعنى وإن افتراقهما بالصحابي فقط. كما تقدم. نزهة النظر، ص 36؛ النكت 2/ 466؛ النكت الوفية (153/ أ)؛ فتح المغيث 1/ 196؛ توضيح الأفكار 2/ 14.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 75؛ المنهل الروي، ص 74؛ فتح المغيث 1/ 196؛ التدريب 1/ 744؛ وتوضيح الأفكار 2/ 15.

(4)

وفي المنكر أيضًا. قلت: هذا هو الصحيح. وهذا نقض صريح لما تقدم من قول المصنف نقلًا عن ابن حبان: فأي ذلك وجد علم أن للحديث أصلًا يرجع إليه، وإلا فلا. انتهى لأنه يفيد أن الحديث إذا لم يوجد له متابع أصلًا لا يقبل.

ص: 223

بحديثه وحده (أ) بل يكون معدودًا في الضعفاء. و (ب) في الصحيحين جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد. ولا يصلح لذلك كل ضعيف (1)، ولهذا يقول الدارقطني وغيره، في الضعفاء (2): فلان يعتبر به، وفلان لا يعتبر به، والله أعلم.

(أ) كلمة: وحده بل. مطموسة من (ت). موجودة في باقي النسخ.

(ب) لفظ: واو. ساقط من (هـ).

(1)

وبقية كلام المصنف: وإنما يفعلون هذا، أي إدخال الضعفاء في المتابعات والشواهد، لكون التابع لا اعتماد عليه، وإنما الاعتماد على من قبله انتهى.

وقال السخاوي: ولا انحصار له في هذا بل قد يكون كل من المتابع والمتابع لا اعتماد عليه، فباجتماعهما تحصل القوة. انتهى.

مقدمة شرح مسلم، ص 34؛ فتح المغيث 1/ 197.

(2)

انظر: كتاب الضعفاء والمتروكين، قال في (16/ ب): سيف بن هارون البرجمي بعتبر به. وقال في (17/ أ): صلة بن سليم واسطي يترك حديثه عن ابن جريج وشعبة، ويعتبر بحديثه عن أشعث بن عبد الملك الحمراني. (برقم 1488 مصورة من الظاهرية).

ص: 224

النوع السادس عشر: معرفة (أ) زيادات الثقات وحكمها

وذلك فن لطيف يستحسن العناية به، وكان جماعة (1) من الأئمة مذكورين بمعرفته.

قال الخطيب: مذهب الجمهور من الفقهاء (وأصحاب (ب) الحديث، أن الزيادة من الثقة) مقبولة، إذا انفرد بها، سواء كانت من شخص واحد، بأن رواه مرة ناقصًا، ومرة بالزيادة، أو كانت من غير من رواه ناقصًا (2). خلافًا من رد من أهل الحديث ذلك مطلقًا، وخلافًا لمن رد

(أ) كلمة: معرفة. ساقطة من (هـ).

(ب) ما بين المعقوفين ساقط من (هـ).

(1)

وهم العلامة أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري الفقيه الشافعي (ت 324).

والفقيه المحدث أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني (ت 323). وأبو الوليد حسان بن محمد القرشي النيسابوري (ت 349).

وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311)، حتى قال ابن حبان ما رأيت على أديم الأرض مثله في هذا الشأن.

كتاب المجروحين 1/ 93؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 77؛ النكت 2/ 469؛ فتح المغيث 1/ 199؛ التدريب 1/ 345؛ توضيح الأفكار 2/ 16.

(2)

قال الخطيب: ولم يفرقوا بين زيادة يتعلق بها حكم شرعي أو لا يتعلق بها حكم، وبين زيادة توجب نقصانًا من أحكام تثبت بخبر ليست فيه تلك الزيادة، وبين زيادة توجب تغيير الحكم الثابت، أو زيادة لا توجب ذلك. انتهى.

قال السخاوي: فهذا كما حكاه الخطيب هو الذي مشى عليه المعظم من الفقهاء =

ص: 225

الزيادة منه وقبلها من غيره (1).

قال (2) الشيخ رحمه الله: وقد رأيت مفرد الثقة ثلاثة أقسام:

= وأصحاب الحديث، كابن حبان والحاكم وجماعة من الأصوليين والغزالي في المستصفى، وجرى عليه النووي في مصنفاته، وهو ظاهر تصرف مسلم في صحيحه.

قلت: وهو الذي اختاره الخطيب حيث قال: والذي نختاره من هذه الأقوال، أن الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه ومعمول بها إذا كان راويها عدلًا حافظًا ومتقنًا ضابطًا. انتهى.

وبه قال ابن حزم، وأطال في الرد على مخالفي هذا القول بالأدلة الدقيقة.

وبهذا القول صرح أحمد شاكر حيث قال: القول الصحيح الراجح: إن الزيادة من الثقة مقبولة، سواء أوقعت ممن رواه ناقصًا أم من غيره، وسواء أتعلق بها حكم شرعي أم لا، وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا، وسواء أوجبت نقض أحكام ثبتت بخبر ليست هي فيه أم لا؟

قال: ثم إن في المسألة أقوالًا أخر كثيرة ذكرها السيوطي في التدريب تفصيلًا. ولا نرى لشيء منها دليلًا يركن إليه. والحق ما قلناه والحمد لله. نعم قد يتبين للناظر المحقق من الأدلة والقرائن القوية أن الزيادة التي زادها الراوي الثقة، زيادة شاذة أخطأ فيها، فهذا له حكمه، وهو من النادر الذي لا تبنى عليه القواعد. انتهى.

قلت: لو تأملنا لرأينا، أن ما اختاره ابن الصلاح وابن حجر والسخاوي والسيوطي، لا يخرج عما قاله أحمد شاكر.

الكفاية، ص 425، 427؛ فتح المغيث 1/ 200؛ المستصفى 2/ 152؛ التقريب 1/ 247؛ الأحكام لابن حزم 2/ 90 - 96؛ الباعث الحثيث، ص 63؛ النكت 2/ 471؛ النزهة، ص 34؛ التدريب 1/ 246.

(1)

الكفاية، ص 424.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 77.

ص: 226

أحدها: أن يقع مخالفًا منافيًا لما رواه سائر الثقات، فحكمه الرد (1). كما سبق (2).

الثاني: أن لا يكون فيه مخالفة أصلًا لما رواه غيره. كحديث تفرد به ثقة لا يخالف غيره بشيء أصلًا، فهو مقبول (3)، ونقل الخطيب فيه اتفاق العلماء (4).

الثالث: ما هو بين المرتبتين، مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها (أ) ساير من روى ذلك الحديث. مثاله حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر

(أ) في (ك): ما يذكرها. وهو في نفس المعنى.

(1)

لأنه يصير شاذًا. النكت 2/ 470؛ فتح المغيث 1/ 202؛ التدريب 1/ 246؛ توضيح الأفكار 2/ 21.

(2)

أي في نوع الشاذ، ص 217.

(3)

لأنه جازم بما رواه، وهو ثقة ولا معارض لروايته إذ الساكت عنها لم ينفها لفظًا ولا معنى ولا في سكوته دلالة على وهمها، بل هي كالحديث المستقل الذي تفرد بجملته ثقة ولا مخالفة فيه أصلًا. النكت 2/ 470؛ فتح المغيث 1/ 202؛ التدريب 1/ 247؛ توضيح الأفكار 2/ 21.

(4)

ليست حكاية الاتفاق صريحة في كلام الخطيب. فعبارته: والدليل على صحة ذلك - أي القول بقبول الزيادة، أمور:

أحدها: اتفاق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله، ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوه وذهابهم عن العلم به لوجب قبوله، ولم يكن ترك الرواة لنقله إن كانوا عرفوه وذهابهم عن العلم به معارضًا ولا قادحًا في عدالة راويه، ولا مبطلًا له، وكذلك سبيل الانفراد بالزيادة. انتهى فتأمل. الكفاية، ص 425؛ وفتح المغيث 1/ 202.

ص: 227

أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين (1).

ذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكًا تفرد (أ) من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين (1).

وروى عبيد الله (2) بن (ب) عمرو أيوب وغيرهما، هذا الحديث عن نافع دون هذه الزيادة. فأخذ بهذه الزيادة غير واحد من الأئمة، واحتجوا بها، منهم الشافعي وأحمد (3).

وكحديث: جعلت لنا الأرض مسجدًا وجعلت تربتها لنا (ج)

(أ) تفرد به. كذا في (هـ). وهو خطأ.

(ب) سقط لفظ: بن عمر. من (هـ).

(ج) كلمة: لنا. ساقطة من (هـ).

(1)

أخرجه البخاري في الزكاة باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين (ح رقم 1504) 3/ 369.

ومسلم في الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين (ح رقم 984)، 2/ 677.

وفي الموطأ في باب مكيلة زكاة الفطر 1/ 268، مع تنوير الحوالك.

وأبو داود في الزكاة، باب كم يؤدي في صدقة الفطر (ح رقم 1611)، 2/ 263.

والترمذي في الزكاة، باب ما جاء في صدقة الفطر (ح رقم 676)، 3/ 52.

والنسائي في الزكاة، باب فرض زكاة رمضان على المسلمين 5/ 48.

وابن ماجه في الزكاة، باب صدقة الفطر (ح رقم 1626)، 1/ 584.

كل هؤلاء من طريق مالك بالسند المذكور، بزيادة "من المسلمين".

(2)

عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت، قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، مات سنة بضع وأربعين ومائة. التقريب 1/ 537؛ تذكرة الحفاظ 1/ 160.

(3)

انظر: كتاب العلل في آخر الجامع 5/ 759؛ شرح علل الترمذي 1/ 418.

ص: 228

طهورًا (1). تفرد به أبو (أ) مالك (2) الأشجعي هكذا (3). وسائر الروايات لفظها (ب): وجعلت لنا الأرض مسجدًا وطهورًا (4). فهذا القسم يشبه

(أ) في (هـ): ابن مالك.

(ب) كلمة: لفظها. ساقطة من (ت). موجودة في باقي النسخ.

(1)

أخرجه مسلم في المساجد عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا (ح رقم 522)، 1/ 371.

وقد رمز له المزي بـ (س) وقال المحقق: إنه في الكبرى. تحفة الأشراف 3/ 27.

وأخرجه ابن خزيمة في الصحيح 1/ 133، ولفظه: وجعل ترابها لنا طهورًا.

(2)

هو سعد بن طارق أبو مالك الأشجعي الكوفي، ثقة، مات في حدود سنة أربعين ومائة، روى له البخاري تعليقًا ومسلم والأربعة. التقريب 1/ 287؛ الميزان 2/ 122.

(3)

قال ابن رجب: هذا ليس من زيادة الثقة في المتون وألفاظ الحديث لأن حديث حذيفة لم يرو بإسقاط هذه اللفظة وإثباتها، وإنما وردت هذه اللفظة فيه، وأكثر الأحاديث فيها:"وجعلت لنا الأرض مسجدًا وطهورًا". وليس هذا من باب المطلق والمقيد كما ظنه بعضهم، وإنما هو من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، ولا يقتضي ذلك التخصيص إلا عند من يرى التخصيص بالمفهوم ويرى أن للقب مفهومًا معتبرًا. انتهى.

وقد وضح الحافظ ذلك فقال: هذا التمثيل ليس بمستقيم، لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث عن ربعي بن حراش رضي الله عنه، كما تفرد برواية جملته ربعي عن حذيفة رضي الله عنه. انتهى.

قلت: أي هذه زيادة من الصحابي وهي مقبولة اتفاقًا إذا صح السند إليه وقولنا في زيادة لفظة في حديث واحد بإسناد واحد ومتن واحد ما يذكرها ساير من روى ذلك الحديث.

شرح علل الترمذي 1/ 432؛ النكت 2/ 483؛ فتح المغيث 1/ 204؛ توضيح الأفكار 2/ 23؛ العلل في الحديث، ص 206.

(4)

أخرجه البخاري في التيمم (ح 335)، 1/ 435.

ومسلم في المساجد (ح رقم 521)، 1/ 370 كلاهما من طريق هشيم عن سيار =

ص: 229

الأول (1) ويشبه الثاني (1).

قلت: لا يصح التمثيل بحديث مالك، لأنه ليس (أ) منفردًا، بل

(أ) لفظ: ليس. ساقط من (ك).

= عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله مرفوعًا.

وأخرجه أبو داود في كتاب الصلوة، باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلوة، (ح رقم 489)، 1/ 328 من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: جعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا.

(1)

أي القسم المردود من حيث أن ما رواه الجماعة عام يعني لشموله جميع أجزاء الأرض، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص بالتراب وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع مخالفة يختلف بها الحكم.

ويشبه القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة بينهما.

النكت 2/ 470؛ فتح المغيث 1/ 203؛ التدريب 1/ 247؛ توضيح الأفكار 2/ 24، قال النووي في التقريب: الصحيح قبول هذا الأخير. قال ابن حجر: لم يحكم ابن الصلاح على هذا الثالث بشيء، والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول، والرد بل يرجحون بالقرائن كما في مسألة تعارض الوصل والإِرسال. قال السخاوي: فهما على حد سواء. وقال الصنعاني: وهو موضع ترجيح واجتهاد في القبول وعدمه، وحيث لا يحصل موجب الرد فالأصل وجوب قبول زيادة الثقات.

النكت 2/ 470؛ فتح المغيث 1/ 203؛ توضيح الأفكار 2/ 24.

وقال الحافظ في 2/ 473: حاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكون حافظًا متقنًا حيث تستوى مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عددًا منه أو كان فيهم من هو أحفظ منه، أو كان غير حافظ ولو كان في الأصل صدوقًا، فإن زيادته لا تقبل.

وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة، وأطلق. والله أعلم.

واشترط ابن رجب لقبول زيادة الثقة سواء كانت في المتن أو في السند أن يكون الراوي للزيادة مبرزًا في الحفظ والإِتقان على من لا يروي هذه الزيادة، =

ص: 230

وافقه في هذه الزيادة عن نافع، عمر (1) بن نافع، والضحاك (2) بن عثمان، الأول في صحيح البخاري (3)، والثاني في صحيح مسلم (4). والله أعلم.

= ولا يكتفي بمجرد العدالة والضبط وعزاه إلى الإِمام أحمد، وأطال في الاستدلال لما قاله والرد على من قال من الحنابلة: إن أحمد يقبل الزيادة مطلقًا. شرح علل الترمذي 1/ 419 - 425؛ العلل في الحديث، ص 202 - 204.

(1)

هو عمر بن نافع العدوي مولى ابن عمر، ثقة، مات في خلافة المنصور روى له الجماعة إلا الترمذي. التقريب 632؛ الميزان 3/ 226.

(2)

الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي - أبو عثمان المدني، صدوق يهم من السابعة. روى له مسلم والأربعة. التقريب 1/ 373؛ الميزان 2/ 324.

(3)

صحيح البخاري كتاب الزكاة، باب فرض صدقة الفطر، من طريق عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بزيادة: من المسلمين" (ح رقم 1503)، 3/ 367.

(4)

صحيح مسلم كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين، من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بزيادة "من المسلمين"(ح رقم 984)(16)، 2/ 678.

ص: 231

النوع السابع عشر: معرفة الأفراد

هذا النوع تقدم مقصوده في الأنواع (1) قبله، وحاصله (أ) أن الفرد على ضربين: فرد عن جميع الرواة (2)، وسبق تقسيمه (3).

وفرد بالنسبة إلى جهة (4)(ب)، كقولهم: هذا الحديث تفرد به أهل مكة، أو الشام أو الكوفة أو خراسان.

أو لم يروه عن فلان غير فلان وإن كان مرويًا من وجوه عن غير فلان (5). أو تفرد به البصريون عن المدنيين، أو الخراسانيون عن المكيين

(أ) كلمة: وحاصله أن. مطموسة من (ت). موجودة في باقي النسخ.

(ب) في (ك): الجهة. وفي (هـ): جهته.

(1)

أي في الشاذ والمنكر ومعرفة زيادات الثقات وحكمها.

(2)

ويقال له: الفرد المطلق، أي الذي لم يقيد بقيد ما.

(3)

أي في آخر بحث الشاذ، ص 217.

(4)

ويقال له: الفرد النسبي، ومعناه أنه فرد بالنسبة والإِضافة إلى شيء معين. وإطلاق اسم الفرد على هذا النوع قليل، لأن الغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحًا إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي. وهذا من حيث إطلاق الاسمية عليهما. وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق، فلا يفرقون فيقولون في المطلق والنسبي: تفرد به فلان أو أغرب به فلان. نزهة النظر، ص 28.

(5)

ويدخل في أمثلة هذا النوع: لم يروه من الثقات غير فلان. فإن معناه: أنه قد رواه غيره لكن من غير الثقات. فتح المغيث 1/ 207؛ توضيح الأفكار 2/ 9.

ص: 232

وما أشبه ذلك (1) وليس في شيء من (أ) هذا ما يقتضي ضعف (2) الحديث، إلا أن يطلق قائل تفرد به البصريون عن المدنيين ونحوه على (ب) ما لم يروه إلا واحد (3)، كما استعمله الحاكم أبو عبد الله (4) فعند ذلك يكون حكمه حكم الضرب الأول (5). والله أعلم.

(أ) في (هـ): من ذلك هذا. وهو خطأ.

(ب) كلمة: على. ساقطة من (ك).

(1)

انظر أمثلة هذه الأنواع كلها في معرفة علوم الحديث، ص 96؛ النكت 2/ 487؛ فتح المغيث 1/ 205؛ التدريب 1/ 249.

(2)

أي من حيث كونه فردًا، إلا إن انضم إليه ما يقتضيه. فتح المغيث 1/ 207؛ التدريب 1/ 249.

(3)

قال الصنعاني: كأن يقال: تفرد به الكوفيون مثلًا، والمنفرد به واحد من أهل الكوفة، فنسب المفرد إليهم مجازًا، من باب عقروا الناقة. انتهى. وقال ابن حجر: وهذا الإِطلاق هو الأكثر، فجميع الأمثلة التي مثل بها الحاكم كذلك. انتهى.

وقال ابن كثير: هذا النوع يشترك فيه الفرد المطلق مع الفرد النسبي لاجتماع الوصفين فيه.

وقال السخاوي: وكذلك تفرد الثقة، بما يشترك معه في روايته ضعيف فإن بلغ رتبة من يعتبر بحديثه يقرب من الفرد المطلق، وإن كان ممن لا يعتبر بحديثه، فكالمطلق، لأن روايته كلا رواية. توضيح الأفكار 2/ 9؛ النكت 2/ 490؛ اختصار علوم الحديث، ص 61؛ فتح المغيث 1/ 207.

(4)

انظر: معرفة علوم الحديث، ص 96، 97، 98.

(5)

أي ان استوفى شروط الصحة فصحيح، وإن استوفى شروط الحسن فحسن وإن نزل إلى درجة الضعف فهو ضعيف.

ص: 233

النوع الثامن عشر: معرفة (أ) المعلّل

وتسميه أهل الحديث المعلول (ب)(1)، وذلك منهم ومن الفقهاء في (ج) قولهم: العلة والمعلول، مرذول عند أهل النحو واللغة (2).

(أ) كلمة: معرفة. ساقطة من (ك).

(ب) على هامش (ص): الفعل أعل فمفعوله معل. وقول الشيخ مرذول استعمل له مفعولًا، وهو لازم، ولو قدر تعديه بالهمزة أو غيرها لكان المفعول مرذلًا.

(ج) في (ك): من.

(1)

كذا وقع في عبارة البخاري والترمذي والحاكم والدارقطني وخلق من أئمة الحديث قديمًا وحديثًا. فتح المغيث 1/ 210؛ التدريب 1/ 251.

(2)

لأن المعلول من عله بالشراب إذا سقاه مرة بعد أخرى.

وتعقب هذا القول بأن ليس له معنى واحد فقط، بل قد ذكر ابن القوطية وابن فارس والجوهري: عل الشيء إذا أصابته علة، فيكون لفظ معلول هنا مأخوذًا منه. بل قال بعض العلماء: استعمال هذا اللفظ أولى لوقوعه في عبارات أهل الفن، مع ثبوته لغة ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وكذلك إن كان مأخوذًا من عله بمعنى سقاه الشربة الثانية فهو أيضًا موافق للغة ومنسجم مع قواعدها، وتكون العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي: إن العلة ناشئة عن إعادة النظر في الحديث مرة بعد مرة.

وكما يقال: معلول بهذا المعنى، فإنه يقال: معل. لما دخل على الحديث من العلة بمعنى المرض.

وأما استعمال: "معلل" فلا تمنعه القواعد أيضًا، إذا كان مشتقًا من "علله" بمعنى ألهاه به وشغله. كما في القاموس والصحاح. وحينئذ يكون معنى "الحديث المعلل" هو الحديث الذي عاقته العلة وشغلته فلم يعد صالحًا للعمل به. العلل =

ص: 234

وأعلم، أن معرفة علل الحديث من أجل علومه وأشرفها، وإنما يتمكن في ذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب (1)، وهي عبارة عن أسباب خفية (2) غامضة قادحة فيه (3).

فالحديث المعلل، هو الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها (4).

ويتطرق ذلك إلى الإِسناد الذي رجاله ثقات (5)، الجامع شروط الصحة ظاهرًا.

وتدرك بتفرد الراوي (6)، ومخالفة غيره له (7)، مع قرائن تنبه العارف

= في الحديث، ص 16؛ فتح المغيث 1/ 210؛ معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4/ 13 - 15؛ والصحاح 5/ 1773 - 1774؛ القاموس 4/ 20، مادة (ع ل ل).

(1)

قال السخاوي: ولذا لم يتكلم فيه إلا الجهابذة مثل ابن المديني وأحمد والبخاري ويعقوب بن شيبة وأبي زرعة وأبي حاتم والدارقطني ولخفائه كان بعض الحفاظ يقول: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل. فتح المغيث 1/ 219؛ التدريب 1/ 251.

(2)

معيار خفائه، سؤال الحفاظ عنه أو وروده في كتب العلل.

(3)

قلت: هذا تعريف أغلبي للعلة، وإلا فإنه سيأتي أنهم قد يعلون بأشياء ظاهرة غير خفية ولا غامضة. ويأتي هناك تخريجه ومطابقته لهذا التعريف.

انظر: ص 246.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 81؛ النكت 2/ 493؛ النكت الوفية (167/ أ)؛ فتح المغيث 1/ 211.

(5)

سبق وأن قلت: أن هذا تعريف أغلبي، ولا يشترط دائمًا أن يكون رجاله ثقات، بل فيه من هو ضعيف، أو متروك وهكذا.

(6)

أي برواية الحديث من طريقه فقط، مع عدم المتابعة عليه. فتح المغيث 1/ 210.

(7)

أي ممن هو أحفظ وأضبط أو أكثر عددًا. فتح المغيث 1/ 210.

قد تكلم الدكتور همام عن أسباب العلة، بتفصيل جيد. وقال: لم يقع الكلام =

ص: 235

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عن هذه الأسباب منظمًا مجتمعًا لي في كتاب من الكتب التي تعرضت للعلل، ولعل دراستنا هذه هي بداية المحاولة في هذا الترتيب النظري لعلم العلل. وفيما يلي عرض لهذه الأسباب والكلام عليها باختصار.

أولًا: السبب العام: وهو الذي يقف وراء الكثير من هذه العلل إلا أنه الضعف البشري الذي لا يسلم منه مخلوق، ولا عصمة إلا لكتاب الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وما وراء ذلك ناس يصيبون ويخطئون ويتذكرون وينسون وينشطون ويغفلون على ما بينهم من تفاوت في ذلك بين مكثر ومقل.

السبب الثاني: هو ما اتصف به بعض رواة الآثار من خفة الضبط وكثرة الوهم مع بقاء عدالتهم. وهؤلاء هم الذين ذكرهم الترمذي في علله (آخر الجامع، ص 544) بقوله: أهل صدق وحفظ ولكن يقع الوهن في حديثهم كثيرًا. اهـ. ولكن ليس هو الغالب، وليعلم أن حديث هؤلاء مقبول عند جماهير علماء الحديث بعد التمييز بين الخطأ والصواب وكان نصيب كتب العلل من هذه الأوهام كبيرًا، ولذا نجد كثيرًا في هذه الكتب بعد ذكر الحديث: أخطأ فيه شريك، وهم فيه عطاء الخراساني. وهكذا.

السبب الثالث: الاختلاط أو الآفة العقلية التي تورث فسادًا في الإِدراك، وتصيب الإِنسان في آخر عمره، أو تعرض له بسبب حادث ما كفقد عزيز أو ضياع مال، ولهذا الاختلاط أثر كبير على رواية المختلط لا سيما وأنه الثقة المحتج به. وليست لبدء هذا الاختلاط ساعات محدودة إذ الاختلاط حالة عقلية تبدأ خفية ثم يتعاظم أمرها بالتدريج، وبين الخفاء والظهور يكون المختلط قد روى أحاديث تناقلها الثقات عن الثقات وما دروا أنهم أخذوها عن الثقة لكن في اختلاطه، ولكن رجال هذا العلم بما لديهم من وسائل الدراية يقفون بالمرصاد لتمييز الصحيح من السقيم.

السبب الرابع: خفة الضبط بالأسباب العارضة.

ونقصد بالأسباب العارضة أمورًا تعرض للمحدث وتؤثر في ضبطه، دون أن تؤثر في إدراكه، وبهذا نميز هذه الأمور العارضة عن الاختلاط ولا أرى ضمها إليه كما فعل البعض، وهذه العوارض تعتري المحدث الذي يعتمد على كتابه في الرواية، فإذا ضاع الكتاب أو احترق أو أضر الراوي، أو لم يصطحب كتابه معه =

ص: 236

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= إذا رحل، في كل هذه الحالات يختل ضبط الراوي، ويكون سبب خفة الضبط هذا العارض الذي اعترض المحدث.

السبب الخامس: قصر الصحبة للشيخ وقلة الممارسة لحديثه.

أعطى المحدثون طول ملازمة الشيخ وممارسة حديثه أهمية كبيرة، فرجحوا من أجل ذلك أسانيد كثيرة على أخرى، وأعانتهم معرفتهم بالصحبة والممارسة على تمييز كثير من الأوهام والعلل. واهتمام النقاد بهذا الأمر جعلهم يتابعون الرواة عن شيخ ما فيقسمونهم فئات بين الأطول والأقصر صحبة، والأقل والأكثر ممارسة.

السبب السادس: اختصار الحديث أو روايته بالمعنى.

رأى الجمهور أن الرواية بالمعنى جائزة، وقيدوا هذا الجواز بأن يكون الراوي بالمعنى عارفًا بمواقع الألفاظ بصيرًا بدلالتها حتى لا يحيل الحلال حرامًا، أو يضع الدليل في غير مكانه، فإن لم يلتزم الراوي بشرطها، فإن هذه الرواية تكون سببًا في دخول العلة على الحديث.

السبب السابع: تدليس الثقات: وقد يكون سبب العلة تدليسًا أدركه النقاد فكشفوا فيه عن انقطاع في الإِسناد أو رواية عن ضعيف غير اسمه أو كنيته. وغالبًا ما تكون العلة في حديث الأعمش أو هشيم أو إسحاق بن أبي فروة أو ابن جريج ناشئة عن التدليس.

السبب الثامن: الرواية عن المجروحين والضعفاء.

وقد تضمنت كتب العلل أحاديث ذكر أن علتها جرح الراوي، فكان هذا الجرح سببًا في العلة.

ويشترط لدخول هذا الفرع في العلل، أن يكون من الخفاء بحيث يغيب عن بعض الثقات الأعلام. كأن يروي مالك عن عبد الكريم بن أبي أمية، والشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى. وينبغي التنبيه إلى أن الأغلب في العلل أوهام الثقات، حتى الرواية عن المجروحين كثيرًا ما ترتبط بالثقة الذي روى الحديث.

قلت: قد مثل الدكتور لجميع الأسباب وفصلها تفصيلًا مثاليًا فمن يريد الاطلاع على أكثر من ذلك فليرجع إليه. العلل في الحديث، ص 89 - 112.

ص: 237

على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم (1) بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه، فيحكم (2) به، أو يتردد فيتوقف (3) فيه، وكل ذلك مانع من الحكم بصحة (أ)(4) ما وجد ذلك فيه.

(أ) في (هـ): بصحته.

(1)

هذا النوع من العلة هو ميدان العلل الأوسع والأكبر الذي لا تكاد تخلو منه صفحة من كتب هذا الفن، وقد نص ابن رجب على الاختلاف في الوصل والإِرسال والوقف والرفع فقال: من وجوه معرفة صحة الحديث وسقمه معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف إما في الإِسناد وإما في الوصل والإِرسال، وإما في الوقف، والرفع ونحو ذلك.

أي فقد يروي الحديث مرفوعًا لكن النقاد يكشفون عن وهم في رفعه ويثبتون أن وقفه أصح. وقد يروي متصلًا وإرساله أثبت وآكد، أو قد يروي متصلًا وهو في الحقيقة معضل أو منقطع. شرح علل الترمذي 2/ 467؛ العلل في الحديث، ص 144.

(2)

لما رأى عالم العلل من قوة ما وقف عليه من ذلك، فأمضى الحكم بما ظنه لكون مبنى هذا على غلبة الظن. فتح المغيث 1/ 211.

(3)

قال السخاوي: أي كف عن الحكم بقبول الحديث وعدمه احتياطًا لتردده بين إعلاله بذلك أو لا. ولو كان ظن إعلاله أنقص. ثم قال: لا يقال: القاعدة، أن اليقين لا يترك بالشك. إذ لا يقين هنا. فتح المغيث 1/ 211.

(4)

قال ابن حجر: هذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيث يصرح بإثبات العلة، فأما إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما.

وكذلك إذا أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لإِحدى الروايتين، فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح. والله أعلم. النكت 2/ 494.

ص: 238

والطريق في معرفة علة الحديث أن يجمع طرقه فينظر في اختلاف رواته وحفظهم، وإتقانهم (1).

(1) وقد تكلم الدكتور همام عن وسائل الكشف عن العلة، ولا بد لعالم العلل أن يكون على علم بها، وأنا أذكرها باختصار لمزيد الفائدة.

الوسيلة الأولى: معرفة المدارس الحديثية، نشأتها ورجالها. وبهذه المعرفة يعالج الباحث أسانيد كثيرة فيكشف عن علتها، فإذا كان الحديث كوفيًا احتمل التدليس أو الرفض. وإن كان بصريًا احتمل النصب وتأثير الأرجاء والاعتزال في إسناده. فإذا روى المدينون عن الكوفيين فإنها تختلف الاحتمالات عما إذا روى المدينون عن البصريين، قال الحاكم: المدينون إذا رووا عن الكوفيين زلقوا. وأما حديث الشام عن المدارس الأخرى فأكثره ضعيف. معرفة علوم الحديث، ص 115.

الثانية: معرفة من دار عليهم الإِسناد، وأوثق الناس فيهم، وتمييز أصح الأسانيد وأضعفها، قال علي بن المديني: نظرت فإذا الإِسناد يدور على ستة، فلأهل المدينة ابن شهاب ولأهل مكة عمرو بن دينار ولأهل البصرة قتادة بن دعامة السدوسي ويحيى بن أبي كثير ولأهل الكوفة أبو إسحاق السبيعي وسليمان بن مهران إلى آخر ما قال. العلل لعلي بن المديني 36 - 40.

الثالثة: معرفة الأبواب ورجل العلل الحافظ الفهم العارف لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد أن جمع الأحاديث في الأبواب. وفي معرفة الأبواب وحصرها اشتهر الإِمام أحمد والبخاري وأبو زرعة وهو الذي يقول لعبد الله بن أحمد الإِمام: ذاكرت أباك فوجدته يحفظ ألف ألف حديث. فقال عبد الله: كيف ذاكرته.

قال أبو زرعة: ذاكرته على الأبواب. شرح علل الترمذي 1/ 209؛ وتذكرة الحفاظ 2/ 431.

الرابعة: معرفة المتشابه من الأسماء والكنى والألقاب: وأن الباحث ليدهش وهو يجد أن أربعة عشر رجلًا من الثقات يحملون اسم إبراهيم بن يزيد. وكما تتشابه الأسماء تتشابه الكنى ولا بد من معرفتها من قبل صاحب هذا الشأن. وإلى جانب التشابه في الكنى نجد الكثير من الكنى التي لم يشتهر أصحابها بها فاستغلها المدلسون ستارًا لتدليسهم. ولكن المعرفة الواسعة التي يتمتع بها الناقد تقف لكل ذلك بالمرصاد. =

ص: 239

وكثيرًا ما يعللون الموصول بالمرسل بأن يجيئ الحديث بإسناد موصولًا وبإسناد أقوى (1) منه مرسلًا.

= الخامسة: معرفة مواطن الرواة. قال الحاكم: وهو علم قد زلق فيه جماعة من كبار العلماء بما يشتبه عليهم فيه (معرفة علوم الحديث، ص 190).

وقد بثت هذه المعرفة في كتب العلل لارتباطها وعلاقتها الوثيقة بها.

السادسة: معرفة الوفيات والولادات. وعن طريق هذه المعرفة مضافًا إليها غيرها - يتأكد الناقد من السماع والمعاصرة أو ينفيهما. ونجد هذه المعرفة مبثوته في كتب العلل.

السابعة: معرفة من أرسل ومن دلس ومن اختلط. وقد اعتنت كتب العلل اعتناء كبيرًا بهذه المعرفة، وكثيرًا ما تجد فيها علل الإِرسال والتدليس والاختلاط، كما تجد تحديدات دقيقة للاختلاط وتفاوت المراسيل وما دلس من الأسانيد.

الثامنة: معرفة أهل البدع والأهواء. وقد سبق وأن ذكرت أن هذه المعرفة جزء من معرفة المدارس الحديثية، ولكنها هنا تهتم بالرواة كأفراد كل على حدة، وقد يكون الغالب على مدرسة ما التشيع، ولكن فيها الناصبي والخارجي والمعتزلي، وغير ذلك.

هذه بعض جوانب المعرفة التي لا بد منها للمشتغل، وتركت غيرها، لأن الموضوع لا يتسع لعلوم الحديث، إذ ظهر لي بعد البحث والاستقصاء أن أكثر علوم الحديث استمد من علم العلل، وهذا العلم عبارة عن علم الرواية والدراية، ومن تتوافر له هذه المعرفة تنكشف له العلاقات بين الروايات فيصبح مجال الحديث سندًا ومتنًا بمتناول صيرته وعند التعليل يستفيد من كل هذه الجوانب فجزى الله علماءنا عن أمتهم خير الجزاء، فلقد والله حملوا الأمانة التي لا تحملها الجبال الراسيات. انتهى. العلل في الحديث، ص 123 - 132.

(1)

بأن يكون راويه أضبط أو أكثر عددًا لأن القول بتقديم الوصل إنما هو فيما لم يظهر فيه ترجيح. انتهى ما قال السخاوي ونقل ابن حجر عن العلائي: فأما إذا كان رجال الإِسناد متكافئين في الحفظ أو العدد، أو كان من أسنده أو رفعه دون من أرسله أو وقفه في شيء من ذلك مع أن كلهم ثقات محتج بهم فههنا مجال النظر واختلاف الأئمة والفقهاء. فتأمل. فتح المغيث 1/ 218؛ النكت 2/ 494.

ص: 240

واعلم أنه قد (أ) تقع العلة في إسناد (1) الحديث وهو

(أ) لفظ: قد. ساقط من (هـ).

(1)

وعلة الإِسناد تأتي على خمسة أنواع:

أولًا: إبطال السماع الصريح أو نفي السماع المتوهم بالعنعنة.

الأصل أن التصريح بالسماع من الراوي الثقة معتبر، وكذلك إذا روى السند معنعنًا "أو" مؤننًا" فإنه معتبر كذلك بشرط كون الراوي بريئًا من التدليس، ولكن رغم التصريح بالسماع ورغم المعاصرة الأكيدة بين الراوي والمروي عنه وسلامة الراوي من التدليس، قد يكشف النقاد من أهل صنعة العلل أن الإِسناد منقطع، ولا حقيقة لهذا السماع.

ثانيًا: إبدال الإِسناد كله أو بعضه، كما في حديث البسملة الآتي.

ورغم هذا الخطأ بقي الإِسناد المعل بحمل السلامة الظاهرة حتى كشف النقاد عن علته، وعرفوا وجه التغيير الذي طرأ على الأصل. وقد يكون هذا الوهم ناشئًا عن ملابسات خاصة بالإِسناد، وقد يكون ناشئًا عن الوهم المجرد. ومثال الملابسات الخاصة أن يشتهر إسناد معين على لسان راو معين، كمالك عن نافع عن ابن عمر، أو كسعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة، أو كأبي بردة عن أبيه. فكل حديث يروى عن مالك قد يسبق اللسان إلى نافع عن ابن عمر. وفي واقع الأمر يكون مالك قد رواه عن غير نافع.

ثالثًا: الوهم في رفع الموقوف أو وصل المرسل أو ما فيه انقطاع.

وهذا النوع من علة الإِسناد هو ميدان العلل الأوسع والأكبر. فقد يروى الحديث مرفوعًا ولكن النقاد يكشفون عن وهم في رفعه ويثبتون أن وقفه أصح، وقد يروى الحديث متصلًا وإرساله أثبت وآكد، أو قد يروى متصلًا وهو في الحقيقة معضل أو منقطع.

رابعًا: جمع الشيوخ وبقاء اللفظ واحدًا.

الأصل أن يوجد بعض الاختلاف في روايات الحديث الواحد، لتصرف الرواة في لفظ الحديث، دون المعنى، فإذا روى أحد الرواة حديثًا واحدًا عن عدد من الشيوخ، ثم ساق اللفظ سياقًا واحدًا، فإن هذا دليل على الوهم والخطأ إلا أن يكون الراوي مبرزًا في الحفظ جدًا. =

ص: 241

الأكثر (1). وقد تقع في المتن (2). فما وقع في الإِسناد، قد يقدح في الإِسناد والمتن جميعًا، كالتعليل بالإِرسال والوقف. وقد يقدح في الإِسناد خاصة. كحديث

= خامسًا: جرح الراوي.

من المعلوم أن ميدان العلل حديث الثقات فيكشف عن أوهامهم وأخطائهم وسنرى أن علم الجرح قسيم لعلم العلل، وصورته إذا روى الثقة عن المجروح فإن هذه الرواية قد تعمي حال المجروح على كثير من الناس وعندها فلا بد من أن يتدخل العالم بالعلل ليكشف عن موضع العلة وإذ بها رواية العدل عن المجروح. وإن أردت زيادة الشرح فارجع إلى كتاب العلل في الحديث، ص 135 - 148.

(1)

أي أكثر وقوعًا لا أكثر أنواعًا.

(2)

وعلة المتن أيضًا تأتي على خمسة أنواع.

أولًا: ما كانت علته إحالة المعنى كليًا أو جزئيًا.

وقد سبق لي أن ذكرت جواز الرواية بالمعنى عند الجمهور إذا كان الراوي ملمًا باللغة عارفًا. عالمًا بصيرًا بمواقع الألفاظ، فإذا لم يكن الراوي على هذه الصفة ويروي الحديث بمعناه فيحيله على غير معناه المراد فالعلة تدخل في هذا الحديث من هذه الناحية.

ثانيًا: ما كانت علته تحريفًا في لفظ من ألفاظه. ويمثل له بمن حرف كلمة نؤديه، فجعلها، "نورثه" وبدل أن يجعل الحديث في صدقة الفطر وهو: كنا نؤديه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الجد. أي نورثه.

ثالثًا: ما كانت علته مخالفة راويه لمقتضاه. قد ضعف الإِمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا. وراجع هذه المسألة في شرح علل الترمذي تحت قاعدة في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه 2/ 796.

رابعًا: ما كانت علته إدراج كلام آخر فيه.

وصورة هذا النوع من العلة أن يدخل في سياق الحديث ما ليس منه، سواء كان هذا الداخل حديثًا آخر، أو بعض حديث، أم كان كلامًا للراوي يوضح به المراد من الحديث. وفي كلتا الحالتين يظهر الحديث مع ما أدرج فيه حديثًا واحدًا دونما تمييز بينهما، أو فاصل يحدد كلًا منهما. =

ص: 242

يعلى (1) بن عبيد عن الثوري عن عمرو (2) بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: البيعان بالخيار (3).

فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل. وهو معلل غير صحيح

= خامسًا: ما كانت علته أنه لا يشبه كلام النبي صلى الله عليه وسلم. بل يشبه كلام القصاص وغيرهم. قال ابن رجب: قال ابن أبي حاتم عن أبيه: تعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلا ما يصلح أن يكون مثل كلام النبوة، ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تتضح عدالته. انتهى ملخصا من كتاب العلل في الحديث ص 150 - 156.

وانظر: شرح علل الترمذي 2/ 775.

قال الدكتور همام: هذه بعض أنواع علة المتن، وهي الأنواع التي وقعت لي في شرح علل الترمذي، وفي كتب العلل التي اطلعت عليها. وهذه الأنواع ليست على سبيل الحصر وإنما على سبيل التمثيل لأن حصرها يحتاج إلى سنين وتفنى فيه الأعمار. العلل في الحديث، ص 150 - 156.

(1)

يعلى بن عبيد بن أبي أمية الكوفي، أبو يوسف الطنافسي، ثقة إلا في حديثه عن الثوري ففيه لين، مات سنة بضع ومائتين وله تسعون سنة روى له الجماعة. التقريب 2/ 378، تاريخ يحيى بن معين برواية عثمان الدارمي رقم النص 104، 375، 543.

(2)

عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم، ثقة ثبت، مات قبل أخيه بسنة سنة ست وعشرين ومائة، روى له الجماعة. التقريب 1/ 69؛ كتاب الطبقات، ص 281.

(3)

أخرجه البخاري من طريق سفيان، كتاب البيوع، باب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع (ح رقم 2113)، 4/ 333؛ ومسلم من طريق إسماعيل بن جعفر، كتاب البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين (ح رقم 1531)(46)، 3/ 1164؛ والبيهقي من طريق إسماعيل بن جعفر، كتاب البيوع، باب المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار 5/ 269، جميعًا عن عبد الله بن دينار به.

أما الطريق المقلوب (أي عن عمرو بن دينار) فلم أجد الحديث منها؟ .

ص: 243

والمتن صحيح. والعلة في قوله: عمرو بن دينار، إنما هو أخوه عبد الله بن دينار. هكذا رواه الأئمة من أصحاب الثوري عنه. فوهم يعلى. وابنا دينار ثقتان (1).

ومثال العلة في المتن (2)، ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (3).

فعلل قوم (4) هذه (أ) الرواية حيث رأوا الأكثرين، قالوا: يستفتحون

(أ) في (ك): بهذه. أي بزيادة الباء الجارة.

(1)

قد يقول قائل: ما داما ثقتين فما الضرر من هذا الخلط؟

والجواب على ذلك أن لكل من الرجلين إسناده، ولكل منهما رجاله والخلط بينهما لا يقتصر عليهما بل يتعداهما إلى بقية رجال الإِسناد. العلل في الحديث، ص 130.

(2)

قال البقاعي: الكلام الضابط أن يقال: الحديث لا يخلو، إما أن يكون فردًا أو له أكثر من إسناد. فالأول يلزم من القدح في سنده القدح في متنه وبالعكس.

والثاني لا يلزم من القدح في أحدهما، القدح في الآخر. انتهى.

وقال ابن حجر: قلت: إذا وقعت العلة في الإِسناد فقد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن، وكذا القول في المتن سواء، فالأقسام على هذا ستة. النكت الوفية (160/ ب)؛ النكت 2/ 527.

(3)

صحيح مسلم في كتاب الصلوة باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة (ح رقم 399)، 1/ 299.

(4)

المراد بذلك الدارقطني، فإنه السابق إلى ذلك، فقال: إن المحفوظ عن قتادة من رواية عامة أصحابه عنه: كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. قال: وهو المحفوظ عن قتادة وغيره من أصحاب أنس عنه رضي الله عنه. وتبعه البيهقي، وقال بقوله:

وقد أورد الحافظ على كلام الدارقطني فقال: وفي قول الدارقطني نظر لأنه يستلزم ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى مع إمكان الجمع بينهما وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل شعبة انتهى. سنن الدارقطني =

ص: 244

بالحمد لله رب العالمين (1).

من غير تعرض البسملة. وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه (2). فرأوا أن من رواه باللفظ المصرح، رواه بالمعنى الذي وقع له. ففهم من قوله: كانوا يفتتحون بالحمد لله. أنهم كانوا لا يبسملون. فرواه على ما فهم وأخطأ. لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها الفاتحة (3).

= 1/ 316؛ السنن الكبرى 2/ 51؛ النكت 2/ 545 - 546، وقد تكلم الحافظ على هذه الرواية واستقصى طرقها بما يطول ذكره، وقد لخصه السخاوي في فتح المغيث فمن يريد الاطلاع عليه فليرجع إلى النكت 2/ 529 - 549؛ وفتح المغيث 1/ 214 - 217.

(1)

أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير (ح رقم 743)، 2/ 226؛ ومسلم، كتاب الصلوة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة (ح رقم 399)، (52)، 1/ 299؛ وأبو داود، كتاب الصلوة، باب من لم ير الجهر بسم الله الرحمن الرحيم 1/ 494.

والترمذي، أبواب الصلوة، باب ما جاء في افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين (ح رقم 246)، 2/ 15.

والنسائي في الافتتاح، باب البدء بفاتحة الكتاب قبل السورة 2/ 133.

وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوة، باب افتتاح القراءة (ح رقم 813)، 1/ 667. جميعًا من طريق قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: يفتتحون القراءة. إلا مسلمًا والنسائي، ففيهما بلفظ: يستفتحون القراءة. كما هو في الكتاب.

(2)

تقدم ذكرهما ضمن التخريج قبل الآن.

(3)

قد تكلم الشافعي على معنى هذا الحديث في الأم، باب القراءة بعد التعوذ 1/ 129 - 130.

والنووي في شرح مسلم 4/ 111؛ وابن حجر في الفتح 2/ 227 - 228.

وشمس الحق في التعليق المغني 1/ 315، وعزاه إلى المحدث السيد نذير حسين الدهلوي رحمه الله.

وأحمد شاكر بهامش الترمذي 2/ 16 - 25، وأطال البحث بما لا مزيد عليه.

ص: 245

وانضم إلى هذا أمور. منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ (1) فيه شيئًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم (أ). واعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير مقتضاها في الأصل، وهو ما قدمناه (2).

فيطلق على أنواع من أسباب ضعف الحديث. كالكذب والغفلة، وسوء الحفظ ونحوها (3).

(أ) والله أعلم: غير موجود في (هـ)، و (ص).

(1)

أخرجه الدارقطني من طريق أبي سلمة سعيد بن يزيد الأزدي، بلفظ، قال: سألت أنس بن مالك، أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين، أو بسم الله الرحمن الرحيم؟ فقال: إنك تسألني عن شيء ما أحفظه، وما سألني أحد قبلك، قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم. هذا إسناد صحيح. السنن 1/ 316؛ وأخرج البيهقي من طريق أبي سلمة عن أنس رضي الله عنه نفس المتن المذكور. وذكر قول الدارقطني: هذا إسناد صحيح. مقرًا له معرفة السنن والآثار، ص 330، مصورًا من الهند رقم 819.

وأخرجه الإِمام أحمد بنفس السند المذكور، لكن ليس فيه لفظ: ما أحفظه. إلمسند 3/ 190، وقد تكلم العراقي على هذا الحديث ردًا وإثباتًا في التقييد والإِيضاح، ص 122 - 124، فارجع إليه إن شئت.

(2)

مراده بذلك ما حققه من تعريف المعلول، قد يقع في كلامهم ما يخالفه. النكت 2/ 550؛ التدريب 1/ 257.

(3)

قال ابن حجر: وطريق التوفيق بين ما حققه المصنف وبين ما يقع في كلامهم، إن اسم العلة إذا أطلق على حديث، لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولًا، اصطلاحًا، إذ المعلول ما علته قادحة خفية، والعلة أعم من أن تكون قادحة أو غير قادحة خفية أو واضحة. ولهذا قال الحكم: وإنما يعل الحديث من أوجه ليس فيها للجرح مدخل. انتهى.

وقال البقاعي: وذلك من قائله إما تجوز عن الاصطلاح، ونظرًا إلى معناها =

ص: 246

وسمى الترمذي النسخ علة (1).

= اللغوي، فقط. وإما أن يكون قاله قبل تقرر الاصطلاح. انتهى.

وقال الدكتور همام: يمكن حمل هذه القوادح الظاهرة على علم العلل وإلحاقها به، إذا وردت في أحاديث الثقات كرواية الزهري عن سليمان بن أرقم، ورواية مالك عن عبد الكريم بن أبي أمية، ورواية الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى، فرواية هؤلاء الأئمة الجهابذة عن هؤلاء الضعفاء توقع كثيرين في العلة، اعتمادًا على تثبت هؤلاء الأئمة، ومكانة الزهري ومالك والشافعي تخفي أمر هؤلاء المتروكين والضعفاء.

وقد يلتبس أمر راو ما على أحد الحفاظ النقاد، فيروي عنه، ويكون الحديث معلولًا بجهالة أمر هذا الراوي أو بنكارته، ولا تدرك هذه الجهالة والنكارة، إلا بمعرفة كبار النقاد.

وهذا تخريج لوجود مثل هذه القوادح التي ذكرت في العلل.

وقد ذكر أكثر المصنفين في علوم الحديث أن غالب العلل في أحاديث الثقات ثم قالوا: وقد تطلق العلة على أنواع من الجرح ولكنهم لم يحاولوا تخريج وجود هذه الأنواع الظاهرة من الجرح في كتب العلل. أما السخاوي فقد تنبه لهذا فقال: ولكن منهم - أي أصحاب كتب العلل الذين يعلون بالجرح - بالنسبة للذي قبله قليل، على أنه يحتمل أيضًا أن التعليل بذلك من الخفي لخفاء وجود طريق آخر لينجبر بها ما في هذا من ضعف، فكأن المعلل، أشار إلى تفرده. انتهى بتصرف. العلل في الحديث، ص 26، 27.

(1)

قال الحافظ: مراد الترمذي أن الحديث المنسوخ مع صحته إسنادًا ومتنًا طرأ عليه، ما أوجب عدم العمل به، وهو الناسخ، ولا يلزم من ذلك أن يسمى المنسوخ معلولًا اصطلاحًا.

وقال السخاوي: بل وصحح الترمذي نفسه من ذلك جملة فتعين لذلك إرادته.

وقال أحمد شاكر: إني لم أقف على هذا القول في كتاب الترمذي ولعلي أجده فيه بعد. وقال في سننه 1/ 23 - 24: إنما كان (الماء من الماء) في أول الإِسلام. ثم نسخ بعد ذلك، فلو كان النسخ عنده علة في صحة الحديث لصرح به. انتهى. النكت 2/ 550؛ فتح المغيث 1/ 219؛ سنن الترمذي 1/ 185؛ الباعث الحثيث، ص 72.

ص: 247

وأطلق بعضهم (1) اسم العلة على مخالفة لا تقدح، كإرسال ما وصله الثقة الضابط، حتى قال: من الصحيح ما هو صحيح معلل، كما قال آخر: من الصحيح، صحيح شاذ. والله أعلم.

(1) المراد بهذا البعض أبو يعلى الخليلي، قال في كتاب الإِرشاد: صحيح متفق عليه، وصحيح معلول وصحيح مختلف فيه. الإِرشاد (3/ ب 4/ أ 7/ ب) ج 1.

تنبيه - قال الدكتور همام: لقد شاع على ألسنة كبار النقاد أثناء وصفهم لعلم العلل بأنه أقرب إلى الكهانة والعرافة لغموض أسبابه وخفاء طرائقه، وكأنه معرفة نفسية أو وجدانية أكثر منه معرفة عقلية علمية - وفي هذا يقول إمام من أئمة هذا الفن وهو عبد الرحمن بن مهدي: معرفة الحديث إلهام، فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين لك هذا؟ لم يكن له حجة. ونقل عن أبي حاتم ما يشبه هذا.

وأرى أن جعل معرفة العلة هيئة نفسانية وخواطر وجدانية، لا يستفاد من مجموع كلام النقاد، ولا يشهد له هذا العلم، بل يشهد عليه، وهو مرفوض بمنطق مئات الأمثلة والشواهد التي احتواها كتاب ابن رجب.

ومعنى كلام النقاد: أن كل علم هو كالعرافة والسحر بالنسبة لمن يجهله لأن كل علم له مبادئه وطرائقه وقوانينه لا بد من معرفتها لكل من يريد الإِحاطة به.

قال: وإلى جانب ما سبق أقول: إن كتب العلل في أكثرها أسئلة وأجوبة وهذه الأجوبة في معظمها يحمل الحجة والدليل. ويضاف إلى كل ما سبق: أن منهج علماء الحديث هو جزء من المنهج الإِسلامي العام القائم {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . والمنهج الإِسلامي هو أول منهج أخرج الإِنسان من سلطان الطلاسم والفيوض الوجدانية، وحرره من تحكم الأهواء والأوهام والخواطر.

يقول: وإن كنت أطلت في مناقشة هذه القضية فلخطورتها وأهميتها حتى أنها تقف أمام كل باحث في العلل لتشعره باستحالة البحث والوصول إلى نتائج جديدة. انتهى ملخصًا.

انظر: العلل في الحديث، ص 117، 123.

ص: 248

النوع التاسع عشر: المضطرب

هو الذي يروي على أوجه مختلفة متفاوتة (1). فإن ترجحت إحدى الروايتين بحيث لا تقاومها الأخرى لكون راويها (أ) أحفظ أو أكثر صحبة للمروى عنه أو غيره من وجوه الترجيح المعتمدة (2). فالحكم للراجح، ولا يطلق عليه حينئذ (ب) وصف المضطرب، ولا له حكمه (3).

ثم الاضطراب قد يقع في متن (4) الحديث وقد يقع في

(أ) في (هـ): رواتها. بصيغة الجمع.

(ب) كلمة: حينئذ. ساقطة من (ك).

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 84؛ الاقتراح، ص 219؛ اختصار علوم الحديث، ص 72؛ التذكرة والتبصرة 1/ 240؛ فتح الباقي 1/ 240؛ نزهة النظر، ص 47؛ فتح المغيث 1/ 221؛ التدريب 1/ 262؛ توضيح الأفكار 2/ 35.

(2)

قال الحافظ: وجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر، ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، ولا يخفى على الممارس الفطن الذي أكثر من جمع الطرق. النكت 2/ 556؛ توضيح الأفكار 2/ 38.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 84؛ الاقتراح، ص 220؛ التبصرة والتذكرة 1/ 240؛ فتح الباقي 2/ 241؛ فتح المغيث 1/ 221؛ التدريب 1/ 262؛ توضيح الأفكار 2/ 47.

(4)

قال ابن حجر: لكن قل أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب بالنسبة إلى الاختلاف في المتن دون الإِسناد. نزهة النظر، ص 47. وقال في النكت 2/ 567، نقلًا عن العلائي في مقدمة كتابه الأحكام. وأنا أذكره هنا بغاية الاختصار. =

ص: 249

الإسناد (1)، وقد يقع من راو،

= أما الاختلاف الذي يقع في المتن، فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرًا من الأحاديث وأمثلة ذلك كثيرة، وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيمًا، وبيان أمثلة ليصير ذلك قاعدة يرجع إليها، فنقول:

إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه، أو كان سياق الحديث في حكاية واقعة يظهر تعددها، فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين.

فأما إذا بعد الجمع بين الروايات بأن يكون المخرج واحدًا، فلا ينبغي سلوك تلك الطريق المتعسفة. لأن الغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير ولا يلزم من ذلك تعدد الواقعة. بل يكون الحل فيه أحيانًا على طريق المجاز، أو بتقييد في الاطلاق، أو بتخصيص العام، أو بتفسير المبهم وتبيين المجمل.

وأما ما يبعد فيه احتمال التعدد ويبعد أيضًا فيه الجمع بين الروايات فهو على قسمين:

أحدهما: ما لا يتضمن المخالفة بين الروايات اختلاف حكم شرعي فلا يقدح ذلك في الحديث، وتحمل تلك المخالفات على خلل وقع لبعض الرواة إذ رووه بالمعنى متصرفين بما يخرجه عن أصله.

وأما الأحاديث التي رواها بعض الرواة بالمعنى الذي وقع له، وحصل من ذلك الغلط لبعض الفقهاء بسببه، وهذا لا يتأتى إلا لو كان مخرج الحديث مختلفًا.

فأما والسند واحد متحد فلا ريب في أنه حديث واحد اختلف لفظه فتكون بعض رواياتها مقبولة. وغيرها شاذة. انتهى.

انظر: من ص 567 إلى ص 586؛ وتوضيح الأفكار 2/ 40 - 48؛ ومجموع كلام ابن دقيق العيد أيضًا يدل على هذا في الاقتراح، ص 220 - 222.

(1)

قال ابن حجر نقلًا عن العلائي كما تقدم: الاختلاف الذي يقع في السند يتنوع أنواعًا:

1 -

أحدها: تعارض الوصل والإِرسال.

2 -

ثانيها: تعارض الوقف والرفع.

3 -

ثالثها: تعارض الاتصال والانقطاع.

4 -

رابعها: أن يروي الحديث قوم - مثلًا - عن رجل عن تابعي عن صحابي، ويرويه غيرهم عن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه.

خامسها: زيادة رجل في أحد الإِسنادين. =

ص: 250

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 6 - سادسها: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان مترددًا بين ثقة وضعيف.

فأما الثلاثة الأول فقد تقدم القول فيها. وأن المختلفين إما أن يكونوا متماثلين في الحفظ والاتقان أم لا، فالمتماثلون إما أن يكون عددهم من الجانبين سواء أم لا، فإن استوى عددهم مع استواء أوصافهم، وجب التوقف حتى يترجح أحد الطريقين بقرينة من القرائن، فمتى اعتضدت إحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكم لها، ووجوه الترجيح لا تنحصر. ولأجل هذا كان مجال النظر في هذا كثيرًا من غيره، وإن كان أحد المتماثلين أكثر عددًا، فالحكم لهم على قول الأكثر، وهو الصحيح.

وأما غير المتماثلين، فإما أن يتساووا في الثقة أولا، فإن تساووا في الثقة فإن كان من وصل أو رفع أحفظ فالحكم له، ولا يلتفت إلى تعليل من علله بذلك. وإن كان العكس فالحكم للمرسل والواقف.

وإن لم يتساووا في الثقة فالحكم للثقة، ولا يلتفت إلى تعليل من علله برواية غير الثقة إذا خالف.

هذه جملة تقسيم الاختلاف. وبقي إذا كان رجال أحد الإِسنادين أحفظ ورجال الآخر أكثر. فقد اختلف المتقدمون فيه.

فمنهم: من يرى قول الأحفظ أولى لاتقانه وضبطه ومنهم: من يرى قول الأكثر أولى، لبعدهم عن الوهم.

وأما النوع الرابع: وهو الاختلاف في السند فلا يخلو أما أن يكون الرجلان ثقتين أم لا؟ فإن كانا ثقتين، فلا يضر الاختلاف عند الأكثر، لقيام الحجة بكل منهما فكيفما دار الإِسناد كان عن ثقة. وربما احتمل أن يكون الراوي سمعه منهما جميعًا، وقد وجد ذلك في كثير من الحديث، لكن ذلك حيث يكون الراوي ممن له اعتناء بالطلب وتكثير الطرق. وهذا هو الصحيح.

وأما إذا كان أحد الراويين المختلف فيهما ضعيفًا لا يحتج به فههنا مجال للنظر، وتكون تلك الطريق التي سمى ذلك الضعيف فيها (وجعل الحديث عنه كالوقف أو الإِرسال بالنسبة إلى الطريق الأخرى) فكل ما ذكر هناك من الترجيحان يجيئ هنا. ويمكن أن يقال في مثل هذا: يحتمل أن يكون الراوي إذا كان مكثرًا قد سمعه منهما أيضًا كما تقدم. =

ص: 251

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأما النوع الخامس) وهو زيادة الرجل بين الرجلين في السند فسيأتي تفصيله في النوع السابع والثلاثين - إن شاء الله تعالى -.

قلت: لم يقدر للحافظ أن يصل إلى هذا النوع في نكته.

وأما النوع السادس: وهو الاختلاف في اسم الراوي ونسبه فهو على أقسام أربعة.

1 -

الأول: أن يبهم في طريق ويسمى في أخرى، فالظاهر أن هذا لا تعارض فيه، لأنه يكون المبهم في إحدى الروايتين هو المعين في الأخرى، وعلى تقدير أن يكون غيره، فلا تضر رواية من سماه وعرفه إذا كان ثقة رواية من أبهمه.

2 -

القسم الثاني: أن يكون الاختلاف في العبارة فقط والمعنى بها في الكل واحد، فإن مثل هذا لا يعد اختلافًا - ولا يضر إذا كان الراوي ثقة.

3 -

القسم الثالث: أن يقع التصريح باسم الراوي ونسبه، لكن مع الاختلاف في سياق ذلك.

4 -

القسم الرابع: أن يقع التصريح به من غير اختلاف، لكن يكون ذلك من متفقين:

أحدهما: ثقة والآخر: ضعيف. أو أحدهما مستلزم الاتصال؛ والآخر، الإِرسال. فهذه الأنواع الستة التي يقع بها التعليل، وقد تبين كيفية التصرف فيها، وما عداها إن وجد لم يخف إلحاقه بها.

قال في ص 586: ثم إن الاختلاف في الإِسناد إذا كان بين ثقات متساوين وتعذر الترجيح فهو في الحقيقة لا يضر في قبول الحديث والحكم بصحته، لأنه عن ثقة في الجملة. ولكن يضر ذلك في الأصحية عند التعارض. مثلًا فحديث لم يختلف فيه على راويه - أصلًا - أصح من حديث اختلف فيه الجملة، وإن كان الاختلاف في نفسه يرجع إلى أمر لا يستلزم القدح. والله أعلم.

وقد تكفل ابن حجر، والصنعاني نقلًا عنه ببيان الأمثلة لكل ما تقدم وبيان وجوه الترجيح وكيفية الجمع وبيان المواطن التي يتعذر فيها الجمع.

انظر: النكت 2/ 556 - 567؛ توضيع الأفكار 2/ 37 - 40.

قلت: وإن طال الكلام لكنه نافع جدًا (قال الحافظ: هو شامل لكل ما يتعلق بتعليل الحديث من اضطراب وغيره). سيما مع اختصار المصنف للمقال، وهو مفتقر إلى الإِطالة.

ص: 252

وقد يقع من جماعة (1).

والاضطراب موجب ضعف الحديث، لإِشعاره بأنه لم يضبط (2). والله أعلم.

(1) التعليق المتقدم شامل لهذا الرقم أيضًا.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 85؛ الاقتراح، ص 219؛ التقييد والإِيضاح، ص 124؛ التبصرة والتذكرة 1/ 245؛ فتح الباقي 2/ 245؛ فتح المغيث 1/ 225؛ التدريب 1/ 262؛ وتوضيح الأفكار 2/ 47.

ص: 253

النوع العشرون: معرفة المدرج (1) في الحديث

وهو على أقسام:

أحدها (2): ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته بأن يذكر الصحابي أو غيره (أ) عقيب (2) روايته الحديث

(أ) في (هـ): عقب. أي بدون الياء.

(1)

الحديث المدرج: ما كانت فيه زيادة ليست منه. الباعث الحثيث، ص 74؛ وهامش توضيح الأفكار 2/ 51.

(2)

هذا القسم يسمى مدرج المتن، ويقابله مدرج الإِسناد وسيأتي ذكره ومدرج المتن يكون على ثلاثة أقسام اقتصر المصنف على واحد منها تبعًا لابن الصلاح، وأهمل نوعين. فأقول: الثاني: أن تكون الزيادة في وسط الحديث.

والثالث: أن تكون الزيادة في أول الحديث. فيتوهم من يسمع الحديث أن هذا الكلام منه. والقسم الأول أكثر وقوعًا؛ والثاني قليل؛ والثالث نادر جدًا.

والحكم للإِدراج بهذه الأقسام الثلاثة مختلف، فبالقسم الأول قطعي وبالثاني، والثالث يكون بحسب غلبة الظن.

وقال ابن دقيق العيد: يضعف الحكم للإِدراج إذا كان المدرج في أثناء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيما ان كان مقدمًا على اللفظ المروي أو معطوفًا عليه بواو العطف. كذا قال في الاقتراح. وقال في الإِمام: إنما يكون الإِدراج بلفظ تابع يمكن استقلاله عن اللفظ السابق. انتهى. نقله السخاوي.

وقد رد ابن حجر على قول ابن دقيق العيد، فقال: فيما قاله ابن دقيق العيد نظر، وفي الجملة إذا قام الدليل على إدراج جملة معينة بحيث يغلب على الظن ذلك، فسواء، كان في الأول أو الوسط أو الآخر لا مانع من الحكم عليه بالإِدراج. انتهى. =

ص: 254

كلامًا لنفسه، فيرويه من بعده موصولًا بالحديث، غير فاصل، بذكر قائله. فيلتبس الأمر على من لا يعرف حقيقة الحال، فيتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

= ثم قد يكون المدرج من قول الصحابي أو التابعي أو من بعده، وقد يكون حديثًا آخر مرفوعًا بسند آخر.

ودواعي الإِدراج كثيرة: منها أن يقصد الراوي بيان حكم ويريد أن يستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا في الإِدراج قبل المتن. ومنها: أن يريد الراوي بيان حكم يستنبط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يكون في الإِدراج في وسط المتن بعد ذكر ما يستنتج منه ذلك الحكم، وقد يكون في الإِدراج عقيب المتن كله.

ومنها: أن يريد الراوي تفسير بعض الألفاظ الغربية في الحديث النبوي صلى الله عليه وسلم.

وسبب ذلك، الاختصار من بعض الرواة بحذف أداة التفسير أو التفصيل فيجيء من بعده فيرويه بالتقديم والتأخير لظنه الرفع في الجميع واعتماده الرواية بالمعنى فبقي الإِدراج حينئذ في أول الخبر وأثنائه.

ويعرف الإِدراج من وجوه:

1 -

الأول: أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

2 -

الثاني: أن يصرح الصحابي، بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي صلى الله عليه وسلم.

3 -

الثالث: أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج فيه عن المتن المرفوع فيه، بأن يضيف الكلام إلى قائله. وهذا الوجه أكثره ويتقوى هذا الفصل إذا اقتصر بعض الرواة الثقات على الأصل، ولم يذكروا الزيادة.

وقد تكفل أصحاب الكتب التالية ببيان أمثلة هذه الأشياء بيانًا كافيًا لا سيما ابن حجر رحمه الله فإنه لم يترك واردًا ولا شاردًا.

انظر: النكت 2/ 588 - 607؛ نزهة النظر، ص 46؛ فتح المغيث 1/ 226 - 230؛ التبصرة والتذكرة 1/ 246 - 252؛ فتح الباقي 1/ 246 - 252؛ التدريب 1/ 268 - 271؛ توضيح الأفكار مع هامشه 2/ 50 - 64؛ الباعث الحثيث، ص 74، 75؛ الاقتراح، ص 224؛ النكت الوفية (171/ ب/ 172/ أ).

ص: 255

القسم الثاني (1): أن يكون جملة الحديث عند الراوي بإسناد، إلا طرفًا منه فإنه عنده بإسناد آخر فيدرجه، من رواه عنه على الإِسناد الأول، فيروي الحديثين بالإِسناد الأول.

(1) هذا هو مدرج الإِسناد وهو على خمسة أقسام، ذكر المصنف منها قسمين صورة، وهما ثلاثة أقسام حقيقة، لأن المصنف قد ضم الثاني والثالث بعضه مع بعض، بلفظ:(إسناده ومتنه) في القسم الثاني من مدرج الإِسناد. ولم ينتبه إليه السيوطي.

فقال في التدريب: أهمل المصنف من مدرج الإِسناد نوعًا، وهو عند ابن الصلاح.

وقد حرر ابن حجر هذه الأقسام الخمسة، فأذكرها فيما يلي:

1 -

أحدهما: أن يكون المتن مختلف الإِسناد بالنسبة إلى أفراد رواته فيرويه راوٍ واحد، عنهم، فيحمل بعض رواياتهم على بعض، ولا يميز بينها.

2 -

ثانيهما: أن يكون المتن عند الراوي له بالإِسناد إلا طرفًا منه فإنه عنده بإسناد آخر، فيرويه بعضهم عنه تامًا بالإِسناد الأول.

3 -

ثالثها: أن يكون متنان مختلفي الإِسناد، فيدرج بعض الرواة شيئًا من أحدهما في الآخر، ولا يكون ذلك الشيء من رواية ذلك الراوي. ومن هذه الحيثية فارق القسم الذي قبله.

قال: وهذه الأقسام الثلاثة قد ذكرها ابن الصلاح.

4 -

رابعها: أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفًا منه، فإنه لم يسمعه من شيخه فيه، وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه، فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل. قال: وهذا ما يشترك فيه الإِدراج والتدليس.

5 -

خامسها: أن لا يذكر المحدث متن الحديث، بل يسوق إسناده فقط، ثم يقطعه قاطع، فيذكر كلامًا، فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإِسناد.

قال: ومثاله في قصة ثابت بن موسى الزاهد مع شريك القاضي، كما مثل به ابن الصلاح لشبه الموضوع، وجزم ابن حبان، بأنه من المدرج وقال: والطريق إلى معرفة كونه مدرجًا، أن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة، وتتقوى الرواية المفصلة بأن يرويه بعض الرواة مقتصرًا على إحدى الجملتين. انتهى. =

ص: 256

القسم الثالث: أن يروي حديثًا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناد أو متنه، فلا يذكر الاختلاف، بل يدرج (أ) روايتهم على الاتفاق (والله أعلم)(ب).

وأعلم أنه لا يجوز (1) تعمد شيء من الإِدراج المذكور، وقد صنف (ج) الخطيب فيه كتابه، (الفصل للوصل) فشفى وكفى. والله أعلم.

(أ) في (ك): يندرج.

(ب) والله أعلم. غير موجود في (ت) و (هـ) و (ص) وموجود في (ك).

(ج) في (ك): وقد وصف.

= وقد مثل ابن حجر لجميع هذه الأقسام بغاية التفصيل والتحرير ولكن المقام لا يسع لذكرها على أني قد أطلت في بيان الأنواع.

انظر: النكت 2/ 608 - 612؛ نزهة النظر، ص 46؛ توضيح الأفكار نقلًا عن ابن حجر 2/ 64 - 67؛ فتح المغيث 1/ 230 - 233.

(1)

قلت: الإِدراج إما أن يكون القصد منه تفسير غريب وإما لا. فإن كان الغرض منه تفسير غريب، فلا بأس به، ولذلك فعله الزهري، وغير واحد من الأئمة سواء أجاء بالتفسير عقب الانتهاء من الحديث، أم جاء به في أثنائه عند ذكر المفسر. ولكن الأولى أن ينص الراوي على بيانه.

وإن كان الغرض شيئًا غير تفسير الغريب، فإما أن يقع من الراوي عن عمد وإما أن يقع عن خطأ، فإن وقع عن عمد فإنه حرام كله على اختلاف أنواعه باتفاق أهل الحديث والفقه والأصول، لما يتضمن من التلبيس والتدليس ومن عزو القول إلي غير قائله.

وأما إن وقع من الراوي خطأ من غير عمد فلا تترتب عليه، لكن إذا كثر خطأه يكون هذا جرحًا في ضبطه واتقانه ولا يبقى محلًا للقبول. فتح المغيث 1/ 233؛ التدريب 1/ 274؛ فتح الباقي 1/ 260؛ الباعث الحثيث، ص 77؛ هامش توضيح الأفكار 2/ 53.

ص: 257

النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع (1)

هو المختلق المصنوع، ونشر الأحاديث (2) الضعيفة، ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان، إلا مقرونًا ببيان (3) وضعه، بخلاف

(1) من وضع يضع بفتح ضادهما وضعًا، وله عدة معان، كما في القاموس: الأول: الإِسقاط، والثاني: الترك، والثالث: الافتراء والاختلاق. فالموضوع في اللغة يكون بمعنى المسقط، ويكون بمعنى المتروك، ويكون بمعنى المختلق المفتري.

وقال ابن دحية - كما نقل عنه ابن حجر: الموضوع الملصق، وضع فلان على فلان كذا، أي ألصقه به.

وقال ابن عراق: فالحديث الموضوع المختلق المصنوع، إما أن يكون مأخوذًا من الحط والإِسقاط، لأن رتبته أن يكون مطرحًا ملقى لا يستحق الرفع أصلًا أو من الإِلصاق، لأنه ملصق بالنبي صلى الله عليه وسلم. القاموس 3/ 94، مادة وض ع؛ النكت 2/ 614؛ تنزيه الشريعة 1/ 5؛ فتح المغيث 1/ 234؛ توضيح الأفكار 2/ 68.

(2)

تنازع العلماء في إدراج الموضوع في أنواع الحديث لكونه ليس بحديث. ويمكن الجواب عنه، بأنه أريد بالحديث، القدر المشترك، وهو ما يحدث به أو بالنظر لما في زعم واضعه، وأحسن منها، أنه لأجل معرفة الطرق التي يتوصل بها لمعرفته لينفي عن المقبول ونحوه. فتح المغيث 1/ 235؛ النكت 2/ 614؛ توضيح الأفكار 2/ 69.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 89؛ فتح المغيث 1/ 235؛ التدريب 1/ 274؛ تنزيه الشريعة 1/ 8؛ توضيح الأفكار 2/ 70.

وقال مسلم رحمه الله في المقدمة، ص 60: اعلم أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروى منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع.

ص: 258

غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها (1) في الباطن، فإنه يجوز (2) روايتها في الترغيب والترهيب.

ويعرف الوضع بإقرار (3) واضعه، أو ما ينزل منزلة (4) إقراره.

(1) قال ابن حجر: يريد ابن الصلاح جعل احتمال صدقها قيدًا في جواز العمل بها.

لكن هل يشترط في هذا الاحتمال أن يكون قويًا بحيث يفوق احتمال كذبها أو يساويه أولا؟

هذا محل نظر، والذي يظهر من كلام مسلم والذي استدل به أن احتمال الصدق إذا كان احتمالًا ضعيفًا أنه لا يعتد به. النكت 2/ 616.

(2)

سيأتي الكلام على هذه المسألة قبيل: معرفة من تقبل روايته. إن شاء الله تعالى.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 89؛ فتح المغيث 1/ 248؛ التدريب 1/ 274؛ تنزيه الشريعة 1/ 5؛ توضيح الأفكار 2/ 93، وقال ابن دقيق العيد: إقرار الراوي بالوضع كاف في رده، لكنه ليس بقاطع في كونه موضوعًا لجواز أن يكذب في هذا الإِقرار بعينه. وقال ابن حجر: وهذا كله مع التجرد أما إذا انضم إلى ذلك قرائن تقتضي صدقه قطعنا به، لا سيما إذا كان إخباره لنا بذلك بعد توبته. الاقتراح، ص 234؛ النكت 2/ 617.

(4)

مثاله: اختلف الناس بحضور أحمد بن عبد الله الجويباري في سماع الحسن من أبي هريرة رضي الله عنه، فروى لهم حديثًا بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمع الحسن من أبي هريرة رضي الله عنه. ميزان الاعتدال 1/ 108؛ النكت 2/ 618.

وقال: هذا المثال أولى وأسلم من الاعتراض. انتهى.

وهذان اللذان تقدما هما من أمارات الوضع في السند وبقي اثنان ذكرهما العلماء: أحدهما وهو الثالث: أن يصرح بتكذيب راويه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو تقليد بعضهم بعضًا.

ثانيهما وهو الرابع: وهي قرينة في حال الراوي وبواعثه النفسية.

انظر: تنزيه الشريعة 1/ 6؛ السنة ومكانتها، ص 98.

ص: 259

وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي (1)، فقد وضعت أحاديث تشهد بوضعها ركاكة ألفاظها (2)، ومعانيها.

(1) قال ابن حجر رحمه الله: هذا الثاني هو الغالب وأما الأول فنادر. النكت 2/ 618.

(2)

قال ابن حجر: اعترض عليه بأن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع، حيث جوزت الرواية بالمعنى لاحتمال أن يكون رواه بالمعنى فغير ألفاظه بغير فصيح، نعم إن صرح الراوي بأن هذا صيغة لفظ الحديث، وكانت تخل بالفصاحة، أو لا وجه لها من الإِعراب دل على ذلك.

والذي يظهر أن ابن الصلاح لم يقصد أن ركاكة اللفظ وحده تدل كما تدل ركاكة المعنى، بل ظاهر كلامه أن الذي يدل هو مجموع الأمرين ركاكة اللفظ والمعنى معًا. انتهى.

انظر: النكت 2/ 620؛ التدريب 1/ 276؛ فتح المغيث 1/ 249.

قلت: الذي ذكره المصنف هو إحدى أمارات الوضع في المتن وأخل بذكر الباقي فأقول:

الثاني: مخالفة المتن لمقتضى العقل بحيث لا يقبل التأويل بشرط أن لا يحتمل أن يكون سقط من المروى على بعض رواته ما تزول به المنافاة.

الثالث: مخالفته لصريح القرآن بحيث لا يقبل التأويل.

الرابع: مخالفته لحقائق التاريخ المعروفة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.

الخامس: موافقة الحديث لمذهب الراوي، وهو متعصب مغال في تعصبه كأن يروي رافضي حديثًا في فضائل أهل البيت، أو في ذم من حاربهم.

السادس: أن يتضمن الحديث أمرًا من شأنه أن تتوفر الدواعي على نقله لأنه وقع بمشهد عظيم ثم لا يشتهر ولا يرويه إلا واحد، وبهذا حكم أهل السنة على حديث "غدير خم" بالوضع والكذب.

السابع: اشتمال الحديث على إفراط في الثواب العظيم على الفعل الصغير، والمبالغة بالوعيد الشديد على الأمر الحقير.

الثامن: أن يروى الخبر في زمن قد استقرت فيه الأخبار، فإذا فتش عنه فلم يوجد في بطون الكتب ولا في صدور الرجال، علم بطلانه، وأما في زمن =

ص: 260

ولقد أكثر من (أ) جمع الموضوع في (ب) نحو مجلدتين (ج)، فذكر كثيرًا مما لا دليل على وضعه، وإنما هو من (د) مطلق (1) الضعيف، وهذا المذكور هو أبو الفرج (2) ابن الجوزي.

والواضعون أصناف (3):

(أ) في (هـ): في.

(ب) في (هـ): من.

(ج) في (هـ): مجلدين.

(د) في (هـ): في.

= الصحابة رضي الله عنهم وما يقرب منه حين لم تكن الأخبار استقرت، فإنه يجوز أن يروي أحدهم ما لا يوجد عند غيره.

التاسع: أن يكون الحديث فيما يلزم المكلفين علمه وقطع العذر فيه، فينفرد به واحد. النكت 2/ 621؛ فتح المغيث 1/ 249؛ التدريب 1/ 276؛ تنزيه الشريعة 1/ 6 - 7؛ السنة ومكانتها، ص 98 - 102.

(1)

بل وفيه الصحيح والحسن أيضًا، وقد بين ذلك السيوطي في كتابيه اللآلئ المصنوعة، والتعقبات على الموضوعات، وهو كتاب جيد في هذا الباب، وارجع إلى كتاب "تنزيه الشريعة المرفوعة" لابن عراق، فإنه أوفى كتب هذا النوع.

(2)

هو الإِمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد المعروف بابن الجوزي صاحب التصانيف منها الموضوعات وهو المقصود هنا، مات سنة سبع وتسعين وخمسمائة. تذكرة الحفاظ 4/ 1342؛ وفيات الأعيان 3/ 140.

(3)

لم يذكر المصنف منها إلا واحدًا وبقي له كثير، فأقول:

الثاني: الزنادقة وهم السابقون إلى ذلك والهاجمون علبه حملهم على الوضع الاستخفاف بالدين والتلبيس على المسلمين.

الثالث: أصحاب الأهواء والبدع، وضعوا أحاديث نصرة لمذاهبهم أو ثلبًا لمخالفهم. =

ص: 261

أعظمهم (1) ضررًا: قوم منسوبون إلى الزهد، وضعوا الحديث احتسابًا، في زعمهم (2) الباطل، فقبل (أ) الناس موضوعاتهم، ثقة بهم.

(أ) في (ص) و (ك): فتقبل.

= الرابع: قوم اتخذوا الوضع صناعة وتسوقًا جرأة على الله ورسوله، حتى أن أحدهم ليسهر عامة ليله في وضع الحديث.

الخامس: أصحاب الأغراض الدنيوية، كالقصاص، والشحاذين وأصحاب الأمراء.

السادس: قوم حملهم الشره ومحبة الظهور على الوضع، فجعل بعضهم لذي الإِسناد الضعيف إسنادًا صحيحًا مشهورًا، وجعل بعضهم للحديث إسنادًا غير إسناده المشهور.

السابع: قوم وقع الموضوع في حديثهم ولم يتعمدوا الوضع. النكت 2/ 226 - 233؛ تنزيه الشريعة 1/ 11 - 16؛ السنة ومكانتها، ص 79 - 88؛ بحوث في تاريخ السنة المشرفة، ص 20 - 42.

(1)

بحوث في تاريخ السنة المشرفة، ص 39؛ النكت 2/ 633، وقال: وأخفى الأصناف القسم الأخير وهم الذين لم يتعمدوا مع وصفهم بالصدق، فإن الضرر بهم شديد لدقة استخراج ذلك إلا من الأئمة النقاد. تنزيه الشريعة 1/ 16؛ فتح المغيث 1/ 246.

(2)

أي في تأويل حديث: من كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار. من أربعة أوجه:

أحدها: إنما ورد هذا الحديث في رجل معين ذهب إلى قوم وادعى أنه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في دمائهم وأموالهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتله، وقال هذا.

ثانيها: أنه ورد في حق من كذب عليه شيئًا يقصد به عيبه أو شين الإِسلام.

ثالثها: أنه إذا كان الكذب في الترغيب والترهيب فهو كذب للنبي صلى الله عليه وسلم، لا عليه.

رابعها: أنه ورد في بعض طرق الحديث: من كذب علي متعمدًا ليضل به الناس فليتبوأ مقعده من النار. فتحمل الروايات المطلقة عليه. =

ص: 262

وقد ذهبت الكرامية (1) الطايفة المبتدعة إلى جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب، وهو خلاف (2) إجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإِجماع.

وو (أ) ضعت الزنادقة (3) أيضًا جملًا، ثم نهضت

(أ) في (هـ): وقد.

= والجواب عن الوجه الأول: بأن السبب المذكور لم يثبت إسناده وبتقدير ثبوته فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وعن الوجه الثاني: أن الحديث باطل، وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية اتفقوا على تكذيبه، وقال صالح جزرة: كان يضع الحديث.

وعن الوجه الثالث: أنه كذب عليه في وضع الأحكام، فإن المندوب قسم منها، وفي الإِخبار عن الله في الوعد على ذلك العمل بذلك الثواب.

وعن الوجه الرابع: اتفق أئمة الحديث على أن زيادة: ليضل به الناس ضعيفة. وبتقدير صحتها لا تعلق لهم بها، لأن في "ليضل" لام العاقبة لا لام التعليل، أو هي للتأكيد ولا مفهوم لها.

انظر التفاصيل في الكتب الآتية: النكت 2/ 628 - 631؛ فتح المغيث 1/ 244؛ تنزيه الشريعة 1/ 12 - 13؛ توضيح الأفكار 2/ 84 - 85.

(1)

هذه طائفة منسوبة إلى محمد بن كرام كشداد القائل بأن معبوده مستقر على العرش وأنه جوهر، تعالى الله عن ذلك. القاموس 4/ 170، مادة ك ر م؛ ولسان الميزان 5/ 353.

(2)

بل بالغ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين فكفر واضع الحديث. ومنقول أيضًا عن أبي الفضل الهمداني شيخ ابن عقيل من الحنابلة أنه وافق الجويني على هذه المقالة. التدريب 1/ 284؛ تنزيه الشريعة 1/ 21؛ توضيح الأفكار 2/ 86 - 88. واستدل محمد بن إبراهيم الوزير لقول الجويني بغاية القوة ووافقه عليه الصنعاني أيضًا.

(3)

جمع الزنديق وهو من الثنوية أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة، وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإِيمان، أو هو معرب "زن دين" أي دين =

ص: 263

جهابذة (1) الحديث رضي الله عنهم فبينوا أمرها. ولله الحمد.

ثم إن الواضع، ربما صنع كلا (2) ما لنفسه، فرواه مسندًا. وربما أخذ كلام بعض الحكماء (2)، فرواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وربما غلط إنسان فوقع في شبه الوضع من غير تعمد (2).

ومن الموضوع الحديث الطويل الذي يروى عن أبي (3) بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل (أ) القرآن سورة، سورة (4).

ولقد أخطأ الثعلبي (5) والواحدي (ب)(6) وغيرهما من المفسرين في

(أ) في (ص) و (هـ): فضائل.

(ب) في (ك): الواحدي والثعلبي.

= المرأة. القاموس 3/ 242، مادة زنق؛ المجروحين لابن حبان 1/ 62؛ توضيح الأفكار 2/ 74؛ بحوث في تاريخ السنة، ص 32.

(1)

جمع الجهبذ بالكسر النقاد الخبير. القاموس 1/ 352، مادة ج ب ذ.

(2)

أي الوضع لا يخرج من أحد هذه الأقسام الثلاثة.

انظر هذه الأقسام الثلاثة في: فتح المغيث 1/ 246؛ والتدريب 1/ 287.

(3)

هو الصحابي الجليل أبي بن كعب بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر سيد القراء، قيل: توفي سنة تسع عشرة أو اثنتين وثلاثين أو غير ذلك، روى له الجماعة. الإِصابة 1/ 19؛ وتجريد أسماء الصحابة 1/ 4.

(4)

انظر الكلام على هذا الحديث في: تنزيه الشريعة 1/ 285؛ وتذكرة الموضوعات، ص 81؛ والفوائد المجموعة، ص 296؛ والتقييد والإِيضاح، ص 134؛ والتدريب 1/ 288.

(5)

هو أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، ويقال: الثعالبي المفسر المعروف النيسابوري، له تصانيف مشهورة منها التفسير الذي أراده المصنف، مات سنة سبع وعشرين وأربعمائة. اللباب 1/ 238؛ البداية 12/ 40.

(6)

هو أبو الحسن علي بن حسن بن أحمد بن علي بن بويه الواحدي، قال ابن خلكان: لا أدري هذه النسبة إلى ماذا، وهو صاحب التفاسير الثلاثة: =

ص: 264

إيداعه تفاسيرهم (1). والله أعلم (أ).

(أ) والله أعلم. ساقط من (ك).

= البسيط، والوسيط، والوجيز. وكان شافعي المذهب، مات بنيسابور سنة ثمان وستين وأربعمائة. وفيات الأعيان 3/ 303؛ البداية 12/ 114.

(1)

قال العراقي: لكن من أبرز إسناده منهم كالثعلبي والواحدي فهو أبسط لعذره إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيانه.

وأما من لم يبرز سنده وأورده بصيغة الجزم فخطؤه أفحش كالزمخشري وقال محمد بن إبراهيم الوزير: بل من لم يعتقد وضعه أعذر عن ذلك، إذ كل ناظر إلى الإِسناد لا يعرف أنه أسنده لهذه العلة بل ولا يتهم ذلك، ويقل في أهل المعارف من يتمكن من البحث في الإِسناد فكيف بغيرهم. قال الصنعاني: لا يخفى قوة كلام المصنف هذا على منصف. التبصرة والتذكرة 1/ 282؛ توضيح الأفكار 2/ 83.

ص: 265

النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب (1)

هو (أ) نحو حديث مشهور عن سالم، جعل (2) عن نافع، ليصير

(أ) في (ك): هل. وهو خطأ.

(1)

قال الشيخ محمد محيي الدين: المقلوب: لغة اسم مفعول فعله قلب يقلب قلبًا، من مثال: ضرب يضرب ضربًا، وتقول: قلب فلان الشيء، إذا صرفه عن وجهه. انتهى هامش توضيح الأفكار 2/ 98.

(2)

قال ابن حجر: هذا تعريف بالمثال، وحقيقته: إبدال من يعرف برواية بغيره. زاد السخاوي: عمدًا أو سهوًا.

وقال الشيخ محمد محي الدين: لا يمكن تعريف أنواع المقلوب كلها في تعريف واحد، وذلك لأنها أنواع مختلفة الحقائق، والحقائق المختلفة لا يمكن جمعها في حقيقة واحدة.

فقسم المقلوب إلى أنواعه المختلفة، ثم بين حقيقة كل نوع منها. وأنا أذكره ملخصًا: فأقول:

القلب على ضربين، لأنه قد يكون في الإِسناد، وقد يكون في المتن، وكل واحد منهما يقع على وجوه:

أما القلب فى الإِسناد، فإنه يقع على وجهين:

الوجه الأول: أن يقدم الراوي ويؤخر في اسم أحد الرواة، واسم أبيه مثل أن يكون الأصل:(كعب بن مرة) فيقول الراوي: (مرة بن كعب).

الوجه الثاني: أن يكون الحديث معروفًا عن راو من الرواة، أو معروفًا بإسناد من الأسانيد، فيعمد أحد الوضاعين إلى هذا الراوي الذي اشتهر الحديث عنه، فيغيره براو آخر، كأن يكون الحديث مشهورًا عن سالم بن عبد الله، فيجعله الوضاع عن نافع. قلت: قال ابن دقيق العيد: قد يطلق على راويه أنه يسرق الحديث. =

ص: 266

بذلك غريبًا مرغوبًا (أ) فيه (1).

(أ) في (هـ): مرفوعًا.

= وأما القلب في المتن فيأتي على وجهين:

الوجه الأول: أن يجعل كلمة من المتن في غير موضعها، مثل ما ورد في رواية مسلم:(ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله (فإن أصله على ما في الصحيحين: (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه). وإلى غير ذلك من الأمثلة.

الوجه الثاني: من القلب في المتن: أن يجعل الوضاع الحديث على إسناد غير إسناده، ويضع إسناده على متن غير هذا المتن، ومن هذا النوع ما ورد في قصة امتحان الإِمام البخاري.

وقد علم بما ذكرت أن المقلوب على نوعين إجمالًا، وأربعة تفصيلًا، لأن المقلوب أما مقلوب المتن وإما مقلوب السند، وكل واحد من هذين النوعين يتنوع إلى نوعين. كما عرفت. انتهى.

قلت: هذا خلاصة ما ذكره ابن حجر والسخاوي.

انظر: هامش توضيح الأفكار 2/ 98 - 100؛ النكت 2/ 639 - 661؛ نزهة النظر، ص 47؛ فتح المغيث 1/ 253 - 261؛ الاقتراح، ص 236؛ الباعث الحثيث، ص 88، 89.

(1)

الأسباب التي دفعت الوضاعين والكذابين الى هذا كثيرة منها: رغبة الراوي في إيقاع الغرابة على الناس، حتى يظنوا أنه يروي ما ليس عند غيره فيقبلوا على التحمل منه.

ومنها: خطأ الراوي وغلطه.

ومنها: رغبة الراوي في تبيين حال المحدث: أحافظ هو، أم غير حافظ وهل يفطن لما وقع في الحديث من القلب أو لا؟ فإن تبين له أنه حافظ متيقظ يفطن للقلب في الحديث أقبل على التحمل عنه. وإن تبينت له غفلته وبلادة ذهنه أعرض عنه.

وهذا الثالث ذهب العلماء إلى جوازه لكون مصلحته أكثر من مفسدته بشرط أن لا يستمر عليه. كما قال ابن حجر في نزهة النظر، ص 47. =

ص: 267

ولما قدم البخاري رحمه الله بغداد، اجتمع إليه قوم من أهل الحديث فقلبوا مائة حديث، فجعلوا إسناد هذا لمتن ذلك، وإسناد ذلك لمتن هذا، وألقوها (أ) عليه امتحانًا، فلما فرغوا من إلقائها، التفت إليهم، فرد كل متن إلى إسناده، فأذعنوا له بالفضل (1)، والله أعلم.

فرع على أنواع الضعيف:

إذا رأيت حديثًا بإسناد ضعيف، فلك أن تقول: هذا ضعيف، وتعني أنه (ب) بذلك الإِسناد ضعيف. وليس لك أن تقول: ضعيف، وتعني ضعيف المتن، لمجرد ضعف ذلك الإِسناد. فقد يكون مرويًا بإسناد آخر

(أ) في (ك): ألقوا. بدون ضمير المؤنث.

(ب) لفظ: أنه. ساقط من (هـ).

= وأما وقوعه خطأ وسهوًا فالمرتكب لذلك مغرور فيه لأنه لم يقصد إليه.

وأما ارتكابه للاغراب فهو حرام. فتح المغيث 1/ 256؛ النكت 1/ 641؛ الباعث الحثيث، ص 90؛ هامش توضيح الأفكار 2/ 110 - 111.

(1)

انظر: هذه الحكاية مسندة في تاريخ بغداد 2/ 20، وفي التبصرة والتذكرة 1/ 284؛ ونقلًا عنهما في النكت 2/ 242؛ فتح المغيث 1/ 254؛ التدريب 1/ 293؛ توضيح الأفكار 2/ 104؛ الباعث الحثيث، ص 89.

وحدث نحو هذا الامتحان للبخاري في البصرة وسمرقند.

انظر: تاريخ بغداد 2/ 15 - 16؛ طبقات الشافعية 2/ 6؛ البداية 11/ 25؛ مقدمة الفتح، ص 486.

قال ابن حجر: سمعت شيخنا غير مرة يقول: ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتساع معرفته. وإنما يتعجب منه في هذا لكونه حفظ موالاة الحديث على الخطأ من مرة واحدة. النكت 2/ 644؛ توضيح الأفكار 2/ 104.

ص: 268

صحيح (1) يثبت بمثله، بل يتوقف جواز ذلك على حكم أحد (2) أئمة الحديث (أ)، بأنه لم يرو بإسناد يثبت أو بأنه حديث ضعيف، أو نحو هذا مفسرًا وجه ضعفه. فإن أطلق ففيه كلام يأتي في أول النوع الآتي (3):

فرع: يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل (ب) في الأسانيد،

(أ) في (هـ): أحد الأئمة. بدون ذكر: الحديث.

(ب) في (هـ): التشاغل.

(1)

لأنه لا تلازم بين الإِسناد والمتن، فقد يكون المتن صحيحًا والإِسناد الذي روى به غير صحيح، وتكون صحة المتن ثابتة برواية أخرى لا مغمز في أحد رواتها.

(2)

الظاهر أن ابن الصلاح مشى على أصله في تعذر استقلال المتأخرين بالحكم على الحديث بما يليق به من الصحة والحسن والضعف والحق خلافه كما تقدم في ثامن الفروع من بحث الصحيح.

قال ابن حجر: إذا بلغ الحافظ المتأهل الجهد وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة فما المانع له من الحكم بالضعف بناء على غلبة ظنه.

قال: وكذلك إذا وجد كلام إمام من أئمة الحديث قد جزم بأن فلانًا تفرد به، وعرف المتأخر أن فلانًا المذكور قد ضعف بتضعيف قادح، فما الذي يمنعه من الحكم بالضعف. انتهى.

وقد نقل السخاوي كلام ابن حجر موافقًا له. وقال أحمد شاكر: إذا ترجح عند الباحث أن هذا المتن لم يرد من طريق أخرى صحيحة، وغلب على ظنه ذلك، فإني لا أرى بأسًا بأن يحكم بضعف الحديث مطلقًا. انتهى. والعجب من المصنف كيف ترك الاستدراك على ابن الصلاح في هذا المقام مع رده عليه في مبحث الصحيح في ثامن الفروع، ولعله اكتفى بالرد هناك على هذا المقام. النكت 2/ 662؛ فتح المغيث 1/ 266؛ الباعث الحثيث، ص 90.

(3)

أي في المسألة الثالثة منه، حيث قال: أما الجرح فلا يقبل إلا مفسرًا مبين السبب لاختلاف الناس فيما يوجب الجرح، إلى آخر ما قال.

انظر: ص 173؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 96.

ص: 269

ورواية (1) ما سوى الموضوع من أنواع الضعيف من غير اهتمام ببيان ضعفها. ويجوز العمل (1) بها. فيما سوى صفات الله وأحكام الشرع من

(1) قد أجاز بعض العلماء رواية الحديث الضعيف من غير بيان ضعفه والعمل به، إن كان الحديث في القصص أو المواعظ أو فضائل الأعمال أو نحو ذلك مما لا يتعلق بصفات الله تعالى، وما يجوز له وما يستحيل عليه سبحانه، ولا بتفسير القرآن ولا بالأحكام كالحلال والحرام وغيرهما. مقدمة ابن الصلاح، ص 93؛ التبصرة والتذكرة مع فتح الباقي 1/ 291. لكن زاد ابن حجر رحمه الله عليه ثلاثة شروط.

أولًا: أن يكون الضعف فيه غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب والذين فحش غلطهم في الرواية.

ثانيًا: أن يندرج تحت أصل معمول به.

ثالثًا: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.

فتح المغيث 1/ 268؛ التدريب 1/ 298؛ قواعد التحديث، ص 116؛ حاشية نور الدين على المقدمة، ص 3.

وقال أحمد شاكر رحمه الله: والذي أراه: أن بيان الضعف في الحديث واجب في كل حال، لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح خصوصًا إذا كان الناقل له من علماء الحديث الذين يرجع إلى قولهم في ذلك، وأنه لا فرق بين الأحكام، وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجة لأحد إلا بما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن.

وأما ما قاله أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي وابن المبارك: إذا روينا في الحلال، والحرام شدَّدنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا، فإنما يريدون به فيما أرجح (والله أعلم) أن التساهل إنما هو في الأخذ بالحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة، فإن الاصطلاح في التفرقة بين الصحيح والحسن لم يكن في عصرهم مستقرًا واضحًا، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو الضعف فقط. انتهى.

وقال الشيخ محمد محي الدين: والذي ينقدح في ذهن العبد الضعيف أن الخلاف في هذه المسألة لفظي، وأن الجميع متفقون على أنه لا يؤخذ في الفضائل والمواعظ =

ص: 270

الحلال والحرام وغيرهما. وذلك كالمواعظ والقصص، وفضايل الأعمال، وساير فنون الترغيب والترهيب وما لا تعلق له بالأحكام والعقايد.

فرع: إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد، فلا تقل فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا، وما أشبهه من الألفاظ (1) الجازمة، وإنما تقول: روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا،

= إلا بالحديث الحسن، وهو ما دون الصحيح في ضبط رواته، فمن قال من العلماء كأحمد وابن مهدي: يؤخذ بالحديث الضعيف في الفضائل، أراد بالضعيف الحسن لأنه ضعيف بالنظر إلى الصحيح ولأنه بعض الذي كانوا هم وأهل عصرهم يطلقون عليه اسم الضعيف. ومن قال كالقاضي ابن العربي: لا يؤخذ بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها.

إنما عني بالضعيف غير الصحيح والحسن جميعًا، كما هو اصطلاح أهل عصره. فمورد النفي والإِثبات ليس واحدًا، فلا يكون ثمة اختلاف على وجه الحقيقة. قال: وقد أوضحنا هذا الموضوع غاية الإِيضاح ضَنًّا بكرامة علمائنا وحملة ديننا أن ينسب إليهم التساهل البشع، وهم الذين كانوا أشدّ حرصًا على الدين وكانوا أكثر الناس دَأبًا على الذود واحتمال الأذى في سبيله. والله تعالى أعلى وأعلم.

قلت: وقد حكى الجمال القاسمي عن الجلال الدواني مثلما قال ابن العربي، وأقره ودافع عنه دفاعًا شديدًا.

الباعث الحثيث، ص 91، 92؛ هامش توضيح الأفكار 2/ 109 - 113؛ قواعد التحديث، ص 118؛ وللمعلومات الدقيقة راجع فتاوي شيخ الإِسلام 18/ 65 - 68.

(1)

نقل النووي رحمه الله اتفاق محققي المحدثين وغيرهم على هذا وأنه لا ينبغي الجزم بشيء ضعيف لأنها صيغة تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا ينبغي أن تطلق إلا فيما صح، قال: وقد أهمل ذلك كثير من المصنفين من الفقهاء وغيرهم، واشتد إنكار البيهقي على من خالف ذلك وهو تساهل قبيح جدًا من فاعله إذ يقول في الصحيح: يذكر، ويروى، وفي الضعيف، قال وروى، وهذا قلب للمعاني وحيد عن الصواب.

انظر: المجموع 1/ 107؛ ومقدمة الفتح، ص 19؛ وفتح المغيث 1/ 53.

ص: 271

أو بلغنا عنه كذا، أو ورد عنه، أو جاء عنه، أو نقل عنه، أو روى بعضهم، وما (أ) أشبهه وهكذا الحكم فيما تشك في صحته. وإنما تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما ظهر صحته (1). والله أعلم.

(أ) في (هـ): أو ما.

(1)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 94؛ والتدريب 1/ 297؛ والباعث الحثيث، ص 91؛ وهامش توضيح الأفكار 2/ 108؛ والتعليق رقم (1) على ص 271.

ص: 272

النوع الثالث والعشرون: معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته، وما يتعلق به من جرح وتعديل

أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلًا (1).

(أ) في (ص): جماهير أهل الحديث، وفي (هـ): جماهير الحديث.

(1)

قال الآمدي: العدل في اللغة عبارة عن المتوسط في الأمور من غير إفراط في طرفي الزيادة والنقصان، ومنه قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} . أي عدلًا، فالوسط والعدل بمعنى عادل، وقد يطلق ويراد به المصدر المقابل للجور، وهو انصاف الغير بفعل ما يجب له وترك ما لا يجب والجور في مقابلته، وقد يطلق ويراد به ما كان من الأفعال الحسنة يتعدى الفاعل إلى غيره، ومنه يقال للملك المحسن إلى رعيته: عادل. وأما في لسان المتشرعة فقد يطلق ويراد به أهلية قبول الشهادة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ.

وقال الطاهر الجزائري رحمه الله: العدالة مصدر عدل بالضم، يقال: عدل فلان عدالة وعدولة، فهو عادل أي رضا ومقنع في الشهادة.

والعدل يطلق على الواحد وغيره. يقال: هو عدل وهما عدل. ويجوز أن يطابق، فيقال: هما عدلان، وهم عدول، وقد يطابق في التأنيث، فيقال: امرأة عادلة. وأما العدل الذي هو ضد الجور، فهو مصدر قولك: عدل في الأمر، فهو عادل. وتعديل الشيء تقويمه، يقال: عدله تعديلًا فاعتدل، أي قومه فاستقام، وكل مثقف معدل، وتعديل الشاهد نسبته إلى العدالة. اهـ. وقال: من أصعب الأشياء الوقوف على رسم العدالة فضلًا عن حدها. وقد خاض العلماء في ذلك كثيرًا، فقال بعضهم: العدالة، هي ملكة تمنع عن اقتراف الكبائر والإِصرار على الصغائر.

وقال بعضهم: هي ملكة تمنع عن اقتراف الكبائر وعن فعل صغيرة تشعر بالخسة، كسرقة باقة بقل. وقال بعضهم: من كان الأغلب من أمره الطاعة =

ص: 273

ضابطًا (1) لما يرويه. وتفصيله (2) أن يكون مسلمًا (3) بالغًا (4) عاقلًا (5) سالمًا

= والمروءة، قبلت شهادته وروايته، ومن كان الأغلب من أمره المعصية وخلاف المروءة ردت شهادته وروايته.

ثم ذكر كلامًا طويلًا ممتعًا فصلًا في النزاع عن الغزالي والجويني وابن عبد السلام وابن تيمية وغيرهم، رحمهم الله، فراجعه إن شئت. توجيه النظر، ص 26 - 30؛ والأحكام في أصول الأحكام 1/ 263؛ المستصفى 1/ 157.

وانظر: تحقيق معنى العدل في الصحاح 5/ 1760؛ والقاموس 4/ 13، في مادة (ع د ل).

(1)

وقد ضبط ابن الأثير الضبط في مقدمة جامعه فقال: هو عبارة عن احتياط في باب العلم، وله طرفان: العلم عند السماع والحفظ بعد العلم عند التكلم، حتى إذا سمع ولم يعلم، لم يكن شيئًا معتبرًا، كما لو سمع صياحًا لا معنى له وإذا لم يفهم اللفظ بمعناه على الحقيقة لم يكن ضبطًا، وإذا شك في حفظه بعد العلم والسماع لم يكن ضبطًا. ثم الضبط نوعان: ظاهر وباطن. فالظاهر: ضبط معناه من حيث اللغة. والباطن: ضبط معناه من حيث تعلق الحكم الشرعي به، وهو الفقه. ومطلق الضبط الذي هو شرط في الراوي، هو الضبط ظاهرًا عند الأكثر، لأنه يجوز نقل الخبر بالمعنى

الخ، ما قال. مقدمة جامع الأصول 1/ 72؛ فتح المغيث 1/ 269.

(2)

هذا التفصيل في الحقيقة تفصيل للشرطين اللذين ذكرهما المصنف أول الأمر بقوله: أن يكون عدلًا ضابطًا لما يرويه، وأن قوله: أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا سالمًا من أسباب الفسق وخوارم المروءة، تفصيل للعدالة وحدها. وأن قوله: متيقظًا حافظًا إن حدث

الخ. هو تفصيل للضبط.

(3)

فلا تقبل رواية الكافر، وهذا شرط للأداء، ويجوز أن يكون تحمل ما رواه وهو كافر. توضيح الأفكار 2/ 115.

(4)

قال السخاوي: أي بالإِنزال في النوم أو بنحوه كالحيض أو باستكمال خمس عشرة سنة إذ هو مناط التكليف، قال الصنعاني: هذا شرط للأداء لا للتحمل إجماعًا. فتح المغيث 1/ 270؛ توضيح الأفكار 2/ 114.

(5)

أي فلا تقبل رواية المجنون سواء المطبق والمتقطع إذا أثر في الإِفاقة بالإِجماع، وإن لم يؤثر قبلت. =

ص: 274

من أسباب الفسق (1) وخوارم المروة (2)، متيقظًا حافظًا إن حدث من حفظه، ضابطًا (3) لكتابه إن حدث منه، وإن كان يحدث بالمعنى اشترط مع

= قال الصنعاني: وهذا لا بد منه في حال الأداء والتحمل. فتح المغيث 1/ 269؛ التدريب 1/ 300؛ توضيح الأفكار 2/ 115.

(1)

قال السخاوي: وهو ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيره. فتح المغيث 1/ 270؛ وتوضح الأفكار 2/ 117.

(2)

ذكر طاهر الجزائري تعريف المروءة عن بعض العلماء فقال: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإِنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات. يقال: مرأ الإِنسان فهو مرئ مثل قرب فهو قريب أو ذو مروءة، قال الجوهري: قد تشدد فيقال: مروة. وذكر أكثر من قول. قال: وقد اعترض بعض العلماء على إدخال المروءة في حد العدالة لأن جلها يرجع إلى مراعاة العادات الجارية بين الناس وهي مختلفة باختلاف الأزمنة والأمكنة والأجناس، وقد يدخل في المروءة عرفًا ما لا يستحسن في الشرع، ولا يقتضيه الطبع على المروءة من الأمور التي يعسر معرفة حدها على وجه لا يخفى.

قال السخاوي هذا الاعتراض على ابن الصلاح مردود بأن العدالة لا تتم عند كل من شرطها وهم أكثر العلماء بدونها، نعم قد حقق الماوردي أن الذي تجنبه منها شرط في العدالة وارتكابه مفض إلى الفسق، هو ما سخف من الكلام المؤذي والضحك وما قبح من الفعل الذي يلهو به ويستقبح بمعرته كنتف اللحية وخضابها بالسواد، وكذا البول قائمًا يعني في الطريق وبحيث يراه الناس وفي الماء الراكد وكشف العورة إذا خلا والتحدث بمساوئ الناس.

وأما ما ليس بشرط، فكعدم الأفضال بالماء والطعام والمساعدة بالنفس والجاه وكذا الأكل في الطريق وكشف الرأس بين الناس والمشي حافيًا، ويمكن أن يكون هذا منشأ الاختلاف. ولكن في بعض ما ذكره من الشقين نظر. اهـ.

انظر: توجيه النظر، ص 28؛ الصحاح 1/ 72، مادة (م ر أ)؛ فتح المغيث ظ/ 270؛ الكفاية، ص 115.

(3)

أي يصونه عن التطرق والتغيير إليه من حين سمع فيه إلى أن يؤدي. فتح المغيث 1/ 268؛ التدريب 1/ 301.

ص: 275

هذا أن يكون عالمًا بما (أ) يحيل المعنى (1). ونوضح ذلك بمسائل (ب).

إحداها (ج): عدالة الراوي تارة تثبت بتنصيص عدلين (2) عليها (3)، وتارة تثبت بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة، كفى ذلك في عدالته. وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي، وعليه الاعتماد في الأصول، وذكره الخطيب (4) وغيره، وذلك كمالك والسفيانيين والأوزاعي (5) والليث وابن المبارك والشافعي وأحمد ومن جرى مجراهم (6).

(أ) في (ص) و (هـ): بكل ما يحيل.

(ب) في (ك): مسائل. بدون الباء الجارة.

(ج) في (ك): أحدهما.

(1)

وهذه الشروط للضبط موجودة في كلام الشافعي صريحًا إلا الأول فيؤخذ من قوله: أن يكون عاقلًا لما يحدث به فهذا كناية عن اليقظة.

انظر: الرسالة، فقرة 1001، ص 37؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 94؛ التمهيد 1/ 28.

(2)

وسيأتي في المسألة الرابعة قول المصنف: أن كل واحد من الجرح والتعديل يثبت بقول واحد.

(3)

الكفاية، ص 96؛ التبصرة والتذكرة 1/ 295؛ فتح المغيث 1/ 272؛ التدريب 1/ 301.

(4)

الكفاية، ص 86.

(5)

هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي الدمشقي الإِمام الجليل علامة الوقت فقيه أهل الشام وإمامهم مدة من الدهر، قد كان المنصور يعظمه ويصغي إلى وعظه ويجله، مات سنة سبع وخمسين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 178؛ البداية 10/ 115.

(6)

ذكره الخطيب بسنده إلى حنبل بن إسحاق، سئل الإِمام أحمد عن إسحاق بن راهويه، فقال: مثل إسحاق يسأل عنه؟ إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين. وبسنده إلى حمدان بن سهل يقول: سألت يحيى بن معين عن الكتابة عن =

ص: 276

وإنما يسأل عن عدالة (أ) من خفى أمره (1). وتوسع ابن عبد البر فقال (ب): كل حامل (ج) علم معروف العناية به فهو عدل محمول أبدًا على العدالة حتى يتبين جرحه (2).

(أ) في (هـ): عدالته.

(ب) في (هـ): وقال.

(ج) في (هـ): ابن. بدل: حامل.

= أبي عبيد والسماع منه، فقال: مثلى يسأل عن أبي عبيد؟ أبو عبيد يسأل عن الناس. الكفاية، ص 87؛ فتح المغيث 1/ 274.

(1)

قال القاضي أبو بكر الباقلاني: الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية متى لم يكونا مشهورين بالعدالة والرضى، وكان أمرهما مشكلًا ملتبسًا ومجوزًا فيهما العدالة وغيرها.

قال: والدليل على ذلك أن العلم بظهور سترهما أي المستور من أمرهما واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد أو إثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة في تعديله. التبصرة والتذكرة 1/ 297؛ فتح المغيث 1/ 274؛ التدريب 1/ 302؛ توضيح الأفكار 2/ 126؛ الباعث الحثيث، ص 93.

(2)

التمهيد 1/ 28؛ وتمام كلامه: حتى تتبين جرحته في حاله أو في كثرة غلطه لقوله صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله.

قال السخاوي: على أنّ ابن عبد البر قد سبق بذلك فروينا في شرف أصحاب الحديث للخطيب حكاية تشبه قوله.

ونحوه قول ابن الموّاق في كتابه بغية النقاد. وقول ابن الجزري وسبقه المزي فقال: هو في زماننا مرضى، بل ربما يتعين. ونحوه قول ابن سيد الناس: لست أراه إلا مرضيًا، وكذا قال الذهبي: انه حق. انتهى. مختصرًا.

قلت: وافق ابن عبد البر محمد بن إبراهيم الوزير والصنعاني في الروض الباسم، ص 21، 26؛ وتوضيح الأفكار 2/ 126 - 133؛ وقد استدلا له بحجج قرآنية وأثرية ونظرية: فانظرهما إن شئت. فتح المغيث 1/ 278؛ شرف أصحاب الحديث، ص 30؛ وتذكرة العلماء (29/ ب).

ص: 277

وفيما قاله اتساع غير مرضي (1).

(1) لثلاثة وجوه: أحدها، قال السخاوي: لكون الحديث مع كثرة طرقه ضعيفًا بحيث قال العراقي: إنه لا يثبت منها شيء، بل قال ابن عبد البر نفسه: أسانيده كلها مضطربة غير مستقيمة وقال الدارقطني: إنه لا يصح مرفوعًا يعني مسندًا، وقال شيخنا: وأورده ابن عدي من طرق كثيرة كلها ضعيفة، وحكم غيره عليه بالوضع، وإن قال العلائي في حديث أسامة منها: أنه حسن غريب.

وصحح الحديث الإِمام أحمد، وكذا نقل العسكري في الأمثال عن أبي موسى عيسى بن صبيح تصحيحه، فأبو موسى هذا ليس بعمدة، وهو من كبار المعتزلة.

وأحمد فقد تعقب ابن القطان كلامه، وحديث أسامة بخصوصه قال فيه أبو نعيم: أنه لا يثبت.

وقال ابن كثير: في صحته نظر قوي، والأغلب عدم صحته، ولو صح لكان ما ذهب إليه قويًا. انتهى.

الوجه الثاني: قال السخاوي: وعلى كل حال من صلاحيته للحجة أو ضعفه، فإنما يصح الاستدلال به ان لوكان خبرًا، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم وهو غير عدل وغير ثقة. قلت: وبه قال العراقي.

الوجه الثالث: قال السخاوي: كيف يكون خبرًا وابن عبد البر نفسه يقول: فهو عدل محمول في أمره على العدالة حتى يتبين جرحه أي لو أنه كان خبرًا لم يسمع جرح أصلًا، فيبقى قوله. حتى يتبين جرحه مناقضًا لاستدلاله فلم يبق له محمل إلا على الأمر، ومعناه أنه أمر الثقات بحمل العلم، لأن العلم إنما يقبل عن الثقات.

ويتأيد بأنه في بعض طرقه عند ابن أبي حاتم: ليحمل، بلام الأمر على أنه لا مانع من إرادة الأمر أن يكون بلفظ الخبر.

وحينئذ سواء روى بالرفع على الخبرية أو بالجزم على إرادة لام الأمر فمعناهما واحد، بل لا مانع أيضًا من كونه خبرًا على ظاهره، ويحمل على الغالب، والقصد أنه مظنة لذلك. انتهى. مختصر فتح المغيث 1/ 275؛ التبصرة والتذكرة 1/ 299؛ التدريب 1/ 302؛ توضيح الأفكار 2/ 129؛ مقدمة الكامل، ص 19 - 234؛ اختصار علوم الحديث، ص 94؛ الجرح والتعديل 2/ 17.

ص: 278

الثانية: يعرف ضبطه بأن تعتبر (أ) رواياته (ب) بروايات الثقات المعروفين بالضبط والاتقان، فإن وافقهم غالبًا (1) وكانت مخالفته نادرة (2) عرفنا كونه ضابطًا (3) ثبتًا (4)، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم، عرفنا اختلال (5) ضبطه ولم يحتج (5) بحديثه.

(أ) في (ت): تختبر. والذي أثبتناه موجود في باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(ب) في (ك): روايته.

(1)

أي في اللفظ ولو أتى بأنقص لا يتغير به المعنى، أو في المعنى. فتح المغيث 1/ 279؛ التدريب 1/ 304؛ توضيح الأفكار 2/ 119.

(2)

أي التي لا يخلو عنها أحد، فإنه وقع النسيان لسيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني. متفق عليه. توضيح الأفكار 2/ 119؛ قواعد في علوم الحديث، ص 198، وقال ابن المبارك: من ذا سلم من الوهم. وقال ابن معين: لست أعجب ممن يحدث فيخطئ وإنما أعجب ممن يحدث فيصيب.

انظر: لسان الميزان 1/ 17 - 18.

(3)

والمراد بالضبط: أن يكون ضبطه لما يسمعه أرجح من عدم ضبطه، وذكره له أرجح من سهوه، لحصول غلبة الظن بصدقه فيما يرويه.

وإلا فبتقدير رجحان مقابل كل واحد من الأمرين عليه، أو معادلته له فروايته لا تكون مقبولة لعدم حصول الظن بصدقه إما على أحد التقديرين فلكون صدقه مرجوحًا، وإما على التقدير الآخر، فلضرورة التساوي، وإن جهل حال الراوي في ذلك، كان الاعتماد على ما هو الأغلب من حال الرواة وإن لم يعلم الأغلب من ذلك فلا بد من الاختبار والامتحان. الإِحكام في أصول الأحكام 3/ 262.

(4)

يقال: رجل ثبت بسكون الباء أي ثابت القلب، ورجل له ثبت عند الحملة بفتح الباء أي ثبات.

وتقول: لا أحكم بكذا إلا بثبت بفتح الباء أي حجة. والثبيت: الثابت العقل. انظر: الصحاح 1/ 245، مادة ثبت.

(5)

وإلى ذلك أشار الشافعي رحمه الله فيمن تقوم به الحجة، فقال: ويكون إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم. =

ص: 279

الثالثة: التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور (1) لأن أسبابه كثيرة يصعب (2) ذكرها وأما الجرح فلا يقبل إلا مفسرًا مبين السبب (3)

= قال: ومن كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم نقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته.

وقال فيما يعتضد به المرسل: ويكون إذا شرك أحدًا من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.

انظر من الرسالة بالترتيب: فقرة 1001، ص 371؛ وفقرة 1044، ص 382؛ وفقرة 1272، ص 463؛ فتح المغيث 1/ 279.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 96؛ فتح المغيث 1/ 280؛ التدريب 1/ 305؛ الكفاية، ص 108؛ توضيح الأفكار 2/ 149، وقال: وسره أن العدالة وصف ملتئم من أمور كثيرة، وضع لفظ "عدل" بإزائها، فكان القائل "فلان عادل" قال: فلان آت بكل ما يجب، مجتنب لما يحرم، ولذا اشترط في المعدل أن يكون عالمًا بأسباب العدالة، بخلاف القدح فإنه شيء واحد، لأنه عبارة عن شيء خرم العدالة، فلا يعسر ذكره ولا يتعين ما هو حتى يعرب عنه قائله، ولا يشترط في قائله المعرفة بأسباب القدح، فإنه لو قال من يجهل أن السرقة حرام: إن فلانًا رأيته يسرق" كان قدحًا. اهـ.

(2)

أي متى كلف المعدل لسرد جميعها احتاج أن يقول: يفعل كذا وكذا عادا ما يجب عليه فعله وليس يفعل كذا وكذا عادا ما يجب تركه وفيه طول. فتح المغيث 1/ 280؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 96.

(3)

في هذه المسألة خمسة أقوال، هذا أولها. وقد بذل أكثر الأحناف قصارى جهدهم لإِثباته. كما في الرفع والتكميل وفواتح الرحموت وقواعد في علوم الحديث.

والثاني: عكس ما تقدم، فيشترط تفسير التعديل، دون الجرح لأن أسباب العدالة يكثر التصنع فيها فيتسارع الناس إلى الثناء على الظاهر. نقله إمام الحرمين والغزالي والرازي.

والثالث: أنه لا بد من بيان سببهما معًا للمعنيين السابقين، فكما يجرح الجارح بما لا يقدح، كذلك يوثق المعدل بما لا يقتضي العدالة. حكاه الخطيب =

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= والأصوليون. وصرح الشوكاني باختياره. وقال: لا سيما مع اختلاف المذاهب في الأصول والفروع، فقد يكون ما أبهمه الجارح من الجرح هو مجرد كونه على غير مذهبه وعلى خلاف ما يعتقده وإن كان حقًا، وقد يكون ما أبهمه من التعديل هو مجرد كونه على مذهبه وعلى ما يعتقده وإن كان في الواقع مخالفًا للحق كما وقع ذلك كثيرًا.

وقال: وعندي أن الجرح المعمول به هو أن يصفه بضعف الحفظ أو بالتساهل في الرواية أو بالإِقدام على ما يدل على تساهله بالدين.

والتعديل المعمول به هو أن يصفه بالتحري فى الرواية والحفظ لما يرويه وعدم الإِقدام على ما يدل على تساهله بالدين. فاشدد على هذا يديك تنتفع به عند اضطراب أمواج الخلاف. اهـ.

والرابع: لا يجب ذكر السبب في واحد منهما إذا كان الجارح والمعدل عالمين بأسباب الجرح والتعديل والخلاف في ذلك، بصيرًا مرضيًا في اعتقاده وأفعاله، وهذا اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني قال: لأنه إن لم يكن بصيرًا بهذا الشأن فلا يصلح للتزكية وإن كان بصيرًا فأي معنى للسؤال. ونقله عن الجمهور واختاره إمام الحرمين والآمدي والغزالي والرازي والبلقيني وابن الأثير وابن كثير والعراقي، وصرح باختياره الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وإليك نص كلامه: يلزم من القول الأول أن تكون فائدة كتب أئمة الجرح والتعديل - وفيها الجروح المبهمة - التوقف في الراوي المجروح حتى تنزاح الريبة عنه وهذا - كما ترى - تعطيل وإلغاء لتلك الكتب الهامة المعتبرة التي ألفها الأئمة الثقات - الذين يجمعون بين الحذق في العلم والرسوخ في الدين والورع. فلا مناص من ترجيح هذا القول وتقديمه على القول الأول، وقد قال فيه الإِمام أبو بكر الباقلاني: إنه قول الجمهور كما تقدم. وهو الذي جرى عليه علماء الجرح والتعديل من المتأخرين أيضًا. فدونك كتب هؤلاء الأئمة الحفاظ: المنذري، والنووي وابن دقيق العيد وابن تيمية وابن عبد الهادي والذهبي والعلاء المارديني وابن القيم والسبكي والزيلعي وابن كثير والزركشي وابن رجب والعراقي والهيثمي وابن حجر والعيني وابن الهمام والسخاوي والسيوطي والمناوي، وسواهم ممن لحق بهم من أئمة هذا الشأن، فإنك تراهم في كتبهم يعدلون ويصححون ويجرحون ويضعفون دون بيان السبب. ولهذا عارض الحافظ ابن كثير رأي =

ص: 281

لاختلاف (1) الناس فيما يوجب الجرح، ولهذا احتج

= ابن الصلاح في (التوقف حتى تنزاح الريبة عن الراوي).

وقال أخيرًا: فاعتمد هذا. اهـ.

وقال ابن السبكي: إذا انتفت الظنون واندفعت التهم وكان الجارح حبرًا من أحبار الأمة مبرءًا عن مظان التهمة أو كان المجروح مشهورًا بالضعف متروكًا بين النقاد فلا نتلعثم عند جرحه ولا نحوج الجارح إلى تفسير، بل طلب التفسير منه والحالة هذه طلب لغيبة لا حاجة إليها. اهـ.

والخامس: وهو اختيار ابن حجر: أن التجريح المجمل المبهم يقبل في حق من خلا عن التعديل، لأنه لما خلا عن التعديل صار في حيز المجهول وإعمال قول المجرح أولى من إهماله في حق هذا المجهول، أما في حق من وثق وعدل فلا يقبل الجرح المجمل. قال اللكنوي: هذا تحقيق مستحسن وتدقيق حسن.

انظر المراجع على الترتيب: فواتح الرحموت 2/ 152؛ الرفع والتكميل، المرصد الأول، ص 27 - 49؛ قواعد في علوم الحديث، ص 167 - 170؛ البرهان 1/ 621؛ المستصفى 1/ 162؛ احكام الأحكام 1/ 271؛ المحصول ج 2 ق 1/ 587؛ الكفاية، ص 108؛ إرشاد الفحول، ص 68؛ المستصفى 1/ 163؛ البرهان 1/ 621؛ المحصول ج 2 ق 1/ 588؛ محاسن الاصطلاح، ص 222؛ الكفاية، ص 107؛ مقدمة جامع الأصول 1/ 127؛ اختصار علوم الحديث، ص 95؛ التبصرة والتذكرة 1/ 302؛ حاشية الشيخ عبد الفتاح على قواعد في علوم الحديث، ص 168؛ طبقات الشافعية 1/ 196؛ قاعدة في الجرح والتعديل، ص 53؛ نزهة النظر، ص 73؛ الرفع والتكميل، ص 49.

(1)

قال الآمدي: القول: بأن الناس قد اختلفوا فيما يجرح به، وإن كان حقًا إلا أن الظاهر من حال العدل البصير بجهات الجرح والتعديل أنه أيضًا يكون عارفًا بمواقع الخلاف في ذلك. والظاهر أنه لا يطلق الجرح إلا في صورة علم الوفاق عليها، وإلا كان مدلسًا ملبسًا بما يوهم الجرح على من لا يعتقده، وهو خلاف مقتضى العدالة والدين، وبمثل هذا يظهر أنه ما أطلق التعديل إلا بعد الخبرة الباطنة، والإِحاطة بسريرة المخبر عنه ومعرفة اشتماله على سبب العدالة دون البناء على ظاهر الحال. انتهى. =

ص: 282

البخاري في صحيحه بعكرمة (1) مولى ابن عباس وإسماعيل (2) بن أبي أويس وعاصم (3) بن علي وغيرهم، ومسلم بسويد (4) بن (أ)

(أ) في (ك): بسويسد ان.

= وقال الصنعاني: واعلم أنه لا تصريح من المفسرين المذكورين بأنهم جرحوا من ذكر، إذ شعبة لم يجرح من رآه يركض على برذون، بل قال: تركت حديثه، ولم يجرحه، وكأنه رأى ذلك من خوارم المروءة، وأنه يفسرها بسيرة أمثاله، وأن مثل ذلك الرجل لا يركض على برذون، وكذلك من سمع في بيته صوت الطنبور، لم يجرحه، بل قال: كره السماع منه. وكذلك من رآه كثير الكلام، ولا شك أن هذا تعمق ومبالغة. انتهى.

انظر: احكام الأحكام 1/ 271؛ توضيح الأفكار 2/ 145.

(1)

هو عكرمة أبو عبد الله، مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا يثبت عنه بدعة، مات سنة سبع ومائة وقيل بعد ذلك، روى له الجماعة. تقريب التهذيب 2/ 30؛ ومقدمة الفتح، ص 425 - 430، وقد تقدم الشيخ مرزوق الزهراني برسالة الماجستير بجامعتنا موضوعها: عكرمة مولى ابن عباس وتتبع مروياته في صحيح البخاري.

(2)

هو إسماعيل بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد بن أبي أويس المدني، صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه مات سنة ست وعشرين ومائتين، كتب البخاري أحاديثه من أصوله لأنه أعطاه إياها وأذن له أن ينتقي منها. التقريب 1/ 71؛ مقدمة الفتح، ص 391.

(3)

عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، أبو الحسن التيمي مولاهم صدوق ربما وهم، مات سنة إحدى وعشرين ومائتين، أورد له ابن عدي أحاديث قليلة عن شعبة، فقال: لا أعلم شيئًا منكرًا إلا هذه الأحاديث ولم أر بحديثه بأسًا. التقريب 1/ 384؛ مقدمة الفتح، ص 412؛ والكامل لابن عدي 5/ 1875.

(4)

هو سويد بن سعيد بن سهل الهروي الأصل، ثم الحدثاني، أبو محمد صدوق في نفسه، إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول. مات سنة أربعين ومائتين. قال السخاوي: وهذا وإن كان قادحًا فإنّما =

ص: 283

سعيد وغيره، وكل هؤلاء سبق الطعن فيهم، وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا مفسر السبب (1).

فإن قيل: إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على كتب الجرح والتعديل، وقلَّ ما يتعرضون فيها لبيان السبب، بل يقتصرون على قولهم: فلان ضعيف، فلان ليس بشيء ونحوه (أ)، أو هذا (ب) حديث ضعيف أو غير ثابت ونحو ذلك، فاشتراط بيان السبب يفضي إلى

(أ) في (ص) و (هـ): أو نحوه.

(ب) في (ص) و (هـ): وهذا. بدون الهمزة.

= يقدح فيما حدث به بعد العمي لا فيما قبله، والظاهر أن مسلمًا عرف أن ما خرجه عنه من صحيح حديثه، أو مما لم ينفرد به طلبًا للعلو. التقريب 1/ 340؛ فتح المغيث 1/ 284.

(1)

قال البلقيني: قد يقال: لا يلزم ذلك، لجواز أن يكون لم يثبت عندهم الجرح وإن فسر. هذا هو الأقرب: فإن المذكورين ما من شخص منهم إلا ونسب إلى أشياء مفسرة من كذب وغيره، يعرفها من يراجع كتب القوم، ولكنها لم تثبت عند من أخذ بحديثهم ووثقهم وروى عنهم.

وقال الصنعاني: واعلم أن هذا يشعر بأن البخاري لم يكن في رواته من قدح فيه إلا بقدح مطلق وليس بصحيح وقد بينا في ثمرات النظر خلافه ونقلنا كلام أئمة الجرح والتعديل في جماعة من رواة الشيخين قدحًا مبين السبب. انتهى. محاسن الاصطلاح، ص 221؛ وتوضيح الأفكار 2/ 153.

قلت: من يريد الاطلاع على أن الجرح في رواة الشيخين كان مفسرًا ولم يكن ثابتًا فليرجع إلى مقدمة الفتح، ص 384 - 456، ويظهر له حينئذ أن عدم التفات الشيخين إلى جرح هؤلاء الرواة لم يكن بسبب كون مذهبهم: أن الجرح لا يثبت إلا مفسر السبب. كما قاله ابن الصلاح والمصنف وغيرهما من المصنفين.

ص: 284

تعطيل (أ) ذلك، وسد باب الجرح في الأغلب (1).

فالجواب (2): أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح (ب) والحكم به، فقد اعتمدناه في أن توقفنا في قبول حديث من قالوا فيه ذلك، لأن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية، ثم من (ج) انزاحت عنه تلك الريبة ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه (3)، ولم نتوقف، كالذين احتج بهم

(أ) في (ص): تعديل تعطيل وهو خطأ.

(ب) في (ك): الجمع. وهو خطأ.

(ج) لفظ: من. ساقط من (هـ).

(1)

هذا الاعتراض أورده على نفسه ابن الصلاح في المقدمة، ص 98.

انظر أيضًا: محاسن الاصطلاح، ص 222؛ المنهل الروي، ص 77؛ التدريب 1/ 307.

(2)

هذا الجواب من ابن الصلاح عما أورده على نفسه من قبل.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 98؛ المنهل الروي، ص 77؛ محاسن الاصطلاح، ص 222؛ التدريب 1/ 307.

(3)

قال الصنعاني: وإلا يحصل لنا بالبحث ثقته واتقانه توقفنا في حاله فلا نحكم له ولا عليه، أما الأول فلأنه وإن كان الأصل العدالة فقد أوجب الجرح الجملي التوقف في حاله، ففتّ في عضد ذلك الأصل.

وأما إذا قلنا: الأصل الفسق فأوضح، ويترك حديثه لأجل الريبة القوية الحاصلة من القدح الجملي، لا لأجل ثبوت الجرح.

قال: ومن هنا نعلم أن معنى قولهم: لا يقبل الجرح إلا مفسرًا، أي لا يعمل به في الرد إلا مفسرًا، لا أنه لا يقبل مطلقًا، وأنه لا حكم له، بل له حكم هو ثبوت الريبة وتركه. انتهى.

قلت: وقد غاب هذا المعنى عن اللكنوي ففهم من قولهم: لا يقبل الجرح إلا مفسرا. أنه لا يقبل مطلقًا ويرد على قائله. اهـ. توضيح الأفكار 2/ 153 - 154؛ الرفع والتكميل، ص 46 - 49؛ التنكيل 1/ 61.

ص: 285

صاحبا الصحيحين ممن تقدم فيهم الجرح (1). والله أعلم.

الرابعة: الصحيح أن كل واحد من الجرح والتعديل (2) يثبت بقول واحد (3) وقيل: لا بد من اثنين (4).

(1) قال ابن الصلاح: فافهم ذلك فإنه مخلص حسن. مقدمة ابن الصلاح، ص 98. ورد البلقيني على ابن الصلاح وقال: هذا المخلص فيه نظر، من جهة أن الريبة لا توجب التوقف: ألا ترى أن القاضي إذا ارتاب في الشهود فإنه يجوز أن يحكم مع قيام الريبة، وإنما كلام الأئمة المنتصبين لهذا الشأن أهل الإِنصاف والديانة والنصح يؤخذ مسلمًا، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو أنه كذاب أو متروك. وذلك واضح لمن تأمله. والإِمام الشافعي يقول في مواضع: هذا حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث: ويرده بذلك. محاسن الاصطلاح، ص 222.

(2)

أي سواء كان في الرواية أو الشهادة.

(3)

قال العراقي: وهو اختيار أبي بكر بن العربي، لأن التزكية بمثابة الخبر، قال القاضي: والذي يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضي ذكر أو أنثى حر أو عبد لشاهد ومخبر. انتهى.

وقال البلقيني: عن أبي حنيفة وأبي يوسف في الشهادة أيضًا الاكتفاء بمعدل أو بمجرح. وهو اختيار أبي الطيب. اهـ. التذكرة والتبصرة 1/ 295؛ الكفاية، ص 96؛ فتح المغيث 1/ 272؛ محاسن الاصطلاح، ص 223.

(4)

وحكاه أبو بكر الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم.

قال السخاوي: لأن التزكية صفة فتحتاج في ثبوتها إلى عدلين كالرشد والكفاءة وغيرهما. وقياسًا على الشهادة بالنسبة لما هو المرجح فيها عند الشافعية والمالكية بل هو قول محمد بن الحسن واختاره الطحاوي. فتح المغيث 1/ 272؛ الرفع والتكميل، ص 50.

وهناك قول ثالث بالتفرقة بينها وبين الشهادة، فيكتفي بالواحد في الرواية دون الشهادة ورجحه الإِمام فخر الدين والسيف الآمدي ونقله عن الأكثرين.

قال ابن الصلاح: والصحيح الذي اختاره الخطيب وغيره أنه يثبت في الرواية =

ص: 286

الخامسة: إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل، فالجرح مقدم، لما فيه من زيادة العلم (1).

= بواحد، لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف الشهادة. اهـ.

وقال السخاوي مستدلًا له: لأنه إن كان المزكي للراوي ناقلًا عن غيره فهو من جملة الإِخبار، أو كان اجتهادًا من قبل نفسه فهو بمنزلة الحكم وفي الحالتين لا يشترط العدد.

والفرق بينهما ضيق الأمر في الشهادة لكونها في الحقوق الخاصة التي يمكن الترافع فيها، وهي محل الأغراض، بخلاف الرواية، فإنها في شيء عام للناس غالبًا لا ترافع فيه.

ولأنه قد ينفرد بالحديث واحد، فلو لم تقبل لفاتت المصلحة بخلاف فوات حق واحد في المحاكمات. ولأن بين الناس إحنا وعداوات تحملهم على شهادة الزور بخلاف الرواية. انتهى بتلخيص يسير.

المحصول ج 2 ق 1/ 585؛ أحكام الأحكام 1/ 270؛ الكفاية، ص 96؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 99؛ التبصرة والتذكرة 1/ 295؛ فتح المغيث 1/ 273؛ الرفع والتكميل، ص 51.

(1)

قال العراقي: الجرح مقدم مطلقًا، ولو كان المعدلون أكثر، ونقله الخطيب عن جمهور العلماء، وقال ابن الصلاح: إنه الصحيح، وكذا صححه الأصوليون، كالإِمام فخر الدين والآمدي، لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، ولأن الجارح مصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله إلا أنه يخبر عن باطن خفي عن المعدل. انتهى.

وقال الفخر الرازي: اللهم إلا إذا جرحه بقتل إنسان "فقال المعدل: رأيته حيًا. فها هنا يتعارضان. وبه قال الآمدي، وزاد: ويصح ترجيح أحدهما على الآخر بكثرة العدد وشدة الورع والتحفظ وزيادة البصيرة إلى غير ذلك مما ترجح به إحدى الروايتين على الأخرى. انتهى.

قلت: ينبغي أن يقيد الحكم بتقديم الجرح مطلقًا بما إذا لم تثبت من قبل عدالته وإمامته، أما إذا ثبتت من قبل عدالته وإمامته. فلا يلتفت إلى قول الجارح إلا ببيان وحجة كما هو قول الإِمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي كما نقل عنه =

ص: 287

فإن كان عدد المعدلين أكثر، فقيل: التعديل أولى (1). والصحيح الذي عليه الجمهور أن الجرح مقدم أيضًا (2).

= السخاوي. وابن عبد البر وابن السبكي وابن حجر.

التبصرة والتذكرة 1/ 313؛ الكفاية، ص 105؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 99؛ المحصول ج 2، ق 1/ 588؛ إحكام الأحكام 1/ 272؛ جزء القراءة، ص 39؛ جامع بيان العلم 2/ 152؛ طبقات الشافعية 1/ 196؛ قاعدة في الجرح والتعديل، ص 51؛ مقدمة الفتح، ص 429، عن ابن جرير في ترجمة عكرمة، فتح المغيث 1/ 285؛ الروض الباسم 1/ 92؛ الرفع والتكميل، ص 54؛ التنكيل 1/ 73 - 75.

(1)

حكى الخطيب هذا القول عن طائفة والفخر الرازي، لأن الكثرة تقوي الظن والعمل بأقوى الظنين واجب كما في تعارض الحديثين.

فال الخطيب: وهذا بعد ممن توهمه، لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون، ولو أخبروا بذلك وقالوا: نشهد أن هذا لم يقع منه لخرجوا بذلك من أن يكونوا أهل تعديل أو جرح لأنها شهادة باطلة على نفي ما يصح ويجوز وقوعه وإن لم يعلموه، فثبت ما ذكرناه. انتهى.

قال السخاوي: وإن تقديم الجرح إنما هو لتضمنه زيادة خفيت على المعدل وذلك موجود مع زيادة عدد المعدل ونقصه ومساواته، فلو جرحه واحد وعدله مائة، قدم الواحد بذلك. انتهى.

الكفاية، ص 107؛ المحصول ج 2 ص 1/ 588؛ فتح المغيث 1/ 287؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 99؛ التبصرة والتذكرة 1/ 213؛ التدريب 1/ 310؛ الرفع والتكميل، ص 55.

قلت: في هذه المسألة قولان آخران: أحدهما: أنه يرجح بالأحفظ. حكاه البلقيني. والثاني: إنهما يتعارضان، فلا نرجح أحدهما إلا بمرجح حكاه ابن الحاجب كما نقله عنه العراقي والسخاوي والسيوطي، محاسن الاصطلاح، ص 224؛ التبصرة والتذكرة 1/ 313؛ فتح المغيث 1/ 287؛ التدريب 1/ 301.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 99. وانظر ص 287 - 288 التعليق الأول أيضًا.

ص: 288

السادسة: لا يجزي التعديل من غير تعيين المعدل، فإذا قال: حدثني الثقة، أو نحو ذلك، لم يكتف به على المذهب الصحيح (1) الذي قطع به الخطيب وأبو بكر الصيرفي وغيرهما (2)، خلافًا لمن اكتفى (3). فإن كان القايل عالمًا، أجزاء ذلك في حق من يوافقه في مذهبه (4) على ما اختاره بعض (5) المحققين.

السابعة: إذا روى العدل عن رجل وسماه (أ)، لم تجعل روايته عنه

(أ) في (ك): فسماه.

(1)

قال العراقي: لأنه وإن كان ثقة عنده فربما لو سماه لكان ممن جرحه غيره بجرح قادح بل إضرابه عن تسميته ريبة توقع ترددًا في القلب. انتهى. التبصرة والتذكرة 1/ 315؛ فتح المغيث 1/ 288؛ التدريب 1/ 311؛ الكفاية، ص 92؛ إرشاد الفحول، ص 67.

(2)

قال الشوكاني: كأبي بكر القفال الشاشي والقاضي أبي الطيب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي وابن الصباغ والماوردي والروياني. إرشاد الفحول، ص 67؛ فتح المغيث 1/ 288.

(3)

وهو أبو حنيفة رحمه الله كما ذكره عنه ابن الصباغ في العدة والشوكاني.

قال السخاوي: وهو ماش على قول من يحتج بالمرسل من أجل أن المرسل لو لم يحتج بالمحذوف لما حذفه، فكانه عدله، بل هو في مسألتنا أولى بالقبول لتصريحه فيها بالتعديل، ولكن الصحيح الأول، ولأنه لا يلزم من تعديله أن يكون عند غيره كذلك، فلعله إذا سماه يعرف بخلافها، وربما يكون قد انفرد بتوثيقه. انتهى. إرشاد الفحول، ص 67؛ فتح المغيث 1/ 288؛ التبصرة والتذكرة 1/ 314.

(4)

أي كقول مالك أخبرني الثقة، وكقول الشافعي ذلك أيضًا في مواضع. جمعهم السخاوي في فتح المغيث 1/ 289 - 290؛ وابن حجر في تعجيل المنفعة في الكنى. والسيوطي في التدريب 1/ 212 - 214.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 100؛ المنهل الروي، ص 78؛ التبصرة والتذكرة 1/ 325؛ فتح المغيث 1/ 389؛ التدريب 1/ 311؛ إرشاد الفحول، ص 97.

ص: 289

تعديلًا منه عند أكثر العلماء من أهل الحديث، وغيرهم (1). وقال بعض أصحاب الحديث وبعض أصحاب الشافعي يجعل ذلك تعديلًا (2).

(1) لأنه يجوز أن يروي عمن لا تعرف عدالته، بل وعن غير عدل، فلا تتضمن روايته عنه تعديله ولا خبرًا عن صدقه، قال السخاوي: كما إذا شهد شاهد فرع على شاهد أصل لا يكون مجرد أدائه الشهادة على شهادته تعديلًا منه له بالاتفاق. بل صرح الخطيب: أنه لا يثبت للراوي حكم العدالة بمجرد رواية اثنين مشهورين عنه. فتح المغيث 1/ 291؛ الكفاية، ص 89؛ التبصرة والتذكرة 1/ 220؛ التدريب 1/ 314.

(2)

إذ الظاهر أنه لا يروي إلا عن عدل، إذ لو علم فيه جرحًا لذكره لئلا يكون غاشًا في الدين، حكاه جماعة منهم الخطيب.

قال الخطيب: وهذا باطل، لأنه يجوز أن يكون العدل لا يعرف عدالته فلا تكون روايته عنه تعديلًا ولا خبرًا عن صدقه، بل يروي عنه لأغراض يقصدها، كيف وقد وجد جماعة من العدل الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم بأنها غير مرضية، وفي بعضها شهدوا عليهم بالكذب في الرواية وبفساد الآراء والذهب. انتهى. قال سفيان الثوري: إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه: فللحجة من رجل، والتوقف، فيه من آخر، ولمحبة معرفة مذهب من لا اعتد بحديثه.

وقال أبو حاتم الرازي: رواية المحدثين الحديث الواهي للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها. انتهى ملخصًا ما في فتح المغيث 1/ 292؛ الكفاية، ص 89؛ التبصرة والتذكرة 1/ 320؛ التدريب 1/ 314 وفي هذه المسألة قول ثالث وهو، إن كان العدل الذي روى عنه، لا يروى إلا عن عدل كانت روايته تعديلًا وإلا فلا، واختاره الأصوليون كالجويني والغزالي والآمدي والرازي وابن الحاجب وغيرهما.

قال السخاوي: وإليه ذهب جمع من المحدثين وإليه ميل الشيخين وابن خزيمة في صحاحهم، والحاكم في مستدركه ونحوه قول الشافعي رحمه الله فيما يتقوى به المرسل: أن يكون المرسل إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولًا ولا مرغوبًا عن الرواية عنه. انتهى. الرسالة، فقرة 1271، ص 463؛ البرهان 1/ 623؛ المستصفى 1/ 163؛ أحكام الأحكام 1/ 273؛ المحصول، ج 2 ق 1/ 589؛ =

ص: 290

والصحيح (1) الأول. وكذا عمل العالم، أو فتياه (أ) على وفق حديث رواه، ليس حكمًا منه بصحته (2). وكذا مخالفته له ليست قدحًا في صحته (3)، ولا في راويه (ب)(3). والله أعلم.

(أ) في (ت): فتواه. والمثبت موجود في باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(ب) كذا في (ت). وفي (ص): رواية. وفي (ك): روايته. وفي (هـ): رواية.

= التبصرة والتذكرة 1/ 321؛ فتح المغيث 1/ 292؛ التدريب 1/ 315؛ إرشاد الفحول، ص 67.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 100؛ التبصرة والتذكرة 1/ 320؛ التدريب 1/ 314.

(2)

قال السخاوي: حيث لم يظهر أن ذلك بمفرده مستنده، لامكان أن يكون له دليل آخر وافق ذلك المتن من متن غيره، أو إجماع أو قياس أو يكون ذلك منه احتياطًا أو لكونه ممن يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس ويكون اقتصاره على هذا المتن إن ذكره إما لكونه أوضح في المراد أو لأرجحيته على غيره أو لغير ذلك. فتح المغيث 1/ 291؛ البرهان 1/ 624؛ المستصفى 1/ 163؛ المحصول ج 2 ق 1/ 590؛ الكفاية، ص 92؛ التبصرة والتذكرة 1/ 320؛ التقييد والإِيضاح، ص 144؛ التدريب 1/ 315.

(3)

قال الخطيب: لأنه يحتمل أن يكون ترك العمل بالخبر لخبر آخر يعارضه أو عموم أو قياس، أو لكونه منسوخًا عنده، أو لأنه يرى أن العمل بالقياس أولى منه، وإذا احتمل ذلك لم نجعله قدحًا في راويه. وقد روى مالك حديث الخيار ولم يعملِ به، وزعم أنه رأى أهل المدينة على العمل بخلافه فلم يكن تركه العمل به قدحًا في نافع راويه. انتهى بتلخيص.

وممن قطع به ابن كثير والغزالي والآمدي وهو مقتضى كلام الرازي. الكفاية، ص 114؛ الموطأ كتاب البيوع، باب بيع الخيار 2/ 161، مع تنوير الحوالك، اختصار علوم الحديث، ص 97؛ المستصفى 1/ 163؛ أحكام الأحكام 1/ 273؛ المحصول ج 2 ق 1/ 590؛ فتح المغيث 1/ 291؛ التدريب 1/ 315.

ص: 291

الثامنة: رواية المجهول، وهو أقسام:

الأول: مجهول العدالة ظاهرًا (1) وباطنًا، فلا تقبل روايته عند الجماهير (2).

الثاني: المستور (3)، وهو من كان عدلًا في الظاهر، مجهول العدالة باطنًا (3)،

(1) أي مع كونه معروف العين برواية عدلين عنه. التبصرة والتذكرة 1/ 328؛ فتح المغيث 1/ 298؛ التدريب 1/ 316.

(2)

اختلاف الحديث في آخر الأم 8/ 587؛ العدة لأبي يعلى 3/ 931؛ الكفاية، ص 89؛ البرهان 1/ 614؛ المستصفى 1/ 158؛ المحصول ج 2 ق 1/ 576؛ إحكام الأحكام 1/ 265؛ اختصار علوم الحديث، ص 97؛ التبصرة والتذكرة 1/ 328؛ فتح المغيث 1/ 298؛ التدريب 1/ 316؛ توضيح الأفكار 2/ 191؛ قواعد في علوم الحديث، ص 203.

وفي هذه المسألة، قولان آخران:

أحدهما: تقبل رواية مجهول العدالة مطلقًا، نسبه أبو يعلى والآمدي إلى أبي حنيفة وأصحابه، وكذا نسبه ابن المواق إلى أكثر المحدثين كالبزار والدارقطني. كما نقل عنه السخاوي وكذا عزا النووي في مقدمة شرح مسلم لكثيرين من المحققين الاحتجاج به، مقدمة شرح مسلم، ص 28؛ العدة 3/ 936؛ إحكام الأحكام 1/ 265؛ فتح المغيث 1/ 298.

ثانيهما: إن كان الراويان أو الرواة عنه فيهم من لا يروي عن غير عدل قبل وإلا فلا. ذكره العراقي في التبصرة والتذكرة 1/ 328؛ والصنعاني في توضيح الأفكار 2/ 192؛ والسخاوي في فتح المغيث 1/ 298 وهذا القول مخدوش بما ذكر السخاوي أنه لا يوجد أحد لا يروي إلا عن ثقة فقط. بل كل من قيل فيه: أنه لا يروي إلا عن ثقة، فهو محمول على الغالب.

انظر: فتح المغيث 1/ 293.

(3)

انظر: تعريف المستور بهذا المعنى. في البرهان 1/ 614؛ وروضة الطالبين 7/ 46؛ والنزهة، ص 50؛ وشرح النخبة للقارئ، ص 71.

ص: 292

فهذا يحتج بروايته (1) بعض من رد رواية الأول، وهو قول بعض

(1) قد تردد المحدثون والأصوليون في قبول رواية المستور، والذي صار إليه المعتبرون من المحدثين والأصوليين، أنها لا تقبل، قال إمام الحرمين وهو المقطوع به عندنا. وصحح المصنف في شرح المهذب القبول. نقله السخاوي، وعزا الاحتجاج به الكثير من المحققين في مقدمة شرح مسلم.

وقال التهانوي: اختلفت كلمة أصحابنا في المستور، وحاصل الخلاف: أن المستور من الصحابة والتابعين وأتباعهم يقبل بشهادته صلى الله عليه وسلم لهم بقوله: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" وغيرهم لا يقبل إلا بتوثيق، قال: وهو تفصيل حسن. انتهى.

لكن يخالف قول التهانوي ما قاله صاحب فواتح الرحموت وإليك نصه بحذف يسير جدًا: مجهول الحال من العدالة والفسق - وهو المستور في الاصطلاح - غير مقبول عند الجمهور، وروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه في غير رواية الظاهر قبوله، واختاره ابن حبان.

والأصل أن الفسق مانع من القبول بالاتفاق كالكفر، فلا بد من ظن عدمه فإن اليقين متعسر، لكن اختلف في أن الأصل العدالة فتظن ما لم يطرأ ضدها، أو الأصل الفسق فلا تظن العدالة. ولك أن تقول: العدالة شرط اتفاقًا، لكن اختلف في أن أيهما أصل، ثم إن المعتبر في حجية الخبر ظن قوي، فلا يكتفي بالظن الضعيف، فإنه لا يغني من الحق شيئًا، ألا ترى أنه قد يحصل الظن بخبر الفاسق إذا جرب مرارًا عدم الكذب منه، لكن لا يقبل قوله شهادة ورواية، فكذا ظن العدالة من الأصالة لا يكفي هنا. كيف وقبول الخبر من الدين، ولا بد فيه من الاحتياط؟ فمبنى ظاهر الرواية هو هذا لا ما ذكروه، وإلى ما ذكرنا أشار الإِمام فخر الإِسلام بقوله: وهي نوعان قاصر وكامل، أما القاصر فما ثبت بظاهر الإِسلام واعتدال العقل لأن أصل حاله الاستقامة، لكن الأصل لا يفارقه هوى يضله ويصده عن الاستقامة. ثم قال بعد هذا: والمطلق ينصرف إلى كمال الوجهين، ولهذا لم يجعل خبر الفاسق والمستور حجة. انتهى .. وبهذا نعلم أن ظاهر مذهب الحنفية عدم قبول رواية المستور كغيرهم وأن ما جعله بعضهم قول أبي حنيفة إنما هو رواية عنه على خلاف الظاهر.

وقال ابن حجر: قد قبل رواية المستور جماعة بغير قيد - يعني بعصر دون عصر - =

ص: 293

الشافعيين، وبه قطع الإِمام سليم الرازي (1) منهم.

قال (2) الشيخ رحمه الله: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذر الخبرة الباطنة بهم (3).

= وردها الجمهور. والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، بل هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين. انتهى. ا.

انظر: البرهان 1/ 614 - 615؛ فتح المغيث 1/ 300؛ قواعد في علوم الحديث، ص 208؛ فواتح الرحموت 2/ 146؛ أصول فخر الإِسلام على هامش كشف الأسرار 2/ 399؛ مقدمة شرح مسلم، ص 28؛ نزهة النظر، ص 50؛ فتح المغيث 1/ 300؛ حاشية الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد على توضيح الأفكار 2/ 173 - 182؛ وصحيح ابن حبان 1/ 81.

(1)

هو أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم الرازي الفقيه الشافعي الأديب كان مشارًا إليه في الفضل والعبادة، مات غريقًا في بحر القلزم بعد رجوعه من الحج سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وفيات الأعيان 2/ 397؛ طبقات الشافعية 3/ 168.

قال: لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي، ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر، وتفارق الشهادة، فإنها تكون عند الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك، فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن. مقدمة ابن الصلاح، ص 101؛ فتح المغيث 1/ 299؛ التدريب 1/ 316.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 101.

(3)

قال السخاوي: وفيه نظر بالنسبة للصحيحين، فإن جهالة الحال مندفعة عن جميع من خرجا له في الأصول، بحيث لا نجد أحدًا ممن خرجا له كذلك يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلًا كما حققه شيخ الإِسلام ابن حجر في مقدمة الفتح.

وأما بالنظر لمن عداهما لا سيما من لم يشترط الصحيح فما قاله ممكن، وكأن الحامل لهم على هذا المسلك غلبة العدالة على الناس في تلك القرون الفاضلة، هذا مع =

ص: 294

الثالث: مجهول (1) العين، وقد يقبل مجهول العدالة من لا يقبل مجهول العين (2).

= احتمال اطلاعهم على ما لم نطلع نحن عليه من أمرهم. فتح المغيث 1/ 299؛ مقدمة الفتح، ص 384.

(1)

وهو من لم يرو عنه إلا راو واحد.

انظر: نزهة النظر، ص 50؛ توضيح الأفكار 2/ 185، قلت: وهو المراد عند الإِطلاق خلافًا لأبي حاتم الرازي فإنه إذا أطلق لفظ المجهول فالمراد به عنده مجهول الحال. ويوضح هذا الرأي صنيعه في ترجمة عبد الرحيم بن كردم بن أرطبان، بعد أن عرفه برواية جماعة عنه: أنه مجهول.

ونحوه قوله في زياد بن جارية التميمي الدمشقي.

انظر: الجرح والتعديل 5/ 339 و 3/ 527؛ فتح المغيث 1/ 296.

(2)

قال السيوطي: ورده هو الصحيح الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم. وقال ابن كثير: لا يقبل روايته أحد علمناه، لكن إذا كان في القرون، المشهود لهم بالخير، فإنه يستأنس بروايته ويستضاء بها في مواطن.

وقيل: يقبل مطلقًا. وهو قول من لا يشترط في الراوي مزيدًا على الإِسلام وعزاه النووي لكثير من المحققين في المقدمة.

وقيل: إن تفرد بالرواية عنه من لا يروى إلا عن عدل كابن مهدي ويحيى بن سعيد، واكتفينا في التعديل بواحد قبل وإلا فلا. قلت: هو مخدوش بما تقدم ذكره عن السخاوي في ص 292.

وقيل: إن كان مشهورًا في غير العلم بالزهد أو النجدة قبل وإلا فلا، واختاره ابن عبد البر، روى هذا القول عنه ابن الصلاح وجادة.

وقيل: إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه قبل وإلا فلا، واختاره أبو الحسن بن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام وصححه شيخ الإِسلام ابن حجر. وقال السخاوي: وعليه يتمشى تخريج الشيخين في صحيحهما لجماعة أفردهم العراقي بالتأليف.

وقال محمد بن إبراهيم الوزير: قلت؛ والقول السادس: إن كان مجهول العين صحابيًا قبل لأن الصحابة كلهم عدول. =

ص: 295

ثم من روى عنه عدلان، وعيناه، ارتفعت عنه جهالة العين (1).

قال الخطيب: المجهول عند (أصحاب)(أ) الحديث كل من لم يعرفه العلماء ولم يعرف حديثه إلا من جهة (ب) راو واحد. قال: وأقل ما ترفع الجهالة أن يروى عنه اثنان من المشهورين (بالعلم)(ج)(2).

قال (3) الشيخ رحمه الله ردًا (د) على الخطيب: قد خرج البخاري في صحيحه (4)

(أ) في (ت): أهل الحديث، والذي أثبته موجود في باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(ب) كلمة: جهة. ساقطة من (هـ).

(ج) لفظ: بالعلم. ساقط من (ت). وموجود في باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(د) في (هـ): رادا.

= قال السخاوي: الخلاف مبني على شرط قبول الرواية، أهو العلم بالعدالة أو عدم العلم بالمفسق؟

إن قلنا بالأول لم نقبل المستور، وإلا قبلناه. انتهى قلت: قد انتصر للقول الأول وفند القول الثاني الغزالي والرازي والآمدي، وذكر خلاصتها السخاوي. التدريب 1/ 317؛ اختصار علوم الحديث، ص 97؛ مقدمة شرح مسلم، ص 28؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 289؛ نزهة النظر، ص 50؛ فتح المغيث 1/ 295، 300، 302؛ المحصول ج 2 ق 1/ 576 - 584؛ أحكام الأحكام 1/ 265 - 268.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 101؛ اختصار علوم الحديث، ص 97؛ فتح المغيث 1/ 297؛ التدريب 1/ 317.

(2)

الكفاية، ص 88.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 102.

(4)

صحيح البخاري مع الفتح 7/ 444، باب غزوة الحديبية (ح رقم 4156). وصحيح البخاري مع الفتح 11/ 251، باب ذهاب الصالحين (ح رقم 6434) عن مرداس الأسلمي.

ص: 296

عن مرداس (1) الأسلمي، ولم يرو عنه غير قيس (2) بن أبي حازم. ومسلم (3) عن ربيعة (4) بن كعب الأسلمي ولم (5) يرو عنه غير أبي سلمة (6). وذلك مصير (7) منهما إلى خروجه عن هذه الجهالة

(1) هو مرداس بكسر أوله وسكون الراء ابن مالك الأسلمي صحابي، بايع تحت الشجرة وهو قليل الحديث تفرد بالرواية عنه قيس بن أبي حازم، روى له البخاري. الإِصابة 3/ 401؛ وتجريد أسماء الصحابة 2/ 68.

(2)

هو الإِمام أبو عبد الله قيس بن أبي حازم البجلي الكوفي محدث الكوفة سار ليدرك النبي صلى الله عليه وسلم وليبايعه، فتوفي نبي الله وقيس في الطريق، توفي سنة سبع وتسعين. تذكرة الحفاظ 1/ 61.

(3)

أي في صحيحه، كتاب الصلاة، باب فضل سجود الصلاة 1/ 353 (ح رقم 489).

(4)

هو ربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر أبو فراس الأسلمي صحابي من أهل الصفة، مات سنة ثلاث وسبعين بعد الهجرة، روى له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب الكتب الأربعة. الإِصابة 1/ 511؛ وتجريد أسماء الصحابة 1/ 181.

(5)

قاله المصنف تبعًا لابن الصلاح وليس ذلك بجيد، فقد روى عن ربيعة أيضًا نعيم بن عبد الله المجمر وحنظلة بن علي ومحمد بن عمرو بن عطاء وأبو عمران الجوني.

انظر: تحفة الأشراف 3/ 168؛ التبصرة والتذكرة 1/ 327؛ محاسن الاصطلاح، ص 228؛ الباعث الحثيث، ص 99.

(6)

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن الزهري.

(7)

ذكر السخاوي عددًا من الرواة تفرد البخاري أو مسلم بإخراج حديثهم، ولم يتعرض أحد من أئمة الجرح والتعديل لأحد منهم بتجهيل، ويقال أيضًا إن معرفة البخاري ومسلم بهم التي اقتضت لهما رواية لهم ولو انفردا بهم كافية في توثيقهم، ولذا صرح ابن حجر بأنه يقبل حديث المجهول إذا وثقة غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلًا لذلك. فتح المغيث 1/ 397؛ نزهة النظر، ص 50. =

ص: 297

برواية واحد، والخلاف في ذلك (متجه)(أ) كالخلاف في الاكتفاء بتعديل واحد.

قلت: الصواب ما ذكره الخطيب، فهو لم يقله (ب) عن اجتهاد، بل نقله عن أهل الحديث. ورد الشيخ عليه بما ذكره عجب (ج)، فإن مرداسًا وربيعة صحابيان (1) معروفان.

فمرداس من أهل بيعة الرضوان، وربيعة من أهل الصفة، والصحابة كلهم عدول (2)، فلا (د) تضر الجهالة بأعيانهم لو ثبتت. ومع هذا فليسا بمجهولين على ما نقله الخطيب، لأنه شرط في المجهول أن لا تعرفه (3) العلماء، وهذان معروفان عند أهل العلم، بل مشهوران، فلا يردان على نقل (3) الخطيب.

(وحصل مما (هـ) ذكرناه أنّ البخاري ومسلمًا لم يخالفا نقل الخطيب) (و)(3) عن أهل الحديث.

(أ) لفظ: متجه. ساقط من (ت). وأثبتناه من باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(ب) في (هـ): لم ينقله. وهو تحريف.

(ج) في (هـ): عجيب.

(د) في (ك): ولا تضر.

(هـ) في (هـ): فحصل ما.

(و) ما بين المعقوفين ساقط من (ص).

= قلت: بهذا التقرير ظهر أن قول ابن الصلاح: وذلك مصير منهما .. إلخ، ليس بصحيح.

(1)

كما هو واضح من ترجمتهما.

(2)

انظر: الكفاية، ص 46؛ إحكام الأحكام 1/ 274؛ الإِصابة 1/ 9؛ إرشاد الفحول، ص 69 - 71.

(3)

الكفاية، ص 88.

ص: 298

وقد حكى الشيخ في النوع السابع والأربعين (1) عن ابن عبد البر: أن كل من لم يرو عنه إلا واحد فهو مجهول عندهم إلا أن يكون رجلًا مشهورًا في غير حمل العلم، كاشتهار مالك (2) بن دينار بالزهد (أ)، وعمرو (ب)(3) بن معد يكرب بالنجدة (4). والله أعلم.

فرع ألحقته. ذكر (ج) الخطيب (5) أن العبد والمرأة يقبل تعديلهما للرجال إذا كانا عارفين بالتعديل كما يقبل خبرهما (6)، وذكر أن من عرفت

(أ) في (ص) و (هـ): في الزهد.

(ب) في (ك): عمر. بدون الواو.

(ج) في (هـ): قال الخطيب وكذا في (ص).

(1)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 289، قال: بلغني عن أبي عمر بن عبد البر الأندلسي وجادة.

(2)

هو أبو يحيى مالك بن دينار البصري، كان عالمًا زاهدًا كثير الورع قنوعًا لا يأكل إلا من كسبه، وكان يكتب المصاحف بالأجرة، وله مناقب عديدة وآثار شهيرة، مات سنة ثلاثين ومائة. كتاب الطبقات، ص 216؛ وفيات الأعيان 4/ 139.

(3)

هو أبو ثور عمرو بن معد يكرب الزبيدي، كان بالمدينة، شجاع مشهور استشهد بنهاوند أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

انظر: تجريد أسماء الصحابة 1/ 418؛ اللباب 2/ 60.

(4)

النجدة: الشجاعة. تقول منه: نجد الرجل بالضم، فهو نجد ونجد ونجيد ورجل ذو نجدة، أي ذو بأس. ولاقى فلان نجدة، أي شدة. الصحاح 2/ 542، مادة: ن ج د.

(5)

الكفاية، ص 98.

(6)

وإليه ذهب الغزالي والرازي، والآمدي والبهاري والعراقي، وكذا ذكر هذا القول الشوكاني.

انظر: المستصفى 1/ 162؛ المحصول ج 2 ق 1/ 586؛ إحكام الأحكام 1/ 270؛ مسلم الثبوت مع فواتح الرحموت 2/ 151؛ التبصرة والتذكرة 1/ 295؛ إرشاد الفحول، ص 68. =

ص: 299

عينه وعدالته وجهل اسمه ونسبه احتج بخبره (1)، وذكر أن الراوي، إذا قال: أخبرني فلان أو فلان فإن كان كل واحد من المذكورين عدلًا، كان الحديث ثابتًا والعمل به جائز لأن السماع قد تحقق من عدل مسمى (2)، فأما إذا قال: عن فلان أو غيره وفلان عدل، أو قال: عن فلان أو فلان، وأحدهما عدل والآخر مجهول، فلا يحتج به (أ)، لاحتمال كونه من غير العدل (3)، والله أعلم.

التاسعة: المبتدع الذي يكفر ببدعته (4)، لا تقبل .....

(أ) في (ك): والاحتمال. وهو خطأ.

= قال الخطيب: فإن قيل: ما تقولون في تزكية الصبي المراهق والغلام الضابط لما يسمعه، أتقبل أم لا؟ .

قيل: لا، لمنع الإِجماع من ذلك، ولأجل أن الغلام وإن كانت حاله ضبط ما سمع والتعبير عنه على وجهه، فإنه غير عارف بأحكام أفعال المكلفين وما به منها يكون العدل عدلًا والفاسق فاسقًا، وإنما يكمل لذلك المكلف، فلم يجز لذلك قبول تزكيته، ولأنه لا تعبد عليه في تزكية الفاسق وتفسيق العدل فإذا لم يكن لذلك خائفًا من مأثم وعقاب، لم يؤمن منه تفسيق العدل وتعديل الفاسق، وليس هذه حال المرأة والعبد، فافترق الأمر فيهما. الكفاية، ص 99؛ فتح المغيث 1/ 274.

(1)

الكفاية، ص 375، قال: لأن الجهل باسمه لا يخل بالعلم بعدالته. قال السيوطي: في الصحيحين من ذلك كثير، كقولهم: ابن فلان أو والد فلان. التدريب 1/ 321.

(2)

الكفاية، ص 375؛ التدريب 1/ 322.

(3)

الكفاية، ص 376 - 377.

(4)

وهو كما في شرح المهذب للمصنف: المجسم ومنكر علم الجزئيات، قيل: وقائل خلق القرآن، فقد نص عليه الشافعي، واختاره البلقيني، ومنع تأويل البيهقي له =

ص: 300

روايته (1) بالاتفاق (أ)(2). واختلفوا فيه إذا لم يكفر. فمنهم من ردها (3) مطلقًا لفسقه. ولا ينفعه التأويل. ومنهم من قبلها، إذا لم يكن (ب) ممن يستحل (4)

(أ) على هامش (ك): قيل دعوى الاتفاق ممنوعة، فقد قيل: إنه يقبل مطلقًا.

وقيل: يقبل أن اعتقد حرمة الكذب، وصححه صاحب المحصول.

وقال شيخ الإِسلام: التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته، لأن كل طائفة بدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر. فلو أخذ ذلك لاستلزم تكفير جميع الطوائف، والمعتمد أن الذي ترد روايته، من أنكر أمرًا متواترًا من الشرع معلومًا من الدين بالضرورة أو اعتقد عكسه. وأما من لم يكن كذلك وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله. 50 من شرح التقريب للسيوطي.

(ب) في (هـ): إذا لم يستحل الكذب في نصرة

إلخ.

= بكفران النعمة، بأن الشافعي قال ذلك في حق حفص القرد لما أفتى بضرب عنقه، وهذا راد للتأويل. التدريب 1/ 324.

(1)

وبه جزم المعلمي، وقال: لا شبهة أن المبتدع إن خرج ببدعته عن الإِسلام لم تقبل روايته، لأن من شرط قبول الرواية، الإِسلام. انتهى. التنكيل 1/ 42.

(2)

دعوى الاتفاق ممنوعة بما نقله الخطيب: قال جماعة منِ أهل النقل والمتكلمين: أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة وإن كانوا كفار أو فساقًا بالتأويل. ونسب البلقيني القول بالرد إلى الشافعي. التدريب 1/ 324؛ محاسن الاصطلاح، ص 231؛ الكفاية، ص 121.

(3)

نسب الخطيب هذا القول لمالك رحمه الله، وقال: قال من ذهب إلى هذا المذهب: إنّ الكافر والفاسق بالتأويل بمثابة الكافر المعاند والفاسق العامد، فيجب أن لا يقبل خبرهما ولا تثبت روايتهما. الكفاية، ص 120.

وانظر: لحكاية قول مالك، فتح المغيث 1/ 307؛ التنكيل 1/ 45.

(4)

قال أحمد شاكر رحمه الله: هذا القيد أعنى عدم استحلال الكذب - لا أرى داعيًا له، لأنه قيد معروف بالضرورة في كل راو، فأنا لا نقبل رواية الراوي الذي يعرف عنه الكذب مرة واحدة، فأولى أن نرد رواية من يستحل الكذب أو شهادة الزور. الباعث الحثيث، ص 100.

ص: 301

الكذب في نصرة مذهبه، أو لأهل مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن. وهو محكي عن الشافعي رحمه الله لقوله: أقبل شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية (1) من الرافضة (2)، لأنهم (أ) يرون الشهادة بالزور لموافقيهم (3).

ومنهم من قال: تقبل روايته، إذا لم يكن داعية إلى بدعته، ولا يقبل إذا كان داعية. وهو مذهب (ب) الكثير (4) أو (ج) الأكثر (5)،

(أ) في (ص) و (هـ): فإنهم.

(ب) في (ك): الكثيرين.

(ج) في (ص): والأكثر، بدون الهمزة.

(1)

هم أصحاب أبي الخطاب الأسدي قالوا: الأئمة الأنبياء وأبو الخطاب نبي وهؤلاء يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم، وقالوا: الجنة نعيم الدنيا والنار آلامها. التعريفات، ص 99.

(2)

قال ابن حجر: التشيع محبة على وتقديمه على الصحابة فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه، ويطلق عليه رافضي، فإن انضاف إلى ذلك السبب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشد في الغلو. مقدمة الفتح، ص 459.

(3)

ذكره الخطيب، وقال: وحكى أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري وروى مثله عن أبي يوسف القاضي. وصححه صاحب المحصول. الكفاية، ص 120؛ المحصول ج 2 ق 1/ 275.

(4)

قال الخطيب: هذا مذهب كثير من العلماء وممن ذهب إلى ذلك أبو عبد الله أحمد بن حنبل.

قال ابن حجر: هذا المذهب هو الأعدل وصارت إليه طوائف من الأئمة. الكفاية، ص 121؛ مقدمة الفتح، ص 385؛ نزهة النظر، ص 51.

(5)

هكذا تردد ابن الصلاح في عزو هذا القول بين الكثير أو الأكثر. مقدمة ابن الصلاح، ص 103.

قال أحمد شاكر رحمه الله: هذه الأقوال كلها نظرية، والعبرة في الرواية بصدق =

ص: 302

من العلماء وهو الأعدل (1) الأظهر.

وقال بعض أصحاب الشافعي: اختلف أصحاب الشافعي في غير الداعية واتفقوا على عدم قبول رواية الداعية.

= الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه، والمتتبع لأحوال الرواة يرى كثيرًا من أهل البدع موضعًا للثقة والاطمئنان، وإن رووا ما يوافق رأيهم، ويرى كثيرًا منهم لا يوثق بأي شيء يرويه، انتهى.

قلت ويؤيده قول الحاكم في القسم الخامس من الصحيح المختلف فيه: روايات المبتدعة وأصحاب الحديث عند أكثر أهل الحديث مقبولة إذا كانوا فيها صادقين. الباعث الحثيث، ص 100؛ المدخل في علم الحديث، ص 23.

(1)

قال شيخ الإسلام: ابن حجر في هذه المسألة قولًا فصلًا وهو: التحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفيها فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف. فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمرًا متواترًا من الشرع معلومًا من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه. فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله انتهى.

قال الذهبي في الميزان في ترجمة أبان بن تغلب الكوفي: شيعي جلد لكنه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته. ثم قال: ولقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحد الثقة: العدالة والإِتقان؟ فكيف يكون عدلًا من هو صاحب بدعة؟ .

وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.

ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. وأيضًا فما استحضر الآن في هذا الضرب رجلًا صادقًا ولا مأمونًا، بل الكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل نقل من هذا حاله حاشا وكلا.

فالشيعي الغالي في زمن السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير ومعاوية =

ص: 303

وقال أبو حاتم ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بالداعية عند أئمتنا قاطبة، لا خلاف بينهم في ذلك (1). والمذهب الأول (2) ضعيف جدًا، ففي الصحيحين وغيرهما من كتب أئمة الحديث الاحتجاج بكثيرين من المبتدعة غير الدعاة (3). والله أعلم.

= وطائفة ممن حارب عليًا رضي الله عنه وتعرض لسبهم.

والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضًا، فهذا ضال مفتر. انتهى. والذي قاله الذهبي مع ضميمة ما قاله ابن حجر هو التحقيق المنطبق على أصول الرواية.

انظر: النزهة، ص 50؛ لسان الميزان 1/ 9 - 11؛ الميزان 1/ 5 - 6؛ التدريب 1/ 324؛ الباعث الحثيث، ص 100، 101.

وأيضًا انظر: التنكيل 1/ 42 - 52؛ فإن فيه تحليلًا جيدًا. لهذه المسألة.

(1)

انظر: في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي من ثقاته 6/ 140، وقوله فيه: وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره انتهى.

قال ابن حجر: دعوى الاتفاق من ابن حبان على قبول غير الداعية من غير تفصيل، غريب انتهى.

قال السخاوي: دعوى ابن حبان ليس صريحًا في الاتفاق لا مطلقًا ولا بخصوص الشافعية ولكن الذي اقتصر ابن الصلاح في العزو له الشق الثاني، على أنه محتمل أيضًا لإِرادة الشافعية أو مطلقًا. انتهى. نزهة النظر، ص 50؛ فتح المغيث 1/ 307.

(2)

أي الرد مطلقًا لرواية من لم يكفر.

(3)

قال السيوطي رحمه الله: أردت أن أسرد هنا من رمى ببدعته ممن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما، ثم سرد أسماءهم فبلغ عدد من رمى بالأرجاء، وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار، أربعة عشر رجلًا، ثم سرد أسماء من رمى بالنصب - وهو بغض علي رضي الله عنه وتقديم غيره عليه - فبلغ عددهم سبعة رجال. وسرد أسماء من رمى بالتشيع - وهو تقديم علي رضي =

ص: 304

العاشرة: التائب من الكذب وغيره من أسباب الفسق، تقبل روايته (1) إلا التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تقبل روايته أبدًا، وإن حسنت توبته، كذا قاله أحمد بن حنبل والحميدي (2) شيخ البخاري (3) والصيرفي الفقيه الشافعي (4). وأطلق

= الله عنه على الصحابة - فبلغ عددهم خمسة وعشرين نفسًا، ثم ذكر أسماء من رمى بالقدر - وهو زعم أن الشر من خلق العبد - فبلغ عددهم ثلاثين إنسانًا، ثم سرد من رمى برأي جهم - وهو نفي صفات الله تعالى والقول بخلق القرآن - فجاء بواحد ثم ذكر من رمى برأي الحرورية، وهم الخوارج الذين أنكروا على علي رضي الله عنه التحكيم وتبرأو منه ومن عثمان وذويه وقاتلوهم - فبلغ عددهم اثنين. ثم ذكر من رمى بالوقف - وهو أن لا يقول: القرآن مخلوق أو غير مخلوق - فجاء بواحد. ثم ذكر من رمى بالحرورية من الخوارج القعدية - الذين يرون الخروج على الأئمة ولا يباشرون ذلك - فذكر واحدًا. ومجموعهم واحد وثمانون رجلًا. انتهى ما في التدريب.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر أسماء من رمى من رجال البخاري بطعن في الاعتقاد، فبلغ عددهم تسعة وستين رجلًا. التدريب 1/ 328؛ مقدمة الفتح، ص 459، 460؛ فتح المغيث 1/ 307، 308؛ التنكيل 1/ 50، 51؛ حاشية الشيخ عبد الفتاح على قواعد في علوم الحديث، ص 230.

(1)

انظر: الكفاية، ص 117؛ من قول الخطيب.

(2)

هو الإمام العلم أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الأسدي الحميدي الحافظ الفقيه، وهو معدود في كبار أصحاب الشافعي، وكان من كبار أئمة الدين، توفي سنة تسع عشرة ومائتين. تذكرة الحفاظ 2/ 413؛ شذرات الذهب 2/ 45.

(3)

انظر: قولهما في الكفاية، ص 117، 118، وزاد أحمد: توبته فيما بينه وبين الله ولا يكتب. حديثه أبدًا انتهى.

ثم لم ينفردا به بل نقله كل من الخطيب في الكفاية والحازمي عن جماعة.

انظر: شروط الأئمة الخمسة، ص 46.

(4)

هو أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي، وقوله هذا في شرح رسالة الشافعي. انظر: التبصرة والتذكرة 1/ 334؛ فتح المغيث 1/ 311؛ التدريب 1/ 329.

ص: 305

الصيرفي فقال: كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب (أ)(1) وجدناه عليه، لم نعد لقبوله بتوبة تظهر. ومن ضعفنا نقله لم نجعله (2) قويًا بعد ذلك، قال: وذلك مما افترقت (3) فيه الرواية والشهادة.

(أ) في (ك): الكذب.

(1)

قال العراقي: أراد الصيرفي الكذب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا مطلقًا، بدليل قوله: من أهل النقل، أي للحديث، ويدل على ذلك أنه قيد ذلك بالمحدث فيما رأيته في كتاب الدلائل والأعلام.

قال السخاوي: فيما قاله العراقي نظر، إذ أهل النقل هم أهل الروايات والأخبار، كيف ما كانت من غير اختصاص، وكذا الوصف بالحدث أعم من أن يكون يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن غيره، بل يدل لإرادة التعميم تنكيره الكذب، وكذا يستأنس له بقول ابن حزم في أحكامه.

من أسقطنا حديثه لم نعد لقبوله أبدًا ومن احتججنا به لم نسقط روايته أبدًا، فإنه ظاهر في التعميم. انتهى وبه قال البقاعي. وقد كتب المعلمي رحمه الله عن الراوي الذي رمى بالكذب في غير الحديث النبوي، فأجاد وأفاد، وحقق في بحثه أن الكذب المذكور ترد به الرواية مطلقًا بنقول كثيرة عن أئمة الحديث، وذكر أسباب الطعن مرتبًا، منها الكذب في الكلام العادي وذكر الخلاف في كونه كبيرة، وبين أنه لا يلزم من التسامح فيه في الشاهد أن يتسامح به في الراوي لوجوه أربعة ذكرها، ثم بين أن الكذب في رواية أثر عن صحابي أو تابعي أو عالم من بعده، وفي تعديل بعض الرواة والتجريح قد يترتب عليه من الفساد أكثر من الكذب في حديث واحد وبين ذلك بما لا تجده لغيره رحمه الله. التبصرة والتذكرة 1/ 334؛ فتح المغيث 1/ 213؛ والنكت الوفية (225/ أ)؛ التنكيل 1/ 32، 33.

(2)

قال محمد إبراهيم الوزير: إذا كان من أهل الديانة والصدق فلا وجه لقول الصيرفي: إنا لا نجعله قويًا. انتهى. توضيح الأفكار 2/ 243.

(3)

قال زكريا الأنصاري: لأن شهادته تقبل بعد توبته بخلاف رواية الراوي، لأن الحديث حجة لازمه لجميع المكلفين وفي جميع الأعصار، فكان حكمه أغلظ مبالغة في الزجر عن الرواية بلا إتقان وعن الكذب فيه. انتهى فتح الباقي 1/ 334.

ص: 306

وقال أبو المظفر (1) السمعاني: من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه (2).

قلت: وكل هذا مخالف: قاعدة (أ) مذهبنا ومذهب غيرنا (ب)، ولا يقوى (ج) الفرق بينه وبين الشهادة (3). (والله أعلم)(د).

(أ) في (ص) و (هـ): لقاعدة.

(ب)(ك): غيرهما.

(ج) في (ك): ولا هو يقوى.

(د) والله أعلم، ساقط من (ت) و (ص) و (هـ)، وموجود في (ك).

(1)

هو منصور بن محمد أبو المظفر السمعاني.

(2)

انظر: قول أبي المظفر في مقدمة ابن الصلاح، ص 105؛ اختصار علوم الحديث، ص 101؛ التبصرة والتذكرة 1/ 334؛ فتح المغيث 1/ 313؛ التدريب 1/ 303.

قال السخاوي: ويلتحق بالعمد من أخطأ وصمم بعد بيان ذلك له ممن يثق بعلمه بمجرد عناد، وأما من كذب عليه في فضائل الأعمال معتقدًا أن هذا لا يضره، ثم عرف ضرره فتاب، فالظاهر كما قال بعض المتأخرين: قبول رواياته، وكذا من كذب دفعًا لضرر يلحقه من عدو ورجع عنه. فتح المغيث 1/ 311.

(3)

انظر: قول المصنف في شرح مسلم: المختار القطع بصحة توبته في هذا وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة، كالكافر إذا أسلم انتهى.

وبه قال الصنعاني: لا وجه لرد رواية الكاذب في الحديث بعد صحة توبته إذ بعد صحتها قد اجتمعت فيه شروط الرواية، فالقياس قبوله. انتهى.

قال أحمد شاكر رحمه الله: والراجح ما قاله أحمد بن حنبل ومن معه، تغليظًا وزجرًا بليغًا عنِ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعظم مفسدته. فإنه يصير شرعًا مستمرًا إلى يوم القيامة، بخلاف الكذب على غيره والشهادة فلا يقاس الكذب في الرواية على الكذب في الشهادة، أو في غيرها، ولا على أنواع المعاصي الأخرى، انتهى. قلت: وبه وجه النووي أيضًا في الشرح.

قال السخاوي: بعد أن ذكر رد النووي لقول الإمام أحمد والصيرفي والسمعاني: =

ص: 307

الحادية عشرة: إذا روى ثقة عن ثقة حديثًا فروجع (أ) المروي عنه فنفاه. فإن كان جاز ما بنفيه بأن قال: ما رويته، أو كذب على ونحوه (ب)، وجب رد (1)

(أ) كذا في (ت). وفي (ك): فرجوع. وفي (ص) و (هـ): فرجع.

(ب) كلمة: ونحوه. ساقطة من (هـ).

= ويمكن أن يقال فيما إذا كان كذبه في وضع حديث وحمل عنه ودون أن الاثم غير منفك عنه بل هو لا حق له أبدا، فإن من سن سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، والتوبة حينئذ متعذرة ظاهرًا، وإن وجد مجرد اسمها، ولاستشكل بقبولها ممن لم يمكنه التدارك برد أو محاللة فالأموال الضائعة لها مرد وهو بيت المال، والأعراض قد انقطع تجدد الإِثم بسببها فافترقا، وأيضًا فعدم قبول توبة الظالم ربما يكون باعثًا له على استرساله بخلاف الراوي فإنه لو اتفق استرساله أيضًا. وسمه بالكذب مانع من قبول متجدداته، بل قال الذهبي: إن من عرف بالكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصل لنا ثقة بقوله: إني تبت. انتهى.

واستدل لقول الإِمام أحمد والصيرفي والسمعاني، السيوطي أيضًا، شرح مسلم 1/ 70؛ توضيح الأفكار 2/ 243؛ الباعث الحثيث، ص 102؛ فتح المغيث 1/ 314؛ التدريب 1/ 331.

(1)

كذلك سوى ابن الصلاح تبعًا للخطيب بين "ما رويته، أو كذب علي" ورجحه السخاوي وهو الذي مشى عليه الحافظ في شرح النخبة، لكنه قال في الفتح: إن الراجح عند المحدثين القبول، أي إذا جزم المروي عنه بالرد بدون تصريح بالتكذيب. ذكره السخاوي.

وفي توضيح الأفكار: الصحيح فيها أنها موضع اجتهاد، إذ لكل جهة ترجيح: أما الراوي فلكونه مثبتًا، وأما الشيخ فلكونه نفي ما يتعلق به مع احتمال نسيانه، فينظر في أيهما أصدق وأحفظ وأكثر جزمًا وأقل ترددًا وكذلك أيهما أكثر، الفرع أو الأصل، ويجب استعمال طرق الترجيح بينهما كسائر الأخبار المتعارضة، وإلى الترجيح مال الفخر الرازي: وقال: إن الرد إنما هو عند التساوي فلو رجح أحدهما عمل به، إلخ ما قال. انتهى. =

ص: 308

ذلك الحديث ولا يقدح (1) ذلك في باقي رواياته، فإن قال: لا أعرفه ولا أذكره أو نحوه (2) لم يقدح (3) ذلك في هذا الحديث على المختار.

= وقال إمام الحرمين أيضًا: إنهما يتعارضان ويرجح أحدهما بطريقه. انتهى.

وقال أحمد شاكر رحمه الله: هذا الذي رجحه الناس لا أراه راجحًا، بل الراجح قبول الحديث مطلقًا، إذ أن الراوي عن الشيخ ثقة ضابط لروايته فهو مثبت، والشيخ وإن كان ثقة إلا أنه ينفي هذه الرواية، والمثبت مقدم على النافي، وكل إنسان عرضة للنسيان والسهو، وقد يثق الإنسان بذاكرته ويطمئن الى أنه فعل الشيء جازمًا بذلك، أو إلى أنه لم يفعله مؤكدًا لجزمه، وهو في الحالين ساه وناس. وإلى هذا القول ذهب كثير من العلماء، واختاره السمعاني، وعزاه الشاشي للشافعي وحكى الهندي الإِجماع عليه، كما نقل ذلك السيوطي في التدريب ثم ذكر دليله قلت: وإليه ذهب الإمام مسلم في صحيحه.

مقدمة ابن الصلاح، ص 105؛ الكفاية، ص 139؛ فتح المغيث 1/ 316؛ نزهة النظر، ص 61؛ توضيح الأفكار 2/ 243 - 247؛ البرهان 1/ 655؛ الباعث الحثيث، ص 104؛ التدريب 1/ 234؛ صحيح مسلم مع شرح النووي 5/ 84.

(1)

لأن الراوي والشيخ قد تعارضا في دعواهما، إذ الشيخ قطع بإنكار المروي والراوي قطع بالنقل، ولكل منهما جهة ترجيح، أما الراوي فلكونه مثبتًا، وأما الشيخ فلكونه نفي ما يتعلق به في أمر يقرب من المحصور غالبًا، وليس قبول جرح كل منهما أولى من الآخر، لأن الجرح لا يثبت بغير مرجح. الكفاية، ص 139؛ النزهة، ص 61؛ فتح المغيث 1/ 315؛ التدريب 1/ 334.

لكن لو حدث به الشيخ نفسه أو ثقة غير الأول عنه ولم ينكره عليه فهو مقبول، صرح به الخطيب وغيره. الكفاية، ص 139؛ فتح المغيث 1/ 315؛ التدريب 1/ 334.

(2)

كيغلب على ظني أني ما حدثته بهذا أولا أعرف أنه من حديثي والراوي جازم به. فتح المغيث 1/ 317.

(3)

وإليه ذهب معظم المحدثين والفقهاء والمتكلمين وصححه غير واحد منهم الخطيب وابن الصلاح وابن حجر، لأن الفرض أن الراوي ثقة جزمًا فلا يطعن فيه بالاحتمال، إذا المروي عنه غير جازم بالنفي، بل جزم الراوي عنه وشكه قرينة =

ص: 309

ومن روى حديثًا ثم نسيه لم يسقط (1) العمل به (أ) عند جمهور المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وقال بعض (ب) أصحاب أبي حنيفة يجب (2) إسقاطه، وبنوا عليه ردهم (ج) حديث: إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل (3).

(أ) لفظ: العمل به. ساقط من (هـ).

(ب) لفظ: بعض. ساقط من (هـ).

(ج) كلمة: ردهم. غير موجودة في (هـ).

= لنسيانه. الكفاية، ص 139؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 105؛ اختصار علوم الحديث، ص 103؛ نزهة النظر، ص 61، فتح المغيث 1/ 317؛ التدريب 1/ 335.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 105؛ فتح المغيث 1/ 317؛ التدريب 1/ 335؛ توضيح الأفكار 1/ 347.

(2)

وهو كما قال ابن الصلاح ونسبه النووي في شرح مسلم للكرخي منهم، بل حكاه ابن الصباغ في العدة عن أصحاب أبي حنيفة.

قال السخاوي: لكن في التعميم نظرًا إلا أن يريد المتأخرين منهم لا سيما وسيأتي في المسألة الثانية من صفة رواية الحديث وأدائه عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن أنه إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه يجوز له روايته.

قال: ويتأيد بقول إلكيا الطبري: أنه لا يعرف لهم في مسألتنا بخصوصها كلام إلا إن أخذ من ردهم حديث: إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل. الذي ذكره ابن الصلاح من أمثلة من حدث ونسي. مقدمة ابن الصلاح، ص 105؛ اختصار علوم الحديث، ص 103؛ شرح النووي على مسلم 5/ 84؛ فتح المغيث 1/ 317؛ التدريب 1/ 335؛ توضيح الأفكار 1/ 248.

(3)

أخرجه أبو داود في النكاح باب في الولي (ح رقم 2083)، 2/ 566.

وابن ماجه في النكاح باب لا نكاح إلا بولي (ح رقم 1879)، 1/ 605.

والترمذي في النكاح باب لا نكاح إلا بولي (ح رقم 1102)، 3/ 398.

كلهم من طريق ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. =

ص: 310

وحديث أبي هريرة القضاء بالشاهد واليمين (1). والصحيح قول الجمهور لأن المروي عنه (بصدد (أ) النسيان، والراوي عنه)، ثقة جازم، فلا ترد روايته بالاحتمال (2)، وقد روى كثير من الأكابر (ب) أحاديث نسوها

(أ) ما بين المعقوفين. ساقط من (هـ).

(ب) في (هـ): الكبار.

= قال الترمذي: هذا حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وسبب تضعيف الحنفية لهذا الحديث كما ذكره الترمذي والعراقي، أن ابن جريج قال: ثم لقيت الزهري فسألته فأنكره، فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا.

وقد رد الترمذي والعراقي على هذه الشبهة بما لا يزيد عليه فراجعهما إن شئت. سنن الترمذي 3/ 401؛ معالم السنن على أبي داود 2/ 567؛ التقييد والإِيضاح، ص 153.

(1)

وأخرجه أبو داود في الأقضية باب القضاء باليمين والشاهد (ح رقم 3610) 3/ 34.

وابن ماجه في الأحكام باب القضاء بالشاهد واليمين (ح رقم 2368)، 2/ 793.

والترمذي في الأحكام باب ما جاء في اليمين مع الشاهد (ح رقم 1343)، 3/ 618.

كلهم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

وسبب رد الأحناف لهذا الحديث كما جاء في سنن أبي داؤد ومقدمة ابن الصلاح، أن عبد العزيز الدراوردي قال: لقيت سهيلًا فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه.

قال عبد العزيز: وقد كان أصابت سهيلًا علة أذهبت بعض عقله، ونسي بعض حديثه، فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه. مقدمة ابن الصلاح، ص 106؛ فتح المغيث 1/ 318؛ التدريب 1/ 335.

(2)

كما تقرر من قبل ص 309.

ص: 311

فحدثوا بها عمن سمعها منهم، فيقول أحدهم: حدثني فلان عني، أني حدثته. وجمع (1) الخطيب (2) ذلك في كتابه (3) المعروف (أ)(4). ولهذا كره الشافعي (5) وغيره من العلماء الرواية عن الأحياء والله أعلم.

(أ) لفظ: المعروف. ساقط من (هـ).

(1)

قال ابن حجر: وفيه ما يدل على تقوية المذهب الصحيح لكون كثير منهم حدثوا بأحاديث أولًا فلما عرضت عليهم لم يتذكروها لكن لاعتمادهم على الرواة عنهم صاروا يروونها عن الذي رواها عنهم عن أنفسهم. نزهة النظر، ص 62؛ التدريب 1/ 336.

(2)

وكذا الدارقطني والسيوطي وسمى السيوطي كتابه تذكرة المؤتسى بمن حدث ونسي.

(3)

سماه: أخبار من حدث ونسي. مقدمة ابن الصلاح، ص 106.

(4)

قال السخاوي: وفي المسألة قول آخر: وهو إن كان الشيخ رأيه يميل إلى غلبة النسيان أو كان ذلك عادته في محفوظاته، قُبل الذاكر الحافظ. وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلًا بذلك الخبر رُدَّ، فقل ما ينسى الإِنسان شيئًا حفظه نسيانًا لا يتذكره بالتذكير، والأمور تبنى على الظاهر لا على النادر، قاله ابن الأثير وأبو زيد الدبوسي. فتح المغيث 1/ 318.

(5)

قال الشافعي: لا تحدث عن حي، فإن الحي لا يؤمن عليه النسيان.

قاله لمحمد بن عبد الله الحكم في شيء حكاه عن الشافعي فلم يذكره الشافعي فجعل ابن عبد الحكم يذكره حتى ذكره، فقال: يا محمد

إلخ.

انظر: مناقب الشافعي 2/ 38.

قال السخاوي: لكن قيد بعض المتأخرين الكراهية بما إذا كان له طريق آخر سوى طريق الحي، أما إذا لم يكن له طريق سواها، وحدثت واقعة فلا معنى للكراهية، لما في الإِمساك من كتم العلم، وقد يموت الراوي قبل موت المروي عنه إذا لم يحدث به غيره فيضيع العلم، وهو حسن، إذا لمصلحة متحققة والمفسدة مظنونة.

قال: وكذلك يحسن تقييد مسألتنا بما إذا كانا في بلد واحد، أما إن كانا في بلدين فلا، لاحتمال أن يكون الحامل له على الإِنكار لنفاسته مع قلتها بين المتقدمين. فتح المغيث 1/ 320.

ص: 312

الثانية عشرة: اختلفوا فيمن أخذ على التحديث (أ) أجرًا، فقال قوم: لا تقبل روايته وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق (1) بن راهويه وأبي (2) حاتم الرازي (3)، لأن ذلك يخرم المروءة عرفًا (4) ويطرق إليه تهمة (5).

(أ) في (ص) و (هـ): الحديث.

(1)

هو الإِمام الحافظ الكبير أبو يعقوب التميمي الحنظلي المروزي، نزيل نيسابور وعالمها شيخ أهل المشرق، يعرف بابن راهويه، ولد سنة ست وستين ومائة، وتوفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين. تذكرة الحفاظ 2/ 433؛ شذرات الذهب 2/ 89.

(2)

هو الإِمام الحافظ الكبير أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أحد الأعلام صاحب الجرح والتعديل، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، وتوفي سنة سبع وسبعين ومائتين. تذكرة الحفاظ 2/ 567؛ وله ترجمة رائعة في تقدمة الجرح والتعديل، ص 349.

(3)

أما إسحاق فإنه حين سئل عن المحدث يحدث بالأجر، قال: لا يكتب عنه. وكذا قال أبو حاتم الرازي حين سئل عن عمن يأخذ على الحديث. وأما أحمد بن حنبل، فإنه قيل له أيكتب عن من يبيع الحديث؟ فقال: لا، ولا كرامة. ذكر هذه الأقوال الخطيب بأسانيده. فأطلق أبو حاتم جواب الأخذ الشامل للإِجارة والجعالة والهبة والهدية. الكفاية، ص 153؛ فتح المغني 1/ 320.

(4)

أي لكونه شائعًا بين أهله التخلق بعلو الهمم وطهارة الشيم وتنزيه العرض عن مد العين إلى شيء من العرض. فتح المغيث 1/ 321؛ النكت الوفية (130/ ب).

(5)

قال الخطيب: إنما منعوا من ذلك تنزيهًا للراوي عن سوء الظن، لأن بعض من كان يأخذ الأجر على الرواية عثر على تزيده وادعائه ما لم يسمع لأجل ما كان يعطي، ولهذا روى عن شعبة أنه قال: لا تكتبوا عن الفقراء شيئًا، فإنهم يكذبون لكم. واكتبوا عن زياد بن مخراق فإنه رجل موسر لا يكذب. الكفاية، ص 154؛ فتح المغيث 1/ 321.

ص: 313

ورخص في ذلك أبو نعيم (1) الفضل بن دكين، وعلي (2) بن عبد العزيز المكي وآخرون (3).

قياسًا على أجرة (4) تعليم القرآن، وكان أبو الحسين (5)(أ) ابن النقور

(أ) في (ت): أبو الحسن. والصحيح ما أثبتناه من باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(1)

أبو نعيم الفضل بن دكين واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير. هو الحافظ الثبت الكوفي الملائي، قال ابن معين: ما رأيت أثبت من رجلين يعني في الأحياء أبي نعيم وعفان، مات شهيدًا سنة تسع عشرة ومائتين. تذكرة الحفاظ 1/ 372؛ شذرات الذهب 2/ 46.

(2)

هو الإِمام الحافظ الصدوق أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور البغوي، شيخ الحرم ومصنف المسند، قال الذهبي: كان يأخذ على الحديث ولا شك أنه كان فقيرًا مجاورًا. مات سنة ست وثمانين ومائتين. تذكرة الحفاظ 2/ 622.

(3)

ذكرهم السخاوي وهم على أنواع فبعضهم كان يأخذ من كل واحد والبعض منهم كان يأخذ من الأغنياء وبعضهم كان يأخذ من المقيمين دون الغرباء المسافرين، والبعض كان يأخذ للفقراء من جيرانه. فتح المغيث 1/ 323 - 325.

(4)

أي أخذ الأجرة على التحديث هو شبيه بأخذ أجرة معلم القرآن لأن العادة جارية بالأخذ فيه. قال البلقيني: هذا قوي، وفي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله. فتح المغيث 1/ 321؛ محاسن الاصطلاح، ص 235.

(5)

هو أبو الحسين بن النقور أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزار مسند العراق المحدث الصدوق، كان يأخذ على نسخة طالوت دينارًا أفتاه بذلك أبو إسحاق الشيرازي. لأن الطلبة كانوا يفوتونه الكسب لعياله، مات سنة سبعين وأربعمائة. شذرات الذهب 3/ 335؛ وتاريخ بغداد 4/ 381.

ص: 314

يأخذ الأجرة على التحديث (أ) لأن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أفتاه بجوازها (1) لكون أصحاب الحديث كانوا يمنعونه الكسب (ب) لعياله (2). والله أعلم.

(أ) في (ك): الحديث.

(ب) على هامش (ك): قال السيوطي في التدريب: ويشهد له جواز أخذ الوصي الأجرة من مال اليتيم إذا كان فقيرًا، أو اشتغل بحفظه عن الكسب من غير رجوع عليه، لظاهر القرآن.

قلت: انظر: التدريب 1/ 337.

(1)

ويشهد لما ذهب إليه الشيرازي، جواز أخذ الوصي الأجرة من مال اليتيم إذا كان الوصي، فقيرًا، وقد اشتغل بحفظ مال اليتيم عن الكسب، ولا يرجع اليتيم عليه بعد البلوغ بما أخذ، والقرآن الكريم شاهد على صحة ذلك. التدريب 1/ 337؛ حاشية توضيح الأفكار 2/ 353.

(2)

قال السخاوي: بعد أن ذكر الأقوال المختلفة في جواز أخذ الأجرة على التحديث وعدمه، وبعد أن ذكر لكل واحد منها محملًا حسنًا: إذا علم هذا، فالدليل لمطلق الجواز هو القياس على القرآن فقد جوز أخذ الأجرة على تعليمه الجمهور، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله".

والأحاديث الواردة في الوعيد على ذلك لا تنهض بالمعارضة إذ ليس فيها ما تقوم به الحجة خصوصًا، وليس فيها تصريح بالمنع على الإِطلاق، بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل والتوفيق الصحيح، وقد حملها بعض العلماء على الأخذ فيما تعين عليه تعليمه لا سيما عند عدم الحاجة.

وكذا يمكن أن يقال في تفسير أبى العالية لقوله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} أي لا تأخذوا عليه أجرًا: وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم علم مجانًا كما علمت مجانًا. إلخ ما قال.

وقال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد: أُحب أن أنبهك هنا إلى أن خلاف =

ص: 315

الثالثة عشرة: لا تقبل رواية من عرف بالتساهل (1) في سماع الحديث أو إسماعه، كمن لا يبالي بالنوم (2) في السماع، أو يحدث لا من

= هؤلاء العلماء حاصل في أخذ المحدث العوض عن التحديث من تلاميذه الذين ينقطع هولهم. فأما أن يأخذ المحدث، من بيت مال المسلمين ما يقوم بحاجاته وحاجات من تجب عليه نفقتهم جزاء احتباسه لذلك فليس بموضوع خلاف بينهم. والله أعلم. فتح المغيث 1/ 323 - 327؛ حاشية توضيح الأفكار 2/ 253.

(1)

وكذا يرد خبر من عرف بالتساهل في الحديث النبوي دون التساهل في حديثه عن نفسه وأمثاله وما ليس بحكم في الدين يعني لا من تخلل فيه. كذا قاله أبو بكر الباقلاني وتبعه غيره من الأصولين فيه.

ويخالفه قول ابن النفيس: من تشدد في الحديث وتساهل في غيره فالأصح أن روايته ترد، قال لأن الظاهر أنه إنما تشدد في الحديث لغرض وإلا للزم التشدد مطلقًا، وقد يتغير ذلك الغرض أو يحصل بدون تشدد فيكذب. انتهى.

إلا أن يحمل قول ابن النفيس على التساهل فيما هو حكم في الدين وسبقه إليه الإِمام أحمد وغيره، لأنه قد يجر إلى التساهل في الحديث.

قال السخاوي: ولينبغي أن يكون محل الخلاف في تساهل لا يفضي إلى الخروج عن العدالة ولو فيما يكون به خارمًا للمروءة، فاعلمه. فتح المغيث 1/ 331 - 332.

(2)

أي النوم الكثير الواقع منه أو من شيخه وعدم مبالاته بذلك. لكن إذا كان السامع على مذهب تجويز الإِجازة، فلا يضره النوم الكثير ولا القليل.

قال السخاوي: ثم أنه لا يضر في كل من التحمل والأداء النعاس الخفيف الذي لا يختل معه فهم الكلام، لا سيما من الفطن، فقد كان المزي ربما ينعس في حال أسماعه ويغلط القارئ أو يزل فيبادر للرد عليه، وكذا شاهدت شيخنا غير مرة. وما يوجد في الطباق من التنبيه على نعاس السامع أو المسمع، لعله فيمن جهل حاله أو علم بعدم الفهم. فتح المغيث 1/ 328.

ص: 316

أصل (1) مصحح (أ)، أو عرف بقبول التلقين (2) في الحديث، أو عرف بكثرة السهو في رواياته إذا لم يحدث من أصل صحيح (3)، أو كثرت (4) الشواذ والمناكير في حديثه (5).

(أ) في (هـ): صحيح.

(1)

أي بخلاف ما إذا حدث منه فلا عبرة بكثرة سهوه، لأن الاعتماد حينئذ على الأصل لا على حفظه. انتهى. التدريب 1/ 339.

(2)

قال السخاوي: التلقين في اللغة: التفهيم، وفي العرف: إلقاء كلام إلى الغير في الحديث إسنادًا أو متنًا فبادر إلى التحديث بذلك ولو مرة لدلالته على مجازفته وعدم تثبته وسقوط الوثوق بالمتصف به. توضيح الأفكار 2/ 257؛ فتح المغيث 1/ 330.

(3)

قال السخاوي: أي مع كونه هو أو القارئ أو بعض السامعين غير حافظ. قال: ومن ذلك من كان يحدث بعد ذهاب أصوله واختلال حفظه كابن لهيعة. ثم قال: والظاهر أن الرد بذلك ليس على إطلاقه وإلا فقد عرف جماعة من الأئمة المقبولين به، فإما أن يكون لما انضم إليهم من الثقة وعدم المجيء بما ينكر، أو لكون التساهل يختلف فمنه ما يقدح ومنه ما لا يقدح. فتح المغيث 1/ 329 - 330؛ توضيح الأفكار 2/ 257.

(4)

قال العراقي: رد العلماء رواية من عرف بكثرة السهو في رواياته إذا لم يحدث من أصل صحيح، أما إذا حدث من أصل صحيح فالسماع صحيح وإن عرف بكثرة السهو لأن الاعتماد حينئذ على الأصل لا على حفظه. انتهى.

قال الشافعي: من كثر غلطه من المحدثين ولم يكن له أصل كتاب صحيح، لم نقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته. انتهى. التبصرة والتذكرة 1/ 345؛ رسالة الشافعي، ص 382، فقرة 1044.

(5)

قال السخاوي: أما من لم يكثر شذوذه ولا مناكيره أو كثر ذلك مع تمييزه له وبيانه فلا. وكذا إذا حدث سيء الحفظ عن شيخ عرف فيه بخصوصه بالضبط والإِتقان، كإسماعيل بن عياش حيث قيل في الشاميين خاصة دون غيرهم. على أن بعض المتأخرين توقف في رد من كثرت المناكير وشبهها في حدثه لكثرة وقوع ذلك في حديث كثير من الأئمة ولم ترد روايتهم. =

ص: 317

قال ابن المبارك وأحمد بن (أ) حنبل والحميدي وغيرهم: من غلط في حديث فبين (ب) له غلطه، فلم يرجع، وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت (1) رواياته (2). قال الشيخ: هذا فيه (3) نظر وهو غير مستنكر إن ظهر أن ذلك على وجه العناد (4) ونحوه. والله أعلم.

الرابعة عشرة: أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا من الشروط في السامع والمسمع (5)، وذلك لأن (ج) المقصود بالسماع في هذه (د) الأزمان المحافظة على بقاء سلسلة الإِسناد التي خصت

(أ) في (ك): والحميدي وأحمد بن حنبل.

(ب) في (هـ): فتبين. وعلى هامش (ك): قوله: فبين له غلطه. قال السيوطي في شرح التقريب المختصر من هذا الكتاب، ما نصه: وقيد ذلك بعض المتأخرين بأن يكون المبين عالمًا عند المبين له، وإلا فلا حرج إذن. قلت:

انظر: التدريب 1/ 340 نقلًا عن العراقي.

(ج) في (ت): أن. وفي باقي النسخ حسب ما أثبتناه.

(د) في (هـ): في هذا الزمان.

= قال: لكن الظاهر أن المراد من كثر ذلك في رواياته مع ظهور إلصاق ذلك به لجلالة باقي رجال السند. فتح المغيث 1/ 332؛ توضيح الأفكار 2/ 258.

(1)

أي احتجاجًا ورواية حتى تركوا الكتابة عنه. فتح المغيث 1/ 332.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 108؛ فتح المغيث 1/ 332؛ التدريب 1/ 340؛ توضيح الأفكار 2/ 258.

(3)

قال السخاوي: وكأنه لكونه قد لا يثبت عنده ما قيل له، إما لعدم اعتقاده علم المبين له وعدم أهليته أو لغير ذلك. فتح المغيث 1/ 332؛ توضيح الأفكار 2/ 258.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 108.

(5)

أي لعسرها، وتعذر الوفاء بها. مقدمة ابن الصلاح، ص 108؛ التبصرة والتذكرة، ص 347؛ فتح المغيث 1/ 333؛ التدريب 1/ 340؛ توضيح الأفكار 2/ 259.

ص: 318

بها هذه الأمة، فلتعتبر من الشروط ما يليق بهذا الغرض، فكيتفي (أ) في الشيخ بكونه مسلمًا بالغًا عاقلًا غير متظاهر بالفسق والسخف، وفي ضبطه بوجود سماعه مثبتًا بخط غير (ب) متهم (1) وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه، وقد قال نحو ما ذكرناه الحافظ أبو بكر البيهقي، واحتج له بأن الأحاديث التي صحت أو وفقت بين الصحة والسقم قد جمعت في كتب أئمة الحديث فلا يمكن أن يذهب شيء منها على جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم، قال فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم. لم يقبل منه، ومن جاء بحديث معروف فالذي يرويه لا ينفرد به فالحجة (2) قائمة به والقصد (3) بالسماع منه (ج) بقاء الحديث مسلسلًا بحدثنا

(أ) في (هـ): فيكفي.

(ب) في (ك): غيره. وهو خطأ.

(ج) في (هـ): من.

(1)

قال السخاوي: سواء الشيخ أو القارئ أو بعض السامعين كتب على الأصل أو في ثبت بيده، إذا كان الكاتب ثقة من أهل الخبرة بهذا الشأن بحيث لا يكون الاعتماد في رواية هذا الراوي عليه، بل على الثقة المفيد لذلك. انتهى ونقله عنه الأنصاري أيضًا.

وقال الحافظ الذهبي: العمدة على من قرأ لهم، وعلى من أثبت طباق السماع لهم. انتهى. فتح المغيث 1/ 333؛ فتح الباقي 1/ 347؛ مقدمة ميزان الاعتدال 1/ 4.

(2)

قال العراقي: هذا هو الذي استقر عليه العمل. انتهى.

وقال الذهبي: العمدة في زماننا ليس على الرواة، بل على المحدثين والمفيدين الذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء السامعين. ثم من المعلوم أنه لا بد من صون الراوي وستره. التبصرة والتذكرة 1/ 348؛ مقدمة ميزان الاعتدال 1/ 4.

(3)

هذا جواب ما إذا قيل: فما فائدة السماع، بعد هذا. توضيح الأفكار 2/ 259.

ص: 319

وأخبرنا (1) والله (2) أعلم.

الخامسة عشرة: في بيان الألفاظ المستعملة فىِ الجرح والتعديل.

وقد رتبها أبو محمد عبد الرحمن (3) بن أبي حاتم، فأجاد وأحسن (4). أما ألفاظ التعديل فمراتب (5):

(1) قال السخاوي: الحاصل أنه لما كان الغرض أولا معرفة التعديل والتجريح وتفاوت المقامات في الحفظ والإِتقان ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف، حصل التشدد بمجموع تلك الصفات. ولما كان الغرض آخرًا الاقتصار في التحصيل على مجرد وجود السلسلة السندية اكتفوا بما ترى. انتهى. فتح المغيث 1/ 334؛ فتح الباقي 1/ 348؛ توضيح الأفكار 2/ 260.

(2)

قال ابن الصلاح بعد ذكر هذا القول: ذكره الإِمام البيهقي فيما رويناه عنه. مقدمة ابن الصلاح، ص 109.

(3)

هو الإِمام الحافظ الناقد ابن الإِمام الناقد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي ولد سنة أربعين وارتحل به أبوه فأدرك الأسانيد العالية، أخذ علم أبيه وأبي زرعة وكان بحرًا في العلوم ومعرفة الرجال ورأسًا في التقوى. توفي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 829؛ البداية 11/ 191.

(4)

أي في كتابه الجليل الجرح والتعديل 2/ 37، وقال ابن الصلاح: ونحن نرتبها كذلك ونورد ما ذكره ابن أبي حاتم ونضيف إليه ما بلغنا في ذلك عن غيره. المقدمة، ص 110.

(5)

أي أربعة ذكرها المصنف كابن الصلاح تبعًا لابن أبي حاتم وزاد عليها الذهبي مرتبة لكنه أدخل الرابعة في الثالثة وتبعه العراقي فأصبحت المراتب عندهما أيضًا أربعة وجعل ابن حجر هذه المراتب ستة ومشى عليه السخاوي لكنه جمع بين المرتبة الثالثة والرابعة مما ذكرها المصنف وزاد مرتبة بين الأولى والثانية عند ابن حجر.

أما المرتبة التي زادها الذهبي ومشى عليه العراقي فإنها أعلى من المرتبة الأولى التي ذكرها المصنف، وهو أن يكرر لفظ التوثيق إما مع تباين اللفظين مع تقارب المعنى، كثقة ثبت أو ثبت حجة أو ثبت حافظ أو ثقة متقن. أو عدل حافظ أو ثقة حافظ. أو عدل ضابط. =

ص: 320

الأولى (1): إذا قيل: ثقة، أو متقن أو ثبت (2) أو حجة، أو قيل في

= أو مع إعادة اللفظ الواحد، كثقة ثقة، أو ثبت ثبت أو حجة حجة، أو عدل عدل. قال العراقي: لأن التأكيد الحاصل بالتكرار فيه زيادة على الكلام الخالي منه، قال السخاوي: وعلى هذا فما زاد على مرتين مثلًا يكون أعلى منها، كقول ابن سعد في شعبة: ثقة مأمون ثبت حجة صاحب حديث. وأكثر ما وقفنا عليه من ذلك قول ابن عيينة: حدثنا عمرو بن دينار وكان ثقة ثقة تسع مرات، وكأنه سكت لانقطاع نفسه.

والمرتبة التي زادها ابن حجر أعلى من مرتبة التكرير، وهي الوصف بأفعل كأوثق الناس وأثبت الناس، وألحق بها: إليه المنتهى في التثبت. وهذا الذي قاله في النزهة وإلا ففي مقدمة التقريب أنه جعل صيغة أفعل وتكرير الصيغة مرتبة واحدة وهي المرتبة الثانية، وجعل أول المراتب كونه صحابيًا.

قال السيوطي: ونحوه من مثل فلان؟ ولا أحد أثبت منه وفلان لا يسأل عنه.

وقال السخاوي: هل يلتحق بها مثل قول الشافعي في ابن مهدي: لا أعرف له نظيرًا في الدنيا، محتمل.

انظر: مقدمة الميزان 1/ 4؛ التبصرة والتذكرة 2/ 3؛ التقييد والإِيضاح، ص 157؛ فتح المغيث 1/ 336؛ طبقات ابن سعد 7/ 280؛ نزهة النظر، ص 70؛ مقدمة التقريب 1/ 4؛ التدريب 1/ 343؛ توضيح الأفكار 2/ 262 - 263؛ ولقول الشافعي تهذيب التهذيب 6/ 281.

(1)

وهي المرتبة الثانية عند الذهبي والعراقي والثالثة عند ابن حجر والرابعة عند السخاوي، فإنه جعل صيغة أفعل المرتبة الأولى، وفلان لا يسأل عن مثله، نقلًا عن بعض الناس، المرتبة الثانية وزاد في هذه المرتبة: كانه مصحف. فتح المغيث 1/ 336.

(2)

من هنا إلى كلمة ضابط من زيادة ابن الصلاح على ابن أبي حاتم كما يظهر من صنيع ابن الصلاح حيث قال: قلت: وكذا إذا قيل، ثبت أو حجة،

إلخ.

وليس الأمر كذلك فإن الموجود في الجرح والتعديل المطبوع" أو متقن ثبت" إذًا فلا زيادة عليه.

وأجاب العراقي على هذا الاعتراض بقوله: ليس في بعض النسخ الصحيحة من كتاب الجرح والتعديل إلا ما نقله ابن الصلاح عنه أي ليس فيه ذكر "ثبت" وفي =

ص: 321

العدل (1): حافظ (1) أو ضابط (1)، فكل هذا لمن (أ) يحتج به.

الثانية (2): إذا قيل: صدوق (3) أو محله (3) الصدق

(أ) في (ك): لم.

= بعض النسخ إذا قيل للواحد: أنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه. هكذا في نسختي منه "أو متقن ثبت" لم يقل فيه: أو ثبت. انتهى.

انظر: الجرح والتعديل 2/ 37؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 110؛ التقييد والإِيضاح، ص 158، (النكت الوفية (234/ أ).

(1)

أي يقال: حافظ عدل أو ضابط عدل. قال السخاوي: لأن مجرد الوصف بالحفظ والضبط غير كاف في التوثيق بل بين العدالة وبينهما عموم وخصوص من وجه، لأنها توجد بدونهما ويوجدان بدونها وتوجد الثلاثة. قال: ويدل لذلك أن ابن أبي حاتم سأل أبا زرعة عن رجل، فقال: حافظ، فقال له: أهو صدوق؟ قال: والظاهر أن مجرد الوصف بالاتقان كذلك، قياسا على الضبط إذ هما متقاربان لا يزيد الاتقان على الضبط سوى إشعاره لمزيد الضبط وصنيع ابن أبي حاتم يشعر به، فإنه قال: إذا قيل للواحد: إنه ثقة أو متقن ثبت، فهو ممن يحتج بحديثه، حيث أردف المتقن "ثبت" المقتضى للعدالة.

قال: وكلام الأئمة يقتضي أن الحجة أقوى من الثقة، ولهذه النكتة قدمها الخطيب حيث قال: أرفع العبارات أن يقال: حجة أو ثقة.

قال: ثم إن ما تقدم في أن الوصف بالضبط والحفظ وكذا الإِتقان لا بد أن يكون في عدل، هو حيث لم يصرح ذلك الإِمام به، إذ لو صرح به كان أعلى ولذا أدرج شيخنا "عدلًا ضابطًا" في التي قبلها. فتح المغيث 1/ 337 - 338؛ توضيح الأفكار 2/ 264؛ الجرح والتعديل 2/ 37؛ الكفاية، ص 22.

(2)

وهي الثالثة بالنسبة لما ذكره الذهبي وتبعه فيه العراقي، والرابعة بالنسبة لما ذكره الحافظ ابن حجر والخامسة بالنسبة لما ذكره السخاوي عن بعض الناس.

(3)

قال العراقي: سوى ابن أبي حاتم بين قولهم: صدوق، وبين قولهم: محله الصدق، فجعلهما في درجة وتبعه المصنف، وجعل صاحب الميزان قولهم: محله الصدق في الدرجة التي تلي قولهم: صدوق.

وقال البقاعي: لأن "صدوق" وصف بالصدق على طريق المبالغة وأما محله الصدق فدالة على أن صاحبها محله ومرتبته مطلق الصدق. =

ص: 322

أو لا بأس (1) به، قال ابن أبي حاتم: فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية (2). وهو كما قال، لأنّ هذه العبارات لا تشعر بالضبط، فينظر في حديثه، ويختبر حتى يعرف ضبطه (3). وقد تقدم بيان الاعتبار (4).

وجاء عن عبد (5) الرحمن بن مهدي إمام الفن أنه قال: حدثنا أبو خلدة (6).

= التقييد والإِيضاح، ص 58، التبصرة والتذكرة 2/ 4، مقدمة الميزان 1/ 4، النكت الوفية (235/ ألف)، فتح المغيث 1/ 338، التدريب 1/ 344، توضيح الأفكار 2/ 265.

(1)

زاد الذهبي في ألفاظ هذه المرتبة: ليس به بأس. والعراقي: مأمون وخيار الخلق. قال السخاوي: إنّ الوصف بصالح الحديث والصدوق عند ابن مهدي سواء. وقال البقاعي بعد بيان الفرق بين صدوق ومحله الصدق: لا يقال: فحينئذ يكون لا بأس به أعلى من ليس به بأس، لأنها أعرف منها في النفي، لأنه يقال: إنّ "بأس" في الأخرى نكرة في سياق النفي فتعم، وليس بينهما كبير فرق في العبارة انتهى.

مقدمة الميزان 1/ 4، التبصرة والتذكرة 2/ 4، فتح المغيث 1/ 339، النكت الوفية (235/ ألف) توضيح الأفكار 2/ 265.

(2)

الجرح والتعديل 2/ 37.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 110، التدريب 1/ 343، توضيح الأفكار 2/ 265.

(4)

113.

(5)

هو الحافظ الكبير الإِمام العلم الشهير اللؤلؤي أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي بن حسان البصري، ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. قال ابن المديني: لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني لم أر مثله. مات سنة ثمان وتسعين ومائة.

تذكرة الحفاظ 1/ 329، شذرات الذهب 1/ 355.

(6)

هو خالد بن دينار التميمي السعدي، أبو خلدة بفتح المعجمة وسكون اللام مشهور بكنيته، البصري الخياط، صدوق من الخامسة. روى له البخاري، وأبو داود والترمذي والنسائي.

التقريب 1/ 213، الجرح والتعديل 3/ 327.

ص: 323

فقيل (أ): كان ثقة فقال: كان صدوقًا، وكان مأمونًا، وكان خيرًا، الثقة شعبة وسفيان (1).

وقال يحيى بن معين: إذا قلت: فلان لا بأس به، فهو ثقة (2).

(أ) في (5): فقيل له.

(1)

انظر: قوله هذا مسندًا في كتاب الجرح والتعديل 2/ 37؛ وفي ترجمته 3/ 328؛ وفي الكفاية، ص 22؛ وبدون إسناد في مقدمة ابن الصلاح، ص 111؛ وتهذيب التهذيب 3/ 88.

ذكر ابن الصلاح هذا القول استدلالًا على أن كلمة: ثقة، فوق كلمة: صدوق، مرتبة وهي دونها.

قال المعلمي: إن كلمة ابن مهدي بظاهرها منتقدة من وجهين.

الأول: أنه وكافة الأئمة قبله وبعده يطلقون كلمة "ثقة"، على العدل الضابط وإن كان دون شعبة وسفيان بكثير.

الثاني: أن أبا خلدة قد قال فيه يزيد بن زريعُ النسائي وابن سعد والعجلي والدارقطني: ثقة. وقال ابن عبد البر: هو ثقة عند جميعهم وكلام ابن مهدي لا معنى له في اختيار الألفاظ.

وأصل القصة أن ابن مهدي كان يحدث، فقال: حدثنا أبو خلدة - فقال له رجل: كان ثقة؟ فأجاب ابن مهدي بما مر. فيظهر لي أن السائل فخّم كلمة "ثقة" ورفع يده وشدها بحيث فهم ابن مهدي أنه يريد أعلى الدرجات فأجابه بحسب ذلك، فقوله: الثقة شعبة وسفيان. أراد به الثقة الكامل الذي هو أعلى الدرجات، وذلك لا ينفي أن يقال فيمن دون شعبة وسفيان: ثقة. على المعنى المعروف. وهذا بحمد الله ظاهر وإن لم أر من نبه عليه. انتهى. التنكيل 1/ 72.

(2)

روى الخطيب هذا القول مسندًا إلى أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين. الكفاية، ص 22.

ص: 324

وهذا الذي (أ) قاله يحيى عن نفسه، لا يقاوم ما نقله ابن أبي حاتم عن أهل الفن (1).

(أ) في (ك): لفظ: الذي. ساقط.

(1)

قاله ابن الصلاح ووافقه عليه أكثر أهل كتب المصطلح.

انظر: المقدمة، ص 111؛ فتح المغيث 1/ 341؛ التدريب 1/ 344؛ توضيح الأفكار 2/ 267.

وأجاب الزين بغير هذا قائلًا: ولم يقل ابن معين: إن قولي: ليس به بأس كقولي ثقة، حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين، إنما قال: إن من قال فيه هذا، فهو ثقة، وللثقة مراتب، فالتعبير عنه بقولهم: ثقة أرفع من التعبير عنه بأنه لا بأس به، وإن اشتركا في مطلق الثقة انتهى.

قال السخاوي: ويتأيد بأن المحدثين قد يطلقون الوصف بالثقة على من كان مقبولًا ولو لم يكن ضابطًا، فقول ابن معين هنا يتمشى عليه انتهى.

وقال أحمد نور سيف: والذي تتبع استعمال يحيى بن معين لهذين اللفظين في نقده للرجال وإطلاقه هذا اللفظ تارة، واللفظ الآخر تارة أخرى والجمع بينهما أحيانًا، يتأكد له ما نقله ابن أبي خيثمة عن يحيى وقد تتبعت هذين اللفظين في نقد ابن معين للرجال فوجدت أن مدلول هذين اللفظين عنده واحد، فهو يطلق على الرجل الواحد تارة قوله: ثقة، وتارة: ليس به بأس، ويجمع بينهما أحيانًا، ومن الغريب أنه استعمل هذه العبارات الثلاث في ترجمة واحدة في ترجمة حماد بن دليل فقال في النص (رقم 4856): ليس به بأس، وهو ثقة، وقال في النص (رقم 4883) ليس به بأس، وقال في النص (رقم 5006): ثقة. قد ذكر أحمد نور سيف تراجم كثيرين من الرواة الذين مشى ابن معين في تراجمهم على هذا النمط، وأخيرًا قال: وهذا ما يقطع بأنه يراهما في درجة واحدة عنده. انتهى.

قلت وعليه يدل كلام المعلمي رحمه الله أيضًا. التبصرة والتذكرة 2/ 7؛ فتح المغيث 1/ 341؛ تاريخ يحيى بن معين 1/ 113؛ التنكيل 1/ 69.

ص: 325

الثالثة (1): إذا قيل: شيخ (2)، قال ابن أبي حاتم: فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه (3).

الرابعة (4): إذا قيل: صالح (5) الحديث، قال ابن أبي حاتم:

(1) وهي الرابعة بالنسبة لما ذكره الذهبي ومشى عليه العراقي والخامسة بالنسبة لما ذكره ابن حجر، والسادسة بالنسبة لما ذكره السخاوي عن بعض الناس.

(2)

زاد الذهبي في ألفاظ هذه المرتبة محله الصدق وجيد الحديث وصالح الحديث - وهو الذي ذكره ابن الصلاح بعد هذه المرتبة، وشيخ وسط وحسن الحديث وصدوق إن شاء الله وصويلح ونحو ذلك.

وزاد العراقي في ألفاظ هذه المرتبة: جيد الحديث والي الصدق ما هو وأرجو أنه ليس به بأس وروى عنه الناس ومقارب الحديث وسيأتي تحقيقه، مع أن ابن الصلاح ذكر الأخيرين في التي بعدها وقد بينت سبب تقديم العراقي لهما. وزاد ابن حجر في ألفاظ هذه المرتبة: صدوق سيء الحفظ وصدوق يهم أوله أوهام أو صدوق يخطئ، وتغير بآخرة ومن رمى ببدعة كالتشيع والقدر والنصب والأرجاء والتجهم مع بيان الداعية من غيره.

وزاد السخاوي في ألفاظ هذه المرتبة: يعتبر بحديثه: أي في المتابعات والشواهد - ويكتب حديثه وما أقرب حديثه.

انظر: مقدمة ميزان الاعتدال 1/ 4؛ التبصرة والتذكرة 2/ 5؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 114؛ تقريب التهذيب 1/ 4؛ فتح المغيث 1/ 339؛ النكت الوفية (233/ أ) و (235/ أ).

(3)

كتاب الجرح والتعديل 2/ 37.

(4)

وهي السادسة بالنسبة لما ذكره ابن حجر وأدخل الذهبي والعراقي والسخاوي هذه المرتبة في التي قبلها كما تقدم.

(5)

زاد ابن الصلاح في هذه المرتبة مما لم يرتبه كما قال العراقي أربعة ألفاظ وهي: روى الناس عنه وفلان وسط وفلان ما أعلم به بأسًا - وهو دون لا بأس به كما صرح به ابن الصلاح وفلان مقارب الحديث. وزاد فيها ابن حجر: مقبول.

قال العراقي: إن أرجو أن لا بأس به أرفع مما أعلم به بأسًا، لأنه لا يلزم من عدم العلم بالشيء حصول الرجاء به. قال السخاوي: وكأن العراقي بالنظر =

ص: 326

يكتب حديثه للاعتبار (1).

= لذلك قال: مراتب التعديل على أربع أو خمس. انتهى. مقدمة ابن الصلاح، ص 114؛ التقييد والإِيضاح، ص 161؛ تقريب التهذيب 1/ 5؛ التبصرة والتذكرة 2/ 6؛ فتح المغيث 1/ 340.

(1)

قال السخاوي: إن الحكم في أهل هذه المراتب الاحتجاج بالأربعة الأولى منها - أي عند السخاوي - وأما التي بعدها - وهي الدرجة الثانية عند الرازي وابن الصلاح - فإنه لا يحتج بأحد من أهلها لكون ألفاظها لا تشعر بشريطة الضبط بل يكتب حديثهم ويختبر. وأما السادسة أي الثالثة وما بعدها على ترتيب الرازي وابن الصلاح فالحكم في أهلها دون أهل التي قبلها، وفي بعضهم من يكتب حديثه للاعتبار دون اختبار ضبطهم لوضوح أمرهم فيه. قال: وإلى هذا أشار الذهبي بقوله: إن قولهم: ثبت وحجة وإمام وثقة ومتقن من عبارات التعديل التي لا نزاع فيها وأما صدوق وما بعده فمختلف فيها بين الحفاظ هل هي توثيق أو تليين وبكل حال فهي منخفضة عن كمال رتبة التوثيق ومرتفعة عن رتب التجريح. انتهى.

قال الدكتور نور الدين عتر معلقًا على كلام السخاوي: وهذا اتفاق منهم على أن كلمة "صدوق" لا يحتج بمن قيلت فيه إلا بعد الاختبار والنظر ليعلم هل ضبط الحديث أم لا؟

وذلك يرد ما زعمه بعض الناس، من أن من قيلت فيه يكون حديثه حجة من الحسن لذاته دون أن يقيده بأن ينظر فيه. انتهى.

وقد كتب الدكتور أحمد نور سيف مقالة طويلة يطول ذكرها وأذكر منها قطعة، قال: لو رجعنا إلى ما قرره الأستاذ عتر والي ما اعترض به على من قال عنهم: بعض الناس. لوجدنا أن كلام كلا الطرفين فيه نظر إذ يحتاج إلى بيان الغاية التي يلجأ فيها إلى الاختبار والنظر. فإن أراد هؤلاء الذين قال عنهم: بعض الناس. إن حديث الصدوق يؤخذ ويحتج به كالاحتجاج بحديث الثقات، فإن ذلك غير مُسلَّم.

وكذلك رأى الأستاذ العتر إن أراد به أن حديث الصدوق يعامل معاملة غيره ممن انحط عن هذه الدرجة فتلتمس طرِق أخرى تعضده كما تعضد غيره ليصلح للاحتجاج فإن ذلك أيضًا غير مُسلَّم كما اتضح آنفًا وكما يشهد له كلام =

ص: 327

وأما ألفاظ الجرح، فعلى مراتب (1):

= السخاوي. إذ يحتاج حديث الصدوق إلى التأكد فقط من ملازمة هذه الصفة بأن سلم من المخالفة والشذوذ واتضح أن ضبطه كالمعهود منه ولم ينزل عنه.

أما من كان في منزلة تالية، فإن الضعف فيه قائم يفتقر إلى ما يعضده ويقويه ولذا يتحتم البحث له عن متابعات وشواهد تجعله صالحًا للاحتجاج وشتان ما بين الحالتين إلى آخر ما قال. انتهى.

قلت: وفي كل ما تقدم نظر ظاهر، والصحيح ما قاله أحمد شاكر رحمه الله بعد أن ذكر مراتب التعديل عند ابن حجر: والدرجات من بعد الصحابة فما كان من الثانية والثالثة فحديثه صحيح من الدرجات الأولى وغالبه في الصحيحين، وما كان من الدرجة الرابعة - أي من قيل فيه صدوق فحديثه صحيح من الدرجة الثانية وهو الذي يحسنه الترمذي ويسكت عليه أبو داود. وما بعدها فمن المردود، إلا إذا تعددت طرقه مما كان من الدرجة الخامسة والسادسة فيتقوى بذلك ويصير حسنًا لغيره، وما كان من السابعة إلى آخرها فضعيف على اختلاف درجات الضعف، من المنكر إلى الموضوع انتهى.

ويدل على صحة قول أحمد شاكر رحمه الله صنيع المحدثين المؤرخين فإنَّ من ألَّفوا في الثقات يدرجون في كتبهم من وصف بالصدوق أو لا بأس به مع ألفاظ التوثيق مما يشير إلى أن أحاديث هذا المصنف في درجة الاحتجاج وليست في حاجة إلى ما يعضدها من متابعات وشواهد. فمثلًا ابن شاهين يقول: في كتاب الثقات، ص 28؛ خليف بن خليفة: صدوق. وص 56 عمر بن نبيه لم يكن به بأس وص 28، خليد بن جعفر لا بأس به وص 27 خالد بن الحارث صدوق. وإلى غير ذلك من الصفحات والتراجم. وإليه ذهب الذهبي رحمه الله.

فتح المغيث 1/ 340؛ منهج النقد في علم الحديث، ص 101؛ مقالة مطبوعة في مجلة البحث العلمي من ص 53 - 62؛ الباعث الحثيث، ص 190؛ كتاب الثقات، ص 27، 28، 56، مخطوط؛ الموقظة (9/ ب).

(1)

أي أربع على ما ذكره ابن الصلاح والمصنف تبعًا لابن أبي حاتم، وخمس حسبما ذكره العراقي تبعًا للذهبي وست بالنسبة لما ذكره السخاوي تبعًا لشيخه ابن حجر، وسيقت أيضًا كالتي قبلها في الترقي من الأدق إلى الأعلى وهو الأنسب

ص: 328

فإذا قالوا: لين الحديث (1): قال ابن أبي (أ) حاتم: فهو ممن يكتب وينظر اعتبارًا (2).

وقال الدارقطني: إذا قلت: لين. فلا يكون ساقطًا ولكن مجروحًا بشيء لا يسقط عن العدالة (3).

(أ) في (هـ): أبو حاتم. فقط.

= لتكون مراتب القمسين كلها منخرطة في سلك واحد بحيث يكون أولها الأعلى من التعديل، وآخرها الأعلى من التجريح. مقدمة ابن الصلاح، ص 112؛ كتاب الجرح والتعديل 2/ 37؛ المقنع، ص 197؛ التبصرة والتذكرة 2/ 10؛ التقييد والإِيضاح، ص 162؛ فتح المغيث 1/ 343؛ نزهة النظر، ص 69.

(1)

هذه المرتبة الأولى من المراتب الست. وزاد فيها ابن الصلاح: ليس بذاك القوي، فيه ضعف، في حديثه ضعف. وزاد فيها الذهبي: يضعف قد ضعف، ليس بالقوي ليس بحجة يعرف وينكر، فيه مقال، تكلم فيه، سيء الحفظ، لا يحتج به، اختلف فيه، صدوق لكنه مبتدع. وزاد فيها العراقي: ليس بالمتين، ليس بعمدة، ليس بالمرضي، للضعف ما هو، فيه خلف، طعنوا فيه، مطعون فيه، فيه لين، فيه مقال، وزاد فيه ابن حجر: مستور، مجهول الحال. وزاد عليها السخاوي: فيه أدنى مقال، ضعيف، ليس بمأمون ليس يحمدون، ليس بالحافظ غيره أوثق منه، فيه شيء فيه جهالة لا أدري ما هو، ضعفوه، سكتوا عنه أو فيه نظر عند غير البخاري، نزكوه ليس من ابل القباب، ليس من جمال المحامل، ليس من جمازات الحامل. مقدمة ابن الصلاح، ص 114؛ مقدمة الميزان 1/ 4؛ التبصرة والتذكرة 2/ 12؛ التقييد والإِيضاح، ص 162؛ التقريب 1/ 5؛ فتح المغيث 1/ 345.

(2)

كتاب الجرح والتعديل 2/ 37.

(3)

انظر: قول الدارقطني مسندًا في الكفاية، ص 23؛ وذكره ابن الصلاح تقوية لقول ابن أبي حاتم: إذا قالوا لين الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارًا.

ص: 329

قال ابن أبي حاتم: فإن قالوا: ليس (1) بقوي. فهو بمنزلة الأول في كتب حديثه، إلا أنه دونه (2). قال: فإن قالوا (أ): ضعيف (3) الحديث. فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل يعتبر به (4). قال: فإن قالوا: متروك (5)

(أ) في (هـ): فهو ضعيف الحديث.

(1)

هذه المرتبة الثانية، وزاد فيها ابن الصلاح: لا يحتج به، مضطرب الحديث وزاد فيها الذهبي: واه بمرة، ليس بشيء، ضعيف جدًا، ضعفوه ضعيف، واه، منكر الحديث، وزاد العراقي: حديثه منكر.

وقال ابن حجر: من لم يوجد فيه توثيق لمعتبر ووجد فيه إطلاق الضعف ولو لم يفسر، ضعيف. وزاد فيها السخاوي: له ما ينكر، له مناكير.

مقدمة ابن الصلاح، ص 114؛ التقييد والإِيضاح، ص 161؛ مقدمة الميزان 1/ 4؛ التقييد والإِيضاح، ص 12؛ التقريب 1/ 5؛ فتح المغيث 1/ 345؛ التدريب 1/ 346؛ توضيح الأفكار 2/ 270.

(2)

انظر: الهامش رقم 2، ص 329.

(3)

هذه المرتبة الثالثة مما ذكره ابن أبي حاتم، وزاد فيها ابن الصلاح: فلان مجهول. وزاد الذهبي: متروك، ليس بثقة، سكتوا عنه، ذاهب الحديث، فيه نظر، هالك، ساقط.

وزاد العراقي: رد حديثه، ردوا حديثه، مردود الحديث، ضعيف جدًا واه بمرة، طرحوا حديثه، مطرح، مطرح الحديث، فلان ارم به، فلان لا يساوي شيئًا. وزاد ابن حجر: مجهول العين.

وزاد السخاوي: لا يكتب حديثه، لا يحل كتابة حديثه، لا تحل الرواية عنه تالف، الرواية عنه حرام، لا يساوي فلسًا. مقدمة ابن الصلاح، ص 114؛ التقييد والإِيضاح، ص 161؛ مقدمة الميزان 1/ 4؛ التبصرة والتذكرة 2/ 11؛ التقريب 1/ 5؛ فتح المغيث 1/ 345.

(4)

كتاب الجرح والتعديل 2/ 37.

(5)

هذه المرتبة الرابعة مما ذكره ابن أبي حاتم، وزاد فيها الذهبي: متهم بالكذب، متفق على تركه. =

ص: 330

الحديث، أو ذاهب الحديث، أو كذاب (1)، فهو ساقط لا يكتب حديثه (2). والله أعلم.

= وزاد العراقي: فلان متهم بالوضع، فلان ساقط، فلان هالك، فلان ذاهب متروك، تركوه، فيه نظر، سكتوا عنه هاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه. لا يعتبر بحديثه، لا يعتبر به، ليس بالثقة، ليس بثقة ولا مأمون، وزاد ابن حجر: واهي الحديث. وزاد السخاوي: فلان يسرق الحديث، غير ثقة، مجمع على تركه، مود بتخفيف الدال أي هالك، وهو على يدي عدل. مقدمة الميزان 1/ 4؛ التبصرة والتذكرة 2/ 11؛ التقييد والإِيضاح، ص 163؛ التقريب 1/ 5؛ فتح المغيث 1/ 244؛ التدريب 1/ 346؛ توضيح الأفكار 2/ 269.

(1)

قال العراقي: أدخل ابن أبي حاتم والخطيب بعض ألفاظ المرتبة الثانية (أي الخامسة بالنسبة لما ذكرته) في هذه، وفرقت بينها تبعًا لصاحب الميزان. انتهى. التبصرة والتذكرة 2/ 11؛ توضيح الأفكار 2/ 269، يقصد العراقي ببعض الألفاظ كلمة "كذاب" فإنه وضعها في المرتبة الرابعة إجمالًا وإلا فهي مرتبتان دخلت بعضها في بعض، فالمراتب عنده أيضًا خمس وإنما ذكرها مرة واحدة نظرًا إلى الحكم عليها.

وزاد الذهبي في هذه المرتبة الخامسة: دجال، وضاع، يضع الحديث.

وزاد العراقي: يكذب، وضع حديثًا. وزاد ابن حجر: من اتهم بالكذب متهم، متهم بالكذب، وزاد السخاوي: آفته فلان، فلان له بلايا، وكذلك ليس بشيء يساوي الكذب عند الشافعي، مقدمة الميزان 1/ 4؛ التبصرة والتذكرة 2/ 11؛ التقريب 1/ 5؛ فتح المغيث 1/ 345؛ التدريب 1/ 347؛ توضيح الأفكار 2/ 269.

ولابن حجر مرتبة سادسة ووافقه عليه تلميذه السخاوي وجعل ألفاظها في مقدمة التقريب: من أطلق عليه اسم الكذب، والوضع، وفي النزهة: أكذب الناس، إليه المنتهى في الوضع، ركن الكذب، وفي فتح المغيث منبع الكذب، معدن الكذب. التقريب 1/ 5؛ نزهة النظر، ص 69؛ فتح المغيث 1/ 343.

(2)

الحكم في المرتبة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة أنه لا يحتج بواحد من أهلها ولا يستشهد به ولا يعتبر به، وأما ما عدا الأربع فيخرج حديثه للاعتبار، لإِشعار هذه الصيغ بصلاحية المتصف بها لذلك وعدم منافاتها لها. إلا منكر الحديث عند =

ص: 331

ومن ألفاظهم (1): فلان قد روى عنه الناس، وسط مقارب (أ)(2)

(أ) في هامش (ك): يقال: مقارب، بكسر الراء ويجوز فيها الفتح في لغة غريبة.

= البخاري رحمه الله فهو يقول: كل من قلت فيه: منكر الحديث - يعني الذي أدرج في الثانية لا يحتج به. وفي رواية لا تحل الرواية عنه. التبصرة والتذكرة 2/ 11 - 12 فتح المغيث 1/ 346؛ توضيح الأفكار 2/ 270.

وقد ذكرت في توضيح الأفكار بعد بيان الحكم المذكور فوائد مهمة يطول ذكرها، فراجعها فإنها فوائد ذات قيمة علمية.

(1)

قال العراقي: ذكر ابن الصلاح هنا ألفاظًا للتوثيق وألفاظًا للتجريح لم يميز بينها من أي منزلة هي، وإذا كان كذلك فقد رأيت أن أذكر كل لفظ منها من أي رتبة هو لتعرف منزلة الراوي به، فأقول: الألفاظ التي هي للتوثيق من هذه الألفاظ التي جمع المصنف بينها أربعة ألفاظ وهي قولهم: فلان روى عنه الناس وفلان وسط وفلان مقارب الحديث وفلان ما أعلم به بأسًا. وهذه الألفاظ الأربعة من الرتبة الرابعة (أي السادسة بالنسبة لما ذكرته).

قال: وأما بقية الألفاظ التي ذكرها هنا فإنها من ألفاظ الجرح، وهي سبعة ألفاظ:

فمن المرتبة الأولى وهي ألين ألفاظ الجرح، قولهم: فلان ليس بذاك وفلان ليس بذاك القوي، وفلان فيه ضعف، وفلان في حديثه ضعف.

ومن الدرجة الثانية وهي أشد في الجرح من التي قبلها قوله: فلان لا يحتج به، فلان مضطرب الحديث.

ومن الدرجة الثالثة وهي أشد من اللتين قبلها قوله: فلان لا شيء. فهذا ما ذكره المصنف هنا مهملًا. التقييد والإِيضاح، ص 161.

(2)

قال السخاوي: مقارب الحديث. من القرب ضد البعد وهو بكسر الراء كما ضبط في الأصول الصحيحة المسموعة على ابن الصلاح، وبفتح الراء، أي حديثه يقاربه حديث غيره، فهو على المعتمد بالكسر والفتح وسط لا ينتهي إلى درجة السقوط ولا الجلالة، وهو نوع مدح وممن ضبطها بالوجهين ابن العربي وابن دحية، والبطليوسي وابن رشيد في رحلته، قال: ومعناها: يقارب الناس في حديثه ويقاربونه، أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر، قال: ومما يدلك على أن =

ص: 332

الحديث، مضطرب (أ)، لا يحتج به، مجهول (1)، لا شيء، ليس بذاك ليس بذاك القوي، فيه أو في حديثه ضعف، ما أعلم به بأسًا. ويستدل على معانيها بما تقدم. والله أعلم.

(أ) في (ك): مضطرب به.

= مرادهم بهذا اللفظ هذا المعنى ما قاله الترمذي في آخر باب من فضائل الجهاد من جامعه، وقد جرى له ذكر إسماعيل بن رافع، فقال: ضعفه بعض أهل الحديث وسمعت محمدًا يعني البخاري يقول: هو ثقة مقارب الحديث.

وقال في باب ما جاء من أذن فهو يقيم: والافريقي يعني عبد الرحمن ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره وقال أحمد: لا أكتب عنه، قال الترمذي: ورأيت البخاري يقوى أمره ويقول: هو مقارب الحديث.

فانظر: إلى قول الترمذي: إن قوله: مقارب الحديث تقوية لأمره. تفهمه فإنه من المهم الخافي الذي أوضحناه انتهى. فتح المغيث 1/ 339؛ مقدمة تحفة الأحوذي، ص 195؛ رحلة ابن رشيد 3/ 420؛ سنن الترمذي 4/ 189، تحت (ح رقم 16066، و 1/ 384، تحت (ح رقم 199)؛ التقييد والإِيضاح، ص 162؛ محاسن الاصطلاح، ص 240؛ النكت الوفية (235/ أ)؛ تدريب 1/ 349.

(1)

قال محمد بن إبراهيم الوزير: لم يذكر زين الدين المجهول في مراتب التجريح وإن كان قد ذكره فيمن يرد حديثه، ولا بد من ذكره فيها، فإما أن يجعل مرتبة منفردة أو يلحق بأهل الثالثة لأنه عند أهل الحديث ممن لا يقبل حديثه. توضيح الأفكار 2/ 274.

ص: 333

النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه

يصح التحمل قبل الأهلية، فيقبل رواية من تحمل قبل الإِسلام وروى بعده (1)، ومن سمع قبل البلوغ فروى (أ) بعده (2).

(أ) في (ص): وروى. وكذا في (هـ).

(1)

نحو رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بدر قبل أن يسلم فسمعه حينئذ يقرأ في المغرب بالطور، قال جبير: وذلك أول ما وقر الإِيمان في قلبي. ثم أدى هذه السنة بعد إسلامه، وحملت عنه.

ونحوه تحديث أبي سفيان بقصة هرقل، التي كانت قبل إسلامه. وهاتان الروايتان موجودتان في البخاري.

قال الخطيب: قد ثبت روايات كثيرة لغير واحد من الصحابة كانوا حفظوها قبل إسلامهم وأدوها بعده. وادعى السخاوي عليه الانفاق وقال: ومن هنا أثبت أهل الحديث في الطباق اسم من يتفق حضوره مجالس الحديث من الكفار رجاء أن يسلم ويؤدي ما سمعه كما فعله المزي وكذلك وقع في زمن التقى ابن تيمية. صحيح البخاري مع الفتح 2/ 248، و 1/ 31؛ الكفاية، ص 76؛ فتح المغيث 2/ 4.

(2)

الإِلماع مقدمة ابن الصلاح، ص 114؛ التبصرة والتذكرة 2/ 15؛ فتح المغيث 2/ 5؛ التدريب 2/ 4.

وقال البلقيني: شذ قوم فجوزوا رواية الصبي قبل بلوغه، وهو وجه عند الشافعية، محاسن الاصطلاح، ص 241.

ص: 334

ومنع الثاني: قوم (1) فأخطأوا لأن الناس قبلوا روايات الحسن (2) والحسين وابن عباس وابن الزبير والنعمان (3) بن بشير وأشباههم (4)، ولم يزل الناس يسمعون الصغار ويعتدون برواياتهم (5). والله أعلم.

(1) منهم عبد الله بن مبارك، وأبو منصور محمد بن المنذر بن محمد المراكشي الفقيه الشافعي وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي كما ذكرهم السخاوي في فتح المغيث 2/ 5، 6؛ محاسن الاصطلاح، ص 241.

(2)

هو سبط الرسول صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه مات شهيدًا بالسم، سنة تسع وأربعين وهو ابن سبع وأربعين، وقيل: مات سنة خمسين وقيل: بعدها. الإِصابة 1/ 328؛ كتاب فضائل الصحابة 2/ 766 - 789.

(3)

هو الصحابي الصغير النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي له ولأبويه صحبة، سكن الشام، ثم ولي إمرة الكوفة، ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة. الإِصابة 3/ 559؛ الاستيعاب 3/ 550.

(4)

ومات عبد الرزاق وللدبري ست سنين أو سبع ثم روى عامة كتبه ونقلها الناس عنه، وكذا سمع القاضي أبو عمر الهاشمي السنن لأبي داود من اللؤلؤي وله خمس سنين واعتد الناس سماعه وحملوه عنه.

وقال أبو عاصم: ذهبت بابني إلى ابن جريج وسنه أقل من ثلاث سنين فحدثه.

قال السخاوي: كفى ببعض هذا متمسكًا في الرد فضلًا عن مجموعه. فتح المغيث 2/ 7؛ فتح الباقي 2/ 17؛ ميزان الاعتدال 1/ 181.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 115؛ التبصرة والتذكرة 2/ 18؛ المقنع 1/ 200؛ فتح المغيث 2/ 7؛ النكت الوفية (240/ أ)؛ التدريب 2/ 4؛ فتح الباقي 2/ 16، وقال: وهذا بالنظر لصحة السماع مع قطع النظر عن كون السامع طلب الحديث بنفسه أو بغيره. أما طلب الحديث بنفسه وكتابته وزاد السخاوي: والرحلة فيه فهو في العشرين، ثم ذكر باقي الأقوال الآتية.

ص: 335

قال أبو عبد الله (1) الزبيري: يستحب كتب الحديث بعد عشرين سنة (2).

(وعن (أ) سفيان الثوري قال: كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين سنة) (3).

وقال موسى (4) بن هارون: أهل البصرة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة (ب) لعشرين (ج) وأهل الشام لثلاثين (5).

(أ) ما بين المعقوفين، ساقط من (هـ).

(ب) في (ك): زيادة: يكتبون. بعد الكوفة.

(ج) في (ت): زيادة سنة، بعد: لعشرين. وحذفها موافق لباقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(1)

هو الإِمام الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله الزبيري البصري الشافعي قدم بغداد وحدث بها. وكان ثقة صحيح الرواية ضريرًا. توفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة. تاريخ بغداد 8/ 471؛ طبقات الشافعية 2/ 224.

(2)

المحدث الفاصل، ص 187؛ الكفاية، ص 54؛ الالماع، ص 35.

(3)

المحدث الفاصل، ص 187؛ الكفاية، ص 54، مسندًا قال السخاوي: وبه قال أبو الأحوص؛ فتح المغيث 2/ 8.

(4)

هو الحافظ الحجة أبو عمران موسى بن هارون بن عبد الله بن مروان البزاز المعروف والده بالحمال، كان محدث العراق في وقته وكان أحد المشهورين بالحفظ والثقة ومعرفة الرجال، مات سنة أربع وتسعين ومائتين. تاريخ بغداد 13/ 5؛ تذكرة الحفاظ 2/ 669.

(5)

انظر: هذا الخبر مسندًا في المحدث الفاصل، ص 187؛ والكفاية، ص 55؛ والالماع، ص 65، وقال في ص 66، سمعت بعض شيوخ العلم يقول: الرواية من العشرين والدراية من الأربعين. انتهى.

وقال الخطيب: قل من كان يكتب الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريبًا منه إلا من جاوز حد البلوغ وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم. الكفاية، ص 54.

ص: 336

وهذا الذي قاله هؤلاء كان تلك الأزمان، وأما اليوم، فينبغي أن يبكر بإسماع الصغير في أول زمان يصح سماعه (1).

وأما الاشتغال بكتب الحديث وتقييده، فمن حين يتأهل لذلك ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص (2)، والله أعلم.

وأما أول زمان يصح (3) فيه سماع الصغير، فقال القاضي عياض (4) رحمه الله: حدد أهل الصنعة في ذلك خمس سنين (5). وهذا هو الذي

(1) قال ابن الملقن: إذ المقصود إبقاء سلسلة الإِسناد. المقنع 1/ 201؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 115؛ التبصرة والتذكرة 2/ 9؛ فتح المغيث 2/ 9؛ التدريب 2/ 5؛ فتح الباقي 2/ 19؛ توضيح الأفكار 2/ 294.

(2)

قال الرامهرمزي: ليس المعتبر في كنب الحديث البلوغ ولا غيره بل تعتبر فيه الحركة والنضاجة والتيقظ والضبط. وقال: لو كان السماع لا يصح إلا بعد العشرين لسقطت رواية كثير من أهل العلم سوى من هو في عداد الصحابة ممن حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير.

قال السخاوي: وهو الحق وليس المراد بالفهم والضبط أن يعرف الطالب علل الأحاديث واختلاف الروايات ولا أن يعقل المعاني واستنباطها إذ هذا ليس بشرط في الأداء فضلًا عن التحمل. مقدمة ابن الصلاح، ص 136؛ المحدث الفاصل، ص 186، 189؛ فتح المغيث 2/ 8؛ التبصرة والتذكرة 2/ 19؛ المقنع 1/ 201؛ نزهة النظر، ص 77؛ التدريب 2/ 5؛ فتح الباقي 2/ 19؛ توضيح الأفكار 2/ 286.

(3)

أي وفي تعيينه نزاع.

(4)

هو الإِمام العلامة عالم المغرب أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي الأندلسي، كان من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، صنف التصانيف البديعة التي سارت بها الركبان واشتهر اسمه وبعد صيته، توفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة. تذكرة الحفاظ 4/ 1305؛ وفيات الأعيان 3/ 483، أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض.

(5)

الالماع، ص 62؛ وذكر استدلالًا لهذا القول رواية البخاري في صحيحه بعد أن ترجم: متى يصح سماع الصغير؟ بإسناده عن محمود بن الربيع قال: عقلت من =

ص: 337

استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس سنين سمع ولمن دونها حضر أو أحضر (1)، والصواب أنه يعتبر كل صغير بحاله، فإن كان مرتفعًا عن حال من لا يعقل الخطاب ورد الجواب ونحو ذلك، صح سماعه وإن كان له دون خمس (أ). وإن (ب) لم يكن كذلك لم يصح سماعه، وإن كان ابن خمسين سنة (2).

(أ) في (هـ): خمس سنين.

(ب) في (هـ): فإن.

= النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو. قال القاضي عياض: وفي غير هذه الرواية وهو ابن أربع سنين. انتهى.

قال ابن حجر: ذكر القاضي عياض في الالماع وغيره أن في بعض الروايات أنه كان ابن أربع. ولم أقف على هذا صريحًا في شيء من الروايات بعد التتبع التام، إلا إن كان ذلك مأخوذًا من قول صاحب الاستيعاب: أنه عقل المجة وهو ابن أربع سنين أو خمس.

انظر: فتح الباري 1/ 172، 173؛ الاستيعاب 3/ 421.

قلت: هذا أحد الأقوال الخمسة في هذا الباب. والقول الثاني قال السخاوي: حكى السلفي عن الأكثرين صحة سماع من بلغ أربع سنين بحديث محمود، لكن بالنسبة للعربي خاصة، أما العجمي فإذا بلغ سبعًا. والقول الثالث مروي عن الإِمام أحمد أنه سئل عن سماع الصبي فقال: إن كان ابن عربي فابن سبع وإن كان ابن عجمي فإلى أن يفهم. ذكره السخاوي. والقول الرابع ذكره السخاوي منسوبًا إلى بعض الناس، أنه قيد السماع بالسبع مطلقًا. قال السخاوي وهو مروي عن الإِمام الشافعي فإنه سئل الإِجازة لولد وقيل: إنه ابن ست سنين، فقال: لا تجوز الإِجازة لمثله حتى يتم له سبع سنين. قال السخاوي: وإذا كان هذا في الإِجازة ففي السماع أولى. فتح المغيث 2/ 10.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 117؛ اختصار علوم الحديث، ص 108؛ المنهل الروي، ص 89؛ المقنع 1/ 202؛ التدريب 2/ 6.

(2)

هذا قول خامس من الأقوال المذكورة في تحديد زمن يصح فيه سماع الصغير، وهو قول أكثر أهل العلم. قال العراقي: ليس في حديث محمود سنة متبعة، =

ص: 338

و (أ) روى نحو (1) هذا عن الحافظين الناقدين موسى (2) بن هارون الحمال وأحمد (3) بن حنبل. والله أعلم.

(أ) كلمة: و. ساقطة من (ص) و (هـ).

= إذ لا يلزم منه أن يميز كل أحد تمييز محمود، بل قد ينقص عنه وقد يزيد ولا يلزم منه ألا يعقل مثل ذلك وسنه أقل من ذلك، ولا يلزم من عقل المجة أن يعقل غير ذلك مما يسمعه، وفي توضيح الأفكار: فالأمور العظيمة التي يعظم وقعها ويندر حصولها ربما حفظت في حال الصغر بخلاف الألفاظ. وقال القاضي عياض: ولعل المحدثين إنما رأوا أن هذا السن أقل ما يحصل به الضبط وعقل ما يسمع، وإلا فمرجوع ذلك للعادة، ورب بليد الطبع غبي الفطرة لا يضبط شيئًا فوق هذا السن، ونبيل الجبلة ذكي القريحة يعقل دون هذا السن. انتهى.

التبصرة والتذكرة 2/ 20؛ توضيح الأفكار 2/ 292؛ الالماع، ص 64؛ المنهل الروي، ص 89؛ اختصار علوم الحديث، ص 108؛ المقنع 1/ 202؛ نزهة النظر، ص 77؛ فتح الباري 1/ 173؛ التدريب 2/ 6؛ ولمزيد المعرفة والاطلاع راجع فتح المغيث 2/ 10 - 12.

(1)

إنما قال: نحوه، لأن القولين راجعان إلى اعتبار التمييز وليسا بقولين في أصل المسألة. خلافًا للعراقي حيث فهم ذلك فحكى فيه أربعة أقوال، قاله السيوطي. التدريب 2/ 7؛ التبصرة والتذكرة 2/ 21.

ولحل هذه المسألة راجع الباعث الحثيث، ص 108، 109؛ وحاشية توضح الأفكار 2/ 286 - 291.

(2)

ذكر الخطيب قوله مسندًا وقال: سئل موسى بن هارون: متى يسمع الصبي قال: إذا فرق بين الدابة والبقرة. ثم ساق هذا الخبر بسند آخر وفيه: إذا فرق بين البقرة والحمار. الكفاية، ص 65؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 116.

(3)

أسند الخطيب قول الإِمام وقال: سئل عن سماع الصغير متى يصح، قال: إذا عقل. وسئل عن إسحاق بن إسماعيل وقيل له: إنهم يذكرون أنه كان صغيرًا، فقال: قد يكون صغيرًا يضبط، قيل له: فالكبير وهو لا يعرف الحديث ولا يعقل؟ قال: إذا كتب الحديث فلا بأس أن يرويه.

قال الخطيب: أراد أبو عبد الله بذلك أن يكون الكبير يضبط كتابه غير أنه =

ص: 339

بيان أقسام طرق الحديث وتحمله، مجامعها ثمانية أقسام:

القسم الأول: السماع من لفظ الشيخ.

وينقسم إلى إملاء وتحديث من غير (1) إملاء ويكون من حفظه ويكون من كتابه، وهذا القسم أرفع (2) الأقسام عند الجماهير (3). قال

= لا يعرف علل الأحاديث واختلاف الروايات ولا يعقل المعاني واستنباطها فمثل هذا يكتب عنه لصدقه وصحة كتابه وثبوت سماعه. الكفاية، ص 62؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 116.

(1)

قال السخاوي: لكنه في الإِملاء أعلى لما يلزم منه من تحري الشيخ والطالب، إذ الشيخ مشتغل بالتحديث والطالب بالكتابة عنه فهما لذلك أبعد عن الغفلة وأقرب إلى التحقيق وتبيين الألفاظ مع جريان العادة بالمقابلة بعده انتهى. فتح المغيث 2/ 17؛ الإِلماع، ص 70.

(2)

قال السخاوي: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الناس ابتداء وأسمعهم ما جاء به، والتقرير على ما جرى بحضرته صلى الله عليه وسلم أو السؤال عنه مرتبة ثانية، فالأول أولى، وفيه أقوال أخر ولكن هذا هو المعتمد، وإن حصل اشتراكه مع غيره من أنواع التحديث في أصل العلو. قال: وما تقرر في أرجحية هذا القسم هو الأصل، وإلا فقد يعرض للفائق ما يجعله مفوقًا، كأن يكون المحدث لفظًا غير ماهر، كما وقع للإِمام السبكي مع شيخه أبي علي الحسن بن عمر الكردي فإن السبكي لقنه جميع الجزء الأول من حديث ابن السماك كلمة كلمة لكونه كان ثقيل السمع جدًا، قصدًا لتحقق سماعه بذلك.

وكما وقع لشيخنا مع ابن قوام في أخذ الموطأ رواية أبي مصعب لكونه أيضًا كان ثقيل السمع جدًا أنه هو وأصحابه كانوا يتناوبون القراءة عليه كلمة كلمة بصوت مرتفع كالأذان حتى زال الشك، مع قرائن كصلاة المسمع على النبي صلى الله عليه وسلم وترضية عن الصحابة ونحو ذلك.

انظر: فتح المغيث 2/ 16، 17.

(3)

انظر: الكفاية، ص 271، 274؛ والإِلماع، ص 99، وقال: ولم يره جماعة من الحجازيين أرفع، وسووا بينه وبين القراءة والعرض على العالم؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 118؛ والتقريب 2/ 8؛ والمنهل الروي، ص 90، وقال:

ص: 340

القاضي عياض: لا خلاف في هذا، أنه يجوز (1) أن يقول السامع منه إذا أراد روايته: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا، وسمعت فلانًا يقول، وقال لنا فلان وذكر لنا فلان (2).

قال (3) الخطيب أبو بكر: أرفع العبارات في ذلك سمعت (4) ثم

= وهو متفق على صحته. والمقنع 1/ 204؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 24؛ وفتح المغيث 2/ 16؛ وتوضيح الأفكار 2/ 397.

(1)

يعني لغة كما صرح به الخطيب حيث قال: كل هذه الألفاظ عند علماء اللسان عبارة عن التحديث مثل سمعت فلانًا قال: سمعت فلانًا وإنما الخلاف فيها بين علماء الشريعة في استعمالها من جهة العرف والعادة لا من جهة الحكم. الكفاية، ص 288؛ فتح المغيث 2/ 117.

قلت: هذا عند غير المغاربة أما المغاربة فكما قال القاضي عياض وسيأتي بعد قليل هذا من قول ابن حجر أيضًا. انظر: ص 342 رقم التعليق 2.

(2)

انظر: الإلماع، ص 69؛ التبصرة والتذكرة 2/ 24؛ المقنع 1/ 204؛ فتح المغيث 2/ 17.

قال ابن الصلاح: ينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصًا بما سمع من غير لفظ الشيخ أن لا يطلق فيما سمع من لفظ الشيخ لما فيه من الإِيهام والإِلباس. قال السخاوي: يعني حيث حصلت التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل وخص ما يلفظ به الشيخ بالتحديث وما سمع في العرض بالإِخبار وما كان إجازة مشافهة بالإِنباء، بل عدم الإِطلاق، كما أشار إليه العراقي مما يتأكد في أنبأنا بخصوصها بعد اشتهار استعمالها في الإِجازة، لأنه يؤدي إلى إسقاط المروي ممن لا يحتج بها. مقدمة ابن الصلاح، ص 118؛ فتح المغيث 2/ 18؛ التذكرة والتبصرة 2/ 25؛ التدريب 2/ 8.

(3)

الكفاية، ص 284.

(4)

قال الخطيب: وليس يكاد أحد يقول: سمعت في الإِجازة والمكاتبة ولا في تدليس ما لم يسمعه. بخلاف حدثنا فإن بعض أهل العلم كان يستعملها في الإِجازة. وقال الصنعاني: هذا في طريق الواحد وأما بطريق الجمع فيطرقه احتمال سماع أهل بلد هو فيهم. الكفاية، ص 284؛ توضيح الأفكار 2/ 297؛ فتح المغيث 2/ 18؛ التدريب 2/ 9.

ص: 341

حدثنا وحدثني (1) ثم يتلو ذلك (أ) أخبرنا (2)، وهو كثير في الاستعمال حتى أن جماعات كثيرين من المتقدمين الحفاط كانوا لا يكادون يخبرون عما سمعوه من لفظ الشيخ (إلا (ب) بأخبرنا (3)، وكان (ج) هذا (3) قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ) (4) ثم يتلو (5) أخبرنا، أنبأنا

(أ) في (ص) و (هـ): أخبرني وأخبرنا.

(ب) ما بين المعقوفين ساقط من (ص).

(ج) في (هـ) وكذا. بدل: وكان.

(1)

قال السخاوي وهي وإن لم يطرقها الاحتمال المشار إليه لا توازي سمعت لكون حدثني، كما قال شيخنا، قد تطلق في الاجازة. انتهى. فتح المغيث 2/ 19.

(2)

قال السخاوي: إلا أن الإِفراد أبعد عن تطرق الاحتمال، وقال ابن حجر: لا فرق بين التحديث والإخبار من حيث اللغة وفي ادعاء الفرق بينهما تكلف شديد، لكن لما تقرر الاصطلاح صار ذلك حقيقة عرفية فتقدم على الحقيقة اللغوية مع أن هذا الاصطلاح إنما شاع عند المشارقة ومن تبعهم وأما غالب المغاربة فلم يستعملوا هذا الاصطلاح، بل الإِخبار والتحديث عندهم بمعنى واحد. فتح المغيث 2/ 19؛ نزهة النظر، ص 63.

(3)

ذكر الخطيب بعد ذلك أسماء كثيرين الذين كانوا يخبرون عن سماعاتهم بأخبرنا، منهم ابن المبارك وحماد بن سلمة وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون وإسحاق بن راهويه.

قال السخاوي: كأنهم كانوا يرون ذلك أوسع، ويؤيده قول الخطيب: وإنما استعمل من استعمل "أخبرنا" ورعا ونزاهة لأمانتهم فلم يجعلوها للينها بمنزلة "حدثنا". فتح المغيث 2/ 20؛ الكفاية، ص 287؛ المحدث الفاصل، ص 518.

(4)

هذا قول ابن الصلاح. المقدمة، ص 120؛ التبصرة والتذكرة 2/ 27؛ فتح المغيث 2/ 20؛ التدريب 2/ 10.

(5)

الكفاية، ص 286؛ وفيه: قال أحمد بن صالح: أنبأنا وأخبرنا دون حدثنا.

ص: 342

ونبأنا وهو قليل في الاستعمال (1).

قال (2) الشيخ رحمه الله: حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة، لأنه ليس في "سمعت" دلالة على أن الشيخ روّاه الحديث (3) وخاطبه. وفي "حدثنا"(3) و"أخبرنا" دلالة عليه، وأما قوله: قال لنا (4) فلان أو ذكر لنا

(1) أي استعماله قليل فيما يسمع من لفظ الشيخ، وإنما يستعمل "الانباء" في الرواية بالاجازة لا بالسماع من لفظ الشيخ. فتح المغيث 2/ 20؛ توضيح الأفكار 2/ 297.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 120؛ فتح المغيث 2/ 20؛ التدريب 2/ 10.

(3)

وبه قال معتمر بن سليمان كما في الكفاية يقول: "سمعت" أسهل على من "حدثنا وأخبرنا وحدثني وأخبرني" لأن الرجل قد يسمع ولا يحدث انتهى.

وسأل الخطيب شيخه أبا بكر البرقاني عن السر في كونه يقول لهم فيما رواه عن أبي القاسم الأنبدوني: سمعت، ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا. فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عِسرًا في الرواية، فكان البرقاني يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ولا يعلم بحضوره، فيسمع منه ما يحدث به الشخص الداخل، فلذلك يقول: سمعت، ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده.

قال السخاوي: وهذا ظاهر في من قصد إفراد شخص بعينه أو جماعة معينين كما وقع للذي أمر بدق الهاون حتى لا يسمع حديثه من قعد على باب داره. ثم قال السخاوي: وعلى هذا، لو قال: سمعني بالتشديد حصل التساوي من هذه الحيثية، وثبت للسماع التفضيل مطلقًا. الكفاية، ص 288 - 287؛ فتح المغيث 2/ 21؛ التدريب 2/ 10.

(4)

قال: أبو عبد الله بن مندة في جزء له: إن البخاري حيث قال: قال لي فلان. فهو إجازة، وحيث قال: قال فلان. فهو تدليس. وهو كلام مردود عليه بقول: ابن حجر: واستقرينا ذلك فوجدناه في بعض ما قال فيه ذلك يصرح فيه بالتحديث في موضع آخر. انتهى. وقد مثل له السخاوي فانظره. النكت 2/ 601؛ فتح المغيث 2/ 22؛ النكت الوفية (243/ ب)؛ التدريب 2/ 11؛ توضيح الأفكار 2/ 297.

ص: 343

فلان، فهو من قبيل (1)"حدثنا فلان" غير أنه لائق بما سمع في المذاكرة وهو به أشبه من "حدثنا"(2) كما قدمناه (أ) في فصل (3) التعليق.

وأوضح العبارات في ذلك "قال فلان (4) " أو "ذكر فلان" من غير قوله لي أو لنا ونحوه (ب)، وهو مع هذا محمول على السماع إذا عرف لقاءه (5) كما تقدم في فصل العنعنة (6)، لا سيما إذا عرف من حاله أنه لا يقول "قال فلان" إلا فيما سمعه (7) منه. وخص الخطيب حمل (ج) ذلك على السماع بمن عرف هذا من حاله (8) والمحفوظ المعروف أنه ليس بشرط (9). والله أعلم.

(أ) في (هـ): ذكرناه.

(ب) في (هـ): أو نحوه.

(ج) في (هـ): جعل ذلك.

(1)

أي في الحكم لها بالاتصال مع الإِحاطة بتقديم الإِفراد على الجمع. فتح المغيث 2/ 22؛ التدريب 2/ 11.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 121؛ المقنع 1/ 207؛ التبصرة والتذكرة 2/ 28؛ التدريب 2/ 11.

(3)

ص 198.

(4)

انظر: الهامش رقم 4، ص 343.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 121؛ المقنع 1/ 207؛ التبصرة والتذكرة 2/ 28؛ فتح المغيث 2/ 23؛ التدريب 2/ 11.

(6)

أي بشرط أن يكون القائل سالمًا من التدليس. مقدمة ابن الصلاح، ص 56.

(7)

مقدمة ابن الصلاح، ص 121؛ الكفاية، ص 290؛ المقنع 1/ 207؛ التبصرة والتذكرة 2/ 28؛ فتح المغيث 2/ 23؛ التدريب 2/ 11.

(8)

الكفاية، ص 289؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 121؛ ومقدمة الفتح، ص 17.

(9)

مقدمة ابن الصلاح، ص 121، وأما البخاري فقد اختار ابن حجر في هذه الصيغة منه بخصوصه عدم اطراد حكم معين مع القول بصحته لجزمه به. مقدمة الفتح، ص 17؛ فتح المغيث 2/ 23. =

ص: 344

القسم الثاني: القراءة على الشيخ:

وأكثر المحدثين (1) يسمونها عرضًا، لكون القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه (أ) كعرض القرآن على المقرئ (2).

وسواء كنت أنت القارئ أو قرأ عندك وأنت تسمع، قرأت من كتاب أو من حفظك، وسواء حفظ الشيخ ما تقرأ أو لم يحفظه (3) لكن يمسك أصله هو أو ثقة (4) وهي رواية صحيحة بلا

(أ) في (هـ): ما يقرأ: بدون الضمير.

= (فائدة): قال السخاوي: وقع في الفتن من صحيح مسلم من طريق المعلى بن زياد، رده إلى معاوية بن قرة رده إلى معقل بن يسار رده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثًا وهو ظاهر في الاتصال ولذا أورده مسلم في صحيحه، وإن كان اللفظ من حيث هو يحتمل الواسطة. فتح المغيث 2/ 23؛ صحيح مسلم كتاب الفتن باب فضل العبادة في الهرج (ج 1 رقم 2948)، 4/ 2268.

(1)

قوله: أكثر المحدثين، فيه احتراز عن بعضهم فإنهم أدرجوا في هذا القسم عرض المناولة والتحقيق عدم إطلاقه فيه، كما سيأتي.

انظر: معرفة علوم الحديث، ص 256؛ فتح المغيث 2/ 25؛ فتح الباري 1/ 149.

(2)

الالماع، ص 71؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 133؛ المنهل الروي، ص 91؛ التبصرة والتذكرة 2/ 30؛ المقنع 1/ 207؛ فتح المغيث 2/ 25؛ توضيح الأفكار 2/ 303، لكن قال ابن حجر: بين القراءة والعرض عموم وخصوص، لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض وغيره، ولا يقع العرض إلا بالقراءة، لأن العرض عبارة عما يعرف به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته. فهو أخص من القراءة. فتح الباري 1/ 149؛ التدريب 2/ 13.

(3)

خلافًا لبعض الأصوليين فيما إذا لم يمسك أصله بنفسه على ما سيأتي في الفروع.

(4)

قال العراقي: وهكذا إن كان ثقة من السامعين يحفظ ما يقرأ على الشيخ والحافظ لذلك مستمع لما يقرأ غير غافل عنه، فذاك كاف أيضًا ولم يذكر ابن الصلاح هذه المسألة. والحكم فيها متجه، ولا فرق بين إمساك الثقة لأصل الشيخ وبين حفظ =

ص: 345

خلاف (1) في جميع ذلك إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد به (2).

= الثقة لما يقرأ، وقد رأيت غير واحد من أهل الحديث وغيرهم اكتفى بذلك سواء كان الحافظ هو الذي يقرأ أو غيره. انتهى.

وقال أحمد شاكر: رحمه الله: كلام العراقي عندي غير متجه، لأنه إذا كان الشيخ غير حافظ لروايته ولا يقابل هو أو غيره على أصله الصحيح، وكان المرجع إلى الثقة بحفظ أحد السامعين، كانت الرواية في الحقيقة عن هذا السامع الحافظ، وليست عن الشيخ المسموع منه، وهذا واضح لا يحتاج إلى برهان. التبصرة والتذكرة 2/ 30؛ الباعث الحثيث، ص 110.

(1)

معرفة علوم الحديث، ص 258؛ الكفاية، ص 260؛ الالماع، ص 70؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 122؛ التبصرة والتذكرة 3/ 31؛ المقنع 1/ 207؛ اختصار علوم الحديث، ص 110؛ فتح المغيث 2/ 25؛ التدريب 2/ 31؛ توضيح الأفكار 2/ 303.

واستدل له شيخ الصنعة أبو عبد الله البخاري رحمه الله بحديث ضمام بن ثعلبة. انظر: صحيح البخاري 1/ 148، (ح رقم 63)؛ معرفة علوم الحديث، ص 258؛ معرفة السنن والآثار (ص 32، الآصفية)؛ الكفاية، ص 261.

(2)

ونقل هذا الخلاف عن أبي عاصم النبيل رواه الرامهرمزي عنه، قال: ما حدثت بحديث عن أحد من الفقهاء قراءة.

وروى الخطيب عن وكيع قال: ما أخذت حديثًا قط عرضًا. وعن إسحاق بن عيسى الطباع يقول: لا أعد القراءة شيئًا بعد ما رأيت مالكًا يقرأ عليه وهو ينعس. وعن محمد بن سلام يقول: أدركت مالك بن أنس، فإذا الناس يقرؤون عليه فلم أسمع منه لذلك. وعن عبد الرحمن بن سلام الجمحي أنه لم يعتد عند مالك إلا بما سمعه، فقال مالك: أعراقي أنت؟

أخرجوه عني، وغيرهم من السلف من أهل العراق حتى روى عن إبراهيم بن سعد أنه قال: لا تدعون تنطعكم يا أهل العراق العرض مثل السماع.

قال ابن حجر: قد انقرض الخلاف في كون القراءة على الشيخ لا تجزي وإنما كان يقوله بعض المتشددين من أهل العراق. انتهى.

المحدث الفاصل، ص 420؛ الكفاية، ص 226، ص 271 - 273؛ فتح الباري 1/ 150؛ تاريخ بغداد 2/ 303؛ التبصرة والتذكرة 2/ 31؛ فتح المغيث 2/ 25؛ التدريب 2/ 13؛ توضيح الأفكار 2/ 303.

ص: 346

واختلفوا في أنها مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة أو دونه أو فوقه فنقل عن أبي (1) حنيفة وابن (2) أبي ذئب وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ، وهو مروي عن مالك (1).

وروى عن مالك وغيره أنهما سواء (3)، وقيل: أنه مذهب معظم

(1) روى البيهقي قول أبي حنيفة عن مكي بن إبراهيم في المدخل نقله السيوطي ورواه الخطيب في الكفاية عن مالك وابن أبي ذئب والليث بن سعد وشعبة وابن لهيعة ويحيى بن سعيد ويحيى بن عبد الله بن بكير والعباس بن الوليد وموسى بن داود الضبي وأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حاتم.

انظر: التدريب 2/ 15؛ والكفاية باب ذكر الرواية عمن كان يختار القراءة على المحدث على السماع من لفظه، ص 274 - 280؛ والالماع باب السماع من لفظ الشيخ وباب القراءة على الشيخ، ص 69، 70، 73، والعلة التي احتج بها من اختار القراءة على المحدث على السماع من لفظه أن الراوي ربما سها وغلط فيما يقرؤه بنفسه فلا يردّ عليه السامع إما أنه ليس من أهل المعرفة بذلك الشأن أو لأن الغلط صادف موضع اختلاف بين أهل العلم فيه فيتوهم ذلك الغلط مذهبه فيحمله عنه على وجه الصواب أو لهيبة الراوي وجلالته فيكون ذلك مانعًا من الرد عليه.

وأما إذا قرئ على المحدث وهو فارغ السر حاضر الذهن فمضى في القراءة غلط، فإنه يرده بنفسه أو يرده على القارئ بعض الحاضرين من أهل العلم، لأنه لا يمنع من ذلك شيء. الكفاية، ص 227؛ الالماع، ص 74؛ فتح الباري 1/ 150؛ فتح المغيث 2/ 27؛ التدريب 2/ 15.

(2)

هو الإمام الثبت العابد شيخ الوقت أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، قال أحمد: كان أورع وأقوم بالحق وأفضل من مالك إلا أن مالكًا أشد تنقية للرجال، منه، توفي سنة تسع وخمسين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 191؛ تاريخ بغداد 2/ 296.

(3)

قال القاضي عياض: وهو مذهب مالك وقال السخاوي: هذا هو المعروف عنه، بل الذي تقدم عن أبي حنيفة، قيل: إنما هو فيما إذا كان الشيخ يحدث من كتاب، أما حديث حدث من حفظه فلا. انتهى. =

ص: 347

علماء الحجاز والكوفة ومالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم.

والمذهب الصحيح ترجيح (1) السماع من لفظ الشيخ، وقيل: هو مذهب الجمهور من أهل (2) المشرق:

= قال السيوطي: وعندي أن هؤلاء إنما ذكروا المساواة في صحة الأخذ بها ردًا على من أنكرها لا في اتحاد المرتبة.

قلت: انظر قول مالك، وغيره بما فيهم أبو حنيفة رحمه الله في الكفاية، ص 92 - 271؛ والإِلماع، ص 71؛ ومعرفة علوم الحديث، ص 257 - 258، فإنه ذكر مرتبًا رجالًا من أهل المدينة ومكة والكوفة والبصرة ومصر.

وانظر: لمذهب البخاري صحيح البخاري باب القراءة والعرض على المحدث 1/ 148؛ ومعرفة السنن والآثار، ص 32، باب القراءة على العالم. الآصفية؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 122؛ اختصار علوم الحديث، ص 110؛ التبصرة والتذكرة 2/ 31؛ فتح المغيث 2/ 26.

(1)

لكن محله، ما لم يعرض عارض يصير العرض أولى بأن يكون الطالب أعلم أو أضبط ونحو ذلك وكان يكون الشيخ في حال القراءة عليه أوعى وأيقظ منه في حال قراءته هو، ومن ثم كان السماع من لفظه في الإِملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب. وحينئذ فالحق أن كلما كان فيه الأمن من الغلط والخطأ أكثر كان أعلى مرتبة. وأعلاها فيما يظهر أن يقرأ الشيخ من أصله وأحد السامعين يقابل بأصل آخر ليجتمع فيه اللفظ والعرض.

انظر: فتح الباري 1/ 50؛ فتح المغيث 2/ 28؛ التدريب 2/ 15.

(2)

قال القاضي عياض: ذهب جمهور أهل المشرق وخراسان إلى أن القراءة درجة ثانية، وأبوا من تسميتها سماعًا، وسموها عرضًا، وأبوا من إطلاق "حدثنا" فيها.

وإلى هذا ذهب أبو حنيفة في أحد قوليه، والشافعي، وهو مذهب مسلم بن الحجاج، ويحيى بن يحيى التميمي. انتهى.

وقال ابن حجر: المشهور الذي عليه الجمهور أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه. الإِلماع، ص 73؛ فتح الباري 1/ 150.

ص: 348

وأما العبارة في الرواية فعلى مراتب:

أجودها وأسلمها أن يقول: قرأت على فلان (1)، أو: قرئ على فلان (2) وأنا أسمع فأقر به (3).

ويتلوه ما يجوز من العبارات في السماع (4) من لفظ الشيخ مطلقة، إذا أتى بها (أ) ها هنا مقيدة بأن يقول: حدثنا قراءة عليه، أو (ب): أخبرنا قراءة عليه ونحو ذلك (5)، وأنشدنا في الشعر قراءة عليه (6).

واختلفوا في جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا فمنع منهما ابن المبارك يحيى بن يحيى (7) وأحمد بن حنبل

(أ) في (ت): به. والمثبت موجود في باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(ب) في (ص) و (هـ): وأخبرنا. بدون الهمزة.

(1)

أي إن كان هو الذي قرأ.

(2)

أي إن كان بقراءة غيره.

(3)

قال ابن الصلاح: وهذا سائغ من غير إشكال. مقدمة ابن الصلاح، ص 123؛ المنهل الروي، ص 91؛ اختصار علوم الحديث، ص 111؛ التبصرة والتذكرة 2/ 33؛ فتح المغيث 2/ 28؛ التدريب 2/ 16؛ توضيح الأفكار 2/ 305.

(4)

أي في القسم الأول من أقسام التحمل.

(5)

أو أنبأنا أو نبأنا فلان بقراءتي أو قراءة عليه، أو قال لنا فلان بقراءتي أو قراءة عليه، أو نحو ذلك. فتح المغيث 2/ 29؛ التدريب 2/ 16.

(6)

مقدمة ابن الصلاح، ص 123؛ المنهل الروي، ص 91؛ اختصار علوم الحديث، ص 111؛ التبصرة والتذكرة 2/ 33؛ المقنع 1/ 209؛ فتح المغيث 2/ 28؛ التدريب 2/ 16.

(7)

هو الإِمام الحافظ شيخ خراسان أبو زكريا يحيى بن يحيى التميمي المنقري النيسابوري.

قال الحاكم: هو إمام وقته بلا مدافعة، توفي سنة ست وعشرين ومائتين. تذكرة الحفاظ 2/ 415؛ شذرات الذهب 2/ 59.

ص: 349

والنسائي وغيرهم (1).

وجوزهما طائفة (2) من العلماء، قيل: أنه مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وقول الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى (3) القطان

(1) قال الخطيب: هو مذهب خلق من أصحاب الحديث. الكفاية، ص 297، 298؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 123؛ المنهل الروي، ص 91؛ اختصار علوم الحديث، ص 111؛ التبصرة والتذكرة 2/ 34؛ المقنع 1/ 209؛ فتح المغيث 2/ 29؛ التدريب 2/ 16؛ وصححه الغزالي والآمدي؛ المستصفى 1/ 165؛ الأحكام 1/ 280.

والعجب من الناس ذكر الإِمام أحمد بن حنبل من أهل هذا المذهب مع أن المنقول عنه لا يدل على المنع بل على الاحتياط حتى قال: لا ينبغي أن يقول إلا كما قرئ، فإن قال: حدثنا، فلم يكذب.

انظر الكفاية، ص 300، 292، 293، وإليه ذهب البرقاني وابن معين، ص 300.

(2)

انظر: أقوال هذه الطائفة مسندة على الترتيب في الكفاية، ص 279، 265، 309، 306، 293، 309، مع أن المنقول عن يحيى بن سعيد القطان مختلف، فجاء مثل ما في الكتاب على ص 309، وجاء في ص 299، من طريق يحيى بن معين سمعت يحيى بن سعيد يقول: ينبغي للرجل أن يحدث الرجل كما سمع، فإن سمع يقول: حدثنا وإن عرض يقول: عرضت، وإن كان أجازه يقول: أجاز لي. انتهى. وكذا في، ص 310؛ فلينظر في النقل عنه.

وانظر: هذا المذهب في المحدث الفاصل، ص 428؛ الإِلماع، ص 71، 73؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 123؛ فتح المغيث 2/ 300، قال: وعليه استمر عمل المغاربة. انتهى.

(3)

هو الإِمام العلم سيد الحفاظ أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي مولاهم البصري القطان، قال ابن المديني: ما رأيت أحدًا أعلم بالرجال منه، نوفي سنة ثمان وتسعين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 298؛ تاريخ بغداد 14/ 135.

ص: 350

وآخرين (1) من المتقدمين وهو مذهب البخاري (2) وجماعة من المحدثين (3). ومن هؤلاء من أجاز فيها أيضًا سمعت (4) فلانًا.

والمذهب الثالث: انه يجوز إطلاق أخبرنا ولا يجوز إطلاق (أ) حدثنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه (5) ومذهب مسلم صاحب الصحيح (6)،

(أ) في (هـ): الاطلاق.

(1)

وهم الحسن البصري ومنصور وسفيان الثوري وابن جريج وأبو حنيفة وشعبة ويزيد بن هارون والنضر بن شميل وأبو عاصم النبيل مع الحكاية عنه أو لا لعدم قبوله العرض أصلًا ووهب بن جرير وغيرهم. انظر: الكفاية، ص 305 - 310.

(2)

صحيح البخاري 1/ 148؛ الإِلماع، ص 71.

(3)

معرفة علوم الحديث، ص 258؛ وصححه ابن الحاجب في المختصر 2/ 69.

(4)

وهم السفيانان والإِمام مالك، كما ذكره الخطيب وعياض والعراقي والسخاوي. قال ابن دقيق العيد: هو تسامح خارج عن الوضع، ليس له وجه، فإن كان هذا الاصطلاح عامًا، فقد يقرب الأمر فيه، وان وضعه هذا الراوي بنفسه فلا أرى ذلك جائزًا، قال السخاوي: وهو الصحيح وممن صححه القاضي أبو بكر الباقلاني واستبعد ابن أبي الدم الخلاف وقال: ينبغي الجزم بعدم الجواز لأن سمعت صريحة في السماع لفظًا يعني كما تقدم. قال: والظاهر أن ذلك عند الإِطلاق وإلا فقد استعملها السلفي في كتابة الطباق فيقول: سمعت بقراءتي، ولذا قال ابن دقيق العيد: وربما قربه بعضهم بأن يقول: سمعت فلانًا قراءة عليه، قال: ولذلك فائدة جليلة وهو عدم اتصافه بما يمنع السماع. الكفاية، ص 306، 296؛ الإِلماع، ص 71؛ التبصرة والتذكرة 2/ 34؛ الاقتراح، ص 248؛ فتح المغيث 2/ 29.

(5)

انظر: قولي الشافعي وتلميذه الربيع بن سليمان في المحدث الفاصل، ص 425، 431؛ والكفاية، ص 297، 303؛ ومعرفة علوم الحديث، ص 259.

(6)

مقدمة ابن الصلاح، ص 123؛ المنهل الروي، ص 91؛ اختصار علوم الحديث، ص 112.

ص: 351

وجمهور أهل المشرق (1).

قال محمد (2) بن الحسن الجوهري المصري وهو مذهب أكثر أصحاب الحديث الذين (أ) لا يحصيهم أحد (3). وروى هذا المذهب عن ابن جريج (4) والأوزاعي (5) وابن وهب (6) .......................

(أ) في (ك) و (هـ): الذي.

(1)

معرفة علوم الحديث، ص 260، قال: وعليه عهدنا أئمتنا وبه قالوا وإليه ذهبوا وبه نقول: إن العرض ليس بسماع، وإن القراءة على المحدث إخبار، ثم ذكر حجتهم.

(2)

لم أقف على ترجمته.

(3)

إلى هنا كلام الجوهري، قاله في:"كتاب الانصاف فيما بين الأئمة في حدثنا وأنبأنا من الاختلاف، وتمام كلامه: وانهم جعلوا "أخبرنا" علمًا يقوم مقام قول قائله: "أنا قرأته عليه لا أنه لفظ به لي".

قال: وممن كان يقول به من أهل زماننا أبو عبد الرحمن النسائي في جماعة مثله من محدثينا. انتهى. قال السخاوي: والقوك الأول أشهر عن النسائي.

انظر: فتح المغيث 2/ 31؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 124.

(4)

هو فقيه الحرم أبو الوليد ويقال: أبو خالد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي الأموي مولاهم المكي الفقيه صاحب التصانيف أحد الأعلام توفي سنة خمسين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 170؛ شذرات الذهب 1/ 326.

وانظر: قول ابن جريج مسندًا من طريق يحيى القطان في المحدث الفاصل، ص 433؛ والكفاية، ص 302.

(5)

وانظر قول الأوزاعي من طريق الوليد بن المزيد في المحدث الفاصل، ص 432؛ والكفاية، ص 302، وقال الحاكم نحو قول الأوزاعي وقال: وهو الذي أختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري

الخ. معرفة علوم الحديث، ص 390.

(6)

هو الإِمام الحافظ أبو محمد الفهري مولاهم المصري الفقيه أحد الأئمة الأعلام، كان حجة مجتهدًا لا يقلد أحدًا، ذا تعبد وتزهد، مات سنة سبع وتسعين ومائة. =

ص: 352

والنسائي (1) أيضًا وصار هو الشائع الغالب على أهل الحديث، وأحسن ما توجه به أنه اصطلاح للتخيير (أ)(2). والله أعلم.

فروع (3)

الأول: إذا كان أصل الشيخ حال القراءة بيد موثوق به مراع لما يقرأ، أهل لذلك، فإن كان الشيخ يحفظ ما يقرأ، فهو كما لو كان بيده (4) وأولى (5).

وإن كان لا يحفظه، فقد قال بعض (6) أصحاب الأصول: لا يصح السماع (6) والمختار أنه سماع صحيح، وبه عمل معظم الشيوخ وأهل

(أ) في (ك): التمييز.

= تذكرة الحفاظ 1/ 304؛ شذرات الذهب 1/ 347، وأورد قوله ابن الصلاح، قال: وقد قيل: إنه أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين بمصر.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 124؛ التدريب 2/ 17.

(1)

حكاه الجوهري المذكور فصار عنه في المسألة قولان، والمشهور الأول كما تقدم.

(2)

أي فخصص النوع الأول بقول: حدثنا. لقوة أشعاره بالنطق والمشافهة. مقدمة ابن الصلاح، ص 124.

وانظر: فتح المغيث 2/ 31؛ التدريب 2/ 17.

(3)

أي فروع ثمانية تتعلق بالقسمين السماع، والقراءة على الشيخ.

(4)

الألماع، ص 75؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 125؛ التبصرة والتذكرة 2/ 37؛ فتح المغيث 2/ 35؛ التدريب 2/ 19.

(5)

أي لتعاضد ذهني شخصين عليه. مقدمة ابن الصلاح، ص 125؛ المقنع 1/ 211؛ التدريب 2/ 19.

(6)

قال العراقي: هذا الذي أبهم المصنف ذكره هو إمام الحرمين فإنه اختار ذلك وحكى القاضي عياض أيضًا أن القاضي أبا بكر الباقلاني تردد فيه، قال: وأكثر ميله إلى المنع. انتهى. =

ص: 353

الحديث (1).

وإن كان الأصل بيد القارئ وهو موثوق به دينًا ومعرفة، فهو أولى بالتصحيح (2).

فإن كان بيد من لا يوثق بإمساكه ولا يؤمن (أ) إهماله لما يقرأ، لم يصح لسماع سواء كان بيد القارئ أو غيره، إذا كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ (3).

(أ) في (ص) و (هـ): لا يؤمن من إهماله.

= ووهن السلفي هذا الاختلاف لاتفاق العلماء على العمل بخلافه فانه ذكر ما حاصله أن الطالب إذا أراد أن يقرأ على شيخ شيئًا من سماعه، هل يجب أن يريه سماعه في ذلك الجزء، أم يكفي إعلام الطالب الثقة للشيخ إن هذا الجزء سماعه على فلان، فقال السلفي: هما سيان، على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم، قال: ولم تزل الحفاظ قديمًا وحديثًا يخرجون للشيوخ من الأصول فتصير تلك الفروع بعد المقابلة أصولًا، وهل كانت الأصول أولًا إلا فروعًا. انتهى. التقييد والإِيضاح، ص 171؛ التبصرة والتذكرة 2/ 38؛ الإِلماع، ص 75؛ فتح المغيث 2/ 35؛ التدريب 2/ 19.

(1)

الإِلماع، ص 76؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 125؛ التبصرة والتذكرة 2/ 38؛ المقنع 1/ 211؛ فتح المغيث 2/ 25؛ التدريب 2/ 19.

(2)

قال القاضي عياض: فإنه كإمساك الشيخ نسخته، إذ لا فرق بين الاعتماد على بصر الشيخ أو سمعه. قال: وهذا كله على مذهب من يرى التسهيل في السماع، وأما على مذهب أهل النظر والتحقيق في التشديد فيه لا سيما على مذهب من لا يرى التحدث بالإِجازة والمناولة فيضيق عليه الباب جدًا. انتهى. الإِلماع، ص 76؛ فتح المغيث 2/ 35.

(3)

قال القاضي عياض: ولا يحل السماع والرواية بهذه القراءة، إذ لم يبق طريق الثقة بما سمع بهذه القراءة، لا حقيقة ولا مسامحة إلا أن يكون الشيخ يحفظ حديثه. انتهى. الإِلماع، ص 76.

وانظر: فتح المغيث 2/ 36؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 125؛ التبصرة والتذكرة 2/ 38؛ المقنع 1/ 11؛ التدريب 2/ 19.

ص: 354

الثاني: إذا قرئ على الشيخ قائلًا: أخبرك فلان أو نحوه والشيخ ساكت مصنع إليه (فاهم (أ) له) غير منكر، كفى ذلك في صحة السماع وجواز الرواية به.

ولا يشترط نطق الشيخ لفظًا. هذا هو الصحيح الذي قطع به الجماهير من الفقهاء والمحدثين وغيرهم، اكتفاء بظاهر الحال (1). وشرط بعض الظاهرية (2) وأبو الفتح سليم الرازي، وأبو إسحاق الشيرازي وأبو نصر الصباغ الشافعيون نطق الشيخ (2).

(أ) كلمة: فأهم له: ساقطة من (ت). موجودة في باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(1)

كما حكاه عنهم عياض وصححه وقال: إن الشرط غير لازم، لأنه لا يصح من ذي دين إقرار على الخطأ في مثل هذا، فلا معنى للتقرير بعد. ولعل المروي عن مالك كما في صحيح مسلم وعن أمثاله في فعل ذلك التأكيد لا اللزوم. انتهى. قلت: ويؤيد هذا التأويل في هذا النقل كما جاء في الكفاية من طريق ابن بكير إن الإِمام مالك أنكر على طالب التصريح منه بالإِقرار وقال: ألم أفرغ لكم نفسي وسمعت عرضكم وأقمت سقطه وزلله.

قال الخطيب: والذي نذهب إليه أنه متى نصب نفسه للقراءة عليه وأنصت إليها مختارًا لذلك غير مكره وكان متيقظًا غير غافل جازت الرواية عنه لما قرئ عليه ويكون إنصاته واستماعه قائمًا مقام إقراره، فلو قال له القارئ عند الفراغ كما قرأت عليك؟ فأقر به كان أحب إلينا، فأما إذا قرئت عليه أحاديث فأنكرها الشيخ فإنه لا يجوز له روايتها عنه، وهكذا لو لم يكن الشيخ منتصبًا للحديث، فقرأ عليه بعض الطلبة حديثًا وهو مشغول القلب غير مصغ إلى السماع فإنه لا يجوز له روايته عنه. الإِلماع، ص 78.

وانظر: إنكار الإمام مالك في الكفاية، ص 309؛ وقول الخطيب في ص 280 - 281؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 38؛ فتح المغيث 2/ 36.

(2)

وبه عمل جماعة من مشايخ أهل المشرق وأئمتهم، وأبى الحديث من اشترطه إذا لم يكن هذا التقرير. =

ص: 355

قال أبو نصر (1): ليس له أن يقول: حدثني (2)، وله أن يعمل ما قرئ عليه (3)، وله أن يرويه قائلًا: قرئ عليه وهو يسمع. وشرط بعض الظاهرية إقرار الشيخ عند تمام السماع، والصواب ما تقدم (4). والله أعلم.

= انظر: إحكام الأحكام لابن حزم 2/ 323؛ الكفاية، ص 280؛ الإِلماع، ص 78؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 129؛ التبصرة والتذكرة 2/ 38؛ المقنع 1/ 212؛ فتح المغيث 2/ 37؛ التدريب 2/ 20.

(1)

هو الإِمام أبو نصر بن الصباغ عبد السيد محمد بن عبد الواحد البغدادي الشافعي أحد الأئمة الأعلام ومؤلف الشامل، كان ثبتًا حجة دينا خيرا فقيهًا أصوليًا محققًا مكتملًا لشروط الاجتهاد، مات ضريرًا سنة سبع وسبعين وأربعمائة. طبقات الشافعية 3/ 230؛ شذرات الذهب 3/ 355.

(2)

قال ابن الصباغ: وله أن يعمل بما قرئ عليه، وإذا أراد روايته عنه فليس له أن يقول حدثني ولا أخبرني، بل قرأت عليه أو قرئ عليه وهو يسمع، وما قاله ابن الصباغ من أنه لا يطلق فيه حدثنا ولا أخبرنا، هو الذي صححه الغزالي وحكاه الآمدي وصححه وكذا ابن الحاجب وحكى عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة. وإن أشار الشيخ برأسه أو اصبعه للإِقرار به ولم يتلفظ فجزم صاحب المحصول بأنه لا يقول في الأداء: حدثني ولا أخبرني ولا سمعت قال العراقي: فيه نظر. انتهى. ما في شرح الألفية بتصرف. التبصرة والتذكرة 2/ 39.

وانظر: المستصفى 1/ 165؛ الأحكام للآمدي 1/ 280؛ مختصر ابن الحاجب 2/ 69؛ المحصول، ج 2 فق 1/ 646؛ فتح المغيث 2/ 38؛ التدريب 2/ 20؛ توضيح الأفكار 2/ 307.

(3)

أي سواء أكان السامع أو القارئ أو من حمله عنه. فتح المغيث 2/ 38.

(4)

أي هو غير لازم بل مستحب فقط كما قال الخطيب: ولو قال له القاري عند الفراغ: كما قرأت عليك، فأقر به كان أحب إلينا. انتهى. الكفاية، ص 280. وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 126؛ فتح المغيث 2/ 38.

ص: 356

الثالث: قال الحاكم: الذي أختاره وعهدت (أ) عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ: حدثني فلان، وما سمعه (من لفظه) (ب) مع غيره: حدثنا وما قرأ عليه بنفسه: أخبرني (1)، وما قرئ عليه وهو حاضر: أخبرنا (2).

وروى نحوه عن ابن وهب (3)، وهو حسن (4). فإن شك على أي

(أ) في (ص) و (هـ): وجدت.

(ب) كلمة: من لفظه. ساقطة من (ت)، موجودة في باقي النسخ.

(1)

قال العراقي: وفي كلام الحاكم وابن وهب، أن القاري يقول: أخبرني سواء سمع معه غيره أم لا، وقال ابن دقيق العيد في الاقتراح: إن القاري إذا كان معه غيره يقول: أنا. فسوى بين مسألتي التحديث والأخبار في ذلك.

قال السيوطي: قلت: الأول أولى ليتميز ما قرأه بنفسه وما سمعه بقراءة غيره. انتهى. التبصرة والتذكرة 2/ 40؛ الاقتراح، ص 228؛ التدريب 2/ 21. وانظر: التقييد والإِيضاح، ص 173؛ فتح المغيث 2/ 38.

(2)

انظر: قول الحاكم في معرفة علوم الحديث، ص 260؛ والإِلماع، ص 126، بسنده إليه.

(3)

أسند الترمذي قول ابن وهب في كتاب العلل وفيه، قال ابن وهب: ما قلت: حدثنا، فهو ما سمعت مع الناس. وما قلت: حدثني فهو ما سمعت وحدي، وما قلت: أخبرنا، فهو ما قرئ على العالم وأنا شاهد، وما قلت: أخبرني فهو ما قرأت على العالم. انتهى. كتاب العلل في آخر السنن 5/ 752.

وانظر: هذا القول مسندًا في الكفاية، ص 29؛ والإِلماع، ص 127.

قلت: وبنحو ورد عن الأوزاعي وابن جريج والشافعي والربيع بن سليمان وأبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي.

انظر: المحدث الفاصل، ص 432 - 433؛ الكفاية 302 - 303؛ الجامع لآداب الراوي 2/ 50؛ الالماع، ص 127.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 127؛ اختصار علوم الحديث، ص 113؛ المقنع 1/ 213؛ فتح المغيث 2/ 38، وقال في ص 40: إن الاستحباب المشار إليه هو فيما إذا تحقق حين التحمل صورة الحال. انتهى.

ص: 357

وجه أخذ فيحتمل أن يقول: حدثني (أ) أو أخبرني لأن عدم غيره هو الأصل (1).

وجاء عن يحيى القطان الإِمام أنه إذا شك هل قال الشيخ: حدثني أو حدثنا، يقول: حدثنا (2). وهذا يقتضي أن يقول إذا شك في سماع نفسه: حدثنا، ووجهه أن حدثنا أنقص فلا يزيد عليه بالشك (3)، وحكى

(أ) في (ت): وأخبرني. والصحيح الذي أثبتناه من باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(1)

قال العراقي: سوى المصنف رحمه الله بين الشك في أنه هل سمع من لفظ الشيخ وحده أو كان معه غيره يسمع، وبين مسألة ما إذا شك هل قرأ هو بنفسه على الشيخ أو سمع عليه بقراءة غيره، وما قاله ظاهر في المسألة الأولى.

وأما المسألة الثانية، فإنه يتحقق فيها سماع نفسه ويشك هل قرأ بنفسه أم لا والأصل أنه لم يقرأ، هذا إذا مشينا على ما ذكره المصنف تبعًا للحاكم أن القارئ يقول: أخبرني، سواء سمع بقراءته معه غيره أم لا؟

والأحسن فيما إذا شك هل قرأ بنفسه أو سمع بقراءة غيره ما حكاه الخطيب في الكفاية عن البرقاني أنه ربما شك في الحديث، هل قرأه هو أو قرئ وهو يسمع، فيقول فيه: قرأنا على فلان، فإنه يسوغ إثباته بهذه الصيغة فيما قرأه بنفسه وفيما سمعه بقراءة غيره، وقد سئل أحمد بن صالح المصري عن الرجل يسمع بقراءة غيره، فأجاب بأنه لا بأس أن يقول: قرأنا، وقد قال النفيلي: قرأنا على مالك، وإنما سمع بقراءة غيره والله أعلم. انتهى. التقييد والإِيضاح، ص 173؛ الكفاية، ص 300.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 41؛ المقنع 1/ 213؛ فتح المغيث 2/ 40؛ التدريب 2/ 21.

(2)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 127؛ اختصار علوم الحديث، ص 114؛ التبصرة والتذكرة 2/ 41؛ المقنع 1/ 213؛ فتح المغيث 2/ 40.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 127؛ المقنع 1/ 213؛ التبصرة والتذكرة 2/ 43.

ص: 358

البيهقي قول القطان، ثم اختار ما تقدم (1). ثم إن هذا التفصيل كله مستحب حكاه الخطيب عن أهل العلم كافة (2)، فيجوز أن يقول فيما سمع وحده: حدثنا وأخبرنا، وفيما سمعه في جماعة: حدثني وأخبرني (3). والله أعلم (أ).

الرابع: جاء عن أحمد بن حنبل أنه قال: اتبع لفظ الشيخ في قوله: حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعده (4).

قال الشيخ رحمه الله: ليس لك أن تبدل في الكتب المؤلفة: حدثنا

(أ) والله أعلم. ساقط من (ك).

(1)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 127، قال السخاوي: علله البيهقي. بأنه لا يشك في واحد وإنما الشك في الزايد فيطرح الشك ويبني على اليقين. انتهى. انظر أيضًا: فتح المغيث 2/ 41.

(2)

الكفاية، ص 294، ونص قوله: قلت: هذا هو المستحب وليس بواجب عند كافة أهل العلم.

وقال القاضي عياض: وكل ما تقدم من الاصطلاحات والاختيارات لا تقوم لترجيحها حجة إلا من وجه الاستحسان للفرق لطرق الأخذ والمواضعة لتمييز أهل الصنعة أنواع النقل.

وقال: والتمييز إذا أمكن أجملُ بالمحدث، وهو الذي شاهدته من أهل التحري في الرواية ممن أخذنا عنه. انتهى. الإِلماع، ص 132.

(3)

واحتج الخطيب لقوله هذا بقول أحمد صالح المصري وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن كامل القاضي.

انظر: الكفاية، ص 294 - 296.

(4)

انظر: كلام الإِمام أحمد في الكفاية، ص 293، وتمامه: فإذا كانت قراءة بينت القراءة وكذلك العرض ولا تغير لفظ الشيخ إنما تريد أن تؤدي لفظه كما تلفظ به، هو أسلم لك إن شاء الله تعالى. انتهى. ونحوه على ص 292.

ص: 359

بأخبرنا أو عكسه (أ)، أو نحو ذلك، لاحتمال أن يكون من قال ذلك لا يرى التسوية بينهما (1). ولو عرفت من مذهب (أصحاب)(ب) هذا الإِسناد التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر رواية بالمعنى، وذلك وإن كان فيه خلاف (2) فلا يجئ في الكتب المصنفة (3).

وما ذكره الخطيب من إجراء ذلك على الخلاف (2) محمول على ما يسمعه من لفظ المحدث، لا في كتاب مؤلف (4). والله أعلم.

(أ) في (هـ) و (ص): وعكسه. بدون الهمزة.

(ب) كلمة: أصحاب. ساقطة من (ت). وفي (هـ): أصحاب الحديث، والذي أثبته موجود في (ك) و (ص).

(1)

قال السخاوي: يعني فيكون حينئذ كأنه قوله ما لم يقل.

قال: والتعليل بذلك يقتضي أنه عند علم عدمها من باب أولى، وهذا بلا خلاف. فتح المغيث 2/ 41.

(2)

هذه إشارة إلى قول الخطيب: واختلفوا في المحدث إذا قال: حدثنا فلان قال: أخبرنا فلان، هل يجوز للطالب أن يقول في الرواية: حدثنا أو حدثني، بدل أخبرنا، وأخبرنا أو أخبرني بدل حدثنا، أم لا؟ فمنع من ذلك من كان يذهب إلى أن اتباع اللفظ في الرواية واجب، وأجازه من أباح التحديث على المعنى. الكفاية، ص 292.

(3)

فإن ذلك يمتنع تغييره قطعًا، سواء رويناه في التصنيفات أم نقلناه منها لفظًا، أو إلى تخاريجنا وأجزائنا كما سيأتي في الرواية بالمعنى. وضعفه ابن دقيق العيد بأن النقل منها لا ينبغي منعه أخذًا من تعليل المنع بتغيير التصنيف إذ ليس فيه تغيير التصنيف، أي وإن كان فيه تغيير عبارة المصنف. انتهى. قاله زكريا الأنصاري. فتح الباقي 2/ 44؛ الاقتراح، ص 245.

وانظر: التقييد والإِيضاح، ص 176؛ التبصرة والتذكرة 2/ 44؛ الباعث الحثيث، ص 114.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 128؛ المنهل الروي، ص 92؛ المقنع 1/ 114.

ص: 360

الخامس: إذا كان السامع أو المسمع ينسخ حال القراءة ففي صحة السماع خلاف، قال إبراهيم الحربي (1) وأبو أحمد بن عدي (2) والأستاذ أبو إسحاق الإِسفرائيني الشافعي (3): لا يصح (4)، وصححه ابن المبارك (5) وموسى بن هارون الحمال (6) ومحمد بن الفضل عارم (7)،

(1) هو الإِمام النبيل إبراهيم بن إسحاق بنِ إبراهيم بن بشير أبو إسحاق الحربي، قال الخطيب: كان إمامًا في العلم رأسًا في الزهد عارفًا بالفقه بصيرًا بالأحكام حافظًا للحديث مميزًا لعلله قيمًا بالأدب جمّاعًا باللغة وصنف كتبًا كثيرة، توفي سنة خمس وثمانين ومائتين. تاريخ بغداد 6/ 27 - 40؛ البداية 11/ 79.

وانظر: قوله في الكفاية، ص 66 مسندًا.

(2)

هو الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عدي الجرجاني صاحب كتاب الكامل في معرفة الضعفاء وأحد الجهابذة الذين طافوا البلاد والذين لا يعتري هممهم قصور، وكتابه الكامل طابق اسمه معناه ووافق لفظه فحواه، توفي سنة خمس وستين وثلاثمائة. طبقات الشافعية 2/ 233؛ وتاريخ جرجان، ص 225؛ البداية 11/ 283.

وانظر قوله في الكفاية، ص 66 مسندًا.

(3)

قال السخاوي: وعبارة الاسفرائيني، فإنه إذا اشتغل به عن الاستماع حتى إذا استعيد منه تعذر عليه. انتهى. فتح المغيث 2/ 42.

(4)

أي مطلقًا في صورتي السماع والإِسماع.

(5)

قال الخطيب: وحسبك به دينًا وفضلًا وعلمًا ونبلًا، ثم روى قوله من طريق علي بن المديني. الكفاية، ص 67.

(6)

انظر قوله مسندًا من طريق أبي القاسم بن بكير بثلاثة أسانيد. الكفاية، ص 67 - 68.

(7)

هو الإِمام أبو النعمان محمد بن الفضل ويعرف بعارم السدوسي البصري الحافظ، أحد أركان الحديث، كان سليمان بن حرب يقدمه على نفسه مات سنة أربع وعشرين ومائتين. شذرات الذهب 2/ 55؛ البداية 1/ 292.

ص: 361

وعمرو بن مرزوق (1) وأبو حاتم الرازي (2). وقال بعض (3) أصحاب الشافعي: يقول: حضرت، ولا يقول: أخبرنا ولا حدثنا.

والأظهر التفصيل، فإن امتنع فهم الناسخ للمقروء لم يصح، وإن فهمه صح (4).

السادس: ما ذكرناه في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا كان الشيخ (أ) أو السامع يتحدث، أو كان القارئ يفرط في الإِسراع

(أ) في (ك): السامع أو الشيخ.

(1)

هو الحافظ عمرو بن مرزوق الباهلي، مولاهم البصري، قال محمد بن عيسى بن السكن سألت ابن معين عنه، فقال: ثقة مأمون صاحب غزو وحمده. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين. شذرات الذهب 2/ 54.

(2)

ونص قول أبي حاتم الرازي: كتبت عند عارم وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ. انتهى. ولهذا نسب هذا القول إلى عارم وعمرو بن مرزوق وإلا لا يوجد لهما قول مستقل بل هذه النسبة إليهما من لازم عمل كتابة الرازي عندهما.

انظر: لنص قول الرازي؛ الكفاية، ص 67.

(3)

المراد بهذا البعض هو أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغي، ذكر قوله هذا الخطيب مسندًا، وكذلك روى بسنده عن سعيد بن عبد العزيز قال: الذي يكتب ويسمع يقال له: جليس العالم. الكفاية، ص 66.

(4)

قاله ابن الصلاح، وسبقه لذلك الخطيب البغدادي حيث قال: هؤلاء الذين منعوا صحة السماع في حال الكتابة، إنما ذهبوا إلى ذلك لأن القلب مشتغل عن ضبط ما يقرأ في تلك الحال، فأما إذا لم تمنع الكتابة عن فهم ما يقرأ فالسماع صحيح انتهى. قال السخاوي: وبه قال سعد الخير الأنصاري، والعمل على هذا، فقد كان شيخنا ينسخ في مجلس سماعه ثم إسماعه، بل يكتب على الفتاوي ويصنف ويرد مع ذلك على القارئ ردًا مفيدًا انتهى.

وقال ابن كثير: وكان شيخنا المزي يكتب في مجلس السماع وينعس في بعض =

ص: 362

أو يهينم (1) أو كان السامع بعيدًا من القارئ وما أشبه (2) ذلك بحيث لا يفهم، . والظاهر أنه يعفي عن القدر اليسير (3) كالكلمة والكلمتين (4).

= الأحيان، ويرد على القارئ ردًا جيدًا بينًا واضحًا، بحيث يتعجب القارئ من نفسه: أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ والشيخ ناعس وهو أنبه منه. انتهى. قلت: وأعجب من كل هذا ما رواه الخطيب في تاريخه عن الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل بن الصفار فجلس ينسخ جزءًا كان معه

إلخ.

مقدمة ابن الصلاح، ص 129؛ الكفاية، ص 67؛ فتح المغيث 2/ 143؛ اختصار علوم الحديث، ص 115؛ تاريخ بغداد 12/ 36.

(1)

من الهينمة: ومعناه الصوت الخفي قاله الجوهري.

انظر: الصحاح 5/ 2062، مادة (هـ ن م).

(2)

أي أو كان في سمعه أو المسمع بعض ثقل أو عرض نعاس خفيف بحيث يفوت سماع البعض انتهى. فتح المغيث 2/ 45.

(3)

أي إلحاقًا منهم للأقل بالأكثر وللمغلوب بالغالب انتهى. توضيح الأفكار 2/ 307.

(4)

قال السخاوي: وقد سئل أبو إسحاق الاسفرائيني عن كلام السامع أو المسمع أو غير المتصل وعن القراءة السريعة والمدغمة التي شذ منها الحرف والحرفان، والإِغفاء اليسير.

فأجاب: إذا كانت كلمة لا تلهيه عن السماع جازت الرواية، وكذا لا يمنع ما ذكر بعد ذلك من السماع وإذا لم يكن الإِدغام يجوز في اللغة يكون حينئذ تاركًا بعض الكلمة انتهى.

قال: بل توسعوا حين صار الملحوظ إبقاء سلسلة الإِسناد لأكثر من ذلك بحيث كان يكتب السماع عند المزي وبحضرته لمن يكون بعيدًا عن القارئ، وكذا للناعس والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أحدهم بل يلعبون غالبًا ولا يشتغلون بمجرد السماع، حكاه ابن كثير. انتهى. فتح المغيث 2/ 45. وانظر: اختصار علوم الحديث، ص 116؛ توضيح الأفكار 2/ 307.

ص: 363

ويستحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية جميع (1) الكتاب الذي سمعوه. وإن كتب خطه لأحدهم، كتب: سمعه مني وأجزت له روايته عني، كما كان بعض (2) الشيوخ يفعل. وقال أبو محمد (3) بن عتاب الفقيه الأندلسي: لا غنى في السماع عن الإِجازة (4). والله أعلم.

(1) قال السخاوي: لأن الأمر غالبًا لا ينفك عن أحد أمور، إما خلل في الإِعراب أو في الرجال أو هذرمة أو هيلمة أو كلام يسير أو نعاس خفيف أو بعد أو غير ذلك انتهى. فتح المغيث 2/ 47.

(2)

قال العراقي: يقال: إن أول من كتب الإِجازة في طباق السماع أبو الطاهر إسماعيل بن عبد المحسن الأنماطي (المتوفى سنة تسع عشرة وستمائة) فجزاه الله خيرًا في سنة ذلك لأهل الحديث فلقد حصل به نفع كثير. انتهى.

قلت: ولكن يوجد هناك من سبق الأنماطي لذلك كما يدل عليه قول القاضي عياض، حيث قال: وقد وقفت على تقييد سماع لبعض نبهاء الخراسانيين من أهل المشرق: سمع هذا الجزء فلان وفلان على الشيخ أبي الفضل عبد العزيز بن إسماعيل البخاري، وأجاز ما أغفل وصحف ولم يصغ إليه أن يروى عنه على الصحة. قال القاضي: وهذا منزع نبيل في الباب جدًا جدًا. التبصرة والتذكرة 2/ 50؛ الإِلماع، ص 92.

انظر: فتح المغيث 2/ 47؛ والتدريب 2/ 25.

(3)

هو الإمام أبو عبد الله محمد بن عتاب الجذامي مولاهم المالكي مفتي قرطبة وعالمها ومحدثها وأحد جلة الفقهاء ومتقدم في المعرفة بالأحكام، توفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة. الديباج المذهب 2/ 241؛ شذرات الذهب 3/ 313.

(4)

انظر: قول ابن عتاب من طريق ابنه عبد الرحمن مسندًا في الإِلماع، ص 92، وبدون إسناد، ص 141، قال السخاوي: وكلام ابن عتاب إلى الوجوب أقرب وهو الظاهر من حاله فإنه كان كثير الاحتياط والورع.

قال: والظاهر أن هذا بالنسبة إلى الأزمان المتأخرة (أي في زمنه فما بعده) وإلا ففي غير موضع من كتاب النسائي يقول: وذكر كلمة معناها كذا وكذا، لكونه فيما يظهر لم يسمعها جيدًا وعلمها. انتهى. فتح المغيث 2/ 48؛ وسنن النسائي 1/ 55، 58، 178.

ص: 364

وإذا عظم مجلس المحدث المملى فبلغ عنه المستملي، فهل يجوز لمن سمع المبلغ دون المملى أن يروي ذلك عن المملي، ذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى جواز (1) ذلك، ومنع ذلك المحققون وهذا (2) هو الصواب.

وسئل أحمد بن حنبل رحمه الله عن الحرف يدغمه الشيخ فلا يفهم وهو معروف، هل يروى ذلك عنه. فقال: أرجو أن لا يضيق هذا (3). وفي

(1) قال العراقي: هذا هو الذي عليه العمل أي أن من سمع المستملي دون سماع لفظ المملى جاز له أن يرويه عن المملى كالعرض سواء لأن المستملي في حكم من يقرأ على الشيخ ويعرض حديثه عليه، ولكن يشترط أن يسمع الشيخ المملى لفظ المستملي كالقارئ عليه ومع هذا فليس لمن لم يسمع لفظ المملى أن يقول: سمعت فلانًا يقول ولكن الأحوط أن يبين حالة الأداء أن سماعه لذلك أو لبعض الألفاظ من المستملي

إلخ. التبصرة والتذكرة 2/ 55.

وانظر: فتح المغيث 2/ 50؛ التدريب 2/ 26؛ التقييد والإِيضاح، ص 178؛ الكفاية، ص 70، 73 - 76؛ الإِلماع، ص 142.

(2)

قال ابن كثير: وهو القياس والأول أصلح للناس. وقال أحمد شاكر رحمه الله هذا القول راجح عندي، لأن المستملي يسمع الحاضرين لفظ الشيخ الذي يقوله، فيبعد جدًا أن يحكى عن شيخه وهو حاضر في جمع كبير غير ما حدث به الشيخ، ولئن فعل ليردن عليه كثيرون ممن قرب مجلسهم من شيخهم، وسمعوه وسمعوا المستملي يحكي غير مما قاله، وهذا واضح جدًا.

قال: وهذا الخلاف أيضًا فيما إذا لم يسمع الراوي بعض الكلمات من شيخه فسأل عنها بعض الحاضرين. انتهى. اختصار علوم الحديث مع الباعث الحثيث، ص 117.

(3)

انظر: هذه الرواية مسندة من طريق صالح بن أحمد بن حنبل في الكفاية، ص 69، وجاء نحوه من طريق تلميذه أبي بكر الأثرم أيضًا في نفس الصفحة. وقال السخاوي: رواه البيهقي في مناقب أحمد، فقيّد العفو بكونه يعرفه وهو أيضًا مروي عن صالح. فتح المغيث 2/ 49.

ص: 365

رواية للخطيب: سئل أحمد بن حنبل عن الكلمة تستفهم من المستملى. فقال: إن كانت مجتمعا عليها، فلا بأس (1)، وعن خلف (2) بن سالم منع ذلك (3). والله أعلم.

السابع: يصح السماع ممن هو (أ) وراء حجاب (ب) إذا عرف صوته إن حدث بلفظه أو حضوره بمسمع منه إن قرئ عليه، وينبغي أن يجوز الاعتماد في معرفة صوته وحضوره على خبر من يوثق (4) به. وعن شعبة: إذا حدث المحدث فلم تر (ج) وجهه فلا ترو عنه فلعله شيطان (5)، وهذا

(أ) لفظ: هو. ساقط من (ك).

(ب) في (هـ): الحجاب.

(ج) في (ك): فلم ترى. بإثبات الياء. وهو خطأ.

(1)

انظر: قول الإِمام أحمد هذا مسندًا من طريق زكريا بن يحيى في الكفاية، ص 73.

(2)

هو الحافظ المجود أبو محمد خلف بن سالم المخرمي السندي مولى آل المهلب من أعيان حفاظ بغداد، مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين. تاريخ بغداد 8/ 328؛ تذكرة الحفاظ 2/ 481.

(3)

قال الخطيب: بلغني عن خلف بن سالم المخرمي قال: سمعت ابن عيينة يقول: ثنا عمرو بن دينار، فإذا قيل له: قل: حدثنا عمرو، قال: لا أقول لأني لم أسمع من قوله: حدثنا ثلاثة أحرف لكثرة الزحام، وهي (ح د د). الكفاية، ص 69. قلت: والقصد من سياق هذه الرواية إثبات أن هذا القول ليس لخلف بل هذا القول لسفيان بن عيينة وخلف بن سالم راويه.

(4)

وكما أنه لا يشترط رؤية الراوي للشيخ كذلك لا يشترط تمييز عينه من بين الحاضرين من باب أولى. قاله السخاوي: ثم استدل له بقصة فيها طول فانظرها في فتح المغيث 2/ 51.

(5)

النص بكامله بدون إسناد في مقدمة ابن الصلاح، ص 133؛ واختصار علوم الحديث، ص 118، ومسندًا من طريق قراد عن شعبة إلى قوله: فلا ترو عنه في المحدث الفاصل، ص 599؛ والإِلماع، ص 137. =

ص: 366

خلاف الصواب (1) وخلاف ما قاله الجمهور.

الثامن: من سمع من شيخ حديثًا، ثم قال: لا تروه على أو رجعت عن إخباري إياك به ونحو ذلك غير مسند ذلك إلى أنه أخطأ فيه أوشك ونحوه بل منعه روايته مع جزمه بأنه روايته لم يمنع ذلك روايته (2).

= قال السخاوي: قال بعض المتأخرين: كأنه يريد حيث لم يكن معروفًا، فإذا عرف وقامت عنده قرائن أنه فلان المعروف، فلا يختلف فيه، وعلى كل حال فقد قال ابن كثير: أنه عجيب وغريب جدًا. فتح المغيث 2/ 152؛ اختصار علوم الحديث، ص 118.

(1)

واحتجوا له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالاعتماد على سماع صوت ابن أم مكتوم المؤذن في حديث: إن بلالًا يؤذن بليل، إلى آخر الحديث، مع غيبة شخصه عمن يسمعه.

قال السخاوي: لكن يخدش فيه بأن الأذان لا قدرة للشيطان على سماع ألفاظه فكيف بقوله. انتهى.

ولكن الجمهور احتجوا بحجة أقوى مما تقدمت أن السلف كانوا يسمعون من عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين وهن يحدثن من وراء حجاب من غير نكير إجماعًا.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 58؛ فتح المغيث 2/ 52؛ التدريب 2/ 28؛ توضيح الأفكار 2/ 308.

(2)

قال السخاوي: وبه صرح غير واحد من الأئمة منهم ابن خلاد في المحدث الفاصل في مسألتنا، بل زاد ابن خلاد، أن الشيخ لو قال للتلميذ: هذه روايتي لكن لا تروها عني ولا أجيزها لك لم يضره ذلك وتبعه القاضي عياض، فقال: وما قاله صحيح لا يقتضي النظر سواه لأنه قد حدثه وهو شيء لا يرجع فيه فلا يؤثر منعه. قال: ولا أعلم مقتدى به قال خلاف هذا في تأثير منع الشيخ ورجوعه عما حدث به من حدثه وأن ذلك يقطع سنده عنه، وقياس من قاس الرواية هنا على الشهادة غير صحيح لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإِشهاد، ولا كذلك الرواية فإنها متى صح السماع صحت بغير إذن من سمع منه انتهى. فتح المغيث 2/ 53؛ المحدث الفاصل، ص 452؛ الإِلماع، ص 110، 112. وانظر: الكفاية، ص 348؛ الباعث الحثيث، ص 118.

ص: 367

وسئل (1) الأستاذ أبو إسحق الاسفرائيني عن محدث خص بالسماع قومًا فجاء غيرهم، فسمع من غير علم المحدث، فقال: يجوز له روايته عنه. ولو قال المحدث: أخبركم، ولا أخبر فلانًا لم يضره (2). والله أعلم.

القسم الثالث: من أقسام (أ) طرق نقل الحديث وتحمله: الإِجازة:

هي أنواع (3): الأول: أن يجيز لمعين معينًا، كقوله: أجزتك الكتاب الفلاني أو ما اشتملت عليه فهرستي (4) هذه، فهذه أعلى (5) أنواع الإِجازة المجردة عن المناولة.

(أ) في (هـ): أقسام طرق الحديث ونقله. وهو خطأ.

(1)

سأله أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك النيساري عنه في جملة من الأسئلة، قال السخاوي: وهو في جزء مفرد عندي.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 133؛ فتح المغيث 2/ 54.

(2)

لكنه لا يحسن في الأداء أن يقول: حدثني ونحوها مما يدل على أن الشيخ رواه، كما تقدم في أول أقسام التحمل. فتح المغيث 2/ 54.

(3)

أي سبعة حسبما ذكره المصنف تبعًا لابن الصلاح والحق أنها تسعة كما ذكره العراقي والسخاوي والأنصاري وقد أدرج ابن الصلاح الخامس في الرابع والسابع في السادس.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 60؛ فتح المغيث 2/ 58؛ فتح الباقي 2/ 60.

(4)

الفهرس: بالكسر، الكتاب الذي تجمع فيه الكتب معرب فهرست وقد فهرس كتابه، وأطلقوا على الكتاب الذي يجمع فيه مرويات الشيخ، وهو المراد هنا. فتح المغيث 2/ 59؛ القاموس 2/ 238.

وانظر: تاج العروس 4/ 211؛ النكت الوفية (53/ أ)؛ وأيضًا النكت 1/ 231، الطبعة الأولى.

(5)

قال السخاوي: قيل: بل هي أقوى من السماع لأنه أبعد من الكذب وأنفى عن التهمة وسوء الظن والتخلص من الرباء والعُجب. وقيل: هما سواء. وخص =

ص: 368

واختلف العلماء في جواز الرواية بالإِجازة (أ)، فأبطلها جماعة من المحدثين (1) والفقهاء (1) وأصحاب الأصول (1)، وهو إحدى الروايتين عن الشافعي (2)، وبه قطع من الشافعيين أبو بكر (3) محمد بن ثابت الخجندي، والقاضيان حسين (4)

(أ) في (ت): بها. بدل الإِجازة.

= بعضهم الاستواء بالأزمان المتأخرة التي حصل التسامح فيها في السماع بالنسبة للمتقدمين لكونه آل لتسلسل السند إذ هو حاصل بالإِجازة. وقال: الحق أن الإِجازة دون السماع لأنه أبعد عن التصحيف والتحريف انتهى. فتح المغيث 2/ 58.

وانظر: التدريب 2/ 31 أيضًا.

(1)

انظر: الكفاية، ص 314 - 317؛ التبصرة والتذكرة 2/ 62؛ فتح المغيث 2/ 60؛ التدريب 2/ 30؛ الأحكام في أصول الأحكام للآمدي 1/ 280.

(2)

انظر: قول الشافعي من طريق الربيع بن سليمان في الكفاية، ص 317، وهو رواية عن مالك في الكفاية، ص 316، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف كما حكاه الآمدي.

قال الخطيب: قول مالك والشافعي محمولان على الكراهة لأنه قد حفظ عنهما الإِجازة لبعض أصحابها وسنذكر الخبر بذلك في موضعه ثم ذكرهما في الكفاية، ص 323، 324.

وانظر: المحدث الفاصل، ص 448؛ الإِلماع، ص 93، 94؛ الأحكام للآمدي 1/ 280؛ فتح المغيث 2/ 64.

(3)

هو الإِمام العلامة غزير الفضل حسن السيرة أبو بكر محمد بن ثابت بن الحسن الخجندي الشافعي الواعظ نزيل أصبهان ومدرس نظاميتها صاحب يد باسطة في لنظر والأصول، توفي سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. طبقات الشافعية 3/ 50؛ شذرات الذهب 3/ 368، وحكى الخجندي مثل ما قال عن أبي طاهر الدباس أحد الأئمة الحنفية. مقدمة ابن الصلاح، ص 135.

(4)

هو الفقيه أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد القاضي المروروذي، شيخ الشافعية في زمانه وأحد رفعاء الشافعية ومن له الصيت في الآفاق توفي سنة اثنتين وستين =

ص: 369

والماوردي (1) وعزاه الماوردي في كتابه الحاوي إلى مذهب الشافعي ونقله في خطبة (2) الحاوي عن الفقهاء مطلقًا، وبه قال من المحدثين إبراهيم الحربي (3) وأبو الشيخ (4) الأصبهاني وأبو نصر الوايلي، وحكاه أبو نصر عن جماعة من أهل العلم (5).

= وأربعمائة. طبقات الشافعية 3/ 155؛ وفيات الأعيان 2/ 134؛ اللباب 3/ 198.

(1)

هو الإِمام الجليل القدر الرفيع المقدار والشأن أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب المعروف بالماوردي رمى بالاعتزال، صاحب الحاوي والإِقناع وهو منسوب إلى بيع ماء الورد، توفي سنة خمسين وأربعمائة. طبقات الشافعية 3/ 303؛ اللباب 3/ 156.

(2)

انظر: خطبة الحاوي (1/ ق، 7/ ب)، مخطوطة دار الكتب بالقاهرة، فقه شافعي (طلعت) رقم 189.

(3)

انظر: قول الحربي من طريق سليمان الجلاب في الكفاية، ص 316، وقوله: الإِجازة والمناولة لا تجوز وليس هي شيئًا.

(4)

هو حافظ أصبهان ومسند زمانه الإِمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري صاحب المصنفات السائرة ويعرف بأبي الشيخ، توفي سنة تسع وستين وثلاث مائة. تذكرة الحفاظ 3/ 945؛ شذرات الذهب 3/ 69.

وانظر: قول أبي الشيخ في الكفاية، ص 313، من طريق أبي نعيم الأصبهاني: ما أدركت أحدًا من شيوخنا إلا وهو يرى الإِجازة ويستعملها، سوى أبي الشيخ، فإنه كان لا يعدها شيئًا. انتهى.

(5)

ذكر ابن الصلاح قوله: وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون: قول المحدث: قد أجزت لك أن تروي عني، تقديره: قد أجزت لك ما لا يجوز في الشرع، لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع انتهى.

وكذا نقل إمام الحرمين عن كثير من الأصوليين، واختار هو التعويل على ذلك مع تحقيق الحديث.

وقال ابن حزم الإِجازة المجردة التي يستعملها الناس باطلة، ولا يجوز أن يجيز بالكذب. ومن قال لآخر إرو عني جميع روايتي أو يجيزه بها ديوانًا ديوانًا وإسنادًا، =

ص: 370

والمذهب الصحيح الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير العلماء من المحدثين وغيرهم: جواز الرواية بها (1)، وبالغ في ذلك أبو الوليد الباجي (2) المالكي فقال: لا خلاف في جواز الرواية بالإِجازة (3)، وغلط في ادعاءه (4) الإِجماع.

ووجه الجواز أن المجيز (أ) مخبر بمروياته جملة، فصح كما لو أخبر

(أ) في (هـ): المخبر. بدل: المجيز.

= فقد أباح له الكذب، ولم تأت من النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن أحد من التابعين وأتباعهم فحسبك بما هذه صفته انتهى. مقدمة ابن الصلاح، ص 135؛ البرهان 1/ 645؛ الأحكام لابن حزم 1/ 325. وانظر: الالماع، ص 89؛ وفتح المغيث 2/ 61؛ التدريب 2/ 30.

(1)

وقد ذكر الخطيب أسماء رهط كبير لا يتسع المقام لذكرهم. وكذلك حكاه الآمدي عن أصحاب الشافعي وأحمد وأكثر المحدثين. الكفاية، ص 313؛ الأحكام للآمدي 1/ 280.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 63؛ فتح المغيث 2/ 63؛ التدريب 2/ 29.

وقصر أبو مروان الطبني الصحة على هذا القسم خاصة فقال: إنما تصح الإِجازة عندي، إذا عين المجيز للمجاز ما أجاز له، فله أن يقول فيه: حدثني، قال: وعلى هذا رأيت إجازات أهل المشرق وما رأيت مخالفًا له بخلاف إذا أبهم ولم يسم ما أجازه. انتهى. حكاه القاضي عياض في الإِلماع، ص 89، 90.

(2)

هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي المالكي الباجي، كان من علماء الأندلس وحفاظها وقضاتها، قدم بغداد وروى عن الخطيب وروى الخطيب عنه، توفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة. وفيات الأعيان 2/ 480؛ شذرات الذهب 3/ 344.

(3)

وتمام كلامه. من سلف هذه الأمة وخلفها. الإِلماع، ص 89؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 134.

(4)

تقدمت أقوال ناقضة لهذا الادعاء آنفًا في هذا النوع، ص 369.

ص: 371

تفصيلًا وإخباره لا يفتقر إلى التصريح نطقًا كالقراءة على الشيخ (1)، ثم إنه (أ) كما يجوز الرواية بالإِجازة يجب العمل بها (2). وقال بعض أهل الظاهر ومن تابعهم: لا يجب، بل هو كالمرسل (3)، وهذا باطل (4). والله أعلم.

النوع الثاني: من الإِجازة: إجازة معين في غير معين، كقوله: أجزتك مسموعاتي أو مروياتي (5).

(أ) كلمة: أنه. ساقطة من (هـ).

(1)

قال ابن الصلاح: إنما الغرض حصول الإِفهام والفهم وذلك حاصل بالإِجازة. انتهى. وهذا تمام كلامه. ابن الصلاح، ص 136؛ المنهل الروي، ص 94؛ المقنع 2/ 222.

(2)

قال الخطيب: وهذا قول الدهماء من العلماء. وعلله السخاوي بقوله: لأنه خبر متصل الرواية فوجب العمل به كالسماع إلا لمانع آخر. انتهى. الكفاية، ص 211؛ فتح المغيث 2/ 66.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 136؛ التبصرة والتذكرة 2/ 63؛ المقنع 1/ 222.

(3)

الكفاية، ص 311؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 136؛ المنهل الروي، ص 94؛ التبصرة والتذكرة 2/ 63؛ المقنع 1/ 222؛ فتح المغيث 2/ 66.

(4)

قال ابن الصلاح: لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به. أي بخلاف المرسل، فلا إخبار فيه البتة قاله السخاوي. وسبق الخطيب ابن الصلاح فقال: اعتلال من لم يقبل أحاديث الإِجازة بأنها تجري مجرى المراسيل والرواية عن المجاهيل، فغير صحيح لأنا نعرف المجيز بعينه وأمانته وعدالته فكيف يكون بمنزلة من لا نعرفه. انتهى. مقدمة ابن الصلاح، ص 136؛ فتح المغيث 2/ 66؛ الكفاية، ص 317.

(5)

قال الخطيب: يجب على الطالب الذي أطلقت له الإِجازة أن يتفحص عن أصول الراوي من جهة العدول الإِثبات، فما صح عنده من ذلك جاز له أن يحدث به، ويكون مثال ما ذكرناه من قول الرجل: قد وكلتك في جميع ما صح عندك أنه =

ص: 372

فالخلاف (أ) فيه (1) أقوى وأكثر والجمهور (2) من المحدثين (والفقهاء)(ب) وغيرهم على جواز الرواية بها (ج) ووجوب العمل (2).

النوع الثالث: أن يجيز لغير معين بوصف العموم (3)، كقوله: أجزت للمسلمين (د) أو لكل أحد، أو لمن أدرك زماني (3)، وما أشبهه (هـ) ففيه خلاف (3)

(أ) في (ك): والخلاف.

(ب) لفظ: الفقهاء. ساقط من ت. وفي (ص): من الفقهاء والمحدثين، والذي أثبتناه من (ك) و (هـ) ومقدمة ابن الصلاح.

(ج) كلمة: بها. ساقطة من (ص).

(د) في (ك): المسلمين.

(هـ) في (ك): أو. بدل: و.

= ملك لي أن تنظر لي فيه على وجه الوكالة المفروضة، فإن هذا ونحوه عند الفقهاء من أئمة المدينة صحيح، ومتى صح عنده ملك للمؤكل، كان له التصرف فيه، وكذلك هذه الإِجازة المطلقة متى صح عنده في الشيء أنه من حديثه، جاز له أن يحدث به عنه انتهى. الكفاية، ص 334؛ فتح المغيث 2/ 67.

(1)

أي في كل من جواز الرواية ووجوب العمل، بل لم يحك أحد الإِجماع فيه لأنه لم ينص له في الإِجازة على شيء بعينه ولا أحاله على تراجم كتب بعينها من أصوله ولا من الفروع المقرؤة عليه، وإنما أحاله على أمر عام، وهو في تصحيح ما روى الناس عنه على خطر لا سيما إذا كان كل منهما في بلد انتهى. فتح المغيث 2/ 66.

وانظر: الكفاية، ص 334.

(2)

أي سلفًا وخلفًا رواية وعملًا بالمروي به بشرطه الآتي في شرط الإِجازة. قاله السخاوي، فتح المغيث 2/ 66.

وانظر: الإِلماع، ص 91؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 136؛ المنهل الروي، ص 94؛ التبصرة والتذكرة 2/ 64؛ المقنع 1/ 222.

(3)

قال القاضي عياض: هذه الإِجازة على ضربين: معلقة بوصف ومخصوصة بوقت، أو مطلقة. فأما المخصوصة والمعلقة بقولك: أجزت لمن لقيني أو لكل من قرأ على =

ص: 373

للمتأخرين المجوزين (أ) لأصل الإِجازة. فإن كان مقيدًا بوصف حاصر (1)، فهو إلى الجواز أقرب (1)، وجوز الخطيب جميع ذلك. وجوز القاضي أبو الطيب (2) الإِمام المحقق الإِجازة لجميع المسلمين الموجودين

(أ) في (هـ): المجيزين.

= العلم، أو لمن كان من طلبة العلم، أو لأهل بلد كذا أو لبني هاشم، أو قريش. والمطلقة: أجزت لجميع المسلمين، أو لكل أحد.

فهذه الوجوه تفترق، وفي بعضها اختلاف: فذهب القاضي أبو الطيب الطبري إلى صحتها فيمن كان موجودًا عند هذه الإِجازة، ولا تصح لمن لم يوجد بعد ممن هو معدوم.

وذهب القاضي الماوردي إلى منعها في المجهول كله من المسلمين من وجد منهم ومن لم يوجد.

وذهب أبو بكر الخطيب إلى جواز ذلك كله. وإليه ذهب غير واحد من مشايخ الحديث. انتهى بتصرف يسير. الإِلماع، ص 98، ولأقوال الطبري والماوردي والخطيب: الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 80، 81؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 137؛ التبصرة والتذكرة 2/ 65؛ فتح المغيث 2/ 67، 68.

والعجيب أن السيد صقر ومحقق كتاب المنهل الروي عزياه إلى الكفاية، ص 325، ولم أجده فيها بعد البحث والتنقيب وإنما وجدته في الإِجازة للمجهول كما تقدم.

(1)

لم يجزم المصنف في هذه الصورة بالمنع أو الصحة، والصحيح في هذه الصورة الصحة، فقد نص عليه القاضي عياض فقال: ما أحسبهم اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإِجازة، ولا رأيت منعه لأحد، لأنه محصور موصوف كقوله: لأولاد فلان أو إخوة فلان انتهى. الإِلماع، ص 101.

وانظر: التقييد والإِيضاح، ص 182؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 137؛ التبصرة والتذكرة 2/ 66؛ فتح المغيث 2/ 74.

(2)

هو الإِمام الجليل القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري أحد حملة مذهب الشافعي ورفعائه كان بحرًا غواصًا متسع الدائرة عظيم العلم =

ص: 374

عندها. وأجاز أبو عبد الله (1) بن مندة لمن قال: لا إله إلا الله (2). وأجاز أبو عبد الله بن عتاب (3) وغيره من أهل المغرب لمن دخل قرطبة من طلبة العلم (4). وقال أبو بكر (5) الحازمي الحافظ: الذين أدركتهم من الحفاظ كأبي العلاء وغيره، كانوا يميلون إلى جواز هذه الإِجازة العامة (6).

قال الشيخ (7) رحمه الله: ولم يسمع عن أحد ممن يقتدي به أنه

= جليل القدر كبير المحل، تفرد في زمانه وتوحد توفي سنة خمسين وأربعمائة عن مائة واثنتين. طبقات الشافعية 3/ 176؛ البداية 12/ 79؛ تاريخ بغداد 9/ 358.

(1)

هو الإِمام الحافظ الجوال محدث العصر أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي يعقوب إسحاق بن يحيى بن مندة، صاحب التصانيف طوف الدنيا وكتب ما لا ينحصر، توفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1031؛ شذرات الذهب 3/ 146.

(2)

قال ابن الصلاح: روينا عن أبي عبد الله بن منده، ثم ذكر قوله. مقدمة ابن الصلاح، ص 137.

(3)

هو أبو عبد الله محمد بن عتاب الأندلسي.

(4)

انظر: قول ابن عتاب من طريق أبي الأصبغ عيسى بن سهل مسندًا في الإِلماع، ص 99.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 137.

(5)

هو الإِمام البارع النسابة أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن حازم الحازمي ولد سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، كان الحافظ أبو موسى يفضله على عبد الغني المقدسي ويقول: ما رأيت شابًا أحفظ منه، توفي سنة أربع وثمانين وخمسمائة. تذكرة الحفاظ 4/ 1363؛ شذرات الذهب 4/ 282.

(6)

وأسند ابن الصلاح قول الحازمي، فقال: أنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإِجازة العامة. ثم ذكر جوابه. مقدمة ابن الصلاح، ص 137.

وانظر: لقوله أيضًا شذرات الذهب 4/ 282.

(7)

مقدمة ابن الصلاح، ص 137.

ص: 375

استعمل هذه الإِجازة فروى بها، ولا عن الشرذمة (1) التي سوغتها، وفي أصل الإِجازة ضعف فتزداد بها ضعفًا كثيرًا لا ينبغي احتماله (2).

(1) الشرذمة بالكسر: الطائفة من الناس، والقطعة من الشيء. وثوب شراذم أي قطع. الصحاح 5/ 1960؛ القاموس 4/ 136، مادة (ش ذ م).

(2)

قال العراقي: فيه أمران: الأول: أن ما رجحه المصنف من عدم صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين وصححه النووي في الروضة من زياداته، فقال: الأصح جوازها. انتهى.

وممن أجازها أبو الفضل أحمد بن الحسين بن خيرون البغدادي وأبو الوليد بن رشد المالكي وأبو طاهر السلفي وخلائق كثيرون جمعهم الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي البدر الكاتب البغدادي ورتبهم على حروف المعجم.

والثاني: أن المصنف ذكر، أنه لم يرو لم يسمع أن أحدًا ممن يقتدى به روى بها، وقد أحسن من وقف عندما انتهى إليه، ومع هذا فقد روى بها بعض الأئمة المتقدمين على ابن الصلاح كالحافظ أبي بكر محمد بن خير بن عمر الأموي روى في برنامجه المشهور بالإِجازة العامة، وحدث بها من الحفاظ من المتأخرين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي وسمع بها أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي وأبو محمد البرزالي على الركن الطاؤوسي، وقرأ بها شيخنا العلائي، وبالجملة ففي النفس من الرواية بها شيء والاحتياط ترك الرواية بها. والله أعلم.

وقال السخاوي: غير أنه اغتفر في الطلب ما لم يغتفر في الأداء بحيث أن أهل الحديث يقولون: إذا كتبت فقمش أي اجمع ما وجدت، وإذا حدثت ففتش أي تثبت عند الرواية، بل نقل شيخنا عدم الاعتداد بها عن متقني شيوخه ولم يكن هو أيضًا يعتد بها، وقال في توضيح النخبة له: إن القول بها توسع غير مرضي، لكنها في الجملة خير من إيراد الحديث معضلًا.

قال السخاوي: وبالجملة فلم تطب نفسي للأخذ بها فضلًا عن الرواية. انتهى. كلام العراقي والسخاوي بخذف كثير. التقييد والإِيضاح، ص 182؛ فتح المغيث 2/ 73؛ وروضة الطالبين 11/ 157؛ ومعجم السفر (ج 2/ 80/ أ)؛ نزهة النضر، ص 65؛ التبصرة والتذكرة 2/ 66؛ التدريب 2/ 33؛ وفهرست ابن خير، ص 453 - 456.

ص: 376

وهذا الذي قاله الشيخ خلاف ظاهر كلام هؤلاء الأئمة المحققين والحفاظ المتقنين، وخلاف مقتضى صحة هذه الإِجازة. وأي فايدة لها إذا لم يروها (1) والله أعلم.

والنوع الرابع: الإِجازة لمجهول أو به (أ)، كقوله: أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي، وفي وقته جماعة مشتركون في هذا الاسم والنسب ولا يعين (2) واحدًا.

أو أجزت لفلان كتاب السنن، وهو يروي جماعة (3) من كتب السنن المعروفة بذلك ولا يعين (4). فهذه إجازة باطلة (5) لا فائدة فيها.

(أ) في (ت): أو إجازة مجهول. وفي سائر النسخ ما أثبته.

(1)

قال العراقي: لا يحسن هذا الاعتراض على المصنف، فإنه إنما أنكر أن يكون رأي أو سمع عن أحدًا أنه استعملها فروى بها ولا يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها إما لاستغنائها عنها بالسماع أو احتياطًا للخروج من خلاف من منع الرواية بها انتهى. التقييد والإِيضاح، ص 182.

(2)

هذا مثال الإِجازة للمجهول.

(3)

هذا مثال الإِجازة بالمجهول، وقد تكون الجهالة فيهما معًا، كأن يقول: أجزت جماعة بعض مسموعاتي. أو كتاب السنن.

(4)

أي إن اتضح بقرينة فصحيحة.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 68؛ فتح المغيث 2/ 76؛ التدريب 2/ 35.

(5)

أي إن لم يتضح مراد المجيز من ذلك كله بقرينة، للجهل في هذه الصور كلها عند السامع وعدم التمييز فيه وكونه مما لا سبيل لمعرفته وتمييزه وممن صرح ببطلان هذه الإِجازة القاضي عياض، قال: إذ لا سبيل إلى معرفة هذا المبهم ولا تعيينه. وكذلك ابن الصلاح والخطيب البغدادي والمصنف في زوائده في الروضة، ص 90؛ الإِلماع، ص 101؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 138؛ الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 79.

وانظر: نزهة النظر، ص 65؛ فتح المغيث 2/ 75.

ص: 377

أما إذا أجاز لمسمين (أ) معينين بأنسابهم والمجيز جاهل بأعيانهم فلا تقدح في صحة الإِجازة كما لا يقدح عدم معرفته إذا حضر شخصه في السماع (1) منه.

وإذا أجاز لمسمين في الاستجازة ولم يعرفهم بأعيانهم ولا بأنسابهم ولا عرف عددهم ولا تصفحهم صحت الإِجازة، كما إذا سمعوا (2) منه في مجلسه على هذا (ب) الحال.

وأما إذا قال (3): أجزت لمن يشاء فلان، أو نحو ذلك ففيه جهالة وتعليق بشرط (4)، فالأظهر، أنها لا تصح (5) وبه أفتى القاضي أبو الطيب

(أ) في (ك): لمسلمين.

(ب) في (ص): هذه. بصيغة التأنيث.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 138؛ الإِلماع، ص 101؛ المقنع 1/ 225؛ التدريب 2/ 35.

(2)

قال السخاوي: وإن توقف بعضهم في قياس هذه الإِجازة على السماع من أجل أنه لا يلزم من كون قسم السماع لم يتأثر بذلك أن تكون الإِجازة كذلك لا مكان ادعاء القدح في الإِجازة دون السماع، فالقياس ظاهر، لأنه إذا صح في السماع الذي الأمر فيه أضيق لكونه لا يكون لغير الحاضر مع الجهل بعينه، فصحته مع ذلك في الإِجازة التي الأمر فيها أوسع لكونها للحاضر وللغائب من باب أولى. انتهى. فتح المغيث 2/ 76.

(3)

من هنا يبدأ النوع الخامس عند العراقي والسخاوي، ولم يفرده ابن الصلاح عن الذي قبله، وتبعه المصنف، بل قال فيه ابن الصلاح: ويتشبث بذيله الإِجازة المعلقة بشرطه، وذكره لكن إفراده حسن، خصوصًا والصورة الأخيرة منه كما سيأتي لا جهالة فيها. فتح المغيث 2/ 77.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 69؛ التدريب 2/ 35.

(4)

قال ابن الصلاح: فإن ما يفسد بالجهالة يفسد بالتعليق على ما عرف عند قوم. مقدمة ابن الصلاح، ص 138.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 138؛ التبصرة والتذكرة 2/ 69؛ فتح المغيث 2/ 78؛ التدريب 2/ 35؛ فتح الباقي 2/ 70.

ص: 378

الطبري الشافعي (لجهالته)(أ) وهو كقوله: أجزت لبعض الناس (1).

وقال أبو يعلي (2) بن الفراء الحنبلي وأبو الفضل (3) بن عمروس (ب) المالكي: تصح (4) لأن (5) الجهالة ترتفع عند وجود المشيئة بخلاف جهالة بعض الناس (5).

(أ) كلمة: لجهالته. مشطوبة في (ت) وموجودة في جميع النسخ.

(ب) على هامش (ك): قوله: عمروس. قال في القاموس: بضم العين وفتحها من المحدثين.

(1)

روى قول الطبري الخطيب: قال: سألته عن ذلك، فقال: لا يصح، لأنها إجازة المجهول، فهي كقوله: أجزت لبعض الناس من غير تعيين. قال الخطيب: وشبه من منع صحتها لتعلقها بالشرط بالوكالة، فإنه إذا قال: وكلتك إذا جاء رأس الشهر، لم يصح عند الشافعي وكذلك إذا علق الإِجازة بمشيئة فلان. انتهى.

وكذا ذكر منعها الخطيب البغدادي عن الماوردي قال: لأنه تحمل يحتاج إلى تعيين المتحمل. انتهى. الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 81 - 82، 79؛ الإِلماع، ص 103.

وانظر: فتح المغيث 2/ 78.

(2)

هو أبو يعلي بن الفراء شيخ الحنابلة محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي، كان أحد الفقهاء الحنابلة صاحب التصانيف، كان إمامًا لا يدرك قراره ولا يشق غباره، توفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. تاريخ بغداد 2/ 256؛ شذرات الذهب 3/ 206.

(3)

هو أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن أحمد بن عمروس البزار المالكي الفقيه.

قال الخطيب: انتهت إليه الفتوى ببغداد على مذهب مالك، وكان من القراء المجودين، توفي سنة إثنتين وخمسين وأربعمائة. تاريخ بغداد 2/ 339؛ شذرات الذهب 3/ 290.

(4)

انظر: قول أبي يعلي وابن عمروس وموافقة الخطيب لهما في الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 82.

انظر: الإِلماع، ص 102؛ التدريب 2/ 35.

(5)

قاله ابن الصلاح استدلالًا لمذهب أبي يعلي وابن عمروس، لا كما يتوهم من =

ص: 379

ولو قال: أجزت لمن يشاء الإِجازة، فهو (1) كأجزت لمن شاء (أ) فلان، وهذه أكثر جهالة لأنها معلقة على مشيئة من لا يحصر (2).

فإن (ب) قال: أجزت لمن يشاء الرواية عني فهذا أولى (3) بالجواز لأن مقتضى الإِجازة تفويض الرواية بها إلى مشيئته، فكان هذا

(أ) في (ت): يشاء.

(ب) في (ص) و (هـ): وان.

= منظومة العراقي: معًا أبو يعلي الإِمام الحنبلي، ومع ابن عمروس وقالا ينجلي. أن القائل لهذا القول أبو يعلي وابن عمروس وعليه يدل قول السيوطي أيضًا، فليتنبه لذلك. مقدمة ابن الصلاح، ص 139؛ الفية العراقي مع التبصرة 2/ 69؛ التدريب 2/ 35.

وانظر: فتح المغيث 2/ 78.

(1)

أي في البطلان أو الصحة. كما تقدم حكمه.

(2)

أي والثانية متعلقة بمشيئة معين مع اشتراكهما في جهالة المجاز. فتح المغيث 2/ 77.

(3)

واستظهر ابن الصلاح للأولوية بتجويز بعض الشافعية في البيع أي وهو الأصح أن يقول: بعتك هذا بكذا إن شئت، فيقول: قبلت. ونازعه العراقي في هذا القياس بأن المبتاع معين في مسألة البيع والشخص المجاز مبهم في مسألة الإِجازة. وكذا تعقبه البلقيني بأنه ليس التعليق في مسألة البيع للإِيجاب على ما عليه تفرع من جهة التصريح بمقتضي الاطلاق، فإن المشتري بالخيار، إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل، لتوقف تمام البيع على قبوله بخلافه في الإِجازة فلا يتوقف على القبول، فيكون قوله: أجزت لمن شاء الرواية، تعليقًا لأنه قبل مشيئة الرواية لا يكون مجازًا وبعد مشيئتها يكون مجازًا. وحينئذ فلا يصح، لأنه يؤدي إلى تعليق وجهل وذلك باطل كما تقدم. التقييد والإِيضاح، ص 185؛ محاسن الاصطلاح، ص 269 - 270.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 72؛ فتح المغيث 2/ 80؛ والتدريب 2/ 36.

ص: 380

تصريحًا بما يقتضيه الإِطلاق لا تعليقًا (1).

أما إذا قال: أجزت لفلان كذا إن شاء روايته عني، أو لك إن شئت أو أحببت أو أردت. فالأظهر أنه جائز، لانتفاء الجهالة ومعنى التعليق (2) والله أعلم.

النوع الخامس (3): الإِجازة للمعدوم.

واختلف (4) المتأخرون في جوازها. وصورتها أن يقول: أجزت لمن يولد لفلان. فإن عطف المعدوم على الموجود، فقال: أجزت لفلان ومن يولد له. أو أجزت لك ولعقبك ما تناسلوا، كان أقرب إلى الجواز من الأول (5)،

(1) يعني أنه وإن كان شرطًا لفظيًا فهو لازم حصوله بحصولها، فكان ذكره وعدم ذكره سواء في عدم التأثير. فتح المغيث 2/ 80.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 139؛ المنهل الروي، ص 95؛ اختصار علوم الحديث، ص 120؛ التبصرة والتذكرة 2/ 73؛ المقنع 1/ 226؛ فتح المغيث 2/ 80؛ التدريب 2/ 36.

(3)

هذا نوع سادس بالنسبة لما ذكره العراقي والسخاوي، كما تقدم الكلام عليه في النوع الأول.

(4)

الإِلماع، ص 104؛ مقدمة لابن الصلاح، ص 140.

(5)

أي مما أفرده بالإِجازة قياسًا على الوقف على المعدوم حيث صح فيما كان معطوفًا على موجود كما قال به أصحاب الشافعي وأما الوقف على المعدوم ابتداء كعلى من سيولد لفلان فلا على المذهب لأنه منقطع الأول، قال السخاوي: ولا شك أنه يغتفر في التبع والضمن ما لا يغتفر في الأصل. وقد جزم ابن حجر بعدم الصحة في القسم الأول وبأن عدم الصحة الأقرب في القسم الثاني. نزهة النظر ص 65؛ فتح المغيث 2/ 82؛ التدريب 2/ 37.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 74.

ص: 381

وقد أجاز أصحاب (أ) الشافعي (1) في الوقف القسم الثاني دون الأول.

وأجاز أصحاب مالك وأبو حنيفة القسمين في الوقف (2). وفعل الثاني في الإِجازة من المحدثين أبو بكر (3) ابن أبي داود السجستاني (4).

(أ) في (هـ): أجاز بعض أصحاب

الخ.

(1)

قد أجاز الشافعي نفسه ونص عليه في وصيته المكتتبة في كتاب الأم فأوصى فيها أوصياء على أولاده الموجودين ومن يحدثه الله له من الأولاد. الأم 4/ 129 - 130.

وانظر: محاسن الاصطلاح، ص 271؛ فتح المغيث 2/ 81.

(2)

انظر: الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 81؛ الإِلماع، ص 105؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 140؛ التبصرة والتذكرة 2/ 75. قال السخاوي: أي فيلزم الأحناف والموالك القول به في الإِجازة من باب أولى، لأن أمرها أوسع من الوقف الذي هو تصرف مالي، إلا أن يفرقوا بين البابين بأن الوقف ينتقل إلى الثاني عن الأول، وإلى الثالث عن الثاني بخلاف الإِجازة فهي حكم تتعلق بالمجيز والمجاز له حسب ما حكاه الخطيب عن بعض أصحابه انتهى بحذف. فتح المغيث 2/ 83.

وانظر: الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 81.

(3)

هو الحافظ العلامة قدوة المحدثين أبو بكر عبد الله بن الحافظ الكبير أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب التصانيف، قال صالح بن أحمد الهمداني: كان ابن أبي داؤد أمام أهل العراق، وقد كان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه، ولم يبلغوا في الآلة والاتقان ما بلغ هو، توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة. تذكرة الحفاظ 2/ 767؛ شذرات الذهب 2/ 273.

(4)

انظر: قول ابن أبي داود مسندًا في الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 79؛ والكفاية، ص 325، عن أبي الحسن أحمد بن علي بن الحسن بن البادا ويقال له: البادي بالياء. أيضًا، وفي الإِلماع، ص 105؛ بسند الخطيب ونص كلامه: قد أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة، قال الخطيب: "يعني الذين لم يولدوا =

ص: 382

وأجاز الخطيب القسم الأول (1)، وحكاه عن ابن (2) الفراء وابن عمروس (2)، وحكاه أبو نصر بن الصباغ عن قوم (3) لكونها إذنًا، ثم أبطله (4)، وبإبطالها (أ) قال القاضي أبو الطيب (5)، وهو الصحيح الذي

(أ) في (ك): وبإبطاله.

= بعد": وقال: فإني لم أر لأحد من شيوخ المحدثين في ذلك قولًا ولا بلغني عن المتقدمين في ذلك رواية.

انظر أيضًا: مقدمة ابن الصلاح، ص 140.

(1)

قال الخطيب: لا فرق بينهما عندي. قال عياض: قياسًا على الوقف عند القائلين بإجازة الوقف على المعدوم من المالكية والحنفية، ولأنه إذا صحت الإِجازة مع عدم اللقاء وبعد الديار وتفريق الأقطار، فكذلك مع عدم اللقاء وبعد الزمان وتفريق الأعصار. الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 81.

وانظر الكفاية أيضًا، ص 325 - 326؛ الإِلماع، ص 105.

وانظر: فتح المغيث 2/ 82؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 140.

(2)

انظر: قوليهما في الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 81؛ والإِلماع، ص 104؛ وزاد فيه أبا عبد الله الدامغاني الحنفي وقال عياض: أجازها معظم الشيوخ المتأخرين وبها استمر عملهم بعد شرقًا وغربًا انتهى.

وانظر أيضًا: فتح المغيث 2/ 83.

(3)

هذا يعتبر استدراكًا على قول الخطيب المتقدم في الهامش رقم 4: لم يبلغني عن المتقدمين في ذلك رواية. وعليه مشى السخاوي حيث قال: لكن قد عزى شيخنا لأبي عبد الله بن مندة استعمالها وابن الصباغ جوازها لقوم. انتهى. فتح المغيث 2/ 80.

وانظر: نزهة النظر، ص 65.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 140؛ التبصرة والتذكرة 2/ 75.

(5)

وهو طاهر بن عبد الله الطبري.

وانظر: قوله في الإِجازة للمجهول والمعدوم، ص 80، قال الخطيب: وقد كان قال لي قديمًا أنه يصح. وعزى هذا المنع إلى الماوردي، ص 79؛ وفي الإِلماع، ص 105.

ص: 383

لا ينبغي غيره، لأن الإِجازة في حكم الإِخبار جملة بالمجاز (أ)، ولا يصح الإِخبار للمعدوم ولو قدرناها إذنًا، لم يصح أيضًا، كما لا يصح الإِذن في باب الوكالة للمعدوم (1).

وأما الإِجازة (2) للطفل الذي لا يميز فصحيحة قطع به القاضي أبو الطيب (3) والخطيب (ب)، قال الخطيب (ج): وعلى هذا عهدنا شيوخنا كافة، يجيزون للأطفال الغيب ولا يسألون عن أسنانهم وتمييزهم (4)، لأنها إباحة للرواية، والإِباحة (5)(د) تصح للعاقل وغير العاقل (6).

(أ) في (ك): بالمجاز جملة.

(ب) لفظ: والخطيب ساقط من (ص).

(ج) كلمة: قال الخطيب. ساقط من (ك) و (هـ).

(د) في (ص) و (هـ): والرواية.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 141؛ فتح المغيث 2/ 82؛ التدريب 2/ 37؛ المقنع 1/ 226.

(2)

هذا نوع سابع بالنسبة لما ذكره العراقي وأفرده بنوع مستقل وضم إليها الإِجازة للمجنون والكافر والحمل.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 75؛ فتح المغيث 2/ 84؛ التدريب 2/ 38.

(3)

هو الطبري. وانظر: قوله في الكفاية، ص 325؛ بسؤال الخطيب له.

(4)

قال ابن الصلاح: كأنهم رأو الطفل أهلًا لتحمل هذا النوع، من أنواع تحمل الحديث ليؤدي به بعد حصول أهليته حرصًا على توسيع السبيل إلى بقاء الإِسناد الذي اختصت به هذه الأمة وتقريبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. المقدمة، ص 142. وانظر أيضًا: فتح المغيث 2/ 84.

(5)

قال الخطيب: وليس نريد بقولنا: الإِباحة الإِعلام، وإنما نريد به ما يضاد الحظر والمنع. انتهى. الكفاية، ص 326.

(6)

انظر: قول الخطيب كاملًا في الكفاية، ص 325 - 326.

ص: 384

قال الخطيب: سألت القاضي أبا الطيب عنها فجوزها، فقلت: إن بعض أصحابنا قال: لا تصح (1) الإِجازة لمن لا يصح سماعه، فقال: يصح أن تجيز الغائب ولا يصح سماعه (2).

النوع السادس (3): إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله بوجه ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز.

قال القاضي الحافظ عياض: لم أر من تكلم على هذا النوع من المشايخ قال: ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه (4). ثم حكى عن أبي (5) الوليد يونس بن مغيث قاضي قرطبة أنه منع

(1) هذا القول بالبطلان ورد عن الشافعي رحمه الله فيما رواه السلفي عن الربيع بن سليمان، لمن لم يستكمل سبع سنين، ونص قول الربيع: إن الشافعي سئل الإِجازة لولد، وقيل: إنه ابن ست سنين، فقال: لا تجوز الإِجازة لمثله حتى يتم له سبع سنين.

وانظر: فتح المغيث 2/ 10، 84.

(2)

انظر: سؤال الخطيب وجواب أبي الطيب الطبري عليه في الكفاية، ص 325؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 141.

(3)

هذا نوع ثامن حسبما تقدم.

(4)

انظر: الإِلماع، ص 106؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 142؛ التبصرة والتذكرة 2/ 80؛ المقنع 1/ 227، ووجهه بعضهم بأن شرط الرواية أكثر ما يعتبر عند الأداء، لا عند التحمل، وحينئذ فسواء تحمله بعد الإِجازة أو قبلها إذا ثبت حين الأداء، أنه تحمله. انتهى. فتح المغيث 2/ 86.

(5)

هو أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث قاضي الجماعة بقرطبة ويعرف بابن الصفار، كان فقيهًا صالحًا عدلًا حجة علامة في اللغة والعربية والشعر فصيحًا مفوهًا، توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة عن إحدى وتسعين سنة. شذرات الذهب 3/ 244.

ص: 385

ذلك (1)، قال (أ) عياض: وهذا هو الصحيح (2). وهذا الذي صححه عياض، هو الصواب (ب)(3)، فعلى (4) هذا يتعين على من أراد أن يروي عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته، بأي عبارة أجاز أن يبحث حتى يعلم أن هذا

(أ) في (هـ): قال القاضي عياض.

(ب) في (ك): الصواب. وهو خطأ.

(1)

وحكاية قضية أبي الوليد حكاها أبو مروان الطبني، قال: كنت عند القاضي أبي الوليد بقرطبة. فجاءه إنسان فسأله الإِجازة له بجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه بعد، فلم يجبه إلى ذلك فغضب السائل، فنظر إليَّ يونس فقلت له: يا هذا يعطيك ما لم يأخذه هذا محال. فقال يونس: هذا جوابي انتهى. وقال القسطلاني: الأصح البطلان، فإن ما رواه داخل في دائرة حصر العلم بأصله بخلاف ما لم يروه فإنه لم ينحصر انتهى. الإِلماع، ص 106؛ التدريب 2/ 40. وانظر: فتح المغيث 2/ 87.

(2)

وتمام كلامه: فإن هذا يجيز بما لا خبر عنده منه، ويأذن في الحديث بما لم يتحدث به بعد ويبيح ما لم يعلم هل يصح له الاذن فيه، فمنعه الصواب كما قال القاضي انتهى. الإِلماع، ص 106.

(3)

قال ابن الصلاح: ينبغي أن يبني هذا على أن الإِجازة في حكم الإِخبار بالمجاز جملة، أو هي إذن. فإن جعلت في حكم الإِخبار، لم تصح هذه الإِجازة، إذ كيف يخبر بما لا خبر عنده منه.

وإن جعلت إذنًا انبنى هذا على الخلاف في تصحيح الإِذن في باب الوكالة فيما لم يملكه الآذان المؤكل بعد، مثل أن يؤكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه، وقد أجاز ذلك بعض أصحاب الشافعي، والصحيح بطلان هذه الإِجازة انتهى. مقدمة ابن الصلاح، ص 142؛ التبصرة والتذكرة 2/ 81؛ المقنع 1/ 227؛ فتح المغيث 2/ 87؛ التدريب 2/ 40.

(4)

قال السخاوي: ويلتحق بذلك ما يتجدد للمجيز بعد صدور الإِجازة من نظم أو تأليف، وعلى هذا يحسن للمصنف ومن أشبهه تاريخ صدور ذلك منه انتهى. فتح المغيث 2/ 88.

وانظر: الإِلماع، ص 107.

ص: 386

مما يتحمله شيخه قبل الإِجازة، ولو قال: أجزت لك ما صح أو يصح عندك من مسموعاتي، فليس (1) هو من هذا القبيل. وقد فعله الدارقطني (وغيره)(أ)(2). وجائز أن يروي بذلك ما صح عنده أنه سمعه قبل (3) الإِجازة، لأن الذي ذكره مقتضى الإِطلاق (4). والله أعلم.

النوع السابع (5): إجازة المجاز. كقول الشيخ: أجزت لك مجازاتي، أو أجزت لك ما أجيز لي، فمنع من ذلك بعض من لا يعتد (6) به من

(أ) كلمة: وغيره، ساقطة من (ت). وأثبتها من باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(1)

أي الفرق بين هذه والتي قبلها أنه هناك لم يرو بعد، بخلافه هنا، فقد روى انتهى. فتح المغيث 2/ 88.

(2)

قال العراقي: وكذلك، لو لم يقل: ويصح. فإن المراد بقوله: ما صح أي حالة الرواية لا حالة الإِجازة انتهى. التبصرة والتذكرة 2/ 81.

(3)

انظر: الهامش رقم 4، ص 386.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 143؛ الإِلماع، ص 107؛ التقريب 2/ 40؛ التبصرة والتذكرة 2/ 81؛ المقنع 1/ 227.

(5)

هذا نوع تاسع حسبما تقدم.

(6)

قال البلقيني: قيل: كأنه يشير إلى الإِمام العلامة الحافظ عبد الوهاب الأنماطي، فإنه جمع في ذلك شيئًا. وجزم به السيوطي. لكن قال السخاوي: حكى هذا القول أبو علي البرداني عن بعض منتحلي الحديث ولم يسمه لأن الإِجازة ضعيفة فيقوى ضعفها باجتماع إجازتين. وقول ابن الصلاح: إنه قول بعض من لا يعتد به من المتأخرين. الظاهر أنه كنى به عمن أبهمه البرداني. ويبعد إرادته للأنماطي ثم ذكر مناقبه الجمة وقال: ومن يكون بهذه المرتبة لا يقال في حقه: إنه لا يعتد به. وإن جزم به الزركشي مع اعترافه بأنه كان من خيار أهل الحديث انتهى بتصرف.

انظر: محاسن الاصطلاح، ص 274؛ التدريب 2/ 40؛ فتح المغيث 2/ 88 - 89؛ نكت الزركشي (175/ أ).

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 82.

ص: 387

المتأخرين (1).

والصحيح الذي عليه العمل جوازه (2) وبه قطع الحفاظ الأعلام أبو الحسن (أ) الدارقطني (3) وأبو العباس (4) ابن (5) عقدة وأبو نعيم (6)

(أ) لفظ: أبو الحسن. ساقط من (هـ).

(1)

وقيل: إن عطف على الإِجازة بمسموع صح وإلا فلا، أشار إليه بعض المتأخرين حكاه السخاوي في فتح المغيث 2/ 89.

(2)

قال ابن الصلاح: ولا يشبه ذلك ما امتنع من توكيل الوكيل بغير إذن المؤكل. قال السخاوي: فإن الحق في الوكالة للمؤكل بحيث ينفذ عزله بخلاف الإِجازة فإنها صارت مختصة بالمجاز له، بحيث لو رجع المجيز عنها لم ينفذ إلخ ما قال. مقدمة ابن الصلاح، ص 143؛ فتح المغيث 2/ 89.

وانظر: الكفاية، ص 349.

(3)

انظر: حكاية عمل الدارقطني في الكفاية، ص 350.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 144؛ وفتح المغيث 2/ 90.

(4)

هو العلامة أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الكوفي المعروف بابن عقدة، كان حافظًا عالمًا مكثرًا، جمع التراجم والأبواب والمشيخة وأكثر الرواية وروى عنه الحفاظ والأكابر وكان يطعن في الصحابة، توفي سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة. تاريخ بغداد 5/ 14 - 23؛ شذرات الذهب 2/ 332.

(5)

انظر: لقوله الكفاية، ص 350، لكن في المعطوف خاصة كما اقتضاه صنيعه فإن ابن عقدة قال لسائل: أجزت لك ما سمعه فلان من حديثي وما صح عندك من حديثي، وكلما أجيز لي أو قول قلته أو شيء قرأته في كتاب وكتبت إليك بذلك فاروه عن كتابي إن أحببت ذلك.

وانظر أيضًا: فتح المغيث 2/ 90.

(6)

هو الحافظ الكبير محدث العصر أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد المهراني الأصبهاني الصوفي الأحول، أجاز له مشايخ الدنيا سنة نيف وأربعين وثلاثمائة وله ست سنين. كان مرحولًا إليه لم يكن في أفق من الآفاق أحد أحفظ ولا أسند منه. توفي سنة ثلاثين وأربعمائة. تذكرة الحفاظ 3/ 1092؛ طبقات الشافعية 3/ 7.

ص: 388

الأصبهاني (1) وأبو الفتح (2) نصر بن إبراهيم المقدسي وغيرهم، وكان أبو الفتح يروي بالإِجازة عن الإِجازة، وربما والى بين إجازات ثلاث (3).

وينبغي لمن يروي بها أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه لئلا يروى ما لم يندرج تحتها (4)، فإذا كان صورة إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعي فرأى شيئًا من سماع شيخ شيخه، فليس له أن يرويه عن شيخه عنه حتى يستبين (أ) أنه مما كان قد صح عند شيخه كونه من مسموعات شيخه الذي تلك إجازته (5) وهذه دقيقة حسنة. والله أعلم.

(أ) في (ص): يتبين.

(1)

روى ابن الصلاح قول أبي نعيم وجادة، يقول: الإِجازة على الإِجازة قوية. مقدمة ابن الصلاح، ص 144.

(2)

هو الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن داؤد المقدسي النابلسي الزاهد شيخ الشافعية بالشام وصاحب التصانيف، كان إمامًا علامة مفتيًا محدثًا كبير القدر عديم النظير، توفي سنة تسعين وأربعمائة. شذرات الذهب 3/ 395؛ وطبقات الشافعية 4/ 27.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 144؛ التبصرة والتذكرة 2/ 83؛ المقنع 1/ 228؛ فتح المغيث 2/ 91؛ لتدريب 2/ 41.

(4)

أي كما فعل التقي بن دقيق العيد، فإنه لم يكن يجيز برواية جميع مسموعاته، بل بما حدث به منها، على ما استقرئ من صنيعه لكونه كان يشك في بعض سماعاته على ابن المقير فتورع عن التحديث به بل وعن الإِجازة انتهى. ما قاله السخاوي، وقال السيوطي: لكنه كان يجيز مع ذلك جميع ما أجيز له، كما رأيته بخط أبي حيان في النضار، فعلى هذا لا تتقيد الرواية عنه، بما حدث به من مسموعاته فقط إذ يدخل الباقي فيما أجيز له انتهى. فتح المغيث 2/ 93 وص 329 (ج 1) أيضًا، التدريب 2/ 42.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 86.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 144؛ التبصرة والتذكرة 2/ 86؛ المقنع 1/ 228؛ التدريب 2/ 43.

وانظر: بحثًا طويلًا ممتعًا ومفيدًا في فتح المغيث 2/ 90 - 93، فقد أجاد وأفاد.

ص: 389

فروع

الأول: قال أبو الحسين (1) أحمد بن فارس الأديب: الإِجازة (2) في كلام العرب مأخوذة من جواز الماء الذي تسقاه الماشية والحرث، يقال (أ) منه: استجزت فلانًا فأجازني، إذا أسقاك ماء لماشيتك أو أرضك. كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه (3) فعلى هذا يجوز أن يقول الشيخ: أجزت فلانًا مسموعاتي أو مروياتي (ب) فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية، ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإِجازة إذنًا، وهو المعروف، فيقول أجزت لفلان رواية مسموعاتي. ومن يقول منهم: أجزت له مسموعاتي، فعلى الحذف، كما في نظائره (4).

الثاني: إنما يستحسن الإِجازة، إذا كان المجيز عالمًا بما يجيز

(أ) في (ص) و (هـ): ويقال بزيادة الواو.

(ب) في (ك): مروياته.

(1)

هو العلامة الأديب أبو الحسين أحمد بن زكريا القزويني، كان من أئمة اللغة والأدب ومن أعيان البيان، ومشاركًا في علوم شتى، صاحب مقاييس اللغة وغيره، توفي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. الأعلام 1/ 193؛ معجم المؤلفين 1/ 40.

(2)

قال الخطيب: يقال: إن الأصل في صحة الإِجازة حديث النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في المغازي حيث كتب لعبد الله بن جحش كتابًا وختمه ودفعه إليه ووجهه في طائفة من أصحابه إلى ناحية نخلة، وقال له: لا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين ثم نظر فيه انتهى. الكفاية، ص 312. انظر ص 393 من الكتاب أيضًا.

(3)

انظر: قول ابن فارس بنصه في مقاييس اللغة 1/ 494، مادة (جوز)، ومسندًا في الكفاية، ص 311، 312.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 145؛ المنهل الروي، ص 96؛ التبصرة والتذكرة 2/ 87؛ المقنع 1/ 229؛ فتح المغيث 2/ 94؛ التدريب 2/ 42.

ص: 390

والمجاز له من أهل العلم (1)، لأنها توسع يحتاج إليها أهل العلم. وشرط بعضهم ذلك فيها، وحكى اشتراطه عن مالك (2) رحمه الله وقال الحافظ (أ) أبو عمر بن عبد البر: الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة وفي شيء معين لا يشكل إسناده (3).

(أ) في (ك): الخطيب. وهو خطأ.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 145.

وانظر: إرشاد الساري 1/ 17.

(2)

أسنده القاضي عياض من طريق أبي العباس الوليد بن بكر المالكي قال: لمالك شرط في الإِجازة: أن يكون الفرع معارضًا بالأصل حتى كأنه هو وأن يكون المجيز عالمًا بما يجيز، ثقة في دينه وروايته، معروفًا بالعلم وأن يكون المجاز من أهل العلم، متسمًا به، حتى لا يضع العلم إلا عند أهله، وأورد هذا الخبر الخطيب البغدادي أيضًا.

فال القاضي عياض: أما الشرطان الأولان فواجبان على كل حال في السماع والعرض والإِجازة، وسائر طرق النقل، إلا اشتراط العلم فمختلف فيه انتهى. قال السخاوي: وهل المراد مطلق العلم أو خصوص المجاز كما به قيد في المجيز أو الصناعة كما صرح به ابن عبد البر، الظاهر الأخير انتهى. الإِلماع، ص 94، 95؛ الكفاية، ص 317؛ فتح المغيث 2/ 95.

وقريب من قول مالك ما رواه الخطيب قال: مذهب أحمد بن صالح: إن المحدث إذا قال للطالب: أجزت لك أن تروي عني ما شئت من حديثي لا يصح ذلك دون أن يدفع إليه أصوله أو فروعًا كتبت منها ونظر فيها وصححها انتهى. الكفاية، ص 332.

(3)

انظر: قول ابن عبد البر بنصه في جامع بيان العلم 2/ 180، وبمعناه في 2/ 179؛ والإِلماع، ص 95؛ وإرشاد الساري بشرح صحيح البخاري 1/ 17.

قال السخاوي: في كل هذه الأقوال تشدد مناف لما جوزت الإِجازة له من بقاء السلسلة، وقد تقدم عدم اشتراط التأهل حين التحمل بها كالسماع، وأنه لم يقل أحد بالأداء بها بدون شروط الرواية، وعليه يحمل قولهم: أجزت له رواية كذا بشرطه، ومنه ثبوت المروي من حديث المجيز انتهى بتصرف. =

ص: 391

الثالث: ينبغي للمجيز إذا كتب إجازة أن يتلفظ بها، فإن (أ) اقتصر على الكتابة، كانت إجازة جايزة، إذا اقترن بقصد (1) الإِجازة، كما جعلنا القراءة على الشيخ إخبارًا (ب) بما قرئ عليه ولم يتلفظ، إلا أنها دون (2) الملفوظ بها في المرتبة (3). والله أعلم.

القسم الرابع من أقسام طرق تحمل الحديث: المناولة (4)؛ وهي نوعان:

(أ) في (ك): فإذا اقتصر.

(ب) في (ك): إخبار.

= وقال عياض: تصح بعد تصحيح شيئين: تعيين روايات الشيخ ومسموعاته وتحقيقها، وصحة مطابقة كتب الراوي لها انتهى. فتح المغيث 2/ 96؛ الإِلماع، ص 91.

(1)

قال العراقي: فإن لم يقصد الإِجازة، فالظاهر عدم الصحة قال السخاوي: كان محل قول العراقي حيث صرح بعدم النية، أما لو لم يعلم حاله فالظاهر الصحة إذ الأصل كما قال بعضهم، فيما يكتبه العاقل خصوصًا فيما نحن بصدده أن يكون قاصدًا له، ولعلها الصورة التي لم يستعبد ابن الصلاح صحتها، وإن احتمل كلامه ما تقدم، فهو فيها أظهر وهو الذي نظمه البرهان الحلبي حيث قال: وحيث لا نية قد جوزها، ابن الصلاح باحثًا أبرزها.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 89؛ فتح المغيث 2/ 98؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 146.

(2)

قال السخاوي: لأن القول دليل رضاه القلبي بالإِجازة، والكتابة دليل القول الدال على الرضى، والدال بغير واسطة أعلى. انتهى. فتح المغيث 2/ 97.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 146.

(4)

قال السخاوي: وهي لغة العطية، ومنه في حديث الخضر: فحملوهما بغير نول، أي عطاء.

واصطلاحًا، إعطاء الشيخ الطالب شيئًا من مروياته مع إجازته به صريحًا أو كناية. =

ص: 392

أحدهما: مناولة (1) مقرونة بالإِجازة، وهي أعلى (أ) أنواع (2) الإِجازة على الإِطلاق، ولها صور، منها: أن (3) يدفع الشيخ إليه أصل سماعه

(أ) في (ك): على. وهو خطأ.

= وأخر هذا النوع عن الإِجازة مع كونها على المعتمد أعلى منها، لأنها جزء لأول نوعيه. أو قدمت الإِجازة على المناولة لكونها تشمل المروي الكثير بخلاف المناولة على الأغلب فيهما. أو لقلة استعمال المناولة على الوجه الفاضل، أو لاشتمال كل من القسمين على فاضل ومفضول، إذ أول أنواع الإِجازة أعلى من ثاني نوعي المناولة. فلم ينحصر لذلك التقديم في واحد وحينئذ فقدمت لكثرة استعمالها انتهى بتصرف. فتح المغيث 2/ 99.

وانظر: توضيح الأفكار 2/ 329؛ ولحديث الخضر صحيح البخاري كتاب العلم 1/ 217 (ح رقم 122)؛ وصحيح مسلم كتاب الفضائل 4/ 1847 (ح رقم 170؛ وسنن الترمذي كتاب التفسير 5/ 309 (ح رقم 3149)؛ ومسند الإِمام أحمد 5/ 118.

(1)

والأصل فيها ما علقه البخاري حيث ترجم له في العلم من صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم كتب لأمير السرية كتابًا وقال له: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا، فلما بلغ المكان قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وعزا البخاري الاحتجاج لبعض علماء الحجاز، وقد وصله الطبراني من طريق أبي لسوار عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، رفعه وهو حجة ولذا جزم البخاري به إذ علقه.

انظر: صحيح البخاري 1/ 153، باب رقم 7؛ وسيرة ابن إسحاق 2/ 435؛ سرية عبد الله بن جحش المعجم الكبير 2/ 174 (ح رقم 1670)؛ فتح المغيث 2/ 100؛ التدريب 2/ 44؛ توضيح الأفكار 2/ 333.

(2)

وإنما كانت أعلاها مطلقًا لما فيها من التعيين والتشخيص بلا خلاف بين المحدثين فيه ونقل عياض الاتفاق على صحتها فقال: وهي رواية صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين. الإِلماع، ص 80؛ التبصرة والتذكرة 2/ 93؛ فتح المغيث 2/ 101؛ التدريب 2/ 45؛ توضيح الأفكار 2/ 333.

(3)

لم يتعرض ابن الصلاح لكون الصورة الأولى من صور المناولة أعلى ولكنه قدمها =

ص: 393

أو فرعًا مقابلًا به، ويقول: هذا سماعي وروايتي (أ) عن فلان فاروه عني. أو أجزت لك روايته عني، ثم يبقيه معه تمليكًا (*) أو لينسخه (1) أو نحوه.

ومنها: أن يدفع الطالب إلى الشيخ كتابًا من حديثه، فيتأمله (2) الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول: هو حديثي أو روايتي عن شيوخي فاروه عني أو أجزت لك روايته (3).

وهذا سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضًا. وقد سبق أن القراءة على الشيخ تسمى عرضًا، فليسم هذا عرض المناولة وذاك عرض القراءة (4).

وهذه المناولة حالة محل السماع عند مالك وجماعة من أصحاب (ب)

(أ) في (ك): أو روايتي.

(ب) في (هـ): أهل الحديث.

= في الذكر كما فعل عياض وهو منهمًا مشعر بذلك. مقدمة ابن الصلاح، ص 146؛ الإِلماع، ص 79.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 91؛ فتح المغيث 2/ 101.

(*) انظر الهامش السابق.

(1)

أي على جهة الإِعارة، فيقول له: خذه وهو روايتي فانتسخه ثم قابل ثم رده إلى، وهذه درجة ثانية من صور المناولة.

انظر: فتح المغيث 2/ 101.

(2)

قال الخطيب: يجب على الراوي أن ينظر فيه ويصححه إن كان يحفظ ما فيه وإلا قابل به أصل كتابه انتهى. الكفاية، ص 327.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 147؛ الإِلماع، ص 76؛ التقريب 2/ 46؛ المنهل الروي، ص 97؛ المقنع 1/ 231؛ وممن فعله ابن شهاب الزهري والإِمام مالك وأحمد بن حنبل.

انظر: الكفاية، ص 327، 329؛ المحدث الفاصل، ص 435؛ وفتح المغيث 2/ 102.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 147؛ التقريب 2/ 46؛ المنهل الروي، ص 97؛ التبصرة والتذكرة 2/ 91؛ المقنع 1/ 231.

ص: 394

الحديث (1). وحكى الحاكم (2) في عرض المناولة المذكور أنه سماع عن ابن شهاب الزهري وربيعة (3) ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك (4) وآخرين من المدنيين ومجاهد وأبي الزبير (5) وابن عيينة وآخرين من المكيين. وعلقمة وإبراهيم النخعيين (أ) والشعبي (6) وآخرين من

(أ) في (ص): النخعي. بصيغة الواحد.

(1)

الكفاية، ص 326؛ الإِلماع، ص 79؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 147؛ التبصرة والتذكرة 2/ 91؛ المقنع 1/ 231؛ القارئ شرح البخاري 2/ 26، طبع مصر؛ فتح المغيث 2/ 103؛ توضيح الأفكار 2/ 334.

(2)

معرفة علوم الحديث، ص 257.

(3)

هو الإِمام أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي المدني الفقيه كان حافظًا مجتهدًا بصيرًا بالرأي ولذلك يقال له: ربيعة الرأي، عالمًا بالفقه والحديث، توفي سنة ست وثلاثين ومائة. قال الإِمام مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمان. تاريخ بغداد 8/ 420؛ تذكرة الحفاظ 1/ 157.

(4)

قال السخاوي: لم يحك الحاكم لفظ مالك في ذلك، وقد روى الخطيب في الكفاية من طريق أحمد بن إسحاق بن بهلول قال: تذاكرنا بحضرة إسماعيل بن إسحاق السماع، فقال: قال إسماعيل بن أبي أويس: السماع على ثلاثة أوجه القراءة على المحدث وهو أصحها، وقراءة المحدث والمناولة، وهو قوله: أرويه عنك وأقول: حدثنا، وذكر عن مالك مثل ذلك فهذا مشعر عن مالك وابن أبي أويس بتسوية السماع لفظًا والمناولة وحينئذ فكان عرض السماع وعرض المناولة عند مالك سيان، فقد تقدم هناك رواية عنه أيضًا باستواء عرض السماع والسماع لفظًا انتهى. فتح المغيث 3/ 103؛ الكفاية، ص 327.

(5)

هو الإِمام أبو الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس، أحد العقلاء والعلماء لقي عائشة والكبار، نقم عليه التدليس، فإذا صرح بالسماع فهو حجة، ومع ذلك فهو إمام حافظ. واسع العلم رئيس، توفي سنة ثمان وعشرين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 126؛ شذرات الذهب 1/ 175.

(6)

هو علامة التابعين أبو عمرو عامر بن شراحيل الهمداني الكوفي، كان إمامًا حافظًا فقيهًا متقنًا ثبتًا متفننًا، وكان يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء. قيل له من أين =

ص: 395

الكوفيين. وقتادة وأبي العالية (1) وأبي المتؤكل (أ)(2) الناجي وآخرين من البصريين وابن وهب وابن (3) القاسم وأشهب (4) وآخرين من المصريين والشاميين والخراسانيين ورأى الحاكم طائفة من مشايخه عليه (5).

والصحيح أن ذلك منحط عن درجة التحديث لفظًا والاخبار قراءة (6).

(أ) في (ك): المؤكل.

= لك هذا العلم كله، قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الجماد، وبكور كبكور الغراب، توفي بعد المائة. تذكرة الحفاظ 1/ 79؛ شذرات الذهب 1/ 126.

(1)

هو الإِمام أبو العالية البرّاء بالتشديد البصري، اسمه زياد، وقيل كلثوم وقيل أدينة وقيل ابن أدينة، كان ثقة، توفي سنة تسعين. تهذيب التهذيب 12/ 143؛ ومشاهير علماء الأمصار، ص 95.

(2)

هو أبو المتوكل بن علي بن داود الناجي البصري، مشهور بكنيته تابعي، ثقة مات سنة ثمان ومائة. تهذيب التهذيب 7/ 318؛ ومشاهير علماء الأمصار، ص 91.

(3)

هو الإِمام عبد الرحمن بن القاسم العتقي يكنى أبا عبد الله. قال الإِمام مالك فيه: عافاه الله، مثله كمثل جراب مملوء مسكًا. توفي سنة إحدى وتسعين ومائة. الديباج المذهب 1/ 465.

(4)

هو الإمام أشهب بن عبد العزيز بن داود أبو عمر اسمه مسكين من أهل مصر، من أنجب تلامذة مالك. قال الشافعي: ما رأيت أفقه من أشهب، توفي سنة مائتين وأربع. الديباج المذهب 1/ 307.

(5)

انظر: معرفة علوم الحديث، ص 258، قال ابن الصلاح: وفي كلام الحاكم بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في "عرض القراءة" بما ورد في "عرض المناولة" وساق الجميع مساقًا واحدًا انتهى.

قلت: ومن ينظر في كلام الحاكم لم يشك فيما قاله ابن الصلاح. مقدمة ابن الصلاح، ص 148.

(6)

مقدمة ابن الصلاح، ص 148؛ التقريب 2/ 47؛ المنهل الروي، ص 97؛ التبصرة والتذكرة 2/ 92؛ المقنع 1/ 231.

ص: 396

قال الحاكم: أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فلم يروه سماعًا، وبه قال سفيان الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة (1) والشافعي والبويطي (2) والمزني وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه (3). قال الحاكم: وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا

(1) قال العراقي: وقد اعترض ذكر أبي حنيفة مع هؤلاء بأن صاحب القنية من أصحابه نقل عنه، وعن محمد: أن المحدث إذا أعطاه الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمعه ولم يعرفه لم يجز.

قال: والجواب أن البطلان عندهما لا للمناولة والإِجازة، بل لعدم المعرفة فإن الضمير في قوله: ولم يعرفه، إن كان للمجاز وهو الظاهر لتتفق الضمائر، فمقتضاه أنه إذا عرف ما أجيز له صح، وإن كان للشيخ، فسيأتي أن ذلك لا يجوز إلا إن كان الطالب موثوقًا بخبره.

قال: ويجوز أن يكون أبو حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإِجازة الخالية عن المناولة، فقد حكى القاضي عن كافة أهل النقل والأداء. والتحقيق من أهل النظر، القول بصحة المناولة المقرونة بالإِجازة انتهى. باختصار.

انظر: التقييد والإِيضاح، ص 192؛ الإِلماع، ص 80؛ فتح المغيث 2/ 106؛ التدريب 2/ 47.

(2)

هو العلامة أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي الفقيه صاحب الشافعي كان قد حمل إلى بغداد في أيام المحنة وأريد على القول بخلق القرآن فامتنع من الإِجابة إلى ذلك، فحبس ببغداد ولم يزل في الحبس إلى حين وفاته سنة إحدى وثلاثين ومائتين. تاريخ بغداد 14/ 299؛ طبقات الشافعية 1/ 275.

(3)

قال السخاوي: والذي حكاه الحاكم عنهم أنهم لم يروها سماعًا فقط، ولكن مقابلته الأول به مشعر بأنها أنقص، وهو الذي صححه ابن الصلاح قبل ذكره كلام الحاكم، فقال: والصحيح أن ذلك غير حال محل السماع وأنه منحط عن درجة التحديث لفظًا والإِخبار قراءة. ثم حكى عن الحاكم العزو للمذكورين. فتح المغيث 2/ 104؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 148.

ص: 397

وإليه نذهب (1). والله (أ) أعلم.

ومن صورها: أن يناول الشيخ الطالب كتابه ويجيز له روايته، ثم يمسكه الشيخ عنده، فهذا يتقاعد عما سبق، ويجوز له رواية ذلك إذا ظفر بالكتاب أو بمقابل به على وجه يثق معه بموافقته لما تناولته الإِجازة كما هو معتبر في الإِجازة المجردة، ولا يكاد يظهر في هذه المناولة (ب) مزية على الإِجازة المجردة الواقعة في معين (2). وقد قال غير واحد من الفقهاء وأصحاب الأصول: لا تأثير لها ولا فائدة فيها. وشيوخ الحديث في القديم والحديث يرون لها مزية معتبرة (3). والله أعلم.

(أ) والله أعلم. غير موجود في (ص) و (هـ).

(ب) في (ك): المنوالة. وهو تحريف.

(1)

وتمام كلام الحاكم: وبه نقول: إن العرض ليس بسماع وإن القراءة على المحدث إخبار

إلخ.

قلت: ويظهر لمن له أدنى تأمل أن كلام الحاكم وقع موقع تفضيل السماع على عرض القراءة لا على عرض المناولة. والعجب من ابن الصلاح والمصنف ومن تبعهما أنهم أوردوا كلام الحاكم مورد تفضيل السماع على عرض المناولة على أن ابن الصلاح نبه على تخليط الحاكم من حيث كونه خلط بعض ما ورد في عرض القراءة، بما ورد في عرض المناولة. كما تقدم، ولم ينتبه هو لهذا التخليط حين الاحتجاج به. معرفة علوم الحديث، ص 260؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 148.

(2)

وسبق لحاصل ذلك القاضي عياض فقال: ولا مزية له عند مشايخنا من أهل النظر والتحقيق لأنه لا فرق بين إجازته إياه أن يحدث عنه بكتاب الموطأ وهو غائب أو حاضر، إذا المقصود تعيين ما أجاز له. الإِلماع، ص 83.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 94؛ فتح المغيث 2/ 107؛ التدريب 2/ 49.

(3)

قاله القاضي عياض وقوله: لكن قديمًا وحديثًا شيوخنا من أهل الحديث يرون لهذا مزية على الإِجازة انتهى.

وعلله السخاوي بقوله: فإن كل نوع من أنواع التحمل كيف ما كان لا يصح =

ص: 398

ومن صورها: أن يأتي الطالب الشيخ بكتاب، ويقول: هذا روايتك، فناولنيه، وأجز لي روايته، فيجيبه إلى ذلك من غير أن ينظر فيه ويتحقق روايته، فهذا لا يصح (1)، فإن كان الطالب موثوقًا بخبره، ومعرفته جاز الاعتماد عليه في ذلك وكانت إجازة جائزة كما جاز الاعتماد على الطالب في قراءته على الشيخ إذا كان موثوقًا به معرفة ودينًا (2).

= الرواية به إلا من الأصل أو المقابل به مقابلة يوثق بمثلها وربما يستفيد بها معرفة المناول، فيروي منه أو من فرعه بعد، بل قال ابن كثير: إذا كان في الكتاب المشهور كالبخاري ومسلم، فهو كما لو ملكه أو أعاره إياه انتهى. الإِلماع، ص 83؛ فتح المغيث 2/ 108.

وانظر: اختصار علوم الحديث، ص 124.

(1)

قال العراقي: فإن فعل ذلك والطالب غير موثوق به، ثم تبين بعد ذلك بخبر من يعتمد عليه أن ذلك كان من سماع الشيخ أو من مروياته، فهل يحكم بصحة المناولة والإِجازة السابقتين؟ .

لم أر من تعرض لذلك إلا في عموم كلام الخطيب الآتي، والظاهر الصحة لأنه تبين بعد ذلك صحة سماع الشيخ لما ناوله وأجازه وزال ما كنا نخشاه من عدم ثقة المخبر والله أعلم، انتهى بتصرف يسير. التبصرة والتذكرة 2/ 95.

وانظر: فتح المغيث 2/ 109؛ التدريب 2/ 49.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 149؛ التقريب 2/ 49؛ المنهل الروي، ص 98؛ التبصرة والتذكرة 2/ 95؛ المقنع 1/ 232.

قال السخاوي: ولم يحك ابن الصلاح فيه اختلافًا، وقد حكى الخطيب عن أحمد التفرقة فإنه روى بسنده إليه أنه سئل عن القراءة، فقال: لا بأس بها إذا كان رجل يعرف ويفهم.

قلت له: فالمناولة؟ قال: ما أدري ما هذا حتى يعرف المحدث حديثه وما يدريه ما في الكتاب. قال السخاوي: وهذا ظاهره أنه ولو كان المحضر ذا معرفة وفهم لا يكفي. قال أحمد: وأهل مصر يذهبون إلى هذا وأنا لا يعجبني، قال الخطيب: وأراه في قوله: وأهل مصر يذهبون إلى هذا. يعني المناولة للكتاب وإجازة روايته من غير أن يعلم الراوي، هل ما فيه من حديثه أم لا؟ . وحمل ما جاء عن =

ص: 399

قال الخطيب: رحمه الله ولو قال: حدث بما في هذا الكتاب عني ان كان حديثي مع براءتي من الغلط والوهم كان ذلك جائزًا (1) حسنًا والله أعلم.

النوع الثاني: المناولة المجردة عن الإِجازة. بأن يناوله كما تقدم (2). ويقتصر على قوله: هذا من حديثي وسماعي، ولا يقول: اروه عني ولا نحوه، فلا يجوز الرواية (3) بها، وعابها غير واحد من أصحاب الفقه والأصول على (4) المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها. وحكى

= ابن شهاب من أنه كان يؤتى بالكتاب فيقال له: هذا كتابك نرويه عنك، فيقول: نعم. وما رآه ولا نرى عليه. على أنه كان قد تقدم نظره له وعرف صحته وأنه من حديثه، وجاء به إليه من يثق به فلذلك استجاز الاذن في روايته من غير أن ينشره وينظر فيه انتهى. فتح المغيث 2/ 109.

وانظر: الكفاية، ص 328، 329.

(1)

الكفاية، ص 328. وممن فعله الإِمام مالك، فإن ابن وهب قال: كنا عنده، فجاءه رجل بكتب هكذا على يديه، فقال: يا أبا عبد الله، هذه الكتب من حديثك أحدث بها عنك؟ فقال له مالك: إن كانت من حديثي فحدث بها عني انتهى. الكفاية، ص 329.

وانظر: فتح المغيث 2/ 109.

(2)

أي ملكًا أو عارية لينتسخ منه أو يأتي إلى الشيخ بشيء من حديثه، فيتصفحه وينظر فيه مع معرفته.

(3)

وبه قال العراقي، وقال الخطيب: لم نر أحدًا فعله، قال السخاوي: لعدم التصريح بالإِذن فيها فلا تجوز الرواية بها. التبصرة والتذكرة 2/ 96؛ الكفاية، ص 346؛ فتح المغيث 2/ 110.

وانظر: التدريب 2/ 50؛ توضيح الأفكار 2/ 335.

(4)

قلت: منهم الغزالي فإنه قال: مجرد المناولة دون قوله: حدث به عني فقد سمعته من فلان. لا معنى له، وإذا وجد هذا القول فلا معنى للمناولة فهو زيادة تكلف أحدثه بعض المحدثين بلا فائدة. بل أطلق المصنف في التقريب وقال: لا تجوز الرواية بها على الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول. قلت: إطلاقه

ص: 400

الخطيب عن طائفة (1) من أهل العلم أنهم أجازوا الرواية (2) بها. وسيأتي (3)

= هذا مع كونه مخالفًا لكلام ابن الصلاح ولقوله هنا في الكتاب، مخالف لما قاله جماعة من أهل الأصول منهم الرازي لعدم اشتراطهم الإِذن بل ولا المناولة حتى قالوا: إن الشيخ لو أشار إلى كتاب، وقال: هذا سماعي من فلان، جاز لمن سمعه أن يرويه عنه، سواء ناوله إياه أم لا خلافًا لبعض المحدثين، وسواء قال له: اروه عني أم لا. نعم مقتضى كلام السيف الآمدي اشتراط الإِذن في الرواية. المستصفى 2/ 166؛ التقريب 2/ 50؛ المحصول 2/ ق 1/ 649؛ أحكام الأحكام 1/ 281.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 96؛ المقنع 1/ 233؛ وفتح المغيث 2/ 110؛ التدريب 2/ 50؛ توضيح الأفكار 2/ 335؛ والمنخول، ص 270.

(1)

انظر: الكفاية، ص 346، وعزاه في، ص 349 بسنده إلى القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني، وذكر حجته لذلك فانظره فإنه ممتع. ونقله السخاوي أيضًا في فتح المغيث 2/ 111.

(2)

قال الصنعاني: واختلافهم مبني على أنه هل الرواية من شرطها الإِذن من الشيخ للطالب، أولا، والصحيح أن الإِذن غير مشترط في الإِخبار، إذ الأصل جواز إخبار الإِنسان عن غيره وإن لم يأذن في الإِخبار عنه، إلا أن يكون أمرًا خاصًا به لا يحب اطلاع أحد عليه، فكذلك تجوزها هنا في باب الرواية، إذ هي قسم من الأخبار، فإنه إذا أخبر الشيخ أن الكتاب سماعه وأن النسخة صحيحة وناولها الطالب لينقل منها، فإن ذلك يكفي عن الإِذن. والوجه في ذلك أنه خبر جملي فينزل منزلة كتب النبي صلى الله عليه وسلم التي كان ينفذ بها إلى الآفاق مع الرسل ولم تكن الرسل تحفظها وتسمعها على النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يخبرون الرسل من أرسلوا إليه خبرًا جمليًا أنها كتب النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما فيها منسوب إليه. انتهى. بتصرف يسير. وتوضيح الأفكار 2/ 335.

وانظر: التدريب 2/ 50.

(3)

أي في القسم السادس، ص 413.

(فائدة): قال السيوطي: وعندي أن يقال: إن كانت المناولة جوابًا لسؤال، كأن قال له: ناولني هذا الكتاب لأرويه عنك، فناوله ولم يصرح بالإِذن، صحت، وجاز له أن يرويه. وكذا إذا قال له: حدثني بما سمعت من فلان، فقال: هذا =

ص: 401

قول من أجاز الرواية بمجرد اعلام أن هذا الكتاب سماعه، وهذا يترجح على ذلك بما فيه من المناولة التي فيها إشعار بالإِذن في الرواية. والله أعلم.

القول في عبارة الراوي بالمناولة والإِجازة:

ذهب الزهري (1) ومالك (2) وغيرهما إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمناولة، وهو لائق بمذهب جميع (3) من جعل عرض المناولة المقرونة بالإِجازة سماعًا (أ).

وحكى عن قوم (4) مثل ذلك في الرواية بالإِجازة المجردة، وكان

(أ) سماعًا. ساقط من (ص).

= سماعي من فلان، وما عدا ذلك فلا. فإن ناوله الكتاب ولم يخبره أنه سماعه لم تجز الرواية به بالاتفاق، قاله الزركشي. انتهى. التدريب 2/ 51.

(1)

انظر: قول الزهري مسندًا من طريق مالك بن أنس في الكفاية، ص 329.

(2)

انظر: قول الإِمام مالك مسندًا من طريق ابن وهب في الكفاية، ص 333.

وروى عن الحسن البصري أنه قال يسعه أن يقول: حدثني فلان عن فلان واجتمع ابن وهب وابن القاسم وأشهب على أنه يقول: أخبرني.

وعن أحمد بن حنبل فيمن روى الكتاب بعضه قراءة وبعضه تحديثًا وبعضه مناولة وبعضه إجازة، أنه يقول في كله: أخبرنا.

انظر: هذه الأقوال بالترتيب في الكفاية، ص 332، 333.

وانظر أيضًا: فتح المغيث 2/ 113.

(3)

قد سيقت أسماءهم قبل قليل ص 395، 396.

وانظر أيضًا: معرفة علوم الحديث، ص 257.

(4)

منهم ابن جريج وجماعة من المتقدمين كما عزاه إليهم القاضي عياض، ومنهم الإِمام مالك وأهل المدينة كما حكاه عنهم صاحب الوجازة كما نقله عنه القاضي عياض.

قال السخاوي: قيل أنه مذهب عامة حفاظ الأندلس، ومنهم ابن عبد البر. واختاره بعض المتأخرين منهم إمام الحرمين الجويني، والحكيم الترمذي محتجًا له =

ص: 402

أبو نعيم (أ) الأصبهاني يطلق أخبرنا فيما يرويه بالإِجازة (1). وكان

(أ) على هامش (ك): اسمه أحمد بن عبد الله، وهو صاحب الحلية.

= بأن مدلول التحديث لغة إلقاء المعاني إليك، سواء ألقاه لفظًا أو كتابة أو إجازة، وقد سمى الله تعالى القرآن حديثًا، حدث به العباد وخاطبهم به، فكل محدث أحدث إليك شفاهًا أو بكتاب أو بإجازة فقد حدثك به، وأنت صادق في قولك: حدثني، ويسمى الواقع في المنام حديثًا كما قال تعالى:{وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} انتهى. الإِلماع، ص 128؛ فتح المغيث 2/ 113؛ البرهان 1/ 647؛ نوادر الأصول، ص 390، في باب سر رواية الحديث بالمعنى. وانظر: توضيح الأفكار 2/ 337.

(1)

نقل الذهبي عن الخطيب أنه عاب أبا نعيم به فقال: رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها. منها أنه يطلق في الإِجازة "أخبرنا ولا يبين" انتهى.

قال السخاوي: قال شيخنا: إنهم وإن عابوه بذلك فيجاب عنه بأنه اصطلاح له خالف فيه الجمهور، فقد صرح باصطلاحه حيث قال: إذا قلت: أخبرنا على الإِطلاق من غير أن أذكر فيه إجازة أو كتابة أو كتب لي أو أذن لي، فهو إجازة، أو حدثنا فهو سماع انتهى. فإذا أطلق الإِخبار على اصطلاحه عرف أنه أراد الإِجازة، فلا اعتراض عليه من هذه الحيثية، بل ينبغي أن ينبه على ذلك لئلا يعترض عليه انتهى بحذف.

وأغرب من هذا كله ما قيل من أن أبا نعيم كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه بل رواه إجازة: أخبرنا فلان فيما قرئ عليه ولا يقول: وأنا أسمع فيشد الالتباس على من لم يعرف حقيقة الحال، وفي الحلية له شيء من ذلك كقوله: أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه كما في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي وفي ترجمة محمد بن يوسف الأصبهاني (وحكى ابن طاهر هذا المذهب في أطراف الأفراد، أيضًا عن شيخه الدارقطني وهو اصطلاح لهما غريب).

انظر: ميزان الاعتدال ترجمة أبي نعيم 1/ 111؛ فتح المغيث 1/ 114؛ حلية الأولياء 9/ 14، و 8/ 225؛ ونكت الزركشي (180/ أ).

وانظر أيضًا: التبصرة والتذكرة 2/ 98؛ التدريب 2/ 51، أشار السيد صقر إلى هذا الدفاع وأحال ذلك إلى فتح المغيث، وقال لا وزن لهذا الدفاع وبعد الرجوع إليه تأكدت أن لهذا الدفاع وزنًا. فتأمل.

ص: 403

أبو عبيد (أ) الله المرزباني (1) الأخباري يروي أكثر كتبه بالإِجازة، ويقول فيها: أخبرنا. ولا يبينها، قال الخطيب: وذلك مما عيب به (2).

والصحيح المختار الذي عليه عمل الجمهور وأهل التحري، المنع (3) من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما، وتخصيص ذلك بعبارة يشعر به، كقوله: أخبرنا أو حدثنا فلان مناولة وإجازة، أو أخبرنا (ب) إجازة أو حدثنا إجازة، أو (ج) أخبرنا مناولة أو إذنًا أو فى إذنه، أو فيما أذن لي فيه، أو فيما أطلق لي روايته عنه، أو أجاز لي فلان أو أجازني كذا، وناولني وما أشبهه (4). وورد عن الإِمام الأوزاعي تخصيص الإِجازة (5)

(أ) كذا في (ت). وهو الصحيح. وفي بقية النسخ: أبو عبد الله. وهو خطأ.

(ب) في (ك) و (ص): وأخبرنا.

(ج) في (ص): وأخبرنا.

(1)

هو محمد بن عمران بن موسى بن عبيد أبو عبيد الله الكاتب المعروف بالمرزباني كان صاحب أخبار ورواية للآداب وصنف كتبًا كثيرة في أخبار الشعراء المتقدمين والمحدثين على طبقاتهم، وكان حسن الترتيب لما يجمعه، توفي سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. تاريخ بغداد 3/ 135؛ وفيات الأعيان 4/ 354.

(2)

انظر: قول الخطيب في تاريخ بغداد 3/ 135، 136.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 151؛ التقريب 2/ 52؛ المنهل الروي، ص 98؛ التبصرة والتذكرة 2/ 98؛ المقنع 1/ 234؛ فتح المغيث 2/ 116؛ توضيح الأفكار 2/ 336.

(4)

قال الخطيب: وقد كان غير واحد من السلف يقول في المناولة: أعطاني فلان، أو دفع إلى كتابه وشبيهًا بهذا القول. وهو الذي نستحبه. انتهى. الكفاية، ص 330.

وانظر أيضًا: فتح المغيث 2/ 116.

(5)

انظر: قول الأوزاعي مسندًا من طريق العباس بن الوليد بن مزيد قال: حدثنا أبي قال: قال لي الأوزاعي: ما أجزت لك وحدك فقل فيه: خبرني وما أجزت =

ص: 404

بخبرنا (1) بالتشديد، والقراءة (2) عليه بأخبرنا. واصطلح قوم من المتأخرين (2) على إطلاق أنبأنا في الإِجازة (أ)، واختاره صاحب (3) كتاب الوجادة، وإليه نحا الحافظ المتقن أبو بكر البيهقي (4)، وقال (5) الحاكم: الذي أختاره وعهدت

(أ) لفظ: في الإِجازة. ساقط من (ك) و (هـ).

= لجماعة وأنت فيهم فقل فيه: خبرنا. وما قرأت على وحدك فقل فيه: أخبرني. وما قرئ في جماعة وأنت فيهم فقل فيه: أخبرنا

إلخ ما قال. في الكفاية، ص 302؛ والإِلماع، ص 127.

(1)

قال العراقي: كلام الأوزاعي لم يخل من النزاع، لأن خبر وأخبر بمعنى واحد لغة واصطلاحًا.

قال السخاوي: بل قيل: إن خبر أبلغ انتهى.

وكان للأوزاعي أيضًا في الرواية بالمناولة اصطلاح، قال عمرو بن أبي سلمة قلت له: في المناولة، أقول فيها: حدثنا، فقال: قل: قال أبو عمرو أو عن أبي عمرو، رواه الخطيب.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 100؛ فتح المغيث 2/ 118؛ الكفاية، ص 330. وانظر: التدريب 2/ 52.

(2)

حكاه عنهم أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي رواه الخطيب في الكفاية، ص 332.

(3)

هو العلامة أبو العباس الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد الغمري بالمعجمة من أهل الأندلس، سافر الكثير في بلاد الشام والعراق والجبال كان ثقة أمينًا، توفي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. تاريخ بغداد 13/ 481؛ شذرات الذهب 3/ 141.

(4)

قال ابن الصلاح: وكان يقول: أنبأني فلان إجازة.

قال السخاوي: ولم يطلق البيهقي الانباء لكونه عند القوم بمنزلة الإِخبار وراعى في التعبير به عن الإِجازة اصطلاح المتأخرين لا سيما ولم يكن الاصطلاح بذلك انتشر انتهى. مقدمة ابن الصلاح، ص 152؛ فتح المغيث 2/ 119.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 101؛ والتدريب 2/ 53.

(5)

انظر: معرفة علوم الحديث، ص 260.

ص: 405

عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن نقول فيما عرض على المحدث، فأجاز له روايته شفاهًا: أنبأني وفيًا كتب إليه المحدث: كتب إلى فلان (1)، وتقدم عن أبي جعفر بن حمدان أنه (أ) قال كلما قال (ب) البخاري: قال لي (ج) فلان، فهو عرض ومناولة (2)، وورد عن قوم التعبير عن الإِجازة بأخبرنا فلان أن فلانًا أخبره، واختاره (3) الخطابي رحمه الله أو (د) حكاه (3). وهو اصطلاح ضعيف (4)، واستعمل المتأخرون في الإِجازة الواقعة في رواية من فوق الشيخ كلمة: عن، فيقول أحدهم (هـ) إذا سمع

(أ) كلمة: أنه قال. ساقط من (ك).

(ب) في (ص) و (هـ): قاله.

(ج) كلمة: لي. ساقطة من (ص) و (هـ).

(د) في (ك): و. بدون الهمزة.

(هـ) في (ص): أحدهما.

(1)

انظر: معرفة علوم الحديث، ص 260.

(2)

قال السخاوي: انفرد أبو جعفر بذلك وخالفه غيره فيه، بل الذي استقرأه شيخنا، أنه يستعمل هذه الصيغة في أحد أمرين: أن يكون موقوفًا ظاهرًا وإن كان له حكم الرفع أو يكون في إسناده من ليس على شرطه وإلا فقد أورد أشياء بهذه الصيغة هي مروية عنده في موضع آخر بصيغة التحديث انتهى. فتح المغيث 2/ 120؛ والنكت 2/ 601.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 102؛ والتدريب 2/ 54.

(3)

انظر: الإِلماع، ص 129؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 152.

(4)

قال القاضي عياض: وأنكر هذا بعضهم، وحقه أن ينكر، فلا معنى له يتفهم به المراد، ولا اعتيد هذا الوضع في المسألة لغة ولا عرفًا ولا اصطلاحًا.

وقال ابن الصلاح: هذا اصطلاح بعيد، بعيد عن الإِشعار بالإِجازة. الإِلماع، ص 129؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 152.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 100؛ فتح المغيث 2/ 118؛ التدريب 2/ 54.

ص: 406

على شيخ بإجازته عن شيخ: قرأت على فلان عن (1) فلان والله أعلم.

ثم اعلم أن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا لا يزول (2) بإباحة المجيز ذلك كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم، لمن (أ) يجيزون: إن شاء (ب)(قال)(ج): حدثنا، وإن شاء (2) قال: أخبرنا والله أعلم.

القسم الخامس من أقسام طرق تحمل الحديث: المكاتبة:

وهو (د) أن يكتب الشيخ إلى الطالب شيئًا من حديثه، غائبًا (3) كان

(أ) في (ك): لما يجيزون.

(ب) كلمة: شاء. ساقطة من (ك).

(ج) لفظ: قال. ساقط من (ت)، وموجود في جميع النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(د) في (ص) و (هـ): وهي.

(1)

قال ابن الصلاح: وذلك قريب فيما إذا كان قد سمع منه بإجازته عن شيخه إن لم يكن سماعًا فإنه شاك، وحرف "عن" مشترك بين السماع والإِجازة صادق عليهما انتهى.

قال السخاوي: هذا الفرع وإن سبق في العنعنة وأنه لا يخرج بذلك عن الحكم له بالاتصال فإعادته هنا لما فيه من الزيادة وليكون منضمًا لما يشبهه من الاصطلاح الخاص. مقدمة ابن الصلاح، ص 153؛ فتح المغيث 2/ 120.

وانظر أيضًا: التبصرة والتذكرة 2/ 101؛ والتدريب 2/ 54.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 153؛ التقريب 2/ 55؛ المنهل الروي، ص 98؛ التبصرة والتذكرة 2/ 99؛ المقنع 1/ 235؛ فتح المغيث 2/ 117؛ التدريب 2/ 55.

(3)

وفي صورة الغياب إذا أراد إرساله إلى الطالب ينبغي أن يختمه ليحصل الأمن من توهم تغييره.

قال السخاوي: وذلك شرط إن لم يكن الحامل مؤتمنًا. انتهى. فتح المغيث 2/ 121.

ص: 407

أو حاضرًا (1)، بخط الشيخ أو بخط غيره بأمره، وهي نوعان: مجردة عن الإِجازة ومقترنة بها، بأن يكتب إليه، ويقول: أجزت لك ما كتبته إليك أو لك أو كتبت به إليك، ونحوه من العبارات (2).

وهذه المقترنة (أ) في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقترنة بالإِجازة (3).

وأما المجردة فقد منع الرواية بها قوم (4). وصار إليه من الشافعيين

(أ) في (ت): مقرونة.

(1)

سواء أن يسأل الطالب الشيخ أن يكتب له، أو يبدأ الشيخ بالكتابة بدون سؤال. الإِلماع، ص 83؛ فتح المغيث 2/ 121.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 153؛ التقريب 2/ 55؛ التبصرة والتذكرة 2/ 104؛ المقنع 1/ 235.

(3)

وعليه مشى البخاري في صحيحه في مطلق المناولة والمكاتبة إذ سوى بينهما ولكن رجح الخطيب المناولة المقترنة بالإِجازة على المكاتبة المقترنة بالإِجازة لحصول المشافهة فيها بالإِذن دون المكاتبة. وقال السخاوي ردًا عليه: وهذا وإن كان مرجحًا فالمكاتبة تترجح أيضًا يكون الكتابة لأجل الطالب، قال: ومقتضى الاستواء فضلًا عن القول بترجيح المناولة أن يكون المعتمد أن المروي بها أنزل من المروي بالسماع كما هو المعتمد هناك انتهى. صحيح البخاري مع الفتح 1/ 153؛ الكفاية، ص 336؛ فتح المغيث 2/ 122.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 155؛ المنهل الروي، ص 98؛ اختصار علوم الحديث، ص 125؛ التبصرة والتذكرة 2/ 104؛ المقنع 1/ 235؛ التدريب 2/ 55؛ حاشية الشيخ محي الدين على توضيح الأفكار 2/ 338.

(4)

منهم الآمدي، فإنه قال: ولو اقتصر على المناولة أو الكتابة دون لفظ الإِجازة لم تجز له الرواية إذ ليس في الكتابة والمناولة ما يدل على تسويغ الرواية عنه ولا على صحة الحديث في نفسه. انتهى.

وإليه ذهب أبو الحسن بن القطان فإنه صرح بانقطاع الرواية بالكتابة المحددة. =

ص: 408

القاضي الماوردي فقطع به في كتاب الحاوي (1)، وأجاز الرواية بها كثير من المتقدمين والمتأخرين، منهم أيوب (2) السختياني (3) ومنصور (4) والليث (5) بن سعد. وقاله غير واحد من الشافعيين (6) وغير واحد من أصحاب

= انظر: إحكام الأحكام 1/ 281، بيان الوهم والإِيهام (ج 2/ 278/ أ)، حديث جابر في قضية رجم الأسلمي.

وانظر: التبصرة والتذكرة 2/ 105؛ فتح المغيث 2/ 125؛ التدريب 2/ 55؛ ونكت الزركشي (181/ أ).

(1)

قال: ولا يصح للمخبر أن يروي إلا بعد أحد أمرين: إما أن يسمع لفظ من أخبره، وإما أن يقرأ عليه فيعترف به

إلخ ما قال.

انظر: الحاوي للماوردي (1/ ق 7/ ب) دار الكتب بالقاهرة، فقه شافعي طلعت برقم 189.

(2)

انظر: قول أيوب السختياني من طريق شعبة مسندًا في الكفاية، ص 343؛ والإِلماع، ص 85.

(3)

هو الإِمام الحجة أبو عتاب منصور بن المعتمر السلمي الكوفي أحد الأعلام، لم يكن أحد أحفظ منه بالكوفة، أكره على قضائها فقضى شهرين وفيه تشيع قليل وكان قد عمش من البكاء، توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 142؛ شذرات الذهب 1/ 189.

(4)

وانظر: قوله مسندًا من طريق شعبة في الكفاية، ص 343؛ والإِلماع، ص 85.

(5)

انظر: رواية الليث بالمكاتبة من طريق كاتبه أبي صالح في الكفاية، ص 322، 344.

قال الخطيب: وحدث الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عدة أحاديث قال في كل واحد منها: حدثني بكير، وذكر أنه لم يسمع منه شيئًا وإنما كتب إليه بتلك الأحاديث، وقد أوردنا بعضها في كتاب التفصيل لمبهم المراسيل، وسقنا الخبر عن الليث بذلك.

انظر: المحدث الفاصل، ص 440؛ وفتح المغيث 2/ 124.

(6)

منهم القاضي أبو عبد الله الضبي المحاملي، قال: وذهب ناس إلى أنه لا تجوز الرواية عنه وهذا غلط. حكاه القاضي عياض في الإِلماع، ص 84؛ وكذا الشيخ أبو حامد الاسفرائيني والسمعاني كما في فتح المغيث 2/ 125.

ص: 409

الأصول (1). وهو الصحيح المشهور (2) بين (أ) أهل الحديث.

ويوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم (3) قولهم: كتب إلي (3) فلان قال: حدثنا (3) فلان.

(أ) لفظ: بين أهل الحديث. ساقط من (ك).

(1)

منهم إمام الحرمين والإِمام الرازي، قال السخاوي، كأنه لما فيه من التشخيص والمشاهدة للمروي من أول وهلة انتهى.

انظر: البرهان 1/ 648؛ والمحصول (ج 2/ ق 1/ 645)؛ فتح المغيث 2/ 125.

وانظر: الإِلماع، ص 84؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 154؛ المنهل الروي، ص 99؛ التبصرة والتذكرة 2/ 104؛ التدريب 2/ 56؛ المقنع 1/ 236؛ توضيح الأفكار 2/ 340.

(2)

قال القاضي عياض: لأن في نفس كتاب الراوي إلى الطالب به متى صح عنده أنه كتبه بخط يده، أو إجابته إلى ما طلبه عنده من ذلك أقوى إذن انتهى.

وقال الرامهرمزي: إذا تيقن الطالب أن الراوي كتبها إليه، فهو وسماعه والإِقرار منه سواء، لأن الغرض من القول باللسان فيما تقع العبارة فيه باللفظ إنما هو تعبير اللسان عن ضمير القلب، فإذا وقعت العبارة عن الضمير بأي سبب كان من أسباب العبارة، كان ذلك كله سواء. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه أقام الإِشارة مقام القول في باب العبارة

إلخ. الإِلماع، ص 84؛ المحدث الفاصل، ص 452؛ الكفاية، ص 345.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 154؛ التبصرة والتذكرة 2/ 104؛ فتح المغيث 2/ 123، قال: والحاصل أن الإِرسال إلى المكتوب إليه قرينة في أنه سلطه عليه فكأنه لفظ له به، وإذا كان كذلك لم يحتج إلى التلفظ بالإِذن انتهى.

(3)

في الصحيحين اجتماعًا وانفرادًا توجد أحاديث من هذا النوع من رواية التابعي عن الصحابي أو رواية غير التابعي عن التابعي ونحو ذلك، فمما اجتمعا عليه حديث عبد الله بن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال إلخ. انظر: صحيح البخاري 5/ 170؛ كتاب العتق (ح رقم 2541)؛ وصحيح =

ص: 410

والمراد به هذا، وذلك معمول به عندهم معدود في المسند الموصول (1). وفيها إشعار قوي بمعنى الإِجازة. وزاد أبو المظفر السمعاني فقال: هي أقوى من الإِجازة (2) والله أعلم.

ثم يكفي في ذلك أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب، وإن لم تقم بذلك (3) بينة.

ومن الناس (4) من قال: الخط يشبه الخط فلا يجوز الاعتماد (أ)

(أ) في (ك): الاعتمداد.

= مسلم 3/ 1356؛ كتاب الجهاد (ح رقم 1730).

ومما انفرد به البخاري حديث هشام الدستوائي قال: كتب إلى يحيى بن أبي كثير

إلخ 2/ 119؛ كتاب الأذان (ح رقم 637).

ومما انفرد به مسلم حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة إلخ، 3/ 453؛ كتاب الأمارة (ح رقم 1822).

وانظر: فتح المغيث 2/ 126 أيضًا.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 154؛ الإِلماع، ص 86؛ المنهل الروي، ص 99؛ التبصرة والتذكرة 2/ 104؛ المقنع 1/ 236؛ التدريب 2/ 56.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 154؛ التقريب 2/ 56؛ المنهل الروي، ص 99؛ المقنع 1/ 236.

(3)

قال الشيخ أحمد شاكر: الثقة بالكتابة كافية، ولعلها أقوى من الشهود. الباعث الحثيث، ص 125.

(4)

منهم الغزالي، فإنه قال: لا يجوز أن يروي عنه، لأن روايته شهادة عليه بأنه قاله والخط لا يعرفه. أي جزمًا. المستصفى 1/ 166.

وانظر: فتح المغيث 2/ 127؛ وحاشية الشيخ محمد محيي الدين علي، توضيح الأفكار 2/ 339.

ص: 411

عليه. وهذا ضعيف (1)، لأن الظاهر والغالب عدم الاشتباه.

ثم ذهب غير واحد من علماء المحدثين وأكابرهم، منهم الليث ومنصور إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بها (2).

والصحيح المختار أنه يقول: كتب (أ) إلى فلان، قال: حدثنا فلان

(أ) في (ص): كتب فلان إلى.

(1)

قال ابن الصلاح: لأن ذلك نادر، والظاهر أن خط الإِنسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلباس. وقال ابن أبي الدم كما نقل عنه السخاوي: الأصح الذي عليه العمل يعني سلفًا وخلفًا منا جواز الاعتماد على الخط لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث كتبه إلى عماله فيعملون بها واعتمادهم على معرفتها. انتهى.

وكذلك صرح المصنف في زوائد الروضة باعتماد خط المفتي إذا أخبره من يقبل خبره أنه خطه أو كان يعرف خطه ولم يشك.

وقال الصنعاني: إن حصل الظن بأنه خط فلان جاز العمل وإن شك فلا يعمل مع الشك، قال: والحجة عليه من الأثر، الحديث الصحيح في الوصية عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث متفق عليه، وفيه دليل على العمل بالخط، وإلا فأي فائدة في كتابته والقول بأنه أراد مكتوبة عنده بالشهادة عليها، خلاف الظاهر وتقييد للحديث بالمذهب، ثم عمل الناس شرقًا وغربًا وشامًا وعدنًا على الاعتماد على الكتب في كل أمر من الأمور انتهى. بتصرف، مقدمة ابن الصلاح، ص 154 فتح المغيث 2/ 127؛ والروضة 11/ 157؛ توضيح الأفكار 2/ 241.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 105؛ التدريب 2/ 57؛ الباعث الحثيث، ص 125.

(2)

انظر قول الليث بن سعد ومنصور بن المعتمر مسندًا في المحدث الفاصل، ص 439 - 440؛ والكفاية، ص 322، 343؛ وفي الإِلماع، ص 85؛ قول المنصور فقط.

ص: 412

بكذا، أو أخبرني فلان مكاتبة (1)، أو كتابة (أ)(1) ونحو ذلك (2) والله أعلم.

القسم السادس: إعلام الراوي الطالب أن هذا الكتاب أو الحديث سماعه أو روايته عن فلان مقتصرًا عليه غير قايل: أروه أو شبهه، فقال كثيرون (ب) من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول (3) وأهل الظاهر: تجوز الرواية بذلك (4) وهو محكى عن ابن جريج (5) وبه قطع

(أ) كلمة: كتابة. ساقطة من (هـ).

(ب) في (هـ): كثير من المحدثين.

(1)

قال الخطيب: وهذا هو مذهب أهل الورع والنزاهة والتحري في الرواية وكان جماعة من السلف يفعلونه انتهى.

وقال الحاكم: الذي عهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما كتب إليه المحدث من مدينة ولم يشافهه بالإِجازة يقول: كتب إلى فلان انتهى قال أحمد شاكر رحمه الله: لأن الإِطلاق يوهم السماع فيكون غير صادق في روايته انتهى. الكفاية، ص 342؛ معرفة علوم الحديث، ص 260؛ الباعث الحثيث، ص 125.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 155؛ التبصرة والتذكرة 2/ 106؛ توضيح الأفكار 2/ 341.

(2)

وفي المسألة قول ثالث ذكره السيوطي فقال: وجوز آخرون أخبرنا دون حدثنا، وعزاه إلى المدخل للبيهقي عن أبي عصمة سعد بن معاذ. إلخ. التدريب 2/ 58.

(3)

منهم الفخر الرازي في المحصول 2/ ق 1/ 644.

(4)

وانظر: المحدث الفاصل، ص 451؛ الكفاية، ص 348؛ الإِلماع، ص 108.

(5)

انظر قول ابن جريج في الإِلماع، ص 115؛ قال عياض: قال الواقدي: قال ابن أبي الزناد: شهدت ابن جريج، جاء إلى هشام بن عروة، فقال له: الصحيفة التي أعطيتها فلانًا هي حديثك فقال: نعم. قال الواقدي: سمعت ابن جريج بعد ذلك يقول: أخبرنا هشام بن عروة. انتهى.

ص: 413

أبو نصر ابن الصباغ الشافعي، واختاره أبو العباس الغمري المالكي (1)، وزاد بعض أهل الظاهر فقال: لو قال: هذه روايتي ولا تروها عني، كان له أن يرويا عنه كما لو سمع منه حديثًا، فقال: لا تروه عني (2). ودليل هذا المذهب القياس على القراءة على الشيخ، فإنه يروي بها وإن لم يأذن في الرواية لفظًا (3).

(1) حكاه عنه القاضي عياض، وقال: وبه قال طائفة من أئمة المحدثين، ونظار الفقهاء المحققين وروى عن عبيد الله العمري وأصحابه المدنيين، وهو الذي نصر واختار القاضي أبو محمد بن خلاد، وهو مذهب عبد الملك بن حبيب من كبراء أصحابنا انتهى.

انظر: الإِلماع، ص 108؛ ولقول أبي محمد بن خلاد الرامهرمزي المحدث الفاصل، ص 451؛ والكفاية، ص 348.

(2)

انظر: المحدث الفاصل، ص 451؛ والكفاية، ص 348؛ بسنده إلى الرامهرمزي والإِلماع، ص 110؛ وقال عياض: وما قاله صحيح لا يقتضي النظر سواه، لأن منعه ألا يحدث بما حدثه لا لعلة ولا ريبة في الحديث لا تؤثر، لأنه قد حدثه فهو شيء لا يرجع فيه. وما أعلم مقتدي به قال: خلاف هذا في تأثير منع الشيخ ورجوعه عما حدث به من حدث وإن ذلك يقطع سنده عنه انتهى. قال الشيخ أحمد شاكر: والذي اختاره القاضي عياض هو الراجح الموافق للنظر الصحيح، بل إن الرواية على هذه الصفة أقوى وأرجح عندي من الرواية بالإِجازة المجردة عن المناولة، لأن في هذا شبه مناولة، وفيها تعيين للمروي بالإِشارة إليه انتهى. الباعث الحثيث، ص 126.

قلت: حاصل كلام القاضي عياض، أنه قاس المنع بعد الإِعلام على المنع بعد التحديث من غير أن يكون المنع لعلة أو ريبة، فكما لا يكون المنع بعد التحديث مؤثرًا فكذا المنع بعد الإِعلام لا يؤثر.

(3)

المحدث الفاصل، ص 452؛ الكفاية، ص 348؛ الإِلماع، ص 108؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 156؛ توضيح الأفكار 2/ 343؛ قلت: وكذلك الحجة للجواز القياس أيضًا على الشهادة فيما إذا سمع المقر يقر بشيء وإن لم يأذن له. انظر: الكفاية، ص 346؛ فتح المغيث 2/ 130.

ص: 414

والصحيح (1) المختار ما قاله غير واحد من المحدثين وغيرهم: إنه لا يجوز الرواية بذلك (أ)، وبه قطع أبو حامد الطوسي (2) من الشافعيين، لأنه قد يكون مسموعة ولا يأذن في روايته عنه لكونه لا يجوز (ب) روايته لخلل يعرفه فيه (3).

(أ) في (ك): في ذلك.

(ب) في (هـ): ما يجوز.

(1)

صححه المصنف تبعًا لابن الصلاح وإلا فقد سبق الرد عليه في الشق الأول آنفًا وسيأتي أيضًا ما يظهر فساد هذا القول.

(2)

قال السخاوي: الظاهر كما قال المصنف إنه الغزالي وإن كان في أصحابنا ممن وقفت عليه اثنان كل منهما: أحمد بن محمد ويعرف بأبي حامد الطوسي، لكونهما لم تذكر لهما تصانيف، والغزالي ولد بطوس، وكان والده يبيع غزل الصوف في دكان بها، وقيل: إنه نسب إلى غزالة بالتخفيف قرية من قراها، ولكنه خلاف المشهور. انتهى.

راجع فتح المغيث 2/ 129؛ التبصرة والتذكرة 2/ 107.

قلت: توفي أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي سنة خمس وخمسمائة. راجع وفيات الأعيان 4/ 216؛ والبداية 12/ 173.

(3)

انظر قول الغزالي الطوسي في المستصفي 2/ 165؛ واستدل له بقوله: لو قال قائل: عندي شهادة، لا يشهد ما لم يقل: أذنت لك في أن تشهد على شهادتي، أو لم تقم تلك الشهادة في مجلس الحكم لأن الرواية شهادة انتهى. وبه قال أبو بكر الباقلاني.

انظر: الكفاية، ص 349؛ وبقول الغزالي قال ابن حجر ونص كلامه: وكذا شرطوا الإِذن بالرواية في الإِعلام فإن كان للطالب من الشيخ إجازة اعتبره وإلا فلا عبرة بذلك كالإِجازة العامة انتهى، نزهة النظر، ص 65.

ورد القاضي عياض على هذا الاحتجاج فقال: وقياس من قاس الرواية على الشهادة غير صحيح لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإِشهاد والإِذن في كل حال، والحديث عن السماع والقراءة لا يحتاج فيه إلى إذن باتفاق. فهذا يكسر عليهم حجتهم بالشهادة في مسألتنا هنا ولا فرق. وأيضًا فإن الشهادة =

ص: 415

ثم أنه يجب عليه (أ) العمل به إذا صح إسناده وإن (ب) لم يجز روايته عنه؛ لأن العمل يكفي فيه صحة الحديث (1). والله أعلم.

القسم السابع: الوصية:

وهي أن يوصي الراوي عند موته (2) أو سفره بكتاب يرويه لشخص.

(أ) كلمة: عليه. ساقطة من (ك).

(ب) لفظ: إن. ساقط من (ك).

= مفترقة من الرواية في أكثر الوجوه انتهى بتصرف.

وقال الصنعاني: لا يخفي أن تجويز الخلل يجري في الإِجازة والمناولة بل والسماع ولكن البناء على أن المخبر ثقة عدل والأظهر أن الأصل عدم الخلل في السماع فإن ظهرت قرينة تدل على وجود الخلل فيه قوي العمل بها وإن لم تظهر عمل بالإِعلام انتهى.

انظر: الإِلماع، ص 112؛ وتوضيح الأفكار 2/ 343؛ التبصرة والتذكرة 2/ 108؛ فتح المغيث 2/ 131؛ التدريب 2/ 59؛ الباعث الحثيث، ص 126؛ حاشية الشيخ محمد محي الدين على توضيح الأفكار 2/ 342.

(1)

وادعى القاضي عياض عليه اتفاق المحققين. قال السخاوي: وإن كان مقتضى منع أهل الظاهر ومن تابعهم من العمل بالمروي بالإِجازة كالمرسل منعه هنا من باب أولى. ولذلك قال البلقيني: كلام ابن حزم السابق يعني في الإِجازة تقتضي منع هذا أيضًا انتهى.

الإِلماع، ص 110؛ فتح المغيث 2/ 132؛ محاسن الاصطلاح، ص 290.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 157؛ المنهل الروي، ص 99؛ التبصرة والتذكرة 2/ 109؛ المقنع 1/ 238؛ التدريب 2/ 59.

(2)

كما فعل أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري أحد الأعلام من التابعين حيث أوصى عند موته وهو بالشام بكتبه إلى تلميذه أيوب السختياني إن كان حيًا وإلا فلتحرق، ونفذت وصيته وجيء بالكتب الموصى بها من الشام لأيوب الموصى له وهو بالبصرة، فسأل ابن سيرين أيجوز له التحديث بذلك فأجاز له أن يرويه، ثم قال له: لا آمرك ولا أنهاك.

انظر: المحدث الفاصل، ص 459؛ الكفاية، ص 352؛ الإِلماع، ص 116.

ص: 416

فجوز بعض السلف للموصي له رواية ذلك عن الموصي كالإِعلام الذي تقدم (1).

والصواب أنه لا يجوز ذلك (2) وهذا الذي قاله بعض السلف إما زلة عالم وإما متأول على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة (3) التي تأتي إن شاء الله تعالى.

(1) قال القاضي عياض: لأن في دفعها له نوعًا من الإِذن وشبهًا من العرض والمناولة وهو قريب من الضرب الذي قبله انتهى وسيأتي نقل من ابن أبي الدم يؤيد قول القاضي.

وعزى ابن حجر الجواز في ذلك كله لقوم من الأئمة المتقدمين.

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: هذا النوع من الرواية نادر الوقوع، ولكننا نرى أنه إن وقع صحت الرواية به لأنه نوع من الإِجازة، إن لم يكن أقوى من الإِجازة المجردة، لأنه إجازة من الموصي للموصى له برواية شيء معين مع إعطائه إياه، ولا نرى وجهًا للتفرقة بينه وبين الإِجازة، وهو في معناها أو داخل تحت تعريفها كما يظهر ذلك بأدنى تأمل انتهى.

انظر: الإِلماع، ص 115؛ نزهة النظر، ص 65؛ الباعث الحثيث، ص 127.

(2)

قال السخاوي: هو الحق المتعين لأن الوصية ليست بتحديث لا إجمالًا ولا تفصيلًا، ولا يتضمن الإِعلام لا صريحًا ولا كناية، على أن ابن سيرين المفتي بالجواز كما تقدم توقف فيه بعد وقال للسائل نفسه: لا آمرك ولا أنهاك بل قال الخطيب عقب حكايته: يقال: أن أيوب كان قد سمع تلك الكتب غير أنه لم يكن يحفظها، فلذلك استفتى ابن سيرين في التحديث منها انتهى.

انظر: فتح المغيث 2/ 134؛ الكفاية، ص 352.

(3)

قال ابن الصلاح: ولا يصح ذلك فإن لقول من جوز الرواية بمجرد الإِعلام والمناولة مستندًا ذكرناه لا يتقرر مثله ولا قريب منه ههنا. انتهى.

وأنكر ابن أبي الدم قول ابن الصلاح وقال: الوصية أرفع رتبة من الوجادة بلا خلاف وهي معمول بها عند الشافعي وغيره، وتبعه ابن حجر كما نقل عنه السخاوي والأنصاري والسيوطي، فقال: لأن الرواية بالوصية نقلت عن بعض الأئمة، والرواية بالوجادة لم يجوّزها أحد من الأئمة إلا ما نقل عن البخاري في =

ص: 417

القسم الثامن: الوجادة (1):

وهي مصدر لوجد يجد، مؤلد غير مسموع من العرب (2).

ومثالها أن يقف على كتاب بخط (3) شخص فيه أحاديث يرويها ولم يسمعها منه هذا الواجد ولا له منه إجازة ولا نحوها، فله أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان، أو في كتاب فلان بخطه حدثنا (أ) فلان، ويسوق باقي الإِسناد والمتن.

(أ) في (هـ): حديث.

= حكاية قال فيها: وعن كتاب إليه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره. فالقول بحمل الرواية بالوصية على الوجادة غلط ظاهر انتهى.

قال السخاوي: وفيه نظر، فقد عمل بالوجادة جماعة من المتقدمين كما سيأتي قريبًا انتهى.

قلت: فيما قاله السخاوي نظر قوي: لأن الكلام فيما نحن بصدده عن الرواية بالوجادة لا العمل بها.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 157؛ فتح المغيث 2/ 134؛ التدريب 2/ 60؛ فتح الباقي 2/ 110؛ وحاشية الشيخ محي الدين على توضيح الأفكار 2/ 344؛ ولقول البخاري الإِلماع، ص 32.

(1)

قال ابن كثير: الوجادة ليست من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجده في الكتاب. وقال الشيخ أحمد شاكر: وإنما ذكر العلماء الوجادة في هذا الباب إلحاقًا به لبيان حكمها، وما يتخذه الناقل في سبيلها.

اختصار علوم الحديث، ص 128؛ الباعث الحثيث، ص 130.

(2)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 157؛ التبصرة والتذكرة 2/ 111؛ فتح المغيث 2/ 135؛ التدريب 2/ 60؛ توضيح الأفكار 2/ 343.

(3)

تقسم الوجادة اصطلاحًا إلى نوعين: والوجادة هي بخط شخص فيه أحاديث يرويها أحدهما، وسيأتي ذكر الثاني.

انظر: فتح المغيث 2/ 135.

ص: 418

أو يقول: وجدت (أ) أو قرأت بخط فلان (1) عن فلان ويذكر الباقين. هذا الذي استمر (2) عليه العمل قديمًا وحديثًا (3)، وهو من باب المرسل (4) غير أنه أخذ شوبًا من الاتصال بقوله: وجدت بخط فلان وربما دلس بعضهم (5) فذكر الذي وجد بخطه وقال فيه: عن فلان أو قال فلان: وذلك تدليس (6) قبيح إن أوهم سماعه منه. وجازف

(أ) في (ص): أو وجدت.

(1)

فإن كان بغير خطه فالتعبير عنه يختلف بالنظر للوثوق به وعدمه كما سيأتي في النوع الثاني قريبًا.

(2)

انظر: الإِلماع، ص 117؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 158.

(3)

قال السخاوي: مثل ابن الصلاح الوجادة بما إذا لم يكن له إجازة ممن وجد ذلك بخطه، وكذلك اقتصر عليه القاضي عياض، لأنه إنما أرادا أن يتكلما على الوجادة الخالية عن الإِجازة، أهي مستند صحيح في الرواية أو العمل وإلا فقد استعملها غير واحد من المحدثين مع الإِجازة، فيقال: وجدت بخط فلان وأجازه لي، وربما لا يصرح بالإِجازة كقول عبد الله بن أحمد: وجدت بخط أبي حدثنا فلان.

فتح المغيث 2/ 136.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 112؛ التدريب 2/ 62؛ الباعث الحثيث، ص 129؛ الإِلماع، ص 117.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 158؛ التبصرة والتذكرة 2/ 113؛ فتح المغيث 2/ 136؛ التدريب 2/ 61.

(5)

قال السخاوي: هم جماعة من المحدثين كبهز بن حكيم والحسن البصري والحكم بن مقسم وأبي سفيان وطلحة بن نافع وعمرو بن شعيب ومخرمة بن بكير ووائل بن داود، حتى صرح به الحسن البصري لما قيل له: عمن هذه الأحاديث التي تحدثنا؟ فقال: صحيفة وجدناها.

انظر: معرفة علوم الحديث، ص 110؛ الكفاية، ص 354؛ الإِلماع، ص 118؛ فتح المغيث 2/ 137 - 138؛ والسياق له، توضيح الأفكار 2/ 347.

(6)

الإِلماع، ص 117؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 158؛ الباعث الحثيث، ص 129.

ص: 419

بعضهم (1) فأطلق في هذا: حدثنا وأخبرنا، وأنكر (2) هذا على فاعله (3) والله أعلم.

(1) هذه إشارة إلى ما حكاه عياضٍ، أن إسحاق بن راشد، قدم الرّي فجعل يقول: أخبرنا الزهري فسئل: أين لقيته؟ فقال: لم ألقه. مررت ببيت المقدس فوجدت كتابًا له. الإِلماع، ص 119.

انظر: فتح المغيث 2/ 138.

(2)

قال عياض: لا أعلم من يقتدي به أجاز النقل فيه بحدثنا وأخبرنا، ولا من يعده معد المسند. وقال الشيخ أحمد شاكر: بل هو من الكذب الصريح والراوي به يسقط عندنا عن درجة المقبولين، وترد روايته. الإِلماع، ص 117؛ الباعث الحثيث، ص 129.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 114.

(3)

قال السيوطي في التدريب: وقع في صحيح مسلم أحاديث مروية بالوجادة وانتقدت بأنها من باب المنقطع لأنها ليست الرواية - كقوله في الفضائل: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة عن عائشة أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد، يقول: أين أنا اليوم الحديث. صحيح مسلم 4/ 1893؛ كتاب فضائل الصحابة رقم 2443؛ وروى أيضًا بهذا السند حديث: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، صحيح مسلم 4/ 890؛ كتاب فضائل الصحابة رقم 2439.

وبهذا السند حديث عائشة: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين، صحيح مسلم 2/ 1038؛ رقم 1422.

وأشار إلى هذا الاعتراض في ألفيته. وقد أجاب عن هذا الاعتراض فيه وفي التدريب بأن مسلمًا روى الأحاديث الثلاثة من طرق أخرى موصولة.

وأجاب في التدريب بجواب آخر، وهو: أن الوجادة المنقطعة أن يجد في كتاب شيخه، لا في كتابه عن شيخه، فتأمل انتهى. قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: هذا الجواب هو الصحيح المتعين هنا، لأن الراوي إذا وجد في كتاب نفسه حديثًا عن شيخه، كان على ثقة من أنه أخذه عنه، وقد تخونه ذاكرته فينسى أنه سمعه منه فيحتاط تورعًا ويذكر أنه وجده في كتابه انتهى.

انظر: التدريب 2/ 62؛ ألفية السيوطي مع شرح أحمد شاكر، ص 144؛ الباعث الحثيث، ص 131؛ حاشية الشيخ محمد محيي الدين على توضيح الأفكار 2/ 346.

ص: 420

وإذا وجد حديثًا في تأليف شخص وليس (1) بخطه، فله أن يقول: ذكر فلان أو قال فلان: أخبرنا فلان، وهذا منقطع لم يأخذ شوبًا (2) من الاتصال، هذا كله إذا وثق (أ) بأنه خط (3) المذكور أو كتابه (4)، فإن لم يكن كذلك (5)، فليقل: بلغني عن فلان أو وجدت عن فلان ونحوه، أو قرأت في كتاب أخبرني فلان أنه بخطه أو في كتاب ظننت أنه بخط فلان، أو في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان، أو في كتاب قيل: إنه بخط فلان (6).

وإذا أراد أن ينقل من كتاب منسوب إلى مصنف (ب)، فلا يقل: قال فلان: كذا إلا إذا وثق بصحة النسخة، بأن قابلها هو أو ثقة بأصول متعددة كما تقدم في النوع (7) الأول، فإن لم يوجد ذلك ولا نحوه فليقل:

(أ) في (ص): وثق به: بدل: بأنه.

(ب) في (ك): مصف: بدون النون بعد الصاد.

(1)

هذا هو النوع الثاني من نوعي الوجادة الذي وعدت بذكره.

فإن وثق بأنه خطه، فليقل أيضًا: وجدت بخط فلان ونحوه ويحك كلامه.

انظر: فتح المغيث 2/ 140.

(2)

أي بسبب عدم وجود قوله: وجدت بخط فلان.

(3)

أي على أول نوعي الوجادة.

(4)

أي على ثاني نوعي الوجادة. وتكون الثقة بصحة النسخة بأن قابلها المصنف أو ثقة غيره بالأصل أو بفرع مقابل.

انظر: التبصرة والتذكرة 2/ 115.

(5)

أي إن لم يحصل الثقة بالخط أو بالتأليف.

(6)

أي من العبارات التي لا تقتضي الجزم. مقدمة ابن الصلاح، ص 159؛ التقريب 2/ 62؛ المنهل الروي، ص 100؛ التبصرة والتذكرة 2/ 115؛ المقنع 1/ 239؛ فتح المغيث 2/ 140؛ التدريب 2/ 62.

(7)

ص 135.

ص: 421

بلغني عن فلان كذا، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني ونحوه (1). وقد تسامح أكثر الناس في هذه الأعصار بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر، فيطالع أحدهم كتابًا منسوبًا إلى مصنف، وينقل عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلًا: قال فلان: كذا (2).

والصواب ما قدمناه، فإن كان المطالع عالمًا فطنًا لا يخفى عليه في الغالب الساقط والمحول عن جهته، رجونا أن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم في هذا (3). وإلى هذا استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب (4) الناس، والله أعلم.

وأمّا العمل اعتمادًا على الوجادة، فنقل عن معظم المحدثين والفقهاء المالكيين وغيرهم أنه لا يجوز. وعن الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جوازه (5).

(1) مقدمة ابن الصلاح، ص 159؛ التقريب 2/ 62؛ المنهل الروي، ص 100؛ المقنع 1/ 239؛ التدريب 2/ 62.

(2)

المراجع السابقة بأسرها.

(3)

قال السخاوي: ويلتحق بذلك ما يوجد بحواشي الكتب من الفوائد والتقييدات ونحو ذلك، فإن كانت بخط معروف فلا بأس بنقلها وعزوها إلى من هي له وإلا فلا يجوز اعتمادها إلا لعالم متيقن وربما تكون تلك الحواشي بخط شخص وليست له أو بعضها له وبعضها لغيره، فيشتبه ذلك على ناقله بحيث يعزو الكل لواحد. انتهى. فتح المغيث 2/ 140.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 159؛ التقريب 2/ 63؛ المنهل الروي، ص 100؛ التبصرة والتذكرة 2/ 115؛ المقنع 1/ 239؛ فتح المغيث 2/ 140؛ التدريب 2/ 63.

(5)

قد استدل ابن كثير في تفسيره وفي اختصار علوم الحديث للعمل بالوجادة بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أي الخلق أعجب إليكم إيمانًا قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم، وذكروا الأنبياء قال: وكيف =

ص: 422

وقطع بعض المحققين (1) من الشافعيين بوجوب العمل بها عند حصول الثقة (2). وهذا هو الصحيح الذي لا يتجه في هذه الأزمان غيره، لأنه لو وقف العمل على الرواية لا نسد بابه، لتعذر شرط الرواية (3). والله أعلم.

= لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا فنحن؟ قال: وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: قوم يأتون بعدكم يجدون صحفًا يؤمنون بها. حيث قال: فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المقدمة بمجرد الوجادة لها. قال البلقيني: وهذا استنباط حسن. قال السخاوي: وفي الإِطلاق نظر، فالوجود بمجرده لا يسوغ العمل، قال الصنعاني: بل هو مقيد بما علم من وجود يوثق به كما دلت له قواعد العلم انتهى.

وقال الشيخ أحمد شاكر: في هذا الاستدلال نظر، ووجوب العمل بالوجادة لا يتوقف عليه، لأنّ مناط وجوبه إنما هو البلاغ، وثقة المكلف بأن ما وصل إلى علمه صحت نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

انظر: تفسير ابن كثير 1/ 41؛ اختصار علوم الحديث، ص 128؛ وللحديث مسند الإِمام أحمد 4/ 106؛ والدارمي 2/ 308؛ والمستدرك 4/ 85؛ وسلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 103؛ محاسن الاصطلاح، ص 295؛ فتح المغيث 2/ 139؛ توضيح الأفكار 2/ 349؛ الباعث الحثيث، ص 131؛ شرح ألفية السيوطي، ص 143.

انظر: التدريب 2/ 64؛ أيضًا. ونكت الزركشي (183/ ألف).

(1)

وإليه ذهب إمام الحرمين.

انظر: البرهان 1/ 648.

(2)

الإلماع، ص 120.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 160؛ المنهل الروي، ص 100؛ اختصار علوم الحديث، ص 128؛ التبصرة والتذكرة 2/ 115؛ المقنع 1/ 240؛ فتح المغيث 2/ 139؛ التدريب 2/ 63.

ص: 423

النوع الخامس والعشرون: كتابة (أ) الحديث وضبط الكتاب

اختلف الصدر الأول في كتابة الحديث، والعلم، فكرهها طائفة وامروا بالحفظ، روى ذلك عن عمر (1) بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله (2)

(أ) على هامش (ك): وبالجملة فالكتابة مسنونة، بل قال شيخنا: لا يبعد وجوبها على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم. من شرح الألفية للقاضي، في بابها.

(1)

رواه ابن عبد البر، والخطيب من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن

إلخ. وهو منقطع بين عروة وعمر بن الخطاب. وقد رواه الخطيب متصلًا من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عبد الله بن عمر، ولكن هذا السند مخالف لجميع الروايات الواردة عن عروة. وقال ابن حجر: يقال: أخطأ محمد بن يوسف الفريابي في شيء من حديث سفيان انتهى. ومن هنا يظهر براعة قول محمد عبد الرزاق وعبد الرحمن اليمانيين حيث حكما على هذا الأثر بالانقطاع مع أنهما لم يتعرضا لرواية محمد بن يوسف الفريابي.

انظر: جامع بيان العلم 1/ 64؛ وتقييد العلم، ص 49 - 50؛ وتقريب التهذيب 2/ 221؛ وظلمات أبي رية، ص 32؛ والأنوار الكاشفة، ص 38.

(2)

هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود بن غافل أبو عبد الرحمن الهذلي من السابقين الأولين ومن كبار العلماء من الصحابة مناقبه جمة وأمّره عمر رضي الله عنه على الكوفة، مات سنة إثنتين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة، الإِصابة 2/ 368؛ تذكرة الحفاظ 1/ 13.

ص: 424

بن مسعود (1) وزيد (2) بن ثابت (3) وأبي موسى (4) وأبي سعيد (5) الخدري (6) في جماعة من الصحابة (7) والتابعين (7) رضي الله عنهم أجمعين واحتجوا بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تكتبوا

(1) انظر: الروايات عنه في تقييد العلم، ص 38 - 39؛ وجامع بيان العلم، ص 65؛ وسنن الدارمي 1/ 123 - 124.

والكلام على قصة ابن مسعود في ظلمات أبي رية، ص 35؛ والأنوار الكاشفة، ص 40.

(2)

هو الصحابي المشهور زيد بن ثابت بن الضحاك بن لوذان الأنصاري النجاري أبو سعيد كتب الوحي، قال مسروق: كان من الراسخين في العلم مات سنة خمس أو ثمان وأربعين.

الأصابة 1/ 561؛ تذكرة الحفاظ 1/ 30.

(3)

انظر: الرواية عنه من طريق أبي داود في جامع بيان العلم 1/ 63؛ وتقييد العلم، ص 35؛ والإِلماع، ص 148.

(4)

انظر: قول أبي موسى الأشعري من عدة طرق عن ابنه أبي بردة في سنن الدارمي 1/ 122؛ وجامع بيان العلم 1/ 66؛ وتقييد العلم، ص 39 - 41؛ والكلام عليه في الأنوار الكاشفة، ص 41.

(5)

هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري أبو سعيد الخدري له ولأبيه صحبة وروى الكثير، ومات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين الأصابة 2/ 35؛ تذكرة الحفاظ 1/ 44.

(6)

انظر: قول أبي سعيد الخدري في الروايات العديدة عن أبي نضرة في كتاب العلم لأبي خيثمة، ص 131؛ وسنن الدارمي 1/ 122؛ وتقييد العلم، ص 36 - 38؛ وجامع بيان العلم 1/ 64.

انظر: التعليق عليه في الأنوار الكاشفة، ص 41.

(7)

وهم أبو هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ومن التابعين الحسن وعطاء وقتادة وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير.

انظر: تقييد العلم، ص 41 - 48؛ والإِلماع، ص 147.

ص: 425

عني شيئًا إلا القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه (1).

وذهب علي (2) وابنه الحسن (3)(أ) وأنس (ب)(4) وعبد الله (5) بن (6)

(أ) في (ص): ابنه الحسين الحسن.

(ب) لفظ أنس: ساقط من (هـ).

(1)

أخرجه الإِمام مسلم 4/ 2298 رقم 3004.

والدارمي 1/ 119؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 63؛ والخطيب في تقييد العلم، ص 29؛ كلهم من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري.

انظر: تأويل مختلف الحديث أيضًا، ص 193.

(2)

انظر: لرواية علي رضي الله عنه، صحيح البخاري 1/ 204؛ رقم 111؛ باب كتابة العلم، وجامع بيان العلم 1/ 71؛ وتقييد العلم، ص 88.

(3)

انظر: رواية الحسن بن علي رضي الله عنهما في جامع بيان العلم 1/ 82؛ وتقييد العلم، ص 91؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 161؛ وفتح المغيث 2/ 142.

(4)

أخرج رواية أنس بن مالك الدارمي 1/ 127؛ وابن عبد البر في جامع بيان العلم 1/ 73؛ والخطيب في تقييد العلم، ص 97؛ والقاضي عياض في الإِلماع، ص 147؛ كلهم من طريق عبد الله بن المثنى عن ثمامة أن أنسًا كان يقول لبنيه: يا بني قيدوا العلم بالكتاب. وفي تقييد العلم روايات كثيرة عن أنس بهذا المعنى وبألفاظ مختلفة.

انظر: من، ص 94 - 97.

(5)

هو العالم الرباني عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي أبو محمد أحد السابقين المكثرين من الصحابة واحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الأصح بالطائف على الراجح.

الأصابة 3/ 2؛ تهذيب الأسماء واللغات 2/ 30.

(6)

المراد به حديثه في مسند الإِمام أحمد 2/ 162؛ وسنن الدارمي 1/ 125؛ وسنن أبي داود 4/ 60؛ رقم 3646؛ وجامع بيان العلم 1/ 71؛ والإِلماع، ص 146؛ كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله بن الأخنس عن الوليد بن عبد الله عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال كنت أكتب كل شيء أسمعه من =

ص: 426

عمرو بن العاصي (أ) في آخرين من الصحابة (1) والتابعين (2) إلى جواز ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا (3) لأبي شاه (4)، وهو بالهاء في الوقف والدرج (5). وهذان الحديثان صحيحان (6)، فيكون (ب) الأذن لمن خاف عليه النيسان (7)، والنهي لمن وثق بحفظه وخاف عليه الاتكال على الكتاب، أو نهى حين خاف اختلاطه بالقرآن، وأذن حين أمن ذلك، ثم

(أ) في (ك) و (هـ): العاص أي بدون الياء.

(ب) في (ك): فكون.

= رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه وذكر الحديث وإنه ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أكتب. ولمزيد الفائدة راجع تقييد العلم، ص 74 - 82؛ وتأويل مختلف الحديث، ص 93؛ وفتح الباري 1/ 207.

(1)

راجع تقييد العلم، ص 64 - 98؛ وجامع بيان العلم، ص 70 - 77.

(2)

راجع تقييد العلم، ص 99 - 113؛ والإِلماع، ص 147.

(3)

أخرجه البخاري 5/ 87 رقم 2434 ومسلم في صحيحه 2/ 988؛ رقم 1355؛ والترمذي في السنن 5/ 39 رقم 2667؛ وأبو داود في السنن 4/ 62؛ رقم 3649؛ وتقييد العلم، ص 86؛ وجامع بيان العلم 1/ 70؛ كلهم من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه .. إلخ.

(4)

هو الصحابي أبو شاه اليماني يقال: إنه كلبي ويقال: إنه فارسي من الأبناء الذين قدموا اليمن في نصرة سيف بن ذي يزن، وقيل: إن هاءه أصلية وهو بالفارسي معناه الملك.

انظر: الأصابة 4/ 100؛ والاستيعاب على هامشه 4/ 106.

(5)

انظر: شرح مسلم للمصنف 9/ 129.

(6)

حسبك بوجودهما في الصحيحين كما تقدم.

(7)

قال ابن حجر: بل لا يبعد وجوبه على من خشى النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم.

فتح الباري 1/ 204؛ فتح المغيث 2/ 145.

ص: 427

زال ذلك الخلاف (1)، وأجمع المسلمون على إباحة الكتابة (2).

ثم إن على (3) طالب الحديث وكاتبه صرف الهمة إلى ضبط ما يكتبه

(1) مقدمة ابن الصلاح، ص 161؛ وشرح صحيح مسلم للمصنف 1/ 130؛ وفتح الباري 1/ 280؛ وفيه: أو النهي متقدم والأذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس، قال: وهو أقربها انتهى.

قلت: وإليه يشير صنيع البخاري حيث ذكر في باب كتابة العلم أربعة أحاديث أولًا: حديث علي إنه كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثانيًا: حديث أبي هريرة وفيه الأمر بالكتابة لأبي شاه وهو بعد النهي فيكون ناسخًا، ثالثًا: حديث عبد الله بن عمرو وقد جاء في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له في ذلك وختم هذا الباب بحديث ابن عباس الدال على أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يكتب لأمته كتابًا وهو لا يهم إلا بحق، وهذا كان آخر الأمرين بلا شك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش بعد ذلك إلا أيامًا قلائل. وإليه ذهب أحمد شاكر رحمه الله وأيده بحجج قوية. راجع فتح الباري 1/ 210؛ والباعث الحثيث، ص 133؛ وقد صنف الخطيب في هذا الباب كتابًا مستقلًا سماه تقييد العلم ذكر فيه أسباب النهي عن كتابة الحديث مستشهدًا بالآثار الكثيرة وأخيرًا ذكر خلاصة هذه الآثار.

انظر: ص 57؛ وقد أفرد الدكتور مصطفى الأعظمى هذا الباب بتأليف مستقل سماه "دراسات في الحديث النبوي" فراجعه فإنه مهم.

انظر: بحوث في تاريخ السنة المشرفة أيضًا من، ص 216 - 220؛ وتصدير يوسف العش لتقييد العلم، ص 5 - 14؛ وغيرها من الكتب.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 162؛ شرح مسلم للمصنف 9/ 129؛ اختصار علوم الحديث، ص 132؛ تقييد العلم، ص 64؛ والإِلماع، ص 149؛ وفيه: والحال اليوم داعية للكتابة لانتشار الطرق وطول الأسانيد وقلة الحفظ وكلال الأفهام انتهى.

(3)

المحدث الفاصل، ص 608؛ الجامع 1/ 269؛ الإِلماع، ص 150؛ فتح المغيث 2/ 146.

ص: 428

أو يحصله بخط غيره من مروياته شكلًا ونقطًا يؤمن معهما (أ) الالتباس (1). وكثيرًا ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه، وذلك قبيح العاقبة (2).

ثم قيل: إنما يشكل ما يشكل (3)، ولا يتعنى (ب) بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس (4).

ونقل صاحب (5) سمات الخط: أن أهل العلم يكرهون الإِعجام (6) والإِعراب (7) إلا في الملتبس (8).

(أ) في (ك) و (هـ): معها.

(ب) في (ك): معنى.

(1)

انظر المراجع السابقة آنفًا.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 162؛ المحدث، ص 609؛ الجامع للخطيب 1/ 269؛ التدريب 2/ 68.

(3)

هو من أشكلت الكتاب، إذا قيدته بالإِعراب، وكأنك أزلت به عنه الإِشكال والالتباس.

انظر: الصحاح 5/ 1737.

(4)

المحدث الفاصل، ص 608؛ الإِلماع، ص 150؛ تذكرة السامع، ص 181؛ الجامع للخطيب 1/ 270؛ وفيه عن أحمد بن حنبل: كان يحيي بن سعيد يشكل إذا كان شديدًا، وغير ذلك لا. انتهى.

(5)

هو علي بن إبراهيم البغدادي. واسم الكتاب كاملًا: سمات الخط ورقومه.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 163؛ وكشف الظنون 2/ 1001.

(6)

الإِعجام من العجم: قال الجوهري: هو النقط بالسواد مثل التاء عليه نقطتان يقال: أعجمت الحرف، والتعجيم مثله. الصحاح 5/ 2981، مادة: ع ج م.

انظر: أيضًا المشوف المعلم/ 525؛ المحدث الفاصل، ص 608.

(7)

الإِعراب: هو اختلاف آخر الكلمة باختلاف العوامل، لفظًا وتقديرًا. كتاب التعريفات، ص 31.

(8)

انظر التعليق رقم 2؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 163.

ص: 429

وحكى غيره عن قوم أنه ينبغي أن يشكل الجميع (1)، لأن المبتدي وغير المتبحر في العلم لا يميز الشكل، والصواب من غيره (2). والله أعلم.

فروع

أحدها: ينبغي أن يكون اعتناؤه بضبط الملتبس من أسماء الناس أكثر لأنه لا مدخل للمعنى والذهن فيها (3).

الثاني: يستحب في الألفاظ المشكلة أن يضبطها في نفس الكتاب ثم يكتبها قبالتها في الحاشية مفردة واضحة مضبوطة، فإن ذلك أبلغ في إبانتها (أ)(4).

(أ) في (هـ): إثباتها.

(1)

الإِلماع، ص 150؛ والمحدث الفاصل، ص 608؛ والجامع 1/ 270.

وفيهما: وكان عفان وحبان، وبهز من أهل الشكل والتقييد، وفتح المغيث 2/ 148.

(2)

هذا قول القاضي عياض في الإِلماع، ص 150؛ قال: وقد وقع الخلاف بين العلماء بسبب اختلافهم في الإِعراب، كاختلافهم في قوله عليه السلام: ذكاة الجنين ذكاة أمه. فالحنفية ترجح فتح ذكاة الثانية على مذهبها في أنه يذكي مثل ذكاة أمه، وغيرهم من المالكية والشافعية ترجح الرفع لاسقاطهم ذكاته.

انظر أيضًا: فتح المغيث 2/ 148؛ والتدريب 2/ 69.

(3)

هذا قول أبي إسحاق النجيرمي رواه عنه مسندًا الخطيب في الجامع وعياض في الإِلماع وكان حماد بن سلمة يحض أصحاب الحديث على الضبط، كما هو في الكفاية والإِلماع.

انظر: الجامع 1/ 269؛ الإِلماع، ص 154 - 155؛ الكفاية، ص 242.

انظر: فتح المغيث 2/ 149؛ التدريب 2/ 69.

(4)

انظر: الإِلماع، ص 157؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 163؛ فتح المغيث 2/ 149؛ التدريب 2/ 70؛ قال ابن دقيق العيد: ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل، فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفًا حرفًا انتهى. الاقتراح، ص 286؛ التبصرة والتذكرة 2/ 121.

ص: 430

الثالث: يكره الخط الدقيق إلا من عذر بأن لا يجد سعة في الورق أو يكون رحالًا (أ) يحتاج إلى تخفيف الكتاب ونحو هذا من الأعذار (1).

الرابع: يستحب تحقيق الخط دون مشقه (2) وتعليقه (3).

والخامس: كما تضبط الحروف المعجمة بالنقط ينبغي أن تضبط المهملة بعلامة الاهمال. واختلف فيها، فقيل يجعل تحت الدال والراء والسين والصاد والطاء والعين، النقط التي فوق نظايرها المعجمات، وقيل: يجعل فوق المهمل كقلامة (ب) الظفر مضجعة على قفاها. وقيل: تحت الحاء حاء مفردة صغيرة، وكذا تحت باقي المهملات على صورها. ويوجد في بعض (ج) الكتب القديمة فوق المهمل خط صغير، وفي بعضها تحته مثل الهمزة (4).

(أ) في (ت): رحلا. والذي أثبته من باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(ب) في (ك) و (هـ): كعلامة.

(ج) لفظ: بعض. ساقط من (هـ). وفي (ص): بعض كتب القديمة.

(1)

انظر: الجامع 1/ 261؛ وقال: بلغني عن بعض الشيوخ أنه كان إذا رأى خطًا دقيقًا قال: هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله.

انظر: الاقتراح، ص 287؛ فتح المغيث 2/ 150؛ والتدريب 2/ 70؛ المقنع 1/ 244؛ تذكرة السامع والمتكلم، ص 177.

(2)

المشق: هو مد الحروف في الكتابة. انظر: القاموس 3/ 283 م ش ق.

(3)

التعليق: قال السخاوي: هو فيما قيل: خلط الحروف التي ينبغي تفرقتها وإذهاب أسنان ما ينبغي إقامة أسنانه وطمس ما ينبغي إظهار بياضه وأما المشق: هو خفة اليد وإرسالها مع بعثرة الحروف وعدم إقامة الأسنان. فيجتمعان في عدم إقامة الأسنان، ويختص التعليق بخلط الحروف وضمها والمشق ببعثرتها وإيضاحها بدون القانون المألوف انتهى بحذف. فتح المغيث 2/ 101.

انظر: التدريب 2/ 70؛ والجامع 1/ 262.

(4)

الإِلماع، ص 157؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 164؛ الاقتراح، ص 287؛ تذكرة السامع والمتكلم، ص 181؛ فتح المغيث 2/ 154؛ التدريب 2/ 71؛ توضيح الأفكار 2/ 366.

ص: 431

السادس: لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابه بما لا يفهمه غيره، كفعل من يجمع في كتابه روايات ويرمز إلى كل راو بحرف أو حرفين وما أشبه ذلك (1) فإن بين في كتابه أو آخره مراده بها فلا بأس (2). والأولى اجتناب (3) الرمز مطلقًا ويكتب عند كل رواية اسم راويها بكما (3) له مختصرًا.

السابع: ينبغي أن يجعل (أ) بين كل حديثين دارة (ب) يفصل بينهما (4). نقل (5) ذلك عن أبي (6) الزناد (5) وأحمد بن حنبل (5) وإبراهيم (5) الحربي ومحمد (5) بن جرير الطبري (7) واستحب

(أ) في (ك): يفصل.

(ب) في (هـ): دائرة.

(1)

الاقتراح، ص 288.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 165؛ التقريب 2/ 72؛ المقنع 1/ 246؛ فتح المغيث 2/ 156.

(3)

قال السخاوي: قد يوجه هذا القول يكون اصطلاحه في الرمز قد تسقط به الورقة أو المجلد فيتحير الواقف عليه من مبتدئ ونحوه انتهى. فتح المغيث 2/ 157.

(4)

الجامع 1/ 272؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 165.

(5)

نقل عنهم الخطيب في الجامع 1/ 272 - 273؛ ونقل عن أبي الزناد فقط الرامهرمزي في المحدث الفاصل، ص 606؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 166.

(6)

أبو الزناد: هو فقيه المدينة أبو عبد الرحمن عبد الله بن ذكوان المدني كان صاحب كتابة وحساب، قال أحمد: هو أعلم من ربيعة، وكان سفيان يسميه: أمير المؤمنين في الحديث، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 134؛ شذرات الذهب 1/ 182.

(7)

هو الإِمام أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، كان إمامًا في فنون كثيرة وله مصنفات مليحة تدل على سعة علمه وغزارة فهمه، وكان من الأئمة المجتهدين لم يقلد أحدًا، توفي سنة عشر وثلاثمائة ببغداد. وفيات الأعيان 4/ 191؛ تذكرة الحفاظ 2/ 710.

ص: 432

الخطيب (1) أن تكون الدارات غفلًا، فإذا قابل، فكل حديث قابله نقط في الدارة التي تليه نقطة (أ) وسطها (1).

الثامن: يكره في مثل عبد الله وعبد الرحمن بن فلان وساير الأسماء المشتملة على التعبيد لله تعالى أن يكتب عبد في آخر سطر ويكتب اسم الله مع ابن فلان في أول أسطر. وكذا يكره أن يكتب قال رسول (ب) في آخر سطر والله صلى الله عليه وسلم في أول الآخر وكذا ما أشبهه (2) والله (ج) أعلم.

التاسع: ينبغي أن يحافظ على كتابة (د) الصلاة والتسليم على رسول

(أ) كلمة: نقطة، ساقطة من (ص).

(ب) في (ك): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سطر وصلى الله عليه وسلم .. إلخ. وهو خطأ لا يخفى.

(ج) على هامش (ت): أو يكون بعده شيء ملائم له غير مناف له، فلا بأس بالفصل، نحو قوله في آخر البخاري: سبحان الله العظيم. فإنه إذا فصل بين المضاف والمضاف إليه، كان أول السطر: الله العظيم. ولا منافاة في ذلك، ومع هذا فجمعهما في سطر واحد أولى. شرح ألفية الحديث.

(د) في (ك): كتبه.

(1)

انظر: استحباب الخطيب في الجامع 1/ 273؛ وفائدة هذه الدائرة أن لا يحصل التداخل بأن يدخل عجز الأول في صدر الثاني أو العكس وذلك إذا تجردت المتون عن أسانيدها، وأيضًا إذا كان بين الحديث وبين ما لعله يكون بآخره من إيضاح لغريب وشرح لمعنى ونحو ذلك مما كان إغفاله أو ما يقوم مقامه أحد أسباب الإِدراج من باب أولى.

انظر: فتح المغيث 2/ 157.

(2)

قال السيوطي: وأوجب اجتناب مثل ذلك ابن بطة والخطيب ووافق ابن دقيق العيد على أن ذلك مكروه لا حرام.

انظر: التدريب 2/ 74؛ والاقتراح، ص 289؛ وفتح المغيث 2/ 158؛ المقنع 1/ 247؛ ولقول ابن بطة والخطيب الجامع لآداب الراوي 1/ 268.

ص: 433

الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ولا يسأم من تكريره، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك (أ) حرم حظًا عظيمًا وما يكتبه فهو دعاء (ب) يثبته لا كلام يرويه، فلهذا لا يتقيد فيه بالرواية، ولا يقتصر على ما في الأصل إن كان ناقصًا (1)، وهكذا الأمر في الثناء على الله تعالى كعز وجل وتبارك وتعالى وما أشبه هذا (2).

قلت (ج): وكذا الترضي والترحم على الصحابة والعلماء وساير الأخيار (3)، وإذا (د) وجد شيء من ذلك قد جاءت به الرواية كانت العناية بإثباته أكثر (4).

(أ) في (هـ) و (ص): فقد حرم.

(ب) على هامش (ك): قوله: فهو دعاء. قلت: ظاهر كلام المصنف؟ ؟ .

(ج) في (ص) و (هـ): قال المصنف.

(د) في (ك): فإذا.

(1)

الجامع 1/ 270؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 166؛ التقريب 2/ 74؛ تذكرة السامع، ص 175؛ فتح المغيث 2/ 160؛ وقيده ابن دقيق العيد بالرواية فقال: والذي نميل إليه أن يتبع الأصول والروايات فإن العمدة في هذا الباب هو أن يكون الإِخبار مطابقًا لما في الواقع، فإذا دل هذا اللفظ على أن الرواية هكذا ولم يكن الأمر كذلك لم تكن الرواية مطابقة لما في الواقع انتهى. وهو الذي اختاره أحمد شاكر رحمه الله ونسبه إلى الإِمام أحمد رحمه الله الاقتراح، ص 291؛ الباعث الحثيث، ص 136.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 167؛ التقريب 2/ 76؛ تذكرة السامع والمتكلم، ص 175.

(3)

الجامع لآداب الراوي 2/ 103 - 107؛ التقريب 2/ 76؛ فتح المغيث 2/ 164؛ نقلًا عن المصنف. وتذكرة السامع والمتكلم، ص 177؛ المقنع 1/ 248.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 167؛ التقريب 2/ 76؛ المقنع 1/ 248.

ص: 434

ثم ليجتنب في كتب الصلوة نقصين، أحدهما: نقصها (صورة (أ) بأن يرمز إليها بحرفين أو نحو ذلك (1).

الثاني: نقصها) معنى بأن يكتب صلى الله عليه من غير وسلم، أو يكتب عليه السلام (2) قال الله تعالى:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (3).

العاشر: على الطالب مقابلة (4) كتابه بأصل

(أ) ما بين المعقوفين ساقط من (ص).

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 168؛ التقريب 2/ 77؛ تذكرة السامع، ص 176؛ فتح المغيث 2/ 163؛ المقنع 1/ 248.

(2)

صرح المصنف رحمه الله في شرح مسلم وغيره بكراهة إفراد أحدهما عن الآخر متمسكًا بورود الأمر بهما معًا في الآية الآتية وقال ابن حجر رحمه الله: إن كان فاعل أحدهما يقتصر على الصلاة دائمًا فيكره من جهة الإِخلال بالأمر الوارد بالإِكثار منهما والترغيب فيهما، وإن كان يصلي تارة ويسلم أخرى من غير إخلال بواحدة منهما فلم أقف على دليل يقتضي كراهته ولكنه خلاف الأولى، إذا لجمع بينهما مستحب لا نزاع فيه، قال: ولعل النووي رحمه الله أطلع على دليل خاص لذلك. فإذا قالت حزام فصدقوها انتهى. ما نقل عنه السخاوي رحمه الله.

انظر: شرح مسلم 1/ 44؛ والأذكار، ص 107؛ وفتح المغيث 2/ 164؛ تذكرة السامع والمتكلم، ص 176؛ المقنع 1/ 248؛ والتقريب 2/ 76.

(3)

سورة الأحزاب: الآية 56.

(4)

المقابلة: هي من قولهم: قابلت الكتاب قبالًا ومقابلة ومثله عارضت بالكتاب الكتاب، أي جعلت ما في أحدهما مثل ما في الآخر.

وفي اصطلاح المحدثين: هي مراجعة ما كتبه الطالب مقابلًا بالنسخة التي كتب منها وذلك بأن يمسك هو نسخته ويمسك ثقة غيره الأصل، فيقرأ أحدهما ويتبع الآخر وذلك للتأكد من مطابقة النسخة الجديدة التي تسمى الفرع، بالنسخة القديمة التي تسمى الأصل، وإصلاح ما يوجد من مفارقات من خطأ أو زيادة أو نقص في الفرع.

انظر: فتح المغيث 2/ 165؛ وتعليق الدكتور الطحان على الجامع 1/ 275.

ص: 435

سماعه (1) وإن كان إجازة (1)، وأفضل (2) المقابلة أن يمسك الطالب كتابه والشيخ كتابه حال تحديثه (أ) لما يجتمع من الإتقان بسبب ذلك فما نقص من هذه الأوصاف نقص من مرتبة المقابلة بقدرها (3). ويستحب أن ينظر معه من الحاضرين من لا نسخة معه لا سيما إن أراد الآخر النقل من هذه النسخة (4) وقال يحيى بن معين: لا يجوز له أن يروى من غير أصل الشيخ إلا إذا كان

(أ) في (ك): حديثه.

(1)

كلام المصنف هنا ليس بمستقيم، لأنه كيف يكون السماع بالإِجازة وهما قسيمان فيما بينهما، ولهذا قوله في التقريب: عليه مقابلة كتابه بأصل شيخه وإن إجازة. أدق مما هو في هذا الكتاب.

انظر: التقريب 2/ 77.

وصرح الخطيب بوجوب المقابلة، وكذا قال عياض: إنه يتعين لا بد منه. لكن قال السخاوي: الظاهر أن محل الوجوب حيث لم يثق بصحة كتابته أو نسخته، أما من عرف بالاستقراء ندور السقط والتحريف منه فلا.

انظر: الجامع 1/ 275؛ الإِلماع، ص 158؛ فتح المغيث 2/ 166.

(2)

قال ابن دقيق العيد: وعندي أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان من عادته أن لا يسهو عند نظره في الأصل والفرع فهذا يقابل بنفسه. ومن عادته لقلة حفظه أن يسهو فمقابلته مع الغير أولى أو أوجب. الاقتراح، ص 296؛ فتح المغيث 2/ 168.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 169؛ وقيد ابن دقيق العيد هذه الأفضلية بتمكن الطالب مع ذلك من التثبت في القراءة أو السماع وإلا فتقديم العرض حينئذ أولى، قال: بل أقول: إنه أولى مطلقًا لأنه إذا قوبل أولًا كان حالة السماع أيسر. انتهى.

انظر: الاقتراح، ص 292؛ فتح المغيث 2/ 167.

(4)

الكفاية، ص 238؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 169؛ التقريب 2/ 78؛ المقنع 1/ 249؛ فتح المغيث 2/ 169.

ص: 436

ينظر فيه حال القراءة (1). وهذا مذهب شاذ متروك (2)، والصواب الذي قاله الجماهير: إن ذلك لا يشترط فيصح السماع وإن لم ينظر أصلًا في الكتاب (حال (أ) القراءة (3).) ولا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه المقابلة بأصل الشيخ، وإن (ب) كان في غير حال القراءة.

ويجوز أن يكتفي بمقابلة ثقة موثوق بضبطه. ويجوز أن يقابل بفرع قوبل بأصل شيخه المقابلة المشروطة. وكذلك إذا قابل بأصل أصل شيخه (الذي (ج) قوبل به أصل شيخه) لأن المقصود أن يكون كتابه موافقًا لأصل سماعه، فسواء حصل بواسطة أو بغيرها (4).

(أ) كلمة: حال القراءة. ساقطة من (ت). وموجودة في باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(ب) في (ك): فإن كان.

(ج) ما بين المعقوفين ساقط من (ت). وموجود في سائر النسخ.

(1)

روى الخطيب قول ابن معين بسند فيه وجادة، ولذلك أورده ابن الصلاح بصيغة التمريض بخلاف المصنف. ثم لم ينفرد ابن معين بهذا فقد أورده الخطيب أيضًا عن أبي عبد الله محمد بن مسلم بن وارة.

الكفاية، ص 238؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 169.

انظر: فتح المغيث 2/ 170.

(2)

قال السخاوي: يمكن أن يخص الاشتراط بما إذا لم يكن صاحب النسخة مأمونًا موثوقًا بضبطه ولم يكن تقدم العرض بأصل الراوي فإنه حينئذ لا بد من النظر. وهو مقتضى قول الخطيب أيضًا حيث قال: وإذا كان صاحب النسخة مأمونًا في نفسه موثوقًا بضبطه جاز لمن حضر المجلس أن يترك النظر معه اعتمادًا عليه في ذلك، قال السخاوي: بل ويجوز ترك النظر حين القراءة إذا كان العرض قد سبق بالأمر.

انظر: فتح المغيث 2/ 170؛ والكفاية، ص 239.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 170؛ التقريب 2/ 78؛ المقنع 1/ 249.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 170؛ التقريب 2/ 78؛ المقنع 1/ 249؛ فتح المغيث 2/ 168.

ص: 437

أما إذا لم يعارض كتابه أصلًا، فقد أجاز (أ) الرواية منه الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني وأبا بكر (ب) الإِسماعيلي (1) والبرقاني (1) والخطيب (1)، وشرطه (2) أن يكون نسخة الطالب منقولة من الأصل (3)، وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض (4)، وأن يكون ناقل (ج) النسخة صحيح النقل قليل السقط (5) وينبغي أن يراعى في كتاب شيخه بالنسبة إلى من فوقه مثل ما ذكرناه في كتابه ولا يكونن كطائفة إذا رأوا سماع إنسان لكتاب سمعوه عليه من أي نسخة اتفقت (6)، وفي هذا خلاف وكلام يأتي في أول النوع (د) الذي (7) يليه، والله أعلم.

الحادي عشر: المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ويسمى

(أ) في (ك): أجازوا.

(ب) في (هـ): أبو بكر.

(ج) في (ت): وأن يكون الناقل صحيح النقل. وفي سائر النسخ كما أثبته.

(د) في (ك): زيادة "و" بين "النوع" و"الذي". وهو خطأ.

(1)

انظر: أقوالهم في الكفاية، ص 239؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 171؛ التقريب 2/ 79؛ المقنع 1/ 249؛ فتح المغيث 2/ 171.

(2)

قد جزم القاضي عياض بمنع الرواية عند عدم المقابلة وإن اجتمعت الشروط.

انظر: الإِلماع، ص 159؛ التدريب 2/ 79.

(3)

هذا الشرط انفرد به الخطيب ووافقه عليه ابن الصلاح.

انظر: الكفاية، ص 239؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 170.

(4)

هذا الشرط اجتمع عليه كل من الخطيب والإِسماعيلي والبرقاني وابن الصلاح.

انظر: المصدرين السابقين.

(5)

هذا الشرط انفرد به ابن الصلاح في مقدمته، ص 171.

(6)

مقدمة ابن الصلاح، ص 171؛ التقريب 2/ 79؛ المقنع 1/ 249؛ فتح المغيث 2/ 171.

(7)

انظر: النوع السادس والعشرين في صفة رواية الحديث، ص 457.

ص: 438

اللحق (1) بفتح الحاء أن يخط من موضع سقوطه في السطر خطًا صاعدًا إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة اللحق (2)، ومنهم من قال: يمد العطفة إلى أول اللحق للايضاح (3)، والمختار أنه يقتصر على العطفة اليسيرة لئلا يسود الكتاب ويوهم الضرب على بعض المكتوب (4). ويكتب اللحق مقابلًا الخط. المنعطف، وليكن ذلك في الحاشية اليمنى إن اتسعت إلا أن يتأخر النقص إلى آخر السطر فيخرجه إلى الشمال، وليكتبه صاعدًا إلى أعلى الورقة (5).

وإن كان اللحق سطرين فأكثر فلا يبتدى سطوره من أسفل إلى أعلى كما يفعله بعض الغالطين بل الصواب ابتداءها من أعلى إلى أسفل، فإن كانت في يمين الورقة كانت انتهاءها إلى باطن الورقة. وإن كان في شمال الورقة كان انتهاءها إلى طرف الورقة (6) والله أعلم.

(1) اللحق بالتحريك: هو شيء يلحق بالأول.

الصحاح 4/ 1549؛ القاموس 3/ 280.

(2)

قاله القاضي عياض في الإِلماع، ص 162.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 169؛ فتح المغيث 2/ 173؛ توضيح الأفكار 2/ 367.

(3)

هذا القائل هو الرامهرمزي في المحدث الفاصل، ص 606؛ ورواه عنه الخطيب في الجامع 1/ 279؛ ونقله عنه عياض في الإِلماع، ص 164؛ وابن الصلاح في المقدمة، ص 172.

(4)

انظر: الإِلماع، ص 164؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 172؛ فتح المغيث 2/ 173.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 171؛ التقريب 2/ 80؛ الإِلماع، ص 163؛ فتح المغيث 2/ 173؛ المقنع 1/ 250.

(6)

مقدمة ابن الصلاح، ص 172؛ التقريب 2/ 81؛ المقنع 1/ 150؛ فتح المغيث 2/ 173.

ص: 439

ثم يكتب عند انتهاء اللحق: صح (1). ومنهم من يكتب مع صح رجع (1). ومنهم من يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل الكتاب ليؤذن باتصال الكلام (2)، وهذا اختيار جماعة من أهل المعرفة المشارقة (2) والمغاربة (3) وليس بمرضى لأنه تطويل موهم (4). والله أعلم.

وأما ما يخرجه في الحواشي من شرح أو تنبيه على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو نحو ذلك، مما ليس من الأصل، فقال القاضي عياض رحمه الله: لا يخرج لذلك خط تخريج (أ) لئلا يلبس (ب) ويحسب من (ج)

(أ) في (هـ): مخرج.

(ب) في (ص) و (هـ): يلتبس.

(ج) على هامش (ك): حاشية: ولا يكتب: صح. على شرح ولا تنبيه وما أشبهه، ويكتب على الغلط.

(1)

ذكره القاضي عياض في الإِلماع، ص 162؛ وزاد: وبعضهم يكتب: انتهى اللحق.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 172؛ وراجع فتح المغيث 2/ 174؛ لمزيد الفائدة.

(2)

قاله الرامهرمزي ورواه عنه الخطيب ونقله عنه عياض.

انظر: المحدث الفاصل، ص 607؛ الجامع 1/ 279؛ الإِلماع، ص 162.

(3)

نقله عنهم القاضي عياض رحمه الله في الإِلماع، ص 162.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 172. فتح المغيث 2/ 174.

(4)

قال السيوطي: لأنه قد يجيء في الكلام ما هو مكرر مرتين وثلاثًا لمعنى صحيح، فإذا كررنا الحرف لم نأمن أن يوافق ما يتكرر حقيقة أو يشكل أمره فيوجب ارتيابًا وزيادة أشكال. التدريب 2/ 81.

انظر: فتح المغيث 2/ 174.

ص: 440

الأصل (1). والمختار استحباب التخريج لأنه أدل على المقصود، ويكون هذا التخريج على نفس الكلمة التي لأجلها خرج. وأما التخريج الذي سبق فيما سقط من الأصل فيكون بين الكلمتين اللتين بينهما سقط (2) الساقط والله أعلم.

الثاني عشر: (أ) شأن الحذاق المتقنين الاعتناء بالتصحيح والتضبيب (3) والتمريض أما التصحيح فهو (ب) كتابة صح على (4) كلام صح رواية ومعنى وهو عرضة للشك أو الخلاف فيكتب عليه صح ليعلم أنه اعتنى به وحقق (5).

(أ) في (ك): من شأن.

(ب) في (ك): فهو من كتابة.

(1)

انظر: الإلماع، ص 164، وتمام كلامه: ولا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل، لكن ربما جعل على الحرف المتثبت بهذا التخريج كالضبة أو التصحيح ليدل عليه انتهى. قال السخاوي: ومنع ما ذهب إليه عياض لأن كلا من الضبة والتصحيح اصطلح به لغير ذلك كما سيأتي قريبًا فخوف اللبس أيضًا حاصل انتهى؛ فتح المغيث 2/ 175.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 174؛ التقريب 2/ 82؛ فتح المغيث 2/ 175؛ المقنع 1/ 250.

(3)

التضبيب لغة: هو تغطية الشيء ودخول بعضه في بعض. لسان العرب 1/ 540، وأما اصطلاحًا فسيأتي تعريفه في هذا الفرع.

(4)

إن كونها تكتب أعلى الحرف وهو الأشهر الأحسن، وإلا فلو كتبت عنده بالحاشية مثلًا لا بجانبه لئلا يلتبس كفى، لقول ابن الصلاح: كتابة صح على الكلام أو عنده؛ انظر مقدمة ابن الصلاح، ص 174؛ وفتح المغيث 2/ 177.

(5)

انظر: الإلماع، ص 166؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 174؛ الاقتراح، ص 300؛ والتدريب 2/ 82؛ وفتح المغيث 2/ 177، وفيه: قال ياقوت الحموي: بل فيه إشارة إلى أنه كان شاكًا فيه فبحث فيه إلى أن صح فخشى أن يعاوده الشك فكتبها ليزول عنه الشرك فيما بعد انتهى.

ص: 441

وأما التضبيب (1) ويسمى أيضًا التمريض، فيفعل فيما ثبت من جهة النقل وهو فاسد لفظًا أو معنى، أو ضعيف أو ناقص فيمد عليه خط أوله مثل الصاد (2) ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها لئلا (أ) يظن ضربًا وكأنه صاد التصحيح (3) دون مائها كتبت كذا ليفرق بين ما صح مطلقًا وبين ما صح رواية فحسب وجعل ناقصًا ليشعر بنقصه ومرضه (4) وسمى ضبة لكون (ب) الكلمة مقفلة به (ج) لا يتجه لقراءة كما أن الضبة يقفل بها (5) ولأنها (د)

(أ) كلمة: لئلا: ساقطة من (ك).

(ب) في (هـ). لأن.

(ج) لفظ به. ساقط من (هـ).

(د) في (هـ): لأنها تدل على الخ.

(1)

أي اصطلاحًا.

(2)

هكذا: صـ، مهملة مختصرة من صح ويجوز أن تكون معجمة من ضبة. قال السخاوي: قرأت بخط شيخنا ما حاصله: مقتضى تسميتها ضبة أن تكون ضادًا معجمة ومقتضى تتمتها بحاء صح أن تكون مهملة، قال: لكن لا يمتنع مع هذا أن تكون معجمة؛ فتح المغيث 2/ 177، 179.

(3)

قال السخاوي: وإنما اختص التمريض بهذه الصورة فيما يظهر لعدم تحتم الخطأ في المعلم عليه بل لعل غيره كما قال ابن الصلاح ممن يقف عليه يخرج له وجهًا صحيحًا يعني ويتجه المعنى، أو يظهر له هو بعد في توجيه صحته ما لم يظهر له الآن فيسهل عليه حينئذ تكميلها صح التي هي علامة الممرض للشك، قال: ووجدت في كلام ياقوت ما يشهد له، ثم ذكر كلامه.

انظر: فتح المغيث 2/ 178؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 175؛ والإلماع، ص 167.

(4)

الإلماع، ص 169؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 175؛ توضيح الأفكار 2/ 367.

(5)

قاله أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا اللغوي الأندلسي المعروف بابن الافليلي حكاه عنه القاضي عياض مسندًا. وقال السخاوي: ويجوز أن تكون إشارة إلى صورة ضبة ليوافق صورتها ومعناها انتهى.

انظر: الإلماع، ص 169؛ فتح المغيث 2/ 178؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 175؛ التدريب 2/ 83؛ توضيح الأفكار 2/ 367.

ص: 442

على كلام مختل كالضبة علي موضع الكسر من الإِناء (1). ومن المواضع التي (أ) يضببون منها كثيرًا موضع الإِرسال والانقطاع من الإِسناد، وهو داخل في النقص المذكور (2)، ويوجد في بعض الأصول القديمة في الإِسناد الجامع جماعة معطوفًا بعضهم على بعض علامة تشبه الضبة بين أسمائهم فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة وليست ضبة وكأنها علامة وصل خوفًا من أن تجعل عن مكان الواو (3). وربما اختصر بعضهم علامة التصحيح فاشتبهت (4) التضبيب (ب). والله أعلم (ج).

الثالث عشر: إذا وقع في الكتاب ما ليس منه نفى عنه بالضرب أو المحو أو الحك أو غيرها، والضرب أولها لاحتمال صحته في رواية أخرى (5). واختلفوا في كيفيته، فالأكثرون على أنه يخط فوق المضروب عليه خطًا بينًا دالًا على إبطاله بحيث يقرأ ما خط عليه ويكون

(أ) في (ك): الذين. وهو خطأ.

(ب) في (ص): التضبب.

(ج) والله أعلم. ساقط من جميع النسخ عدا (هـ).

(1)

قاله ابن الصلاح. وقال السخاوي: ولا يخدش فيما قاله ابن الصلاح بأن ضبة القدح للجبر وهي هنا ليست جابرة، فالتشبيه في كونها جعلت في موضعين على ما فيه خلل انتهى.

مقدمة ابن الصلاح، ص 175؛ فتح المغيث 2/ 178.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 175؛ التقريب 2/ 83؛ فتح المغيث 2/ 179؛ توجيه النظر، ص 354.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 176؛ التقريب 2/ 83؛ فتح المغيث 2/ 179؛ توجيه النظر، ص 354.

(4)

المصادر السابقة؛ وقال السخاوي: بل هو أقرب إلى الإِيهام مما قبله.

(5)

الإلماع، ص 170؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 176؛ المقنع 1/ 29؛ فتح المغيث 2/ 181؛ التدريب 2/ 84؛ توجيه النظر، ص 357؛ الباعث الحثيث، ص 138.

ص: 443

مختلطًا بالكلمات المضروف عليها (1)، ويسمى (أ) هذا أيضًا الشق (2).

ومنهم من لا يخلطه (ب) بالمضروب ويثبته فوقه، ويعطف طرفي (ج) الخط على أول المضروب عليه وآخره (3)، ومنهم من يحوق على أول المضروب عليه نصف دائرة وكذا في آخره (4).

وإذا كثر المضروب عليه فقد يكتفي بالتحويق في أول الكلام وآخره، وقد يفعله في أول كل سطر وآخره (5). ومنهم من لا يحوق بل

(أ) في (ك): سمى.

(ب) في (ك): يختلطه. وهو خطأ.

(ج) في (ك): طرف.

(1)

قاله الرامهرمزي في المحدث الفاصل، ص 606؛ ونقله عنه مسندًا الخطيب في الجامع، ص 278.

وانظر: الإلماع، ص 171؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 177؛ تذكرة السامع والمتكلم، ص 184؛ المقنع 1/ 252؛ فتح المغيث 2/ 182؛ التدريب 2/ 84؛ توجيه النظر، ص 358.

(2)

أي عند أهل المغرب، قال السيوطي: هو بفتح المعجمة وتشديد القاف. من الشق، وهو الصدع، أو شق العصا وهو التفريق كأنه فرق بين الزائد وما قبله وبعده من الثابت بالضرب انتهى. تدريب الراوي 2/ 84.

انظر: فتح المغيث 2/ 182؛ توجيه النظر، ص 358.

(3)

الإلماع، ص 171؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 177؛ المقنع 1/ 252؛ فتح المغيث 2/ 183؛ التدريب 2/ 85؛ توجيه النظر، ص 359، وصورة هذا النوع هكذا ــ، قال عياض وتبعه ابن الصلاح: إن منهم من يستقبح هذا الضرب بقسميه ويراه تسويدًا وتغليسًا ويقتصر على غيره مما سيأتي.

انظر: فتح المغيث 2/ 83.

(4)

انظر المصادر السابقة. وصورة هذا النوع هكذا (. . .).

(5)

انظر: المصادر السابقة.

ص: 444

يكتفي بدائرة صغيرة أول (أ) الزيادة وآخرها (1). ومنهم من يكتب: لا. في أوله و: إلى. في آخره (2). وهذا يحسن فيما صح في رواية وسقط في أخرى (3). وأما الضرب على الحرف المكرر فاختلف في الأولى منه، فقيل: يضرب على الثاني لأنه الخطأ (4)، وقيل: يبقي أحسنهما صورة وأبينهما (ب)، لأنه المراد من الخط (5).

(أ) في (ص) و (هـ): في أول الزيادة.

(ب) في (هـ): وأثبتهما.

(1)

حكاه عياض عن بعض الأشياخ المحسنين لكتبهم، قال: ويسميها صفرًا كما يسميها أهل الحساب، ومعناها، خلو موضعها عندهم عن عدد، كذلك تشعر هنا بخلو ما بينهما عن صحة.

انظر: الإلماع، ص 171، والمصادر السابقة.

(2)

الإلماع، ص 171؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 178؛ فتح المغيث 2/ 183؛ التدريب 2/ 85.

(3)

الإلماع، ص 171؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 178، قال السخاوي: وذلك - والله أعلم - فيما يجوزون أن نفيه أو إثباته غير متفق عليه في سائر الروايات ولذا يضاف إليه ببعض الأصول الرمز لمن وقع عنده، أو نفي عنه من الرواة وقد يقتصر على الرمز لكن حيث يكون الزائد كلمة أو نحوها انتهى. فتح المغيث 2/ 183.

وانظر: التدريب 2/ 85.

(4)

رواه الرامهرمزي عن بعض أصحابه وقد أخرجه الخطيب بسنده إليه، ونقله ابن الصلاح عن الرامهرمزي.

انظر: المحدث الفاصل، ص 607؛ الجامع 1/ 276؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 178؛ والإلماع، ص 172؛ فتح المغيث 2/ 84؛ التدريب 2/ 85؛ تذكرة السامع والمتكلم، ص 185؛ المقنع 1/ 253؛ توجيه النظر، ص 253.

(5)

المصادر السابقة كلها، وقال السخاوي: هذان القولان أطلق الرامهرمزي وغيره وحكايتهما في أصل المسألة من غير مراعاة لأوائل السطور، ومحلهما عند عياض ما إذا كانا في وسط السطر، فتح المغيث 2/ 184.

ص: 445

وقال القاضي عياض: إن كان المتكرران في أول سطر ضرب على الثاني وإن كانا (أ) في آخره ضرب على أولهما صيانة لأوائل السطور وآخرها. فإن كان أحدهما في أول سطر والآخر في آخر (ب) سطر ضرب على ما في آخره، لأن أول السطر أولى بالمراعاة (1)، وإن كان المتكرر في المضاف والمضاف إليه أو الصفة والموصوف أو نحوه (2). لم يراع أول السطر وآخره بل يراعي الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ونحوهما (3) في الخط فلا يفصل بينهما بل يضرب على المتطرف من المتكرر دون المتوسط (4) والله أعلم.

وأما الحك والكشط فكرههما أهل العلم، وقالوا: هو (5) تهمة وقيل:

(أ) في (ص): كان. وهو خطأ.

(ب) كلمة: آخر. ساقطة من (ك) و (هـ).

(1)

الإلماع، ص 172، قال: وهذا عندي إذا تساوت الكلمات في المنازل، فأما إن كان مثل المضاف والمضاف إليه الخ.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 178؛ وتذكرة السامع والمتكلم، ص 185.

(2)

كالمعطوف والمعطوف عليه وكالمبتدأ والخبر عنه.

(3)

كالعطف عليه والخبر عنه.

(4)

انظر: قول القاضي عياض في الإلماع، ص 72؛ ونقله عنه ابن الصلاح في مقدمته، ص 178؛ تذكرة السامع والمتكلم، ص 185؛ المقنع 1/ 253؛ فتح المغيث 2/ 184؛ التدريب 2/ 86؛ توجيه النظر، ص 359.

(5)

ذكره الرامهرمزي عن أصحابه ورواه الخطيب وعياض بسندهما إليه وكذا ذكره عنه ابن الصلاح.

انظر: المحدث الفاصل، ص 606؛ الجامع، ص 278؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 176، وقال السخاوي: التهمة يعني بإسكان الهاء في الأكثر وقد تحرك من الاتهام لمعنى الظن حيث يتردد الواقف عليه - والله أعلم - أكان الكشط لكتابة شيء بدله ثم لم يتيسر أو، لا. ثم ذكر كلاما طويلًا نفيسًا، وقال أخيرًا: ولكن قد اختار ابن الجزري تفصيلًا نشأ له عن هذا التعليل، فقال: إن تحقق كونه =

ص: 446

كانوا يكرهون حضور السكين مجلس السماع (1)، وأما المحو فحكمه حكم الحك (2) والله أعلم.

الرابع عشر: ينبغي أن يعتني بضبط ما تختلف فيه الروايات ويميزها كيلا (أ) يختلط ويشتبه فيجعل كتابه على رواية (3)، ثم ما كان في غيرها من زيادة ألحقها في الحاشية أو من نقص أعلم عليه أو من خلاف كتبه معينًا، في (ب) كل ذلك من (ج) رواه بتمام اسمه لا رامزًا إلا أن يبين ذلك في أول الكتاب أو آخره (4)، (واكتفى كثيرون (د) من الأئمة بالتمييز) بحمرة فإذا

(أ) في (ك): فلا.

(ب) في (ك): زيادة: فإذا كان. بين "معينًا" وبين "في كل الخ".

(ج) في (ص): تكرار: من.

(د) ما بين المعقوفين ساقط من: (ك).

= غلطًا سبق إليه القلم، فالكشط أولى لئلا يوهم بالمضروب أن له أصلًا، وإلا فلا. قال: على أنه لا انحصار لتعليل الأجودية فيما ذكر، فقد رأيت من قال: لما في الكشط من مزيد تعب يضيع به الوقت وربما أفسد الورقة. فتح المغيث 2/ 182؛ وتذكرة العلماء لابن الجزري (18/ ب).

(1)

ذكره القاضي عياض عن شيخه أبي بحر سفيان بن العاصي الأسدي يحكى عن بعض شيوخه أنه كان يقول: كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع لئلا يبشر، وأسنده ابن الصلاح بسنده إلى القاضي.

انظر: الإلماع، ص 170؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 176؛ فتح المغيث 2/ 182.

(2)

أي مكروه عند أهل العلم لأسباب تقدم ذكرها.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 179؛ التقريب 2/ 86؛ المقنع 1/ 253؛ فتح المغيث 2/ 180.

(3)

أي ولا يجعله ملفقًا من روايتين لما فيه من الالتباس. فتح المغيث 2/ 187.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 179؛ التقريب 2/ 72؛ فتح المغيث 2/ 187؛ وقد تقدم الكلام عليه قبل ذلك في هذا الباب، ص 432 تعليق رقم (3).

ص: 447

كان في الرواية الملحقة زيادة على التي (أ) في متن الكتاب كتبها بحمرة، وإن كان فيها نقص وكانت الزيادة في رواية المتن حوق عليها بحمرة (1)، ثم على فاعل ذلك تبيين صاحب الحمرة أول كتابه أو آخره (2).

الخامس عشر: غلب على كتبة الحديث الاقتصار على الرمز في حدثنا وأخبرنا وشاع ذلك فلا يكاد يلتبس، فيكتب من حدثنا: الثاء والنون والألف وربما اقتصر على النون والألف ويكتب من أخبرنا الألف التي في أوله مع النون والألف في آخره (3).

وليس يحسن (4) ما تفعله طائفة من كتابة، أخبرنا بألف مع علامة حدثنا الأولى وقد فعله البيهقي (5) الحافظ رحمه الله. وقد يكتب في أخبرنا: راء بعد الألف

(أ) في (ك): الذي.

(1)

قال القاضي عياض: فقد عمل ذلك كثير من الأشياخ وأهل الضبط كأبي ذر الهروي وأبي الحسن القابسي وغيرهما، وذكره ابن الصلاح عنهما.

وانظر: الإلماع، ص 189؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 180؛ التقريب 2/ 73؛ فتح المغيث 2/ 187؛ توضيح الأفكار 2/ 368؛ توجيه النظر، ص 360.

(2)

أو فى كل مجلد إذا كان الكتاب في عدة مجلدات، ولا يعتمد على حفظه في ذلك وذكره فربما نسى ما اصطلحه فيه لطول العهد، بل ويتعطل غيره ممن نفع له كتابه عن الانتفاع به حيث يصير في حيرة وعمى ولا يهتدي للمراد بتلك الرموز أو الألوان.

انظر: فتح المغيث 2/ 188؛ والإلماع، ص 191، مقدمة ابن الصلاح، ص 180؛ التقريب 2/ 73، توجيه النظر، ص 360.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 180؛ التقريب 2/ 86؛ المقنع 1/ 254؛ فتح المغيث 2/ 189؛ توجيه النظر، ص 322.

(4)

راجع فتح المغيث 2/ 190، ففيه كلام حسن؛ والتدريب 2/ 87.

(5)

انظر: مقدمة ابن صلاح، ص 180؛ التقريب 2/ 87؛ المقنع 1/ 254؛ فتح المغيث 2/ 190.

ص: 448

وفي حدثنا قال في أولها (1). ووجدت (2) الدال في خط الحاكم (أ) أبي عبد الله وأبي عبد الرحمن (3) السلمي والبيهقي رحمهم الله تعالى (2) والله أعلم.

وإذا كان للحديث إسناد أو أكثر كتبوا عند الانتقال من إسناد إلى إسناد: (ح)، وهي حاء مهملة مفردة (4)، ولم يوجد (5) للمتقدمين تبيين

(أ) كلمة: الحاكم: ساقطة من (ص) و (هـ).

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 180؛ التقريب 2/ 83؛ المقنع 1/ 254؛ فتح المغيث 2/ 189.

(2)

قد رآه ابن الصلاح في خط هؤلاء الناس، فالمصنف حال كلامه أو رأى ذلك أيضًا أو "وجدت" في كلامه مبنيًا للمفعول. انتهى ما في تدريب الراوي 2/ 87.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 180.

(3)

هو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد السلمي الصوفي النيسابوري.

قال الخطيب: قدم بغداد مرات وكان ذا عناية بأخبار الصوفية، وصنف لهم سننًا وتفسيرًا وتاريخًا، وكان يضع للصوفية الأحاديث، وقال الذهبي: ألف حقائق التفسير فأتى فيه بمصائب وتأويلات الباطنية نسأل الله العافية، توفي سنة إثنتي عشرة وأربعمائة. تاريخ بغداد 2/ 248؛ تذكرة الحفاظ 3/ 1046.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 181؛ التقريب 2/ 88؛ المقنع 1/ 254؛ فتح المغيث 2/ 192؛ وحكى ابن كثير عن بعضهم الإِجماع على أنها حاء مهملة، فقد قال: ومن الناس من يتوهم أنها خاء معجمة، أي إسناد آخر، والمشهور الأول، وحكى بعضهم الإِجماع. انتهى. اختصار علوم الحديث، ص 139.

(5)

قال السخاوي: إن ذلك اجتهاد من أئمتنا في شأنها من حيث أنهم لم يتبين لهم فيها شيء من المتقدمين. قال الدمياطي: ويقال: إن أول من تكلم على هذا الحرف ابن الصلاح، وهو ظاهر من صنيعه لا سيما وقد صرح بقوله: ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها.

انظر: فتح المغيث 2/ 193؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 181؛ توجيه النظر، ص 322.

ص: 449

لأمرها ووجد بخط جماعة من الحفاظ (1) موضعها صح، وهذا يشعر بكونها رمزًا إلى صح، وحسن إثبات صح هنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإِسناد سقط، ولئلا يركب الإِسناد الثاني على الأول، ويجعلا إسنادًا واحدًا (2)، وقال بعض المتأخرين الأصبهانيين: هي من التحول من إسناد إلى إسناد (3)، وقيل: هي من حايل أي تحول بين (أ) الإِسنادين وليست من الحديث فلا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها في القراءة (4)، وقال بعض المتأخرين: هي إشارة إلى قولنا: الحديث، وحكى عن جميع أهل

(أ) في (ك): من الإِسنادين.

(1)

وهم الحافظ أبو عثمان الصابوني والحافظ أبو مسلم عمر بن علي الليثي البخاري والفقيه المحدث أبو سعد الخليلي.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 181؛ فتح المغيث 2/ 193؛ التدريب 2/ 88.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 181؛ المقنع 1/ 254؛ فتح المغيث 2/ 193؛ التدريب 2/ 88؛ توجيه النظر، ص 322.

(3)

مقدمة ابن الصلاح، ص 181، وهو المختار عند المصنف فقد قال في مقدمة شرح مسلم: والمختار أنها مأخوذة من التحول لتحوله من الإِسناد إلى إسناد وأنه يقول القاري إذا انتهى. إليها: (ح) ويستمر في قراءة ما بعدها. مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 38.

وانظر: فتح المغيث 2/ 193.

(4)

قاله الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي كما ذكره ابن الصلاح عنه مسندًا، قال: وأنكر كونها من الحديث. قال السخاوي: وكأن هذا الإنكار لكون الحديث لم يذكر بعد، فإن كانت مذكورة بعد سياق السند الأول وبعض المتن، فيمكن عدم إنكاره. ثم ذكر مثالًا من صحيح البخاري مع الفتح 4/ 143؛ كتاب الصوم يؤيد ما ذهب إليه.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 182؛ فتح المغيث 2/ 193؛ توجيه النظر، ص 322.

ص: 450

المغرب أنهم يقولون إذا وصلوا إليها في القراءة: الحديث (1)(أ) وقال بعض البغداديين من العلماء من يقول إذا انتهى إليها في القراءة: حاء، ويمر (2)، وهذا هو المختار الأحوط الأعدل (3). والله أعلم.

السادس عشر: قال الخطيب رحمه الله: ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه (4) ثم يسوق ما سمعه منه علي لفظه (5) ويكتب فوق (6) سطر التسمية أسماء من

(أ) في هامش (ص): نصب الحديث بمعنى: أعنى.

(1)

ذكره ابن الصلاح في المقدمة، ص 181؛ التقريب 2/ 88؛ المقنع 1/ 255؛ فتح المغيث 2/ 192.

(2)

حكاه ابن الصلاح عن بعض العلماء المغاربة عنه في المقدمة، ص 181. وانظر: فتح المغيث 2/ 192.

(3)

قال السخاوي: وعليه الجمهور من السلف وتلقاه عنهم الخلف، قال: ولكن ذلك غير متعين إلا أنه كما قال ابن الصلاح أحوط الوجوه وأعدلها.

انظر: فتح المغيث 2/ 192؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 182؛ شرح مسلم للمصنف 1/ 38؛ المقنع 1/ 255؛ التقريب 2/ 88؛ توجيه النظر، ص 322.

(4)

وكذلك ما يلتحق بالاسم من لقب ومذهب ونحو ذلك مما يعرف به. فتح المغيث 2/ 194.

(5)

أي مع سياق سنده بالمسموع لمصنفه في ثبته الذي يخصه بذلك، أو في النسخة التي يروم تحصيلها من المسموع، قال الخطيب: وصورة ذلك: حدثنا أبو فلان فلان بن فلان بن فلان الفلاني، قال: نا فلان

الخ.

انظر: الجامع 1/ 268؛ أدب الإِملاء والاستملاء، ص 171؛ فتح المغيث 2/ 194؛ التدريب 2/ 89.

(6)

حكى ابن الجزري عن بعض شيوخه: أن الأولى من جهة الأدب عدم الكتابة فوق البسملة لشرفها ووافقه عليه.

انظر: فتح المغيث 2/ 195؛ وتذكرة العلماء لابن الجزري 19/ ب.

ص: 451

سمع (أ)(1) معه وتاريخ السماع (2)، وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلا فعله الشيوخ (3) وهذا الذي قاله الخطيب أحوط وأقرب إلى معرفة السماع لمن أراده، ولا بأس بكتبه آخر الكتاب وحيث لا يخفى منه (4). والله أعلم.

وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص (ب) موثوق به معروف الخط ولا بأس عند ذلك في أن لا يكتب المسمع خطه بالتصحيح (5)، ولا بأس على صاحب الكتاب إذا كان موثوقًا به أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه، فطالما فعله الثقات (6). وعلي كاتب التسميع التحري في ذلك وبيان السامع والمسموع (ج)، والمسموع منه بلفظ غير محتمل ومجانبة التساهل

(أ) في (ك): سمعه.

(ب) في (ك): شيخ، بدل: شخص. وفي (ص): شيخ شخص.

(ج) كلمة: المسموع. ساقطة من (ك) و (هـ).

(1)

أي من غير اختصار لما لا يتم تعريف كل من السامعين بدونه فضلًا عن حذف لأحد منهم. فتح المغيث 2/ 194.

(2)

وكذا يذكر محل السماع من البلد وقارئه. وكذا عدد مجالسه، وان تعددت معينة، وتمييز المكملين والناعسين والمتحدثين والباحثين والكاتبين والحاضرين من المفوتين واليقظين والمنصتين والسامعين. انتهى. ما في فتح المغيث 2/ 195؛ والجامع 1/ 268.

(3)

انظر: الجامع 1/ 268؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 182؛ المقنع 1/ 255.

(4)

قاله ابن الصلاح.

انظر: مقدمته، ص 182؛ والتقريب 2/ 89؛ المقنع 1/ 255.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 182؛ التقريب 2/ 89؛ المقنع 1/ 255.

(6)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 183؛ والمقنع 1/ 255؛ وفتح المغيث 3/ 196؛ والتدريب 2/ 89.

ص: 452

فيمن يثبت اسمه (1) والحذر من إسقاط أحد منهم لغرض فاسد (2)، فإن كان مثبت السماع غير حاضر فأثبته معتمدًا على إخبار من يثق (أ) بخبره من حاضريه فلا بأس (3). ومن ثبت (ب) سماعه في كتاب غيره فقبيح بصاحب الكتاب كتمانه إياه ومنعه من نقل سماعه ونسخ الكتاب (4)، وإذا أعاره (ج) فلا يبطيء (5) به فإن منعه صاحب الكتاب إياه، فإن كان سماع المستعير قد أثبت في كتابه برضاه لزمه إعارته إياه وإلا فلا يلزمه (6)، هكذا قاله الأئمة الجلة (د) أئمة المذاهب الثلاثة حفص بن غياث القاضي

(أ) في (ك): يوثق.

(ب) في (هـ): ومنهم من يثبت.

(ج) في (ك): زيادة لفظ: إياه. بعد أعاره.

(د) كلمة الأئمة الجلة. ساقطة من (ص).

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 183؛ التقريب 2/ 90؛ المقنع 1/ 256؛ فتح المغيث 2/ 194.

(2)

المصادر السابقة. وقال السيوطي: فإن ذلك مما يؤدي به إلى عدم انتفاعه بما سمع. التدريب 2/ 90.

(3)

المصادر السابقة، وفتح المغيث 2/ 196.

(4)

انظر: الجامع 1/ 240، من قوله: ثم أيد قوله هذا بآثار تبين قبح كتمان السماع؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 183؛ التقريب 2/ 90؛ المقنع 1/ 256؛ فتح المغيث 2/ 197.

(5)

روى الخطيب وعياض والسمعاني بسندهم إلى الزهري، قال: إياك وغلول الكتب، قيل له: وما غلول الكتب، قال: حبسها. وغير ذلك من الآثار.

انظر: الجامع 1/ 242؛ والإلماع، ص 224؛ أدب الإِملاء والاستملاء، ص 176؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 183؛ فتح المغيث 2/ 197.

(6)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 185؛ التقريب 2/ 91؛ المقنع 1/ 256؛ فتح المغيث 2/ 197.

ص: 453

الحنفي (1) وإسماعيل القاضي (2) المالكي وأبو عبد الله الزبيري الشافعي (3) وحكم به القاضيان (4)، وخالف في ذلك بعضهم (5) والصواب (6) الأول لأن ذلك بمنزلة شهادة (أ) له عنده فعليه أداءها وإن كان فيه بذل ماله (ب)(كما يلزم (ج) متحمل الشهادة أداءها وإن كان فيه

(أ) في (ك): الشهادة.

(ب) في (ص): مسألة.

(ج) ما بين المعقوفين ساقط من (ت)، وموجود في سائر النسخ.

(1)

هو الإِمام أبو عمر حفص بن غياث النخعي الكوفي، قاضي بغداد ثم قاضي الكوفة، قال القطان: ختم القضاء بحفص بن غياث. قال حفص: والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة، قال أحمد بن حنبل: رأيت مقدم فم حفص مضببة أسنانه بالذهب، توفي سنة أربع وتسعين ومائة. تذكرة الحفاظ 2/ 297؛ الفوائد البهية، ص 68.

(2)

هو العلامة أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الأزدي مولاهم البصري الفقيه المالكي القاضي ببغداد، قال الخطيب: كان عالمًا متقنًا فقيهًا شرح مذهب مالك واحتج له. توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. تاريخ بغداد: 6/ 284؛ شذرات الذهب 2/ 178.

(3)

انظر: أقوال هؤلاء في المحدث الفاصل، ص 589؛ والجامع 1/ 241؛ والإِلماع، ص 222 - 223؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 184؛ والتقريب 2/ 91؛ والمقنع 1/ 256؛ وفتح المغيث 2/ 197.

(4)

أي القاضي حفص بن غياث والقاضي إسماعيل المالكي.

(5)

انظر: هذا القول مسندًا في المحدث الفاصل، ص 589؛ والجامع 1/ 241؛ والإِلماع، ص 223، قال السخاوي: وأيد صاحب هذا القول قوله بأنه يمتنع علي المالك حينئذ الرواية، إذا كان يروي من كتابه لغيبة عنه على مذهب من يشدد في ذلك، لا سيما إذا كان ضريرًا، وإن كان الصواب خلافه. فتح المغيث 2/ 199.

(6)

انظر الهامش الواحد من ص 455.

ص: 454

بذل) نفسه بالمشي إلى مجلس الحكم (أ) والله (1) أعلم.

وإذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية (2) وكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل سماعًا إلى شيء من النسخ أو يثبته فيها عند السماع ابتداء إلا بعد المقابلة المرضية بالمسموع إلا أن يبين عند النقل كون النسخة غير (3) مقابلة. والله أعلم.

(أ) كذا في (ك) و (هـ): ومقدمة ابن الصلاح: وفي (ص): الحاكم. وفي (ت): القاضي.

(1)

هذا التوجيه من ابن الصلاح حيث قال: وقد كان لا يتبين لي وجه أقوال هؤلاء الأئمة ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده الخ. ووجهه البلقيني بتوجيه آخر ولكن المقام لا يسع لذكره. مقدمة ابن الصلاح، ص 185؛ محاسن الاصطلاح، ص 325؛ فتح المغيث 2/ 198.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 185؛ التقريب 2/ 92؛ المقنع 1/ 257.

(3)

انظر: المصادر المذكورة وفتح المغيث 2/ 200؛ والتدريب 2/ 92.

ص: 455

النوع السادس والعشرون: صفة رواية الحديث وشرط أدائه

قد (أ) تقدم في النوعين قبل هذا وغيرهما جمل من هذا النوع، وقد شدد قوم في الرواية فأفرطوا (ب) وتساهل آخرون ففرطوا، فمن المشددين من قال: لا حجة إلا فيما رواه من حفظه وتذكره، روى ذلك عن أبي حنيفة (1) ومالك (2) وأبي بكر الصيدلاني (3)

(أ) في (ك): وقد تقدم.

(ب) في (ك): وأفرطوا.

(1)

انظر: قول أبي حنيفة رحمه الله فيما رواه الخطيب بسنده عن ابن معين وفيه انقطاع، قال: كان أبو حنيفة يقول: لا يحدث الرجل إلا بما يعرف ويحفظ. في الكفاية، ص 231.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 186؛ التقريب 2/ 93؛ اختصار علوم الحديث، ص 139، وهو بسند متصل عند الحاكم في المدخل إلى الإِكليل، ص 23.

(2)

انظر: قول الإِمام مالك رحمه الله فيما رواه الخطيب بسنده عن أشهب قال: سئل مالك، أيؤخذ ممن لا يحفظ وهو ثقة صحيح أيؤخذ عنه الأحاديث فقال: لا يؤخذ منه، أخاف أن يزاد في كتبه بالليل. في الكفاية، ص 227.

وانظر: الإِلماع، ص 136؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 186؛ فتح المغيث 2/ 202؛ والمدخل إلى الاكليل، ص 23، بسند متصل.

(3)

هو الإِمام الجليل عظيم الشأن أبو بكر محمد بن داود الصيدلاني المعروف بالداودي، كان من عظماء تلامذة القفال المروزي. توفي سنة سبع وعشرين وأربعمائة.

انظر: طبقات الشافعية 4/ 31؛ وطبقات الشافعية لابن هداية الله، ص 52؛ ومعجم المؤلفين 9/ 298.

ص: 456

الشافعي (1) رحمهم الله تعالى. ومنهم من أجاز الرواية من الكتاب إلا إذا خرج من يده (2). وأما المتساهلون فقد تقدم بيان جمل من مذاهبهم في الرابع (3) والعشرين.

ومنهم قوم رووا من نسخ غير مقابلة بأصولهم فعدهم الحاكم في المجروحين قال وهذا كثير قد تعاطاه قوم من أكابر العلماء والمعروفين بالصلاح (4).

ومن المتساهلين عبد الله (5) بن لهيعة ترك الاحتجاج بروايته مع جلالته لتساهله (6)، وازدادت

(1) ذكر القاضي عياض قول الصيدلاني الشافعي، يقول السخاوي: ولعل الصيدلاني هو المقرون عند ابن الصلاح تبعًا لعياض بأبي حنيفة حيث قال: فعن أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي عدم الجواز انتهى.

انظر: الإِلماع، ص 139؛ فتح المغيث 2/ 204.

انظر لأدلة ما ذهبوا إليه: فتح المغيث 2/ 203؛ والكفاية، ص 165، 166؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 186.

(2)

انظر: قائلي هذا القول في الكفاية، ص 235.

(3)

انظر: ص

(4)

انظر: المدخل إلى الإِكليل، ص 40.

(5)

هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء، ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري، القاضي، صدوق من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين ومائة. روي له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

انظر: التقريب 1/ 444؛ والميزان 2/ 475.

(6)

نقل الزركشي عن الحافظ المزي، قال: هذه الحكاية فيها نظر، لأن ابن لهيعة من الأئمة الحفاظ، لا يكاد يخفي عليه مثل هذا، وإنما تكلم فيه من تكلم بسبب الرواة عنه، فإن كان الذي روى عنه عدلًا فهو جيد وإلا بأن كان غير عدل، فالبلاء ممن أخذ عنه انتهى.

انظر: النكت للزركشي (193/ ب)؛ والمقنع 1/ 258.

ص: 457

كثرة (أ) هذا في شيوخ زماننا (1).

قلت: وقد تقدم في آخر النوع العاشر من النوع الذي قبل (2) هذا: أنه تجوز الرواية من النسخة التي لم تقابل بشروط (3)، فيحتمل أن الحاكم يخالف في ذلك، ويحتمل أنه أراد، إذا لم توجد تلك الشروط (4) والصواب ما عليه الجمهور (5)، وهو التوسط بين الإِفراط والتفريط، فإذا قام الراوي في التحمل بما تقدم وقابل كتابه على ما سبق جاز له الرواية (6) منه، وإن

(أ) في (ك): كثيرة.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 186؛ المقنع 1/ 257؛ التدريب 2/ 94.

(2)

انظر: ص 438.

(3)

وهي: أن كان الناقل صحيح النقل قليل السقط، ونقل من الأصل، وبين حال الرواية أنه لم يقابل.

انظر: ص 438؛ والتقريب 2/ 79.

(4)

انظر: التقريب 2/ 94؛ والمقنع 1/ 258.

(5)

كيحيى بن سعيد القطان وفضيل بن ميسرة وغيرهما من المحدثين كما حكاه الخطيب في الكفاية وجنح إليه، وحكى في الجامع عن علي بن المديني يقول: قال لي سيدي أحمد بن حنبل: لا تحدثني إلا من كتاب. وحكى السمعاني عن يحيى بن معين يقول: دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فقلت له: أوصني، فقال: لا تحدث المسند إلا من كتاب.

انظر: الكفاية، ص 236؛ الجامع 2/ 12؛ أدب الاملاء والاستملاء، ص 47؛ وفح المغيث 2/ 202.

(6)

وبه قال الحميدي، وقال يحيى بن معين: ينبغي للمحدث أن يتزر بالصدق، ويرتدي بالكتب، وقال مروان بن محمد الفزاري: ثلاثة ليس لصاحب الحديث عنها غنى، الحفظ والصدق وصحة الكتب، فإن أخطأ الحفظ ورجع إلى الصدق وصحة الكتب لم يضره.

انظر: الكفاية، ص 230؛ أدب الإِملاء والاستملاء، ص 47؛ فتح المغيث 2/ 201 - 202، وقال في، ص 206: إن الضرورة دعت لاعتماد الكتاب =

ص: 458

غاب، إذا كان الغالب سلامته من التغيير، لا سيما إذا كان ممن لا يخفي عليه في الغالب التغيير، لأن الاعتماد في الرواية علي غلبة الظن، فإذا حصل لم يشترط مزيدًا (1) عليه (أ)، والله أعلم.

فروع

الأول: الضرير إذا لم يحفظ ما سمعه (2) فاستعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه، واحتاط (ب) عند القراءة عليه في ذلك على حسب حاله بحيث يغلب على ظنه سلامته من التغيير، صحت (3)

(أ) كلمة: عليه. ساقطة من (ك).

(ب) في (ك): إحفاظ.

= المتقن من جهة انتشار الأحاديث والرواية انتشارًا يتعذر معه الحفظ عادة، فلو لم تعتمد غلبة الظن في ذلك لأبطلنا جملة من السنة أو أكثرها. وقال السيوطي: لعل الرواة في الصحيحين ممن يوصف بالحفظ لا يبلغون النصف. انظر: التدريب 2/ 93.

(1)

وبه قال الخطيب: انظر: الكفاية، ص 236؛ الإِلماع، ص 135؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 187؛ التقريب 2/ 94؛ المقنع 1/ 258؛ فتح المغيث 2/ 206؛ التدريب 2/ 94.

(2)

أي من فم المحدث.

(3)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 187؛ التقريب 2/ 95؛ اختصار علوم الحديث، ص 140؛ المقنع 1/ 258؛ التبصرة والتذكرة 2/ 164؛ فتح المغيث 2/ 207، وقال: قال الرافعي في الشبهات: إن الجمهور على القبول انتهى وحكى الخطيب المنع عن الإِمام أحمد وابن معين رحمهما الله وحكى عن أبي معاوية الضرير، وكان قد عمى وهو ابن ثمان أو أربع سنين أنه كان إذا حدث بما لم يحفظه عن شيخه، يقول: في كتابنا أو في كتابي عن أبي إسحاق الشيباني، ولا يقول: ثنا ولا سمعت، إلا فيما حفظه من في المحدث، قال السخاوي: وهذا يشبه أن يكون مذهبًا ثالثًا.

انظر: الكفاية، ص 228؛ وفتح المغيث 2/ 208.

ص: 459

روايته (1)، وهو أولى (2) بالخلاف والمنع من مثله في البصير. قال الخطيب: والبصير الأمي كالضرير (3).

الثاني: إذا سمع كتابًا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا مقابلة به. لكن (أ) سمعت على شيخه لم يجز (4). وكذا لو كان فيها سماع شيخه أو رأى نسخة كتبت عن شيخه تسكن نفسه إلى صحتها لم تجز له الرواية منها عند عامة المحدثين (5) إذ لا يؤمن أن تكون فيها زوائد ليست في سماعه (6).

(أ) في (ك): ولكن.

(1)

قال الخطيب: ونرى العلة التي لأجلها منعوا صحة السماع من الضرير والبصير الأمي، هي جواز الإِدخال عليهما، ما ليس من سماعهما، فمن احتاط في حفظ كتابه ولم يقرأ عليه إلا منه وسلم من أن يدخل عليه غير سماعه جازت روايته. وذكر الخطيب عن ابن معين المحكى عنه المنع وعن غير ذلك من السلف الحكاية على ذلك. الكفاية، ص 229، 258، باب القول في تلقين الضرير ما في أصل كتابه وروايته.

(2)

قال البلقيني: قد يمنع الأولوية من جهة تقصير البصير، فيكون الأعمى أولى بالجواز، لأنه أتي باستطاعته. محاسن الاصطلاح، ص 328.

وانظر: فتح المغيث 2/ 208.

(3)

الكفاية، ص 228.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 187.

(4)

وبه قطع ابن الصباغ حكاه ابن الصلاح عنه بلاغًا.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 188؛ وفتح المغيث 2/ 209.

(5)

حكاه عنهم الخطيب في الكفاية، ص 257.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 188.

(6)

هذا التعليل من ابن الصلاح في المقدمة، ص 188.

ص: 460

وخالفهم أيوب السختياني ومحمد (1) بن بكر البرساني (2) فرخصا (3) في ذلك.

قلت (أ): قال الخطيب بعد حكاية هذين المذهبين: الذي يوجهه النظر أنه متى عرف أن الأحاديث التي تضمنتها النسخة هي التي سمعها من الشيخ جاز له أن يرويها إذا سكنت نفسه إلى صحة النقل والسلامة من الوهم (4). والله أعلم.

هذا كله إذا لم تكن إجازة من شيخه عامة لمروياته، أو لهذا الكتاب، فإن كانت جاز (ب) له الرواية من هذه النسخة التي يرويها شيخه، ولم يسمعها هذا، إذ ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات المتوهمة بالإِجازة، ولا امتناع في ذلك وإن أداه بلفظ "أخبرنا" و"حدثنا" في هذا

(أ) في (ص) و (هـ): قال المصنف رحمه الله.

(ب) في (هـ): جازت.

(1)

هو أبو عثمان، أو أبو عبد الله محمد بن بكر بن عثمان البصري يعرف بالبرساني، قال الخطيب: قدم بغداد وحدث بها، قال ابن عمار: لم يكن صاحب حديث، قال الخطيب: يعني: أنه لم يكن كغيره من الحفاظ في وقته، وهم يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأشباهما. توفي سنة أربع ومائتين. تاريخ بغداد 2/ 92.

(2)

البرساني: بضم الباء الموحدة وسكون الراء، بعدها السين المهملة وفي آخرها النون - هذه النسبة إلى برسان، وهي قبيلة من الأزد، وهو برسان بن عمر والأزدي. انظر: اللباب 1/ 138 - 139.

(3)

انظر: ترخيصهما مسندًا في الكفاية، ص 257؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 188؛ والتقريب 2/ 96؛ واختصار علوم الحديث، ص 140، وقال: وإلى هذا أجنح. وفتح المغيث 2/ 210.

(4)

انظر: قول الخطيب في الكفاية، ص 257، قال السخاوي: وهو موافق لما تقدم عنه في المقابلة من جواز الرواية من فرع كتب من أصل معتمد مع كونه لم يقابل لكن بشرط بيان ذلك حين الرواية انتهى. فتح المغيث 2/ 210.

ص: 461

الموطن (1)، فإن كان الذي (أ) في النسخة سماع شيخ شيخه أو هي مسموعة على شيخ شيخه فينبغي له في روايته منها أن تكون له إجازة عامة من شيخه ولشيخه مثلها من شيخه، وهذا تيسير حسن تمس الحاجة إليه في زماننا (2). والله أعلم.

الثالث: إذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما يحفظه فإن كان إنما حفظه (ب) من كتابه رجع إلى كتابه، وإن كان حفظه من فم الشيخ اعتمد حفظه إن لم يتشكك (3). وحسن أن يذكرهما معًا، فيقول: حفظي كذا وفي كتابي كذا كما فعل شعبة (4) وغيره (5).

وإذا خالفه بعض الحفاظ، قال: حفظي كذا، وقال فيه فلان،

(أ) لفظ: الذي. ساقط من (ك).

(ب) في (هـ): يحفظه.

(1)

أي من غير بيان للاجازة فيها، قال الشيخ ابن الصلاح: والأمر في ذلك قريب يقع مثله في محل التسامح انتهى. مقدمة ابن الصلاح، ص 189.

(2)

يعني لمزيد التوسع والتساهل فيه بناء على أن المطلوب بقاء السلسلة خاصة.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 189؛ والتقريب 2/ 96؛ المقنع 1/ 359؛ التبصرة والتذكرة 2/ 166؛ فتح المغيث 2/ 210.

(3)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 189؛ التقريب 2/ 97؛ اختصار علوم الحديث، ص 140؛ المقنع 1/ 259؛ التبصرة والتذكرة 2/ 167؛ فتح المغيث 2/ 210.

(4)

انظر: حكاية عمل شعبة مسندًا في الكفاية، ص 220، حيث روى حديث ابن مسعود في التشهد: ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هكذا في حفظي، وهو ساقط في كتابي.

وانظر: فتح المغيث 2/ 211.

(5)

كهمام ويحيى بن سعيد وأبي قلابة الرقاشي.

انظر: الكفاية، ص 219، 220.

ص: 462

أو قال فيه (أ) غيري كذا، كما فعل سفيان الثوري (1) وغيره (2). والله أعلم (ب).

الرابع: إذا وجد سماعه في كتابه، وهو لا يذكره، فعن أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي: لا يجوز له روايته (3). ومذهب الشافعي وأكثر أصحابه وأبي يوسف (4) ومحمد (5): جواز

(أ) لفظ: فيه. ساقط من (ص) و (هـ).

(ب) والله أعلم. ساقط من (هـ) و (ص).

(1)

انظر: حكاية عمل سفيان الثوري مسندًا في الكفاية، ص 225، حيث روى حديث عائشة رضي الله عنها أن حبيبة بنت جحش استحيضت - وذكر الحديث - قال سفيان: الذي حفظت أنا، حبيبة بنت جحش، والناس يقولون: أم حبيبة انتهى.

(2)

كشعبة بن الحجاج وأبي معمر، والفضل بن حباب.

انظر: الكفاية، ص 224 - 226.

(3)

انظر: لمذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، الإِلماع، ص 139؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 190؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 162؛ وفتح المغيث 2/ 204، قال: واختاره ابن دقيق العيد.

(4)

هو الإِمام القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري صاحب الإمام أبي حنيفة كان قد سكن بغداد وتولى القضاء بها لثلاثة من الخلفاء: المهدي وابنه الهادي ثم هارون الرشيد، وكان الرشيد يكرمه ويجله، وكان عنده حظيًا مكينًا، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة، تاريخ بغداد 14/ 242؛ الانتقاء، ص 172؛ وفيات الأعيان 1/ 378؛ الجواهر المضيئة 2/ 220؛ والفوائد البهية، ص 225.

(5)

هو الإِمام أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني مولاهم صاحب أبي حنيفة وإمام أهل الرأي، أصله دمشقي من أهل قرية تسمى حَرَستا. قال الشافعي: كتبت عنه وقر بعير، وما رأيت قط رجلًا سمينًا أعقل منه، وكان أفصح الناس، كان إذا تكلم خيل إلى سامعه أن القرآن نزل بلغته، توفي سنة =

ص: 463

روايته (1)، وهو الصحيح (2). وهذا بشرط أن يكون السماع بخطه أو خط (أ) من يثق به، والكتاب مصون يغلب علي الظن سلامته من التغيير وتسكن نفسه إليه فإن تشكك فيه لم يجز الاعتماد عليه (3). والله أعلم (ب).

الخامس: إذا أراد رواية ما سمعه بمعناه دون لفظه، فإن لم يكن عالمًا بالألفاظ ومقاصدها، خبيرًا بما يحيل معانيها وتتفاوت به، لم يجز له أن يروي

(أ) في (ك): بخطه وخط. وفي (هـ): بحفظه أو خط.

(ب) والله أعلم. ساقط من (ص) و (هـ).

= تسع وثمانين ومائة، تاريخ بغداد 2/ 172؛ الانتقاء، ص 174؛ وفيات الأعيان 4/ 184؛ الفوائد البهية، ص 163؛ والجواهر المضية 2/ 42.

(1)

انظر: لمذهب أبي يوسف القاضي ومحمد بن الحسن، الإِلماع، ص 139؛ ونسبه الخطيب إلى عامة أصحاب مالك والشافعي في الكفاية، ص 380.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 190؛ والتبصرة والتذكرة، ص 162؛ وفتح المغيث 2/ 204.

(2)

وبه صرح الخطيب وحكاه عياض عن أبي المعالي والمصنف وابن كثير ونقل السخاوي عن ابن كثير، قال: وهذا يشبه ما إذا نسي الراوي سماعه، فإنه يجوز لمن سمعه منه روايته عنه ولا يضره نسيان شيخه انتهى. قلت: بحثت عن هذا القول في اختصار علوم الحديث فلم أجده في محله.

انظر: الكفاية، ص 380؛ والإِلماع، ص 139؛ والتقريب 2/ 97؛ اختصار علوم الحديث، ص 140؛ فتح المغيث 2/ 205، وقال: وبقيت مسألة أخرى عكس هذه، وهي ما إذا كان ذاكرًا لسماعه ولكن لم يجد بذلك خطًا، وقد قال القاضي حسين في فتاويه: إن مقتضى الفقه الجواز، ونقل المنع عن المحدثين انتهى. قال: والمعتمد الجواز.

(3)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 190؛ والتقريب 2/ 97؛ المقنع 1/ 260؛ التبصرة والتذكرة 2/ 164؛ فتح المغيث 2/ 206.

ص: 464

إلا اللفظ الذي سمعه بلا خلاف (1)، فإن كان عالمًا بذلك فقد قالت طائفة من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول من الشافعيين وغيرهم: لا يجوز (2) الرواية إلا بلفظه. وقال بعضهم: لا يجوز بالمعنى في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز (3) في غيره. وذهب جمهور السلف والخلف (أ) من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول إلى جواز الرواية بالمعنى في الجميع (4)، إذا قطع بأنه أدى (4) المعنى، وهذا هو الصحيح الذي

(أ) كلمة: الخلف. ساقطة من (هـ).

(1)

انظر: الكفاية، ص 198؛ والإِلماع، ص 174؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 190؛ التقريب 2/ 98؛ التبصرة والتذكرة 2/ 168؛ فتح المغيث 2/ 212؛ وقال: لأن من اتصف بذلك لا يؤمن بتغييره من الخلل

إلخ ما قال.

(2)

قال القاضي عياض: وروى نحوه عن مالك أيضًا، وشدد مالك الكراهية فيه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل أئمتنا هذا من مالك على الاستحباب كما قال، ولا يخالفه أحد في هذا، وأن الأولى والمستحب المجيء بنفس اللفظ ما استطيع، قال ابن كثير: وكان ينبغي أن يكون هذا هو الواقع ولكن لم يتفق ذلك.

قال الخطيب: وقد استدل المنكرون للرواية على المعنى بحصول الاتفاق علي أن الشرع قد ورد بأشياء كثيرة قصد فيها الإِتيان باللفظ والمعنى جميعًا نحو التكبير والتشهد والأذان والشهادة، وإذا كان كذلك لم ينكر أن يكون المطلوب بالحديث لفظه بعينه ومعناه جميعًا. ثم أطال الخطيب في الرد على هذا الاستدلال.

انظر: الإِلماع، ص 178؛ واختصار علوم الحديث، ص 141؛ والكفاية، ص 201؛ وفتح المغيث 2/ 214.

(3)

روى الخطيب هذا القول مسندًا عن الإمام مالك رحمه الله من عدة طرق.

انظر: الكفاية، ص 188؛ وقد تقدم آنفًا عن القاضي عياض أن الأئمة حملوا هذا القول على الاستحباب.

(4)

أي سواء في ذلك المرفوع أو غيره، كان موجبه العلم أو العمل، وقع من الصحابي أو التابعي أو غيرهما، أحفظ اللفظ أم لا صدر في الإِفتاء والمناظرة أو الرواية، أتى بلفظ مرادف له أم لا، كان معناه غامضًا أو ظاهرًا، حيث =

ص: 465

تشهد به أحوال الصحابة ومن بعدهم في نقلهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة (1) وغير ذلك.

وهذا في غير المصنفات، ولا يجوز لأحد أن يغير شيئًا في كتاب مصنف، وإن كان بمعناه، لأن الرواية بالمعنى رخص فيها للحرج في التقيد باللفظ، وهذا منتف (2) في المصنف والله أعلم.

= لم يحتمل اللفظ غير ذلك المعنى وغلب على ظنه إرادة الشارع بهذا اللفظ ما هو موضوع له دون التجوز فيه والاستعارة انتهى. ما قاله السخاوي: وما من جملة من هذا الكلام إلا وقد رمز بها السخاوي إلى مذهب خاص من المذاهب الواردة في هذا الباب التي استقصاها بأدلتها هو والعلامة الشيخ طاهر الجزائري. انظر: فح المغيث 2/ 212 - 219؛ وتوجيه النظر، ص 298 - 314؛ وإقرأ في هذا الموضوع بحثًا نفيسًا للإِمام ابن حزم في كتابه الأحكام 1/ 260 - 264؛ وأحكام القرآن 1/ 22؛ لابن العربي، والتدريب 2/ 99 - 102.

(1)

قال ابن الصلاح: وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ. وحكى الشافعي عن بعض التابعين، قال: لقيت أناسًا من أصحاب رسول الله فاجتمعوا في المعنى واختلفوا في اللفظ، فقلت لبعضهم ذلك، فقال: لا بأس ما لم يحل معناه. انتهى قال: الشافعي رحمه الله: فإذا كان الله لرأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف، معرفة منه بأن الحفظ قد يزل ليحل لهم قراءته وإن اختلف اللفظ فيه ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى، كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه انتهى. مقدمة ابن الصلاح، ص 191؛ الرسالة، ص 274 - 275؛ فقرة 753، 755.

انظر: الكفاية، ص 203 - 211؛ وفتح المغيث 2/ 212 - 113.

(2)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 191؛ وقال ابن دقيق العيد: وهذا كلام فيه ضعف، وأقل ما فيه إنه يقتضي تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا، فإنه ليس فيه تغيير للتصنيف المتقدم وليس هذا جاريًا على الاصطلاح، فإن الاصطلاح على أن لا تغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة، سواء رويناها فيها، أو نقلناها منها انتهى.

ورد العراقي على ابن دقيق العيد، فقال: لا نسلم أنه يقتضي جواز التغيير فيما =

ص: 466

السادس: ينبغي لمن روى حديثًا بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال: أو نحو هذا أو شبهه، وما أشبه هذا من الألفاظ. روى هذا عن عبد الله (1) بن مسعود وأبي (2) الدرداء (3) وأنس (4) وغيرهم رضي الله عنهم. وإذا اشتبه على القاريء لفظة فحسن أن يقول بعد قراءتها على الوجه المشكوك فيه: أو كما قال، لأن ذلك يتضمن إجازة من الشيخ وإذنًا في رواية صوابها إذا بان، ولا يشترط إفرادها بإجازة (5).

= نقلناه إلى تخاريجنا بل لا يجوز نقله عن ذلك الكتاب إلا بلفظه، دون معناه، سواء في تصانيفنا أو غيرها والله أعلم.

انظر: الاقتراح، ص 245؛ التبصرة والتذكرة 2/ 170؛ فتح المغيث 2/ 218؛ المقنع 1/ 262.

(1)

انظر: حكاية القول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في سنن الدارمي 1/ 83؛ وسنن ابن ماجه 1/ 10 (ح رقم 23)؛ ومقدمة الكامل، ص 43؛ كلهم من طريق عمرو بن ميمون الأودي، وفي المحدث الفاصل، ص 549؛ من طريق عبد الرحمن بن يزيد، وفي الكفاية، ص 205؛ وجامع بيان العلم، ص 79؛ من طريق مسروق.

(2)

هو الصحابي أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الأنصاري مختلف في إسم أبيه وإنما هو مشهور بكنيته، وقيل: اسمه عامر، وعويمر لقب، أول مشاهده أحد، وكان عابدًا، مات في آخر خلافة عثمان، وقيل عاش: بعد ذلك.

انظر الأصابة 3/ 45؛ والتقريب 2/ 91.

(3)

انظر: حكاية القول عن أبي الدرداء في سنن الدارمي 1/ 83؛ وفي الكفاية، ص 205؛ وجامع بيان العلم، ص 78؛ من طريق ربيعة بن يزيد، وفي المحدث الفاصل، ص 550؛ من طريق عاصم بن رجاء عن أبيه.

(4)

انظر: حكاية القول عن أنس بن مالك رضي الله عنه في سنن الدارمي 1/ 84؛ وسنن ابن ماجه 1/ 11 (ح رقم 24)؛ ومقدمة الكامل، ص 43؛ والمحدث الفاصل، ص 550؛ وجامع بيان العلم، ص 79؛ كلهم من طريق ابن عون عن محمد بن سيرين عن أنس رضي الله عنه.

(5)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 192؛ والتقريب مع التدريب 2/ 103؛ والمقنع 1/ 263؛ التبصرة والتذكرة 2/ 170؛ فتح المغيث 2/ 220.

ص: 467

السابع: اختلف العلماء في جواز اختصار الحديث الواحد ورواية بعضه. فمنهم من منعه (1) مطلقًا بناء على منع الرواية بالمعنى، ومنهم من منعه (2) مع تجويز الرواية بالمعنى، إذا لم يكن قد رواه هو أو غيره على التمام، ومنهم من جوزه (3) مطلقًا (4). والصحيح التفصيل، وأنه يجوز (5)

(1) انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 192؛ قالوا: لأنها تقطع الخبر وتغيره فيؤدي ذلك إلى إبطال معناه وإحالته، نقله عنهم الخطيب في الكفاية، ص 190 نعم إذا كان لشك فهو كما قال ابن كثير والبلقيني وغيره: سائغ، كان مالك يفعله كثيرًا بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله، روي الخطيب عن مجاهد: أنقص من الحديث ولا تزد فيه.

انظر: اختصار علوم الحديث، ص 144؛ محاسن الاصطلاح، ص 337؛ الكفاية، ص 189؛ فتح المغيث 2/ 222.

(2)

انظر: الكفاية، ص 190؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 192؛ التقريب 2/ 103؛ المقنع 1/ 263؛ التبصرة والتذكرة 2/ 171؛ فتح المغيث 2/ 222.

(3)

نقله عنهم الخطيب في الكفاية، ص 190؛ وأسنده عن مجاهد ويحيى بن معين في، ص 189.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 192؛ والتقريب 2/ 103؛ التبصرة والتذكرة 2/ 171؛ فتح المغيث 2/ 222.

(4)

أي احتاج إلى تغيير لا يخل بالمعنى أم لا، تقدمت روايته له تامًا أم لا؟ ذكره السخاوي في فتح المغيث 2/ 222.

(5)

انظر: الكفاية، ص 190 - 192؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 193؛ التقريب 2/ 104؛ المقنع 1/ 263؛ التبصرة والتذكرة 2/ 172؛ فتح المغيث 2/ 223؛ وقال: ثم إن ما ذهب إليه الجمهور، لا يُنَازَعُ فيه من لم يجز النقل بالمعنى لأن الذي نقله والذي حذفه والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر، وعزاه للإِمام مسلم في مقدمة صحيحه.

انظر: مقدمة صحيح مسلم 1/ 48 - 49.

ص: 468

ذلك من العالم العارف، إذا كان ما تركه غير متعلق (1) بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه، فيجوز هذا وإن لم يجز الرواية بالمعنى، لأن المروي: والمتروك كخبرين منفصلين (2)، ولا فرق بين أن يكون رواه قبل على التمام، أو لم يروه (3)، هذا، إذا كان رفيع المنزلة بحيث لا يتهم (أ)، فأما من روى حديثًا على التمام فخاف إن رواه ثانيًا ناقصًا أنه يتهم بزيادة أولًا، أو نسيان ثانيًا، لقلة ضبطه وغفلته، فلا يجوز له (4) النقصان ولا يجوز لهذا (ب) رواية (ج) بعض الحديث أولًا إذا

(أ) في (هـ): لا يتوهم.

(ب) في (ص) و (هـ): له. بدل لهذا.

(ج) في (ص): روايته.

(1)

قال الخطيب: لأنه إن كان فيما حذف من الخبر معرفة حكم وشرط وأمر لا يتم التعبد والمراد بالخبر إلا بروايته علي وجهه، فإنه يجب نقله على تمامه ويحرم حذفه، لأن القصد بالخبر لا يتم إلا به، فلا فرق بين أن يكون ذلك تركًا لنقل العبادة، أو تركًا لنقل فرض آخر هو الشرط في صحة العبادة انتهى. بحذف يسير. الكفاية، ص 190 - 192؛ والمستصفي 1/ 168؛ وفتح المغيث 2/ 223.

(2)

انظر الهامش رقم 5، ص 468.

(3)

انظر: الكفاية، ص 192؛ والتقريب 2/ 104.

(4)

أي: لا ثانيًا ولا ابتداءً، ويجب عليه نفي هذه الظن عن نفسه كما صرح به الخطيب وكذا قال الغزالي: بعد اشتراطه في الجواز روايته مرة بتمامه: إن شرطه أن لا يتطرق إليه سوء الظن بالتهمة، فإذا علم أنه يتهم باضطراب النقل وجب عليه الاحتراز عن ذلك.

انظر: الكفاية، ص 193؛ والمستصفي 1/ 168؛ فتح المغيث 2/ 224؛ التدريب 2/ 104.

ص: 469

تعين عليه أداء تمامه (1)، " (والله أعلم)(أ).

وأما تقطيع المصنف الحديث في الأبواب للاحتجاج فهو إلى الجواز أقرب (2) قد فعله مالك (3) والبخاري ومن لا يحصى من الأئمة (4). قال الشيخ (ب): ولا يخلو من كراهة (5). وما أظنه يوافق عليه (6). والله أعلم.

(أ) والله أعلم. غير موجود في (ت) و (ص) و (هـ). وأضفناه من (ك).

(ب) لفظ: (و). ساقط من (ك).

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 193؛ التقريب 2/ 104؛ المقنع 1/ 264؛ التبصرة والتذكرة 2/ 172؛ فتح المغيث 2/ 224؛ وقال: لأنه بذلك يعرض الزائد لإِخراجه عن حيز الاستشهاد به أو المتابعة ونحوها.

(2)

انظر: الكفاية، ص 193؛ قال: وكان غير واحد من الأئمة يفعل ذلك. ومقدمة ابن الصلاح، ص 194؛ التقريب 2/ 105؛ المقنع 1/ 264؛ التبصرة والتذكرة 2/ 173؛ فتح المغيث 2/ 225.

(3)

يعارضه تصريحه بالمنع منه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة كما تقدم في، ص 465 تعليق رقم 3، قال السخاوي: إلا أن يفرق بين الرواية والتأليف. فتح المغيث 2/ 225.

(4)

كالإِمام أحمد ونعيم بن حماد وأبي داود والنسائي، وعلى هذا المذهب جمهور الناس قديمًا وحديثًا.

انظر: الكفاية، ص 193 - 194؛ التبصرة والتذكرة 2/ 173؛ اختصار علوم الحديث، ص 144؛ التدريب 2/ 105.

(5)

وهو المحكي عن الإِمام أحمد، قال: ينبغي أن يحدث بالحديث كما سمع ولا يغيره، رواه الخطيب، قال السخاوي: وإن المنع ظاهر صنيع مسلم فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام، يورد الحديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار، إذا لم يقل فيه: مثل حديث فلان أو نحوه.

انظر: الكفاية، ص 194؛ فتح المغيث 2/ 225.

(6)

التقريب 2/ 105؛ المقنع 1/ 264.

قال السخاوي: بل بالغ الحافظ عبد الغني بن سعيد وكاد يجعله مستحبًا. قال السخاوي: قلت: لا سيما إذا كان المعنى المستنبط من تلك القطعة يدِق، فإن =

ص: 470

الثامن: ينبغي للمحدث أن لا يروي حديثه بقراءة لحان (1) أو مصحف فحتى على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يسلم به من اللحن (1) والتصحيف (2)، قال الأصمعي (3): إن أخوف (4) ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كذب على فليتبوء مقعده من النار (5). لأنه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت كذبت عليه (6). وسبيله في السلامة من

= إيراده والحالة هذه بتمامه تقتضي مزيد تعب في استخلاصه وبخلاف الاقتصار علي محل الاستشهاد ففيه تخفيف.

والتحقيق التفصيل كما أشار إليه ابن دقيق العيد في شرح الإِلمام: فإن قطع بأنه لا يخل المحذوف بالباقي فلا كراهة، وإن نزل عن هذه المرتبة ترتب الكراهة بحسب مراتبه في ظهور ارتباط بعضه ببعض وخفائه.

انظر: فتح المغيث 2/ 226.

(1)

اللحن: الخطأ في الإِعراب، من باب قطع، ويقال: فلان لحان، أي يخطيء مختار الصحاح، ص 594.

(2)

التصحيف: هو تغيير حرف أو حروف من الكلمة بالنسبة إلى النقط مع بقاء صورة الخط. نزهة النظر، ص 47.

(3)

هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي المعروف بالأصمعي كان أديبًا لغويًا نحويًا إخباريًا محدثًا فقيهًا أصوليًا من أهل البصرة، صاحب تصانيف كثيرة، توفي سنة ست عشرة ومائتين.

تهذيب الأسماء واللغات 2/ 362؛ إنباه الرواة 2/ 197؛ بغية الوعاة، ص 313.

(4)

قال الصنعاني: وإنما قال الأصمعي: أخاف، ولم يجزم، لأن من لم يعلم بالعربية وإن لحن لم يكن متعمدًا للكذب. توضيح الأفكار 2/ 294.

(5)

أخرجه البخاري 1/ 299 (ح رقم 106 - 107 - 108 - 109 - 110)؛ ومسلم 4/ 2299 (ح رقم 3004؛ والإِمام أحمد في المسند 2/ 159 - 202؛ والدارمي في السنن 1/ 76؛ والحديث متواتر.

انظر: نظم المتناثر، ص 20؛ كتاب العلم.

(6)

انظر: قول الأصمعي مسندًا في الإِلماع، ص 184؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 194؛ كلاهما من طريق أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي.

ص: 471

التصحيف أخذه من أفواه أهل المعرفة والتحقيق فمن حرم ذلك وأخذ من الكتب وقع في التحريف (1) ولم يسلم من التصحيف (2).

التاسع: إذا وقع في روايته لحن أو تحريف (أ)، فذهب ابن سيرين وعبد الله بن سخبرة (3) التابعيان، إلى أنه يرويه كما سمعه (4) والصواب روايته على الصواب (5)، وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك والمحصلين (6).

(أ) في (ص)، و (هـ): وتحريف.

(1)

التحريف: هو تغيير حرف أو حروف من الكلمة بالنسبة إلى الشكل مع بقاء صورة الخط. نزهة النظر، ص 47.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 195؛ التقريب 2/ 107؛ المقنع 1/ 265؛ التبصرة والتذكرة 2/ 175؛ فتح المغيث 2/ 231؛ توضيح الأفكار 2/ 294.

(3)

عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة الأزدي أبو معمر الكوفي ثقة من الطبقة الثانية، مات في إمارة عبيد الله بن زياد. التقريب 1/ 418؛ وكتاب الطبقات، ص 150.

(4)

وإليه ذهب رجاء بن حيوة والقاسم بن محمد، ونافع مولى عمر: فقد روى عنهم أنهم كانوا يرون رواية الحديث ملحونًا، من غير تغيير إذا كان قد سمعه الراوي كذلك.

انظر: الكفاية، ص 186؛ والجامع 2/ 21؛ وجامع بيان العلم 1/ 80؛ والإِلماع، ص 188.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 195؛ التقريب 2/ 107؛ المقنع 1/ 265؛ وصوبه الخطيب ومن المتأخرين ابن كثير، الجامع 2/ 23؛ واختصار علوم الحديث، ص 145.

(6)

وهم الأوزاعي والشعبي والحسن البصري وعطاء وابن عيينة وهمام والنضر بن شميل وأبو عبيد القاسم بن سلام وعفان وابن المديني وغيرهم. قال الخطيب: وهذا إجماع منهم أن إصلاح اللحن جائز.

انظر: الكفاية، ص 194 - 198؛ والجامع 2/ 23 - 24؛ وجامع بيان العلم 2/ 80 - 81؛ وفتح المغيث 2/ 224.

ص: 472

والقول به فيما لا يغير (1) المعنى، لازم علي تجويز الرواية بالمعنى، وهو قول الأكثرين (2)، وأما إصلاح ذلك في الكتاب وتغييره (أ)، فالصواب (ب) تقرير ما في الأصل على حاله مع التضبيب عليه وبيان الصواب في الحاشية فإن ذلك أجمع للمصلحة وأنفي للمفسدة (3)، فكثيرًا ما يقع (ج) ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ وربما غيروه ويكون صحيحًا. وإن خفي وجهه واستغرب (د) لا سيما فيما ينكر من حيث العربية وذلك لتشعب (4) لغاتها. وجاء عن أحمد بن حنبل: أنه كان إذا مر به لحن فاحش غيّره، وإن كان سهلًا (5) تركه، قال القاضي عياض: الذي (6) استمر عليه عمل أكثر

(أ) في (ك): تغير.

(ب) في (ك): والصواب.

(ج) في (ت): ما يقع في الكتاب.

(د) كلمة: واستغرب. ساقطة من (هـ).

(1)

قال الخطيب في الجامع: والذي نذهب إليه: رواية الحديث على الصواب، وترك اللحن فيه، وإن كان قد سمع ملحونًا، لأن من اللحن ما يحيل الأحكام ويصيّر الحرام حلالًا والحلال حرامًا فلا يلزم اتباع السماع فيما هذه سبيله. والذي ذهبنا إليه قول المحصلين والعلماء من المحدثين انتهى. ومقتضى هذا القول أنه لا فرق في ذلك بين المغيّر للمعنى وغيره. وقد جزم به في الكفاية حيث قال: إذا كان اللحن يحيل المعنى فلا بد من تغييره

الخ.

انظر: الجامع 2/ 23؛ والكفاية، ص 188؛ وفتح المغيث 2/ 235.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 196؛ التقريب 2/ 107؛ فتح المغيث 2/ 235.

(3)

لأنه قد يأتي من يظهر له وجه الصحة، ولو فتح باب التغيير لجسر عليه من ليس بأهل. التدريب 2/ 108.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 196؛ الإِلماع، ص 186.

(5)

الرواية عن الإِمام أحمد في الكفاية، ص 187.

(6)

انظر: الإِلماع، ص 185؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 196.

ص: 473

الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم، ولا يغيروها (أ) في كتبهم حتى في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها في الكتب المشهورة كالصحيحين والموطأ وغيرها على خلاف التلاوة المجمع عليها، وبعضها على خلاف الشواذ أيضًا، لكن أهل المعرفة ينبهون علي خطئها عند السماع وفي حواشي الكتب (1)، ومنهم (2) من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها لكمال معرفته فغلطوا في أشياء مما غيروه (3)، والصواب ما تقدم (4) من سد باب التغيير خوفًا من جسارة من لا يكمل له ويحصل المقصود بالبيان، فيقرأ عند السماع (ب) ما في الأصل ثم يذكر الصواب أو يقرأه على الصواب أولًا ثم يقول: وقع عند شيخنا أو في روايتنا أو من طريق فلان كذا، وهذا أولى لئلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم (5) يقل. والأحسن في الإِصلاح أن يكون بما جاء في حديث آخر (6). والله أعلم.

(أ) في (هـ): ولا يعتبروها.

(ب) في (هـ): فيقرأ ما في الأصل عند السماع. وكذا في (ص).

(1)

انظر: الإِلماع، ص 185؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 196.

(2)

المقصود به القاضي أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي: فإنه لكثرة مطالعته وافتنانه وثقوب فهمه وحدة ذهنه جسر على الإِصلاح كثيرًا وغلط في أشياء من ذلك.

انظر: الإِلماع، ص 186؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 197.

(3)

انظر: الإِلماع، ص 186؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 197؛ المقنع 1/ 266.

(4)

انظر: ص 473؛ والصواب تقرير ما في الأصل على حاله مع التضبيب عليه

الخ.

(5)

انظر: الإِلماع، ص 186 - 187؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 197؛ التقريب 2/ 108؛ المقنع 1/ 266؛ فتح المغيث 2/ 237.

(6)

الإِلماع، ص 187؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 197؛ التقريب 2/ 108؛ فتح المغيث 2/ 238، وقال: لأنه بذلك أمن من أن يكون متقولًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن خير ما يفسر به غريب الحديث ما جاء في رواية أخرى. انتهى.

ص: 474

العاشر: إذا كان الإِصلاح بزيادة شيِء سقط، فإن لم يكن (1) مغايرًا في المعنى للأصل فهو علي ما سبق، وإن كان يشتمل علي معنى مغاير (أ) تأكد الحكم بذكر الأصل مقرونًا بالبيان (2)، وإذا علم أن (ب) بعض الرواة أسقط الساقط (3) وأن من قبله أتى به، ففيه وجه آخر، وهو أن يلحق الساقط في موضعه (4) في نفس الكتاب (5) مع كلمة "يعني"(6) كذا فعله الخطيب، وحكاه عن جماعة من شيوخه (7). ورواه (7) عن وكيع (8).

هذا إذا علم أن شيخه رواه على الخطأ، فأما (ج) إن رآه في كتابه

(أ) في (ص): مغايرًا.

(ب) كلمة: أن. ساقطة من (ص).

(ج) في (ك) و (ص): وأما.

(1)

انظر: التعليق رقم 1 في الصفحة 473.

(2)

أي مقرونًا بالتنبيه على ما سقط، ليسلم من معرة الخطأ ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 198.

(3)

أي كالواو والألف، واللام، والابن وأبي. الكفاية، ص 250 - 251.

(4)

أي ويرويه من غير تنبيه على سقوطه، فتح المغيث 2/ 238.

(5)

نص عليه الإِمام مالك والإِمام أحمد وأبو الحسن ابن المنادي وأبو نعيم وأبو جعفر الدقيقي.

انظر: الكفاية، ص 250 - 251؛ وفتح المغيث 2/ 238.

(6)

انظر: الكفاية، ص 253.

(7)

ونصه: قال الإِمام أحمد: سمعت وكيعًا يقول: أنا أستعين على الحديث بيعني؛ الكفاية، ص 253.

(8)

هو الإِمام العلم أبو سفيان وكيع بن الجراح بن مليح الرواسي، قال الإِمام أحمد: ما رأيت رجلًا قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإِسناد والأموات مع خشوع وورع، توفي سنة سبع وتسعين ومائة. تاريخ بغداد 14/ 496؛ شذرات الذهب 1/ 349.

ص: 475

وغلب على ظنه أنه من كتابه لا من شيخه، فيتجه هنا إصلاحه في كتابه وفي روايته (1) وهذا من قبيل ما إذا درس من كتابه بعض (2) الإِسناد أو المتن، فإنه يجوز إستدراكه من كتاب غيره، إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط (3)، كذا فعله نعيم (4) ابن حماد (5) وقاله أهل التحقيق (6)، ومنهم من (7) منعه، قال الخطيب وبيان ذلك حال الرواية أولى (8)، وهكذا (أ) الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره

(أ) في (هـ): وكذا.

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 199؛ التقريب 2/ 109؛ المقنع 1/ 268.

(2)

هكذا قال الخطيب ومن تبعه، وقال السخاوي: بل ولو كان أكثر حيث اتحد الطريق في المروي. الكفاية، ص 253؛ وفتح المغيث 2/ 254.

(3)

انظر: الكفاية، ص 254؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 199؛ التقريب 2/ 110؛ المقنع 1/ 268؛ فتح المغيث 2/ 240.

(4)

هو الإِمام الشهير أبو عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي المروزي الفارض الأعور، كان شديد الرد على الجهمية، وكان يقول: كنت جهميًا فلذلك عرفت كلامهم، فلما طلبت الحديث علمت أن مآلهم إلى التعطيل توفي سنة تسع وعشرين ومائتين؛ تاريخ بغداد 13/ 306؛ تذكرة الحفاظ 2/ 418.

(5)

انظر: الحكاية عن نعيم بن حماد في الكفاية، ص 254.

(6)

منهم الخطيب حيث قال: واستدراك مثل هذا عندي جائز

الخ. الكفاية، ص 254.

(7)

المانع هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي البزاز، فإن بعض كتبه احترق وأكلت النار من حواشيه بعض الكتابة، ووجد نسخ بما احترق فلم ير أن يستدرك المحترق من تلك النسخ.

انظر: الكفاية، ص 254؛ وفتح المغيث 2/ 240.

(8)

انظر: قول الخطيب في الكفاية، ص 254؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 199؛ التقريب 2/ 110؛ المقنع 1/ 268.

ص: 476

أو حفظه (1)، روى ذلك عن عاصم (2)، وأبي عوانة (3) وأحمد بن حنبل وغيرهم (4)، وكان بعضهم بينه فيقول: حدثني فلان، وثبتني فلان (5)، وإذا وجد في كتابه كلمة من غريب العربية أو غيرها (أ) غير مضبوطة وأشكلت عليه، جاز أن يسأل عنها أهل العلم بها ويرويها على ما يخبرونه (6)، وروي ذلك عن إسحاق (7) بن راهويه

(أ) في (ص): أو غير غير مضبوطة. وهو خطأ.

(1)

انظر: من قول الخطيب في الكفاية، ص 254؛ والتقريب 2/ 110؛ المقنع 1/ 269.

(2)

هو الحافظ المكثر أبو عبد الرحمن عاصم بن سليمان الأحول، قاضي المدائن وثقه على ابن المديني وغيره، قال الذهبي؛ في حفظه شيء ولا يضره وحديثه في كتب الأئمة، توفي سنة اثنتين وأربعين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 149؛ شذرات الذهب 1/ 210.

(3)

هو الحافظ أبو عوانة الوضاح بن خالد اليشكري الواسطي البزاز أحد الثقات الحفاظ الأعيان، وكان كثير الضبط والنقط. توفي سنة ست وسبعين ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 236؛ شذرات الذهب 1/ 287.

(4)

انظر: الروايات عن عاصم وأبي عوانة وأحمد بن حنبل في الاستثبات في الكفاية، ص 216 - 217.

(5)

حكى الخطيب هذا التبيين في الاستثبات عن يزيد بن هارون فإنه قال: أخبرنا عاصم وثبتني شعبة وعن سفيان بن عبيدة فإنه قال: حدثني الزهري وثبتني معمر وعن عبد الوارث فإنه قال: حدثنا أيوب وثبتنا درست.

انظر: الكفاية، ص 218 - 219؛ وفتح المغيث 2/ 240.

(6)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 200؛ والتدريب 2/ 110؛ المقنع 1/ 269؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 182؛ وفتح المغيث 2/ 242.

(7)

روى الخطيب بسنده إلى إسحاق بن راهويه، أنه كان إذا شك في الكلمة يقول: ههنا فلان؟ كيف هذه الكلمة؟

انظر: الكفاية، ص 255؛ فتح المغيث 2/ 243.

ص: 477

وأحمد (1) بن حنبل وغيرهما (2). والله أعلم.

الحادي عشر: إذا كان الحديث عنده عن إثنين أو أكثر وبين روايتهما تفاوت في اللفظ، والمعنى واحد، فله جمعهما (أ) في الإِسناد ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما ويقول: أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان، أو وهذا (ب) لفظ فلان قال (3)، أو قالا (3): أخبرنا فلان وما (ج) أشبه (4) هذا من العبارات (5)، ولمسلم في صحيحه عبارة أخرى حسنة، كقوله: حدثنا أبو بكر (6) وأبو سعيد (7) كلاهما عن أبي

(أ) في (ك): جمعها.

(ب) كلمة: وساقطة من (ك).

(ج) في (ك): أو ما أشبه.

(1)

روى الخطيب بسنده إلى الإِمام أحمد أن رجلًا قال له: يا أبا عبد الله الرجل يكتب الحرف من الحديث لا يدري أي شيء هو إلا أنه قد كتبه صحيحًا، يريه إنسانًا، فيخبره؟ فقال: لا بأس به.

انظر: الكفاية، ص 256؛ وفتح المغيث 2/ 242.

(2)

أي الأوزاعي وابن المبارك وعفان بن مسلم وابن عيينة وغيرهم.

انظر: الكفاية، ص 255 - 256.

(3)

أي هو مخير بين أن يفرد فعل القول فيخصصه بمن له اللفظ، فيقول: قال وبين أن يأتي بالفعل لهما، فيقول: قالا. التبصرة والتذكرة 2/ 183؛ التدريب 2/ 111.

(4)

لهذا الشبه انظر صحيح مسلم مع النووي 3/ 74، 83.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 200؛ التقريب 2/ 111؛ التبصرة والتذكرة 2/ 183؛ المقنع 1/ 270؛ فتح المغيث 2/ 244.

(6)

هو عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة، شيخ الإِمام مسلم.

(7)

هو عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي، أبو سعيد الأشج الكوفي، ثقة من صغار العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومائتين. روى له الجماعة. التقريب 1/ 419؛ الخلاصة، ص 199.

ص: 478

خالد (1). قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش، وساق الحديث (2)، فإعادته ذكر أحدهما إشعار بأن اللفظ (3) له. وأما إذا لم يخص بل خلط (4) اللفظين فقال: أخبرنا فلان وفلان وتقاربا (أ) في اللفظ، قالا: أخبرنا فلان فهو جار (ب) على تجويز الرواية بالمعنى (5)، وأما (ج) قول أبي داود في السنن (6): حدثنا

(أ) في (هـ): وتفاوتا.

(ب) في (ك) و (ص): جايز.

(ج) في (ص) و (هـ): أما. بدون (و).

(1)

هو سليمان بن حيان الأزدي أبو خالد الأحمر الكوفي، صدوق يخطيء من الثامنة، مات سنة تسعين ومائة أو قبلها، روى له الجماعة. التقريب 1/ 323؛ الخلاصة، ص 151.

(2)

انظر: نحو هذا السند في صحيح مسلم مع النووي 2/ 130، حيث قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن سليمان، قال أبو بكر: حدثنا سليمان

الخ. وكذا في 3/ 7، حيث قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج، جميعًا عن وكيع، قال الأشج: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش

الخ.

(3)

قال العراقي: قلت: ويحتمل أنه أراد بإعادته بيان التصريح فيه بالتحديث، وأن الأشج لم يصرح في روايته بالتحديث والله أعلم. التبصرة والتذكرة 2/ 184؛ التدريب 2/ 111.

(4)

قال العراقي: والأحسن الراجح أن يبين لفظ الرواية لمن هي بقوله: وهذا لفظ فلان ونحو ذلك، للخروج من الخلاف انتهى، قال السخاوي: فإن لم يعلم تمييز لفظ أحدهما عن الآخر، فالراجح بيانه أيضًا .... الخ. التبصرة والتذكرة 2/ 183؛ فتح المغيث 2/ 244، 247.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 201؛ التقريب 2/ 112؛ التبصرة والتذكرة 2/ 185؛ المقنع 1/ 270؛ فتح المغيث 2/ 247؛ توجيه النظر، ص 317.

(6)

انظر: لقول أبي داود السنن له 1/ 261 ح رقم 375.

ص: 479

مسدد (1) وأبو توبة (2) المعنى (أ)، قالا: حدثنا أبو الأحوص (3) مع أشباه (4) له في كتابه (5) فيحتمل (ب) أن يكون من قبيل (6) الأول، فيكون اللفظ لمسدد (ج) ويوافقه أبو توبة في المعنى ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني (7)، فيكون

(أ) كلمة: المعنى. ساقطة من (ك).

(ب) في (ك): يحتمل. بدون (ف).

(ج) في (ص): المسدد. وهو خطأ.

(1)

هو مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري، أبو الحسن ثقة حافظ، يقال: انه أول من صنف المسند بالبصرة، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين، ويقال: اسمه عبد الملك بن عبد العزيز ومسدد لقبه التقريب 2/ 242؛ تذكرة الحفاظ 2/ 421.

(2)

أبو توبة، هو الربيع بن نافع الحلبي، نزيل طرطوس، ثقة حجة، عابد مات سنة إحدى وأربعين ومائتين؛ التقريب 2/ 246؛ الخلاصة، ص 115.

(3)

أبو الأحوص، هو سلام بن سليم الحنفي، مولاهم الكوفي، ثقة متقن، مات سنة تسع وسبعين، ومائة، روى له الجماعة، التقريب 1/ 342؛ الخلاصة، ص 160.

(4)

انظر: لهذه الأشباه سنن أبي داود 1/ 404 ح رقم 603 و 1/ 657 ح رقم 1094.

(5)

انظر: لقول أبي داود السنن له 1/ 261 ح رقم 375.

(6)

أي فيكون اللفظ لمسدد، ويوافقه أبو توبة في المعنى، التقريب 2/ 112.

(7)

أي فلا يكون أبو داود أورد لفظ أحدهما خاصة، بل رواه عنهما، بالمعنى. قال البلقيني: يلزم على هذا الاحتمال الثاني، أن لا يكون رواه بلفظ واحد من شيخيه، وهو بعيد، وكذلك إذا قال أنبأنا فلان، وفلان، وتقاربا في اللفظ، فليس هو منحصرًا في أن روايته عن كل منهما بالمعنى، وأن المأتي به لفظ ثالث غير لفظيهما، والأحوال كلها آيلة في الغالب إلى أنه لا بد أن يسوق الحديث على لفظ مروي له برواية واحدة، والباقي بمعناه انتهى. وتبعه الزركشي. قال السخاوي: وفيما قالاه نظر، فيجوز أن يكون ملفقًا منهما إذ من فروع هذا القسم - كما سيأتي في الفرع الحادي والعشرين - ما إذا سمع من كل شيخ قطعة من متن، فأورده =

ص: 480

اللفظ لهما جميعًا بالمعنى، وهذا الاحتمال يقرب في قوله: حدثنا مسلم (1) بن إبراهيم وموسى (2) بن إسماعيل المعنى واحد (3)، قالا: حدثنا ابان (4). وأما إذا جمع بين رواة اتفقوا في المعنى ولم يبين، فقد عيب (5) بهذا البخاري أو غيره (6)، ولا بأس (أ) به على تجويز الرواية بالمعنى (7) وإذا سمع كتابًا مصنفًا من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم وأراد أن يذكر جميعهم

(أ) في (ص): فلا بأس.

= عن جميعهم بدون تمييز. انتهى. محاسن الاصطلاح، ص 344؛ النكت للزركشي (202/ أ)؛ فتح المغيث 2/ 248.

(1)

هو مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي، أبو عمرو البصري، ثقة مأمون مكثر عمي بآخره، مات سنة إثنتين وعشرين ومائتين، وهو أكبر شيخ لأبي داود روى له الجماعة، التقريب 2/ 244؛ اللباب 2/ 416.

(2)

موسى بن إسماعيل المنقري، أبو سلمة التبوذكي، مشهور بكنيته وباسمه ثقة ثبت، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم الناس فيه. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين. التقريب 2/ 280؛ الخلاصة، ص 389.

(3)

(4)

هو أبان بن يزيد العطار البصري، أبو يزيد، ثقة له أفراد، مات في حدود سنة ستين ومائة. التقريب 1/ 31؛ والتهذيب 1/ 121.

(5)

قال السخاوي: البخاري وإن كان لا يعرج على البيان ولا يلتفت إليه، هو كما قال ابن كثير في الغالب، وإلا فقد تعاطى البيان في بعض الأحايين وربما يسلك مسلكًا دقيقًا يرمز فيه للبيان .. الخ. فتح المغيث 2/ 247؛ اختصار علوم الحديث، ص 147.

(6)

هو حماد بن سلمة، كما نص عليه السخاوي في فتح المغيث 2/ 247.

(7)

مقدمة ابن الصلاح، ص 201؛ التقريب 2/ 112؛ التبصرة والتذكرة 2/ 185؛ المقنع 1/ 271؛ فتح المغيث 2/ 247؛ توجيه النظر، ص 317.

ص: 481

في الإِسناد، ويقول: واللفظ لفلان فيحتمل أن يجوز كالأول (1)، ويحتمل أن لا يجوز (2). والله أعلم.

الثاني عشر: ليس له أن يزيد (3) في نسب غير شيخه أو صفته إلا أن يميز فيقول: هو ابن فلان أو الفلاني أو يعني ابن فلان ونحوه فيجوز (4)، وأما إذا ذكر شيخه (5) نسب شيخه في أول حديث من الكتاب، ثم اقتصر في باقي الأحاديث على اسمه أو بعض نسبه، فهل يجوز له رواية بقية الأحاديث، مفصولة على الأول ويستوفي فيها نسب شيخ شيخه حكى

(1) و (2) قال ابن الصلاح: لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه، ويحتمل أن لا يجوز، لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها، بخلاف ما سبق فإنه اطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه، وعلى موافقتهما من حيث المعنى، فأخبر بذلك. حكاه العراقي أيضًا، ولم يرجح شيئًا من الاحتمالين وحكى السخاوي عن بعض المتأخرين توقفًا في اطلاق الاحتمال، وقال: ينبغي أن يخص بما إذا لم يبين حين الرواية الواقع، أما إذا بين فالأصل في الكتب عدم الاختلاف، ولو فرض فهو يسير غالبًا تجبره الإِجازة.

قال السخاوي: هذا إذا لم يعلم الاختلاف، فإن علمه، فقد قال البدر بن جماعة: أنه إن كان التفاوت في ألفاظ، أو في لغات، أو اختلاف ضبط جاز، وإن كان في أحاديث مستقلة فلا انتهى.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 201؛ التبصرة والتذكرة 2/ 185؛ فتح المغيث 2/ 248؛ المنهل الروي، ص 109؛ التدريب 2/ 112؛ توجيه النظر، ص 317.

(3)

قال السخاوي: لكونه والحالة هذه إخبارًا عن شيخه بما لم يخبره به. فتح المغيث 2/ 249.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 202؛ التقريب 2/ 113؛ اختصار علوم الحديث، ص 147؛ التبصرة والتذكرة 2/ 186؛ المقنع 1/ 271؛ فتح المغيث 2/ 249.

(5)

من هنا بدأ القسم الثاني من هذا الفرع وسيأتي بيان الفرق بين القسمين.

ص: 482

الخطيب (1) جوازه (2) عن أكثر العلماء، وعن بعضهم، الأولى (2) أن يقول: يعني ابن فلان (1)، وكان أحمد بن حنبل يفعله (3)، وعن علي بن المديني وغيره (4)، أنه يقول: حدثنا شيخي أن فلانًا ابن فلان حدثه (5)، وعن بعضهم (6) يقول: أخبرنا فلان هو ابن فلان واستحبه (أ) الخطيب (7)، وكل هذا جائز وأولاها "هو ابن فلان" أو "يعني ابن فلان" ثم قوله: أن فلان ابن فلان" ثم أن يذكر المذكور في أول الخبر بكماله من غير فصل (8)، والله أعلم.

(أ) في (هـ): واستحسنه.

(1)

انظر: الكفاية، ص 215؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 203؛ التقريب 2/ 113؛ التبصرة والتذكرة 2/ 187؛ فتح المغيث 2/ 250.

(2)

قال السخاوي: والفرق بين هذا القسم وبين ما قبله أن هناك لم يذكر المدرج أصلًا فهو إدراج لشيء لم يسمعه، فوجب الفصل فيه، والفصل في هذا القسم أولى لما فيه من الإِفصاح بصورة الحال وعدم الإِدراج. فتح المغيث 2/ 250.

(3)

عمل أحمد بن حنبل هذا مروي مسندًا من طريق حنبل قال: كان أبو عبد الله إذا جاء اسم الرجل غير منسوب، قال: يعني ابن فلان.

انظر: الكفاية، ص 215؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 203.

(4)

هو أبو بكر أحمد بن علي بن محمد الأصبهاني نزيل نيسابور.

انظر: الكفاية، ص 216؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 203.

(5)

انظر: قول علي بن المديني مسندًا، قال: إذا حدثك الرجل، فقال: ثنا فلان، ولم ينسبه، فقل: حدثنا فلان أن فلان بن فلان حدثه. الكفاية، ص 215؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 203.

(6)

حكاه الخطيب في الكفاية، ص 216؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 203.

(7)

انظر: لبيان استحباب الخطيب الكفاية، ص 216؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 203؛ المقنع 1/ 271، قال الخطيب: لأن قومًا من الرواة كانوا يقولون فيما أجيز لهم: أخبرنا فلان أن فلانًا حدثهم، فاستعمال ما ذكرت أنفى للظنة وإن كان المعنى في العبارتين واحدًا.

(8)

مقدمة ابن الصلاح، ص 204؛ التقريب 2/ 114؛ المقنع 1/ 117؛ فتح المغيث 2/ 251.

ص: 483

الثالث عشر: جرت العادة بحذف "قال" ونحوه فيما بين رجال الإِسناد خطًا، ولا بد من اللفظ به حال القراءة (1)، وإذا كان في الإِسناد "قرئ على فلان أخبرك فلان" أو"قرئ على فلان حدثنا فلان" فينبغي للقارئ أن يقول في الأول: قيل له أخبرك فلان وفي الثاني "قرئ على فلان، قال حدثنا فلان (2) " وإذا تكررت كلمة "قال" كقوله في كتاب (3) البخاري: حدثنا صالح بن حيان (4)، قال: قال عامر الشعبي، فإنهم يحذفون إحداهما في الخط وعلى القارئ أن يلفظ (5) بهما والله أعلم (أ):

(أ) والله أعلم. ساقط من (ك).

(1)

مقدمة ابن الصلاح، ص 204؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 36؛ التقريب 2/ 114؛ التبصرة والتذكرة 2/ 154؛ المقنع 1/ 272؛ فتح المغيث 2/ 191.

(2)

المصادر السابقة كلها.

(3)

انظر هذا القول في صحيح البخاري، كتاب العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله 1/ 190 (ح رقم 97).

(4)

صالح بن حيان، هو: صالح بن صالح بن حيان، نسب في كتاب العلم من البخاري إلى جده، ووهم من زعم أنه صالح بن حيان القرشي، فإنه ضعيف. التقريب 1/ 359؛ فتح الباري 1/ 190.

(5)

مقدمة ابن الصلاح، ص 204؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 36؛ التقريب 2/ 115؛ المقنع 1/ 272؛ التبصرة والتذكرة 2/ 155، وقال: كان العلامة شهاب الدين عبد اللطيف بن المرحل ينكر اشتراط المحدثين للتلفظ بقال، في أثناء السند، وما أدرى ما وجه إنكاره. قال السيوطي: وجه ذلك في غاية الظهور، لأن أخبرنا وحدثنا بمعنى قال لنا، إذ حدث بمعنى قال، ونا بمعنى لنا، فقوله: حدثنا فلان، حدثنا فلان، معناه: قال لنا فلان، قال لنا فلان وهذا واضح لا إشكال فيه، قال: ثم رأيت منقولًا عن شيخ الإِسلام أنه كان ينصر هذا القول، ويرجحه، انتهى بحذف.

انظر: التدريب 2/ 115.

ص: 484

وسئل الشيخ في فتاويه (1) عن ترك القارئ، "قال" فقال: هذا خطأ من فاعله، قال: والأظهر أنه لا يبطل السماع به لأن حذف القول جائز اختصارًا جاء به القرآن العظيم (1). والله أعلم.

الرابع عشر: النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام (2) بن منبه عن أبي هريرة ونحوها (3) من النسخ والأجزاء، منهم من يجدد ذكر (أ) الإِسناد في أول كل حديث، ويوجد هذا في كثير من الأصول القديمة، وذلك أحوط. ومنهم من يكتفي بالإِسناد في أول حديث أو في (ب) أول كل مجلس من مجالس سماعها ويدرج الباقي عليه قائلًا في

(أ) في (هـ): يجدد الإِسناد. أي بدون "ذكر".

(ب) في (هـ) و (ص): في أول حديث في كل مجلس.

(1)

فتاوي ابن الصلاح، ص 20، ونقله عنه العراقي في التبصرة والتذكرة 2/ 154؛ وابن الملقن في المقنع 1/ 272؛ والسخاوي في فتح المغيث 2/ 191؛ والسيوطي في التدريب 2/ 115؛ وتبع المصنف ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم 1/ 36؛ والتقريب 2/ 115.

(2)

هو همام بن منبه بن كامل الصنعاني، أبو عتبة، أخو وهب، ثقة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، على الصحيح، روى له الجماعة. التقريب 2/ 321؛ الخلاصة، ص 411.

(3)

أي كنسخة أبي اليمان حكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، ونسخة أخرى عند أبي اليمان عن شعيب أيضًا عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه، ونسخة عند يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه، ونسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، وسوى هذه نسخ يطول ذكرها.

انظر: الكفاية، ص 214؛ فتح المغيث 2/ 252.

ص: 485

كل حديث: وبالإِسناد أو وبه وهذا هو الأغلب (1)، فمن سمع هكذا، فأراد رواية كل حديث منها بالإِسناد المذكور أولها، جاز له ذلك عند (2) الأكثرين، منهم وكيع (3) ويحيى (4) بن معين وأبو بكر الإِسماعيلي (5). ومنهم من منع ذلك (6)، وهو قول أبي إسحاق (7) الاسفرائيني الشافعي،

(1) انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 205؛ الكفاية، ص 214؛ التقريب 2/ 116؛ التبصرة والتذكرة 2/ 188؛ المقنع 1/ 273؛ فتح المغيث 2/ 252.

(2)

منهم الخطيب، حيث قال: يجوز لسامع النسخة أن يفرد ما شاء منها بالإِسناد المذكور في أول النسخة، لأن ذلك بمنزلة الحديث الواحد المتضمن لحكمين لا تعلق لأحدهما بالآخر، فالإِسناد هو لكل واحد من الحكمين، ولهذا جاز تقطيع المتن في بابين والأكثر.

انظر: الكفاية، ص 214؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 205؛ وفتح المغيث 2/ 253، وقال: وهو المعتمد.

(3)

انظر: قول وكيع بن جراح مسندًا في الكفاية، ص 215.

(4)

انظر: لحكاية قول ابن معين مسندًا، الكفاية، ص 215.

(5)

سئل أبو بكر الإِسماعيلي عن الإِسناد المدرج، فقال: يجوز إذا جعل إسناد واحد لعدة من المتون، أن يجدد لكل متن إسنادًا جديدًا.

انظر: هذا القول مسندًا لا الكفاية، ص 215.

(6)

عزاه ابن الصلاح إلى بعض المحدثين، قال: ورآه تدليسًا. قال السخاوي: يعني من جهة إيهامه أنه كذلك، سمع بتكرار السند وأنه كان مكررًا تحقيقًا، لا حكمًا وتقديرًا إلا أن يبين كيفية العمل.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 205؛ فتح المغيث 2/ 253؛ التبصرة والتذكرة 2/ 189؛ التدريب 2/ 116.

(7)

قاله في الأسئلة التي سأله عنها الحافظ أبو سعد بن عليك، وقال: إنه لا يجوز أن يذكر الإِسناد في كل حديث منها لمن كان سماعه على هذا الوصف انتهى. ذكره السخاوي في فتح المغيث 2/ 253.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 205 أيضًا.

ص: 486

فعلى هذا من سمع هكذا فطريقه أن يبين (1) كما فعله مسلم في صحيحه (2) في صحيفة همام، كقوله: حدثنا محمد (3) بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق (4)، قال أخبرنا معمر (5) عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث منها، وقال (أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له: تمنّ (6)، وهكذا فعله كثير (7)

(أ) في (ص): قال: بدون "و".

(1)

أي البيان والإِفصاح بصورة الحال أقوم وأحسن وإن جاز ما تقدم. التبصرة والتذكرة 2/ 189؛ فتح المغيث 2/ 253؛ التدريب 2/ 117.

(2)

انظر: صحيح مسلم مع النووي كتاب الإِيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة، لربهم 3/ 25.

(3)

هو محمد بن رافع القشيري النيسابوري أبو عبيد الله ثقة عابد، مات سنة خمس وأربعين ومائتين. التقريب 2/ 160؛ الخلاصة، ص 336.

(4)

هو الإِمام الشهير عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ، مصنف، عمي في آخر عمره، فتغير، وكان يتشيع، مات سنة إحدى عشرة ومائتين. روى له الجماعة. التقريب 1/ 505؛ تذكرة الحفاظ 1/ 364.

(5)

هو الإِمام معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئًا وكذا فيما حدث به بالبصرة، من كبار السابعة مات سنة أربع وخمسين ومائة روى له الجماعة. التقريب 2/ 66؛ تذكرة الحفاظ 1/ 190.

(6)

أخرجه الإِمام مسلم في باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم 2/ 167 (ح رقم 301)، والإِمام أحمد في المسند 2/ 315، كلاهما من طريق عبد الرزاق به.

(7)

مقدمة ابن الصلاح، ص 206؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 22؛ التقريب 2/ 117؛ اختصار علوم الحديث، ص 147؛ التبصرة والتذكرة 2/ 189؛ المقنع 1/ 273؛ فتح المغيث 2/ 253.

ص: 487

من المؤلفين (1). والله أعلم.

وأما إعادة بعضهم الإِسناد آخر الكتاب، فلا يرفع هذا الخلاف، لكونه غير متصل بكل حديث، إلا أنه يفيد احتياطًا، وإجازة بالغة (2) من أعلى أنواعها. والله أعلم.

الخامس عشر: إذا قدم المتن على الإِسناد، أو ذكر المتن وبعض الإِسناد ثم ذكر باقيه متصلًا. مثال الأول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا (ومثال (أ) الثاني: روى عمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا) ثم يقول في الموضعين: أخبرنا به فلان، عن فلان حتى يتصل (3) فهذا كما إذا (ب) قدّم جميع (ج) الإِسناد فهو حديث متصل، فلو (د) أراد من سمعه هكذا أن يقدم جميع الإِسناد، فقد جوزه

(أ) ما بين المعقوفين ساقط من (ك).

(ب) كلمة: إذا. ساقطة من (ك) و (هـ).

(ج) كلمة: جميع. ساقطة من (ص). وفي (ت): بعض. بدل "جميع".

(د) في (ك): ولو أراد.

(1)

الذي تقدم كان يتعلق بالإِمام مسلم، وأما الإِمام البخاري فإنه لم يسلك قاعدة مطردة، فربما قدم أول حديث من الصحيفة، وهو حديث: نحن الآخرون السابقون ثم يعطف عليه الحديث الذي يريده، ولذا قل من اطلع على مقصد البخاري في ذلك حتى احتاج إلى التكلف بين مطابقة الحديث الأول للترجمة، واستعمل قواه في ذلك، وتارة يقتصر على الحديث الذي يريده، وكأنه أراد أن يبين جواز كل من الأمرين.

انظر: محاسن الاصطلاح، ص 349؛ فتح المغيث 2/ 253؛ التدريب 1/ 117.

(2)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 207؛ التقريب 2/ 117؛ التبصرة والتذكرة 2/ 190؛ المقنع 1/ 273؛ فتح المغيث 2/ 254.

(3)

انظر: التقريب 2/ 118؛ فتح المغيث 2/ 255 - 256.

ص: 488

بعض المتقدمين (1)، وينبغي أن يكون فيه خلاف كتقديم بعض المتن (2) على بعض، فإن فيه خلافًا مبنيًا على الرواية بالمعنى، فإن جوزناه جوزنا هذا، وإلا منعناه (3).

(قلت (أ): الصحيح أو الصواب جواز هذا، وليس كتقديم بعض المتن على بعض، فإنه قد يتغير به المعنى بخلاف هذا). والله أعلم.

السادس (ب) عشر: إذا روى الشيخ الحديث بإسناد ثم أتبعه بإسناد

(أ) ما بين المعقوفين موجود في (ت). وساقط من جميع النسخ.

(ب) السادس عشر والسابع عشر. ساقطان من (ص).

(1)

أي من أهل الحديث، قال المصنف: وهو الصحيح. وبه صرح ابن كثير من المتأخرين. وعزى السخاوي ثم السيوطيِ قول المصنف هذا إلى الإِرشاد الذي بين أيدينا، وهو كما قالا:

انظر: فتح المغيث 2/ 256؛ التدريب 2/ 118؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 37؛ واختصار علوم الحديث، ص 148.

(2)

قال البلقيني: ما ذكره ابن الصلاح من التخريج ممنوع، والفرق أن تقديم بعض الألفاظ على بعض قد يؤدي إلى الإِخلال بالمقصود، في العطف وعود الضمير ونحو ذلك، بخلاف السند، فإن تأخر بعضه أو كله على المتن في حكم المقدم، فلذلك جاز تقديمه، ولم يتخرج على الخلاف انتهى.

قلت: والمراد بقول البلقيني هنا أن مجيء الخلاف في فرع تقديم الإِسناد على المتن ممنوع، ولا يقاس هذا على فرع تقديم بعض المتن على بعض.

انظر: محاسن الاصطلاح، ص 351؛ فتح المغيث 2/ 256.

(3)

اكتفى المصنف كابن الصلاح بالإِشارة إلى هذه المسألة، ولم يفرداها بالكلام عليها، وقد عقد الرامهرمزي لذلك بابًا، فحكى عن الحسن والشعبي وعبيدة وأبي نضرة، الجواز، إذا لم يغير المعنى، قال المصنف في مقدمة شرح مسلم: وينبغي أن يقطع بجوازه، إن لم يكن المقدم مرتبطًا بالمؤخر انتهى.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 206؛ المحدث الفاصل، ص 541؛ الكفاية، ص 205، 207، 211، 212؛ التدريب 2/ 119.

ص: 489

آخر وقال عند انتهائه مثله، فأراد (أ) الراوي عنه أن يقتصر على الإِسناد الثاني، ويذكر المتن المذكور. أولا، فالأظهر (1) منعه (2)، وهو قول شعبة (3) وأجازه سفيان (4) الثوري ويحيى (5) بن معين بشرط أن يكون المحدث ضابطًا متحفظًا مميزًا بين الألفاظ (6) وكان جماعة من العلماء إذا روى أحدهم مثل هذا، أورد الإِسناد، ثم يقول: مثل حديث قبله متنه كذا، ثم يسوقه (7)، واختاره

(أ) في (ك): وأراد.

(1)

أي عند ابن الصلاح والمصنف وابن دقيق العيد.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 207؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 37؛ التقريب 2/ 119؛ الاقتراح، ص 256.

(2)

أي لعدم تيقن تماثلهما في اللفظ، وفي القدر المتفاوت بينهما.

قال السخاوي: وفي: أنه الأظهر، نظر على أن المعتمد الرواية بالمعنى، لأنه وإن كان لا يلزم من كونه مثله، أن يكون بعين لفظه، لا يمنع أن يكون بمعناه، بل هو فيما يظهر دائر بين اللفظ والمعنى، لا سيما إذا اقترن بمثله لفظ "سواء" بل هو حينئذ أقرب إلى كونه بلفظه.

انظر: فتح المغيث 2/ 259.

(3)

انظر: قول شعبة بن الحجاج من طريق قراد ووكيع في الكفاية، ص 213؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 207.

(4)

انظر: قول سفيان الثوري من طريق وكيع في الكفاية، ص 213؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 208.

(5)

انظر: قول يحيى بن معين من طريق الحسين بن حبان والعباس بن محمد في الكفاية، ص 213؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 208.

(6)

انظر: الكفاية، ص 212؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 37؛ التقريب 2/ 119.

(7)

انظر: المصادر السابقة، ومقدمة ابن الصلاح، ص 207.

ص: 490

الخطيب (1) هذا، وأما إذا قال: نحوه. فقد أجازه سفيان (2) ومنعه شعبة (2). وابن (أ) معين (3)، ففرق ابن معين بين مثله ونحوه قال الخطيب: هذا الذي قاله ابن معين على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق (4)، قال الحاكم: يلزم الحديثي من الضبط والاتقان أن يفرق بين مثله ونحوه، فلا يحل له أن يقول: مثله، إلا بعد علمه أنهما على لفظ واحد، ويحل نحوه إذا كان بمعناه (5)، والله أعلم.

السابع عشر: إذا ذكر الشيخ إسناد الحديث، وطرفًا من متنه، ثم قال: وذكر الحديث، أو ذكر الحديث بطوله، فأراد السامع، أن يروي عنه الحديث بكماله، فهذا أولى بالمنع (6) مما سبق في مثله ونحوه

(أ) في (هـ): يحيى بن معين.

(1)

انظر: المصادر السابقة. وهذا الاختيار لما فيه من الاحتياط بالتعيين وإزالة الإِيهام والاحتمال بحكاية صورة الحال. قال المصنف في مقدمة شرح مسلم: إنه لا شك في حسنه.

(2)

انظر: قول سفيان وشعبة من طريق وكيع، قال: قال سفيان: إذا قال: نحوه فهو حديث، وقال شعبة: نحوه. شك. الكفاية، ص 212 - 213.

(3)

انظر: الهامش رقم 5، ص 490.

(4)

انظر: لقول الخطيب: الكفاية، ص 214؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 208؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 37؛ التقريب 2/ 120؛ اختصار علوم الحديث، ص 148؛ المقنع 1/ 274.

(5)

قول الحاكم حكاه ابن الصلاح من طريق مسعود بن على السجزي أنه سمع الحاكم أبا عبد الله الحافظ، يقول

الخ.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 208؛ والتقريب 2/ 120؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 192؛ والمقنع 1/ 275.

(6)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 305؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 37؛ التقريب 2/ 120؛ المقنع 1/ 275؛ وعلله السيوطي فقال: لأنه إذا منع هناك مع أنه قد =

ص: 491

فطريقه (1) أن يقتصر على ما ذكره الشيخ، ثم يقول: قال، وذكر الحديث بطوله والحديث بطوله هو كذا، ويسوقه إلى آخره (1). وممن منع ذلك عند الاطلاق الأستاذ أبو إسحاق (2) الاسفرائيني، وأجاز (أ) أبو بكر (3) الإِسماعيلي، إذا عرف المحدث والسامع ذلك الحديث (3)، فإذا جوز (4) هذا فالتحقيق فيه أنه بطريق الإِجازة. فيما لم يذكره الشيخ، لكنها إجازة قوية أكيدة من جهات فيجوز لهذا مع كون أوله سماعًا إدراج الباقي عليه من غير إفراد بلفظ الإِجازة (5)، والله أعلم.

الثامن عشر (ب): قال الشيخ: الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبي

(أ) في (هـ): واختاره.

(ب) على هامش (ت): عدم جواز إبدال النبي بالرسول.

= ساق فيها جميع المتن، قبل ذلك بإسناد آخر فلأن يمنع هنا ولم يسبق إلا بعض الحديث، من باب أولى، وبذلك جزم قوم انتهى.

انظر: التدريب 2/ 120؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 193؛ وفتح المغيث 2/ 261.

(1)

قاله ابن الصلاح، وقال ابن كثير: وينبغي أن يفصل، فيقال: إن كان قد سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو في غيره فتجوز الرواية، وتكون الإِشارة إلى شيء قد سلف بيانه وتحقق سماعه والله أعلم.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 209؛ واختصار علوم الحديث، ص 149.

(2)

انظر: لقول أبي إسحاق الإِسفرائيني مقدمة ابن الصلاح، ص 209؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 37؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 193؛ والمقنع 1/ 275.

(3)

انظر: لقول أبي بكر الإِسماعيلي المصادر السابقة كلها وفتح المغيث 2/ 261؛ والتدريب 2/ 121.

(4)

أي قاله الإِسماعيلي.

(5)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 209؛ التقريب 2/ 121؛ اختصار علوم الحديث، ص 149؛ التبصرة والتذكرة 2/ 194؛ المقنع 1/ 275؛ فتح المغيث 2/ 262.

ص: 492

إلى عن (أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عكسه وإن جازت الرواية بالمعنى، لاختلاف (1) المعنى (2).

والصواب والله أعلم جواز ذلك، لأنه لا يختلف به هنا معنى (3)، وإن كان أصل النبي والرسول مختلفًا (4)(ب).

(أ) كلمة: عن ساقطة من (هـ).

(ب) على هامش (ك): قلت: قال السيوطي في شرح التقريب للمصنف بعد أن حكى ما رجحه المصنف ما نصه: وقال ابدر بن جماعة: يجوز تغيير النبي إلى الرسول، ولا يجوز عكسه لما بعد، لأن في الرسول معنى زائدًا على النبي. كتبه تقي الدين الحصني عفى عنه.

(1)

يعني بناء على القول بعدم تساوي مفهوم النبي والرسول. فتح المغيث 2/ 263.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، 210، وقال البدر بن جماعة: لو قيل: يجوز تغيير "النبي" إلى "الرسول" ولا يجوز عكسه، لما بعد، لأن في الرسول معنى زائدًا على النبي وهو الرسالة، فإن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا. المنهل الروي، ص 111.

(3)

لأن المقصود إسناد الحديث إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حاصل بكل واحد من الصفتين، وليس الباب باب تعبد في اللفظ لا سيما إذا قلنا: إن الرسالة والنبوة بمعنى واحد.

وأما ما استدل به بعضهم على المنع بحديث البراء بن عازب في صحيح البخاري في الدعاء عند النوم، وفيه: ونبيك الذي أرسلت، فقال يستذكرهن وبرسولك الذي أرسلت. فقال: لا، ونبيك الذي أرسلت: فليس فيه دليل لأن ألفاظ الأذكار توقيفية، وربما كان في اللفظ سر، لا يحصل بغيره، ولعله أراد أن يجمع بين اللفظين في موضع واحد.

انظر: الكفاية، ص 203؛ التبصرة والتذكرة 2/ 195؛ محاسن الاصطلاح، ص 356؛ فتح الباري 1/ 358؛ فتح المغيث 2/ 264، 218؛ التدريب 2/ 122؛ ولحديث البراء صحيح البخاري 1/ 357 (ح رقم 247)؛ وصحيح مسلم 4/ 2081 (رقم 1712).

(4)

انظر: مقدمة شرح مسلم 1/ 38؛ التقريب 2/ 122.

ص: 493

ونقل الخطيب عن أحمد بن حنبل أنه كان يتبع المحدث في ذلك ويضرب على ما في أصله إذا خالفه (1)، قال الخطيب: هذا غير لازم، وإنما استحبه أحمد ومذهبه الترخيص (أ) في ذلك (2)، ثم روى عنه (3) وعن حماد بن (3) سلمة الترخيص (3)(ب).

التاسع عشر: إذا كان في سماعه بعض الوهن (4) فعليه بيانه حال الرواية (5)، وأمثلته كثيرة تقدمت (6)، ومنها إذا حدثه من حفظه في الذاكرة، فليقل: حدثنا مذاكرة كما فعله (7) الأئمة، وكان جماعة من الحفاظ يمنعون الحمل عنهم في المذاكرة منهم ابن المبارك (8)

(أ) في (ص): الترخص. وفي (هـ): الرخص.

(ب) في (هـ): الترخص.

(1)

انظر: الكفاية، ص 244.

(2)

الكفاية، ص 244؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 210.

(3)

انظر لرواية الإِمام أحمد وحماد بن سلمة الكفاية، ص 244؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 210؛ التقريب 2/ 122؛ مقدمة شرح مسلم 1/ 38؛ الخلاصة، ص 123؛ المقنع 1/ 275.

(4)

أي كأن يسمع من غير أصل، أو يتحدث هو أو الشيخ وقت القراءة أو ينعس أو ينسخ، أو كان سماعه أو سماع شيخه بقراءة لحان أو مصحف، أو كان التسميع بخط من فيه نظر. فتح المغيث 2/ 265؛ التدريب 2/ 123.

(5)

لأن في إغفالها نوعًا من التدليس، مقدمة ابن الصلاح، ص 210؛ التقريب 2/ 123؛ المقنع 1/ 276.

(6)

أي في أقسام التحمل، ص 361، 365.

(7)

واستحبه الخطيب، وإن كان ظاهر كلام ابن الصلاح الوجوب.

انظر: الجامع 2/ 37؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 210؛ وفتح المغيث 2/ 265.

(8)

أورد الخطيب قول ابن المبارك مسندًا من طريق نوفل بن مطهر، قال: قال لنا ابن المبارك: لا تحملوا عني في المذاكرة شيئًا. الجامع 2/ 37.

ص: 494

وعبد الرحمن (1) بن مهدي وأبو زرعة (2) الرازي (3)، وغيرهم، لأنه قد يقع فيها مساهلة مع أن الحفظ (4) خوان، والله أعلم.

العشرون: إذا كان الحديث عن رجلين، أحدهما مجروح كثابت (5) وأبان (6) ابن أبي عياش عن أنس، فالأولى (7) أن يذكرهما

(1) روى قول ابن مهدي من طريق بكر بن خلف قال: سمعت ابن مهدي يقول: حرام عليكم أن تأخذوا عني في المذاكرة حديثًا، لأني إذا ذاكرت تساهلت في الحديث.

انظر: المصدر السابق.

(2)

هو الإِمام حافظ العصر عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ القرشي مولاهم الرازي، كان من أفراد الدهر حفظًا وذكاء ودينًا وإخلاصًا وعلمًا وعملًا، توفي سنة أربع وستين ومائتين. مقدمة الجرح والتعديل 1/ 328؛ تذكرة الحفاظ 2/ 557.

(3)

انظر: قول أبي زرعة من طريق أحمد بن محمد التستري، قال: قال لي أبو زرعة: لا تحملوا عني في المذاكرة شيئًا. الجامع 2/ 37.

(4)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 211؛ اختصار علوم الحديث، ص 150؛ المقنع 1/ 276؛ التبصرة والتذكرة 2/ 196؛ فتح المغيث 2/ 266؛ التدريب 2/ 123.

(5)

هو ثابت بن أسلم البناني: بضم الموحدة ونونين مخففين، أبو محمد البصري ثقة عابد، مات سنة بضع وعشرين ومائة وله ست وثمانون، روى له الجماعة. التقريب 1/ 115؛ الخلاصة، ص 56.

(6)

هو أبان ابن أبي عياش، فيروز البصري، أبو إسماعيل العبدي، متروك، مات في حدود الأربعين ومائة. التقريب 1/ 31؛ الخلاصة، ص 15.

(7)

أي على وجه الاستحباب لا على طريق الوجوب، قاله الخطيب، وقال: وسئل الإِمام أحمد عن مثله، فقال فيه: نحوًا مما ذكرناه ثم أسند قول الإِمام.

انطر: الكفاية، ص 378؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 211؛ فتح المغيث 2/ 266.

ص: 495

جميعًا، ولا يسقط المجروح خوفًا من أن يكون فيه شيء عن المجروح (1) وحده. وكذا إذا كانا ثقتين فلا يسقط أحدهما للاحتمال المذكور، إلا أن هذا أخف (2) من الأول، ولا يحرم الاسقاط في الصورتين لأن الظاهر اتفاقهما (3)، والله أعلم.

الحادي والعشرون: إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من آخر فخلطه، وروى جملته عنهما مبينًا أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر، جاز كما فعل الزهري في حديث الأفك (4)، حيث رواه عن ابن

(1) قال السخاوي: إذا تقررت صحة حذف المجروح، فالظاهر عدم صحة الاقتصار عليه، لما قد ينشأ عنه تضعيف المتن وعدم الاحتجاج به للقاصر أو المستروح، وفيه من الضرر ما لا يخفى. فتح المغيث 2/ 268.

(2)

لأنه وان تطرق مثل الاحتمال المذكور أولًا إليه، وهو كون شيء منه عن المحذوف خاصة، فمحذور الاسقاط منه أقل، لأنه لا يخرج عن كون الراوي ثقة، كما إذا قال: أخبرني فلان أو فلان وكانا ثقتين، فالحجة به قائمة لأنه دائر بين ثقتين. فتح المغيث 2/ 268؛ التدريب 2/ 123.

(3)

أي وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد فإنه من الإِدراج الذي لا يجوز تعمده. مقدمة ابن الصلاح، (ص)؛ المقنع 1/ 277؛ التبصرة والتذكرة 2/ 197؛ التدريب 2/ 123.

(4)

الافك: قال ابن الأثير: هو في الأصل، الكذب، وأريد به ههنا ما كذب على عائشة رضي الله عنها، مما رميت به. النهاية 1/ 56.

وأخرج حديث الافك البخاري في باب تعديل النساء بعضهن بعضًا 5/ 269، (ح رقم 2661)، وكذلك في التفسير والأيمان والاعتصام والتوحيد والمغازي. وأخرجه مسلم في كتاب التوبة باب في حديث الافك وقبول توبة القاذف 17/ 102؛ مع النووي والإِمام أحمد في المسند 6/ 194، كل هؤلاء الناس من طريق الزهري عن ابن المسيب وعروة وعلقمة وعبيد الله.

ص: 496

المسيب وعروة (1) وعلقمة (2) وعبيد الله (3) وقال: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، قالوا: قالت: فذكره، ثم ما من شيء من ذلك الحديث، إلا وكأنه رواه عن أحدهما على الإِبهام (4)، فإذا كان أحدهما مجروحًا لم يجز الاحتجاج بشيء منه، ولا يجوز أن يسقط أحد الراويين (أ)، بل يجب ذكرهما جميعًا مبينًا، أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر (5)، والله أعلم.

(أ) في (ك): و (ص) و (هـ): الروايين. وهو خطأ.

(1)

هو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح، ومولده في أوائل خلافة عمر الفاروق رضي الله عنه؛ التقريب 2/ 19؛ الخلاصة، ص 265.

(2)

هو علقمة بن وقاص بتشديد القاف، الليثي المدني، ثقة ثبت، أخطأ من زعم أن له صحبة وقيل: انه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مات في خلافة عبد الملك، روى له الجماعة. التقريب 2/ 31؛ الخلاصة، ص 271.

(3)

هو الفقيه العلم أبو عبد الله عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهزلي المدني الضرير أحد الفقهاء السبعة، ثقة ثبت، مات سنة أربع وتسعين وقيل: سنة ثمان وقيل غير ذلك. تذكرة الحفاظ 1/ 78؛ التقريب 1/ 535.

(4)

قال السخاوي: وحاصل ما فعله الزهري ومن نحا نحوه أن جميع الحديث عن مجموعهم، لا أن مجموعه عن كل واحد منهم، ولا يعلم من مجرد السياق القدر الذي رواه منه كل واحد من المسمين انتهى. فتح المغيث 2/ 270.

(5)

لأنك إذا حذفت واحدًا من الإِسناد وأتيت بجميع الحديث، فقد زدت على بقية الرواة ما ليس من حديثهم، وإن حذفت بعض الحديث لم يعلم أن ما حذفته هو رواية من حذفت اسمه، فيجب ذكر جميع الرواة في الصورتين معًا والله أعلم. التبصرة والتذكرة 2/ 199؛ فتح المغيث 2/ 271.

ص: 497

النوع السابع والعشرون: معرفة آداب المحدث

علم الحديث علم شريف، يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم (1)، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، ومن حرمه، فقد حرم خيرًا عظيمًا، ومن رزقه فقد نال فضلًا جزيلًا فمن أراده فعليه تقديم تصحيح (2) النية، وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية، وليحذر بلية حب الرياسة ورعوناتها (3)، نسأل الله الكريم التوفيق لذلك. وقد اختلف (4) في السن المستحب فيه التصدي لإِسماع الحديث (4)، والصواب أنه متى احتيج

(1) الشيم: جمع الشيمة، بالكسر بمعنى الطبيعة والخلق.

انظر الصحاح 5/ 1964؛ والقاموس 4/ 137 ش ي م.

(2)

ومن هنا وقف كثير من السلف عن التحديث إلا بعد نية صحيحة، كما روى الخطيب بسنده قال: قال حبيب بن أبي ثابت لما سأله الثوري التحديث: حتى تجيء النية.

وقال أبو الأحوص لمن سأله أيضًا: ليست لي نية، فقيل له: إنك توجر فقال:

تمنوني الخير الكثير وليتني

نجوت كفافًا، لا عليَّ ولا ليّا

انظر: الجامع 1/ 316 - 317؛ ونحوه عن ابن شبرمة في اقتضاء العلم، ص 205؛ وفتح المغيث 2/ 274؛ التدريب 2/ 127.

(3)

أي كالعُجب والطيش والحمق والدعوي بحق فضلًا عن باطل، لا تحب أن يحمدك عليه أحد من الناس، ولا ترد به معنى سوى التقرب إلى الله، وإن لم تفعل ذلك فما صنعت شيئًا. قاله السخاوي. فتح المغيث 2/ 273.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 213؛ المقنع 1/ 279.

(4)

فقال الرامهرمزي: يحسن بالمحدث التحديث إذا بلغ الخمسين، لأنها انتهاء الكهولة، وفيها مجتمع الأشُدّ، قال: ولا ينكر عند الأربعين، لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال انتهى. =

ص: 498

إلى ما عنده استحب (1) له التصدي لنشره في أي سن كان (2)، قد (أ) جلس (3) مالك بن أنس رحمه الله للناس ابن نيف (ب) وعشرين سنة وقيل ابن سبع عشرة، والناس متوافرون وشيوخه أحياء وجلس الشافعي لذلك وأخذ عنه العلم في سن الحداثة (3). والله أعلم.

(أ) في (ص) و (هـ): فقد.

(ب) في (هـ): ابن ست وعشرين.

= قال القاضي عياض: استحسان الرامهرمزي هذا لا يقوم له حجة بما قال، وكم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن، ولا أستوفي هذا العمر ومات قبله، وقد نشر من الحديث والعلم، ما لا يحصى انتهى.

انظر: المحدث الفاصل، ص 352؛ وعنه الخطيب في الجامع 1/ 323؛ والإِلماع، ص 200؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 213 - 214؛ فتح المغيث 2/ 283.

(1)

وصرح الخطيب بالوجوب عند الاحتياج إليه، قال: والممتنع من ذلك عاص آثم. الجامع 1/ 323؛ المقنع 1/ 279؛ فتح المغيث 2/ 282.

(2)

قاله ابن الصلاح.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 213؛ التقريب 2/ 128؛ التبصرة والتذكرة 2/ 202؛ المقنع 1/ 279؛ فتح المغيث 2/ 282.

(3)

قاله القاضي عياض ردًا على الرامهرمزي. وقال ابن الصلاح: ما قاله ابن خلاد: غير مستنكر، وهو محمول على إنه قاله فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه من غير براعة في العلم، تعجلت له قبل السن الذي ذكره. وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك، فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت، ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال انتهى.

ويحمل على ما قاله ابن الصلاح كلام الخطيب أيضًا، فإنه قال: لا ينبغي أن يتصدى صاحب الحديث للرواية إلا بعد دخوله في السن، وأما في الحداثة فذلك غير مستحسن انتهى.

انظر: الإِلماع، ص 201؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 214؛ الجامع 1/ 322؛ فتح المغيث 2/ 284؛ التدريب 2/ 128.

ص: 499

وينبغي له (أ) أن يمسك عن التحديث إذا خشى عليه الهرم (1) والخرف (1) والتخليط (2) ورواية ما ليس من حديثه (3)، (وذلك (ب) يختلف باختلاف الناس وهكذا إذا عمى وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه.) فليمسك عن الرواية (4)، ولا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة (ج) من هو أولى (5) منه بذلك.

(أ) كلمة: له. ساقطة من (ك).

(ب) ما بين المعقوفين ساقط من (ك).

(ج) في (ك): بحظرة.

(1)

الهرم بالتحريك: كبر السن، وقد هرم الرجل بالكسر وأهرمه الله سبحانه فهو هرم انتهى.

والخرف بالتحريك: فساد العقل من الكبر، وقد خرف الرجل بالكسر، فهو خرف انتهى.

انظر: الصحاح 5/ 2057؛ والصحاح 4/ 1349.

(2)

وضبطه الرامهرمزي بالثمانين. المحدث الفاصل، ص 354.

(3)

انظر: الجامع 2/ 305؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 215؛ والاقتراح، ص 270؛ التدريب 2/ 128.

(4)

مقدمة ابن الصلاح، ص 215؛ وقال: والناس في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم، يعني فلا ضابط له. ولذا قال ابن دقيق العيد: هذا أي التقيد بالسن عندما يظهر منه أمارة الاختلال ويخاف منها، فأما من لم يظهر ذلك فيه، فلا ينبغي له الامتناع، لأن هذا الوقت أحوج ما يكون الناس إلى روايته.

انظر: الاقتراح، ص 269؛ فتح المغيث 2/ 285.

(5)

حكى الخطيب مسندًا: كان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء لسنه.

انظر: الجامع 1/ 320؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 216؛ والاقتراح، ص 270؛ وقال: ولا بد أن يكون ذلك مشروطًا بأن لا يعارض هذا الأدب ما هو مصلحة راجحة عليه، ثم فصل الكلام.

ص: 500

وقيل (1): يكره أن يحدث ببلد فيه من هو أولى منه لسنه أو غير ذلك (1). وينبغي له إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى (ب) من إسناده، أو أرجح من وجه أن يعلم الطالب به ويرشد إليه، فإن الدين (2) النصيحة. ولا يمتنع من تحدث أحد لكونه غير صحيح النية، فإنه يرجى له حصول النية بعد (3). قال معمر: كان يقال

(أ) على هامش (ت): كره الوعظ في بلد وفيه أولى منه في علمه.

(ب) في (هـ): أولى. بدل: أعلى.

(1)

حكى الخطيب مسندًا عن ابن معين، يقول: إن الذي يحدث بالبلدة وبها من هو أولى بالتحديث منه أحمق انتهى. وقال ابن دقيق العيد: ينبغي أن يكون هذا عند الاستواء فيما عدا الصفة المرجحة، أما مع التفاوت، بأن يكون الأعلى إسنادًا عاميًا لا معرفة له بالصنعة، وإلا نزل إسنادًا عارفًا ضابطًا، فهذا يتوقف فيه بالنسبة إلى الإِرشاد المذكور لأنه قد يكون في الرواية عن هذا الشخص العامي، ما يوجب خللًا انتهى.

انظر: الجامع 1/ 319؛ واقتراح، ص 271؛ فتح المغيث 2/ 288.

(2)

مقدمة ابن الصلاح، ص 216؛ الجامع 2/ 339؛ التقريب 1/ 281؛ فتح المغيث 2/ 278؛ ولحديث: الدين النصيحة صحيح مسلم مع النووي 2/ 26؛ عن تميم الداري رضي الله عنه.

(3)

فصل الماوردي هذه القضية فقال: إن كان داعي طلب العلم دينيًا وجب على العالم أن يكون على الطالب مقبلًا وعلى تعليمه متوفرًا. فإن لم يكن دينيًا، فإن كان مباحًا، كرجل دعاه إلى طلب العلم حب النباهة وطلب الرياسة، فالقول فيه قريب مما قبله، لأن العلم يعطفه إلي الدين في ثاني الحال، وإن كان الداعي محظورًا، كرجل دعاه إلى طلب العلم شرٌّ كامن ومكر باطن يريد أن يستعمله في شُبه دينية وحيل فقهيه لا يجد أهل السلامة منهما مخلصًا ولا عنهما مدفعًا، فينبغي للعالم أن يمنعه من طلبته. ويصرفه عن بغيته، ولا يعينه على إمضاء مكره وإكمال شره انتهى.

انظر: أدب الدنيا والدين، ص 64؛ وفتح المغيث 2/ 280؛ والجامع 2/ 267؛ عن حبيب بن أبي ثابت.

ص: 501

أن الرجل ليطلب العلم لغير الله تعالى فيأبى عليه العلم حتى يكون لله تعالى (1). وليكن حريصًا على نشره مبتغيًا جزيل أجره (2). وكان عروة وغيره من السلف يجمعون الناس على حديثهم (3).

فصل: وإذا أراد التحديث فليقتد بالإِمام أبي عبد الله مالك رحمه الله تعالى، كان إذا أراد أن يحدث، توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث، فقيل له، فقال: أحب أن أعظم (4) حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان يكره أن يحدث في الطريق أو وهو قائم أو مستعجل (5)، وروى

(1) انظر: قول معمر من طريق عبد الرزاق مسندًا في الجامع 1/ 339؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 216؛ والتدريب 2/ 130.

(2)

قال ابن دقيق العيد: ولا خفاء بما في تبليغ العلم من الأجور، لا سيما وبرواية الحديث يدخل الراوي في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها انتهى. الاقتراح، ص 264.

انظر: فتح المغيث 2/ 275.

(3)

رواه الخطيب مسندًا من طريق الزهري قال: كان عروة يتألف الناس على حديثه.

انظر: الجامع 1/ 340؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 217؛ فتح المغيث 2/ 275؛ التدريب 2/ 130.

(4)

انظر: المحدث الفاصل، ص 585؛ من طريق منصور أبي سلمة الخزاعي. وأدب الإِملاء، ص 27؛ من طريق يحيى بن بكير عن مالك بن أنس رحمه الله.

(5)

انظر: هذه الحكاية من طريق ابن القاسم أو غيره وعبد الرحمن بن مهدي. في الجامع 1/ 408؛ وفي مقدمة ابن الصلاح، ص 217؛ مسندًا من طريق إسماعيل بن أبي أويس كلهم عن الإِمام مالك رحمه الله.

وبه صرح الخطيب حيث قال: يكره التحديث في حالتي المشي والقيام حتى يجلس الراوي والسامع معًا، ويستوطنا، فيكون ذلك أحضر للقلب وأجمع للفهم. انتهى.

انظر: الجامع 1/ 407.

ص: 502

عنه إنه كان يغتسل لذلك ويتبخر ويتطيب، وإذا رفع أحد صوته في مجلسه زبره (أ) (1). وقال: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (2). فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنما رفعه فوق صوته صلى (3) الله عليه وسلم.

فصل: ويستحب له ما ورد (ب) عن حبيب (4) بن أبي ثابت التابعي رحمه الله تعالى، قال: من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعًا (5) وينبغي أن لا يسرد الحديث سردًا لا يدرك السامع بعضه (6).

(أ) على هامش (ت): الزبر: المنع والنهي. القاموس.

(ب) في (ص) و (هـ): روى.

(1)

زبره: من الزبر بالفتح: الزجر والمنع، يقال: زبره، إذا انتهره. الصحاح 2/ 667.

(2)

سورة الحجرات: الآية 2.

(3)

انظر هذه الحكاية مسندة عن الإِمام مالك رحمه الله من طريق معن بن عيسى القزاز قال: كان مالك بن أنس إذا أراد أن يجلس للحديث اغتسل وتبخر .. إلخ. في الجامع 1/ 406؛ وأدب الإِملاء، ص 27.

قال السخاوي: إنَّ هذه الأمور المحكية عن الإِمام مالك لا ينبغي اتباعه فيها إلا لمن صحت نيته في خلوص هذه الأفعال، تعظيمًا للحديث لا لنفسه لأن للشيطان وسائس في مثل هذه الحركات، فإذا عرفت أن نيتك فيها كنية مالك فافعلها ولا يطلع على نيتك غير الله انتهى. فتح المغيث 2/ 278.

(4)

هو التابعي حبيب بن أبي ثابت فقيه الكوفة ومفتيها، قال أبو يحيى القتات: قدمت معه الطائف فكأنما قدم عليهم نبي. توفي سنة تسع عشرة ومائة. تذكرة الحفاظ 1/ 116؛ شذرات الذهب 1/ 156.

(5)

انظر: قول حبيب بن أبي ثابت مسندًا في الجامع 1/ 411؛ مقمة ابن الصلاح، ص 218.

(6)

أي لحديث عائشة المتفق عليه قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث سردكم. أخرجه البخاري في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم =

ص: 503

وليفتتح مجلسه وليختمه بالتحميد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاء يليق بالحال (1)(أ).

فصل: ويستحب (ب) للمحدث العارف عقد مجلس لإِملاء (ج) الحديث، فإنه أعلى مراتب الرواية لأن الشيخ يعلم ما يملي ويتدبره، والكاتب يتحقق ما يسمعه ويكتبه، وإذا قرأ على الشيخ أو الشيخ عليه لا يؤمن غفلة أحدهما (2). وينبغي أن يتخذ مستمليًا يبلغ عنه إذا كثر

(أ) على هامش (ت): ودعاء يليق بالحال بعد قراءة قارئ حسن الصوت شيئًا من القرآن العظيم. التقريب.

(ب) في (ك): ينبغي ويستحب.

(ج) في (ك): مجلس الإِملاء للحديث.

= 6/ 567 (ح رقم 3568). ومسلم في باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه 4/ 1940 (ح رقم 2493).

انظر: الجامع أيضًا 1/ 414؛ والشمائل للترمذي باب كيف كان كلامه صلى الله عليه وسلم، ص 112 (ح رقم 223). قال ابن دقيق العيد: ولقد تسامح الناس في هذه الأعصار فيستعجل القراء استعجالًا يمنع من إدراك حروف كثيرة، بل كلمات. وهذا عندنا شديد، لأن عمدة الرواية الصدق، ومطابقة ما يخبر به للواقع، وإذا قال السامع على هذا الوجه: قرأه على فلان وأنا أسمع، فهذا إخبار غير مطابق فيكون كذبًا .. إلخ. الاقتراح، ص 273؛ فتح المغيث 2/ 292

(1)

انظر: أدب الإِملاء، ص 52؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 218؛ الاقتراح، ص 276؛ التبصرة والتذكرة 2/ 210؛ فتح المغيث 2/ 293؛ التقريب 2/ 132.

(2)

انظر: الجامع 2/ 55؛ وأدب الإِملاء، ص 12؛ وفيه من قول السلفي. فأجل أنواع السماع بأسرها، "ما يكتب الإِنسان في الإملاء". ومقدمة ابن الصلاح، ص 218؛ والاقتراح، ص 275؛ التبصرة والتذكرة 2/ 211؛ فتح المغيث 2/ 294؛ التدريب 2/ 132.

ص: 504

الجمع (1)، كما كان الحفاظ من المتقدمين (2) وغيرهم يفعلونه وليكن مستمليه محصلًا متيقظًا (3)، وليستمل على شيء مرتفع، فإن لم يجد استملى قائمًا (4)، وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيبلغه على وجهه (5).

والفائدة فيه توصل من سمع لفظ المملى على بعد منه إلى تفهمه وتحققه (6) وأما من لم يسمع إلا المستملى فلا يجوز له رواية ذلك عن المملى إلا أن يبين الحال، وقد تقدم بيان هذا في النوع الرابع والعشرين (7).

ويستحب افتتاح المجلس بقراءة قارئ حسن الصوت شيئًا من

(1) قاله الخطيب في الجامع 2/ 65.

انظر: أدب الإِملاء، ص 84؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 218؛ فتح المغيث 2/ 296.

(2)

وهُم مالك وشعبة ووكيع ويزيد بن هارون وغيرهم رحمهم الله.

انظر: الجامع 2/ 66؛ أدب الإِملاء، ص 85؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 218.

(3)

قاله الخطيب في الجامع 2/ 66؛ وأدب الإِملاء، ص 90.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 218؛ التقريب 2/ 133؛ المقنع 1/ 283.

(4)

قاله الخطيب في الجامع 2/ 66؛ والسمعاني في أدب الإِملاء، ص 50.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التقريب 2/ 134؛ التبصرة والتذكرة 2/ 213؛ فتح المغيث 2/ 297.

(5)

وذلك مستحب كما صرح به الخطيب والسمعاني، ثم رجعا إلى الوجوب وعبارتهما معًا: ويستحب للمستملي أن لا يخالف لفظ الراوي في التبليغ عنه، بل يلزمه ذلك، وخاصة إذا كان الراوي من أهل الدراية والمعرفة بأحكام الرواية انتهى. الجامع 2/ 67؛ أدب الإِملاء، ص 105؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التقريب 2/ 134؛ فتح المغيث 2/ 297.

(6)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التقريب 2/ 134؛ التبصرة والتذكرة 2/ 213؛ المقنع 1/ 285.

(7)

انظر: ص 365.

ص: 505

القرآن العظيم (1). وإذا فرغ استنصت المستملي أهل المجلس (2)، ثم يبسمل (3) ويحمد الله تعالى، ويصلي (4) على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتحرى الأبلغ (5) في ذلك، ثم يقبل على المحدث، ويقول:

(1) انظر: الجامع 2/ 68؛ وأدب الإِملاء، ص 98؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التقريب 2/ 135؛ التبصرة والتذكرة 2/ 214.

(2)

انظر: الجامع 2/ 69؛ أدب الإِملاء، ص 49؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ فتح المغيث 2/ 298.

(3)

قاله الخطيب والسمعاني، قال الخطيب: وإنما استحببت له ذلك، لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع. وروي: لم يبدأ فيه بالحمد لله أقطع. فإذا جمع بين اللفظين استعمل الخبرين وحاز الفضيلتين.

انظر: الجامع 2/ 69؛ أدب الإِملاء، ص 98.

قلت: أخرج حديث البسملة الإِمام أحمد في المسند 2/ 359، وأخرج حديث الحمد لله أبو داود في السنن في باب الهدى في الكلام 4/ 261 (ح رقم 4840)؛ وابن ماجه في باب خطبة النكاح 1/ 610، (ح رقم 1894)؛ وذكرهما السيوطي في الجامع الصغير. فيض القدير 5/ 13.

وقد ضعف الشيخ الألباني كلا الحديثين في ضعيف الجامع الصغير 4/ 147، وتكلم عليهما في إرواء الغليل 1/ 29 - 32.

وانظر أيضًا فتح المغيث 1/ 10.

(4)

الجامع 2/ 70؛ أدب الإِملاء، ص 52، 98؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التقريب 2/ 135؛ التبصرة والتذكرة 2/ 214؛ فتح المغيث 2/ 298؛ المقنع 1/ 285.

(5)

قال ابن الصلاح: ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول: الحمد لله رب العالمين أكمل الحمد على كل حال، والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عن ذكره الغافلون، اللهم صل عليه وعلى آله وسائر النبيين وآل كل، وسائر الصالحين، نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون وقال =

ص: 506

من (أ) ذكرت أو ما ذكرت رحمك الله ورضي الله عنك، وما أشبهه (1)، وكلما انتهى إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم. صلى عليه، وذكر الخطيب أنه يرفع صوته بذلك (2). وإذا انتهى إلى ذكر الصحابي قال (3): رضي الله عنه.

(أ) كلمة: من ذكرت أو. غير موجودة في (هـ).

= المصنف: والصواب الذي ينبغي أن يجزم به، أن أبلغ ألفاظ الصلاة ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث قالوا: كيف نصلي عليك فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. مقدمة ابن الصلاح، ص 218؛ شرح المهذب 3/ 408؛ والأذكار، ص 63؛ فتح المغيث 2/ 293؛ التدريب 2/ 135.

وانظر: الجامع 2/ 70 أيضًا.

(1)

روى الخطيب بسنده عن يحيى بن أكثم أنه قال: نلت القضاء وقضاء القضاة والوزارة، وكذا وكذا، ما سررت بشيء مثل قول المستملي: من ذكرت رحمك الله.

انظر: الجامع 2/ 71؛ أدب الإِملاء، ص 104، وفيه: من حدثك أو من ذكرت. قال ابن دقيق العيد: وهو الأحسن عندي إلا أن تكون هذه العبارة، أعني قوله: من ذكرت عادة للسلف مستمرة، فالاتباع أولى.

انظر: الاقتراح، ص 277؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ فتح المغيث 2/ 298؛ التدريب 2/ 135.

(2)

انظر: الجامع 2/ 103؛ وأدب الإِملاء، ص 63؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التقريب 2/ 136.

(3)

انظر: الجامع 2/ 104، وقال في ص 106: والصلوة والرضوان والرحمة من الله بمعنى واحد، إلا أنها وإن كانت كذلك، فإنا نستحب أن يقال للصحابي: رضي الله عنه، وللنبي: صلى الله عليه وسلم، تشريفًا له وتعظيمًا. انتهى. أدب الإِملاء، ص 65، ص 104؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التبصرة والتذكرة 2/ 215؛ فتح المغيث 2/ 300؛ التدريب 2/ 136.

ص: 507

قلت (أ): فإن كان صحابيًا ابن صحابي كابن عمرو ابن عباس وابن الزبير وابن جعفر (1) وأسامة (2) بن زيد والنعمان بن بشير وجابر بن عبد الله وحذيفة (3) بن اليمان وابن عمرو بن العاص وأشباههم قال (4): رضي الله عنهما (والله (ب) أعلم).

فصل: ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه حال الرواية عنه

(أ) في (ص): قال المصنف.

(ب) والله أعلم. ساقط من (هـ) و (ص) و (ت): وأضفناه من (ك).

(1)

هو أبو جعفر عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنهما أحد الأجواد، ولد بأرض الحبشة وهو أول من ولد بها من المسلمين. وله صحبة، مات سنة ثمانين، وهو ابن ثمانين. الإِصابة 2/ 289؛ الاستيعاب 2/ 275.

(2)

هو الصحابي الشهير أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي، الأمير أبو محمد وأبو زيد، مات سنة أربع وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين بالمدينة. الإِصابة 1/ 31؛ التقريب 1/ 53.

(3)

هو الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، واسم اليمان حسيل مصغرًا، ويقال: حسل بكسر ثم سكون، العبسي بالموحدة، حليف الأنصار، من السابقين، صح في مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة، وأبوه صحابي، استشهد بأحد، ومات حذيفة في أول خلافة على سنة ست وثلاثين. الإِصابة 1/ 317؛ وصحيح مسلم مع النووي 18/ 16؛ كتاب الفتن.

(4)

انظر: التقريب 2/ 136؛ المقنع 1/ 286؛ فتح المغيث 2/ 300 وقال: وكذا يقع في الأصول القديمة حتى في أحمد وأبي داود عن علي: عليه السلام تاركًا لذلك في أبي بكر وغيره ممن هو أفضل منه بل يقع ذلك في فاطمة الزهراء أيضًا، وعندي توقف في المقتضى للتخصيص بذلك مع احتمال وقوعه ممن بعد المصنفين، ولكنه بعيد انتهى.

ص: 508

بما هو أهله (1)، فقد فعل ذلك غير واحد من السلف (2) والعلماء، وأهم من ذلك الدعاء (3) له فليعتن به، ولا بأس (4) بذكر من يروي عنه بما يعرف به

(1) انظر: الجامع 2/ 81، وفيه: وإن لم يكن الشيخ مشهورًا زكاه الراوي إن كان عدلًا عنده. فيقول: نا فلان - وكان ثقة.

وانظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التقريب 2/ 136؛ المقنع 1/ 286.

(2)

كقول أبي هريرة رضي الله عنه: سمعت خليلي الصادق المصدوق، وكقول عطاء: حدثني البحر، يريد ابن عباس، وكقول مسروق: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة، يريد عائشة، وقول وكيع: حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث، في أشباه لهذا كثيرة.

انظر: الجامع 2/ 85 - 87؛ التبصرة والتذكرة 2/ 216؛ المقنع 1/ 286؛ فتح المغيث 2/ 301، وقال: وليحذر من التجاوز إلى ما لا يستحقه الشيخ كأن يصفه بالحفظ وهو غير حافظ لما يترتب على ذلك من الضرر انتهى.

(3)

أدب الإِملاء، ص 54.

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 219؛ التقريب 2/ 136؛ المقنع 1/ 286؛ وفتح المغيث 2/ 301، وفيه: إذ هم آباءهم في الدين ووصلة بينه وبين رب العالمين وهو مأمور بالدعاء لهم، وبرهم وذكر مآثرهم والثناء عليهم، وشكرهم، وقد قال ابن راهوية: قل ليلة إلا وأنا أدعو فيها لمن كتب عنا ولمن كتبنا عنه انتهى.

(4)

أي إلا ما يكرهه، إذا وجد الراوي طريقًا إلى العدول عن ذلك الوصف كمن يعرف بغير ذلك أيضًا، أما حيث لم يعرف إلا بذلك الوصف، فلا بأس وبه صرح الإِمام أحمد، ذكره السخاوي.

انظر: فتح المغيث 2/ 204.

وانظر أيضًا: الجامع 2/ 74 - 79؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 218، قال السخاوي: كذا من علم كراهته تواضعًا لما يتضمن من التزكية فالأولى تجنبه، كما نقل عن النووي أنه قال: لست أجعل في حل من لقبني محي الدين؛ فتح المغيث 2/ 303. والاهتمام (2/ ب).

ص: 509

من لقب (1) أو حرفة (1) أو أم (1) أو وصف في بدنه (1).

فصل: ويستحب أن يجمع في إملائه رواية جماعة من شيوخه مقدمًا أرجحهم ويملي عن كل شيخ حديثًا، ويختار ما علا سنده وقصر (2) متنه ويتحرى المستفاد منه وبينه على ما فيه من علو وفائدة وضبط مشكل (3)، وليتجنب ما لا تحمله عقول الحاضرين وما يخاف عليهم من الوهم في فهمه (4)، ويختم الإِملاء بشيء من الحكايات والنوادر والإِنشادات

(1) كغندر ولوين ومشكدانه وعارم وسعدوية وصاعقة ومطيّن ونفطوية. وكالخيّاط والحذاء وكابن علية وابن بحينة وابن البرصاء وابن أم مكتوم وابن عفراء وكالطويل والأزرق والأشقر والأصفر والأعور والأعرج والمقعد والأشل.

انظر: الجامع 2/ 74 - 81؛ التبصرة والتذكرة 2/ 218؛ فتح المغيث 2/ 302؛ التدريب 2/ 137.

(2)

انظر: الجامع 2/ 87 - 88؛ أدب الإِملاء، ص 54؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 221؛ التقريب 2/ 137؛ الاقتراح، ص 278؛ التبصرة والتذكرة 2/ 219؛ فتح المغيث 2/ 305.

(3)

انظر: الجامع 2/ 111، 120؛ أدب الإِملاء، ص 61؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 221؛ التبصرة والتذكرة 2/ 219؛ المقنع 1/ 287.

(4)

وكذلك التشبيه والتجسيم، وإثبات الجوارح والأعضاء، وإن كانت الأحاديث في نفسها، صحاحًا، إلا أن من حقها أن لا تروي إلا لأهلها، خوفًا من أن يضل بها من جهل معانيها، فيحملها على ظاهرها، أو يستنكرها فيردها ويكذب رواتها ونقلتها. فقد قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذَّبَ اللهُ ورسولُه، رواه البخاري معلقًا، ثم أسنده.

انظر: صحيح البخاري 1/ 225، (ح رقم 127)؛ الجامع 2/ 107 - 108؛ أدب الإِملاء، ص 59؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 221؛ الاقتراح، ص 279؛ فتح المغيث 2/ 306؛ التدريب 2/ 138.

ص: 510

بأسانيدها (1)، وذلك حسن، لا سيما ما كان في الزهد والآداب (2)، وإذا قصر المحدث أو اشتغل عن تخريج ما يمليه، فاستعان ببعض الحفاظ فخرج له فلا بأس. قال (3) الخطيب: كان جماعة من شيوخنا (4) يفعلونه، فإذا فرغ قابل ما أملاه وأتقنه (5) والله أعلم.

(1) واستدل له الخطيب بما رواه عن علي رضي الله عنه قال: روحوا القلوب وابتغوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان. ورواه السمعاني أيضًا.

انظر: الجامع 2/ 129؛ أدب الإِملاء، ص 68؛ الاقتراح، ص 279؛ التبصرة والتذكرة 2/ 222؛ فتح المغيث 2/ 308؛ التدريب 2/ 138.

(2)

قاله المصنف.

انظر: التقريب 2/ 138؛ والمقنع 1/ 287.

(3)

لقول الخطيب،

انظر: الجامع 2/ 88؛ التقريب 2/ 138؛ التبصرة والتذكرة 2/ 222.

(4)

هم أبو الحسين بن بشران والقاضي أبو عمر الهاشمي وأبو القاسم السراج وصاعد بن محمد الاستوائي، كانوا يستعينون بمن يخرج لهم الإِملاء، الجامع 2/ 88؛ فتح المغيث 2/ 309.

(5)

انظر: الجامع 2/ 133؛ أدب الإِملاء، ص 77؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 221؛ التبصرة والتذكرة 2/ 223؛ فتح المغيث 2/، وقال: فإن المقابلة بعد الكتابة واجبة كما تقدم في بابها حكاية عن الخطيب وغيره، إذ لا فرق، وحينئذ فيأتي القول بجواز الرواية من الفرع غير المقابل للشروط المتقدمة انتهى.

ص: 511

النوع الثامن والعشرون: معرفة آداب طالب الحديث

قد تقدم جمل من هذا النوع فيما قبله مفرقة، وأول ما عليه تصحيح النية وتحقيق الإِخلاص والحذر من قصد التوصل به إلى شيء من أغراض الدنيا (1) ويسأل الله تعالى التيسير والتوفيق. ويأخذ نفسه بالأخلاق الجميلة والآداب المرضية (2). عن سفيان الثوري قال: ما أعلم عملًا أفضل من طلب (أ) الحديث لمن أراد الله به (3). وعن ابن المبارك نحوه (4).

فصل: وفي السن الذي يبتدي فيه بسماع الحديث وكتبه كلام

(أ) في (ك): طالب الحديث. وهو خطأ.

(1)

انظر: الجامع 1/ 81 - 83؛ جامع بيان العلم 1/ 190؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 222؛ الاقتراح، ص 280؛ التبصرة والتذكرة 2/ 224؛ فتح المغيث 2/ 312؛ التدريب 2/ 140.

(2)

فقد قال أبو عاصم النبيل: من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدين، فيجب أن يكون خير الناس.

انظر: الجامع 1/ 78، 92؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 222؛ الاقتراح، ص 280؛ المقنع 1/ 288؛ التدريب 2/ 141.

(3)

لم أجده بهذا السياق، وورد في الجامع بلفظ: ما من شيء أخوف عندي منه - يعني الحديث - وما من شيء يعد له لمن أراد الله به. وورد في جامع بيان العلم بلفظ: ما يراد عز وجل بشيء أفضل من طلب العلم.

انظر: الجامع 1/ 83؛ وجامع بيان العلم 1/ 56.

(4)

انظر: جامع بيان العلم 1/ 54؛ والجامع 1/ 88؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 222.

ص: 512

تقدم (1)، فإذا أخذ، فليشمر (1) ويغتنم مدة (2) إمكانه ويبدأ بالسماع من أسند شيوخ عصره وأرجحهم علمًا وشهرة ودينًا وغير ذلك (3). وإذا فرغ من سماع المهمات ببلده فليرحل (4) في الطلب. قال إبراهيم (5) بن أدهم رضي الله عنه: إن الله تعالى يرفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب

(أ) في (ك) و (هـ): فليشمره.

(1)

أي في أول النوع الرابع والعشرين.

(2)

قال الخطيب: إذا عزم الله تعالى لامرئ على سماع الحديث وحضرته نية في الاشتغال به فينبغي أن يقدم المسألة لله أن يوفقه فيه ويعينه عليه، ثم يبادر إلى السماع ويحرص على ذلك من غير توقف، ولا تأخير، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.

انظر: الجامع 1/ 115؛ وصحيح مسلم 4/ 252 (ح رقم 34)؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 222؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 224؛ التدريب 2/ 141.

(3)

قاله الخطيب في الجامع 1/ 116، 126 - 127؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 222؛ والتقريب 2/ 142؛ التبصرة والتذكرة 2/ 224.

(4)

أي لا يرحل قبل ذلك. قال الخطيب: إذا عزم الطالب على الرحلة فينبغي له أن لا يترك في بلده من الرواة أحدًا، إلا ويكتب عنه ما تيسر من الأحاديث، وإن قلت، قال: لأن المقصود من الرحلة أمران، أحدهما: تحصيل علو الإِسناد وقدم السماع. والثاني: لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم والاستفادة منهم، فإذا كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره، فلا فائدة في الرحلة، أو موجودين في كل منهما، فليحصل حديث بلده ثم يرحل.

انظر: الجامع 1/ 223 - 224؛ ابن الصلاح، ص 222؛ التبصرة والتذكرة 2/ 225؛ التدريب 2/ 142.

(5)

هو السيد الجليل والزاهد النبيل، أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم البلخي يقال: انه بلغ رتبة الاجتهاد، توفي سنة اثنتين وستين ومائة. شذرات الذهب 1/ 255؛ حلية الأولياء 7/ 367.

ص: 513

الحديث (1). والرحلة عادة الحفاظ المبرزين (2). ولا يحملنه الشره على التساهل في السماع والتحمل، فيخل بشيء (3) من شروطه.

وينبغي أن يستعمل ما يسمعه (أ) من الأحاديث (ب) في الصلاة والأذكار والصيام والآداب وساير الطاعات فذلك زكاة الحديث (4)، كما قاله العبد الصالح بشر (5) الحافي رضي الله عنه (6).

(أ) في (ت) سمعه.

(ب) في (هـ): الحديث.

(1)

انظر: قوله مسندًا في الرحلة في طلب الحديث، ص 90؛ وشرف أصحاب الحديث، ص 59؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 223.

(2)

والقول الذي حكاه الرامهرمزي عن بعض الناس في عدم جوازها شاذ مهجور.

انظر: المحدث الفاصل، ص 216، 234؛ فتح المغيث 2/ 215.

(3)

قال الخطيب: فإن شهوة السماع لا تنتهي، والنهمة من الطلب لا تنقضي والعلم كالبحار المتعذر كيلها والمعادن التي لا ينقطع نيلها، فلا ينبغي له أن يشتغل في الغربة إلا بما يستحق لأجله الرحلة.

انظر: الجامع 2/ 245؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 223؛ التبصرة والتذكرة 2/ 226؛ التدريب 2/ 144.

(4)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 223؛ التقريب 2/ 144؛ الاقتراح، ص 281؛ التبصرة والتذكرة 2/ 227.

(5)

هو العبد الصالح أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي المعروف بالحافي، كان من كبار الصالحين وأعيان الأتقياء المتورعين، توفي سنة ست وعشرين ومائتين. تاريخ بغداد 7/ 67؛ وفيات الأعيان 1/ 274.

(6)

انظر: قول الحافي في الجامع 1/ 144؛ وأدب الإِملاء، ص 110؛ وتاريخ بغداد 7/ 69؛ ووفيات الأعيان 1/ 275؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 223.

ص: 514

وقال وكيع رحمه الله: إذا أردت حفظ الحديث (أ) فاعمل به (1).

فصل: وينبغي أن يعظم (2) شيخه ومن يسمع منه، فذلك من إجلال العلم، وبه يفتح على الإِنسان (3) وينبغي أن يعتقد جلالة شيخه ورجحانه، ويتحرى رضاه، فذلك أعظم الطرق إلى الانتفاع به (4). ولا يطول عليه بحيث يضجره، فإنه يخاف على فاعل ذلك الحرمان (5)، وقد قال الزهري: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب (6). وينبغي أن

(أ) في (ت): علم الحديث وفي باقي النسخ كما أثبتناه وكذا في مقدمة ابن الصلاح.

(1)

لم أجد هذا القول مرويًا عن وكيع، وإنّما وجدته مرويًا عنه عن شيخه إبراهيم بن إسماعيل قال: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.

انظر: الجامع 2/ 259. وهو مروي أيضًا عن الشعبي. وقال سفيان الثوري: يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.

انظر: جامع بيان العلم 2/ 10 - 11.

(2)

قال المغيرة: كنا نهاب إبراهيم كما يهاب الأمير. وعن أيوب قال: كان الرجل يجلس إلى الحسن ثلاث سنين فلا يسأله عن شيء هيبة له.

انظر: الجامع 1/ 184.

(3)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 224؛ التقريب 2/ 145؛ التبصرة والتذكرة 2/ 228؛ المقنع 1/ 290؛ فتح المغيث 2/ 320.

(4)

الجامع 1/ 191؛ التقريب 2/ 145؛ المقنع 1/ 290.

(5)

قال الخطيب: إذا أجاب الطالب إلى مسألته وحدثه، فيجب أن يأخذ منه العفو ولا يضجره، فإن الاضجار يغير الأفهام ويفسد الأخلاق ويحيل الطباع.

وانظر: الجامع 1/ 214، 218؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 224؛ التبصرة والتذكرة 2/ 229؛ التدريب 2/ 146.

(6)

انظر: قول الزهري بهذا اللفظ في الجامع 2/ 128؛ وأدب الإِملاء، ص 68؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 224.

ص: 515

يستشير شيخه في أموره وما يشتغل فيه (أ) وكيفية اشتغاله (ب)، فهو أحرى (1) بانتفاعه.

فصل: وينبغي لمن ظفر من الطلبة بسماع شيخ أن يعلم (2) به من يرغب (3) في ذلك، فإن من كتمه يخاف عليه الخذلان، وذلك من اللوم الذي يقع فيه جهلة الطلبة، ويظنون بذلك أنهم يحصلون ما لا (ج) يحصل غيرهم وذلك جهل (4)، فإنه يخاف ذهاب (5) ما معهم بسببه ومن بركة الحديث إفادة بعضهم بعضًا (6). وبانفاق العلم ونشره (7) ينمى.

(أ) وفي (ص) و (هـ). "به" مكان "فيه".

(ب) وفي (هـ): استعماله.

(ج) وفي (هـ): بحذف: لا.

(1)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 224؛ التقريب 2/ 146؛ المقنع 1/ 290؛ الخلاصة، ص 146؛ الاقتراح، ص 281؛ فتح المغيث 2/ 321.

(2)

الجامع 2/ 145؛ التقريب 2/ 146.

(3)

قال الخطيب: وينبغي لمن أفيد حديثًا عن شيخ أن يذكر في حال روايته ذلك الحديث، أن فلانًا أفاده إياه. انتهى. الجامع 2/ 153.

وانظر: الألماع، ص 226 أيضًا.

(4)

انظر: الجامع 2/ 154؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 224؛ التقريب 2/ 146؛ التبصرة والتذكرة 2/ 230؛ فتح المغيث 2/ 323.

(5)

قال سفيان الثوري: يا معشر الشباب، تعجلوا بركة هذا العلم، فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبلغون ما تؤملون منه، ليفد بعضكم بعضًا. الجامع 2/ 150؛ فتح المغيث 2/ 323.

(6)

هذا مروي عن الإِمام مالك وابن المبارك ويحيى بن معين.

انظر: الجامع 2/ 150؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 224؛ فتح المغيث 2/ 323؛ التدريب 2/ 146.

(7)

التقريب 2/ 146؛ فتح المغيث 2/ 323.

ص: 516

فصل: وليحذر من أن يمنعه الحياء والكبر من السعي التام في التحصيل وأخذ العلم ممن هو دونه في السن أو النسب أو غير ذلك (1). عن مجاهد قال: لا يتعلم (أ) مستحي ولا مستكبر (2).

وعن عمر بن الخطاب وابنه (ب) رضي الله عنهما: من رق وجهه رق علمه (3) وعن وكيع وغيره: لا ينبل الرجل حتى يكتب عمن فوقه ومثله ودونه (4). وينبغي أن يصبر على جفاء شيخه إياه (5).

(أ) وفي (هـ) بزيادة: العلم.

(ب) وفي (ك): بحذف ابنه.

(1)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 224؛ التقريب 2/ 147؛ المقنع 1/ 290؛ فتح المغيث 2/ 322.

(2)

ذكره البخاري تعليقًا في باب الحياء في العلم 1/ 228؛ وعياض في الالماع، ص 53؛ والسخاوي في المقاصد الحسنة، ص 469؛ وفتح المغيث 2/ 322. وقال: ولا ينافي ذلك كون الحياء من الإِيمان، لأن ذلك هو الشرعي الذي يقع على وجه الإِجلال والاحترام للأكابر، وهو محمود، والذي هنا ليس بشرعي، بل هو سبب لترك أمر شرعي فهو مذموم. انتهى.

(3)

انظر: فتح المغيث 2/ 322، وقال: ويفسره قول بعضهم: من رق وجهه عند السؤال رق علمه عند الرجال، ومنه قول علي رضي الله عنه: قرنت الهيبة بالخيبة. وعن الأصمعي قال: من لم يحمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدًا انتهى.

وانظر: هذه الأقوال كلها في جامع بيان العلم، باب حمد السؤال والإِلحاح في طلب العلم 1/ 51؛ والتدريب 2/ 147.

(4)

انظر: الجامع 2/ 216؛ من طريق عثمان بن أبي شيبة وعلي بن خشرم كلاهما عن وكيع، بلفظ: لا يكون الرجل عالمًا

الخ. وهو مروي عن سفيان بن عيينة أيضًا، وكان ابن المبارك يكتب عمن دونه، فيقال له: كم تكتب فيقول: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع إلي.

انظر: الجامع 2/ 218 - 219؛ وفتح المغيث 2/ 325؛ التدريب 2/ 147.

(5)

انظر: التقريب 2/ 148؛ الخلاصة، ص 146؛ المقنع 1/ 291.

ص: 517

فصل: وينبغي أن يعتني بالمهم، وليس بموفق من ضيع شيئًا من وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها (1). وليكتب وليسمع ما يقع (أ) إليه من كتاب أو جزء على التمام ولا ينتخب (2)، فإن ضاق به (3)، الحال (ب) عن الاستيعاب واحتاج إلى الانتخاب تولى ذلك بنفسه إن كان مميزًا عارفًا بما (ج) يصلح للانتقاء (4). وإن قصر عن ذلك استعان

(أ) وفي (ص)، و (هـ):"وقع" بصيغة الماضي.

(ب) وفي (هـ): ضاق الوقت.

(ج) وفي (ت) كلمة "بما" ساقطة.

(1)

قال الثوري: سمعت أبا عبيدة يقول: من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم.

انظر: الجامع 2/ 160؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 225؛ التقريب 2/ 148؛ التبصرة والتذكرة 2/ 232؛ فتح المغيث 2/ 326؛ وقال: إلا أن يكون قصد المحدث تكثير طرق الحديث وجمع أطرافه فتكثر شيوخه لذلك فلا بأس به انتهى.

قلت: روى الخطيب بسنده عن يحيى بن معين يقول: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهًا ما عقلنا.

انظر: الجامع 2/ 212.

(2)

قال ابن المبارك: ما جاء من منتق - يعني منتقى الحديث - خير قط.

انظر: الجامع 2/ 187؛ والإِلماع، ص 218؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 225؛ التقريب 2/ 149؛ التبصرة والتذكرة 2/ 233؛ فتح المغيث 2/ 328.

(3)

أي لعسر الشيخ أو لكون الطالب واردًا غير مقيم فلا يتسع الوقت له أو لضيق يد الطالب، وكذا إن اتسع مسموعه بحيث يكون كتابة الكتب أو الأجزاء كاملة كالتكرار.

انظر: فتح المغيث 2/ 329؛ والجامع 2/ 155؛ مقدمة.

(4)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 22؛ التقريب 2/ 149؛ التبصرة والتذكرة 2/ 233؛ المقنع 2/ 291؛ وقال الخطيب: وأما من لم يتميز للطالب معاد حديثه من غيره، وما يشارك في روايته مما يتفرد به، فالأولى أن يكتب حديثه على الاستيعاب دون الانتقاء والانتخاب.

انظر: الجامع 2/ 156.

ص: 518

ببعض الحفاظ (1). وإذا سمع من أصل الشيخ انتخابًا فله الخيار في كيفية تعليم المسموع بحمرة أو غيرها (2) والله أعلم.

فصل: ولا ينبغي لطالب الحديث أن يقتصر على سماعه وكتبه دون معرفته وفهمه فيضيع عمره (3)، ولم يصر في عداد أهل الحديث ولا في حزب العلماء فيتعرف فقه الحديث ومعانيه ولغته وإعرابه (أ) وأسماء رجاله وصحيحه وضعيفه محققًا كل ذلك (4)، فمن اعتنى بهذا رجى له في مدة

(أ) وفي (ص) و (هـ): كلمة "وإعرابه" ساقطة.

(1)

قاله الخطيب وروى بسنده قال: اجتمع جماعة من مشايخ الإِسلام واجتمع من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن إبراهيم مربع وأبو الآذان ومشيخة غيرهم، فتشاوروا من ينتقي لهم على الشيوخ، فاجمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي، وكتبوا كلهم بانتخابه.

انظر: الجامع 2/ 156؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 225؛ التقريب 2/ 149؛ التبصرة والتذكرة 2/ 234؛ المقنع 1/ 291؛ فتح المغيث 2/ 329؛ الخلاصة، ص 146.

(2)

انظر: الجامع 2/ 159؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 226؛ التبصرة والتذكرة 2/ 235؛ المقنع 1/ 291؛ فتح المغيث 2/ 330؛ التدريب 2/ 149.

(3)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 226، وقال أبو عاصم النبيل: الرئاسة في الحديث بلا دراية رئاسة نذلة. أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل، ص 253؛ وبسنده الخطيب في الجامع 2/ 181؛ التبصرة والتذكرة 2/ 237.

(4)

انظر: التقريب 2/ 50؛ المقنع 1/ 291؛ الخلاصة، ص 146.

وقال الخطيب: ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث وتخليده الصحف دون التمييز بمعرفة صحيحه من فاسده، والوقوف على اختلاف وجوهه والتصرف في أنواع علومه، إلا تلقيب المعتزلة القدرية، من سلك تلك الطريقة بالحشوية، لوجب على الطالب الأنفة لنفسه، ودفع ذلك عنه وعن أبناء جنسه.

انظر: الجامع 2/ 180؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 237؛ فتح المغيث 2/ 330.

ص: 519

قريبة مشاركة أهله (1). وينبغي (أ) أن يقدم العناية بالصحيحين (2) ثم سنن أبي داود (3) والترمذي (4) والنسائي (5) ضبطًا لمشكلها وفهمًا (ب) لخفي معانيها (ج)(6). وليحرص على السنن الكبير (د) للحافظ أبي بكر

(أ) وفي (هـ): "ينبغي له".

(ب) وفي (هـ): "فهمها".

(ج) وفي (هـ): كلمة معانيها ساقطة.

(د) وفي (ص): الكثير، بدل الكبير.

(1)

قال الخطيب: إذا تميز الطالب بفهم الحديث ومعرفته، تعجل بركة ذلك في شبيبته.

انظر: الجامع 2/ 181؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 181.

(2)

قاله الخطيب: وابن الصلاح. وقال السخاوي: وقدم منهما البخاري لشدة اعتناءه باستنباط الأحكام التي هي المقصد الأعظم مع تقدمه ورجحانه، إلا إن دعت ضرورة، كأن يكون الراوي لصحيح مسلم انفرد به ويخشى فوته، ورواة البخاري فيهم كثرة.

انظر: الجامع 2/ 185؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 226؛ فتح المغيث 2/ 332.

(3)

أي لكثرة ما اشتمل عليه من أحاديث الأحكام، قاله السخاوي.

انظر: فتح المغيث 2/ 332.

(4)

أي لشدة اعتناءه بالإِشارة في الباب من الأحاديث، وبيانه لحكم ما يورد من صحة وحسن وغيرهما، قاله السخاوي.

انظر: فتح المغيث 2/ 333.

(5)

أي لتتمرن في كيفية المشي في العلل.

انظر: فتح المغيث 2/ 333.

(6)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 227؛ التقريب 2/ 150؛ المقنع 1/ 292؛ فتح المغيث 2/ 333.

ص: 520

البيهقي (1)، فإنه لم يصنف مثله (2)، ثم بسائر ما تمس (أ) الحاجة إليه. ومن المساند، مسند أحمد (3) بن حنبل وغيره (ب)(ومن كتب علل الحديث ومن أجودها كتاب العلل لأحمد بن حنبل)(ج). وكتاب العلل (4) للدارقطني ومن

(أ) وفي (ص): "تمس إليه الحاجة".

(ب) وفي (ك): كلمة: "و" غيره. ساقطة.

(ج) وفي (ك) و (ت) ما بين المعقوفين ساقط. وموجود في باقي النسخ ومقدمة ابن الصلاح.

(1)

لاستيعابه لأكثر أحاديث الأحكام.

(2)

قاله ابن الصلاح في المقدمة، ص 227.

وانظر: التقريب 2/ 150، ولذا كان حقه التقديم على سائر كتب السنن، ولكن قدمت تلك لتقدم مصنفيها في الوفاة ومزيد جلالتهم، قاله السخاوي في فتح المغيث 2/ 333.

(3)

نقل ابن حجر عن ابن تيمية أنه قال: اعتبرت مسند أحمد فوجدته موافقًا لشرط أبي داود. انتهى. قلت: بل إن ابن تيمية يرى أن شرط أحمد أجود من شرط أبي داود.

انظر: النكت 1/ 438، مطبوع المجلس العلمي للجامعة الإِسلامية والتوسل والوسيلة، ص 82، طبعة دار العروبة، وتعليق الدكتور ربيع على النكت في الموضع المذكور.

(4)

قال السخاوي: هو على المسانيد مع أنه أجمع كتب العلل، وليس من جمعه بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني لأنه كان يسأله عن علل الأحاديث فيجيبه عنها بما يقيده عنه بالكتابة، فلما مات الدارقطني جمعها في تأليف انتهى مختصرًا. فتح المغيث 2/ 334.

وقد أثنى العلماء على هذا الكتاب كثيرًا، وهو مخطوط وقد أخذ الأخ الدكتور محفوظ الرحمن زين الله الهندي جزءًا منه لنيل شهادة الدكتوراه وبلغ بتحقيقه إلى أربع مجلدات ضخام يسر الله إتمامه.

وتوجد له نسخ فى العالم منها في دار الكتب المصرية بالقاهرة برقم 394، و 22032 ب، وفي مكتبة خدابخش برقم 549 و 550 و 551؛ وفي المكتبة =

ص: 521

معرفة الرجال ومن أفضلها تاريخ (1) البخاري والجرح والتعديل (2) لابن أبي حاتم، ومن كتب ضبط المشكل وأجودها، كتاب الإِكمال (3) لابن (4) ماكولا. وليكن كلما مر به اسم أو لفظة مشكلة، بحث عنها فأتقنها ثم حفظها بقلبه وكتبها (5). وليتحفظ الحديث على التدريج قليلًا قليلًا (6).

= السعيدية بحيدر آباد برقم 76 و 77 وفي المكتبة الشرقية الآصفية بحيدر آباد برقم 114 و 115؛ وفي مكتبة تونك براجستان برقم 324.

انظر: للتفصيل مقدمة البحث المذكور، ص 52، 53 و 119 - 131.

(1)

فإنه كما قال الخطيب: يربى على هذه الكتب كلها، ثم أسند عن أبي العباس بن سعيد بن عقدة، يقول: لو أن رجلًا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن كتاب تاريخ محمد بن إسماعيل البخاري.

انظر: الجامع 2/ 187؛ وفتح المغيث 2/ 336.

(2)

قال السخاوي: اقتفى فيه أثر البخاري كما حكاه الحاكم أبو عبد الله في ترجمة شيخه الحاكم أبي أحمد من تاريخ نيسابور وقد أطال في ذلك.

انظر: فتح المغيث 2/ 336.

(3)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 227؛ التقريب 2/ 151؛ التبصرة والتذكرة 2/ 241.

(4)

هو الأمير الكبير الحافظ البارع أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن ماكولا العجلي الجرباذقابي ثم البغدادي مصنف الإِكمال وغير ذلك، قتل في سنة خمس وسبعين أو سبع وثمانين وأربعمائة.

انظر: وفيات الأعيان 3/ 305؛ تذكرة الحفاظ 4/ 201؛ مقدمة مصحح الإِكمال، ص 18.

(5)

قال ابن الصلاح: فإنه يجتمع له بذلك علم كثير في يسر. مقدمة ابن الصلاح، ص 227.

(6)

روى الخطيب عن ابن علية: كنت أسمع من أيوب خمسة ولو حدثني بأكثر من ذلك ما أردت. وعن معمر يقول: من طلب الحديث جملة ذهب منه جملة، إنما كنا نطلب حديثًا أو حديثين. ونحوه عن الزهري. وعن شعبة يقول: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين، فيحدثني ثم يقول: أزيدك، فأقول: لا. حتى أحفظهما وأتقنهما.

انظر: الجامع 1/ 231 - 232؛ والإِلماع، ص 220؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 227؛ فتح المغيث 2/ 227.

ص: 522

وليكن الإِتقان (1) من شأنه. وليذاكر بمحفوظه فإن المذاكرة من أقوى أسباب الإِمتاع به (2).

فصل: وليشتغل بالتخريج (أ)(3) والتصنيف (4) إذا استعد لذلك وتأهل له فإنه كما قال الخطيب: يثبت الحفظ ويزكي القلب ويشحذ الطبع ويكشف الملتبس ويجيد البيان (ب) ويحصل جميل الذكر ويخلده إلى

(أ) وفي (ك): "بالتدريج".

(ب) وفي (هـ): كلمة "البيان" ساقطة.

(1)

قال عبد الرحمن بن مهدي: لا يكون إمامًا في العلم من روى عن كل أحد، والحفظ الإِتقان. رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل، ص 206.

وانظر: الإِلماع، ص 215؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 227؛ فتح المغيث 2/ 338.

(2)

روى الخطيب عن أبي سعيد الخدري مسندًا، قال: تحدثوا وتذاكروا، فإن الحديث يذكر بعضه بعضًا. وأخرجه الرامهرمزي وابن عبد البر بمعناه وفي مقدمة الفتح: قيل للإِمام البخاري: هل من دواء للحفظ، فقال: لا أعلم شيئًا أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر.

وانظر: الجامع 1/ 237، و 2/ 267؛ والمحدث الفاصل، ص 545؛ وجامع بيان العلم 1/ 101، 111؛ ومقدمة فتح الباري، ص 487.

(3)

التخريج: هو إخراج المحدث الأحاديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه أو بعض شيوخه أو أقرانه أو نحو ذلك، والكلام عليها وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين مع بيان البدل والموافقة ونحوهما، وقد يتوسع في إطلاقه على مجرد الإِخراج، قاله السخاوي في فتح المغيث 3/ 338.

(4)

التصنيف: هو جعل كل صنف على حدة. والتأليف أعم من التخريج والتصنيف إذ التأليف مطلق الضم.

انظر: فتح المغيث 2/ 338.

وانظر: ج 1 الصفحات الأولية.

ص: 523

آخر الدهر، وقل من يمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه ويستبين الخفي من فوايده إلا من فعل ذلك (1).

وللعلماء في تصنيف الحديث طريقان، أجودهما: تصنيفه على الأبواب وتخريجه على مسائل الفقه، فيذكر في (أ) كل باب ما حضره فيه (2). والطريق الثاني: تصنيفه على المساند فيجمع في مسند (ب) كل صحابي جميع (ج) ما عنده من حديثه صحيحه وضعيفه، وعلى هذا له أن يرتبهم على حروف المعجم في أسمائهم (3)، وله أن يرتبهم على القبائل، فيبدأ ببني هاشم، ثم بالأقرب فالأقرب نسبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (4). وله أن يرتبهم على السوابق (5)، فيبدأ بالعشرة، ثم بأهل

(أ) وفي (هـ): فيذكر كل كتاب.

(ب) وفي (ص): في كل مسند.

(ج) لفظ: جميع. ساقط من (ص) و (هـ).

(1)

انظر: لقول الخطيب الجامع 2/ 280؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 228؛ والتبصرة والتذكرة 2/ 243؛ وفتح المغيث 2/ 338؛ والتدريب 2/ 153.

(2)

انظر: الجامع 2/ 284، وقال: ويميز ما يدخل في كتاب الجهاد عما يتعلق بالصيام وغير ذلك ويفرد لكل نوع كتابًا ويبوب في تضاعيفه أبوابًا. وقال السيوطي: والأولى أن يقتصر على ما صح أو حسن، فإن جمع الجميع فليبين علة الضعيف. انظر: التدريب 2/ 154؛ وفتح المغيث 2/ 345؛ والمدخل إلى الإِكليل، ص 8.

(3)

أى فيبدأ بأبي بن كعب وأسامة بن زيد ومن يليهما.

(4)

انظر: الجامع 2/ 292، قال ابن الصلاح: هذا أسهل. مقدمة ابن الصلاح، ص 229؛ فتح المغيث 2/ 341.

انظر: الجامع 2/ 292؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 228؛ التقريب 2/ 54؛ التبصرة والتذكرة 2/ 244؛ فتح المغيث 2/ 341.

(5)

قال الخطيب: وهذه الطريقة أحب إلينا في تخريج المسند.

انظر: الجامع 2/ 292؛ ومقدمة ابن الصلاح، ص 229؛ وفتح المغيث 2/ 241.

ص: 524

بدر (1) ثم أهل (أ) الحديبية (2) ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية، وفتح مكة، ويختم بأصاغر الصحابة كأبي (3) الطفيل ونظايره (4) ثم بالنساء يبدأ منهن بأمهات المؤمنين (5)، ومن أحسن التصنيف تصنيفه معللًا (6)، بأن يجمع في كل

(أ) في (ص) و (هـ): بأهل الحديبية.

(1)

بدر: بالفتح ثم السكون، ماء مشهور بين مكة والمدينة كانت بها الواقعة المشهورة التي أظهر الله بها الإِسلام وفرق بين الحق والباطل في شهر رمضان سنة اثنتين للهجرة، وبين بدر والمدينة سبعة برد.

انظر: معجم البلدان 1/ 357 - 358.

(2)

الحديبية: بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة، وياء اختلفوا فيها، فمنهم من شددها ومنهم من خففها، وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، بينها وبين مكة مرحلة وبينها وبين المدينة تسع مراحل.

انظر: معجم البلدان 2/ 229.

(3)

هو أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي، وربما سمي عمرًا، ولد عام أحد، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي بكر فمن بعده، وعمر إلى أن مات سنة عشر ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة، قاله مسلم وغيره. انظر: الإِصابة 4/ 113؛ وبهامشه الاستيعاب 4/ 114.

(4)

كالسائب بن يزيد وأبي شيبة السوائي.

انظر: الجامع 2/ 293.

(5)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 229؛ التقريب 2/ 155؛ التبصرة والتذكرة 2/ 245؛ والمقنع 1/ 294؛ وفتح المغيث 2/ 341.

(6)

قال الخطيب: إن معرفة العلل أجل أنواع علم الحديث ثم أسند عن ابن مهدي يقول: لأن أعرف علة حديث، هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثًا ليس عندي.

انظر: الجامع 2/ 294 - 295.

ص: 525

حديث طرقه واختلاف الرواة (1)، كما فعل يعقوب بن شيبة في مسنده (2). ومما يعتنون به في التصنيف جمع الشيوخ، أي جمع حديث شيوخ مخصوصين كل واحد بانفراده كسفيان وشعبة ومالك وحماد (3) بن زيد وابن عيينة والأوزاعي وغيرهم (4)، ويجمعون التراجم، كمالك عن نافع عن

(1) انظر: الجامع 2/ 295؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 229؛ فتح المغيث 2/ 242؛ التدريب 2/ 155.

(2)

قال الأزهري: ولم يصنف يعقوب المسند كله، وسمعت الشيوخ يقولون لم يتم مسند معلل قط.

قال الخطيب: والذي ظهر منه مسند العشرة وابن مسعود وعمار ووعتبة بن غزوان والعباس وبعض الموالي، هذا الذي رأينا من مسنده حسب انتهى.

وقال الذهبي: بلغني أن مسند علي له خمس مجلدات، انتهى.

انظر: تاريخ بغداد 14/ 281؛ وتذكرة الحفاظ 2/ 577؛ وفتح المغيث 2/ 342؛ والتدريب 2/ 155.

قلت: قد طبعت أوراق منه بتحقيق سامي حداد ببيروت 1940 م.

(3)

هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه، قيل: إنه كان ضريرًا، ولعله طرأ عليه، لأنه صح عنه أنه كان يكتب من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومائة وله إحدى وثمانون سنة. التقريب 1/ 197؛ والخلاصة، ص 92.

(4)

روى الخطيب بسنده عن عثمان بن سعيد الدارمي، قال: يقال من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس في الحديث، ثم ذكر هؤلاء الناس عدا الأوزاعي.

قال السخاوي: وهذا غير جمع الراوي شيوخ نفسه، كالطبراني في معجمه الأوسط، المرتب على حروف المعجم في شيوخه، وكذا له المعجم الصغير لكنه غالبًا يقتصر على حديث في كل شيخ انتهى.

انظر: الجامع 2/ 297؛ فتح المغيث 2/ 344.

ص: 526

ابن عمر. وهشام (1) بن عروة عن أبيه عن عائشة وسهيل (2) عن أبيه (3) عن أبي هريرة (4)، ويجمعون الأبواب (5)، كباب رؤية (6) الله تعالى وباب رفع (6) اليدين في الصلاة، وباب (6) القراءة خلف الإِمام، وغيرها (7)، ثم ليحذر أن يخرج إلى الناس تصنيفه إلا بعد تهذيبه وتحريره وإعادة النظر فيه وتكريره (8).

(1) هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، ثقهَ فقيه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة خمس أو ست وأربعين ومائة وله سبع وثمانون سنة. التقريب 2/ 319؛ الخلاصة، ص 410.

(2)

هو سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان، أبو يزيد المدني، صدوق، تغير حفظه بآخره، روى له البخاري مقرونًا وتعليقًا، من السادسة مات في خلافة المنصور. التقريب 1/ 338؛ الخلاصة، ص 158.

(3)

أبوه هو ذكوان أبو صالح السمان الزيات، المدني، ثقة ثبت، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة. التقريب 1/ 238؛ الخلاصة، ص 112.

(4)

انظر: الجامع 2/ 299؛ مقدمة ابن الصلاح، ص 229؛ التقريب 2/ 155.

(5)

أي التي يفردونها عن الكتب الطوال المصنفة في الأحكام، قاله الخطيب:

انظر: الجامع 2/ 300؛ وفتح المغيث 2/ 343.

(6)

الأول منها أفرده الآجري والأخيران أفردهما الإِمام البخاري.

انظر: فتح المغيث 2/ 343؛ والتدريب 2/ 155.

(7)

قال الخطيب: ويجب أن يقدم من هذه الجموع كلها النية، ويبدأ بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. ثم أسند عن البخاري يقول: من أراد أن يصنف كتابًا، فليبدأ بحديث الأعمال بالنيات.

انظر: الجامع 2/ 300؛ وفتح المغيث 2/ 343.

(8)

أسند الخطيب عن هلال بن العلاء يقول: يستدل على عقل الرجل بعد موته بكتب صنفها وشعر قاله، وكتاب أنشأه.

وعن العتابي: قال: من صنع كتابًا فقد استشرف للمدح والذم، فإن أحسن فقد استهدف للحسد والغيبة، وإن أساء فقد تعرض للشتم واستقذف بكل لسان.

انظر: الجامع 2/ 283؛ وفتح المغيث 2/ 346.

ص: 527

وليحذر من تصنيف ما لم يتأهل له (1)، وينبغي أن يتحرى في تصنيفه العبارات الواضحة والاصطلاحات السهلة (2)، وهذا الكتاب أصل عظيم في معرفة هذا الفن فينبغي أن يقدم (3) والله أعلم.

(1) قال السخاوي: لأنه إما أن يتشاغل بما سبق به أو بما غيره أولى منه.

وأسند الخطيب عن علي بن المديني قال: إذا رأيت الحدث أول ما يكتب الحديث يجمع حديث الغسل، وحديث من كذب، فاكتب على قفاه: لا يفلح.

انظر: فتح المغيث 2/ 346؛ والجامع 2/ 301.

(2)

قاله المصنف: زيادة على ابن الصلاح.

انظر: التقريب 2/ 156؛ المقنع 1/ 296.

(3)

انظر: مقدمة ابن الصلاح، ص 230؛ التبصرة والتذكرة 2/ 238؛ فتح المغيث 2/ 332.

ص: 528