الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَاضِحُ ثُمَّ وَصَفَ حَالَهُمْ فِي النَّارِ فَقَالَ: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ كما قال عز وجل: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:
41] .
وقال تَعَالَى: يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت: 55] وقوله جل جلاله: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ أَيْ إِنَّمَا يَقُصُّ خَبَرَ هَذَا الْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ لِيُخَوِّفَ بِهِ عِبَادَهُ لِيَنْزَجِرُوا عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ. وَقَوْلُهُ تعالى: يَا عِبادِ فَاتَّقُونِ أَيِ اخْشَوْا بَأْسِي وَسَطْوَتِي وعذابي ونقمتي.
[سورة الزمر (39) : الآيات 17 الى 18]
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18)
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نفيل وأبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهم «1» وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا شَامِلَةٌ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِمَّنِ اجْتَنَبَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَأَنَابَ إِلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ثم قال عز وجل: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أي يفهمونه ويعملون بما فيه كقوله تبارك وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام حِينَ آتَاهُ التَّوْرَاةَ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها [الْأَعْرَافِ: 145] . أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ أَيِ الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله في الدنيا والآخرة وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ أي ذو والعقول الصحيحة والفطر المستقيمة.
[سورة الزمر (39) : الآيات 19 الى 20]
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20)
يَقُولُ تَعَالَى أَفَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ شَقِيٌّ تَقْدِرُ تُنْقِذُهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْهَلَاكِ؟ أَيْ لَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَمَنْ يَهْدِهِ فَلَا مُضِلَّ له. ثم أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفا فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْقُصُورُ الشَّاهِقَةُ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ أَيْ طِبَاقٌ فَوْقَ طِبَاقٍ مَبْنِيَّاتٌ محكمات مزخرفات عاليات.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس
(1) تفسير الطبري 10/ 624.
نِيَامٌ» «1» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيِّ «2» مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ مُعَانِقٍ أَوْ أَبِي مُعَانِقٍ عَنْ أَبِي مالك الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الجنة لغرفا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أعدها لله تعالى لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَلَانَ الْكَلَامَ وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَانِقٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أبي مالك الأشعري رضي الله عنه بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي الْغُرْفَةِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي أفق السَّمَاءِ» قَالَ فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عياش فقال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يَقُولُ: «كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ» «5» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «6» : حَدَّثَنَا فَزَارَةُ أَخْبَرَنِي فُلَيْحٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي الْجَنَّةِ أَهْلَ الْغُرَفِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَارِبَ فِي الْأُفُقِ الطَّالِعِ فِي تَفَاضُلِ أَهْلِ الدَّرَجَاتِ- فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُولَئِكَ النبيون؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بلى والذي نفسي بيده أقوام آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الرُّسُلَ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ فُلَيْحٍ بِهِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «7» : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ وَأَبُو كَامِلٍ قَالَا حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُدِلَّةِ مَوْلَى أم المؤمنين رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ فَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالْأَوْلَادَ قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لجاء الله عز وجل بقوم يذنبون
(1) مسند أحمد 1/ 155- 156.
(2)
كتاب التفسير، تفسير سورة 38، باب 2، 4.
(3)
المسند 5/ 343.
(4)
المسند 5/ 340.
(5)
أخرجه البخاري في بدء الخلق باب 8، ومسلم في الجنة حديث 10، 11.
(6)
المسند 2/ 339.
(7)
المسند 2/ 304- 305.