الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ
…
(55)}
المراد به نفي التحريم فقط، وقوله تعالى:(وَاتَّقِينَ اللَّهَ).
والتقوى فيكون عطف تأسيس لَا تأكيد، وقدم الآباء لأن حرمتهن آكد من حرمة الأبناء، وحرمة الأبناء آكد من حرمة الأخوة، بدليل أن آدم عليه السلام كان يزوج الأخ لأخته، والتي تزايدت قبله أو بعده من بطن آخر، ولم ينقل أن ابن تزوج أمه قط، فهو تدلي.
هكذا كان ابن عبد السلام يقرره، لأنه لَا يلزم من نفي الحرج عليهن في دخول من تحريمه عليهن أشد نفيه في دخوله من تحريمه أخف.
وأورد الفخر سؤالا، قال: خوطب أولا الرجال بقوله تعالى: (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)، ثم نفى الجناح عن النساء في دخول محارمهن عليهن، فهلا نفى الجناح عن الرجال، فيقال: لَا جناح على آبائهن ولا أبنائهن في الدخول إليهن.
وأجاب ابن عرفة: عنه بأنه اعتبر أولا حال الفاعل، وهنا حال المنفعل؛ لأن المنفعل قسمان: منه موصوف بالشدة، ومنه موصوف باللين، ونسوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من القسم الأول، بحيث لَا يتجاسر أحد محلهن إلا بإذن، فكان الدخول عليهن من فعلهن إذ لَا يتصور إلا بإذنهن، فالحرج فيه وعدمه مصروف لهن فلذلك نفى عنهن الجناح فيه.
قوله تعالى: (وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ).
ابن عرفة: العام في الأشخاص مطلق في الأزمنة والأحوال، فلذلك قال مالك رحمه الله في العبد: أنه لَا يرى [شعر*] سيدته إلا إذا كان وغدا.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
…
(56)}
قال ابن عرفة: لما تقدم التنبيه على تعظيم أزواجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أمر سائر الأمة بتعظيمهم، حيث نهوا أن يسألوهن إلا من وراء حجاب، وأن لا ينكحوهن من بعده، عقبه ببيان تعظيمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما هو أقوى من ذلك وأعظم، وهو صلاة الله عليه وملائكته، وقرر الفخر وجه المناسبة بغير هذا، وعلى الصلاة عليه بالوصف الأعم، وهو النبوة فيستلزم الصلاة عليه من حيث اتصافه بالأخص، وهو الرسالة من باب أحرى.
ابن عطية: وما ورد عن الخطيب القائل: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله"، وأجيب بوجوه منها:
قال ابن عرفة: قال [ابن هشام المصري*] على قراءة من قرأ (وَمَلائِكَتَهُ) بالرفع فهو محمول عند البصريين على الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، أي إن الله يصلي وملائكته يصلون، وليس عطفا على الموضع، و (يُصَلُّونَ) خبر عنهما لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد، والصلاة المذكورة بمعنى الاستغفار، والمحذوفة بمعنى الرحمة.
قال: والصواب عندي أن الصلاة لغة بمعنى واحد، وهو العطف ثم العطف بالنسبة إلى الله تعالى الرحمة، وإلى الملائكة الاستغفار، وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض، وأما قول الجماعة [فبعيد من*] جهات:
أحدها: الاقتضاء والاشتراك، والأصل عدمه.
الثانية: وَالثَّانِيَة أَنا لَا نَعْرِف فِي الْعَرَبيَّة فعلا [وَاحِدًا*] يخْتَلف مَعْنَاهُ باخْتلَاف الْمسند إِلَيْهِ إِذا كَانَ الْإِسْنَاد حَقِيقِيًّا.
[وَالثَّالِثَة*]: أَن الرَّحْمَة فعلهَا مُتَعَدٍّ وَالصَّلَاة فعلهَا قَاصِر وَلَا يحسن تَفْسِير الْقَاصِر بالمتعدي.
[وَالرَّابِعَة*]: أنه [لَو قيل*]: [مَكَان*][صلى عَلَيْهِ*] انعكس الْمَعْنى وَحقّ [المترادفين*] صِحَة حُلُول كل مِنْهُمَا مَحل الآخر.
قلت: ظاهر هذا أن الحذف من الأولى لدلالة الثاني عليه، وهو مذهب سيبويه، وأبطله أبو حيان في براءة.
وعادتهم يجيبون: بأن الآية في سياق الثبوت، وكلام ابن الخطيب في سياق النفي؛ لأن العصيان أمر سلبي، وهو عدم امتثال المأمورات، فيحتمل أن يكون الوعيد إنما هو لمن عصاهما من حيث الاجتماع، لَا من عصى أحدهما فقط؛ لأن المضمرات على المعروف كل لَا كلية بخلاف ما لو قال (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
وانظر قول عبد الوهاب في حد القياس: أنه حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما، وانتقاد النَّاس عليه أو يحتمل أن يجاب: بأن الواو للترتيب، فلذلك قال (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).