الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العملية التي حدثت لنوح مع قومه وإهلاكهم بالغرق كانت أولية بالنسبة له؛ فالله سبق أن أعلمه بها، وحين ذهب هود إلى قوم عاد كانت هناك سابقة أمامه، وأخذ ربنا المكذبين لنوح بالعذاب، لذلك ألمح سيدنا هود فقط إلى احتمال العذاب حين قال:{أَفَلَا تَتَّقُونَ} .
أي أن العذاب قد ينتظركم وينالكم مثل قوم نوح.
ويقول الحق بعد ذلك: {قَالَ الملأ الذين
…
}
في هذه الآية جاء قوله: {الذين كَفَرُواْ} ، وفي قصة نوح قال سبحانه:{قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ} ولم يأت فيها بالذين كفروا، لأن قوم نوح لم يكن فيهم من آمن وكتم إيمانه وأخفاه، بخلاف عاد قوم هود فإنه كان فيهم رجل اسمه مرثد بن سعد آمن وكتم وستر إيمانه، فيكون قوله تعالى في شأنهم:{الذين كَفَرُواْ} قد جاء مناسبا للمقام، لأن فيهم مؤمنا لم يقل ما قولوا من رميهم لسيدنا هود بالسفاهة حيث قالوا ما حكاه الله عنهم بقوله: {
…
إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} [الأعراف:
66]
أما قوم نوح فقد قالوا: {
…
إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأعراف: 60]
فقال لهم نوح عليه السلام:
{قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ
…
} [الأعراف: 61]
ما الفرق بين الضلال والسفاهة؟
الضلال هو مجابنة حق، والسفاهة طيش وخفة وسخافة عقل، وأضافت عاد اتهاماً آخر لسيدنا هود:{وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} .
والظن رجحان الأمر بدون يقين، فهناك راجح، ومرجوح، أو أن الظن هنا هو التيقن. على حد قوله سبحانه: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ
…
} [البقرة: 46]
أي يتيقنون، وجاء بالرد من سيدنا هود: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ
…
}
وفي هذا القول نفي للاتهام بالسفاهة، وإبلاغ لهم بأنه مبلّغ عن الله بمنهج تؤديه الآية التالية وهي قوله الحق: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ
…
}
وسبق أن قال سبحانه على لسان نوح: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ
…
} [الأعراف: 62]
فلماذا قال في قوم نوح: {أَنصَحُ لَكُمْ} ، وقال هنا في عاد:{وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} ؟
لقد قال الحق: {أَنصَحُ لَكُمْ} في قوم نوح لأن الفعل دائماً يدل على التجدد، بينما يدل الاسم على الثبوت. ونظراً إلى أن نوحاً عليه السلام كان يلحّ على قومه ليلاً ونهاراً، وإعلاناً وسرًّا، لذلك جاء الحق بالفعل:{أَنصَحُ لَكُمْ} ليفيد التجدد، ولكن في حالة قوم هود جاء سبحانه بما يفيد الثبوت وهو قوله:{نَاصِحٌ أَمِينٌ} ؛ لأن هوداً عليه السلام لم يلح ويكرر على قومه في دعوتهم إلى الإِيمان كما كان يفعل نوح عليه السلام.
ويقول الحق على لسان سيدنا هود: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ
…
}
جاء الحق هنا بالذكر للإِنذار فقال: {لِيُنذِرَكُمْ} فقط، وليس كما قال في قوم نوح:{وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لأن الإِنذار لم يأت لمجرد الإِنذار، بل لنرتدع ونتقي، لِكي نُرحم، إذن فحين يأتي بأول الحلقة وأول الخيط وهو الإِنذار فنحن نستنتج الباقي وهو التقوى لنصل إلى الرحمة:{واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} .
وهذا كلام جديد؛ لأن قوم نوح هم أول قوم عُذّبوا حين لم يؤمنوا، وجاء سيدنا هود إلى عاد بعد ذلك، يبلّغهم وينذرهم ليأخذوا العبرة من نوح وقومه:
{
…
واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً فاذكروا آلآءَ الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف: 69]
ويذكرهم سيدنا هود أن الحق قد أعطى لهم أجساماً فارعة فيها بسطة وطول، ويقال: إن الطويل منهم كان يبلغ طوله مائة ذراع، والقصير منهم كان يبلغ طوله ستين ذراعاً، ويأمرهم سيدنا هود أن يذكروا آلاء الله، أي نعمه عليهم، وأول النعم أن أرسل إليهم رسولاً يأخذ بأيديهم إلى مناطق الخير.
فماذا كان ردهم؟
يقول الحق: {قالوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ
…
}
كان المنطق أن يعبدوا الله وحده لا أن يعبدوا الشركاء الذين لا ينفعوهم ولا يضرونهم، ولا يسمعونهم. بل إن الواحد منهم كان يرى الهواء يهب على الصنم، فيميل الصنم ويقع على الأرض وتنكسر رقبته، فيذهب إلى الحداد ليعيد تركيب رأس جديد للصنم، فكيف يعبد مثل هذا الصنم؟ لكنهم قالوا لهود: نحن نقلد آباءنا ولا يمكن أن نترك ما كان يعبد آباؤنا لأننا على آثارهم نسير. وإن كان إلهك ينذرنا بعذاب فأتنا به إن كنت من الصادقين. وهكذا وضح أنه لا أمل في اقتناعهم بالدعوة إلى الإِيمان.
فماذا يقول الحق بعد ذلك؟
يجيء القول الفصل على لسان سيدنا هود: