الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(يرد) إما محذوف، أي يرد شيئا أو مرادا ما، والباء للملابسة. أو هي زائدة و (إلحادا) مفعوله. أو للتعدية لتضمينه معنى (يتلبس) . و (بظلم) حال مرادفة. أو بدل مما قبله، بإعادة الجار. أو صلة له. أي ملحدا بسبب الظلم. وعلى كلّ، فهو مؤكد لما قبله. ومن قوله نُذِقْهُ إلخ يؤخذ خبر (إنّ) ويكون مقدرا بعد قوله وَالْبادِ مدلولا عليه بآخر الآية، كما ارتضى ذلك أبو حيان في (البحر) . ثم أشار تعالى إلى تقريع وتوبيخ من عبد غيره وأشرك به في البقعة المباركة، التي أسست من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحج (22) : آية 26]
وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أي واذكر إذ عيّناه وجعلناه له مباءة، أي منزلا ومرجعا لعبادته تعالى وحده ف (أن) في قوله تعالى أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً مفسرة ل بَوَّأْنا من حيث إنه متضمن لمعنى (تعبدنا) لأن التبوئة للعبادة. أي فعلنا ذلك لئلا تشرك بي شيئا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ أي من الأصنام والأوثان والأقذار لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ أي لمن يطوف به ويقيم ويصلّي. أو المراد بالقائمين وما بعده (المصلين) ، ويكون عبّر عن الصلاة بأركانها، للدلالة على أن كل واحد منها مستقل باقتضاء ذلك، فكيف وقد اجتمعت؟.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحج (22) : الآيات 27 الى 28]
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28)
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ أي ناد فيهم به، قال الزمخشريّ: والنداء بالحج أن يقول: حجّوا، أو عليكم الحج يَأْتُوكَ رِجالًا أي مشاة، جمع (راجل) وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ أي ركبانا على كل بعير مهزول، أتعبه بعد الشقة فهزله. والعدول عن (ركبانا) الأخصر، للدلالة على كثرة الآتين من الأماكن البعيدة، وقوله تعالى:
يَأْتِينَ صفة لكل ضامر، لأنه في معنى الجمع. وقرئ (يأتون) صفة للرجال
والركبان. أو استئناف، فيكون الضمير للناس مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أي طريق واسع بعيد لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ أي ليحصروا منافع لهم دينية ودنيوية وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ أي على ما ملكهم منها، وذلّلها لهم، ليجعلوها هديا وضحايا. قال الزمخشريّ: كنى عن البحر والذبح، بذكر اسم الله. لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا. وفيه تنبيه على أن الغرض الأصليّ فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه- زاد الرازيّ- وأن يخالف المشركون في ذلك. فإنهم كانوا يذبحونها للنصب والأوثان، قال القفال: وكأن المتقرب بها وبإراقة دمائها متصوّر بصورة من يفدي نفسه بما يعادلها. فكأنه يبذل تلك الشاة بدل مهجته، طلبا لمرضاة الله تعالى، واعترافا بأن تقصيره كاد يستحق مهجته. والأيام المعلومات أيام العشر. أو يوم النحر وثلاثة أيام أو يومان بعده. أو يوم عرفة والنحر ويوم بعده. أقوال للأئمة.
قال ابن كثير: ويعضد الثاني والثالث قوله تعالى عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ يعني به ذكر الله عند ذبحها. انتهى.
أقول- لا يبعد أن تكون (على) تعليلية، والمعنى: ليذكروا اسم الله وحده في تلك الأيام بحمده وشكره وتسبيحه، لأجل ما رزقهم من تلك البهم. فإنه هو الرزاق لها وحده والمتفضل عليهم بها: ولو شاء لحظرها عليهم ولجعلها أوابد متوحشة. وقد امتن عليهم بها في غير موضع من تنزيله الكريم. كقوله سبحانه:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ [يس: 71- 72] والسر في إفراده هذه النعمة، والتذكير بها دون غيرها من نعمه وأياديه، أن بها حياة العرب وقوام معاشهم. إذ منها طعامهم وشرابهم ولباسهم وأثاثهم وخباؤهم وركوبهم وجمالهم. فلولا تفضله تعالى عليهم بتذليلها لهم، لما قامت لهم قائمة.
لأن أرضهم ليست بذات زرع، وما هم بأهل صناعة مشهورة، ولا جزيرتهم متحضرة متمدنة. ومن كانوا كذلك، فيجدر بهم أن يذكروا المتفضل عليهم بما يبقيهم، ويشكروه ويعرفوا له حقه. من عبادته وحده وتعظيم حرماته وشعائره. فالاعتبار بها من ذلك، موجب للاستكانة لرازقها، والخضوع له والخشية منه. نظير الآية- على ما ظهر لنا- قوله تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش: 3- 4]، هذا أولا. وثانيا قد يقال: إنما أفردت لتتبع بما هو البر