الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فصل) لما وبخ الله تعالى الكافرين بالتمتع بالطيبات، آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة (ق) «عن عمر بن الخطاب قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكئ على رمال حصير قد أثر في جنبه، فقلت: أستأنس يا رسول الله. قال: نعم فجلست، فرفعت رأسي في البيت، فو الله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبة ثلاثة، فقلت: ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم ولا يعبدون الله فاستوى جالسا ثم قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر لي يا رسول الله (ق). «عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم» (ق)«عنها قالت: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا إنما هو الأسودان التمر والماء إلا أن نؤتى باللحيم» وفي رواية أخرى قالت: «إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قال عروة: قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا» عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير» أخرجه الترمذي وله عن أنس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أخفت في الله ما لم يخف أحد وأوذيت في الله ما لم يؤذ أحد ولقد أتى عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام إلا شيء يواري إبط بلال (خ). «عن أبي هريرة قال: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته» (خ). «عن إبراهيم بن عبد الرّحمن أن عبد الرّحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائما فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه. قال: وأراه قال: قتل حمزة وهو خير مني، فلم يوجد ما يكفن فيه إلا برده. ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط وقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام» وقال جابر بن عبد الله: «رأى عمر بن الخطاب لحما معلقا في يدي فقال ما هذا يا جابر؟ قلت: اشتهيت لحما فاشتريته، فقال عمر: كلما اشتهيت يا جابر اشتريت، أما تخاف هذه الآية: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا؟.
[سورة الأحقاف (46): الآيات 21 الى 25]
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)
قوله تعالى: وَاذْكُرْ أَخا عادٍ يعني هودا عليه السلام إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ قال ابن عباس:
الأحقاف واد بين عمان ومهرة. وقيل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له مهرة. وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود، رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة إرم. وقيل: إن عادا كانوا أحياء باليمن وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر. والأحقاف: جمع حقف وهو المستطيل من الرمل فيه اعوجاج كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلا. وقيل: الأحقاف ما استدار من الرمل وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ أي
مضت الرسل مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي من قبل هود وَمِنْ خَلْفِهِ أي من بعده أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ والمعنى: أن هودا قد أنذرهم بذلك وأعلمهم أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا أي لتصرفنا عَنْ آلِهَتِنا أي عبادتها فَأْتِنا بِما تَعِدُنا أي من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ يعني أن العذاب نازل بنا قالَ يعني هودا إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ يعني هو يعلم متى يأتيكم العذاب وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ يعني من الوحي الذي أنزله الله عليّ وأمرني بتبليغه إليكم وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ يعني قدر العذاب الذي ينزل بكم فَلَمَّا رَأَوْهُ يعني رأوا ما يوعدون به من العذاب ثم بينه فقال تعالى: عارِضاً يعني رأوا سحابا عارضا وهو السحاب الذي يعرض في ناحية السماء ثم يطبق السماء مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ وذلك أنه خرجت عليهم سحابة سوداء من ناحية واد يقال له المغيث وكان قد حبس عنهم المطر مدة طويلة فلما رأوا تلك السحابة استبشروا بها ثم قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا قال الله ردا عليهم بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ يعني من العذاب ثم بين ماهية ذلك العذاب فقال تعالى: رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ثم وصف تلك الريح فقال تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها يعني تهلك كل شيء مرت به من رجال عاد وأموالهم يقال: إن تلك الريح كانت تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة فلما رأوا ذلك، دخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، فجاءت الريح فقلعت الأبواب وصرعتهم. وأمر الله الريح، فأهالت عليهم الرمال فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين. ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمل واحتملتهم فرمت بهم في البحر. وقيل: إن هودا عليه السلام لما أحس بالريح، خط على نفسه وعلى من معه من المؤمنين خطا فكانت الريح تمر بهم لينة باردة طيبة والريح التي تصيب قومه شديدة عاصفة مهلكة وهذه معجزة عظيمة لهود عليه السلام. وقيل: إن الله تعالى أمر خازن الريح أن يرسل عليهم مثل مقدار الخاتم فأهلكهم الله بهذا القدر وفي هذا إظهار كمال القدرة (ق)«عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى ترى منه لهواته إنما كان يتبسم» زاد في رواية: «وكان إذا رأى غيما عرف في وجهه قالت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيت غيما عرف في وجهك الكراهة؟ فقال: يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا» وفي رواية قالت «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه فإذا أمطرت السماء سري عنه فرفعته عائشة ذلك فقال وما أدري لعله كما قال قوم هود فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا» الآية وفي رواية أخرى قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به» وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفت ذلك عائشة فسألته فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا المخيلة: السحاب الذي يظن فيه مطر. وتخيلت السماء: إذا تغيمت.
وقولها: سري عنه أي كشف وأزيل عنه ما كان به من الغم والحزن.
وقوله تعالى: فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ قرئ بالتاء مفتوحة على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى:
ما ترى يا محمد إلا مساكنهم خاوية عاطلة من السكان ليس فيها أحد وقرئ بالياء مضمومة والمعنى لا يرى إلا آثار مساكنهم لأن الريح لم تبق منها إلا الآثار والمساكن المعطلة كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يخوف بذلك كفار مكة ثم قال تعالى: