الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون». وعنه قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي «يا ابن أم عبد هل تدري من أين أخذت بنو إسرائيل الرهبانية؟ قلت الله ورسوله أعلم قال ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منم إلا القليل فقالوا إن ظهرنا لهؤلاء فتنونا ولم يبق أحد يدعو إليه تعالى فتعالوا لنتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى به- يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا الرهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا هذه الآية وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها إلى فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أي من الذين ثبتوا عليها أجرهم ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم «يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي؟ قلت الله ورسوله أعلم قال الهجرة والصلاة والجهاد والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع» ، وروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله» وعن ابن عباس قال «كانت ملوك بعد عيسى عليه الصلاة والسلام بدلوا التوراة والإنجيل وكان فيهم جماعة مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله فقيل لملوكهم لو جمعتم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه فجمعهم ملكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا ما تريدون إلى ذلك دعونا نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طائفة منهم ابنوا لنا اسطوانا ثم ارفعونا فيه ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم وطائفة قالت دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا. وقالت طائفة منهم ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحترث البقول ولا نرد عليكم ولا نمر عليكم وليس أحد من القبائل إلا وله حميم فيهم قال ففعلوا ذلك فمضى أولئك على منهاج عيسى وخلف قوم من بعدهم ممن غيروا الكتاب فجعل
الرجل يقول نكون في مكان فلان نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فذلك قول الله عز وجل: وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها يعني ابتدعها الصالحون فما رعوها حق رعايتها يعني الآخرين الذين جاءوا من بعدهم فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ يعني الذين ابتدعوها ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ وهم الذين جاءوا من بعدهم فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا القليل انحط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب دير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله تعالى:
[سورة الحديد (57): الآيات 28 الى 29]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ أجرين بإيمانهم بعيسى وبالتوراة والإنجيل وبإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقهم له وقال وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ القرآن واتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ الذين يتشبهون بكم أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الآية أخرجه النسائي موقوفا على ابن عباس وقال قوم انقطع الكلام عند قوله ورحمة ثم قال ورهبانية ابتدعوها وذلك أنهم تركوا الحق فأكلوا الخنزير وشربوا الخمر وتركوا الوضوء والغسل من الجنابة والختان، «فما رعوها» يعني الملة والطاعة حق رعايتها كناية عن غير مذكور فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وهم أهل الرأفة والرحمة وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ وهم الذين غيروا وبدلوا وابتدعوا الرهبانية ويكون معنى قوله: ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ على هذا التأويل: ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ولكن ابتغاء رضوان الله وابتغاء رضوان الله اتباع ما أمر به دون الترهب لأنه لم يأمر به.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الخطاب لأهل الكتابين من اليهود والنصارى يعني يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في محمد وآمنوا به وهو قوله تعالى: وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ أي نصيبين مِنْ رَحْمَتِهِ يعني يؤتكم أجرين لإيمانكم بعيسى والإنجيل وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن (ق) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم والعبد المملوك الذي أدى حق مواليه وحق الله ورجل كانت عنده أمة يطؤها فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران» ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ يعني على الصراط وقال ابن عباس: النور هو القرآن وقيل هو الهدى والبيان أي يجعل لكم سبيلا واضحا في الدين تهتدون به وَيَغْفِرْ لَكُمْ أي ما سلف من ذنوبكم قبل الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ قيل لما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ، قالوا للمسلمين أما من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإيمانه بكتابكم وكتابنا ومن لم يؤمن فله أجر كأجركم فما فضلكم علينا فنزل لِئَلَّا يَعْلَمَ أي ليعلم ولا صلة أهل الكتاب يعني الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وحسدوا المؤمنين أَلَّا يَقْدِرُونَ يعني أنهم لا يقدرون عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ والمعنى جعلنا الأجرين لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ليعلم الذين لم يؤمنوا به أنهم لا أجر لهم ولا نصيب من فضل الله وقيل لما نزل في مسلمي أهل الكتاب أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ افتخروا على المسلمين بزيادة الأجر فشق ذلك على المسلمين فنزل لئلا يعلم أهل الكتاب يعني المؤمنين منهم أن لا يقدرون على شيء من فضل الله، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يعني الذي خصكم به فإنه فضلكم على جميع الخلائق وقيل يحتمل أن يكون الأجر الواحد أكثر من الأجرين وقيل قالت اليهود يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الأيدي والأرجل فلما خرج من العرب كفروا به فأنزل هذه الآية فعلى هذا يكون فضل الله النبوة يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وهو قوله وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ أي في ملكه وتصرفه يؤتيه من يشاء لأنه قادر مختار، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (خ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول «إنما بقاؤكم فيمن سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قراطين قيراطين فقال أهل الكتابين أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطا ونحن أكثر عملا قال الله تعالى هل ظلمتكم من أجركم شيئا قالوا لا قال فهو فضلي أوتيه من أشاء» وفي رواية «إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قراطين ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى غروب الشمس ألا لكم الأجر مرتين فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال الله عز وجل وهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فإنه فضلي أصيب به من شئت» أي أعطيه من شئت (خ) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل فقال
لهم لا تفعلوا اعملوا بقية يومكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا واستأجر آخرين بعدهم فقال اعملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال أكملوا بقية عملكم فإن ما بقي من النهار شيء يسير فأبوا فاستأجر قوما أن يعملوا بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور» والله سبحانه وتعالى أعلم.