الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا كَمَا تَعْبُدُونَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ وَالْأَرْبَابِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ أَيْ أَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ عَلَى مِنْوَالِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ وَاسْتَغْفِرُوهُ أَيْ لِسَالِفِ الذُّنُوبِ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَيْ دَمَارٌ لَهُمْ وَهَلَاكٌ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس يَعْنِي الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تبارك وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس: 9- 10] وكقوله جلت عظمته: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:
14-
15] وقوله عز وجل: فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى [النَّازِعَاتِ: 18] وَالْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ هَاهُنَا طَهَارَةُ النَّفْسِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ وَمِنْ أَهَمِّ ذَلِكَ طَهَارَةُ النَّفْسِ مِنَ الشِّرْكِ، وَزَكَاةُ الْمَالِ إِنَّمَا سُمِّيَتْ زَكَاةً لِأَنَّهَا تُطَهِّرُهُ مِنَ الْحَرَامِ وَتَكُونُ سَبَبًا لِزِيَادَتِهِ وَبَرَكَتِهِ وَكَثْرَةِ نَفْعِهِ وَتَوْفِيقًا إِلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّاعَاتِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ لَا يَدِينُونَ بِالزَّكَاةِ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ لَيْسَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَقَالَ قَتَادَةُ يَمْنَعُونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إِيجَابَ الزَّكَاةِ إِنَّمَا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يبعد أن يكون أصل أصل الصدقة والزكاة وكان مأمورا به في ابتداء البعثة كقوله تبارك وتعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الْأَنْعَامِ: 141] فَأَمَّا الزَّكَاةُ ذَاتُ النُّصُبِ وَالْمَقَادِيرِ فَإِنَّمَا بُيِّنَ أَمْرُهَا بِالْمَدِينَةِ وَيَكُونُ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ كَمَا أَنَّ أَصْلَ الصَّلَاةِ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فِي ابْتِدَاءِ الْبِعْثَةِ فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ فَرَضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَفَصَّلَ شُرُوطَهَا وَأَرْكَانَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قال جل جلاله بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ:
لا مقطوع ولا مجبوب كقوله تعالى: ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً [الكهف: 3] وكقوله عز وجل:
عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هُودٍ: 108] وَقَالَ السُّدِّيُّ غَيْرُ مَمْنُونٍ عليهم وقد رد عليه هذا التفسير بعض الأئمة فإن المنة لله تبارك وتعالى على أهل الجنة قال الله تبارك وتعالى: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ [الْحُجُرَاتِ: 17] وَقَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ [الطُّورِ: 27]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ» «1» .
[سورة فصلت (41) : الآيات 9 الى 12]
قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
(1) أخرجه البخاري في الرقاق باب 18، ومسلم في المنافقين حديث 71- 73.
هذا إنكار من الله تعالى عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ وَهُوَ الخالق لكل شيء القاهر لكل شيء المقتدر على كل شيء فقال: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً أَيْ نُظَرَاءَ وَأَمْثَالًا تَعْبُدُونَهَا مَعَهُ ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ أَيِ الْخَالِقُ لِلْأَشْيَاءِ هُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ. وَهَذَا الْمَكَانُ فِيهِ تَفْصِيلٌ لقوله تَعَالَى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ [الْأَعْرَافِ: 54] فَفَصَّلَ هَاهُنَا مَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْضِ مِمَّا اخْتَصَّ بِالسَّمَاءِ فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا لِأَنَّهَا كَالْأَسَاسِ وَالْأَصْلُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْأَسَاسِ ثُمَّ بَعْدَهُ بِالسَّقْفِ كَمَا قال عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [البقرة: 29] الآية فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ [النَّازِعَاتِ: 27- 23] .
فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ دَحْيَ الْأَرْضِ كَانَ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ، فَالدَّحْيُ هُوَ مُفَسَّرٌ بِقَوْلِهِ أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَكَانَ هَذَا بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ فَأَمَّا خَلْقُ الْأَرْضِ فَقَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ بالنص وبهذا أجاب ابن عباس رضي الله عنه فِيمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ صَحِيحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ:
وَقَالَ الْمِنْهَالُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عباس رضي الله عنهما إني لأجد فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 101] وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ [الصَّافَّاتِ: 27] وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النِّسَاءِ:
42] وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَامِ: 23] فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وقال تَعَالَى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها- إلى قوله- وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها [النازعات: 27- 30] فذكر خلق السماء قبل الأرض.
ثم قال تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ- إِلَى قَوْلِهِ- طائِعِينَ فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَقَالَ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النِّسَاءِ: 96] عَزِيزاً حَكِيماً [النِّسَاءِ: 56- 158] سَمِيعاً بَصِيراً [النساء: 58- 134] فكأنه كان ثم مضى فقال ابن عباس رضي الله عنهما فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 101] فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزُّمَرِ: 68] فَلَا أَنْسَابَ بينهم عند ذلك ولا يتساءلون بينهم ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْأُخْرَى وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ فَيَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُعْرَفُ أن الله تعالى لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: 42 وغيرها] الآية، وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ
خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَى الْأَرْضَ وَدَحْيُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ والرمال وَالْجَمَادَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فذلك قوله تعالى دَحاها.
وقوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ فخلق الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أيام وخلق السموات فِي يَوْمَيْنِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النِّسَاءِ: 96] سَمَّى نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يزل كذلك فإن الله تعالى لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عز وجل. قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنِيهِ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْمِنْهَالِ هو ابن عمرو بالحديث.
وقوله: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها أَيْ جَعَلَهَا مُبَارَكَةً قَابِلَةً لِلْخَيْرِ وَالْبَذْرِ وَالْغِرَاسِ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا وَهُوَ مَا ويحتاج أَهْلُهَا إِلَيْهِ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْأَمَاكِنِ الَّتِي تُزْرَعُ وَتُغْرَسُ يَعْنِي يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ فَهُمَا مَعَ اليومين السابقين أربعة ولهذا قال: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ أَيْ لِمَنْ أراد السؤال عن ذلك ليعلمه وقال عكرمة ومجاهد في قوله عز وجل: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها جَعَلَ فِي كُلِّ أَرْضٍ مَا لَا يَصْلُحُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْهُ الْعَصَبُ «1» باليمن والسابوري «2» بِسَابُورَ وَالطَّيَالِسَةُ «3» بِالرَّيِّ «4» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَواءً لِلسَّائِلِينَ أَيْ لِمَنْ أَرَادَ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ مَعْنَاهُ وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ أَيْ عَلَى وَفْقِ مُرَادِ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى رِزْقٍ أَوْ حَاجَةٍ فإن الله تعالى قَدَّرَ لَهُ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَهَذَا الْقَوْلُ يُشْبِهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ [إِبْرَاهِيمَ: 34] وَاللَّهُ أعلم.
وقوله تبارك وتعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ وَهُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الْمُتَصَاعِدُ مِنْهُ حِينَ خُلِقَتِ الْأَرْضُ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً أَيِ اسْتَجِيبَا لِأَمْرِي وَانْفَعِلَا لِفِعْلِي طَائِعَتَيْنِ أَوْ مُكْرَهَتَيْنِ قَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَ: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى لِلسَّمَوَاتِ أَطْلِعِي شَمْسِي وَقَمَرِي وَنُجُومِي وَقَالَ لِلْأَرْضِ شققي أنهارك وأخرجي ثمارك قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ «5» رحمه الله قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ أَيْ بَلْ نَسْتَجِيبُ لَكَ مطيعين بما
(1) العصب: برود يمنية يعصب غزلها. أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج، فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ. [.....]
(2)
السابوري: نسبة إلى سابور قرية قريبة من أصبهان، وكل ثوب رقيق يسمى سابري.
(3)
الطيالسة: من لباس العجم، وقيل هو ثوب يلبس على الكتف.
(4)
انظر تفسير الطبري 11/ 90.
(5)
تفسير الطبري 11/ 92.
فينا مما تريد خلقه من الملائكة والجن والإنس جَمِيعًا مُطِيعِينَ لَكَ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ قَالَ وَقِيلَ تَنْزِيلًا لَهُنَّ مُعَامَلَةَ مَنْ يَعْقِلُ بِكَلَامِهِمَا وَقِيلَ إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ مِنَ الْأَرْضِ بِذَلِكَ هُوَ مَكَانُ الْكَعْبَةِ وَمِنَ السَّمَاءِ مَا يُسَامِتُهُ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الحسن البصري لو أبيا عليه أمره عليه لَعَذَّبَهُمَا عَذَابًا يَجِدَانِ أَلَمَهُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حاتم.
فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ أَيْ فَفَرَغَ مِنْ تَسْوِيَتِهِنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ أَيْ آخَرَيْنِ وَهُمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ وَيَوْمُ الْجُمْعَةِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها أَيْ وَرَتَّبَ مُقَرِّرًا فِي كُلِّ سَمَاءٍ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وهي الْكَوَاكِبُ الْمُنِيرَةُ الْمُشْرِقَةُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَحِفْظاً أَيْ حَرَسًا مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنْ تَسْتَمِعَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أَيِ الْعَزِيزُ الَّذِي قَدْ عَزَّ كُلَّ شَيْءٍ فَغَلَبَهُ وَقَهَرَهُ الْعَلِيمُ بِجَمِيعِ حَرَكَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَسَكَنَاتِهِمْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَقَّالِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ هَنَّادٌ: قَرَأْتُ سَائِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَتْهُ عَنْ خلق السموات والأرض فقال صلى الله عليه وسلم: «خلق الله تعالى الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَمَا فِيهِنَّ مِنْ مَنَافِعَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ الشَّجَرَ وَالْمَاءَ وَالْمَدَائِنَ وَالْعُمْرَانَ وَالْخَرَابَ فهذه أربعة قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ لِمَنْ سأله قَالَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّمَاءَ وَخَلَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ النُّجُومَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْمَلَائِكَةَ إِلَى ثَلَاثِ سَاعَاتٍ بَقِيَتْ مِنْهُ [فَخَلَقَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْآجَالَ حِينَ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ] وَفِي الثَّانِيَةِ أَلْقَى الْآفَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ وَفِي الثَّالِثَةِ آدَمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ وَأَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ لَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْهَا فِي آخِرِ سَاعَةٍ» ثُمَّ قَالَتِ الْيَهُودُ ثُمَّ مَاذَا يَا مُحَمَّدُ قَالَ «ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ» قَالُوا قَدْ أَصَبْتَ لَوْ أَتْمَمْتَ، قَالُوا ثُمَّ اسْتَرَاحَ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَضَبًا شَدِيدًا فَنَزَلَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ [ق: 38] هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ غَرَابَةٌ.
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِي فَقَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ يوم الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ» «1» فَقَدْ رواه مسلم والنسائي في كتابيهما من حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ وَقَدْ عَلَّلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ فَقَالَ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ كعب الأحبار وهو الأصح.
(1) أخرجه مسلم في المنافقين حديث 27، وأحمد في المسند 2/ 327.