الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رمضان يحلف، ولا يستثني، فو الله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشّمس من صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم «في ليلة القدر، قال ليلة سبع وعشرين» أخرجه أبو داود، وقيل هي ليلة تسع وعشرين دليله قوله «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» وقيل هي ليلة آخر الشهر، عن ابن عمر قال:«سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وأنا أسمع، فقال هي في كل رمضان» أخرجه أبو داود قال ويروى موقوفا عليه.
(ذكر ليال مشتركة) عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر «اطلبوها ليلة سبع وعشرين من رمضان، وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين، ثم سكت» أخرجه أبو داود عن عتبة بن عبد الرّحمن قال: حدثني أبي قال ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال ما أنا بملتمسها بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول «التمسوها في تسع يبقين أو في خمس يبقين، أو في ثلاث يبقين أواخر الشهر» قال وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة، فإذا دخل العشر الأواخر اجتهد أخرجه التّرمذي (خ) عن عبادة بن الصّامت قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
إني خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» قوله فتلاحى رجلان أي تخاصم رجلان، وقوله فرفعت لم يرد رفع عينها، وإنما أراد رفع بيان وقتها، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها، (خ) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هي في العشر في سبع مضين أو سبع يبقين يعني القدر» وفي رواية «في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى» قال أبو عيسى: «روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر أنها ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، وآخر ليلة من رمضان» قال الشّافعي: كان هذا عندي والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما يسأل عنه يقال له نلتمسها في كذا، فقال التمسوها في ليلة كذا قال الشّافعي: وأقوى الروايات عندي في ليلة إحدى وعشرين قال البغوي وبالجملة أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في العبادة ليالي شهر رمضان طمعا في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة، وأخفى الصّلاة الوسطى في الصّلوات الخمس، واسمه الأعظم في القرآن في أسمائه، ورضاه في الطّاعات ليرغبوا في جميعها، وسخطه في المعاصي لينتهوا عن جميعها، وأخفى قيام السّاعة ليجتهدوا في الطاعات حذرا من قيامها، ومن علاماتها. ما روى الحسن رفعه «إنها ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس صبيحتها بيضاء لا شعاع لها» (ق) عن عائشة قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أحيا اللّيل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر» ولمسلم عنها قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره» (ق) عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده (ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان» عن عائشة قالت «قلت يا رسول الله إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها قال: قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني» أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن صحيح أخرجه النسائي وابن ماجة.
[سورة القدر (97): الآيات 3 الى 5]
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
قوله عز وجل: وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ أي شيء يبلغ درايتك قدرها ومبلغ فضلها، وهذا على سبيل
التعظيم لها، والتّشويق إلى خيرها ثم ذكر فضلها من ثلاثة أوجه:
فقال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قال ابن عباس: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السّلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، وتمنى ذلك لأمته فقال: يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا، وأقلها أعمالا، فأعطاه الله تبارك وتعالى ليلة القدر، فقال ليلة القدر خير من ألف شهر التي حمل فيها الإسرائيلي السّلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة، وعن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم أن النّبي صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أي لا يبلغوا من العمل مثل الذي يبلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر أخرجه مالك في الموطأ قال المفسرون: معناه العمل الصّالح في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وإنما كان كذلك لما يريد الله تعالى فيها من المنافع والأرزاق وأنواع الخير والبركة.
الوجه الثاني: من فضلها قوله عز وجل: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ يعني إلى الأرض وسبب هذا أنهم لما قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها وظهر أن الأمر بخلاف ما قالوه وتبين حال المؤمنين وما هم عليه من الطاعة، والعبادة، والجد، والاجتهاد نزلوا إليهم ليسلموا عليها ويعتذروا مما قالوه، ويستغفروا لهم لما يرون من تقصير قد يقع من بعضهم وَالرُّوحُ يعني جبريل عليه الصلاة والسلام قاله أكثر المفسرين: وفي حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون، ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل» ذكره ابن الجوزي، وقيل إن الرّوح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا في تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشّمس إلى طلوع الفجر، وقيل إن الروح ملك عظيم ينزل مع الملائكة، تلك الليلة فِيها أي في ليلة القدر بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أي بأمر ربهم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ أي بكل أمر من الخير والبركة، وقيل بكل ما أمر به وقضاه من كل أمر.
الوجه الثالث: من فضلها قوله تعالى: سَلامٌ أي سلام على أولياء الله وأهل طاعته قال الشّعبي: هو تسليم الملائكة في ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، وقيل الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمنا أو مؤمنة يسلمون عليه من ربه عز وجل، وقيل تم الكلام عند قوله مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ثم ابتدأ فقال تعالى: سَلامٌ هِيَ يعني القدر سلامة وخير ليس فيها شر، وقيل لا يقدر الله في تلك اللّيلة ولا يقضي إلا السلامة، وقيل إن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يحدث فيها أذى حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ أي أن ذلك السّلام أو السّلامة تدوم إلى مطلع الفجر، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.