الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا: هذا لَا يفيده جوابا وترجيحا، وحقه أن يبطله بقولهم: إن الفعل تابع للفاعل في تذكيره وتأنيثه ما لم يفصل بينما بـ إلا، فحينئذ لَا يجوز التأنيث إلا في شاذ كقوله:
وما بقيت إلا الضلوع [الجراشع*]
قال وكنت رأيت نقدا على المعري لابن الصائغ، لما ذكر فيه قول ابن عصفور في الفاعل: إذا فصل بينه وبين الفعل فليس إلا التذكير، قال: ولم تكن جوابا عن سؤال، كقولك لمن قال: من قام من النساء؟ فتقول: ما قامت إلا هند، قال شيخنا: ويحسن أن يجاب هنا بذلك، فيقال: إن الآية جواب عن سؤال مقدر، فكأنَّ قائلا يقول: فكيف كانت أخذتهم؟ فقيل له: (إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيحَة)، أي إن كانت الأخذة إلا صيحة واحدة.
قيل لابن عصفور: [إنه*] ينازع في ذلك ولا يسلمه، فقال: كلام الزمخشري هنا يقتضيه بدليل قوله؛ لأن المعنى مما وقع من (إِلَّا صَيحَةً) فقدر الفاعل مذكرا فإذا تقدم عليه السؤال مؤنثا كان يعتبر مؤنثا.
قوله تعالى: {يَا حَسْرَةً
…
(30)}
ابن عطية: فسر بعضهم قراءة التنوين بأن الحسرة من العباد أنفسهم وهو بعيد، انتهى، وجه بعده أن التنوين ظاهره أن الحسرة منكرة ليست منهم، بل من غيرهم يتحسر عليهم، ولو كانت منهم لأتى بها مضافة دون تنوين، وأتى لفظ العباد هنا على خلاف الأصل؛ لأن غالب استعماله في الطائعين، وجاء هنا في الفاسقين، لكنه غير مضاف، ولا يقال في الفاسقين عباد الله.
قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ
…
(31)}
هذه الآية وعظ وتخويف وأمر نظري استدلالي.
الزمخشري: (أَلَمْ يَرَوْا)، ألم يعلموا أو هو معلق، لأن كم لَا يعمل فيها عامل قبلها، كَانَتْ لِلِاسْتِفْهَامِ أَوْ لِلْخَبَرِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهَا الِاسْتِفْهَامُ.
ورد أبو حيان الأول بأنه قد يدخل حرف الجر، فتقول [كَمْ عَلَى: كَمْ جِذْعٍ بَيْتُكَ*] وبكم درهم اشتريت ثوبك، انتهى، هذا لَا يليق به؛ لأن حرف الجر ليس بعامل، ألا تراهم يقولون: ما العامل في هذا المجرور وبماذا يتعلق؟ وبدليل صحة دخول حرف الجر على ما الاستفهامية، يحذف منها الألف، وما ذاك إلا لأنه ليس بعارض حقيقة.
ورد أبو حيان الثاني: بأنها لَيْسَ أَصْلُهَا [الِاسْتِفْهَامَ*]، ولا يحمل عليها بوجه، وأجاب: بأنه إن كان أراد الزمخشري جعلها مأخوذة منها [إلا أن معناه نافذ في الجملة، كما نفذ في قولك: ألم يروا إن زيدا لمنطلق، وإن لم يعمل في لفظه*] فهو لا يقوله الزمخشري بوجه، وإن أراد أنها محمولة عليها فهذا صحيح.
قال شيخنا: وقد كان بعض النَّاس يلغي على كتاب سيبويه من ناحية أنه جمع بين النحو والأصول؛ لأنه نص فيه على قياس الشبه، إذ جعل كم الخبرية محمولة على كم الاستفهامية، وهذا هو قياس الشبه.
وذكر أبو حيان في إعراب الآية ستة أوجه، فنقل عن الزمخشري أنه قال:(أَنَّهُمْ إِلَيهِمْ لَا يَرْجِعُونَ)، بدل من كم على المعنى لَا على اللفظ، أي أولم [يروا*] كثرة إهلاكنا القرون كونهم أنهم غير راجعين.
ورده أبو حيان وقال: لَا يصح أن يكون بدلا على اللفظ ولا على المعنى، أما على اللفظ فلأنه زعم أن يروا [مُعَلَّقَةٌ*]، فَيَكُونُ كَمِ اسْتِفْهَامًا، وَهُوَ مَعْمُولٌ لَأَهْلَكْنَا، وَأَهْلَكْنَا لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ، [وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى، فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا، لِأَنَّهُ قَالَ تَقْدِيرُهُ، أَيْ عَلَى الْمَعْنَى: أَلَمْ يَرَوْا كَثْرَةَ إِهْلَاكِنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَوْنَهُمْ غَيْرَ رَاجِعِينَ إِلَيْهِمْ؟ فَكَوْنُهُمْ غَيْرَ كَذَا لَيْسَ كَثْرَةَ الْإِهْلَاكِ، فَلَا يَكُونَ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كل، وَلَا بَعْضًا مِنَ الْإِهْلَاكِ، وَلَا يَكُونَ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَلَا يَكُونُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، لِأَنَّ بَدَلَ الِاشْتِمَالِ يَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إِلَى مَا أُبْدِلَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ هُنَا. لَا تَقُولُ: أَلَمْ يَرَوُا انْتِفَاءَ رُجُوعِ كَثْرَةِ إِهْلَاكِنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِهِمْ*]، انتهى كلامه، وهو قصور.
وقد ذكر سيبويه في باب ما يكون فيه أن بدلا من شيء غير الأول متصلا بقوله تعالى: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ)، وبقوله تعالى:(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ).
قال ابن خروف في شرحه: يريد أنه بدل من المعنى، كقولك: عرفت زيد أبو من هو، أي عرفت كنية زيد أبو من هو، وكذلك هذا بدل من المعنى، انتهى، ومعنى ما قال الزمخشري؛ لأن عدم الرجوع هو بمعنى الإهلاك والكون، فيصدق على الكثرة وعدمها، وهو لَا ينافي الكثرة فيصح [لأنه بدل شيء من شيء*]، وبدليل قول الزمخشري في الوجه الذي بعده، والبدل على هذه القراءة بدل اشتمال، ويظهر من كلامه أن تمثيله بـ ألم يروا كثرة إهلاكنا [بدل معنى لَا بدل إعراب*]، وليس مراده البدل على هذا المعنى. قيل: بدل الاشتمال يشترك على تفسير الإعراب، [وهو أَلَمْ يَرَوُا كَثْرَةَ إِهْلَاكِنَا*]، وهذا يصح إضافته إذ يصح أن تقول: ألم يروا انتفاء رجوع كثير أهلكنا على أن شرط
الإضافة في بدل الاشتمال فيه نظر، [**هل هو نظر وفي جميع بدل الاشتمال، أو إنما هو إضافي].
قال شيخنا أبو العباس ابن القصار: ولا أعلم أحد اشترط ذلك من النحويين.
قال ابن هشام: كم على وجهين: خبرية بمعنى كثير، واستفهامية بمعنى [أي عدد*]، ويشتركان فِي خَمْسَة أُمُور الاسمية والإبهام والافتقار إِلَى التَّمْيِيز وَالْبناء وَلُزُوم التصدير، وأما قول بعضهم في (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ)، أبدلت (أن) وصلتها من (كم)، فمردود بأن عامل البدل هو عامل المبدل منه، [فإن*] قدر عامل المبدل منه (يرَوا)، فكم لها الصَّدْر، ولا يعمل فيها ما قبلها، وإن قدر أهلكنا، فلا تسلط له في المعنى على [الْبَدَل*]، [وَالصَّوَاب*]: أن كم مفعول لأهلكنا، والجملة إما معمولة ليروا، على الله [أنه*] علق عن العمل في اللفظ، وأن وصلتها مفعول لأجله، وإما معترضة بين (يروا) وما سد مسد مفعوليه، وهو أن وصلتها. انتهى، وهو أيضا [قصور*].
وحمل ابن عطية أنهم بدلا من كم، وهي خبرية، والرؤية بصرية.
ورده أبو حيان بأن كم مفعول لأهلكنا، ولا يصح غيره، والبدل على نية تكرار القائل ولو سلط أهلكنا على أنهم لم يصح كلامه.
فإن قلت: يتخرج قول ابن عطية على أن كم معمولة ليروا، وليس لها صدر الكلام وهي لغة قليلة، حكاها الأخفش، فيكون أهلكنا صفة لكم، وحذف العائد جائز في الصفة كما هو جائز في الصلة، وإن كان في الصلة أكثر.
قلت: قال ابن هشام المصري: قول ابن عصفور: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا) أن (كَمْ) فاعل مَرْدُود [بِأَن كم لَهَا الصَّدْر]، وقوله: إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول: ملكت كم عبيد [فيخرجها عَن الصدرية*]، وهو خطأ عظيم [إِذْ خرج كَلَام الله سُبْحَانَهُ على هَذِه اللُّغَة*]، وإنما الفاعل على ضمير [اسم*] الله سبحانه، أو ضمير العلم أو الهدى المدلول عليه بالفعل، أَو جملَة (أهلكنا) *]، على القول بأن الفاعل يكون جملة إما مطلقا، أو [بشرط*] كونها مقترنة بما يعلق عن العمل [وَالْفِعْل قلبِي*]، نحو:[ظهر لي أَقَامَ زيد*]، [وجوز*] أبو البقاء كونه [ضمير الإهلاك*]، المفهوم من الجملة، وليس هذا من المواضع التي يعود فيها الضمير على [الْمُتَأَخر*]. انتهى.