الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة البروج
مكية وهي اثنتان وعشرون آية ومائة وتسع كلمات وأربعمائة وخمسة وستون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة البروج (85): الآيات 1 الى 4]
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (4)
قوله عز وجل: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ يعني البروج الاثني عشر وإنما حسن القسم بها لما فيها من عجيب حكمة الباري جل جلاله، وهو سير الشّمس والقمر الكواكب فيها على قدر معلوم لا يختلف وقيل البروج والكواكب العظام سميت بروجا لظهورها وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ يعني يوم القيامة وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اليوم الموعود يوم القيامة، والمشهود يوم عرفة، والشّاهد يوم الجمعة ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه» أخرجه الترمذي وضعف أحد رواته من قبل حفظه وهذا قول ابن عباس والأكثرين أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وقيل الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر وقيل الشاهد يوم التّروية، والمشهود يوم عرفة وإنما حسن القسم بهذه الأيام لعظمها وشرفها، واجتماع المسلمين فيها، وقيل الشاهد هو الله تعالى والمشهود يوم القيامة، وقيل الشّاهد هم الأنبياء والمشهود أي عليهم هم الأمم وقيل الشاهد هو الملك والمشهود أي عليه هو آدم وذريته، وقيل الشّاهد هذه الأمة ونبيها صلى الله عليه وسلم والمشهود عليهم هم الأمم المتقدمة، وقيل الشّاهد الأنبياء والمشهود له هو محمد صلى الله عليه وسلم لأن الأنبياء قبله شهدوا له بالنبوة وقوله، وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ أقسام أقسم الله تعالى بها لشرفها، وعظمها. وجواب القسم قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ أي لعن وقتل وقيل جوابه إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ والأخدود الشق المستطيل في الأرض.
واختلفوا فيهم فروي عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال للملك إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر فبعث إليه غلاما يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك إليه راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى السّاحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى السّاحر ضربه، وإذا رجع من الساحر قعد إلى الراهب وسمع كلامه، فإذا أتى أهله ضربوه فشكا ذلك إلى الراهب فقال إذا خشيت الساحر، فقل حبسني أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال اليوم أعلم الرّاهب أفضل أم الساحر فأخذ حجرا ثم قال اللهم إن كان أمر الرّاهب أحب إليك من أمر السّاحر، فاقتل هذه الدّابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها فمضى الناس، فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بني أنت أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك مبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ
فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي النّاس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ها هنالك أجمع إن أنت شفيتني قال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت بالله دعوت الله عز وجل فشفاك فآمن به فشفاه الله عز وجل فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك من رد عليك بصرك فقال ربي: فقال أو لك رب غيري قال ربي، وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دله على الغلام فجيء بالغلام، فقال له الملك أي بني إنه قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله عز وجل فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الرّاهب فجيء له بالرّاهب، فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالميشار فوضع الميشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك، فقيل له ارجع عن دينك فدعا بالميشار فوضع الميشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال لهم اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل، فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال كفانيهم الله فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك ما فعل أصحابك؟ قال كفانيهم الله تعالى فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به فقال: وما هو قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع نخل ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل بسم الله رب الغلام ثم ارمني به فإنك إن فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده على صدغه موضع السهم فمات، فقال الناس آمنا برب الغلام ثلاثا، فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد، والله نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السّكك فخدت وأضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ففعلوا ذلك حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أماه اصبري ولا تقاعسي فإنك على الحق». هذا حديث صحيح أخرجه مسلم.
وفي هذا الحديث إثبات كرامات الأولياء، وفيه جواز الكذب في مصلحة ترجع إلى الدين، وفيه إنقاذ النفس من الهلاك والأكمه هو الذي خلق أعمى، والميشار بالياء وتخفيف الهمزة وروي بالنون وذروة الجبل بالضم والكسر أعلاه، ورجف تحرك واضطرب والقرقور بضم القاف الأولى السفينة الصغيرة وانكفأت انقلبت، والصّعيد هنا الأرض البارزة والسّكك الطّرق والأخدود الشّق العظيم في الأرض، وأقحموه أي ارموه وتقاعست أي تأخرت وكرهت الدخول في النار. وقال ابن عباس:«كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن شرحبيل بن شراحيل في الفترة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة، وكان في بلاده غلام يقال له عبد الله بن تامر، وكان أبوه يسلمه إلى معلم يعلمه السحر فكره ذلك الغلام ولم يجد بدا من طاعة أبيه فجعل يختلف إلى المعلم وكان في طريقه راهب حسن القراءة حسن الصوت فأعجبه ذلك» . وذكر نحو حديث صهيب وقال وهب بن منبه: إن رجلا كان قد بقي على دين عيسى، فوقع إلى نجران فأحبوه فسار إليه ذو نواس اليهودي بجنوده من حمير وخيرهم بين النّار واليهودية، فأبوا عليه فخدّ الأخدود وحرق اثني عشر ألفا ثم غلب أرياط على اليمن فخرج ذو نواس هاربا، فاقتحم البحر بفرسه فغرق.
وقال: محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر إن خربة احتفرت في زمن عمر بن الخطاب، فوجدوا عبد الله بن تامر واضعا يده على ضربة في رأسه، إذا أميطت يده عنها انبعثت دما، وإذا تركت ارتدت مكانها وفي