المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أن يبين لنا موقف موسى وموقف أخيه؛ فموقف موسى ظهر - تفسير الشعراوي - جـ ٧

[الشعراوي]

الفصل: أن يبين لنا موقف موسى وموقف أخيه؛ فموقف موسى ظهر

أن يبين لنا موقف موسى وموقف أخيه؛ فموقف موسى ظهر حين غضب على أخيه وابن أمه، وموقف هارون الذي بيّن العلة في أن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولا يمكن أن يطلب منه فوق هذا، وحينما قال هارون ذلك تنبه موسى إلى أمرين:

الأمر الأول: أنه كيف يلقي الألواح وفيها المنهج؟ والأمر الثاني: أنه كيف يأخذ أخاه هذه الأخذة قبل أن يتبين وجه الحق منه؟

ويقول الحق على لسانه بعد ذلك: {قَالَ رَبِّ اغفر لِي

}

ص: 4366

قال يا رب اغفر لي إن كان قد بدر مني شيء يخالف منطق الصواب والحق. واغفر لأخي هارون ما صنع، فقد كان يجب عليه أن يأخذ في قتال من عبدوا العجل حتى يمنعهم أو ينالوا منه ولو مادون القتل جرحاً أو خدشاً أو. . أو. . إلخ.

ويطلب موسى لنفسه ولأخيه الرحمة: {وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} [الأعراف:‌

‌ 151]

وحين تسمع {أَرْحَمُ الراحمين} أو {خَيْرُ الرازقين} ، أو {خَيْرُ الوارثين} ، أو {أَحْسَنُ الخالقين} ، وكل جمع هو وصف لله، وإنه بهذا أيضاً يدعو خلقه إلى التخلق بهذا الخلق، ويوصف به خلقه. فاعلم أن الله لم يحرمهم من وصفهم بهذه الصفات لأن لهم فيها عملا وإن كان محدودا يتناسب مع قدرتهم ومخلوقيتهم وعبوديتهم، فضلا على أنها عطاء ومنحة منه - سبحانه - أما صفات الله فهي صفات لا محدودة ولا متناهية جلالا وكمالا وجمالا فسبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ

ص: 4366

شَيْءٌ} ، فإذا كان خلق الله هو {أَرْحَمُ الراحمين} فهذا يعني أنه سبحانه لم يمنع الرحمة من خلقه على خلقه؛ فمن رحم أخاه سُميِّ رحيماً، وراحماً، ولكن الله أرحم الراحمين؛ لأن الرحمة من كل إنسان ضمان لمظهرية الغضب في هذا الأحد، يقال:«رحمت فلاناً» أي من غضبك عليه وعقوبتك، وإنّ عقوبتك على قدر قوتك، لكن الله حين يريد أن يأخذ واحداً بذنب فقوته لا نهاية لها، وكذلك رحمته أيضاً لا نهاية لها.

ويقول الحق بعد ذلك: {إِنَّ الذين اتخذوا

}

ص: 4367

حين يقال: {اتخذوا العجل} قد نجد من يتساءل: هل اتخذوه مذبوحاً يأكلونه؟ أو يثير الأرض أو يسقي الحرث ويدير السواقي؟ لأن العجل موجود لهذه المهام، لكنهم لم يأخذوا العجل لتلك المهام، بل إنهم قد اتخذوا العجل إلهاً ومعبوداً، أما اتخاذه فيما خُلِقَ له فلا غبار عليه، وهو هنا محذوف ومتروك لفطنة السامع؛ فإذا اتخذنا العجل فيما خُلِقَ له العجل لا ينالنا غضب من الله، أما الذين سينالهم غضب الله فهم من اتخذوا العجل في غير ما خُلِقَ له، إنهم اتخذوه إلهاً:{سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الحياة الدنيا} .

وقوله: {سَيَنَالُهُمْ} يدل على أن أوان الغضب والذلة لم يأت بعد، وسيحدث في المستقبل، ومستقبل الدنيا هو الآخرة، ولكن الحق هنا يقول: إن الذلة ستحدث في الدنيا، فكيف يكون {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ} مع أنهم تابوا؟ ويوضح سبحانه لنا ذلك في قوله:{فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} .

ص: 4367