الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم، لتأتوهم بخبر الرجل. فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال. ما نعلم ركبا أحمق منكم. أو كما قالوا لهم. فقالوا لهم: سلام عليكم. لا نجاهلكم. لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيرا.
قال: ويقال إن النفر النصارى من أهل نجران. فالله أعلم أيّ ذلك كان.
قال: ويقال، والله أعلم، إن فيهم نزلت هذه الآيات الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ إلى قوله: لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ.
قال: وسألت الزهري عن هذه الآيات فيمن نزلت؟ قال: ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشي وأصحابه رضي الله عنهم. والآيات اللاتي في سورة المائدة ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً [المائدة: 82]، إلى قوله فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة: 83] .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القصص (28) : الآيات 56 الى 58]
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَاّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (58)
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أي لا تقدر أن تدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل فيه من قومك وغيرهم وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أي أن يهديه فيدخله في الإسلام بعنايته وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أي القابلين للهداية. لاطلاعه على استعدادهم وكونهم غير مطبوع على قلوبهم.
تنبيه:
روى البخاري «1» في (صحيحه) في تفسير هذه الآية عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل
(1) أخرجه في: التفسير، 28- سورة القصص، 1- باب قوله إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، حديث 717.
وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة. فقال: أي عم! قل لا إله إلا الله، كلمة أحاجّ لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله.
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله! لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك. فأنزل الله ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة: 113] ، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: 56] .
قال ابن كثير: وهكذا رواه مسلم «1» في صحيحه والترمذي «2» أيضا من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم، عن أبي هريرة. والإمام أحمد من حديثه أيضا، وهكذا قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبيّ وقتادة: إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه الإسلام. انتهى.
وقال ابن حجر في (فتح الباري) : لم تختلف النقلة في أنها نزلت في أبي طالب. انتهى. وقدمنا مرارا معنى قولهم نزلت الآية في كذا. فانظر المقدمة، وغير موضع بعدها.
ثم ذكر تعالى من تعنتهم، شبهة استروح بها الحارث بن عامر بن نوفل، فيما رواه النسائي، قوله سبحانه: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ أي ونخالف العرب نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أي مكة. فرد عليهم تعالى بقوله: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً أي: ألم نعصمهم من عدوّهم ونجعل مكانهم حرما ذا أمن، لحرمة البيت الحرام، الذي تتناجز العرب حوله وهم آمنون يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي جهلة لا يتفكرون. ولو علموا أن ذلك رزق من عند الله، لعلموا أن الخوف والأمن من عنده، ولما خافوا التخطف إذ آمنوا به وخلعوا أنداده. وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها أي كفرت بها فلم تحفظ حق الله فيها فدمرت فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ أي منهم. إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم. وموصوف (قليلا) المستثنى، إما (زمان) أي إلا
(1) أخرجه في: الإيمان، حديث 39.
(2)
أخرجه في: التفسير، 28- سورة القصص.