الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ يعني محمدا صلى الله عليه وسلم لأنه لا يوصف بهذا غيره وفي الآية دليل على أنه مبعوث إلى الإنس والجن جميعا قال مقاتل لم يبعث الله نبيا إلى الإنس والجن قبله وَآمِنُوا بِهِ.
فإن قلت قوله تعالى أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ أمر بإجابته في كل ما أمر به فيدخل فيه الأمر بالإيمان فلم أعاد ذكره بلفظ التعيين.
قلت: إنما أعاده لأن الإيمان أهم أقسام المأمور به وأشرفها فلذلك ذكره على التعيين فهو من باب ذكر العام ثم يعطف عليه أشرف أنواعه يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ قال بعضهم: لفظة من هنا زائدة والتقدير يغفر لكم ذنوبكم وقيل: هي على أصلها وذلك أن الله يغفر من الذنوب ما كان قبل الإسلام فإذا أسلموا جرت عليهم أحكام الإسلام فمن أتى بذنب أخذ به ما لم يتب منه أو يبقى تحت خطر المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء آخذه بذنبه واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن، فقال قوم: ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار. وتأولوا قوله: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. وإليه ذهب أبو حنيفة. وحكي عن الليث قال: ثوابهم أن يجاروا من النار ثم يقال لهم: كونوا ترابا مثل البهائم. وعن أبي الزناد قال: إذا قضى بين الناس، قيل لمؤمني الجن: عودوا ترابا، فيعودون، ترابا. فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. وقال الآخرون:
لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس وهذا هو الصحيح وهو قول ابن عباس وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى. قال الضحاك: الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون. وقال أرطأة بن المنذر:
سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن ثواب؟ قال: نعم وقرأ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ قال: فالإنسيات للإنس والجنيات للجن وقال عمر بن عبد العزيز: إن مؤمني الجن حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها يعني في الجنة.
وقوله تعالى: وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ يعني لا يعجز الله فيفوته وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ يعني أنصارا يمنعونه من الله أُولئِكَ يعني الذين لم يجيبوا داعي الله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ يعني أنه تعالى خلق هذا الخلق العظيم ولم يعجز عن إبداعه واختراعه وتكوينه بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى يعني أن إعادة الخلق وإحياءه بعد الموت أهون عليه من إبداعه وخلقه فالكل عليه هين إبداع الخلق وإعادته بعد الموت وهو قوله بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يعني من إماتة الخلق وإحيائهم لأنه قادر على كل شيء.
[سورة الأحقاف (46): الآيات 34 الى 35]
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَاّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ فيه إضمار تقديره فيقال لهم أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ يعني هذا العذاب هو الذي وعدكم به الرسل وهو الحق قالُوا بَلى وَرَبِّنا هذا اعتراف منهم على أنفسهم بعد ما كانوا منكرين لذلك وفيه توبيخ وتقريع لهم فعند ذلك قالَ لهم فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ قوله عز وجل: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بالاقتداء بأولي العزم من الرسل في الصبر على أذى قومه قال ابن عباس ذوو الحزم وقال الضحاك ذوو الجد والصبر.
واختلفوا في أولي العزم من الرسل من هم فقال ابن زيد: كل الرسل كانوا أولي عزم لم يبعث الله نبيا إلا
كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل. وهذا القول هو اختيار الإمام فخر الدين الرازي. قال: لأن لفظة من في قوله مِنَ الرُّسُلِ للتبين لا للتبعيض كما تقول: ثوب من خز كأنه قيل له اصبر كما صبر الرسل من قبلك على أذى قومهم وصفهم بالعزم لقوة صبرهم وثباتهم وقال بعضهم: الأنبياء كلهم أولو العزم إلا يونس لعجلة كانت فيه ألا ترى أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ وقال قوم: أولي العزم هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر نبيا لقوله بعد ذكرهم أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وقال الكلبي: هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشرة لأعداء الله. وقيل: هم ستة: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء. وقال مقاتل: هم ستة: نوح صبر على أذى قومه، وإبراهيم صبر على النار، وإسحاق صبر على الذبح، في قول، ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره، ويوسف صبر على الجب والسجن، وأيوب صبر على الضر. وقال ابن عباس وقتادة: هم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، أصحاب الشرائع فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وخمسة قد ذكرهم الله على التخصيص والتعيين في قوله وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وفي قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً الآية روى البغوي بسنده عن عائشة قالت: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم فقال: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وإني والله لا بد لي من طاعته والله لأصبرن كما صبروا ولأجهدن كما جهدوا ولا قوة إلا بالله» .
قوله تعالى: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ يعني اصبر على أذاهم لا تستعجل بنزول العذاب عليهم فإنه نازل بهم لا محالة كأنه صلى الله عليه وسلم ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم فأمره الله تعالى بالصبر وترك الاستعجال ثم أخبر بقرب العذاب فقال تعالى: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ يعني من العذاب في الآخرة لَمْ يَلْبَثُوا يعني في الدنيا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ يعني أنهم إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه قدر ساعة من نهار لأن ما مضى وإن كان طويلا فهو يسير إلى ما يدوم عليهم من العذاب وهو أبد الآبدين بلا انقطاع ولا فناء وتم الكلام عند قوله ساعة من نهار ثم ابتدأ فقال تعالى: بَلاغٌ أي هذا القرآن وما فيه من البينات والهدى بلاغ من الله إليكم. والبلاغ: بمعنى التبليغ فَهَلْ يُهْلَكُ يعني: بالعذاب إذا نزل إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ يعني الخارجين عن الإيمان بالله وطاعته قال الزجاج: تأويله لا يهلك من رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون ولهذا قال قوم ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية والله أعلم.