الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن سماع القرآن وفارقتم أحكامه أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الفساد في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدم وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ قال قتادة كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرّحمن؟
(ق) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الرّحمن شجنة من الرّحمن فقال الله تعالى من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته» . وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرّحم فأخذت بحقو الرّحمن فقال: مه فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها الشجنة: القرابة المشتبكة كاشتباك العروق. والحقو. مشد الإزار من الإنسان وقد يطلق على الإزار، ولما جعل الرحم شجنة من الرّحمن، استعار لها الاستمساك به والأخذ كما يستمسك القريب من قريبه والنسيب من نسيبه. ومعنى صلة الرحم: مبرة الأقارب والإحسان إليهم وقطع الرحم ضد صلتها والعائذ اللائذ المستجير قال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني وليست بجسم وإنما هي قرابة ونسب يجمعه رحم والده فيتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحما. والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك والمراد تعظيم شأنها وفضيلة وأصلها وعظيم إثم قاطعها ولهذا سمي العقوق قطعا كأنه قطع ذلك السبب المتصل قال:
ويجوز أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة تعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله عز وجل هذا كلام القاضي عياض في معنى هذا الحديث والله أعلم وقيل في الآية في قوله إِنْ تَوَلَّيْتُمْ هو من الولاية يعني فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن توليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض، يعني بالظلم، وتقطعوا أرحامكم، ومعنى الاستفهام في قوله: فهل عسيتم للتقرير المذكور والمعنى هل يتوقع منكم الإفساد.
فإن قلت: عسى طمع وترج وتوقع وذلك على الله محال لأنه تعالى عالم بكل شيء فما معناه.
قلت: قال بعضهم معناه: يفعل بكم فعل المترجي المبتلي. وقال بعضهم معناه كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك. وقال الزمخشري: معناه أنه لما عهد منكم إحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان يا هؤلاء ما ترون هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم تناحرا على الملك وتهالكا على الدنيا.
[سورة محمد (47): الآيات 23 الى 26]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (25) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26)
أُولئِكَ إشارة إلى من إذا تولى أفسد في الأرض وقطع الأرحام الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ يعني أبعدهم من رحمته وطردهم عن جنته فَأَصَمَّهُمْ يعني عن سماع الحق وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ يعني عن طريق الهدى وذلك أنهم لما سمعوا القرآن فلم يفهموه ولم يؤمنوا به وأبصروا طريق الحق فلم يسلكوه ولم يتبعوه، فكانوا بمنزلة الصم العمى، وإن كان لهم أسماع وأبصار في الظاهر أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يعني يتكفرون فيه وفي مواعظه وزواجره وأصل التدبر التفكر في عاقبة الشيء وما يؤول إليه أمره. وتدبر القرآن لا يكون إلا مع حضور القلب وجمع الهم وقت تلاوته ويشترط فيه تقليل الغذاء من الحلال الصرف وخلوص النية أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها
يعني بل على قلوب أقفالها وجعل القفل مثلا لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل الطاعة. يقال: فلان مقفل عن كذا، بمعنى ممنوع منه.
فإن قلت: إذا كان الله تعالى قد أصمهم وأعمى أبصارهم وأقفل على قلوبهم وهو بمعنى الختم فكيف يمكنهم تدبر القرآن مع هذه الموانع الشديدة.
قلت: تكليف ما لا يطاق جائز عندنا، لأن الله أمر بالإيمان لمن سبق في علمه أنه لا يؤمن فكذلك هنا والله يفعل ما يريد لا اعتراض لأحد عليه. وقيل: إن قوله أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ المراد به التأسي. وقيل: إن هذه الآية محققة للآية المتقدمة وذلك أن الله تعالى لما قال: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ فكان قوله أفلا يتدبرون القرآن كالتهييج لهم على ترك ما هم فيه من الكفر الذي استحقوا بسببه اللعنة أو كالتبكيت لهم على إصرارهم على الكفر والله أعلم بمراده.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي، عن عروة بن الزبير قالا:«تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شاب من أهل اليمن: بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به» هذا حديث مرسل وعروة بن الزبير تابعي من كبار التابعين وأجلهم لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ولد سنة اثنتين وعشرين وقيل غير ذلك.
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ يعني رجعوا القهقهرى كفارا مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى يعني من بعد ما وضح لهم طريق الهداية. قال قتادة: هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعد ما عرفوه ووجدوا نعته في كتابهم. وقال ابن عباس والضحاك والسدي: هم المنافقون آمنوا أولا ثم كفروا ثانيا الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ يعني زين لهم القبيح حتى رأوه حسنا وَأَمْلى لَهُمْ قرئ بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله يعني أمهلوا ومد لهم في العمر وقرئ وأملى لهم بفتح الألف واللام بمعنى وأملى لهم الشيطان بأن مد لهم في الأمل.
فإن قلت: الإملاء والإمهال لا يكونان إلا من الله لأنه الفاعل المطلق وليس للشيطان فعل قط على مذهب أهل السنة، فما معنى هذه القراءة.
قلت إن المسول والمملي هو الله تعالى في الحقيقة وليس للشيطان فعل إنما أسند إليه ذلك من حيث إن الله تعالى قدر ذلك على يده ولسانه فالشيطان يمنيهم ويزين لهم القبيح ويقول لهم في آجالكم فسحة فتمتعوا بدنياكم ورئاستكم إلى آخر العمر ذلِكَ إشارة إلى التسويل والإملاء بِأَنَّهُمْ يعني بأن أهل الكتاب أو المنافقين قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ وهم المشركون سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ يعني من التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم وترك الجهاد معه والقعود عنه وكانوا يقولون ذلك سرا فأخبر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم خبرهم ثم قال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ يعني أنه تعالى لا تخفى عليه خافية من أمرهم.