الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تركنا عليه في الآخرين أن يصلي عليه إلى يوم القيامة إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أي جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يعني الكفار.
قوله عز وجل: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ أي من شيعة نوح لَإِبْراهِيمَ يعني أنه على دينه وملته ومنهاجه وسنته إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أي مخلص من الشرك والشك وقيل من الغل والغش والحقد والحسد يحب للناس ما يحب لنفسه إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ماذا تَعْبُدُونَ استفهام توبيخ أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ أي أتأفكون إفكا وهو أسوأ الكذب وتعبدون آلهة سوى الله تعالى: فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ يعني إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يصنع بكم فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا يتعاطون ويتعاملون به لئلا ينكروا عليه، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة، وكان لهم من الغد عيد ومجمع فكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم وزعموا التبرك عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه فقالوا لإبراهيم ألا تخرج معنا إلى عيدنا فنظر في النجوم فقال إني سقيم قال ابن عباس أي مطعون وكانوا يفرون من المطعون فرارا عظيما وقيل مريض وقيل معناه متساقم وهو من معاريض الكلام وقد تقدم الجواب عنه في سورة الأنبياء وقيل إنه خرج معهم إلى عيدهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم أشتكي رجلي فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ أي إلى عيدهم فدخل إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الأصنام فكسرها وهو قوله تعالى: فَراغَ أي مال إِلى آلِهَتِهِمْ ميلة في خفية فَقالَ أي للأصنام استهزاء بها أَلا تَأْكُلُونَ يعني الطعام الذي بين أيديكم.
[سورة الصافات (37): الآيات 92 الى 99]
ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (96)
قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَراغَ أي مال عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ أي ضربهم بيده اليمنى لأنها أقوى من الشمال في العمل. وقيل بالقوة والقدرة عليهم وقيل أراد باليمين القسم وهو قوله تعالى وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يعني إلى إبراهيم يَزِفُّونَ أي يسرعون وذلك أنهم أخبروا بصنع إبراهيم بآلهتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه قالَ لهم إبراهيم على وجه الحجاج أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ أي بأيديكم من الأصنام وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ أي وعملكم. وقيل وخلق الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام وفي الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ قيل إنهم بنوا له حائطا من الحجر طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وملؤوه من الحطب وأوقدوا عليه النار وطرحوه فيها وهو قوله تعالى:
فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً أي شرا وهو أن يحرقوه فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ يعني المقهورين حيث سلم الله إبراهيم ورد كيدهم وَقالَ يعني إبراهيم إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي أي مهاجر إلى ربي وأهجر دار الكفر قاله بعد خروجه من النار سَيَهْدِينِ أي إلى حيث أمرني بالمصير إليه وهو أرض الشام فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال:
[سورة الصافات (37): الآيات 100 الى 103]
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ يعني هب لي ولدا صالحا فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ قيل غلام في صغره حليم في كبره وفيه بشارة أنه ابن وأنه يعيش وينتهي في السن حتى يوصف بالحلم.
قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قال ابن عباس يعني المشي معه إلى الجبل وعنه أنه لما شبّ حتى بلغ سعيه سعى مع إبراهيم، والمعنى بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله وقيل السعي العمل لله تعالى وهو العبادة قيل كان ابن ثلاث عشرة سنة وقيل سبع سنين قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ قيل إنه لم ير في منامه أنه ذبحه وإنما أمر بذبحه. وقيل بل رأى أنه يعالج ذبحه ولم ير إراقة دمه ورؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا فعلوه واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه على قولين مع اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق، قال قوم هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة عمر وعلي وابن مسعود والعباس ومن التابعين، ومن بعدهم كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي واختلفت الروايات عن ابن عباس فروى عنه أنه إسحاق وروي أنه إسماعيل، ومن ذهب إلى أنه إسحاق قال كانت هذه القصة بالشأم وروي عن سعيد بن جبير قال رأى إبراهيم ذبح إسحاق في المنام وهو بالشأم فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر من منى فلما أمره الله بذبح الكبش ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة طويت له الأودية والجبال، والقول الثاني أنه إسماعيل وإليه ذهب عبد الله بن سلام والحسن وسعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي ورواية عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفدي إسماعيل، وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتج من ذهب إلى أن الذبيح إسحاق بقوله تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أمر بذبح من بشر به وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق كما قال تعالى في سورة هود: فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وقوله وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ بعد قصة الذبح يدل على أنه تعالى إنما بشره بالنبوة لما تحمل من الشدائد في قصة الذبح فثبت بما ذكرناه أن أول الآية وآخرها يدل على أن إسحاق هو الذبيح وبما ذكر أيضا في كتاب يعقوب إلى ولده يوسف لما كان بمصر من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله.
واحتج من ذهب إلى أن الذبيح هو إسماعيل بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة الذبيح فقال تعالى: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ فدل على أن المذبوح غيره وأيضا فإن الله تعالى قال في سورة هود فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة وهو يعقوب بعده ووصف إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وهو صبره على الذبح ووصفه بصدق الوعد بقوله: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى له بذلك وقال القرطبي سأل عمر بن عبد العزيز رجلا من علماء اليهود وكان أسلم وحسن إسلامه أي ابني إبراهيم أمره الله تعالى بذبحه فقال إسماعيل ثم قال يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ولكن يحسدونكم يا معشر العرب على أن يكون أباكم هو الذي أمر الله تعالى بذبحه ويدعون أنه إسحاق أبوهم ومن الدليل أيضا أن قرني الكبش كانا معلقين على الكعبة في أيدي بني إسماعيل إلى أن احترق البيت في زمن ابن الزبير. قال الشعبي رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة. وقال ابن عباس: والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة وقد وحش يعني يبس وقال الأصمعي سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل؟ فقال يا أصمعي أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة إنما كان إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه والله تعالى أعلم.
(ذكر الإشارة إلى قصة الذبح) قال العلماء بالسير وأخبار الماضين لما دعا إبراهيم ربه فقال: رب هب لي من الصالحين وبشر به قال هو
إذا لله ذبيح، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له أوف بنذرك. هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بالذبح فقال لإسحاق انطلق نقرب لله قربانا فأخذ سكينا وحبلا وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال فقال الغلام يا أبت أين قربانك فقال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر. وقال محمد بن إسحاق كان إبراهيم عليه السلام إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يؤمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أمر في المنام بذبحه وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح تروى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان؟ فمن ثم سمي ذلك اليوم يوم التروية فلما أمسى رأى في المنام ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله تعالى فسمي ذلك اليوم يوم عرفة. وقيل رأى ذلك ثلاث ليال متتابعات فلما عزم على نحره سمي ذلك اليوم يوم النحر فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه فقال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فَانْظُرْ ماذا تَرى أي في الرأي على وجه المشاورة.
فإن قلت: لم شاوره في أمر قد علم أنه حتم من الله تعالى وما الحكمة في ذلك.
قلت لم يشاوره ليرجع إلى رأيه وإنما شاوره ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله تعالى وليعلم صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته ويثبت قدمه ويصبره إن جزع ويراجع نفسه ويوطنها ويلقى البلاء وهو كالمستأنس به ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله تعالى قبل نزوله.
فإن قلت لم كان ذلك في المنام دون اليقظة وما الحكمة في ذلك؟ قلت إن هذا الأمر كان في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح.
فورد في المنام كالتوطئة له ثم تأكد حال النوم بأحوال اليقظة فإذا تظاهرت الحالتان كان أقوى في الدلالة ورؤيا الأنبياء وحي وحق قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ يعني قال الغلام لأبيه افعل ما أمرت به قال ابن إسحاق وغيره لما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب أخبره بما أمر الله به فقال افعل ما تؤمر سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ إنما علق ذلك بمشيئة الله تعالى على سبيل التبرك وأنه لا حول عن معصية الله تعالى إلا بعصمة الله تعالى ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله فَلَمَّا أَسْلَما يعني انقادا وخضعا لأمر الله وذلك أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أسلم ابنه وأسلم الابن نفسه وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ يعني صرعه على الأرض قال ابن عباس أضجعه على جبينه على الأرض فلما فعل ذلك قال له ابنه يا أبت أشدد رباطي كيلا أضطرب واكفف عن ثيابك حتى لا ينتضح عليها شيء من دمي فينقص أجري وتراه أمي فتحزن واستحد شفرتك وأسرع مرّ السكين على حلقي ليكون أهون عليّ فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بني على أمر الله ففعل إبراهيم ما أمره به ابنه ثم أقبل عليه يقبله وهو يبكي وقد ربطه والابن يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك شيئا. ثم إنه حدها مرتين أو ثلاثا بالحجر كل ذلك لا يستطيع أن يقطع شيئا. قيل ضرب الله تعالى صفيحة من نحاس على حلقه والأول أبلغ في القدرة وهو منع الحديد عن اللحم، قالوا فقال الابن عند ذلك: يا أبت كبني لوجهي فإنك إذا نظرت وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع منها ففعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذلك ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. وروي عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله قالوا لما رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذبح ابنه قال الشيطان لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل الشيطان في صورة رجل وأتى أم الغلام فقال لها هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك قالت